نهج البيان عن كشف معاني القرآن - ج ٢

محمّد بن الحسن الشيباني

نهج البيان عن كشف معاني القرآن - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن الحسن الشيباني


المحقق: حسين درگاهي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN: 964-400-034-X
الصفحات: ٣٩٩

بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٥)] (١).

[قال مجاهد وعطاء : من يكفر] (٢) بالله ورسوله وما جاء به ، فلا يستحقّ ثوابا بل عقابا. لأنّه أحبط عمله بالكفر الّذي قدّمه ، واعتقد صحّته (٣).

قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ، فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) (٤) ؛ أي : معها. وكقوله : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) (٥) ؛ أي : مع الله.

(وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) : وهما النّاتئان في وسط القدم.

ولو (٦) أراد غسل الظّنابيب (٧) الأربع ؛ كما قالوا ، وعطفوها على الغسل ، لكان يقول : إلى الكعاب. لأنّ في كلّ رجل كعبين ، على قولهم. وإنّما الله ـ تعالى ـ عطف مغسولا على مغسول ، وممسوحا على ممسوح. روى ذلك ابن عبّاس رحمه الله (٨) ، وهو مذهب أهل البيت ـ عليهم السّلام ـ.

وقال أصحابنا : من (٩) غسل مرّة واحدة ، فقد امتثل الأمر (١٠).

__________________

(١) مجمع البيان ٣ / ٢٥١.

(٢) ليس في ج.

(٣) مجمع البيان ٣ / ٢٥٢.

(٤) النّساء (٤) / ٢.

(٥) آل عمران (٣) / ٥٢.

(٦) ج : فلو.

(٧) الظنبوب : حرف الساق اليابس من قدم. لسان العرب ١ / ٥٧٢ مادّة «ظنب».

(٨) تفسير الطبري ٦ / ٨٢.

(٩) أ : لمن.

(١٠) تفسير أبي الفتوح ٤ / ١٢٥.

٢٠١

وروي : أنّ النّبيّ ـ عليه السّلام ـ لمّا علّم الأعرابيّ الوضوء غسل مرّة مرّة ، ثمّ مسح القدمين إلى العظمين النّاتئين في وسط القدم بنداوة الوضوء. ثمّ قال : هذا وضوء ، لا يقبل الله (١١) الصّلاة إلّا به (١٢).

وروي عنه ـ عليه السّلام ـ : أنّه قال : إنّما أنا لكم كالوالد (١٣) ، فكما أفعل افعلوا (١٤).

وروي : أنّه توضّأ مرّتين : إحداهما واجبة ، والأخرى سنّة (١٥). والثّلاث عندنا بدعة. ومن فعل خلاف ما فعل النّبيّ ـ عليه السّلام ـ فقد أبدع ، وأتى بما لا يجزئه.

وبين الفقهاء في الوضوء خلاف ، لا يحتمل ذكره كتاب التّفسير.

ويستحبّ لمن كان على طهارة ، ثمّ دخل عليه وقت الصّلاة ، أن يجدّد الوضوء مندوبا. لما روي عن (١٦) النّبيّ ـ عليه السّلام ـ أنّه (١٧) قال : وضوء على وضوء نور

__________________

(١١) ليس في ج.

(١٢) التبيان ٣ / ٤٥٦ ، تفسير أبي الفتوح ٤ / ١٣١.

(١٣) من الموضع المذكور إلى هنا ليس في ب.

(١٤) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(١٥) روي الصّدوق بإسناده عن عمرو بن أبي المقدام قال : حدّثني من سمع أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : إنّي لأعجب ممّن يرغب أن يتوضّأ اثنتين اثنتين ، وقد توضّأ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ اثنتين اثنتين. من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٩ ، ح ٨٠ وعنه وسائل الشّيعة ١ / ٣٠٩ ، ح ١٦ وورد نحوه في مستدرك الوسائل ١ / ٣٢٨.

(١٦) ب : أنّ.

(١٧) ليس في ب.

٢٠٢

على نور (١). وهو في كلّ الأحوال مندوب ، إلّا أن تكون على طهارة.

وقال قوم : كان الوضوء مندوبا ، فنسخ بهذه الآية (٢).

وقيل : إنّها ناسخة لقوله ـ تعالى ـ : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) (٣) ؛ يريد : من النّوم (٤).

وذهب قوم ، إلى (٥) أنّها ناسخة للمسح على الخفّين (٦).

وروي عن ابن عبّاس ـ رحمه الله ـ أنّ النّبيّ ـ عليه السّلام ـ لم يمسح على الخفّين بعد نزول المائدة (٧).

واستدلّ أصحابنا ـ رحمهم الله ـ على تحريم المسح على الخفّين ، بأن قالوا : لا يسمّى الخفّ عند أهل اللّغة : رجلا ؛ كما لا تسمّى العمامة : رأسا (٨).

وروي عن ابن عبّاس ـ رحمه الله ـ أنّه قال : لئن أمسح على ظهر عير بالفلاة ،

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ٤١ ، ح ٨٢ وعنه وسائل الشّيعة ١ / ٢٦٥.

(٢) مجمع البيان ٣ / ٢٥٣.

(٣) النّساء (٤) / ٤٣.

(٤) مجمع البيان ٣ / ٨١.

(٥) ليس في أ.

(٦) التبيان ٣ / ٤٥٧.

(٧) روي الطوسي عن الحسين بن سعيد عن حمّاد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : جمع عمر بن الخطاب أصحاب النّبيّ ـ عليه السّلام ـ وفيهم عليّ ـ عليه السّلام ـ وقال : ما تقولون في المسح على الخفّين؟ فقام المغيرة بن شعبة فقال : رأيت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يمسح على الخفّين. فقال عليّ ـ عليه السّلام ـ قبل المائدة أو بعدها؟ فقال : لا أدري فقال عليّ ـ عليه السّلام ـ سبق الكتاب الخفّين إنّما أنزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة. التهذيب ١ / ٣٦١ ، ح ٢١. وعنه وسائل الشّيعة ١ / ٣٢٣ ، ح ٦.

(٨) التبيان ٣ / / ٤٥٧.

٢٠٣

أحبّ إليّ من أن أمسح على الخفّين (١).

قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً ، فَاطَّهَّرُوا) ؛ أي : فاغتسلوا.

وصفة غسل الجنابة عند أهل البيت ـ عليهم السّلام ـ : أن يعمد المكلّف به (٢) إلى غسل يديه ، وغسل ما حصل على بدنه من نجاسة إن كانت فيزيلها عنه ، ثمّ يتمضمض ثلاثا ويستنشق ثلاثا ، ثمّ ينوي بقلبه أن (٣) يغتسل لرفع حدث الجنابة واجبا قربة إلى الله ـ تعالى ـ. ثمّ يغسل رأسه فيوصل الماء إلى جميع (٤) بشرته ، ثمّ يغسل جانبه الأيمن كذلك ، ثمّ جانبه الأيسر (٥) ، ولا يترك شيئا إلّا ويوصل الماء إليه.

والتّرتيب فيه واجب ، وإن ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأته عن التّرتيب.

ولا يلزمه وضوء الصّلاة مع غسل الجنابة ، لا قبله ولا بعده. [وما عداه من الأغسال الواجبة والمندوبة لا بدّ فيه من الوضوء ، إمّا قبله أو بعده] (٦) وهذا مذهب أهل البيت ـ عليهم السّلام ـ.

قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ، فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ، فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) ؛ أي :

__________________

(١) ورد نحوه عن عليّ ـ عليه السّلام ـ في مستدرك الوسائل ١ / ٣٣٥ نقلا عن الجعفريّات.

(٢) ليس في ب ، ج.

(٣) ب : أنّه.

(٤) ليس في ج.

(٥) ب زيادة : كذلك.

(٦) ليس في أ.

٢٠٤

اقصدوا ترابا طاهرا (١) مباحا لتيمّمكم. وقد مضى ذكر صفة التّيمّم عن الوضوء والغسل في سورة النّساء (٢) ، فلا مائدة في تكراره (٣).

قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا! كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ) ؛ يعني : بما أمركم من التّكليف ، وما نهاكم عنه.

(شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) ؛ أي : بالعدل (٤).

وقوله ـ تعالى ـ : [(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا! اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) (الآية).

قيل : نزلت هذه الآية في قوم من يهود (٥) ، همّوا بقتل النّبيّ ـ عليه السّلام ـ فمنعهم الله من ذلك (٦).

وقيل : هي عامة (٧).

قوله ـ تعالى ـ] (٨) : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) ؛ يريد : أخذنا

__________________

(١) ليس في أ ، م.

(٢) ليس في د.

(٣) سقط من هنا قوله تعالى : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ (لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٦) والآية (٧)

(٤) سقط من هنا قوله تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (٨) والآية (٩) و (١٠)

(٥) ج : اليهود.

(٦) تفسير الطبري ٦ / ٩٢ ـ ٩٣.

(٧) مجمع البيان ٣ / ٢٦٣ نقلا عن الجبائي.

(٨) ليس في ب.

٢٠٥

ميثاقهم على ما كلّفناهم على لسان رسلنا ، من الإقرار بمحمّد (١) ـ صلّى الله عليه وآله ـ والتّصديق له.

قوله ـ تعالى ـ : (وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) ؛ أي : شهيدا.

و «النّقيب» عند أهل اللّغة : هو (٢) الرّئيس الّذي ينقّب عن مصالح رعيّته وتدبيرهم.

وقال الكلبيّ : «نقيبا» شهيدا (٣).

وقال أبو عبيدة : «نقيبا» [شهيدا ـ أيضا ـ] (٤).

وقال الأخفش : نقباء أمناء (٥).

وقال مقاتل : أطاع منهم خمسة ، وعصى خمسة (٦).

وقيل : عصى منهم (٧) سبعة ، وهم الّذين بعثهم موسى ـ عليه السّلام ـ إلى الجبّارين يدعوهم إلى الإيمان بما جاء به (٨). وقد مضت قصّتهم في تفسير (٩) سورة البقرة ، فلا فائدة في تكراره (١٠).

__________________

(١) د : لمحمّد.

(٢) ليس في أ.

(٣) تفسير الطبري ٦ / ٩٥ نقلا عن قتادة.

(٤) ليس في أ ، د ، ج ، م.+ لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٥) تفسير الطبري ٦ / ٩٦٩٥ نقلا عن الربيع.

(٦) ليس في ب.+ لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٧) ليس في ج.

(٨) ليس في ج.+ لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٩) ليس في ب.

(١٠) سقط من هنا قوله تعالى : (وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ

٢٠٦

قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ) ؛ يعني : اليهود ، خانوا بما أخذنا ميثاقهم عليه من صفة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ في التّوراة ، والبشارة [والتّصديق بما يجيء به (١).

وقوله ـ تعالى ـ : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) أيضا بما جاء في الإنجيل من صفة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ والبشارة] به وتصديقه.

(فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ. فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) ؛ أي : تركناهم وخلّينا بينهم ، فلا (٢) تجد إلى يوم القيامة أحدا من القبيلين (٣) يحبّ الآخر (٤).

قوله ـ تعالى ـ : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) :

كفروا [من حيث] (٥) وصفوا المسيح [بالآلهة] (٦) وهو محدث مخلوق يأكل ويشرب ، وصفوه (٧) [بصفة] (٨) الإله القديم الخالق (٩).

__________________

بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ. فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ).

(١) سقط من هنا قوله تعالى : (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (١٣)

(٢) د : ولا.

(٣) ب ، ج : القبيلتين.

(٤) سقط من هنا قوله تعالى : (وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) (١٤) والآية (١٥) و (١٦)

(٥) ب : أنّهم.

(٦) من ب.

(٧) ب : يصفوه.

(٨) ليس في أ.

(٩) سقط من هنا قوله تعالى : (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٧)

٢٠٧

قوله ـ تعالى ـ : (يا أَهْلَ الْكِتابِ) ؛ يعني : اليهود.

و «الكتاب» هاهنا : التّوراة.

(قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا ، يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) ؛ يعني : التّوراة. يريد (١٠) : ما (١١) جاء فيها من الأحكام الّتي كتموها ، والبشارة بمحمّد (١٢) ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأنّه نبيّ صادق ؛ وكآية الرّجم للمحصن والمحصنة ، وغير ذلك.

(وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) ؛ يريد : فلا يجزئكم به (١٣).

روي : أنّ السّبب في هذه الآية ، أنّ امرأة شريفة من اليهود زنت وهي محصنة ، فكرهوا رجمها. فأرسلوا (١٤) إلى النّبيّ ـ عليه السّلام ـ يسألونه عن ذلك ، فأوجب عليها الرّجم ، [فأبوه] (١٥).

فقال : [بيني وبينكم] (١٦) ابن صوريا (١٧) حبر من أحبارهم ، كان يسكن

__________________

(١٠) ب : يعني.

(١١) ج : بما.

(١٢) د : لمحمّد.

(١٣) سقط من هنا قوله تعالى : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) (١٥)

(١٤) ب : فأتوا.

(١٥) ليس في ب.

(١٦) ليس في ب.

(١٧) ج زيادة : يعني.

٢٠٨

فدك. فأحضروه عند النّبيّ ـ عليه السّلام ـ.

فقال له : أنشدك الله الّذي أنعم عليكم وأنزل التّوراة على موسى بن عمران ، إنّ (١) الرّجم على المحصن؟

فقال : نعم ، ولو لا مخافتي من التّوراة لقلت : لا.

ثمّ قال ابن صوريا : هذا مقام العائذ بك ، تذكر لنا (٢) الكثير الّذي أمرت أن تعفو عنه. فأعرض النّبيّ ـ عليه السّلام ـ عنه (٣).

ثمّ سأله ابن صوريا عن مسائل ، فقال أخبرني (٤) عن نومك ، وعن شبه الولد تارة بأبيه وبأمّه (٥) أخرى ، وما حظّ الوالد من أعضاء الولد وما حظّ الأمّ من ذلك؟

فقال (٦) ـ عليه السّلام ـ : تنام عيناي ولا ينام قلبي. والشّبه الّذى ذكرت بغلبة الماء ؛ إن غلب ماء الرّجل جاء الولد يشبه أباه ، وإن غلب ماء الأمّ جاء الولد يشبه أمّه. وللأب العظم والعصب والعروق ، وللأمّ اللّحم والدّم والشّعر.

فقال ابن صوريا : أشهد أنّك نبيّا صادق. ثمّ (٧) أسلم ، فسمّته اليهود.

وقال المنافقون لليهود : لا تقبلوا من محمّد في الرّجم ، واقبلوا منه الجلد (٨).

__________________

(١) ب : أ فيها.

(٢) ليس في ب.

(٣) ليس في ب.

(٤) ب ، د (خ ل) : أخبرنا.

(٥) ب : بأمّه وأبيه.

(٦) ج زيادة : له.

(٧) ليس في د.

(٨) ب ، ج ، د : في الجلد.

٢٠٩

فذلك (١) قوله ـ تعالى ـ حكاية عن المنافقين : (إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ ، وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) (٢) (الآية).

فلما أراد ـ عليه السّلام ـ الانصراف عنهم تعلّق به بنو قريظة ، وقالوا : يا أبا القاسم! هؤلاء إخواننا من بني النّضير ، إذا قتلوا منّا قتيلا (٣) أعطونا سبعين وسقا [من تمر] (٤) [وإن قتلنا منهم قتيلا أخذوا منّا مائة وأربعين وسقا من تمر] (٥) وكذلك حالنا معهم في الجراحات.

فنزل قوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ جاؤُكَ ، فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ. أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) (٦).

ثمّ نسخ ذلك بقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ (٧) بِما أَنْزَلَ اللهُ) (٨).

وقوله ـ تعالى ـ : (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ ، سُبُلَ السَّلامِ) ؛ أي : طرق السّلامة والخير والجنّة (٩).

__________________

(١) أ : فلذلك.

(٢) المائدة (٥) / ٤١.

(٣) ج : قتلا.

(٤) ليس في ب.

(٥) من ب.

(٦) أنظر : تفسير أبي الفتوح ٤ / ٢٠٥ ـ ٢٠٨ وأسباب النزول / ١٤٦ ـ ١٤٧ وتفسير الطبري ٦ / ١٠٣ ـ ١٠٤.

(٧) المائدة (٥) / ٤٢.+ ب زيادة : بالقسط أي.

(٨) المائدة (٥) / ٤٨.

(٩) سقط من هنا قوله تعالى : (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١٦) وقد مضت الآية (١٧) على غير ترتيب آيات السّورة.

٢١٠

وقوله ـ تعالى ـ : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى : نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ ، وَأَحِبَّاؤُهُ. قُلْ : فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ).

وذلك أنّهم قالوا : يعذّبنا الله بعدد الأيّام الّتي عبدنا فيها العجل.

وقوله ـ تعالى ـ : (يا أَهْلَ الْكِتابِ! قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا ، يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) ؛ يريد : سبحانه ـ : يبيّن لكم على انقطاع من الرّسل عنكم في زمان الفترة.

قال قتادة : الفترة بين عيسى ومحمّد ـ عليهما السّلام ـ خمسمائة سنة وستّون سنة (١).

وقال السدي : ستّمائة سنة (٢).

وروي عن ابن عبّاس ـ رحمه الله ـ أنّه قال : كان (٣) بين عيسى ومحمّد ـ عليهما السّلام ـ أربعة من الرّسل (٤) ، [وهو قوله : «وعزّزنا بثالث» (٥). والرابع لا أعلمه] (٦).

قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ : يا قَوْمِ! اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ. إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ ، وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) :

__________________

(١) تفسير الطبري ٦ / ١٠٧.

(٢) التبيان ٣ / ٤٧٩ نقلا عن الحسن.

(٣) ليس في ج.

(٤) مجمع البيان ٣ / ٢٧٤.

(٥) يس (٣٦) / ١٤.

(٦) ليس في ب+ سقط من هنا قوله تعالى : (أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٩)

٢١١

قيل : إنّ من ملك دارا وزوجة وخادما ، [وكان] (١) عنده ما يحتاج إليه ، فهو ملك (٢).

وقيل : (جَعَلَكُمْ مُلُوكاً) ؛ أي : أحرارا ، بعد أن كنتم عبيدا لفرعون. فأهلكه الله بالغرق وأهلك أصحابه ، وأورثكم ملك مصر مكانه (٣).

وقوله ـ تعالى ـ : (وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) (٢٠) ؛ يعني :

من المنّ والسّلوى ، والحجر الّذي كان معهم في التّيه ، يضربه موسى ـ عليه السّلام ـ بعصاه فيتفجّر منه اثنتا عشرة عينا ، لكلّ سبط منهم عين. وكان ذلك ، حيث شكوا إليه قلّة الماء والعطش في التّيه.

وشكوا إليه ـ أيضا ـ ما كانوا يلقونه من الظّلمة في مسيرهم فيه باللّيل ، إذا غاب القمر. فأنزل الله لهم عودا من السّماء [يضيء لهم] (٤) ، إذا غاب القمر.

وشكوا إليه ـ أيضا ـ ما كان يلقونه من وسخ الثّياب والقمل. فسأل موسى ربّه ـ تعالى ـ في ذلك ، فرفع عنهم الوسخ والقمل. وكان لا يبلى لأحدهم ثوب. كلّ ذلك معجزة لموسى ـ عليه السّلام ـ.

وقوله ـ تعالى ـ : (يا قَوْمِ! ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ ، الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) :

__________________

(١) ليس في أ ، ب.

(٢) روى الطبري عن الزبير بن بكار عن أبي ضمرة أنس بن عياض قال : سمعت زيد بن أسلم يقول : وجعلكم ملوكا فلا أعلم إلّا أنّه قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : من كان له بيت وخادم فهو ملك. تفسير الطبري ٦ / ١٠٨ و ١٠٩.

(٣) البحر المحيط ٣ / ٤٥٢.

(٤) ليس في ب.

٢١٢

وذلك حيث دعاهم موسى ـ عليه السّلام ـ إلى قتال الجبّارين بها ؛ وهم الّذين (١) عوج بن عناق (٢) منهم. حكي عنه أنّه (٣) كان يخوض البحر ويخرج منه الحوت ، ويشويه في عين الشّمس ويأكله. وكان رأسه يحاذي السّحاب المسخر بين السّماء والأرض. فقتله موسى ـ عليه السّلام ـ. وكان طول عوج ، على ما حكي ، اثني عشر ذراعا بذراعه. وفي رواية أخرى : عشرة أذرع. وكان طول موسى ـ عليه السّلام ـ عشرة أذرع بذراعه ، وطول [عصاة موسى] (٤) عشرة أذرع بذراعه ، ونزا عن الأرض عشرة (٥) فضرب عوج في كعبة فقتله (٦).

وقوله ـ تعالى ـ : (قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ ، أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا : ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ ، فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ. وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا ، إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٢٣) :

قيل : «الرّجلان» هما موسى وهارون ـ عليهما السّلام ـ (٧).

وقيل : هما يوشع بن نون ، وكالب بن بوقيا (٨).

__________________

(١) ب زيادة : كانوا.

(٢) ج : عنق.

(٣) ليس في أ.

(٤) ب : عصاه.

(٥) م زيادة : أذرع.

(٦) ج : فمات.+ أنظر التبيان ٣ / ٤٨٤ و ٤٨٥.+ سقط من هنا قوله تعالى : (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) (٢١)

(٧) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٨) تفسير الطبري ٦ / ١١٣ نقلا عن مجاهد وفيه : يوفنا بدل بوقيا.

٢١٣

وقال مقاتل : يوشع بن سبط بن بنيامين (١) ، وكالوب من سبط يهودا (٢).

وقوله ـ تعالى ـ حكاية عنهم : (قالُوا : يا مُوسى! إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها. فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا ، إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (٢٤). قالَ : رَبِّ! إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ، فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٢٥) ؛ [يعني : الفاسقين] (٣) الّذين خرجوا عن طاعته.

وأصل الفسق : الخروج ، لغة.

فابتلاهم الله ، حيث عصوا موسى ـ عليه السّلام ـ بالتّيه من أرض فلسطين بمائة فرسخ (٤) برّيّة ، قفراء لا ماء بها (٥) ولا نبات. يتيهون فيها طول ليلهم في ضجّة (٦) وجدّ (٧) ، ثمّ يصبحون (٨) مكانهم. ورفع عنهم الغمام ، الّذي كان يظلّهم من حرّ الشّمس. مكثوا على ذلك أربعين (٩) سنة (١٠).

وقوله ـ تعالى ـ : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِ) ؛ أي : بالصّدق.

وابنا آدم : هابيل المؤمن ، وقابيل الكافر.

__________________

(١) ج : يامين.

(٢) د : يهوذا.+ مجمع البيان ٣ / ٢٧٧.

(٣) ليس في أ.

(٤) ب : ثمانية فراسخ.+ مجمع البيان ٣ / ٢٨١ وأنوار التنزيل ١ / ٢٧٠ : ستّة فراسخ.

(٥) ب : فيها.

(٦) د : ضجرة.

(٧) ب : جدو.

(٨) الصواب ما أثبتناه في المتن وفي النسخ : يصبحوا.

(٩) ليس في ب.

(١٠) سقط من هنا الآية (٢٦)

٢١٤

(إِذْ قَرَّبا قُرْباناً) :

وكان قد جرى بينهما مفاخرة ومنافرة في أمر أراده هابيل ، فلم يمكّنه قابيل منه.

قال (١) له (٢) هابيل : فيقرّب كلّ منّا قربانا ، فمن قبل الله ـ تعالى ـ قربانه كان ذلك له.

وكان من سنّتهم ذلك. وكانت تنزل من السّماء نار فتأكل قربان الصّادق فيما يدّعيه ، فيحكم له به. ومن لم تأكل قربانه ، لم يحظ بشيء.

فقرّب هابيل كبشا من الغنم ، لأنّه كان صاحب ماشية. وقرب قابيل كدس طعام ، لأنّه كان صاحب زرع. فنزلت نار من السّماء ، فأكلت الكبش وبقي الطّعام بحاله. فحسده قابيل على ذلك وعزم على قتله ، وأخبره بذلك وقتله. فقصّ الله ـ تعالى ـ قصّتهما على نبيّه ـ عليه السّلام ـ. روي ذلك عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ (٣).

فقال له (٤) هابيل : (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ، ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ. إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (٢٨) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) ؛ أي : إن فعلت ذلك رجعت (٥) بإثم قتلي ؛ أي : بعقابه. «وإثمك» ؛ أي : بعقاب

__________________

(١) ج : فقال.

(٢) ليس في أ.

(٣) تفسير أبي الفتوح ٤ / ١٧٧١٧٤+ سقط قوله تعالى : (فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (٢٧)

(٤) ليس في ب.

(٥) أ ، جئت.

٢١٥

إقدامك على ما حرّم الله عليك من قتلي (١).

(فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ) ؛ أي : أطاعته نفسه ، وزيّنت (٢) له ذلك (٣) (فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٣٠) : في الدّنيا والآخرة.

ثمّ جلس عند أخيه المقتول متحيّرا ، ما (٤) يدري ما يصنع به (٥) (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ) :

قيل : كانا ملكين في صورة غرابين (٦).

وقيل : كانا غرابين على الحقيقة (٧).

فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر ، وقابيل ينظر إليهما. ثمّ بحث القاتل الأرض ، وحفر له حفيرة وغطّاه بالتّراب (٨). ففطن قابيل لذلك (٩) ، و (قالَ : يا وَيْلَتى ، أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ ، فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي). وفعل مثل ما فعل الغراب (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) (٣١) فقصّ الله ـ تعالى ـ قصّتهما (١٠) على نبيّه ـ عليه السّلام ـ.

__________________

(١) سقط من هنا قوله تعالى : (فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) (٢٩)

(٢) م : زيّنته.

(٣) ليس في م.

(٤) ج ، د : لا.

(٥) ليس في ب.

(٦) التبيان ٣ / ٥٠٠.

(٧) تفسير الطبري ٦ / ١٢٧ و ١٢٨.

(٨) ب : بالأرض.

(٩) سقط من هنا قوله تعالى : (يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ).

(١٠) ب : قصّته.

٢١٦

وقوله ـ تعالى ـ : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ ، كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ : أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ ، فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) (الآية) :

قال بعض النّحاة : عطف ـ سبحانه ـ «فسادا» على «نفس» ولذلك خفضه ؛ وتقديره : أو بغير فساد (١).

وقرأ الحسن ، بالنّصب ، على معنى : أو فسد فسادا ، فيكون مصدرا (٢).

وقوله ـ تعالى ـ : (فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً). قيل معناه : إنّ النّاس كلّهم خصومة في كونه قاتلا ظلما (٣).

وقال ابن عبّاس ـ رحمه الله ـ : معناه : من قتل نبيّا أو إماما عادلا (٤) فكأنّما قتل النّاس جميعا ، لعموم الضّرر بذلك (٥).

(وَمَنْ أَحْياها ، فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) ؛ معناه : من منع من (٦) قتلها فكأنّما أحيا النّاس جميعا ، لعموم النّفع بها.

وقال أبو عليّ الجبّائيّ : إنّ عليه مأثم كلّ قاتل [من النّاس] (٧) ظلما ، من حيث سهّل القتل عليهم وسنّه (٨) لهم (٩). ومنه قوله ـ عليه السّلام ـ : [من سنّ سنّة

__________________

(١) الكشّاف ١ / ٦٢٧.

(٢) تفسير القرطبي ٦ / ١٤٦.

(٣) تفسير أبي الفتوح ٤ / ١٨٥.

(٤) ب : عالما.

(٥) تفسير الطبري ٦ / ١٢٩.

(٦) ليس في د.

(٧) ليس في ج.

(٨) ب زيادة : وبيّنه.

(٩) التبيان ٣ / ٥٠٢.

٢١٧

حسنة (١) ، كان له أجرها وأجر العامل بها إلى يوم القيامة.] (٢) ومن سنّ سنّة (٣) سيّئة ، كان عليه وزرها ووزر العامل (٤) بها إلى يوم القيامة (٥).

وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً ، أَنْ يُقَتَّلُوا. أَوْ يُصَلَّبُوا. أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ. أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ. ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا ، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٣٣) :

قيل : «يحاربون الله» ؛ أي : يتعدّون حدوده ، فيما أمرهم به ونهاهم عنه (٦).

وقيل : يحاربون أولياءه ، فكأنّهم حاربوا الله (٧). وكذلك محاربة النّبيّ ـ عليه السّلام (٨).

وقوله ـ تعالى ـ : «ويسعون في الأرض فسادا» :

كلّ من أشهر (٩) السّلاح وأخاف السّبيل في برّ أو بحر ، فهو محارب مفسد.

وجزاؤه على قدر الاستحقاق ؛ إن قتل قتل ، وإن أخذ المال وقتل قتل وصلب ، وإن

__________________

(١) يوجد في ج ، د.

(٢) ليس في ب.

(٣) ليس في ب.

(٤) ب : من يعمل.

(٥) التبيان ٣ / ٥٠٢.+ سقط من هنا قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) (٣٢)

(٦) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٧) ليس في د.+ م : حاربوه.

(٨) مجمع البيان ٣ / ٢٩١.

(٩) د : شهر.

٢١٨

أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ؛ اليد اليمنى في أوّل مرّة والرّجل اليسرى في الثّانية ، فإن سرق ثالثة خلّد السّجن ، فإن سرق في السّجن قتل. وإن أخاف السّبيل ، فقط ، فإنّما عليه النّفي لا غير. هذا قولنا وقول الشّافعيّ ، وقد روي ذلك (١) عن ابن عبّاس ـ رحمه الله ـ وسعيد بن جبير والسدّي وقتادة والرّبيع وإبراهيم النّخعيّ ، واختاره الجبّائيّ (٢).

وقد روي (٣) في أخبارنا ـ أيضا ـ : أنّ أمرهم الإمام (٤) الأصل ، يفعل بهم (٥) ما يشاء. لأنّ أمر الحدود إليه (٦).

وقوله ـ تعالى ـ : «أو ينفوا من الأرض» اختلف أهل التّفسير في ذلك :

فقال قوم منهم : يتركون في الحبوس والمطامير (٧).

__________________

(١) ليس في ج ، د.

(٢) تفسير الطبري ٦ / ١٣٦ ـ ١٣٨.

(٣) ليس في أ.

(٤) ب ، ج ، د : إلى إمام.

(٥) ليس في د.

(٦) روي الكليني عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيّوب ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : من شهر السّلاح في مصر من الأمصار فعقر ، اقتصّ منه ونفي من تلك البلدة. ومن شهر السّلاح في غير الأمصار وضرب وعقر وأخذ المال ولم يقتل ، فهو محارب. فجزاؤه جزاء المحارب وأمره إلى الإمام ، إن شاء قتله ، وإن شاء صلبه ، وإن شاء قطع يده ورجله.

قال : وإن ضرب وقتل وأخذ المال ، فعلى الإمام أن يقطع يده اليمنى بالسّرقة ، ثمّ يدفعه إلى أولياء المقتول فيتبعونه بالمال ثمّ يقتلونه. الكافي ٧ / ٢٤٨ ، ح ٦ وعنه كنز الدقائق ٤ / ١٠١ ونور الثقلين ١ / ٦٢٤ ، ح ١٦٩ والبرهان ١ / ٤٦٨ ، ح ٢٥.

(٧) مجمع البيان ٣ / ٢٩٢ نقلا عن أبي حنيفة.

٢١٩

وقال قوم : يغرّقون (١).

وقال قوم : ينفون من بلد إلى بلد ، ولا يمكّنون من دخول بلاد الشّرك. يفعل بهم ذلك إلى أن يتوبوا ، و (٢) يظهر منهم الصّلاح (٣).

وقوله ـ تعالى ـ : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ ، فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما. جَزاءً بِما كَسَبا ، نَكالاً مِنَ اللهِ) ؛ أي : عقوبة لهما.

لأنّ ما (٤) يجب القطع ، إذا سرقا (٥) من حرز ما قيمته ربع دينار. والحرز : ما ليس له الدّخول عليه (٦) ، إلّا أن يأذن صاحبه. وما له الدّخول إليه من غير إذن ، إذا كان مغلقا عليه أو مقفّلا وسرق منه وهتك الحرز ، يقطع ـ أيضا ـ.

وقال قوم من الفقهاء : لكلّ شيء من الذّهب والفضّة والجوهر والثّياب والمتاع حرز. وبطن الأرض حرز لما يودع بها (٧). والقبر حرز ؛ ولهذا يقطع النّبّاش إذا سرق من القبر (٨).

وكيفيّة القطع عندنا : ما روي عن عليّ ـ عليه السّلام ـ أنّه قطع الأصابع

__________________

(١) ج : يفرّقون.+ د : يعرفون.+ ورد مؤدّاه في رواية الكافي ٧ / ٢٤٧ ، ح ١٠ عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ.

(٢) ج : أو.

(٣) التبيان ٣ / ٥٠٧.+ سقط من هنا الآيات (٣٤) ـ (٣٧)

(٤) ب : وإنّما.

(٥) ج : سرق.

(٦) ب : إليه.

(٧) أ ، ب ، د : لها.

(٨) تفسير أبي الفتوح ٤ / ٢٠٠ ـ ٢٠١.

٢٢٠