خاتمة مستدرك الوسائل - ج ٢

الشيخ حسين النوري الطبرسي [ المحدّث النوري ]

خاتمة مستدرك الوسائل - ج ٢

المؤلف:

الشيخ حسين النوري الطبرسي [ المحدّث النوري ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-86-8
ISBN الدورة:
964-5503-84-1

الصفحات: ٤٧١

جلّ جلاله ، حتى وصلنا إلى قرية فيها مسجد فدخلته ، وجاء الغيث شيئا عظيما في اللحظة التي دخلت فيها المسجد ، وسلمنا منه.

وذكر بعد ذلك قصّة أخرى تقرب منها (١).

ومن ذلك ما ذكره في مهج الدعوات قال : وكنت أنا بسرّ من رأى فسمعت سحرا دعاء القائم صلوات الله عليه ، فحفظت منه الدعاء لمن ذكره : الأحياء والأموات ، وأبقهم ـ أو قال : وأحيهم ـ في عزنا وملكنا. أو سلطاننا ودولتنا. وكان ذلك في ليلة الأربعاء ثالث عشر ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وستمائة (٢). انتهى.

ويظهر من مواضع من كتبه خصوصا كتاب كشف المحجّة أنّ باب لقائه إيّاه صلوات الله عليه كان له مفتوحا (٣) ، قد ذكرنا بعض كلماته فيها في رسالتنا جنّة المأوى (٤).

ومن ذلك ما ذكره في رسالة المواسعة والمضايقة ، في قصّة طويلة ، وفيها : وتوجهنا من هناك لزيارة أول رجب بالحلّة ، فوصلنا ليلة الجمعة سابع وعشرين جمادى الآخرة سنة ٦٤١ ، بحسب الاستخارة ، فعرفني حسن بن البقلي يوم الجمعة المذكورة أن شخصا فيه صلاح يقال له ( عبد المحسن ) من أهل السواد قد حضر بالحلّة ، وذكر أنه قد لقيه مولانا المهدي صلوات الله عليه ظاهرا في اليقظة ، وأنه أرسله إلى عندي برسالة.

فنفدت قاصدا وهو محفوظ بن قرأ ، فحضر ليلة السبت ثامن وعشرين شهر جمادى الآخرة ، فخلوت بهذا الشيخ عبد المحسن فعرفته ، وهو رجل

__________________

(١) الأمان من إخطار الأسفار والأزمان : ١٢٨.

(٢) مهج الدعوات : ٢٩٦.

(٣) كشف المحجّة : ١٥١.

(٤) جنة المأوى ( ضمن بحار الأنوار ) ٥٣ : ٣٠٢.

٤٤١

صالح لا تشكّ النفس في حديثه ، ومستغن عنّا ، وسألته فذكر أن أصله من حصن بشر ، وأنه انتقل إلى الدولاب الذي بإزاء المحولة المعروفة بالمجاهدية ، ويعرف الدولاب بابن أبي الحسن ، وأنه مقيم هناك ، وليس له عمل بالدولاب ولا زرع ، ولكنّه تاجر في شراء غليلات وغيرها ، وأنه كان قد ابتاع غلّة من ديوان السرائر ، وجاء ليقبضها ، وبات عند المعيدية في المواضع المعروفة بالمحبر.

فلمّا كان وقت السحر كره استعمال ماء المعيدية فخرج يقصد النهر ، والنهر في جهة المشرق فما أحسن بنفسه إلاّ وهو في تل السلام في طريق مشهد الحسين عليه‌السلام في جهة المغرب ، وكان ذلك ليلة تاسع عشر (١) من شهر جمادى الآخرة من سنة إحدى وأربعين وستمائة ـ ، التي تقدم شرح بعض ما تفضّل الله عليّ فيها ، وفي نهارها في خدمة مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ فجلست أريق ماء ، وإذا فارس عندي ما سمعت له حسا ، ولا وجدت لفرسه حركة ولا صوتا ، وكان القمر طالعا ، ولكن كان الضباب كثيرا.

فسألته عن الفارس وفرسه ، فقال : كان لون فرسه صديا ، وعليه ثياب بيض ، وهو متحنك بعمامة ، ومتقلد بسيف.

فقال الفارس لهذا الشيخ عبد المحسن : كيف وقت الناس؟

قال عبد المحسن : فظننت أنه يسأل عن ذلك الوقت ، فقلت : الدنيا عليها ضباب وغبرة.

فقال : ما سألتك عن هذا ، أنا سألتك عن حال الناس.

قال فقلت : الناس طيّبين مرخّصين ، آمنين في أوطانهم وعلى أموالهم.

فقال : تمضي إلى ابن طاوس وتقول له كذا وكذا.

وذكر لي ما قال صلوات الله عليه ، ثم قال عنه عليه‌السلام : فالوقت قد

__________________

(١) في المخطوطة والحجريّة : تاسع عشرين.

٤٤٢

دنا ، فالوقت قد دنا.

قال عبد المحسن : فوقع في قلبي وعرفت نفسي أنه مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه ، فوقعت على وجهي ، وبقيت كذلك مغشيا عليّ إلى أن طلع الصبح.

قلت له : فمن أين عرفت أنه قصد (١) ابن طاوس عنّي؟

قال : ما أعرف من بني طاوس إلا أنت ، وما [ وقع ] (٢) في قلبي إلاّ أنه قصدني بالرسالة إليك.

قلت : أي شيء فهمت بقوله : فالوقت قد دنا فالوقت قد دنا ، هل قصد وفاتي قد دنت ، أم قد دنا وقت ظهوره صلوات الله وسلامه عليه؟

فقال : بل قد دنا وقت ظهوره صلوات الله عليه.

قال : فتوجهت ذلك اليوم إلى مشهد الحسين عليه‌السلام ، وعزمت أنّني ألزم بيتي مدة حياتي أعبد الله تعالى ، وندمت كيف ما سألته صلوات الله عليه عن أشياء كنت أشتهي أسأله فيها.

قلت له : هل عرفت بذلك أحدا؟

قال : نعم عرّفت بعض من كان عرف بخروجي من المعيدية ، وتوهّموا أنّي قد ضللت وهلكت بتأخري عنهم ، واشتغالي بالغشية التي وجدتها ، ولأنّهم كانوا يروني طول ذلك النهار يوم الخميس في أثر الغشية التي لقيتها من خوفي منه عليه‌السلام.

فوصيته أن لا يقول ذلك لأحد أبدا ، وعرضت عليه شيئا فقال : أنا مستغن عن الناس ، وبخير كثير.

__________________

(١) قصدني عن ظاهرا ( منه قدس‌سره ) هامش الحجرية.

(٢) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

٤٤٣

فقمت أنا وهو ، فلمّا قام عنّي نفذت له غطاء ، وبات عندنا في المجلس على باب الدار التي هي مسكني الآن بالحلّة.

فقمت وكنت أنا وهو في الروشن في خلوة ، فنزلت لأنام ، فسألت الله تعالى زيادة كشف في المنام في تلك الليلة أراه أنا ، فرأيت كأن مولانا الصادق عليه‌السلام قد جائني بهدية عظيمة ، وهي عندي ، وكأنّني ما أعرف قدرها. فاستيقظت فحمدت الله ، وصعدت الروشن لصلاة نافلة الليل ، وهي ليلة السبت ثامن وعشرين جمادى الآخرة.

فأصعد فتح (١) الإبريق إلى عندي ، فمددت يدي فلزمت عروته لأفرغ على كفّي فأمسك ماسك فم الإبريق وإدارة عنّي ، ومنعني من استعمال الماء في طهارة الصلاة. فقلت : لعلّ الماء نجس ، فأراد الله جلّ جلاله أن يصونني عنه ، فإن لله عزّ وجلّ عليّ عوائد كثيرة ، أحدها مثل هذا ، وأعرفها.

فناديت إلى فتح وقلت : من أين ملأت الإبريق؟

قال : من المسبّبة (٢).

فقلت : هذا لعلّه نجس فاقلبه وطهره (٣) وأملاه من الشط.

فمضى وقلبه ، وأنا أسمع صوت الإبريق ، وشطفه وملأه من الشط ، وجاء به ، فلزمت عروته ، وشرعت أقلب منه على كفّي ، فأمسك ماسك فم الإبريق وإدارة عنّي ، ومنعني منه ، فعدت وصبرت ودعوت بدعوات ، وعاودت الإبريق ، وجرى مثل ذلك.

فعرفت أن هذا منع لي من صلاة الليل تلك الليلة ، وقلت في خاطري : لعلّ الله يريد أن يجري عليّ حكما وابتلاء غدا ، ولا يريد أن أدعو الليل في

__________________

(١) فتح : اسم غلامه. ( منه رحمه‌الله ) كما في هامش البحار.

(٢) في المصدر : المسيبة.

(٣) نسخة بدل : واشطفه. ( منه قدس‌سره )

٤٤٤

السلامة من ذلك ، وجلست لا يخطر بقلبي غير ذلك ، فنمت وأنا جالس ، وإذا برجل يقول لي ـ يعني عبد المحسن ـ الذي جاء بالرسالة : كان ينبغي أن تمشي بين يديه.

فاستيقظت ووقع في خاطري أنني قد قصرت في احترامه وإكرامه ، فتبت إلى الله جلّ جلاله ، واعتمدت ما يعتمد التائب من مثل ذلك ، وشرعت في الطهارة ولم يمسك أحد الإبريق ، وتركت على عادتي ، فتطهرت وصلّيت ركعتين فطلع الفجر ، فقضيت نافلة الليل.

وفهمت أنني ما قمت بحق هذه الرسالة ، فنزلت إلى الشيخ عبد المحسن وتلقيته وأكرمته ، وأخذت له من خاصتي ستة (١) دنانير ، ومن غير خاصتي خمسة عشر دينارا ممّا كنت أحكم فيه كما لي ، وخلوت به في الروشن وعرضت ذلك عليه ، واعتذرت إليه ، فامتنع من قبول شيء أصلا ، وقال : إن معي نحو مائة دينار ما آخذ شيئا ، أعطه لمن هو فقير. وامتنع غاية الامتناع ، فقلت : إنّ رسول مثله صلوات الله عليه يعطى لأجل الإكرام لمن أرسله ، لا لأجل فقره وغناه ، فامتنع. فقلت له : مبارك ، أمّا الخمسة عشر فهي من غير خاصّتي فلا أكرهك على قبولها ، وأمّا هذه الستّة دنانير فهي من خاصّتي فلا بدّ أن تقبلها منّي ، فكاد أن يؤيسني من قبولها ، فألزمته فأخذها ، وعاد وتركها فألزمته ، فأخذها ، وتغديت أنا وهو ، ومشيت بين يديه كما أمرت في المنام إلى ظاهر الدار ، وأوصيته بالكتمان ، والحمد لله ، وصلى الله على سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين (٢). انتهى.

وكان رحمه‌الله من عظماء المعظمين لشعائر الله تعالى ، لا يذكر في أحد

__________________

(١) في المخطوط والحجرية : ستا سير ، وما أثبتناه هو نسخة بدل ( منه قدس‌سره ) ومن المصدر. وتأتي الإشارة إليه بعد أسطر.

(٢) رسالة المواسعة والمضايقة المنشورة ضمن مجلّة تراثنا ٧ ـ ٨ : ٣٤٩.

٤٤٥

من تصانيفه الاسم المبارك ( الله ) إلاّ ويعقّبه بقوله : جلّ جلاله.

وقال العلامة في منهاج الصلاح في مبحث الاستخارة : ورويت عن السيد السند السعيد رضي الدين علي بن موسى بن طاوس ، وكان أعبد من رأيناه من أهل زمانه (١). انتهى.

وكان دأبه في زكاة غلاته ـ كما ذكره في كتاب كشف المحجة ـ أن يأخذ العشر منها ، ويعطي الفقراء الباقي منها (٢). وكتابه هذا مغن عن شرح حاله ، وعلوّ مقامه ، وعظم شأنه ، فلنذكر في ترجمته مطالب اخرى نافعة مهمّة :

الأول : عدّ العلامة المجلسي في أول البحار من كتبه ، كتاب ( ربيع الشيعة ) (٣) وقال بعد ذلك : وكتب السادة الأعلام أبناء طاوس كلّها معروفة ، وتركنا منها كتاب ربيع الشيعة ، لموافقته لكتاب أعلام الورى في جميع الأبواب والترتيب ، وهذا ممّا يقضي منه العجب (٤).

__________________

(١) منهاج الصلاح : لم نعثر عليه فيه.

(٢) كشف المحجّة : ١٤٣.

(٣) بحار الأنوار ١ : ١٢.

(٤) العجب منهم كيف نسبوا إلى مثل السيد الأجل علي بن طاوس هذا الكتاب ونتعوذ في هذه النسبة بمحض الشهرة فإنه رحمه‌الله عدّ مصنفاته في مواضع متعددة من تصنيفاته ولم يعد منها كتابا موسوما بربيع الشيعة.

ثانيا : ان دأبه وديدنه ذكر اسمه أول الكتاب بل أول كل باب بل يسمي نفسه في العلامات المنفصلة عن سابقها وفي هذا الكتاب من أوله إلى آخره ليس من اسم علي بن طاوس عين ولا أثر.

وثالثا : ان عادته ذكر خطب طويلة كثيرة الألفاظ والمعاني في الحمد والثناء لنعم الله وآلائه والصلاة والسلام على خير رسله وأنبيائه وأوصيائه. فكيف يسلمون النسبة ويفرضونها صدقا ثم يتعجبون.

وهذا دليل على أن الشهرة وان كان من العلماء والخواص أو لداعة.

وأقول لا شك في أن واحدا من الطلاب المتوسطين الفاقدين للأسباب والكتب وجه كتاب إعلام الورى للطبرسي وسقط عنه الورق الأول فلم يعرف أنه إعلام الورى وسأل عن جماعة

٤٤٦

وقال العالم الجليل المولى عبد النبيّ الكاظمي في حاشية كتابه تكملة الرجال : قد وقفت على اعلام الورى للطبرسي ، وربيع الشيعة لابن طاوس ، وتتبعتهما من أولهما إلى آخرهما ، فوجدتهما واحدا من غير زيادة ولا نقصان ، ولا تقديم ولا تأخير أبدا إلاّ الخطبة ، وهو عجيب من ابن طاوس على جلالته وقدرته على هذا العمل ، ولتعجبي واستغرابي صرت احتمل احتمالات ، فتارة أقول : لعلّ ربيع الشيعة غيره ، ونحو هذا. حتى رأيت المجلسي رحمه‌الله في البحار ذكر الكتابين ، ونسبهما إليهما ، ثم قال : هما واحد (١) وهو عجيب (٢).

وقال في حاشية أخرى : كنت أنقل عن ربيع الشيعة ، لابن طاوس واعلام الورى ، فرأيتهما من أوّلهما إلى آخرهما متحدين لا ينقصان شيئا ، ولا يتغيّران لا عنوانا ولا ترتيبا ولا غير ذلك إلاّ خطبتهما ، فأخذ في العجب

__________________

مثل نفسه فلم يعرفوه فكتب له خطبة مختصرة متوسطه يعلمها كل طلبة وكتب ظهره هذا هو كتاب ربيع الشيعة لعلي بن طاوس حيث سمع لفظ الربيع في جملة مصنفاته ولا يدري انه ربيع الألباب أو ربيع الشيعة وقد راى كتب الأدعية المشهورة مثل الإقبال والمهج والمجتنى ولم ير ربيع ابن طاوس ولا إعلام الورى. قد رتب هذا الكاتب من العالم كما هو العادة واصل الكتاب على يد من هو أكبر منه علما فرآى كتابا نفيسا كتب ظهره انه ربيع الشيعة لابن طاوس فظنه كذلك وكتب ظهره كذلك ثم أنفذه إلى آخر بعده فرأى شخصين ممن يحسن الظن بهما ويقطع بأنهما لا يكذبان كتبا ظهر كتاب نفيس في مواليد الأئمة ومعجزاتهم ولم ير هذا الثالث العالم إعلام الورى ولا ربيع الألباب فظنه لحسن الظن بالشخصين السابقين ربيع الشيعة وانه من ابن طاوس وهكذا الى ان اشتهر واشتبه الأمر على الأساطين مثل المير الداماد في الرواشح مكررا يقول : قال ابن طاوس في باب كذا من ربيع الشيعة ، والجليل السيد الميرزا محمد الأسترآبادي يقول في رجاله الوسيط في كثير من التراجم انه قال علي بن طاوس في كتاب ربيع الشيعة في الخبر الفلاني كم أيقن فلان ثقة وهكذا إلى أواخره فافهم ولا تحتمل أسانيد ربيع الشيعة إلى السيد قدس‌سره فإنه إعلام الورى وانه مر كما ذكرنا.

لمحرره يحيى.

(١) بحار الأنوار ١ : ٣١.

(٢) تكملة الرجال ١ : ١١ هامش ٢.

٤٤٧

العجاب ، وحدست أن لا يكونا كتابين ، واحتملت أن يكون اشتباها من الناس تسمية أحدهما ربيع الشيعة ، فتتبّعت كتب الرجال فلم أجد أحدا ذكر اتّحادهما ، حتى وقفت على البحار ، فوجدت ذكر كتاب ربيع الشيعة أنه هو بعينه اعلام الورى ، وتعجّب هو من اتحادهما (١). انتهى.

قلت : هذا الكتاب غير مذكور في فهرست كتبه في كتاب إجازاته ، ولا في كشف المحجّة ، وما عثرت على محلّ أشار إليه وأحال عليه كما هو دأبه غالبا في مؤلفاته بالنسبة إليها ، وهذان الجليلان مع عثورهما على الاتحاد واستغرابهما لم يذكرا له وجها ، وقد ذاكرت في ذلك مع شيخنا الأستاذ (٢) طاب ثراه ، فقال ـ وأصاب في حدسه ـ : إنّ الظاهر أنّ السيد عثر على نسخة من الاعلام لم يكن لها خطبة فأعجبه فكتبه بخطّه ، ولم يعرفه ، وبعد موته وجدوه في كتبه بخطّه ،

__________________

(١) والله الخالق جل جلاله شاهد اني لما رأيت المجلسي رحمه‌الله في أول البحار يقول ما معناه ان كتاب ربيع الشيعة وكتاب إعلام الورى قريبان فتصفحتهما وتتبعتهما ورأيت أنهما واحد سوى الخطبة فرجعت إلى كلمات السيد الأجل ابن طاوس في تعداد مصنفاته فلم أجده يسمي ربيع الشيعة ، نعم قال : ربيع الألباب ، وهو مشتمل على أربعة أجزاء كل واحد مخصوص بخطبة وظن أنه في احوالات العلماء وبعض المواعظ فحصل لي القطع بأن ربيع الشيعة لم يكن من علي ابن طاوس ، وخطبته غير سياق خطب ابن طاوس في خطبه ولم يسم نفسه في أوله كما هو عادته في عامة كتبه فظننت انه وجد بعض الطلاب هذا الكتاب بلا أوّل وهو إعلام الورى فظنه كتاب الربيع لابن طاوس فظنه ربيع الشيعة بدل ربيع الألباب ، وألحق به خطبة مختصرة فنسخ الناسخون عنه واشتهر بين العلماء يستعين من مثل المير الداماد في الرواشح وغيره وكتبت ذلك في حواشي نسختي من البحار وغيره ، وذكرته للأصحاب مرارا وما كنت عثرت على كلام الشيخ عبد النبي هذا كما نقله في المتن والحاصل ان ربيع الشيعة لم يكن من مصنفات علي بن طاوس ولم يعده من مصنفاته نفسه وهذا المشهور هو بعينه إعلام الورى سوى الخطبة المختصرة والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله. لمحرره يحيى بن محمد شفيع عفي عنهما في الدارين.

(٢) الشيخ عبد الحسين. ( هامش المخطوط )

٤٤٨

ولم يكن له (١) علم بإعلام الورى ، فحسبوا أنه من مؤلفاته فجعلوا له خطبة على طريقة السيد في مؤلفاته ، ونسبوه إليه. ولقد أجاد فيما أفاد.

الثاني : أغرب السيد الفاضل المعاصر رحمه‌الله في الروضات في ترجمة هذا السيد الجليل ، فأراد مدحه وتبجيله فقدحه ، وأخرج كتابه الشريف مصباح الزائر عن الاعتبار ، وأخرج جملة من الأدعية والزيارات عن حريم ساحة الأخبار ، لمجرد الخرص والتخمين ، ومتابعة ما دار في أفواه القاصرين.

فقال ـ في مقام ذكر مناقب السيد وفضائله ـ : ومنها كونه في فصاحة المنطق ، وبلاغة الكلام ، بحيث تشتبه كثيرا ما عبارات دعواته الملهمة ، وزياراته الملقمة بعبارات أهل بيت العصمة عليهم‌السلام ، بل أراه في كتاب مصباح الزائر ـ وأمثاله ـ كأنه يرى نفسه مأذونا في (٢) جعل وظائف مقرّرة لمواضع مكرمة ومواقف صالحة ، كما ترى أنه يذكر أعمالا من عند نفسه ظاهرا لمسجد الكوفة وأمثالها غير مأثورة في شيء من كتب أصحابنا المستوفين لوظائف الشريعة في مؤلفاتهم ، ولا منسوبة في كلمات نفسه إلى أحد من المعصومين عليهم‌السلام ، مع أنّ ديدنه المعروف ذكر السند المتصل إليهم في كلّ ما يجده من الجليل والحقير ، ولا ينبّئك مثل خبير (٣) ، انتهى.

__________________

(١) في الحجرية : لهم ، وكلاهما يصح.

(٢) جاء في هامش المخطوط :

إنه كذلك وذكر مستنده من الأخبار المعتبرة في إنشاء دعاء يدعو به ربه بكل ما القي في روعة ، كما أنشأ أدعية لأوّل بعض الشهور وذكره في كتابه الإقبال وصرح بأنّه من نفسه ، وأمّا جمل الكتاب التي مختصة بالشارع بأنّه يفعل كذا ويصلّي ركعتين بسورتين مخصوصتين أو يرفع يده في الموضع الفلاني مثلا عند رأس الحسين عليه‌السلام عند القول الحاصل ونحوه فلا يجوز ذلك ، ولم يفعله أبدا ، بل هو بدعة محرمة بالإجماع وما ظنه لولا ظن ـ كذا ـ ( منه عفى الله عنه )

(٣) روضات الجنات ٤ : ٣٣٠ / ٤٠٥.

٤٤٩

وفيه أولا : أنّ ديدن السيد في بعض مؤلفاته كالأمان (١) والمهج (٢) والدروع (٣) ، أنه إذا أراد ذكر دعاء أنشأه بنفسه التصريح به ، فلا حظ حتى يظهر لك صدق ما ادّعيناه ، ولولا خوف الإطالة لأشرت إلى مواضعه.

وثانيا : أنه صرّح في كتاب مصباح الزائر بأنّ كلّما فيه مما رواه أو رآه ، قال ـ بعد ذكر الزيارة المختصة بأبي عبد الله عليه‌السلام في أوّل رجب ، وزيارة الشهداء بأساميهم بعدها ما لفظه ـ : قد تقدم عدد الشهداء في زيارة عاشوراء برواية تخالف ما سطرناه في هذا المكان ، وتختلف في أسمائهم أيضا ، وفي الزيادة والنقصان ، وينبغي أن تعرف ـ أيدك الله جلّ جلاله ـ بتقواه إنّنا تبعنا في ذلك ما رأيناه أو رويناه ، ونقلنا في كل موضع كما وجدناه (٤).

وقال في آخر الكتاب : هذا آخر ما وقع اختيارنا عليه ، وانصرفت الهمّة إليه ، قد وصل على الوجه الذي استحسنّاه واعتمدنا فيه على ما رويناه ، أو نظرناه (٥). انتهى.

فكيف ينسب إليه مع ذلك أنه أنشأ بنفسه تلك الدعوات الكثيرة؟!.

وثالثا : أن السيد ذكر في جملة من تلك المواضع والمواقف ـ غير الدعاء ـ آدابا مخصوصة ، ووظائف معيّنة ، ولو لا أنّها واردة مأثورة لكان ذكرها والأمر بالعمل بها غير مشروع ، فإنّها بدعة محرّمة ، وتشريع غير جائز ، ونسبته إلى مثل هذا السيّد الجليل قبيح في الغاية.

ورابعا : إنّ ما ذكره السيد من الآداب والأعمال المتعلّقة بالمسجد ، ذكره

__________________

(١) الأمان من الاخطار : ٢٠ ، ٩٩ ، ١١٧.

(٢) مهج الدعوات : ٣٣٦ ، ٣٣٧.

(٣) الدروع الواقية : ٣ ، ٥٧ ، ٦٠ وغيرها.

(٤) مصباح الزائر : ١٠٩ ب.

(٥) مصباح الزائر : آخر النسخة المخطوطة.

٤٥٠

قبله الشيخ محمّد بن المشهدي في مزاره (١) ، وذكره قبله الشيخ الجليل المفيد رحمه‌الله في مزاره (٢) ، والعجب من قوله : في شيء من كتب أصحابنا. إلى آخره. فهب أنه ما عثر على المزارين ، فهلا نظر إلى مزار البحار؟

وقوله فيه : ولمّا استوفينا الأخبار التي وصلت إلينا في أعمال هذا المسجد ، فلنذكر ما أورده الشيخ المفيد ، والسيد ابن طاوس ، ومؤلف المزار الكبير ، والشيخ الشهيد رضي‌الله‌عنه ، في كتبهم مرتّبا ، وإن لم يصل في بعضها إلينا الخبر ، واللّفظ للسيد رحمه‌الله قال (٣) :. إلى آخره.

وأورد تلك الأعمال ـ أيضا ـ قبل السيد مؤلف المزار القديم ، الذي أشرنا إليه في ضمن حال مزار المشهدي ، في الفائدة السابقة ، وكأنه للقطب الراوندي ، أو صاحب الاحتجاج.

وخامسا : إنّ السيد ومن قبله وبعده ، وإن لم يصرحوا عند إيراد تلك الأعمال بكونها مأثورة مرويّة عن الحجج عليهم‌السلام ، ولذا لم يذكرها العلامة المجلسي في كتاب تحفته ، لبنائه فيه على إيراد ما وقف على كونه مرويّا ، إلا أنّ هنا قرائن وشواهد تدلّ على أنّها مأثورة.

منها : قول الشيخ الجليل محمّد بن المشهدي في أوّل مزاره ما لفظه : فإني قد جمعت في كتابي هذا من فنون الزيارات للمشاهد ، وما ورد في الترغيب في المساجد المباركات ، والأدعية المختارات ، وما يدعى به عقيب الصلوات ، وما يناجي به القديم تعالى من لذيذ الدعوات في الخلوات ، وما يلجأ إليه من الأدعية عند المهمّات ، ممّا اتصلت به من ثقات الرواة إلى السادات عليهم

__________________

(١) مزار المشهدي : ٢٠١ ، ٢٣٢.

(٢) مزار المفيد : ٢٣ / ١ ـ ٢.

(٣) بحار الأنوار ١٠٠ : ٤٠٧.

٤٥١

السلام (١). إلى آخره.

ومنها : ما في المزار القديم ، فإنه أورد أولا أعمالا مرتّبة ، وأدعية طويلة ، للمواقف الشريفة من المسجد ، غير الشائعة الدائرة ، وبعد الفراغ منها ، قال : أعمال الكوفة برواية أخرى (٢) ، ثم ساق الأعمال على ما هو الموجود في تلك الكتب ، فيظهر منه أنّ كليهما مرويّان مأثوران.

ومنها : ما أشرنا إليه سابقا أنّ هذه الأعمال بهذا الترتيب والآداب كيف يجوز نسبة جعلها إلى مثل الشيخ المفيد في عصر زيّنه الله تعالى بوجود أعلام للدين في بلد مملوء من الرواة والمحدثين؟ ثم يتلقّاها الأصحاب مثل الشهيد بالقبول ، ويوردونها في زبرهم كسائر المنقول ، وهذا واضح بحمد الله تعالى لمن عدّ من ذوي النهي والعقول.

وسادسا : قوله : مع أنّ ديدنه. إلى آخره.

صحيح في غير هذا الكتاب وكتابه اللهوف ، فإنه ما أسند فيهما شيئا من الأخبار والقصص ، والأعمال والأدعية والزيارات إلى مأخذ ، وفيها ما هو مأثور بسند أو أسانيد متعددة ، ألّفهما في عنفوان عمره ـ كما يأتي (٣) ـ ثم غيّر طريقته في سائر مؤلفاته ، وبنى على ذكر المأخذ ولو لدعاء صغير ، وعمل حقير.

وسابعا : ما في قوله : وزياراته الملقمة ، فإنه ظنّ ـ كبعض من أهل العلم الغير الباحثين عن مآخذ السنن ـ أنّ هذه الزيارات المخصوصة بالأيام الشريفة ، كأول الرجب ونصفه ونصف شعبان وليالي القدر والعيدين وعرفة ، المختصة بأبي عبد الله عليه‌السلام ، غير مأثورة ، وإن كان في المصباح زيارات مطلقة غير مسندة ، إلاّ أنّ المهم في بيان أنّها مأثورة ، لكثرة الحاجة إليها.

__________________

(١) مزار المشهدي : ٣.

(٢) المزار القديم : لم نعثر عليه فيه.

(٣) يأتي في صفحة : ٤٥٦.

٤٥٢

فنقول : إن هنا أيضا شواهد تدل على أنها مأثورة عن الحجج عليهم‌السلام ، بعضها يتعلق بجميعها ، واخرى ببعضها.

منها : أنه قال السيد في المصباح في شرح زيارة أبي عبد الله عليه‌السلام في أول يوم من رجب ، بعد ذكر ثوابه ما لفظه : شرح زيارته في ذلك اليوم ، ويزار بها ليلة النصف من شعبان أيضا ، إذا أردت ذلك فاغتسل (١). إلى آخره.

ثم قال في فضل زيارته ليلة النصف من شعبان ما لفظه : وأما الزيارة في هذه الليلة ، فقد روي أنه يزار فيها بالزيارة التي قدمناها في أول رجب ، فتؤخذ من هناك (٢).

ومنها : قوله في زيارة النصف من رجب بعد ذكر فضلها : فأمّا كيفيّة زيارته عليه‌السلام في هذا الوقت ، فينبغي أن يزار بالزيارة الجامعة في أيام رجب ، أو بما تقدم من الزيارات المنقولة لسائر الشهور ، فإني لم أقف على زيارة مختصّة بهذا الوقت المذكور (٣). انتهى.

وقال في الإقبال ـ بعد ذكر فضل زيارته عليه‌السلام في النصف من رجب ـ أقول : وأمّا ما يزار به الحسين صلوات الله عليه في هذا النصف من رجب المشار إليه ، فإني لم أقف على لفظ متعيّن له إلى الآن ، فيزار بالزيارة المختصّة بشهر رجب (٤) ،. إلى آخره.

والظاهر أنه لم يكن عنده مزار المفيد رحمه‌الله ، كما ستعرف.

ومنها : قوله رحمه‌الله ـ في زيارة ليلة القدر ـ : شرح الزيارة ، وهي مختصة

__________________

(١) مصباح الزائر : ١٠٧ ـ أ ـ.

(٢) مصباح الزائر : ١١٤ ـ أ ـ.

(٣) مصباح الزائر : ١١١ ـ أ ـ.

(٤) الإقبال : ٦٥٧.

٤٥٣

بهذه الليلة ، ويزار بها في العيدين إذا أردت ذلك (١). إلى آخره.

وقال محمّد بن المشهدي في مزاره : زيارة الحسين بن علي عليهما‌السلام أيضا مختصرة ، يزار بها في ليلة القدر ، وفي العيدين ، وبالإسناد عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمّد عليهما‌السلام : إذا أردت (٢). وساق الزيارة كما ساقها السيد ، والشيخ المفيد (٣).

وقال السيد في الإقبال : ومنها زيارة الحسين عليه‌السلام في ليلة عيد الفطر ، وقد ذكرنا في الجزء الثاني من كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر بعض فضلها ، وما اخترناه من الرواية ألفاظ الزيارة المختصة ، فإن لم يكن كتابنا عنده موجودا في مثل هذا الميقات فليزر الحسين عليه أفضل الصلوات بغير تلك الزيارة من الزيارات المرويّات (٤).

وقال في ذكر أعمال يوم الأضحى : وأمّا لفظ ما نذكره في هذا اليوم في زيارته عليه‌السلام ، فقد كنّا ذكرنا في كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر زيارتين تختصّ بهذا الميقات ، وليس هذا الكتاب ممّا نقصد به ذكر الزيارات ، فإن وجد تلك الزيارتين ، وإلاّ فزر الحسين عليه‌السلام ، ليلة الأضحى ويوم الأضحى ، بما ذكرناه في هذا الكتاب من الزيارة ليوم عرفة (٥).

وقال في الإقبال أيضا : فصل فيما نذكره من لفظ الزيارة المختصّة بالحسين عليه‌السلام يوم عرفة. اعلم أنه سيأتي في بعض ما نذكره من الدعوات يوم عرفة زيارة النبيّ والأئمة عليهم أفضل الصلوات ، وإنّما نذكر في

__________________

(١) مصباح الزائر : ١٢٠ ـ أ ـ.

(٢) مزار المشهدي : ٥٩٠.

(٣) مزار المفيد : ٦١ ، وفيه : فضل زيارته عليه‌السلام ليلة القدر فقط.

(٤) الإقبال : ٢٧٤.

(٥) الإقبال : ٤٢٢.

٤٥٤

هذا الفصل زيارة تختصّ بهذا اليوم غير داخلة في دعواته. وذكر هذه الزيارة (١) ، وساق ما ساقه في مصباحه (٢) ، وقبله الشيخ المفيد في مزاره (٣) ، والشيخ المشهدي في مزاره (٤) ، باختلاف يسير.

وقال فيه أيضا : فصل فيما نذكره من لفظ زيارة الحسين عليه‌السلام في نصف شعبان. أقول : إنّ هذه الزيارة ممّا يزار بها الحسين عليه‌السلام في أوّل رجب أيضا ، وإنّما أخّرنا ذكرها في هذه الليلة لأنّها أعظم (٥) ، فذكرناها في الأشرف من المكان. وساق ما ساقه في المصباح في زيارة أوّل رجب.

ومنها ما تقدم (٦) ذكره من عبارة خطبة مزار المشهدي ، من التصريح بأنّ كلّما فيه من الدعوات والزيارات ممّا رواها عن الثقات متّصلة إلى الأئمة الهداة عليهم‌السلام.

ومنها : أن الشيخ الكفعمي رحمه‌الله ذكر في كتابه البلد الأمين في أعمال شهر ربيع الأول بعض ما ورد في ثواب زيارة أبي عبد الله عليه‌السلام في كل شهر ، ثم قال : قلت : فلهذين الحديثين أوردنا في كتابنا هذا للحسين عليه‌السلام في أول كل شهر زيارة مفردة ، إلاّ أن يكون في الشهر زيارة موظفة ، فنكتفي بذكرها (٧). انتهى.

وذكر في الأيام المتقدمة الزيارات المعروفة المختصة بها التي صرّح بأنها موظفة ، وكأن عنده عدة مزارات من الأقدمين لم تصل إلينا. ولعلّ المنصف إذا

__________________

(١) الإقبال : ٣٣٢.

(٢) مصباح الزائر : ٢٦٠.

(٣) مزار المفيد : لم نعثر عليه فيه.

(٤) مزار المشهدي : لم نعثر عليه فيه.

(٥) الإقبال : ٧١٢.

(٦) تقدم في صفحة : ٤٥١.

(٧) البلد الأمين : ٢٧٥.

٤٥٥

تأمل في هذه القرائن تطمئن نفسه بكونها مأثورة ، وتستبعد أن يكون مثل الشيخ المفيد أو من قبله يخترع زيارة بكيفيّة مخصوصة ، ويصرّح باختصاصها بيوم مخصوص من دون ورود أثر ، ثمّ يتلقاها العلماء مصرحّين باختصاصها به ، هذا ممّا لا يناسب نسبته إلى أصاغر أهل العلم فضلا عن إعلامهم.

ومن الغريب ـ بعد ذلك كله ـ ما ذكره المحقق المحدث البحراني في الدرّة الرابعة والثلاثين من كتابه الدرة النجفيّة ، حيث قال : ومنها : ما ذكره في مزار البحار ـ أيضا ـ عن السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين ابن طاوس رضي‌الله‌عنه ، في كتاب مصباح الزائر في زيارة طويلة حيث قال فيها : ثم أعدل إلى موضع الرأس ، واستقبل القبلة ، وصل ركعتين صلاة الزيارة ، تقرأ في الأولى : الحمد وسورة الأنبياء ، وفي الثانية : الحمد وسورة الحشر ، أو ما تهيأ لك. إلى آخره.

أقول : وهذه الزيارة إمّا أن تكون من مرويّات السيّد قدس سرّه فيكون سبيلها سبيل الروايات المتقدمة ، أو تكون من إنشائه كما يقع منه كثيرا ، فيكون فيه تأييد لما ذكرناه لدلالته على كون ذلك هو المختار عنده ، والأفضل لديه ، أو المتيقّن (١) انتهى.

وقد عرفت تصريح السيد في المصباح بأن كلّ ما فيه ممّا رواه أو رآه ، وليس فيه من منشآته شيء فضلا عن الكثرة ، وليس له كتاب مزار غيره ، وهذا من إتقان المحدث المذكور وتثبته عجيب بأن يذكر ما لا أصل له أصلا.

وثامنا : إن السيد ألف المصباح في أول تكليفه ، قال رحمه‌الله في كتاب الإجازات : فصل : ممّا ألفته في بداية التكليف من غير ذكر الأسرار

__________________

(١) الدرة النجفيّة : ١٥٩.

٤٥٦

والتكشيف : كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر ، ثلاث مجلّدات (١) ، انتهى.

وإنشاؤه في هذا السنّ هذه الأدعية يعدّ من خوارق العادة ، ومنه يظهر وجه عدم مشابهته ـ كاللهوف ـ لسائر مؤلفاته من ذكر الأسانيد وبيان الأسرار.

الثالث : قال في اللّؤلؤة : وأمّهما ـ أي السيد رضي الدين علي وجمال الدين أحمد ـ على ما ذكره بعض علمائنا ـ بنت الشيخ المسعود الورّام بن أبي الفوارس ابن فراس بن حمدان. وأمّ أمّهما بنت الشيخ الطوسي ، وأجاز لها ولأختها أمّ الشيخ محمّد بن إدريس جميع مصنّفاته ، ومصنفات الأصحاب (٢) ، ونقله صاحب الروضات أيضا معتمدا عليه ، وزاد : ووقع النصّ على جدتيهما له من جهة الأم في مواضع كثيرة من مصنّفات نفسه ، فليلاحظ (٣). انتهى.

ولا يخفى أنّ الذي يظهر من مؤلفات السيد أن أمّه بنت الشيخ ورّام الزاهد ، وأنه ينتهي نسبه من طرف الأب إلى الشيخ أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله ، ولذا يعبّر عنه أيضا بالجدّ ، وأمّا كيفيّة الانتساب إليه فقال السيد في الإقبال : فمن ذلك ما رويته عن والدي ـ قدس الله روحه ، ونوّر ضريحه ـ فيما قرأته عليه من كتاب المقنعة بروايته عن شيخه الفقيه حسين بن رطبة رحمه‌الله عن خال والدي السعيد أبي علي الحسن بن محمّد ، عن والده محمّد بن الحسن الطوسي ـ جدّ والدي من قبل أمه ـ عن الشيخ المفيد (٤). إلى آخره فظهر أنّ انتساب السيّد إلى الشيخ من طرف والده أبي إبراهيم موسى الذي أمّه بنت الشيخ ، لا من طرف أمّه بنت الشيخ ورّام.

وما ذكروه من أنّ أمّ أمّ السيّد ـ يعني زوجة ورّام ـ بنت الشيخ ، فباطل

__________________

(١) بحار الأنوار ١٠٧ : ٣٩.

(٢) لؤلؤة البحرين : ٢٣٦.

(٣) روضات الجنات ٤ : ٣٢٥.

(٤) الإقبال : ٨٧.

٤٥٧

من وجوه :

أمّا أولا : فلأن وفاة ورّام في سنة ٦٠٥ ، ووفاة الشيخ في سنة ٤٦٠ فبين الوفاتين مائة وخمسة وأربعون سنة ، فكيف يتصوّر كونه صهرا للشيخ على بنته؟ وإن فرضت ولادة هذه البنت بعد وفاة الشيخ ، مع أنهم ذكروا أن الشيخ أجازها.

وأمّا ثانيا : فلأنّه لو كان كذلك لأشار السيد في موضع من مؤلفاته ، لشدة حرصه على ضبط هذه الأمور.

وأمّا ثالثا : فلعدم تعرّض أحد من أرباب الإجازات وأصحاب التراجم لذلك ، فإنّ صهريّة الشيخ من المفاخر التي يشيرون إليها ، كما تعرضوا في ترجمة ابن شهريار الخازن وغيره.

ويتلو ما ذكروه هنا في الغرابة ما في اللّؤلؤة (١) وغيرها أنّ أمّ ابن إدريس بنت شيخ الطائفة ، فإنه في الغرابة بمكان يكاد يلحق بالمحال في العادة. فإنّ وفاه الشيخ في سنة ستّين بعد الأربعمائة ، وولادة ابن إدريس كما ذكروه في سنة ثلاث وأربعين بعد خمسمائة ، فبين الوفاة والولادة ثلاثة وثمانون سنة. ولو كانت أمّ ابن إدريس في وقت إجازة والدها لها في حدود سبعة عشر سنة مثلا كانت بنت الشيخ ولدت ابن إدريس في سنّ مائة سنة تقريبا ، وهذه من الخوارق التي لا بدّ أن تكون في الاشتهار كالشمس في رابعة النهار.

والعجب من هؤلاء الأعلام كيف يدرجون في مؤلفاتهم أمثال هذه الأكاذيب ، بمجرّد أن رأوها مكتوبة في موضع من غير تأمّل ونظر.

ثم إن تعبيرهما عن الشيخ ورّام بالمسعود الورّام أو مسعود بن ورّام اشتباه

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ٢٧٨.

٤٥٨

آخر ، لعلّنا نشير إليه فيما بعد إن شاء الله ، فإنّ المسعود الورّام أو مسعود بن ورّام غير الشيخ ورّام الزاهد صاحب تنبيه الخاطر ، فلا تغفل.

الرابع : في مجموعة الشهيد : تولّى السيد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن محمّد الطاوس العلوي الحسني ، صاحب المقامات والكرامات والمصنّفات ، نقابة العلويّين من قبل هولاكو خان ، وذكر أنّه كان قد عرضت عليه في زمان المستنصر ، وكان بينه وبين الوزير مؤيد الدين محمّد بن أحمد بن العلقمي وبين أخيه وولده عزّ الدين أبي الفضل محمّد بن محمّد صاحب المخزن صداقة متأكدة ، أقام ببغداد نحوا من خمس عشرة سنة ، ثم رجع إلى الحلّة ، ثم سكن بالمشهد الشريف برهة ، ثم عاد في دولة المغول إلى بغداد ، ولم يزل على قدم الخير والآداب والتنزّه عن الدنيّات ، إلى أن توفّي بكرة الاثنين خامس ذي القعدة من سنة أربع وستين وستمائة ، وكان مولده يوم الخميس منتصف محرّم سنة تسع وثمانين وخمسمائة ، وكانت مدة ولايته النقابة ثلاث سنين وأحد عشر شهرا (١). انتهى. وظاهر هذه العبارة أنه توفّي ببغداد.

وقال السيد رحمه‌الله في كتابه فلاح السائل : ذكر صفة القبر ، ينبغي أن يكون القبر قدر قامة إلى الترقوة ، ويكون فيه لحد من جهة القبلة بمقدار ما يجلس الجالس فيه ، فإنه منزل الخلوة والوحدة ، فيوسع بحسب ما أمر الله جلّ جلاله ممّا يقرب إلى مراضيه ، وقد كنت مضيت بنفسي ، وأشرت إلى من حفر لي قبرا كما اخترته في جوار جدي ومولاي علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، متضيفا ومستجيرا ورافدا وسائلا وآملا ، ومتوسلا بكل ما توسّل به أحد من الخلائق إليه ، وجعلته تحت قدمي والديّ رضوان الله جلّ جلاله عليهما ، لأنّي

__________________

(١) مجموعة الشهيد : ١٤٣.

٤٥٩

وجدت الله جلّ جلاله يأمرني بخفض الجناح لهما ، ويوصيني بالإحسان إليهما ، فأردت أن يكون رأسي مهما بقيت تحت القبور تحت قدميهما (١). انتهى.

ومقتضى ما ذكره هنا أنه أوصى بحمله إليه ودفنه فيه ، وإلاّ فلا بدّ أن يكون قبره في جوار الكاظمين عليهما‌السلام. ولكن في الحلّة في خارج البلد قبّة عالية في بستان تنسب إليه ، ويزار قبره ويتبرّك فيها ، ولا يخفى بعده لو كان الوفاة ببغداد ، والله العالم.

الخامس : في مشايخه ، وهم جماعة ، صرّح بهم متفرقا في مؤلفاته وغيره في إجازاتهم :

أ ـ العالم الصالح الشيخ حسين بن محمّد (٢) السوراوي. قال في الفلاح : أجازني في جمادى الآخرة سنة تسع وستمائة (٣).

عن الشيخ الجليل عماد الدين الطبري ، صاحب بشارة المصطفى ، الآتي في مشايخ شاذان بن جبرئيل القمّي (٤).

ب ـ أبو الحسن علي (٥) بن يحيى بن علي ، الفقيه الجليل الحنّاط ـ بالحاء المهملة ، والنون المشددة ـ كما هو المضبوط في نسخ جمال الأسبوع (٦) ، وفلاح السائل (٧) ، وأربعين الشهيد (٨) ، نسبة إلى بيع الحنطة. أو الخياط كما هو

__________________

(١) فلاح السائل : ٧٣.

(٢) كذا ، ولعل الصحيح : احمد ، وقد تقدّم ، ويؤيّده ما في الفلاح.

(٣) فلاح السائل : ١٤ ، وفي كشف اليقين : ٧٩ تاريخ الإجازة سنة ٦٠٧.

(٤) يأتي في الجزء الثالث : ١٣.

(٥) لا يوجد له ذكر في المشجرة ولا لمشايخه الثمان كرواة عنه ، نعم يوجد بعضهم كما سنذكر.

(٦) جمال الأسبوع : ٢٣ ، وفيه : الخياط.

(٧) فلاح السائل : ١٤ ، وفيه : الخياط.

(٨) أربعين الشهيد : ٣ ، وفيه : الخياط.

٤٦٠