مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٨٨

و يخرج فلم يزل أبي مقبلا على أبي محمد يحدثه حتى نظر إلى غلمان الخاصة فقال حينئذ إذا شئت جعلني الله فداك ثم قال لحجابه خذوا به خلف السماطين حتى لا يراه هذا يعني الموفق فقام وقام أبي وعانقه ومضى فقلت لحجاب أبي وغلمانه ويلكم من هذا الذي كنيتموه على أبي وفعل به أبي هذا الفعل فقالوا هذا علوي يقال له الحسن بن علي يعرف بابن الرضا فازددت تعجبا ولم أزل يومي ذلك قلقا متفكرا في أمره وأمر أبي وما رأيت فيه حتى كان الليل وكانت عادته أن يصلي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات وما يرفعه إلى السلطان فلما صلى وجلس جئت فجلست بين يديه وليس عنده أحد فقال لي يا أحمد لك حاجة قلت نعم يا أبه فإن أذنت لي سألتك عنها فقال قد أذنت لك يا بني فقل ما أحببت قلت يا أبه من الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال والكرامة والتبجيل وفديته بنفسك وأبويك فقال يا بني ذاك إمام الرافضة ذاك الحسن بن علي المعروف

______________________________________________________

وفي القاموس سماط القوم بالكسر صفهم ، والغلمان جمع غلام ، مضاف إلى الخاصة إضافة الموصوف إلى الصفة أي الخدمة المختصة بالموفق الذين يمشون قدامه بين السماطين « فقال حينئذ » أي اذهب حينئذ أو هو متعلق بالقول ، ويؤيده أن في الإكمال : فقال حينئذ إذا شئت فقم ، وفيه : لئلا يراه الأمين ، « وتعجبا » تميز أي ازداد تعجبي ، والقلق الانزعاج والاضطراب والمؤامرات المشاورات « وما يرفعه » أي ينهاه ويعرضه « فلما صلى » وفي الإكمال : فلما نظر ، وفيه « ألك » وفيه : من الإجلال والإكرام ، والتبجيل التعظيم.

والرافضة الإمامية سموا بذلك لرفضهم مذهب أكثر الناس في الإمامة بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولعن الصحابة ، وفي القاموس : الرافضة فرقة من الشيعة تابعوا زيد ابن علي ، ثم قالوا له : تبرأ من الشيخين فأبى ، وقال : كانا وزيري جدي ، فتركوه ورفضوه وأرفضوا عنه ، والنسبة رافضي ، انتهى.

وكان هذا افتراء على زيد ، أو قاله تقية.

١٤١

بابن الرضا فسكت ساعة ثم قال يا بني لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غير هذا وإن هذا ليستحقها في فضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه ولو رأيت أباه رأيت رجلا جزلا نبيلا فاضلا.

فازددت قلقا وتفكرا وغيظا على أبي وما سمعت منه واستزدته في فعله وقوله فيه ما قال فلم يكن لي همة بعد ذلك إلا السؤال عن خبره والبحث عن أمره فما سألت أحدا من بني هاشم والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس إلا وجدته عنده في غاية الإجلال والإعظام والمحل الرفيع والقول الجميل والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه فعظم قدره عندي إذ لم أر له وليا ولا عدوا إلا وهو يحسن القول فيه والثناء عليه فقال له بعض من حضر مجلسه من الأشعريين يا أبا بكر فما خبر أخيه جعفر فقال ومن جعفر فتسأل عن خبره أو يقرن بالحسن جعفر معلن الفسق فاجر

______________________________________________________

« وإن هذا ليستحقها » هذا إقرار ضمنا ببطلان خلافة بني العباس « في فضله » في للتعليل ، وفي بعض النسخ من فضله « وصيانته » وفي الإكمال وصيانة نفسه أي حفظه نفسه عما لا يجوز ولا ينبغي ، وفي القاموس : الجزل : الكريم ، العطاء ، والعاقل الأصيل ، وفي الإكمال لرأيت رجلا جليلا نبيلا ، وفي الإرشاد : وما سمعت منه فيه ورأيته من فعله ، وفي الإكمال مما سمعت منه فيه ولم يكن ، وعلى ما في الكتاب وما سمعت عطف على أبي واستزدته عطف على سمعت ، أي وما عددته زائدا على ما ينبغي وقيل : استزدته أي عددته مستقصرا حيث أقر بصحة مذهب الرافضة أخذا من قول صاحب القاموس استزاده استقصره وطلب منه الزيادة وما ذكرناه أظهر.

وفي القاموس : الهمة بالكسر وتفتح ما هم به من أمر ليفعل ، وفي الإكمال ومشايخه وغيرهم وكل يقول هو إمام الرافضة إلى قوله : فما حال أخيه ، والأشعر أبو قبيلة من اليمن سكن بعضهم قم ، وفي القاموس : مجن مجونا صلب وغلظ ، ومنه الماجن لمن لا يبالي قولا وفعلا كأنه صلب الوجه ، وقال : الشريب كسكين المولع بالشراب.

١٤٢

ماجن شريب للخمور أقل من رأيته من الرجال وأهتكهم لنفسه خفيف قليل في نفسه ولقد ورد على السلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي ما تعجبت منه وما ظننت أنه يكون.

وذلك أنه لما اعتل بعث إلى أبي أن ابن الرضا قد اعتل فركب من ساعته فبادر إلى دار الخلافة ثم رجع مستعجلا ومعه خمسة من خدم أمير المؤمنين كلهم من ثقاته وخاصته فيهم نحرير فأمرهم بلزوم دار الحسن وتعرف خبره وحاله وبعث إلى نفر من المتطببين فأمرهم بالاختلاف إليه وتعاهده صباحا ومساء فلما كان بعد ذلك بيومين أو ثلاثة أخبر أنه قد ضعف فأمر المتطببين بلزوم داره وبعث إلى قاضي القضاة فأحضره مجلسه وأمره أن يختار من أصحابه عشرة ممن يوثق به في دينه وأمانته وورعه فأحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن وأمرهم بلزومه ليلا ونهارا فلم يزالوا

______________________________________________________

« أقل من رأيته » أي أذلهم وقد يستعار القلة للذلة لنفسه ، وفي الإكمال : لستره فدم (١) خمار قليل في نفسه خفيف.

قوله : خفيف ، أي لا وقر له عند الناس ، أو خفيف العقل في نفسه أي دني الهمة سفيه « والله لقد ورد على السلطان (٢) » أي المعتمد ، قال ابن الجوزي في التلقيح : المعتمد أبو العباس أحمد بن جعفر المتوكل صار خليفة يوم الخميس الثاني من رجب سنة ست وخمسين ومائتين ، ومات ليلة الاثنين لإحدى عشر ليلة بقيت من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين « ما تعجبت » فاعل ورد ، وتعجبه إما من شدة المصيبة والجزع على أهل سامراء أو من اضطراب الخليفة لذلك ، وبعثه الأطباء والقضاة إليه أو من تفحصهم وبحثهم عن الولد بغاية جهدهم وعدم ظفرهم عليه ، أو من الجميع « بعث » أي الخليفة ، ونحرير الخادم كان من خواص خدم الخليفة « فأمرهم » أي الخليفة وأبوه وكذا فيما سيأتي من الضمائر « صباحا ومساء » وفي الإرشاد والأعلام صباح مساء ، وفي الإكمال حتى توفي عليه‌السلام لأيام مضت من شهر ربيع الأول من سنة ست ومائتين

__________________

(١) الفدم : الأحمق.

(٢) وعبارة المتن خالية من لفظة « الله ».

١٤٣

هناك حتى توفي عليه‌السلام فصارت سر من رأى ضجة واحدة وبعث السلطان إلى داره من فتشها وفتش حجرها وختم على جميع ما فيها وطلبوا أثر ولده وجاءوا بنساء يعرفن الحمل فدخلن إلى جواريه ينظرن إليهن فذكر بعضهن أن هناك جارية بها حمل فجعلت في حجرة ووكل بها نحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم ثم أخذوا بعد ذلك في تهيئته وعطلت الأسواق وركبت بنو هاشم والقواد وأبي وسائر الناس إلى جنازته

______________________________________________________

والضجة الصيحة.

« أثر ولده » لأنهم كانوا سمعوا في الروايات أن المهدي من ولد الحادي عشر من الأئمة عليهم‌السلام ، والأثر بالتحريك الخبر ، وما بقي من رسم الشيء ، وأبو عيسى أخو الخليفة لعنهما الله.

وهذه الصلاة كانت بعد صلاة القائم عليه‌السلام في البيت كما روى الصدوق (ره) في الإكمال عن علي بن محمد بن حباب عن أبي الأديان قال : كنت أخدم الحسن بن علي عليهما‌السلام وأحمل كتبه إلى الأمصار ، فدخلت عليه في علته التي توفي فيها صلوات الله عليه ، فكتب معي كتبا وقال : تمضي بها إلى المدائن فإنك ستغيب خمسة عشر يوما فتدخل إلى سر من رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل فقلت : يا سيدي فإذا كان ذلك فمن؟ قال : من طالبك بجواب كتبي فهو القائم بعدي ، فقلت : زدني ، فقال : من خبر بما في الهميان فهو القائم بعدي ، ثم منعتني هيبته أن أسأله ما في الهميان وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها ودخلت سر من رأى يوم الخامس عشر كما قال لي عليه‌السلام فإذا أنا بالواعية في داره ، وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار والشيعة حوله يعزونه ويهنئونه ، فقلت في نفسي : إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة لأني كنت أعرفه بشرب النبيذ ويقامر في الجوسق (١) ويلعب بالطنبور ، فتقدمت فعزيت وهنيت ، فلم يسألني عن شيء ثم خرج عقيد (٢) فقال : يا سيدي قد

__________________

(١) الجوسق : القصر.

(٢) عقيد : اسم خادمه أو بمعنى القائد.

١٤٤

فكانت سر من رأى يومئذ شبيها بالقيامة فلما فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلى أبي عيسى بن المتوكل فأمره بالصلاة عليه فلما وضعت الجنازة للصلاة عليه دنا أبو عيسى منه فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلوية والعباسية والقواد والكتاب والقضاة والمعدلين وقال هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا مات حتف أنفه على

______________________________________________________

كفن أخوك فقم للصلاة عليه ، فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمان والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة ، فلما صرنا بالدار إذا نحن بالحسن بن علي عليه‌السلام على نعشه مكفنا فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة ، بشعره قطط ، بأسنانه تفليج فجبذ رداء جعفر بن علي وقال : تأخر صبي بوجهه سمرة ، بشعره قطط ، بأسنانه تفليج فجبذ رداء جعفر بن علي وقال : تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي ، فتأخر جعفر وقد أربد وجهه فتقدم الصبي فصلى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيه ، ثم قال : يا بصري هات جوابات الكتب التي معك فدفعتها إليه ، وقلت في نفسي : هذه اثنتان بقي الهميان ثم خرجت إلى جعفر بن علي وهو يزفر فقال له حاجز الوشاء : يا سيدي من الصبي لنقيم عليه الحجة؟ فقال : والله ما رأيته قط ولا أعرفه فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي عليه‌السلام فعرفوا موته ، فقالوا : فمن؟ فأشار الناس إلى جعفر بن علي فسلموا عليه وعزوه وهنوه ، وقالوا : معنا كتب ومال ، فتقول : ممن الكتب وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول : يريدون أن نعلم الغيب ، قال : فخرج الخادم فقال : معكم كتب فلان وفلان وهميان فيه ألف دينار عشرة دنانير منها مطلية ، فدفعوا الكتب والمال وقالوا الذي وجه بك لأجل ذلك هو الإمام ، فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف له ذلك فوجه المعتمد خدمه فقبضوا على صقيل الجارية وطالبوها بالصبي فأنكرته وادعت حملا بها لتغطي على حال الصبي ، فسلمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي وبغتهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجاءة ، وخروج صاحب الزنج بالبصرة فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن أيديهم ، والحمد لله رب العالمين لا شريك له ، انتهى.

وقال الجوهري : الحتف الموت ، يقال : مات فلان حتف أنفه إذا مات من غير

١٤٥

فراشه حضره من حضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان ومن القضاة فلان وفلان ومن المتطببين فلان وفلان ثم غطى وجهه وأمر بحمله فحمل من وسط داره ودفن في البيت الذي دفن فيه أبوه فلما دفن أخذ السلطان والناس في طلب ولده وكثر التفتيش في المنازل والدور وتوقفوا عن قسمة ميراثه ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهم عليها الحمل لازمين حتى تبين بطلان الحمل فلما بطل الحمل عنهن قسم

______________________________________________________

قتل ولا ضرب ، وفي النهاية من مات حتف أنفه هو أن يموت على فراشه كأنه سقط لأنفه فمات ، والحتف الهلاك كانوا يتخيلون أن روح المريض تخرج من أنفه فإن جرح خرجت من جراحته ، انتهى.

وقيل : إنما ذكر أنفه لأن أثر الموت بدون قتل يظهر في أنف الميت وجملة « حضره » لدفع نسبة القتل بالسم ، ولم تدفع بل هذه الأمور أدل على فعلهم من تركها وفي الإكمال ثم غطى وجهه وقام فصلى عليه وكبر عليه خمسا وأمر بحمله فحمل من وسط داره ، إلى قوله : ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهموا عليها الحبل ملازمين لها سنتين وأكثر ، حتى تبين لهم بطلان الحبل فقسم ميراثه ، إلخ.

وروى الصدوق (ره) عن رفيق بن الحسن العلوي عن أبي الحسن بن وجناء عن أبيه عن جده قال : كنت في دار الحسن بن علي عليهما‌السلام فكبسنا الخيل وفيهم جعفر بن علي الكذاب واشتغلوا بالنهب والغارة وكانت همتي في مولاي القائم عليه‌السلام ، قال : فإذا بالقائم عليه‌السلام قد أقبل وخرج عليهم من الباب وأنا أنظر إليه وهو عليه‌السلام ابن ست سنين فلم يره أحد حتى غاب.

وروي أيضا عن محمد بن الحسين بن عباد قال : قدمت أم أبي محمد عليه‌السلام من المدينة واسمها حديث حتى اتصل بها الخبر إلى سر من رأى فكانت له أقاصيص يطول شرحها مع أخيه جعفر ومطالبته إياها بميراثه وسعايته بها إلى السلطان وكشف ما أمر الله عز وجل بستره وادعت عند ذلك صقيل أنها حامل ، فحملت إلى دار المعتمد وخدمه ونساء الموفق وخدمه ونساء ابن أبي الشوارب يتعاهدون أمرها في كل وقت

١٤٦

ميراثه بين أمه وأخيه جعفر وادعت أمه وصيته وثبت ذلك عند القاضي والسلطان على ذلك يطلب أثر ولده فجاء جعفر بعد ذلك إلى أبي فقال اجعل لي مرتبة أخي وأوصل إليك في كل سنة عشرين ألف دينار فزبره أبي وأسمعه وقال له : يا أحمق السلطان جرد سيفه في الذين زعموا أن أباك وأخاك أئمة ليردهم عن ذلك فلم يتهيأ له ذلك فإن كنت عند شيعة أبيك أو أخيك إماما فلا حاجة بك إلى السلطان [ أن ] يرتبك مراتبهما ولا غير السلطان وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بنا واستقله

______________________________________________________

ويراعونها إلى أن دهمهم أمر الصغار وموت عبيد الله بن يحيى بن خاقان بغتة وخروجهم عن سر من رأى وأمر صاحب الزنج بالبصرة وغير ذلك فشغلهم عنها.

وروي أيضا عن محمد بن صالح القنبري قال : خرج صاحب الزمان على جعفر الكذاب من موضع لم يعلم به عند ما نازع في الميراث عند مضي أبي محمد عليه‌السلام فقال له : يا جعفر ما لك تعرض في حقوقي؟ فتحير جعفر وبهت ثم غاب وطلبه جعفر بعد ذلك في الناس فلم يره ، فلما ماتت الجدة أم الحسن عليه‌السلام أمرت أن تدفن في الدار ، فنازعهم جعفر وقال : هي داري لا تدفن فيها فقال له : يا جعفر دارك هي! ثم غاب فلم ير بعد ذلك.

قوله : وادعت أمه وصيته ، لعلها ادعت وصيته عليه‌السلام لها بشيء كالدار أو نحوها « والسلطان على ذلك » أي على الرأي الأول من تجسس ولده ، فقوله : يطلب بيان له ، والمعنى أن السلطان مع ذلك التفتيش التام وعدم ظهور الولد وبطلان الحمل كان يطلب أثر الولد لصحة الخبر عن الصادقين عليهم‌السلام عنده بأن له ولدا ، والزبر : المنع والنهي ، ويقال : أسمعه أي شتمه ، وقوله : أئمة جمع استعمل في التثنية مجازا ، واستقله أي عده قليلا ذليلا سفيه الرأي قليل العقل.

وقال الصدوق رحمه‌الله في إكمال الدين في غير هذا الخبر : وقد كان جعفر حمل إلى الخليفة ألف دينار لما توفي الحسن بن علي عليه‌السلام فقال له : يا أمير المؤمنين تجعل لي مرتبة أخي ومنزلته؟ فقال الخليفة : اعلم أن منزلة أخيك لم تكن بنا إنما كانت بالله

١٤٧

أبي عند ذلك واستضعفه وأمر أن يحجب عنه فلم يأذن له في الدخول عليه حتى مات أبي وخرجنا وهو على تلك الحال والسلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي.

٢ ـ علي بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر قال كتب أبو محمد عليه‌السلام إلى أبي القاسم إسحاق بن جعفر الزبيري قبل موت المعتز بنحو عشرين يوما الزم بيتك حتى يحدث الحادث فلما قتل بريحة كتب إليه قد حدث الحادث فما تأمرني فكتب ليس هذا الحادث هو الحادث الآخر فكان من أمر المعتز

______________________________________________________

عز وجل ، ونحن كنا نجتهد في حط منزلته والوضع منه وكان الله عز وجل يأبى إلا أن يزيده كل يوم رفعة بما كان فيه من الصيانة وحسن السمت والعلم والعبادة ، فإن كنت عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك علينا ، وإن لم يكن فيك ما في أخيك لم تغن عنك في ذلك شيئا ، انتهى.

ولا يبعد من حمقه وقوعهما جميعا.

الحديث الثاني : مجهول.

وإسحاق أيضا غير مذكور ، وكأنه كان من ولد الزبير وقد مر أن المعتز بالله هو محمد بن المتوكل ، قال ابن الجوزي : استخلف في المحرم سنة اثنتين وخمسين ومائتين ، وقتل في الثاني من شهر رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين ، انتهى.

فكان قتله بعد إمامته عليه‌السلام بسنة وشهر أو شهرين ، واختلف في كيفية قتله قال المسعودي : فمنهم من قال منع في حبسه الطعام والشراب فمات ، ومنهم من قال : إنه حقن بالماء الحار المغلي فمن أجل ذلك حين أخرج إلى الناس وجدوا جوفه وارما ، والأشهر عند العباسيين أنه أدخل حماما وأكره على دخوله إياه وكان الحمام محميا ثم منع الخروج منه ثم تنازع هؤلاء فمنهم من قال : أنه ترك في الحمام حتى فاضت نفسه ، ومنهم من ذكر أنه أخرج من بعد ما كادت نفسه أن تتلف فأسقي شربة ماء بثلج فتناثر كبده فخمد من فوره ، وقيل : مات في الحبس حتف أنفه ، انتهى.

وبريحة كان من مقدمي الأتراك الذين قربهم الخلفاء.

١٤٨

ما كان.

وعنه قال كتب إلى رجل آخر يقتل ابن محمد بن داود عبد الله قبل قتله بعشرة أيام فلما كان في اليوم العاشر قتل.

٣ ـ علي بن محمد [ ، عن محمد ] بن إبراهيم المعروف بابن الكردي ، عن محمد بن علي بن إبراهيم بن موسى بن جعفر قال ضاق بنا الأمر فقال لي أبي امض بنا حتى نصير إلى هذا الرجل يعني أبا محمد فإنه قد وصف عنه سماحة فقلت تعرفه فقال ما أعرفه ولا رأيته قط قال فقصدناه فقال لي أبي وهو في طريقه ما أحوجنا إلى أن يأمر لنا بخمسمائة درهم مائتا درهم للكسوة ومائتا درهم للدين ومائة للنفقة فقلت في نفسي ليته أمر لي بثلاثمائة درهم مائة أشتري بها حمارا ومائة للنفقة ومائة للكسوة وأخرج إلى الجبل قال فلما وافينا الباب خرج إلينا غلامه فقال يدخل علي بن إبراهيم ومحمد ابنه فلما دخلنا عليه وسلمنا قال لأبي يا علي ما خلفك عنا إلى هذا الوقت فقال يا سيدي استحييت أن ألقاك على هذه الحال فلما خرجنا من عنده

______________________________________________________

قوله : ليس هذا الحادث ، اسم ليس الضمير الراجع إلى الحادث ، و « هذا » خبره أو « هذا » اسم ليس والحادث خبره ، واللام للعهد ، والحادث الأخير خبر مبتدإ محذوف ، أي هو الحادث أو الحادث مبتدأ والآخر خبره « يقتل » على المجهول ، وعبد الله عطف بيان للابن أو على المعلوم ، فالابن مرفوع وعبد الله منصوب « قبل قتله » متعلق بكتب.

الحديث الثالث : مجهول ومحمد بن علي ليس أبا سمية.

« ضاق بنا » الباء للملابسة ، ويحتمل التعدية والأول أظهر ، والأمر أمر المعاش ، والسماحة الجود ، وفي بعض نسخ الإرشاد فقال لي : أعرفه ولا رأيته « ما أحوجنا » للتعجب ، قوله : للنفقة ، أي لسائر الخرج ، والجبل همدان وقزوين وما والاهما ، وفي القاموس : بلاد الجبل مدن بين آذربيجان وعراق العرب وخوزستان وفارس ، وبلاد الديلم « ويدخل » خبر بمعنى الأمر « خلفك » بالتشديد أي منعك

١٤٩

جاءنا غلامه فناول أبي صرة فقال هذه خمسمائة درهم مائتان للكسوة ومائتان للدين ومائة للنفقة وأعطاني صرة فقال هذه ثلاثمائة درهم اجعل مائة في ثمن حمار ومائة للكسوة ومائة للنفقة ولا تخرج إلى الجبل وصر إلى سوراء فصار إلى سوراء وتزوج بامرأة فدخله اليوم ألف دينار ومع هذا يقول بالوقف فقال محمد بن إبراهيم فقلت له ويحك أتريد أمرا أبين من هذا قال فقال هذا أمر قد جرينا عليه.

٤ ـ علي بن محمد ، عن أبي علي محمد بن علي بن إبراهيم قال حدثني أحمد بن الحارث القزويني قال كنت مع أبي بسر من رأى وكان أبي يتعاطى البيطرة في مربط أبي محمد قال وكان عند المستعين بغل لم ير مثله حسنا وكبرا وكان يمنع ظهره واللجام والسرج وقد كان جمع عليه الراضة فلم يمكن لهم حيلة في ركوبه قال فقال له بعض

______________________________________________________

وجعلك متخلفا عنا « على هذه الحال » أي الفقر وضيق المعاش « وسوراء » كان بلد بقرب الحلة أو مكانها كما سمعت من مشايخي ، وفي القاموس : سورى كطوبى موضع بالعراق ، وهو من بلد السريانيين ، وموضع من أعمال بغداد « ألفا دينار » (١) وفي الإرشاد أربعة آلاف دينار.

وأقول : دخله بفتح الدال وسكون الخاء أي حاصل أملاكه ، قال في القاموس : الدخل ما دخل عليك من ضيعتك « بالوقف » أي بالقول بأن الكاظم عليه‌السلام لم يمت وأنه القائم وعدم القول بإمامة الأئمة بعده عليهم‌السلام « قد جرينا عليه » أي اعتدناه وأخذناه من آبائنا تأسيا بقول الكفار : إنا وجدنا آباءنا على أمة.

الحديث الرابع : مجهول.

ومحمد بن علي ليس هو المتقدم بل الظاهر أنه محمد بن علي بن إبراهيم ، محمد الهمداني ، روي عن أبيه عن جده عن الرضا ، وذكروا أنه كان هو وأبوه وجده من وكلاء الناحية المقدسة ، وفي القاموس : البيطر والبيطار معالج الدواب وصنعته البيطرة ، وقال : المربط كمنبر ما ربط به الدواب كالمربط وكمقعد ومنزل موضعه

__________________

(١) وفي المتن « الف دينار » ، ويحتمل وقوع التصحيف فيه أو في المتن.

١٥٠

ندمائه يا أمير المؤمنين ألا تبعث إلى الحسن ابن الرضا حتى يجيء فإما أن يركبه وإما أن يقتله فتستريح منه قال فبعث إلى أبي محمد ومضى معه أبي فقال أبي لما دخل أبو محمد الدار كنت معه فنظر أبو محمد إلى البغل واقفا في صحن الدار فعدل إليه فوضع بيده على كفله قال فنظرت إلى البغل وقد عرق حتى سال العرق منه ثم صار إلى المستعين فسلم عليه فرحب به وقرب فقال يا أبا محمد ألجم هذا البغل فقال أبو محمد لأبي ألجمه يا غلام فقال المستعين ألجمه أنت فوضع طيلسانه ثم قام فألجمه ثم رجع إلى مجلسه وقعد فقال له يا أبا محمد أسرجه فقال لأبي يا غلام أسرجه فقال أسرجه أنت فقام ثانية فأسرجه ورجع فقال له ترى أن تركبه فقال نعم فركبه من غير أن يمتنع عليه ثم ركضه في الدار ثم حمله على الهملجة فمشى أحسن مشي

______________________________________________________

وقال : راض المهر رياضا ورياضة ذلله فهو رائض من راضة ورواض ، وقد مر ذكر المستعين ، وقال ابن الجوزي : المستعين بالله أبو العباس أحمد بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد صار خليفة في ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين وخلعه المعتز سنة اثنتين وخمسين ومائتين ، انتهى.

وأقول : يشكل هذا بأن الظاهر أن هذه الواقعة كانت في أيام إمامة أبي محمد بعد وفاة أبيه عليهما‌السلام وهما كانتا في جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين ومائتين كما ذكره الكليني وغيره ، فكيف يمكن أن يكون هذه في زمان المستعين ، فلا بد إما من تصحيف المعتز بالمستعين ، وهما متقاربان صورة ، أو تصحيف أبي الحسن بالحسن والأول أظهر للتصريح بأبي محمد في مواضع ، وكون ذلك قبل إمامته عليه‌السلام في حياة والده عليه‌السلام وإن كان ممكنا لكنه بعيد.

وفي المصباح : النديم المنادم على الشرب ، وجمعه ندام بالكسر وندماء « فرحب به » أي قال له مرحبا « وقرب » أي أجلسه قريبا منه ، والطيلسان ما على الكتف من اللباس كالممطر وقوله : ترى ، بتقدير الاستفهام ، وفي المصباح هملج البرذون هملجة : مشي مشية سهلة في سرعة ، وقال في مختصر العين : الهملجة حسن سير الدابة

١٥١

يكون ثم رجع ونزل فقال له المستعين يا أبا محمد كيف رأيته قال يا أمير المؤمنين ما رأيت مثله حسنا وفراهة وما يصلح أن يكون مثله إلا لأمير المؤمنين قال فقال يا أبا محمد فإن أمير المؤمنين قد حملك عليه فقال أبو محمد لأبي يا غلام خذه فأخذه أبي فقاده.

٥ ـ علي ، عن أبي أحمد بن راشد ، عن أبي هاشم الجعفري قال شكوت إلى أبي محمد عليه‌السلام الحاجة فحك بسوطه الأرض قال وأحسبه غطاه بمنديل وأخرج خمسمائة دينار فقال يا أبا هاشم خذ وأعذرنا.

٦ ـ علي بن محمد ، عن أبي عبد الله بن صالح ، عن أبيه ، عن أبي علي المطهر أنه كتب إليه سنة القادسية يعلمه انصراف الناس وأنه يخاف العطش فكتب عليه‌السلام امضوا

______________________________________________________

وكلهم قالوا في اسم الفاعل : هملاج بكسر الهاء للذكر والأنثى ، وهو يقتضي أن اسم الفاعل لم يجيء على قياسه وهو مهملج.

وقال : الفاره الحاذق بالشيء ويقال : للبرذون والحمار فاره بين الفروهة والفراهية بالتخفيف ، وبراذين فره وزان حمر ، وفرهة بفتحتين وفرهت الدابة وغيرها تفره من باب قرب ، وفي لغة من باب قتل وهو النشاط والخفة ، وفلان أفره من فلان أي أصبح بين الفراهة أي الصباحة ، وفي الصحاح : يقال للبرذون والبغل والحمار فاره بين الفروهة والفراهة والفراهية ، ولا يقال للفرس : فاره لكن رائع وجواد ، وفي الإرشاد : فقال المستعين فاره.

الحديث الخامس : مجهول.

« الحاجة » أي الفقر و « أحسبه » من باب علم أي أظنه « وأعذرنا » من باب ضرب أو الأفعال أي أقبل اعتذارنا في القلة أو في التأخير إلى هذا الوقت ، وعدم البذل قبل السؤال.

الحديث السادس : مجهول.

« كتب إليه » أي إلى أبي محمد عليه‌السلام وقال الفيروزآبادي : القادسية قرية قرب

١٥٢

فلا خوف عليكم إن شاء الله فمضوا سالمين « وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ».

٧ ـ علي بن محمد ، عن علي بن الحسن بن الفضل اليماني قال نزل بالجعفري من آل جعفر خلق لا قبل له بهم فكتب إلى أبي محمد يشكو ذلك فكتب إليه تكفون ذلك إن شاء الله تعالى فخرج إليهم في نفر يسير والقوم يزيدون على عشرين ألفا وهو في أقل من ألف فاستباحهم.

٨ ـ علي بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل العلوي قال حبس أبو محمد عند علي بن نارمش وهو أنصب الناس وأشدهم على آل أبي طالب وقيل له افعل به وافعل فما أقام

______________________________________________________

الكوفة مر بها إبراهيم عليه‌السلام فوجد عجوزا فغسلت رأسه فقال : قدست من أرض فسميت بالقادسية ، ودعا لها أن تكون محلة الحاج ، انتهى.

وسنة القادسية كانت معروفة لانصراف الناس عنها لخوف العطش وغيره « وأنه يخاف » على المعلوم أو المجهول.

الحديث السابع : مجهول.

وكان قوله : من آل جعفر ، بيان للجعفري ، والمراد بجعفر الطيار رضي‌الله‌عنه ، وقيل : لعل المراد بجعفر ابن المتوكل لأنه أراد المستعين قتل من يحتمل أن يدعي الخلافة وقتل جمعا من الأمراء وبعث جيشا لقتل الجعفري ، وهو رجل من أولاد جعفر المتوكل استبصر الحق ونسب نفسه إلى جعفر الصادق عليه‌السلام باعتبار المذهب فلما حوصر بنزول الجيش بساحته كتب إلى أبي محمد عليه‌السلام وسأله الدعاء لدفع المكروه فأجاب عليه‌السلام بالمذكور في هذا الحديث ، انتهى.

ولا أدري أنه رحمه‌الله قال هذا تخمينا أو رآه في كتاب لم أظفر عليه ، وفي الصحاح : مالي به قبل ، أي طاقة « تكفون » على المجهول ، والمعلوم بعيد ، وقال : استباحهم ، أي استأصلهم.

الحديث الثامن : مجهول أيضا.

١٥٣

عنده إلا يوما حتى وضع خديه له وكان لا يرفع بصره إليه إجلالا وإعظاما فخرج من عنده وهو أحسن الناس بصيرة وأحسنهم فيه قولا.

٩ ـ علي بن محمد ومحمد بن أبي عبد الله ، عن إسحاق بن محمد النخعي قال حدثني سفيان بن محمد الضبعي قال كتبت إلى أبي محمد أسأله عن الوليجة وهو قول الله تعالى « وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً » (١) قلت في نفسي لا في الكتاب من ترى المؤمنين هاهنا فرجع الجواب الوليجة الذي يقام دون ولي الأمر وحدثتك نفسك عن المؤمنين من هم في هذا الموضع فهم الأئمة الذين يؤمنون على الله فيجيز أمانهم.

١٠ ـ إسحاق قال حدثني أبو هاشم الجعفري قال شكوت إلى أبي محمد ضيق

______________________________________________________

ووضع الخدين ، كناية عن غاية التذلل والتواضع « فخرج » أي أبو محمد عليه‌السلام « وهو » أي ابن نارمش.

الحديث التاسع : ضعيف.

وفي القاموس ضبيعة كسفينة قرية باليمامة ، وكجهينة محلة بالبصرة ، والضبع كرجل موضع ، وقال : الوليجة الدخيلة وخاصتك من الرجال أو من تتخذه معتمدا عليه من غير أهلك وهو وليجتهم ، أي لصيق بهم « لا في الكتاب » أي لم أكتب في الكتاب بل أخطرت ببالي لظهور المعجز « من ترى » الخطاب له عليه‌السلام وقيل : لنفسه وفيه بعد ، وفي المناقب : نرى بصيغة المتكلم « الذي يقام » أي يجعل إماما « دون ولي الأمر » أي الإمام الحق « الذين يؤمنون » من الأمان لا من الإيمان « على الله » أي من عقابه « فيجيز » أي فيمضي الله أمانهم ولا يعذبهم.

الحديث العاشر : كالسابق.

وإسحاق هو النخعي المتقدم بسنده المذكور سابقا ، وأبو هاشم هو داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب كان عظيم المنزلة عند الأئمة عليهم‌السلام شريف القدر ثقة وقد شاهد الرضا والجواد والهادي والعسكري وصاحب الأمر عليهم‌السلام ، وروى

__________________

(١) سورة التوبة : ١٥.

١٥٤

الحبس وكتل القيد فكتب إلي أنت تصلي اليوم الظهر في منزلك فأخرجت في وقت الظهر فصليت في منزلي كما قال عليه‌السلام وكنت مضيقا فأردت أن أطلب منه دنانير في الكتاب فاستحييت فلما صرت إلى منزلي وجه إلي بمائة دينار وكتب إلي إذا

______________________________________________________

عنهم كلهم ، والكلب (١) بالتحريك الشدة ذكره الفيروزآبادي ، وقال : ضاق يضيق ضيقا ويفتح ضد اتسع ، وإضاقة ، والضيق ما ضاق عنه صدرك والضيقة بالكسر الفقر وسوء الحال ويفتح ، والجمع ضيق وأضاق ذهب ماله ، وفي المغرب احتشم منه إذا انقبض منه واستحيا.

وأقول : الظاهر أن حبس الجعفري (ره) كان في زمن المعتز أو المهتدي قال في إعلام الورى بعد إيراد هذا الخبر : قال : وكان أبو هاشم حبس مع أبي محمد عليه‌السلام كان المعتز حبسهما مع عدة من الطالبيين في سنة ثمان وخمسين ومائتين ، حدثنا أحمد بن زياد الهمداني عن علي بن إبراهيم قال : حدثنا داود بن القاسم قال : كنت في الحبس المعروف بحبس حشيش في الجوسق الأحمر (٢) أنا والحسن بن محمد العقيقي ومحمد بن إبراهيم العمري ، وفلان وفلان ، إذ دخل علينا أبو محمد الحسن عليه‌السلام وأخوه جعفر فحففناه به وكان المتولي لحبسه صالح بن وصيف وكان معنا في الحبس رجل جمحي يقول إنه علوي ، فالتفت أبو محمد عليه‌السلام فقال : لو لا أن فيكم من ليس منكم لأعلمتكم متى يفرج عنكم وأومأ إلى الجمحي أن يخرج ، فخرج ، فقال أبو محمد : هذا الرجل ليس منكم فاحذروه فإن في ثيابه قصة ، قد كتبها إلى السلطان يخبره بما تقولون فيه ، فقام بعضهم ففتش ثيابه فوجد فيها القصة يذكرنا فيها بكل عظيمة ، وكان الحسن عليه‌السلام يصوم فإذا أفطر أكلنا معه من طعام كان يحمله غلامه إليه في جونة مختومة ، وكنت أصوم معه ، فلما كان ذات يوم ضعفت فأفطرت في بيت آخر علي كعكة وما شعر بي والله أحد ، ثم جئت فجلست معه فقال لغلامه : أطعم أبا هاشم شيئا فإنه مفطر فتبسمت فقال : ما يضحكك يا أبا هاشم؟ إذا أردت القوة فكل اللحم فإن الكعك لا قوة فيه فقلت

__________________

(١) وفي المصدر « كتل القيد ».

(٢) وفي المصدر « المعروف بحبس صالح بن وصيف الأحمر ».

١٥٥

كانت لك حاجة فلا تستحي ولا تحتشم واطلبها فإنك ترى ما تحب إن شاء الله.

١١ ـ إسحاق ، عن أحمد بن محمد بن الأقرع قال حدثني أبو حمزة نصير الخادم قال سمعت أبا محمد غير مرة يكلم غلمانه بلغاتهم : ترك وروم وصقالبة فتعجبت من ذلك وقلت هذا ولد بالمدينة ولم يظهر لأحد حتى مضى أبو الحسن عليه‌السلام ولا رآه أحد فكيف هذا أحدث نفسي بذلك فأقبل علي فقال إن الله تبارك وتعالى بين حجته من سائر خلقه بكل شيء ويعطيه اللغات ومعرفة الأنساب والآجال والحوادث ولو لا ذلك لم يكن بين الحجة والمحجوج فرق.

١٢ ـ إسحاق ، عن الأقرع قال كتبت إلى أبي محمد أسأله عن الإمام هل يحتلم؟

______________________________________________________

صدق الله ورسوله وأنتم ، فأكلت فقال لي : أفطر ثلاثا فإن المنة لا ترجع إذا نهكها الصوم في أقل من ثلاث ، فلما كان في اليوم الذي أراد الله سبحانه أن يفرج عنه جاءه الغلام فقال : يا سيدي أحمل فطورك ، فقال : احمل وما أحسبنا نأكل منه ، فحمل الطعام الظهر وأطلق عنه عند العصر وهو صائم ، فقال : كلوا هنأكم الله.

أقول : التاريخ المذكور لا يوافق إلا زمان المعتمد كما عرفت.

الحديث الحادي عشر : كالسابق.

وفي القاموس : الصقالبة : جيل تتاخم بلادهم بلاد الخزر بين بلغر وقسطنطنية.

قوله : حتى مضى ، أي خرج من المدينة إلى سر من رأى وتوفي عليه‌السلام « بين » أي ميز « بكل شيء » أي من صفات الكمال ومنها العلم باللغات ، أو من العلم بكل شيء ، ومما يؤيد أن الإمام وجب أن يكون عالما بجميع اللغات أنه لو حضر عنده خصمان بغير لسانه ولم يوجد هناك مترجم لزم تعطيل الأحكام ، وهو مع استلزامه تبدد النظام يوجب فوات الغرض من نصب الإمام ، ولذلك يجب أن يكون الإمام عالما بجميع الأحكام.

الحديث الثاني عشر : كالسابق.

وإسحاق هذا الذي روى سابقا عن أحمد بن محمد بن الأقرع وعلى هذا فالظاهر

١٥٦

وقلت في نفسي بعد ما فصل الكتاب الاحتلام شيطنة وقد أعاذ الله تبارك وتعالى أولياءه من ذلك فورد الجواب حال الأئمة في المنام حالهم في اليقظة لا يغير النوم منهم شيئا وقد أعاذ الله أولياءه من لمة الشيطان كما حدثتك نفسك.

١٣ ـ إسحاق قال حدثني الحسن بن ظريف قال اختلج في صدري مسألتان أردت الكتاب فيهما إلى أبي محمد عليه‌السلام فكتبت أسأله عن القائم عليه‌السلام إذا قام بما يقضي وأين مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس وأردت أن أسأله عن شيء لحمى الربع فأغفلت خبر الحمى فجاء الجواب سألت عن القائم فإذا قام قضى بين الناس بعلمه كقضاء داود عليه‌السلام لا يسأل البينة وكنت أردت أن تسأل لحمى الربع فأنسيت

______________________________________________________

أن الابن في محمد بن الأقرع زائد أو في هذا السند ساقط ، ولعل الثاني أولى ويؤيده ما في كشف الغمة في رواية أخرى محمد بن الأقرع.

قوله : فصل الكتاب ، أي خرج من يدي وذهب به ، وفي القاموس : فصل من البلد فصولا خرج منه ، وفي القاموس : الحلم بالضم وبضمتين الرؤيا والجمع أحلام ، حلم في نومه واحتلم ، واحتلام الجماع في النوم ، انتهى.

والشيطنة ما يكون سببه الشيطان « لا يغير النوم منهم شيئا » أي يعلمون في المنام ما يعلمون في اليقظة ولا يقربهم الشيطان في المنام كما لا يقربهم في اليقظة ، ويومئ ذلك إلى أنه لا ينتقض به وضوؤهم ، والمشهور عندنا الانتقاض ، وذهب بعض العامة إلى أنه لم يكن ينتقض نوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به ، واللمة بالفتح المقاربة ، وفي القاموس : ألم به نزل ، وأصابته من الشيطان لمة أي مس أو قليل.

الحديث الثالث عشر : كالسابق.

والاختلاج التحرك والتردد ، في القاموس : اختلجت العين طارت وتخالج في صدري شيء شككت « أردت الكتاب » هو مصدر أي أن أكتب ولعله عليه‌السلام لم يجب عن السؤال الثاني لظهوره لأنه عليه‌السلام غالبا في الحركة ليس له مكان معين ، أو المراد بقوله : قضى ، حيث تيسر ، أو الراوي ترك ذكره ، وقيل : المراد بمجلسه كيفية جلوسه

١٥٧

فاكتب في ورقة وعلقه على المحموم فإنه يبرأ بإذن الله إن شاء الله « يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ » فعلقنا عليه ما ذكر أبو محمد عليه‌السلام فأفاق.

١٤ ـ إسحاق قال حدثني إسماعيل بن محمد بن علي بن إسماعيل بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب قال قعدت لأبي محمد عليه‌السلام على ظهر الطريق فلما مر بي شكوت إليه الحاجة وحلفت له أنه ليس عندي درهم فما فوقها ولا غداء ولا عشاء قال فقال تحلف بالله كاذبا وقد دفنت مائتي دينار وليس قولي هذا دفعا لك عن العطية أعطه يا غلام ما معك فأعطاني غلامه مائة دينار ثم أقبل علي فقال لي إنك تحرمها أحوج ما تكون إليها يعني الدنانير التي دفنت وصدق عليه‌السلام وكان كما قال دفنت مائتي دينار وقلت يكون ظهرا وكهفا لنا فاضطررت ضرورة شديدة إلى شيء أنفقه وانغلقت علي أبواب الرزق فنبشت عنها فإذا ابن لي قد

______________________________________________________

للقضاء فيرجع إلى الأول ولا يخفى بعده ، والربع بالكسر أن تأخذ الحمى يوم وتترك يومين فتأخذ في الثانية في اليوم الرابع « فأفاق » أي برأ ، وفي الإرشاد فأفاق وبرأ.

الحديث الرابع عشر : كالسابق.

« على ظهر الطريق » أي وسطه ونفسه كما يقال ظهر القلب أي نفسه ، وقيل : أي حاشيته ، وفي النهاية : الظواهر أشراف الأرض ، وقال : وفيه خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ، الظهر قد يزاد في مثل هذا إشباعا للكلام وتمكينا كان صدقته مستندة إلى ظهر قوي من المال.

وأقول : الظهر أيضا الإبل التي يحمل عليها ، فيمكن أن يكون شبه الطريق بها ، والغداء بالفتح طعام الضحى ، والعشاء بالفتح طعام العشي « تحرمها » على بناء المفعول أي تمنعها « أحوج ما تكون » قيل : أحوج منصوب بنيابة ظرف الزمان لأنه مضاف إلى ما تكون ، وما مصدرية وكما يكون للمصدر نائب ظرف الزمان يكون المضاف إلى المصدر نائبا ونسبة أحوج إلى المصدر مجازي « وإليها » متعلق بأحوج ، وقيل : أحوج حال عن الفاعل ، وإليها متعلق به ، وما مصدرية وتكون تامة ، أو ناقصة

١٥٨

عرف موضعها فأخذها وهرب فما قدرت منها على شيء.

١٥ ـ إسحاق قال حدثني علي بن زيد بن علي بن الحسين بن علي قال كان لي فرس وكنت به معجبا أكثر ذكره في المحال فدخلت على أبي محمد يوما فقال لي ما فعل فرسك فقلت هو عندي وهو ذا هو على بابك وعنه نزلت فقال لي استبدل به قبل المساء إن قدرت على مشتري ولا تؤخر ذلك ودخل علينا داخل وانقطع الكلام فقمت متفكرا ومضيت إلى منزلي فأخبرت أخي الخبر فقال ما أدري ما أقول في هذا وشححت به ونفست على الناس ببيعه وأمسينا فأتانا السائس وقد

______________________________________________________

وإليها خبره ، أي إنك تصير مخروما من الدنانير التي دفنتها حال شدة احتياجك إليها ، في وقت من أوقات وجودك أو في وقت تكون محتاجا إليها.

الحديث الخامس عشر : كالسابق.

وفي بعض النسخ علي بن زيد عن علي بن الحسين وهو خطاء ، وفي بعض النسخ زيد بن علي وهو أظهر ، قال الشيخ في الرجال : علي بن زيد بن علي علوي من أصحاب العسكري عليه‌السلام ، وفي الخرائج عن علي بن زيد بن الحسين بن زيد بن علي وهو أصوب كما ذكر في كتب الأنساب أن عليا الأحول هو ابن زيد الشبيه النسابة وهو ابن علي وهو ابن الحسين المعروف بذي الدمعة ، وهو ابن زيد الشهيد المعروف ابن سيد الساجدين عليه‌السلام « معجبا » على بناء المفعول أي مسرورا « في المحال » في إعلام الورى وغيره في المحافل ، وفي الخرائج في المجالس ، وأمره عليه‌السلام ببيعه إما أن يكون لإظهار المعجز وقد علم أنه لا يبيع أو أنه لو استبدل به لم يمت عند المشتري ، أو علم أنه إن باعه كان المشتري من المخالفين ولا ضير في تضرره بذلك

« وهو ذا » للتقريب و « شححت » بفتح الحاء وكسره أي بخلت ، وقال الجوهري : نفس به بالكسر ضن به ، يقال : نفست عليه الشيء نفاسة إذا لم تره يستأهله ونفست علي بخير قليل أي حسدت ، وقال : نفقت الدابة تنفق نفوقا ماتت وقال : البرذون الدابة ، وقال : الكميت من الفرس يستوي فيه المذكر والمؤنث ولونه

١٥٩

صلينا العتمة فقال يا مولاي نفق فرسك فاغتممت وعلمت أنه عنى هذا بذلك القول قال ثم دخلت على أبي محمد بعد أيام وأنا أقول في نفسي ليته أخلف علي دابة إذ كنت اغتممت بقوله فلما جلست قال نعم نخلف دابة عليك يا غلام أعطه برذوني الكميت هذا خير من فرسك وأوطأ وأطول عمرا.

١٦ ـ إسحاق قال حدثني محمد بن الحسن بن شمون قال حدثني أحمد بن محمد قال كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام حين أخذ المهتدي في قتل الموالي يا سيدي الحمد لله الذي شغله عنا فقد بلغني أنه يتهددك ويقول والله لأجلينهم عن جديد الأرض فوقع أبو محمد عليه‌السلام بخطه ذاك أقصر لعمره عد من يومك هذا خمسة أيام ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف يمر به فكان كما قال عليه‌السلام.

______________________________________________________

الكمتة وهي حمرة يدخلها قنو ، انتهى.

وفي الغالب يطلق البرذون على ما لم يكن أحد والدية عربيا ، وقيل : الكمتة لون بين حمرة وسواد ، وقيل : الفرق بين الأشقر والكميت بالعرف والذنب فإن كانا أحمرين فهو أشقر وإن كانا أسودين فهو كميت و « أوطأ » أي أوفق ، وقيل : أكثر مشيا

وفي الصحاح وطؤ الموضع يوطؤ وطاءة صار وطيئا ، ووطئته أنا توطئة ، ولا تقل : وطئت ، وفلان قد استوطأ المركب أي وجده وطيئا وواطأته على الأمر وافقته

الحديث السادس عشر : كالسابق.

« حين أخذ » على البناء للفاعل أي شرع في قتل مواليه من الترك ، أو على البناء للمفعول أي أخذ وحبس بسبب قتلهم ، والأول أظهر ، والمهتدي كما مر هو محمد بن الواثق بن المعتصم بن هارون الرشيد بويع في آخر رجب أو في شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ، وشرع في قتل مواليه من الترك فخرجوا عليه في رجب سنة ست وخمسين ومائتين ، وقتلوا صالح بن وصيف وكان أعظم أمرائه ومحل اعتماده في مهماته ، وعلقوا رأسه في باب المهتدي لهوانه واستخفافه وتغافل فقتلوه بعد ذلك أقبح قتل كما مر « لأجلينهم » على بناء الأفعال أي لأخرجنهم ، والجديد : وجه الأرض.

١٦٠