نهج البيان عن كشف معاني القرآن - ج ٢

محمّد بن الحسن الشيباني

نهج البيان عن كشف معاني القرآن - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن الحسن الشيباني


المحقق: حسين درگاهي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN: 964-400-034-X
الصفحات: ٣٩٩

١
٢

الفهرس

تفسير سورة آل عمران.................................................. ٥ ـ ١٠٦

تفسير سورة النساء.................................................. ١٠٧ ـ ١٨٥

تفسير سورة المائدة................................................... ١٨٦ ـ ٢٦١

تفسير سورة الأنعام.................................................. ٢٦٢ ـ ٣١٢

تفسير سورة الأعراف................................................ ٣١٣ ـ ٣٧٧

تفسير سورة الأنفال.................................................. ٣٧٨ ـ ٣٩٩

٣
٤

ومن سورة آل عمران

وهي مائتا آية. مدنيّة ، بلا خلاف (١).

قال بعض المفسّرين : العلم بتفسير البقرة وآل عمران ، هي الحكمة (٢) ، الّتي قال الله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (٣).

وقال بعض صحابة النّبىّ ـ عليه السلام ـ : كان الرجل إذا حفظ (٤) سورة البقرة وآل عمران ، جدّ (٥) فينا ؛ أي : عظم قدره (٦). وذلك لأنّهم ما كانوا يجاوزون (٧) الآية ، حتّى يعرفوا سببها ومعناها.

قوله ـ تعالى ـ : (الم) (١) :

__________________

(١) أ : بغير خلاف.

(٢) ب زيادة : وهي.

(٣) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر+ والآية في البقرة (٢) / ٢٦٩.

(٤) ليس في ج.

(٥) ج : جلّ.

(٦) مجمع البيان ٢ / ٦٩٢ : روى عن عبد الله بن مسعود أنّه قال : كان الرجل إذا تعلم سورة البقرة جدّ فينا ، أي : عظم.

(٧) ب : كانوا ما يجاوزون.

٥

قال (١) : معناه : أنا الله أعلم (٢).

وقال السدّي : هو اسم الله الأعظم (٣).

وقال الضّحّاك : «ألف» (٤) الله. و «لام» (٥) جبرئيل. و [ميم] محمّد ـ عليه السلام ـ (٦).

قوله ـ تعالى ـ : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) هذا إقرار لله ـ تعالى ـ بالوحدانيّة ونفي الشّريك ، وهو تعليم لنا ؛ أي : قولوا ذلك.

و [إلا له] عند العلماء : من تحقّ له العبادة (٧) ؛ وهي (٨) نهاية ما يقدر عليه العبد من الخشوع والتّذلّل للمعبود. ولا تستحقّ إلّا بأصول النّعم الّتي لا يقدر عليها غيره ـ تعالى. وهو (٩) خلق الحياة والقدرة والشّهوة والنّفرة (١٠) ، وخلق المشتهيات والتمكين منها. وعلى هذا ، فلا إله إلّا الله ـ تعالى ـ وحده.

__________________

(١) ليس ، في أ ، ج ، د ، م.

(٢) تفسير الطبري ١ / ٦٧ نقلا عن ابن عباس.

(٣) تفسير الطبري ١ / ٦٧ ، تفسير التبيان ١ / ٤٧.

(٤) أ ، ج ، د ، م : الألف.

(٥) أ ، ج ، م : اللام.

(٦) مجمع البيان ١ / ١١٢ نقلا عن ابن عباس.

(٧) لسان العرب ١٣ / ٤٦٧ مادّة «إله».

(٨) أ ، ج ، د ، م : والعبادة هي.

(٩) أ ، ج ، د ، م : هي.

(١٠) أ : النقرة.

٦

وقوله ـ تعالى ـ : (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (٢) (١) : يريد : الحيّ الّذي لا يموت ؛ إذ كلّ حيّ عداه يموت.

و «القيّوم» قال الصّادق ؛ جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ : هو القائم للخلق ، بأرزاقهم وأعمارهم وآجالهم وثوابهم (٢).

وروي في الأخبار ، أنّ «الحيّ القيّوم» هو اسم الله الأعظم ، الّذي دعا به آصف بن برخيا في حمل عرش بلقيس إلى سليمان ـ عليه السّلام ـ. فحضر بين يديه في أسرع من (٣) ارتداد الطّرف (٤).

وقوله ـ تعالى ـ : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) ؛ يعني : القرآن المجيد. هذا (٥) خطاب لمحمّد ـ عليه السّلام ـ.

وقوله ـ تعالى ـ : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ).

يريد : مصدّقا لما قبله من الصّحف (٦) والتّوراة والزّبور والإنجيل. لأنّه يشهد بصدقها (٧).

وقوله ـ تعالى ـ : (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) ؛ يعني به ـ أيضا ـ : القرآن العزيز. أنزله

__________________

(١) ليس في د.

(٢) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر ولكن ورد مؤدّاه تفسير الطبري ٣ / ١١٠ نقلا عن مجاهد والربيع.

(٣) ليس في ب.

(٤) مجمع البيان ٢ / ٦٩٦ نقلا عن ابن عبّاس.

(٥) أ : وهذا ه + ج ، م : وهو.

(٦) د : المصحف

(٧) سقط من هنا قوله تعالى : «وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ».

٧

جملة واحدة إلى سماء (١) الدّنيا ، في ليلة القدر. ثمّ أنزل على النّبيّ ـ عليه السّلام ـ مفرّقا ، في ثلاث وعشرين سنة ؛ بحسب الحاجة.

وسمّي قرآن (٢) «فرقانا» لأنّه يفرّق بين الحقّ والباطل (٣).

وقال علماء اللّغة :

اشتقاق التّوراة ، من قولهم : وريت زنادي : إذا ظهرت (٤) منه النّار ، (٥) لينتفع بها. فكأنّ الله ـ تعالى ـ أظهر بها الخير والصّلاح.

واشتقاق الزّبور من «الزّبور» (٦) ؛ وهو الكتابة. فكأنّه كتب لهم فيه الخير والصّلاح والبركة. ويسمّى القلم (٧) ـ عندهم ـ مزبرا.

وسمّي القرآن (٨) قرآنا ، من قولهم : قرأت الماء في الحوض ؛ أي : جمعته. ومنه اشتقاق القرية ، لاجتماع النّاس بها. فكأنّه مجموع سور وآيات ، قد جمع فيها الحكم والمواعظ والآداب والفرائض والقصص والأمثال والأحكام وجميع (٩) الفوائد الهادية إلى الهدى والرّشاد.

__________________

(١) ج : السماء.

(٢) ج : الفرقان.

(٣) تفسير الطبري ٣ / ١١١. مجمع البيان ٢ / ٦٩٦.

(٤) أ ، ج ، د : أظهرت.

(٥) لسان العرب ١٥ / ٣٨٨ ذيل وري.

(٦) لا يوجد في أ.

(٧) ج ، د : العلم.

(٨) ج : الفرقان.

(٩) ج : جمع.

٨

وسمّي الفرقان (١) فرقانا ، لأنّه يفرّق بين الحقّ والباطل والإيمان والكفر.

والإنجيل مشتقّ من النّجل ؛ وهو الأصل : فكأنّه أصل يرجعون إليه فيما يحتاجون إليه ، من تكاليفهم ودينهم.

وقوله ـ تعالى ـ : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) ؛ أي : بالصّدق.

(مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) ؛ أي : لما قبله.

قال الطّوسيّ ـ رحمه الله ـ : معناه : مصدّقا لما قبله من كتاب ورسول ـ في قول مجاهد وقتادة والرّبيع وجميع المفسّرين.

وإنّما قيل : «لما قبله» ، «لما بين يديه» ، لأنّه ظاهر كظهوره لما بين يديه (٢).

وقوله ـ تعالى ـ : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ ، كَيْفَ يَشاءُ) ؛ يريد : من (٣) قبح وحسن ، وسواد وبياض ، وقصر وطول.

وقيل : في صورة الآباء والأجداد والأخوال والأعمام. (٤) وأصل «الرّحم» من الرّحمة. لأنّه ممّا (٥) يتراحم فيه (٦) واشتقاق التصوّر (٧) من صار ، إذا مال إلى فعل ما قصده وتصوّره (٨).

__________________

(١) لا يوجد في أ ، ج ، د ، م.

(٢) التبيان ٢ / ٣٩٠+ سقط من هنا قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) (٤) والآية (٥)

(٣) ليس في ب.

(٤) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٥) ب : ما.

(٦) ليس في أ.+ ج ، د ، ٣ : به.

(٧) ليس في ب ، د.

(٨) ج : فعل قصده وما تصوره.+ د : فعل ما تصوره وما قصده.+ م : فعل ما تصوّره وقصده+ سقط من هنا قوله تعالى : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

٩

وقوله ـ تعالى ـ : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) ؛ يعني : القرآن.

(مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ. هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ. وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) : «المحكم» هو (١) عند (٢) العلماء : ما علم المراد بظاهره ، من دون قرينة أو دلالة ؛ مثل قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ). (٣) و «المتشابه» : ما لا يعلم المراد بظاهره ، حتّى يقترن به ما يدّل عليه ؛ مثل قوله ـ تعالى ـ : (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) ؛ (٤) يريد : عاقبه. (٥) وقيل : «المحكم» ما لا يدخله النّسخ. و «المتشابه» ما يدخله النّسخ. (٦) فإن قيل : لم أنزل المتشابه في القرآن ، وهلّا نزل (٧) كلّه محكما؟

قيل : للحثّ الّذي يوجب العلم ، دون الاتّكال (٨) على الخبر. ولذلك (٩) تبيّن (١٠) منزلة العلماء وفضلهم. وفي الجملة ، أنّ الحكمة اقتضت ذلك لضرب من المصلحة.

وقال الكلبيّ في قوله ـ تعالى ـ : «منه آيات محكمات هنّ أمّ الكتاب» ؛ أي :

__________________

(١) لا يوجد في ب ، د.

(٢) ليس في ج.

(٣) الإخلاص (١١٢) / ١.

(٤) الجاثية (٤٥) / ٢٣.

(٥) التبيان ٢ / ٣٩٤ ـ ٣٩٥ ، مجمع البيان ٢ / ٦٩٩ ـ ٧٠٠.

(٦) تفسير الطبري ٣ / ١١٥ نقلا عن ضحاك بن مزاحم.

(٧) أ ، ج ، د ، م : أنزل.

(٨) أ : الإنكار.

(٩) م : بذلك.

(١٠) أ ، ب : بيّن+ د : نبيّن.

١٠

مبيّنات للحلال والحرام. و «أمّ الكتاب» ؛ أي : أصل الكتاب ؛ أي : لم تنسخ.

و «المتشابهات» هي المنسوخات. (١) وقال ابن عبّاس ـ رحمه الله ـ : «النّاسخات» ؛ مثل قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ). [الآية]. (٢) و «المتشابهات» ؛ مثل قوله ـ تعالى ـ : (٣) (وَقَضى رَبُّكَ) ؛ (٤) أي : أعلم وأوجب وحكم ؛ ومثل قوله ـ تعالى ـ : (٥) (فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) ؛ أي : ميل وكفر وشكّ عن مجاهد. (٦) وقال غيره : «المحكمات» ؛ مثل قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً). (٧) و «المتشابهات» ما ظاهرها بخلاف ما دلّ عليه العقل ؛ مثل قوله ـ تعالى ـ : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا). (٨) وقوله : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ). (٩) وقوله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ). (١٠) وقوله : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا ، فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) ؛ (١١) أي : قبلته وعبادته. (١٢)

__________________

(١) تفسير الطبري ٣ / ١١٥ نقلا عن قتادة ومجاهد.+ قال الزمخشري : أمّ الكتاب ، أي : أصل الكتاب الكشاف ١ / ٣٣٨.

(٢) الأنعام (٦) / ١٥١.

(٣) ليس في أ.

(٤) الإسراء (١٧) / ٢٣.

(٥) ليس في أ.

(٦) تفسير الطبري ٣ / ١١٧.+ لا يخفى أنّ الآيتين تعدّان من المحكمات في تفسيرى الطبري ٣ / ١١٤.

(٧) يونس (١٠) / ٤٤.

(٨) القمر (٥٤) / ١٤.

(٩) المائدة (٥) / ٦٤.

(١٠) الرحمن (٥٥) / ٢٧.

(١١) البقرة (٢) / ١١٥.

(١٢) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

١١

وقال الضّحّاك : «المحكمات» النّاسخات. و «المتشابهات» المنسوخات. (١) وقال مقاتل : لمّا نزل (٢) على النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في أوّل البقرة : «الم» فزع إليه حيي بن أخطب اليهوديّ وأصحابه ، فجاؤوه مستبشرين ، فقالوا (٣) : يا محمّد! أنّه (٤) لن يلبث ملكك أكثر من إحدى (٥) وسبعين سنة.

فقال لهم (٦) ـ عليه السلام ـ وكيف ذلك؟

فقالوا : أخذناه (٧) من حساب الجمل. لأنّ «الألف» فيه (٨) ، واحد. و «اللّام» ، ثلاثون. و «الميم» ، أربعون.

فقال لهم ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فقد (٩) أنزل «الله» (١٠) عليّ أكثر من ذلك ، وهو «الم ص».

فقالوا : هذا أكثر. لأنّ «الصّاد» تسعون ، فيضاف (١١) إلى ذلك فتصير مائة

__________________

(١) تفسير الطبري ٣ / ١١٥ ، التبيان ٢ / ٣٩٥. نقلا عن ابن عباس : سقط من هنا قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ).

(٢) أ ، ج ، د ، م : أنزل.

(٣) ج : فقال.

(٤) ليس في أ.

(٥) الصواب ما أثبتناه في المتن. لكن في النسخ : أحد.

(٦) لا يوجد في ج.

(٧) ج : أخذنا

(٨) لا يوجد في أ ، ج ، د ، م.

(٩) ب : قد.

(١٠) لا يوجد في أ ، ج ، د ، م.

(١١) أ : تنضاف.+ ج : يضاف+ د : مضاف.

١٢

وإحدى (١) وستّين.

فقال لهم ـ عليه السلام ـ : فقد (٢) أنزل الله عليّ (٣) أكثر من ذلك ، وهو [الر].

فقالوا : هذا أكثر (٤). لأنّ «الرّاء» ، مائتان ، تضاف إلى ذلك فتصير ثلاثمائة وإحدى وستّين.

فقال لهم ـ عليه السلام ـ : فقد (٥) نزل عليّ أكثر من ذلك. وهو [المر. كهيعص.

طسم. حمعسق].

ثمّ تلا عليهم الحروف المقطّعة في أوائل السّور.

فقال جماعة منهم : مدّ يدك ، فنحن نشهد ألّا إله إلّا الله وأنّك محمّد رسول الله.

فأسلموا. فنزل قوله ـ تعالى ـ : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ؛ يعني : تأويل هذه الحروف المقطّعة الّتي هي سرّ القرآن ، الّذي اشتبه على اليهود حسابها. (٦) قال مقاتل : حسبنا الحروف الّتي في أوائل السّور ، بإسقاط المكرر (٧) ، فكانت سبعمائة وأربعا وأربعين سنة. «وهي» (٨) مدّة (٩) هذه الأمّة خاصّة. (١٠)

__________________

(١) الصواب ما أثبتناه في المتن. لكن في النسخ : وواحدا.

(٢) ب : قد.

(٣) أ ، ج ، د ، م : نزل عليّ.

(٤) ج زيادة : الآن.

(٥) ب ، د : قد.

(٦) تفسير الطبري ١ / ٧٢ ـ ٧١ نقلا عن الكلبي.

(٧) ليس في ج.

(٨) ليس في م.

(٩) د : من.

(١٠) مجمع البيان ١ / ١١٣.

١٣

وقال ابن عبّاس ـ رحمه الله ـ في قوله ـ تعالى ـ «وما يعلم تأويله إلّا الله والرّاسخون في العلم» ، قال : هم النّبيّ ـ عليه السلام ـ وآله الطّاهرون ـ عليهم السّلام ـ. (١١) وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ. (١٢) وقال الكلبيّ هم البالغون في علم التّوراة ؛ كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار وأمثالهما (١٣).

وقال مقاتل : هم المتدارسون (١٤).

وقال القتيبيّ : هم التّائبون الأصليّون الّذين رسخوا في العلم (١٥).

وقال شيخنا المفيد ـ رحمه الله ـ : «الرّاسخون في العلم» (١٦) هم النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأهل بيته (١٧) الطّاهرون القائمون مقامه في الأمّة ، الّذين (١٨) أطلعهم

__________________

(١١) لم نعثر على هذا القول نقلا عن ابن عباس فيما حضرنا من المصادر.

(١٢) الكافي ١ / ٢١٣ ، ح ١ ـ ٣ وص ٤١٤ ، ح ١٤ وعنه تأويل الآيات ١ / ٩٩ ، ح ١ ـ ٣ والبرهان ١ / ٢٧٠ ، ح ٢ ـ ٤ ونور الثقلين ١ / ٣١٦ ، ح ٣٣ ـ ٣٦ والبحار ١٧ / ١٣٠ ، ح ١ وج ٢٣ / ٢٠٨ ، ح ١٢.

وفي تفسير القمّي ١ / ٩٦ وج ٢ / ١٥٢ و ٤٥١ وعنه البرهان ١ / ٢٧١ ، ح ٨ / ١ ونور الثقلين ١ / ٣١٥ ح ٢٨ و ٢٩ وفي تفسير العيّاشي ١ / ١٦٢ ، ح ٤ و ٦ ـ ٨ وعنه البحار ٢٣ / ٢٠٨ ، ح ١٢.

(١٣) ب : وأمثاله.+ تفسير أبي الفتوح ٢ / ٤٤٨ نقلا عن المفسرين.

(١٤) د : متدارسون+ لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(١٥) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(١٦) ليس في د.

(١٧) ب زيادة : عليهم السلام.

(١٨) أ : الّذي.

١٤

الله ـ تعالى ـ بواسطة نبيّه ـ عليه السّلام ـ على غيبه وأسراره وبواطن علمه (١).

وقال بعض المفسّرين : معنى الآية : «وما يعلم تأويله إلّا الله» ؛ يريد : من البعث والإحياء والنّشور ، وما يتبع ذلك من قوله ـ تعالى ـ : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) (٢) ؛ يعني : يوم القيامة (٣).

وقوله ـ تعالى ـ : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا. وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) ؛ أي : لطفا (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ).

هذا قول الرّاسخين في العلم. ومعناه : لا تمنعنا لطفك فنضلّ ؛ كما قال ـ سبحانه ـ : (فَلَمَّا زاغُوا ، أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) (٤).

وقال الجبّائيّ : «لا تزغ قلوبنا» عن ثوابك ورحمتك. (٥)

وقوله : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) : الكلبيّ ومقاتل قالا : كأشباحهم. (٦) أبو عبيدة : كسنّتهم وعادتهم. (٧)

__________________

(١) لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٢) الأعراف (٧) / ٥٣.

(٣) مجمع البيان ٢ / ٧٠١ ـ ٧٠٢+ سقط من هنا قوله تعالى : (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) (٧)

(٤) الصف (٦١) / ٥.

(٥) مجمع البيان ٢ / ٧٠٣+ من هنا سقط قوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) (٩) والآية (١٠)

(٦) تفسير أبي الفتوح ٢ / ٤٥٥ نقلا عن مقاتل وحده.

(٧) مجاز القرآن ١ / ٨٧ ، مجمع البيان ٢ / ٧٠٥+ سقط من هنا قوله تعالى : (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) (١١)

١٥

وقوله ـ تعالى ـ : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ) أي (١) : يا محمّد! قل لأبي جهل وأبي سفيان وأصحابهما : ستغلبون.

وقيل : قل لليهود (٢). وذلك حيث دعاهم إلى الإسلام ، وقال لهم : أسلموا ، قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشا يوم بدر.

فقال له اليهود : أولئك كانوا أغمارا (٣) (٤) لم يجرّبوا الأمور ، ولم يقتحموا الشّدائد والحروب. ونحن لو قاتلنا ، لعرفت ما نحن عليه.

فنزلت الآية. (٥)

قوله ـ تعالى ـ : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا) يعني : يوم بدر. وهما : جماعة النّبيّ ـ عليه السّلام ـ ، المؤمنون ؛ وجماعة أبي سفيان وأبي جهل ، الكافرون.

(فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) ؛ يعني : بني قريظة والمشركين الّذين جاؤوا لمساعدتهم ، يرون المسلمين مثليهم في رأي العين. وكان (٦) المسلمون في ذلك اليوم ثلاثمائة وبضعة عشر ، وكان المشركون تسعمائة وخمسين. فقلّل الله المشركين في أعين المسلمين لتقوى قلوبهم على القتال لئلا يجبنوا ولا يفشلوا ، وقلّل المسلمين في أعين المشركين ليطمعوا فينفذ حكمه فيهم

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) وهو مختار تفسير الطبري ٣ / ١٢٨.

(٣) رجل غمر : لم يجرّب الأمور.

(٤) الأغمار : جمع غمر ـ بالضمّ. وهو الجاهل الغرّ الّذي لم يجرّب الأمور. لسان العرب ٥ / ٣٢ ، مادّة «غمر».

(٥) من هنا سقط قوله تعالى : (وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ) (١٢)

(٦) أ ، ب : وكانوا.

١٦

بالملائكة والمسلمين. (١)

وقوله ـ تعالى ـ : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ ، مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ، ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا ، وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (١٤) ؛ أي : زيّن لأبي جهل والوليد بن المغيرة وأبي سفيان وأمثالهم من الرّؤساء حبّ اللّذّات والشّهوات ، من النّساء والخدم والبنين والقناطير المقنطرة.

قال مقاتل : «القناطير» (٢) الأموال المعدودة. (٣) وقال قتادة : الأموال المجموعة الكثيرة. (٤) وقيل : «قناطير مقنطرة» دراهم مدرهمة ، ودنانير مدنّرة. (٥) وقال الضّحاك : (٦) «القنطار» اثنا عشر ألف دينار. (٧) وقيل : «القنطار» ملء مسك ثور من ذهب أو (٨) فضّة. (٩)

__________________

(١) سقط من هنا قوله تعالى : (وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) (١٣)

(٢) ليس في د.

(٣) م : المعدودة.+ لم نعثر عليه فيما حضرنا من المصادر.

(٤) وهو مختار تفسير الطبري ٣ / ١٣٥.

(٥) تفسير الطبري ٣ / ١٣٥ نقلا عن السدي.

(٦) ب : مقاتل.

(٧) تفسير الطبري ٣ / ١٣٤ ، وفي التبيان ٢ / ٤١١ والمجمع ٢ / ٧١٢ نقلا عن الحسن وفي كلّهم : «الف دينار أو اثنا عشر الف درهم».

(٨) ب : وتفسير الطبري ٣ / ١٣٤. نقلا عن أبي نضرة.+ تفسير مجمع البيان ٢ / ٧١٢ نقلا عن أبي بصير وضرّاء والصادقين ـ عليهما السلام ـ.

(٩) مجاز القرآن ١ / ٨٩ نقلا عن الكلبي.

١٧

وقوله ـ تعالى ـ : «والخيل المسوّمة».

اشتقاق «الخيل» من الخيلاء ، وهو الإعجاب.

و «المسوّمة» قال الكبي : هي الرّواتع. (١) وقال السدّي ومقاتل : هي الرّاعية. (٢) وقال أبو عبيدة : هي المعلّمة المهيّأة للحروب (٣). من السّيماء. (٤) وقيل : هي (٥) المطهّمة الّتي كلّ شيء منها حسن. (٦) وقوله ـ تعالى ـ : «والأنعام» هي الإبل والبقر والغنم.

«والحرث» : هو (٧) الزّرع على اختلاف أجناسه.

وقوله : «ذلك متاع الحياة الدّنيا» ؛ أي : لا ينتفع بها (٨) إلّا قليلا ثمّ ينقطع ذلك ، بخلاف متاع الجنّة ونعيمها فانّه لا ينقطع ولا ينفذ.

«والله عنده حسن المآب» أي : حسن المرجع في الجنّة. (٩)

وقوله ـ تعالى ـ : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ؛ أي : علم.

قال الكلبيّ ومقاتل : نزلت هذه الآية في اليهود حيث سألوا النّبيّ ـ عليه

__________________

(١) تفسير أبي الفتوح ٢ / ٤٦٤ نقلا عن مجاهد.

(٢) تفسير الطبري ٣ / ١٣٦ نقلا عن السدي.

(٣) أ ، ج ، د ، م : للحرب.

(٤) أ ، ب ، د : السماء+ مجاز القرآن ١ / ٨٩.

(٥) ليس في أ.

(٦) تفسير الطبري ٣ / ١٣٦ نقلا عن مجاهد.

(٧) ليس في ب.

(٨) ج : منها.

(٩) سقط من هنا الآيات (١٥) ـ (١٧)

١٨

السّلام ـ عن أكبر الشّهادة.

فتلا عليهم الآية : «شهد الله أنّه لا إله إلّا هو والملائكة وأولوا العلم» ؛ يريد :

شهدوا ـ أيضا ـ مثل ذلك. (١) (قائِماً بِالْقِسْطِ).

الكلبيّ ومقاتل قالا : قائما بالعدل. من أقسط (٢). يقال : أقسط : إذا عدل.

وقسط : إذا جار. (٣)

(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) ؛ يريد : الإخلاص. (٤) وقوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) ؛ أي : أخلصت ديني وعملي لله. وأصل ذلك : الانقياد.

وقوله ـ تعالى ـ : (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) ؛ يعني : اليهود والنّصارى.

(وَالْأُمِّيِّينَ) ؛ يعني : مشركي العرب. (٥)

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ (٦) إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ (٧). ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (٢٣).

__________________

(١) أسباب النزول / ٦٩ نقلا عن الكلبي وحده.

(٢) ليس في أ ، ج ، د ، م.

(٣) سقط من هنا قوله تعالى : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١٨)

(٤) سقط من هنا قوله تعالى : (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (١٩)

(٥) سقط من هنا قوله تعالى : (أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا) وسيأتي عن قريب تمام الآية وإن كان في غير محلّه. وسقطت

أيضا الآيتان (٢١) و (٢٢)

(٦) أ ، ج ، د ، م : ستدعون.

(٧) الصواب ما أثبتناه في المتن وفي النسخ : بينكم.

١٩

نزلت هذه الآية في رجل شريف وامرأة ، من أهل خيبر ، فجر بها ، فكرهوا حكم الله بالرّجم. (١) [فقال الله ـ تعالى ـ لنبيّه ـ عليه السّلام ـ : (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (٢٠)] (٢).

وقوله ـ تعالى ـ : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) ؛ يريد : في الدّنيا والآخرة.

(تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) ؛ يريد : في الدّارين.

وقيل : إنّ السّبب في نزول (٣) هذه الآية ، أنّ عبد الله ابن أبيّ سلول المنافق (٤) وأصحابه واليهود قالوا : إنّ محمّدا يقول : إنّه يملك ملك فارس والرّوم. فمن أين يحصل (٥) له ذلك ، أما يكفيه مكّة والمدينة؟ فأنزل الله الآية (٦) على نبيّه ـ عليه السّلام ـ بأنّه سيؤتيه ملك (٧) ذلك. (٨) وقيل : عني بذلك : ملك النّبوّة ، حيث أنكروا نبوّته ولم يصدّقوه (٩). ومعنى «اللهم» : يا الله.

ونصب «مالك» لأنّه صفت «اللهمّ» (١٠).

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٧٢٢ نقلا عن ابن عباس.

(٢) الظاهر أنّ ما بين المعقوفتين وقع في غير محلّه.+ سقط من هنا الآيتان (٢٤) و (٢٥)

(٣) ليس في ج ، د ، أ ، م.

(٤) ليس في ب.

(٥) م : حصل.

(٦) ليس في ج ، د ، أ ، م.

(٧) ليس في ج ، د ، أ ، م.

(٨) أسباب النزول / ٧٠.

(٩) تفسير الطبري ٣ / ١٤٨ نقلا عن مجاهد.

(١٠) سقط من هنا قوله تعالى : (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٦)

٢٠