مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٨٨

١٧ ـ إسحاق قال حدثني محمد بن الحسن بن شمون قال كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام أسأله أن يدعو الله لي من وجع عيني وكانت إحدى عيني ذاهبة والأخرى على شرف ذهاب فكتب إلي حبس الله عليك عينك فأفاقت الصحيحة ووقع في آخر الكتاب آجرك الله وأحسن ثوابك فاغتممت لذلك ولم أعرف في أهلي أحدا مات فلما كان بعد أيام جاءتني وفاة ابني طيب فعلمت أن التعزية له.

١٨ ـ إسحاق قال حدثني عمر بن أبي مسلم قال قدم علينا بسر من رأى رجل من أهل مصر يقال له سيف بن الليث ، يتظلم إلى المهتدي في ضيعة له قد غصبها إياه شفيع الخادم وأخرجه منها فأشرنا عليه أن يكتب إلى أبي محمد عليه‌السلام يسأله تسهيل أمرها فكتب إليه أبو محمد عليه‌السلام لا بأس عليك ضيعتك ترد عليك فلا تتقدم إلى السلطان والق الوكيل الذي في يده الضيعة وخوفه بالسلطان الأعظم الله رب العالمين فلقيه فقال له الوكيل الذي في يده الضيعة قد كتب إلي عند خروجك من مصر أن أطلبك وأرد الضيعة عليك فردها عليه بحكم القاضي ابن أبي الشوارب وشهادة الشهود ولم يحتج إلى أن يتقدم إلى المهتدي فصارت الضيعة له وفي يده ولم يكن لها خبر بعد ذلك قال وحدثني سيف بن الليث هذا قال خلفت ابنا لي عليلا بمصر عند خروجي عنها وابنا لي آخر أسن منه كان وصيي وقيمي على عيالي وفي ضياعي فكتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام أسأله الدعاء لابني العليل فكتب إلي قد عوفي

______________________________________________________

الحديث السابع عشر : كالسابق.

وفي القاموس : الشرف محركة الإشفاء على خطر من خير أو شر.

الحديث الثامن عشر : كالسابق.

« وكان الشفيع » كان والي المصر ، وكانت الضيعة في حوالي سر من رأى ، وكان الشفيع أخذ جبرا من السيف حجة لانتقال الضيعة إليه وبعثها إلى وكيله بسر من رأى فتصرف الوكيل فيها ، أو كانت الضيعة في مصر والوكيل في هذا الوقت قدم سر من رأى لذلك أو لغيره « بحكم القاضي » أي بسجله أو حكمه بقول الوكيل ، والضيعة العقار والأرض المغلة « قال : وحدثني » ضمير قال لعمرو « قيمي » أي

١٦١

ابنك المعتل ومات الكبير وصيك وقيمك فاحمد الله ولا تجزع فيحبط أجرك فورد علي الخبر أن ابني قد عوفي من علته ومات الكبير يوم ورد علي جواب أبي محمد عليه‌السلام.

١٩ ـ إسحاق قال حدثني يحيى بن القشيري من قرية تسمى قير قال كان لأبي محمد وكيل قد اتخذ معه في الدار حجرة يكون فيها معه خادم أبيض فأراد الوكيل الخادم على نفسه فأبى إلا أن يأتيه بنبيذ فاحتال له بنبيذ ثم أدخله عليه وبينه وبين أبي محمد ثلاثة أبواب مغلقة قال فحدثني الوكيل قال إني لمنتبه إذ أنا بالأبواب تفتح حتى جاء بنفسه فوقف على باب الحجرة ثم قال يا هؤلاء اتقوا الله خافوا الله فلما أصبحنا أمر ببيع الخادم وإخراجي من الدار.

٢٠ ـ إسحاق قال أخبرني محمد بن الربيع الشائي قال ناظرت رجلا من الثنوية بالأهواز ثم قدمت سر من رأى وقد علق بقلبي شيء من مقالته فإني

______________________________________________________

وكيلي « لا تجزع » أي لا تقل ما ينافي التسليم لأمر الله وقضائه « فيحبط أجرك » أي أجر المصيبة أو الأعم.

الحديث التاسع عشر : كالسابق.

والقشيري نسبة إلى قبيلة وفي نسخة القسيري نسبة إلى بطن من بجيلة ، وفي أخرى القنبري أي كان من أولاد قنبر « على نفسه » الضمير للخادم أو للوكيل ، فعلى الأول المراد أنه أراد اللواط مع الخادم ، وعلى الثاني لواط الخادم معه ، وضمن الإرادة ما يتعدى بعلى كالتسلط والركوب ونحوهما ، فعداها بها كما قيل ، وضمير أدخله للنبيذ ، وضمير عليه للخادم.

الحديث العشرون : كالسابق والنسائي وغيره من النسخ تصحيف ، والظاهر السائي كما في رجال الشيخ محمد بن الربيع بن محمد السائي من أصحاب العسكري عليه‌السلام وساية بلدة بمكة أو واد بين الحرمين « من الثنوية » أي القائلين بتعدد مدبر العالم كالمجوس القائلين بالنور والظلمة ، أو يزدان وأهرمن ، وفي القاموس : الأهواز تسع

١٦٢

لجالس على باب أحمد بن الخضيب إذ أقبل أبو محمد عليه‌السلام من دار العامة يؤم الموكب فنظر إلي وأشار بسباحته أحد أحد فرد فسقطت مغشيا علي.

٢١ ـ إسحاق ، عن أبي هاشم الجعفري قال دخلت على أبي محمد يوما وأنا أريد أن أسأله ما أصوغ به خاتما أتبرك به فجلست وأنسيت ما جئت له فلما ودعت ونهضت رمى إلي بالخاتم فقال أردت فضة فأعطيناك خاتما ربحت الفص

______________________________________________________

كور بين البصرة وفارس ، لكل كورة منها اسم ويجمعهن الأهواز ، ولا تفرد واحدة منها بهوز ، وهي رامهرمز وعسكر مكرم وتستر وجندي سابور وسوس وسرق ونهر بتري وإيذج ومناذر ، انتهى.

وعلق كعلم لزق « على باب أحمد بن الخضيب » أي داره التي كانت له قبل ذلك فإن قتل أحمد كان في زمن المستعين كما مر ، وإمامة أبي محمد عليه‌السلام كانت في زمن المعتز ودار العامة الدار الأعظم للخليفة ، التي تجتمع فيها عامة الخلق « يوم الموكب » أي يوم عرض المواكب على الخليفة واجتماعهم عنده ، أي يوم جلوسه للعرض العام ، وفي بعض النسخ : يؤم بالهمز وتشديد الميم أي يقصد ، وفي النهاية : الموكب جماعة ركبان يسيرون برفق وهم أيضا القوم الركوب للزينة والتنزه ، وقال : السباحة والمسبحة الأصبح التي تلي الإبهام ، سميت بذلك لأنها يشاربها عند التسبيح ، وفي المصباح لأنها كالذاكرة حين الإشارة بها إلى إثبات الإلهية.

« أحد أحد » في بعض النسخ بالرفع بالخبرية لمحذوف ، وفي بعضها بالنصب على المدح بتقدير أعني أو اعتقد ، والتكرير للتأكيد أو الأول لنفي التعدد بحسب الذات ، والثاني لنفيه بحسب الصفات ، والفرد لنفي الشريك في الإلهية وهو المقصود والأولان كالدليل عليه فتفطن ، وفي كشف الغمة أحد أحد فوحدة ، والغشية لهيبة الإمامة وتأثير كلامه عليه‌السلام في قلبه ، أو عدم طاقته لتحمل المعجزة.

الحديث الحادي والعشرون : كالسوابق.

« ما أصوغ به » أي فضة والكري أي أجرة صنعته « هنأك الله » دعاء بالبركة

١٦٣

والكراء هنأك الله يا أبا هاشم فقلت يا سيدي أشهد أنك ولي الله وإمامي الذي أدين الله بطاعته فقال غفر الله لك يا أبا هاشم.

٢٢ ـ إسحاق قال حدثني محمد بن القاسم أبو العيناء الهاشمي مولى عبد الصمد بن علي عتاقة قال كنت أدخل على أبي محمد عليه‌السلام فأعطش وأنا عنده فأجله أن أدعو بالماء فيقول يا غلام اسقه وربما حدثت نفسي بالنهوض فأفكر في ذلك فيقول

______________________________________________________

وحسن العاقبة والانتفاع به في الدين والدنيا.

الحديث الثاني والعشرون : كالسوابق.

وأبو العيناء كان أعمى وله كلمات في مجلس المتوكل وغيره من الخلفاء ، وقال السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه في الغرر والدرر : أبو العيناء محمد بن القاسم اليماني كان من أحضر الناس جوابا وأجودهم بديهة ، وأملحهم نادرة ، قال : لما دخلت على المتوكل دعوت له وكلمته فاستحسن خطابي ، فقال : يا محمد بلغني أن فيك شرا ، فقلت : يا أمير المؤمنين إن يكن الشر ذكر المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته فقد زكى الله تعالى وذم ، فقال في التزكية « نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ » (١) وقال في الذم : « هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ، مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ، عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ » (٢) فذمه الله تعالى حين قذفه ، وإن كان الشر كفعل العقرب تلسع النبي والذمي بطبع لا يتميز ، فقد صان الله عبدك من ذلك ، وقال أبو العيناء : قال لي المتوكل : كيف ترى داري هذه؟ فقلت : رأيت الناس بنوا دارهم في الدنيا ، وأمير المؤمنين جعل الدنيا في داره ، ثم ذكر رحمه‌الله كثيرا من مستحسنات جواباته.

وعبد الصمد هو ابن علي بن عبد الله بن العباس وكان أعتق أبا العيناء فكان مولاه ، وإنما وصفه بالهاشمي لأنه كان من مواليهم « وعتاقة » كأنه تميز ، أي كان ولايته من جهة العتق ، إذ للمولى معان شتى ، وفي القاموس : عتق يعتق عتقا وعتاقا وعتاقة بفتحهما خرج من الرق وهو مولى عتاقة ، انتهى.

__________________

(١) سورة ص : ٣٠.

(٢) سورة القلم : ١١.

١٦٤

يا غلام دابته.

٢٣ ـ علي بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد ، عن علي بن عبد الغفار قال دخل العباسيون على صالح بن وصيف ودخل صالح بن علي وغيره من المنحرفين عن هذه الناحية على صالح بن وصيف عند ما حبس أبا محمد عليه‌السلام فقال لهم صالح وما أصنع قد وكلت به رجلين من أشر من قدرت عليه فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم فقلت لهما ما فيه فقالا ما تقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله لا يتكلم ولا يتشاغل وإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا ويداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا فلما سمعوا ذلك انصرفوا خائبين.

٢٤ ـ علي بن محمد ، عن الحسن بن الحسين قال حدثني محمد بن الحسن المكفوف قال حدثني بعض أصحابنا ، عن بعض فصادي العسكر من النصارى أن

______________________________________________________

وقيل : هو نعت عبد الصمد والمصدر بمعنى اسم الفاعل « دابته » منصوب بتقدير أحضر ونحوه.

الحديث الثالث والعشرون : مجهول ، وقد مر أن صالح بن وصيف التركي كان من أمراء المهتدي ومالك اختياره في كل المهمات « عن هذه الناحية » أي جانب الأئمة عليهم‌السلام ، وفي الإرشاد بعد قوله : عند ما حبس أبا محمد عليه‌السلام ، فقالوا له : ضيق عليه ولا توسع ، وهو المراد في نسخة الكتاب أيضا.

قوله : أشد من قدرت ، في بعض النسخ أشر ، وأشر بمعنى شر شائع عند المولدين ، وفي الصحاح : الفرائص أوداج العنق ، والفريصة واحدته ، واللحمة بين الجنب والكتف لا تزال ترتعد من الدابة « ما لا تملكه » أي من المهابة والشوكة ، وفي الإرشاد بعد قوله : إلى أمر عظيم ، ثم أمر بإحضار الموكلين فقال لهما : ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟ فقالا له : ما تقول في رجل. إلخ.

الحديث الرابع والعشرون : مجهول.

١٦٥

أبا محمد عليه‌السلام بعث إلي يوما في وقت صلاة الظهر فقال لي افصد هذا العرق قال وناولني عرقا لم أفهمه من العروق التي تفصد فقلت في نفسي ما رأيت أمرا أعجب من هذا يأمرني أن أفصد في وقت الظهر وليس بوقت فصد والثانية عرق لا أفهمه ثم قال لي انتظر وكن في الدار فلما أمسى دعاني وقال لي سرح الدم فسرحت ثم قال لي أمسك فأمسكت ثم قال لي كن في الدار فلما كان نصف الليل أرسل إلي وقال لي سرح الدم قال فتعجبت أكثر من عجبي الأول وكرهت أن أسأله قال فسرحت فخرج دم أبيض كأنه الملح قال ثم قال لي احبس قال فحبست قال ثم قال كن في الدار فلما أصبحت أمر قهرمانه أن يعطيني ثلاثة دنانير فأخذتها وخرجت حتى أتيت ابن بختيشوع النصراني فقصصت عليه القصة قال فقال لي والله ما أفهم ما تقول ولا أعرفه في شيء من الطب ولا قرأته في كتاب ولا أعلم في دهرنا أعلم بكتب النصرانية من فلان الفارسي فاخرج إليه قال فاكتريت زورقا إلى البصرة وأتيت الأهواز ثم صرت إلى فارس إلى صاحبي فأخبرته الخبر قال وقال أنظرني أياما

______________________________________________________

« سرح » أي أرسل ، وفي النهاية فيه : كتب إلى قهرمانه ، هو كالخازن والوكيل والحافظ لما تحت يده ، والقائم بأمور الرجل بلغة الفرس « بكتب النصرانية » أي ما ألفوه في الطب ، والزورق السفينة الصغيرة « إلى صاحبي » أي من طلبته.

وأقول : روي هذا الخبر في الخرائج على وجه آخر أبسط قال : حدث بطريق متطبب بالري قد أتى عليه مائة سنة ونيف وقال : كنت تلميذ بختيشوع طبيب المتوكل ، وكان يصطفيني ، فبعث إليه الحسن بن علي بن محمد بن الرضا عليهم‌السلام أن يبعث إليه بأخص أصحابه عنده ليفصده ، فاختارني وقال : قد طلب مني ابن الرضا عليه‌السلام من يفصده فصر إليه وهو أعلم في يومنا هذا بمن هو في تحت السماء ، فاحذر أن لا تعترض عليه فيما يأمرك به ، فمضيت إليه فأمرني إلى حجرة وقال : كن إلى أن أطلبك ، قال : وكان الوقت الذي دخلت إليه فيه عندي جيدا محمودا للفصد ، فدعاني في وقت غير محمود له ، وأحضر طشتا عظيما ، ففصدت الأكحل فلم يزل الدم يخرج

١٦٦

فأنظرته ثم أتيته متقاضيا قال فقال لي إن هذا الذي تحكيه عن هذا الرجل فعله المسيح في دهره مرة.

______________________________________________________

حتى امتلاء الطشت ثم قال لي : اقطع فقطعت وغسل يده وشدها وردني إلى الحجرة وقدم من الطعام الحار والبارد شيء كثير ، وبقيت إلى العصر ثم دعاني فقال : سرح ودعا بذلك الطشت فسرحت وخرج الدم إلى أن امتلاء الطشت ، فقال : اقطع فقطعت وشد يده وردني إلى الحجرة ، فبت فيها فلما أصبحت وظهرت الشمس دعاني وأحضر ذلك الطشت وقال : سرح فسرحت ، فخرج مثل اللبن الحليب إلى أن امتلاء الطشت ، فقال : اقطع فقطعت وشد يده ، وقدم لي تخت ثياب وخمسين دينارا وقال : خذ هذا وأعذر وانصرف ، فأخذت وقلت : يأمرني السيد بخدمة قال : نعم تحسن صحبة من يصحبك من دير العاقول ، فصرت إلى بختيشوع وقلت له القصة ، فقال : أجمعت الحكماء على أن أكثر ما يكون في بدن الإنسان سبعة أمنان من الدم وهذا الذي حكيت لو خرج من عين ماء لكان عجبا وأعجب ما فيه اللبن ، ففكر ساعة ثم مكثنا ثلاثة أيام بلياليها نقرأ الكتب على أن نجد لهذه القصة ذكرا في العالم وهذا الذي حكيت لو خرج من عين ماء لكان عجبا وأعجب ما فيه اللبن ، فكر ساعة ثم مكثنا ثلاثة أيام بلياليها نقرأ الكتب على أن نجد لهذه القصة ذكرا في العالم فلم نجد ، ثم قال : لم يبق اليوم في النصرانية أعلم بالطب من راهب بدير العاقول ، فكتب إليه كتابا يذكر فيه ما جرى ، فخرجت وناديته فأشرف علي وقال : من أنت؟ قلت : صاحب بختيشوع ، قال : معك كتابه؟ قلت : نعم ، فأرخى لي زبيلا فجعلت الكتاب فيه فرفعه فقرأ الكتاب ونزل من ساعته فقال : أنت الرجل الذي فصدت؟ قلت : نعم ، طوبى لأمك وركب بغلا ومر فوافينا سر من رأى وقد بقي من الليل ثلثه ، قلت : أين تحب دار أستاذنا أو دار الرجل؟ قال : دار الرجل ، فصرنا إلى بابه قبل الأذان ففتح الباب ، وخرج إلينا غلام أسود وقال : أيكما راهب دير العاقول؟ فقال : أنا جعلت فداك ، فقال : أنزل ، وقال لي الخادم : احتفظ بالبغلتين وأخذ بيده ودخلا ، فأقمت إلى أن أصبحنا وارتفع النهار ، ثم خرج الراهب وقد رمى بثياب الرهبانية ولبس ثيابا بيضا وقد أسلم ، فقال : خذني الآن إلى دار أستاذك ، فصرنا

١٦٧

٢٥ ـ علي بن محمد ، عن بعض أصحابنا قال كتب محمد بن حجر إلى أبي محمد عليه‌السلام يشكو عبد العزيز بن دلف ويزيد بن عبد الله فكتب إليه أما عبد العزيز فقد كفيته وأما يزيد فإن لك وله مقاما بين يدي الله فمات عبد العزيز وقتل يزيد محمد بن حجر.

٢٦ ـ علي بن محمد ، عن بعض أصحابنا قال سلم أبو محمد عليه‌السلام إلى نحرير فكان يضيق عليه ويؤذيه قال فقالت له امرأته ويلك اتق الله لا تدري من في منزلك وعرفته صلاحه وقالت إني أخاف عليك منه فقال لأرمينه بين السباع ثم فعل ذلك به فرئي عليه‌السلام قائما يصلي وهي حوله.

______________________________________________________

إلى دار بختيشوع ، فلما رآه بادر يعدو إليه ، ثم قال : ما الذي أزالك عن دينك؟ قال : وجدت المسيح فأسلمت على يده ، قال : وجدت المسيح؟ قال : أو نظيره ، فإن هذه الفصدة لم يفعلها في العالم إلا المسيح وهذا نظيره في آياته وبراهينه ، ثم انصرف إليه ولزم خدمته إلى أن مات ، انتهى.

والظاهر اتحاد الواقعة ، ويحتمل التعدد.

الحديث الخامس والعشرون : مرسل.

وحجر بضم المهملة وسكون الجيم « كفيته » على بناء المجهول أي دفع عنك شره « مقاما » بالفتح أو الضم مصدرا أو اسم مكان ، أي تقوم معه عند الله في يوم الحساب فتخاصمه لقتله إياك فينتقم الله لك منه.

الحديث السادس والعشرون : كالسابق.

« سلم » على بناء المفعول والمسلم المعتمد لعنه الله على الظاهر ، ويحتمل المهتدي والمعتز أيضا على بعد « من في منزلك » استفهامية « إني أخاف عليك منه » أي ينزل عليك بلاء بسببه « فرأى » على المعلوم ، أي النحرير لعنه الله أو المجهول « وهي » أي السباع ، وفي الخرائج والإرشاد لأرمينه بين السباع ، ثم استأذن في ذلك فأذن له فرمى به إليها ولم يشكوا في أكلها له ، فنظروا إلى الموضع ليعرفوا الحال فوجدوه قائما يصلي وهي حوله ، فأمر بإخراجه إلى داره.

١٦٨

٢٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن إسحاق قال دخلت على أبي محمد عليه‌السلام فسألته أن يكتب لأنظر إلى خطه فأعرفه إذا ورد فقال نعم ثم قال يا أحمد إن الخط سيختلف عليك من بين القلم الغليظ إلى القلم الدقيق فلا تشكن ثم دعا بالدواة فكتب وجعل يستمد إلى مجرى الدواة فقلت في نفسي وهو يكتب أستوهبه القلم الذي كتب به فلما فرغ من الكتابة أقبل يحدثني وهو يمسح القلم بمنديل الدواة ساعة ثم قال هاك يا أحمد فناولنيه فقلت جعلت فداك إني مغتم لشيء يصيبني في نفسي وقد أردت أن أسأل أباك فلم يقض لي ذلك فقال وما هو يا أحمد فقلت يا سيدي روي لنا عن آبائك أن نوم الأنبياء على أقفيتهم ونوم المؤمنين على أيمانهم ونوم

______________________________________________________

الحديث السابع والعشرون : صحيح.

وأحمد من الثقات المعتمدين ، وكان من الأشعريين وقال النجاشي : كان وافد القميين من أصحاب الجواد والهادي ، وكان خاصة أبي محمد عليهم‌السلام ، وقال الشيخ رأى صاحب الزمان عليه‌السلام وهو شيخ القميين ووافدهم ، روى عن سعد بن عبد الله ثقة.

قوله عليه‌السلام : ما بين (١) القلم الغليظ أي اختلافا كائنا فيما بينهما ، أي انظر إلى أسلوب الخط ولا تلتفت إلى جلاء الخط وخفائه ، فإن تر أجلى وأخفى من هذا الخط لا تشك فيه ، وقيل : ما موصولة منصوبة المحل بالإغراء بتقدير أدرك واحفظ وعبارة عن القدر المشترك بين أنواع القلم الغليظ وأنواع القلم الدقيق ، فإن إدراكه وحفظه رافع للشك في الخط ، قوله : يستمد أي يطلب المداد من قعر الدواة إلى مجريها أي فمها لقلة مدادها ، أو لعدم الحاجة سريعا إلى العود ، وقيل : ضمن الاستمداد معنى الإنهاء ونحوه ، فعداه بإلى وفي القاموس : « ها » تكون اسم الفعل وهو خذ ويمد ، ويستعملان بكاف الخطاب.

قوله : على أقفيتهم ، لتوجههم إلى السماء انتظارا للوحي « على إيمانهم » لتوجههم إلى القبلة مع اعتمادهم على أشرف الجانبين ولا تباع السنة « على شمائلهم » لعدم وثوقهم بقول صاحب الشريعة ، واعتمادهم على قول الأطباء من أن أكثر النوم على

__________________

(١) وفي المتن « من بين ... ».

١٦٩

المنافقين على شمائلهم ونوم الشياطين على وجوههم فقال عليه‌السلام كذلك هو فقلت يا سيدي فإني أجهد أن أنام على يميني فما يمكنني ولا يأخذني النوم عليها فسكت ساعة ثم قال يا أحمد ادن مني فدنوت منه فقال أدخل يدك تحت ثيابك فأدخلتها فأخرج يده من تحت ثيابه وأدخلها تحت ثيابي فمسح بيده اليمنى على جانبي الأيسر وبيده اليسرى على جانبي الأيمن ثلاث مرات فقال أحمد فما أقدر أن أنام على يساري منذ فعل ذلك بي عليه‌السلام وما يأخذني نوم عليها أصلا.

باب

مولد الصاحب عليه السلام

ولد عليه‌السلام للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين.

______________________________________________________

هذا الجانب أنفع لأنهم ذكروا أنه ينام أولا على اليمين قليلا لينحدر الغذاء إلى قعر المعدة لميله إلى اليمين ، وإنما جعل ميلة إلى اليمين لسهولة جذب الكبد للغذاء فعند قعر المعدة الهضم القوي ثم بعد انحدار الغذاء إلى قعر المعدة ينام على اليسار طويلا ليشتمل الكبد على المعدة ويصير بمنزلة دثار عليها فيسخنها بما فيها من الحرارة القوية ، فإذا تم الهضم عاد إلى اليمين ليعين على الانحدار إلى جهة الكبد بميله الطبيعي إلى أسفل. إلى آخر كلامهم في ذلك ، أو لتسويل الشيطان لهم ذلك لتسلطه على المنافقين ، ونوم الشياطين على وجوههم لأنه على هيئة اللواطة التي اخترعها اللعين أو المراد بالشياطين على وجوههم لأنه على هيئة اللواطة التي اخترعها اللعين أو المراد بالشياطين أتباعهم من الإنس العاملين بهذا العمل أو الأعم « أدخل يدك » أي اخرج يديك من كميك فأخرج عليه‌السلام أيضا يديه من كميه ليلمس بجميع يديه الشريفتين جميع جنبي أحمد ويديه.

باب مولد الصاحب عليه‌السلام

ولد عليه‌السلام للنصف من شعبان ، أقول : هذا هو المشهور بين الإمامية ، وروى الصدوق رحمه‌الله في إكمال الدين بإسناده عن غياث بن أسد أنه عليه‌السلام ولد يوم الجمعة

١٧٠

١ ـ الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد قال خرج عن أبي محمد عليه‌السلام حين قتل الزبيري هذا جزاء من افترى على الله في أوليائه زعم أنه يقتلني وليس لي عقب فكيف رأى قدرة الله وولد له ولد سماه م ح م د سنة ست وخمسين ومائتين.

______________________________________________________

لثمان خلون من شعبان سنة ست وخمسين ومائتين ، وروي بإسناده عن عقيد أنه عليه‌السلام ولد ليلة الجمعة غرة شهر رمضان من سنة أربع وخمسين ومائتين ، وروي بأسانيد عن حكيمة رضي الله عنها كما في المتن إلا أنها قالت : سنة ست وخمسين ، وروى الشيخ في الغيبة عنها سنة خمس وخمسين ، وقال الشيخ : روى علان بإسناده أن السيد عليه‌السلام ولد في سنة ست وخمسين ومائتين من الهجرة بعد مضي أبي الحسن عليه‌السلام بسنتين ، وقال المفيد قدس‌سره : ولد عليه‌السلام ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين وكان سنه عند وفاة أبيه خمس سنين.

وقال كمال الدين بن طلحة : ولد عليه‌السلام في الثالث والعشرين من رمضان سنة ثمان وخمسين ومائتين ، وقال ابن خلكان في تاريخه : كانت ولادته يوم الجمعة بمنتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ، ولما توفي أبوه كان عمره خمس سنين واسم أمه خمط ، وقيل : نرجس ، وقيل : ولد في ثالث من شعبان سنة ست وخمسين وهو الأصح ، انتهى.

والأشهر أن اسم أمه نرجس ، وقيل : صقيل ، وقيل : سوسن ، ولأمه صلوات الله عليه قصص طويلة والآثار العجيبة الظاهرة عند ولادته عليه‌السلام كثيرة أوردتها في الكتاب الكبير.

الحديث الأول : ضعيف على المشهور ، وكان الزبيري كان من أولاد الزبير ولم نعثر على قصة قتله وتعيين شخصه « وولد له » كلام أحمد وإنما أتى بالحروف المقطعة لتحريم التسمية ، وقوله : سنة ست يخالف التاريخ المذكور في العنوان وقد يتكلف بجعله ظرفا لخرج ، أو قتل ، وقد يجمع بينهما بحمل إحداهما على الشمسية والأخرى على القمرية.

١٧١

٢ ـ علي بن محمد قال حدثني محمد والحسن ابنا علي بن إبراهيم في سنة تسع وسبعين ومائتين قالا حدثنا محمد بن علي بن عبد الرحمن العبدي من عبد قيس ، عن ضوء بن علي العجلي ، عن رجل من أهل فارس سماه قال أتيت سر من رأى ولزمت باب أبي محمد عليه‌السلام فدعاني من غير أن أستأذن فلما دخلت وسلمت قال لي يا أبا فلان كيف حالك ثم قال لي اقعد يا فلان ثم سألني عن جماعة من رجال ونساء من أهلي ثم قال لي ما الذي أقدمك قلت رغبة في خدمتك قال فقال فالزم الدار قال فكنت في الدار مع الخدم ثم صرت أشتري لهم الحوائج من السوق وكنت أدخل عليه من غير إذن إذا كان في دار الرجال فدخلت عليه يوما وهو في دار الرجال فسمعت حركة في البيت فناداني مكانك لا تبرح فلم أجسر أن أخرج ولا أدخل فخرجت علي جارية معها شيء مغطى ثم ناداني ادخل فدخلت ونادى الجارية فرجعت فقال لها اكشفي عما معك فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه وكشفت عن بطنه فإذا شعر نابت من لبته إلى سرته أخضر ليس بأسود فقال هذا صاحبكم ثم أمرها فحملته فما رأيته بعد ذلك حتى مضى أبو محمد عليه‌السلام فقال ضوء بن علي فقلت للفارسي كم كنت تقدر له من السنين قال سنتين قال العبدي فقلت لضوء كم تقدر له أنت قال أربع عشرة سنة قال أبو علي وأبو عبد الله

______________________________________________________

الحديث الثاني : مجهول.

ومحمد بن علي هو ابن إبراهيم بن محمد الهمداني الذي تقدم أنه وأبوه وجده من وكلاء الناحية المقدسة بهمدان ، والحسن أخوه غير مذكور في الرجال ، وفي الإكمال الحسين وهو أيضا غير مذكور ، واللبة بالفتح وتشديد الباء : المنحر ، وموضع القلادة من الصدر « كم كنت تقدر » أي عن رؤيتك له عليه‌السلام ، ولا ينافي ذلك كونه محمولا ، ويحتمل أن يكون أخطأ في التقدير ، بل كان أقل إذ نموه عليه‌السلام لم يكن كنمو سائر الصبيان كما ورد في كثير من الأخبار ، وقيل : أي عند وفاة أبي محمد عليه‌السلام ، وقيل : أي كم مضى من زمان رؤيتك إلى الآن.

قوله : كم تقدر له ، أي الآن « أربع عشرة » أي مضى من حين رؤيته الفارسي

١٧٢

ونحن نقدر له إحدى وعشرين سنة.

٣ ـ علي بن محمد وعن غير واحد من أصحابنا القميين ، عن محمد بن محمد العامري ، عن أبي سعيد غانم الهندي قال كنت بمدينة الهند المعروفة بقشمير الداخلة وأصحاب لي يقعدون على كراسي عن يمين الملك أربعون رجلا كلهم يقرأ الكتب الأربعة التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم نقضي بين الناس ونفقههم في دينهم ونفتيهم في حلالهم وحرامهم يفزع الناس إلينا الملك فمن دونه فتجارينا ذكر

______________________________________________________

إلى الآن اثنا عشرة ، وأبو علي كنية محمد وأبو عبد الله كنية الحسن ابني علي بن إبراهيم « إحدى وعشرين » أي مضى من حين إخبار ضوء إلى الآن سبع سنين.

وأقول : هذا التقدير لسنه عليه‌السلام من حين الإخبار مع ما مر أنه كان سنة تسع وسبعين لا يوافق ما مر من التاريخين المشهورين من ولادته عليه‌السلام ، إذ على الخمس والخمسين يكون نحوا من أربع وعشرين ، وعلى الست نحوا من ثلاث وعشرين ، نعم يقرب مما نقلناه عن ابن طلحة من كونها سنة ثمان وخمسين ، وقيل : هذا مبني على أنهما توهما أن تقدير الفارسي كان حين وفاة أبيه وهذا التوهم ظاهر البطلان ، انتهى.

ويمكن أن يكون تسع تصحيف سبع أو أخطأ بعضهم في الحساب.

الحديث الثالث : مجهول.

وقشمير بالكسر [ معرب ] كشمير ووصفه بالداخلة إما لإطلاقه في هذا الزمان على موضعين ، والآن صقع معروف في الهند ، أو لأن المراد داخل البلد لا نواحيه ، وأصحاب عطف على ضمير كنت ، أو مبتدأ ولي نعت أصحاب ، و « يقعدون » نعت بعد نعت أو خبر وأربعون نعت آخر أو عطف بيان لأصحاب « نقضي » استئناف بياني وفي الإكمال قال : كنت أكون مع ملك الهند في قشمير الداخلة ونحن أربعون رجلا نقعد حول كرسي الملك قد قرأنا التوراة والإنجيل والزبور يفزع إلينا في العلم ، فتذاكرنا يوما محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « إلخ » والملك تفصيل للناس « فمن دونه » أي تحته

١٧٣

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلنا هذا النبي المذكور في الكتب قد خفي علينا أمره ويجب علينا الفحص عنه وطلب أثره واتفق رأينا وتوافقنا على أن أخرج فأرتاد لهم فخرجت ومعي مال جليل فسرت اثني عشر شهرا حتى قربت من كابل فعرض لي قوم من الترك فقطعوا علي وأخذوا مالي وجرحت جراحات شديدة ودفعت إلى مدينة كابل فأنفذني ملكها لما وقف على خبري إلى مدينة بلخ وعليها إذ ذاك داود بن العباس بن أبي [ ا ] لأسود فبلغه خبري وأني خرجت مرتادا من الهند وتعلمت الفارسية وناظرت الفقهاء وأصحاب الكلام فأرسل إلي داود بن العباس فأحضرني مجلسه وجمع علي الفقهاء فناظروني فأعلمتهم أني خرجت من بلدي أطلب هذا النبي الذي وجدته في الكتب فقال لي من هو وما اسمه فقلت محمد فقالوا هو نبينا

______________________________________________________

« فتجارينا » أي تذاكرنا ، وفي القاموس : جاراه مجاراة جرى معه ، وفي النهاية فيه من طلب العلم ليجاري به العلماء أي يجري معهم في المناظرة والجدال ليظهر علمه إلى الناس رياء وسمعة ، وفي الحديث تتجارى بهم الأهواء ، أي يتواقعون في الأهواء الفاسدة ويتداعون فيها تشبيها بجري الفرس ، وقال : أصل الرائد الذي يتقدم القوم يبصر لهم الكلاء ومساقط الغيث ، وفيه : إذا بال أحدكم فليرتد لبوله ، أي يطلب مكانا لينا لئلا يرجع عليه رشاش بوله ، يقال : راد وارتاد واستراد.

قوله : فسرت اثنا عشر شهرا ، لعله كان يتوقف في المواضع ويسير متبطئا لأن المسافة بين القمشير وكابل يسيرة ، أو كان القشمير الداخلة مكانا بعيدا في أقاصي الهند ، وفي الإكمال بعد ما مر : وقلنا نجده في كتبنا ، فاتفقنا على أن أخرج في طلبه وأبحث عنه ، فخرجت ومعي مال ، فقطع على الترك ، وشلحوني (١) فوقعت إلى كابل وخرجت من كابل إلى بلخ والأمير بها ابن أبي شور ، إلخ.

« دفعت » على بناء المجهول « فأنفذني » أي أرسلني « على خبري » أي أني خرجت لطلب الدين « وعليها » أي الوالي عليها « إذ ذاك » أي في وقت الإنفاذ.

__________________

(١) شلحه : عراه.

١٧٤

الذي تطلب فسألتهم عن شرائعه فأعلموني فقلت لهم أنا أعلم أن محمدا نبي ولا أعلمه هذا الذي تصفون أم لا فأعلموني موضعه لأقصده فأسائله عن علامات عندي ودلالات فإن كان صاحبي الذي طلبت آمنت به فقالوا قد مضىصلى‌الله‌عليه‌وآلهفقلت فمن وصيه وخليفته فقالوا أبو بكر قلت فسموه لي فإن هذه كنيته قالوا عبد الله بن عثمان ونسبوه إلى قريش قلت فانسبوا لي محمدا نبيكم فنسبوه لي فقلت ليس هذا صاحبي الذي طلبت صاحبي الذي أطلبه خليفته أخوه في الدين وابن عمه في النسب وزوج ابنته وأبو ولده ليس لهذا النبي ذرية على الأرض غير ولد هذا الرجل الذي هو خليفته قال فوثبوا بي وقالوا أيها الأمير إن هذا قد خرج من الشرك إلى الكفر هذا حلال الدم فقلت لهم يا قوم أنا رجل معي دين متمسك به لا أفارقه حتى أرى ما هو أقوى منه إني وجدت صفة هذا الرجل في الكتب التي أنزلها الله على أنبيائه وإنما خرجت من بلاد الهند ومن العز الذي كنت

______________________________________________________

« ونسبوه إلى قريش » أي إلى قبيلة قريش أو إلى النضر بن كنانة بأن قالوا : هو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعيد بن تيم بن مرة بن كعب ابن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ، ونسبوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة إلى النضر « وابن عمه » أي بلا واسطة « إلى الكفر » لأنه أنكر خلافة أبي بكر وادعى حقية مذهب الروافض « متمسك » بالكسر نعت آخر لرجل ، أو بالفتح نعت دين و « به » نائب الفاعل على الأخير والأول أظهر « فكفوا » على صيغة الماضي ، ويحتمل الأمر والحسين بن إشكيب بكسر الهمزة والشين المعجمة وفي بعض كتب الرجال بالمهملة قال النجاشي : شيخ لنا خراساني ثقة مقدم ذكره أبو عمرو في كتابه الرجال في أصحاب صاحب العسكر عليه‌السلام وروى عنه العياشي وأكثر واعتمد ثقة ثقة ثبت ، قال الكشي : هو القمي خادم القبر ، وقال في رجال أبي محمد عليه‌السلام : الحسين بن إشكيب المروزي المقيم بسمرقند و « كش » عالم متكلم مؤلف للكتب ، وذكره الشيخ في أصحاب الهادي والعسكري عليهما‌السلام.

١٧٥

فيه طلبا له فلما فحصت عن أمر صاحبكم الذي ذكرتم لم يكن النبي الموصوف في الكتب.

فكفوا عني وبعث العامل إلى رجل يقال له الحسين بن إشكيب فدعاه فقال له ناظر هذا الرجل الهندي فقال له الحسين أصلحك الله عندك الفقهاء والعلماء وهم أعلم وأبصر بمناظرته فقال له ناظره كما أقول لك واخل به والطف له فقال لي الحسين بن إشكيب بعد ما فاوضته إن صاحبك الذي تطلبه هو النبي الذي وصفه هؤلاء وليس الأمر في خليفته كما قالوا هذا النبي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ووصيه علي بن أبي طالب بن عبد المطلب وهو زوج فاطمة بنت محمد وأبو الحسن والحسين سبطي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله قال غانم أبو سعيد فقلت الله أكبر هذا الذي طلبت فانصرفت إلى داود بن العباس فقلت له أيها الأمير وجدت ما طلبت وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قال فبرني ووصلني وقال للحسين تفقده قال فمضيت إليه حتى آنست به وفقهني فيما احتجت إليه من الصلاة والصيام والفرائض قال فقلت له إنا نقرأ في كتبنا أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم النبيين لا نبي بعده وأن الأمر من بعده إلى وصيه ووارثه وخليفته من بعده ثم إلى الوصي بعد الوصي لا يزال أمر الله جاريا في أعقابهم حتى تنقضي الدنيا فمن وصي وصي محمد قال :

______________________________________________________

« كما أقول » أي أقبل قولي وإشارة إلى ما ذكره بعده من الخلوة واللطف ، وأفهمه بالرمز أن يدعوه إلى مذهبه ويتم عليه الحق بما رآه في كتبه لكن في الخلوة وهذا يدل على أن الأمير كان عالما بحقية دين الإمامية وكان يخفيها للدنيا أو للتقية « بعد ما فاوضته » أي ناظرته أو ذكرت له ما خرجت له وما قال لي الفقهاء ، في النهاية : بمفاوضة العلماء ، المفاوضة المساواة والمشاركة ، وهي مفاعلة من التفويض كان كل واحد منهما رد ما عنده إلى صاحبه ، أراد محادثة العلماء ومذاكرتهم ، وفي المصباح : تفاوض القوم الحديث أخذوا فيه.

« تفقده » أي صاحبه واطلبه عند غيبته ، في المصباح : تفقدته طلبته عند غيبته

١٧٦

الحسن ثم الحسين ابنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم ساق الأمر في الوصية حتى انتهى إلى صاحب الزمان عليه‌السلام ثم أعلمني ما حدث فلم يكن لي همة إلا طلب الناحية.

فوافى قم وقعد مع أصحابنا في سنة أربع وستين ومائتين وخرج معهم حتى وافى بغداد ومعه رفيق له من أهل السند كان صحبه على المذهب قال فحدثني غانم قال وأنكرت من رفيقي بعض أخلاقه فهجرته وخرجت حتى سرت إلى العباسية أتهيأ للصلاة وأصلي وإني لواقف متفكر فيما قصدت لطلبه إذا أنا بآت قد أتاني فقال أنت فلان اسمه بالهند فقلت نعم فقال أجب مولاك فمضيت معه فلم يزل يتخلل بي الطرق حتى أتى دارا وبستانا فإذا أنا به عليه‌السلام جالس فقال مرحبا يا فلان بكلام الهند كيف حالك وكيف خلفت فلانا وفلانا حتى عد

______________________________________________________

« ما حدث » أي وفاة العسكري وغيبة القائم عليه‌السلام وما جرى من الظلمة في ذلك « إلا طلب الناحية » أي الإمام عليه‌السلام أو سر من رأى وموضع غيبته لعلي أطلع منه على خبر ، وقوله : فوافى ، كلام العامري الراوي « أربع وستين » أي بعد المائتين من الهجرة ، وكون المراد من ابتداء الغيبة الصغرى بعيد إذ يبعد بقاء الحسين بن إشكيب إلى هذا الوقت « كان صحبه » ضمير كان لغانم أو للرفيق « على المذاهب » أي على الموافقة في المذهب قديما وجديدا أو لطلب المذهب ، وضمير قال أولا للعامري ، وفي القاموس : العباسية قرية بنهر الملك ، والظاهر أن هذه الدار كانت غير التي بسر من رأى.

وفي الإكمال قال محمد بن محمد : ووافى معنا بغداد فذكر لنا أنه كان معه رفيق قد صحبه على هذا الأمر فكره بعض أخلاقه ففارقه ، قال : فبينا أنا يوما وقد مشيت في الصراة (١) وأنا مفكر فيما خرجت له إذ أتاني آت فقال لي : أجب مولاك ، فلم يزل يخترق بي المحال حتى أدخلني دارا وبستانا وإذا بمولاي عليه‌السلام جالس ، إلى آخره

وقوله : اسمه بالهند ، كلام العامري « يتخلل بي الطرق » أي يدخل معي أو

__________________

(١) وفي المصدر : « وقد تمسحت » والصراة : نهر بالعراق.

١٧٧

الأربعين كلهم فسألني عنهم واحدا واحدا ثم أخبرني بما تجارينا كل ذلك بكلام الهند ثم قال أردت أن تحج مع أهل قم قلت نعم يا سيدي فقال لا تحج معهم وانصرف سنتك هذه وحج في قابل ثم ألقى إلي صرة كانت بين يديه فقال لي اجعلها نفقتك ولا تدخل إلى بغداد إلى فلان سماه ولا تطلعه على شيء وانصرف إلينا إلى البلد ثم وافانا بعض الفيوج فأعلمونا أن أصحابنا انصرفوا من العقبة ومضى نحو خراسان فلما كان في قابل حج وأرسل إلينا بهدية من طرف خراسان فأقام بها مدة ثم مات رحمه‌الله.

٤ ـ علي بن محمد ، عن سعد بن عبد الله قال إن الحسن بن النضر وأبا صدام وجماعة تكلموا بعد مضي أبي محمد عليه‌السلام فيما في أيدي الوكلاء وأرادوا الفحص فجاء الحسن بن النضر إلى أبي الصدام فقال إني أريد الحج فقال له : أبو صدام أخره

______________________________________________________

يدخلني خلالها ، في القاموس : تخلل القوم دخل خلالهم ، وقوله : وانصرف إلينا ، كلام العامري « إلى البلد » أي إلى قم « بعد الفتوح » (١) أي الفتوح المعنوية من لقاء الإمام عليه‌السلام ووصوله إلى بغيته « فأعلمونا » أي القوافل والمترددون « أن أصحابنا » أي الحاج « انصرفوا من العقبة » ولم يحجوا ، فظهر أنه عليه‌السلام لهذا منعه والأظهر أن الفتوح تصحيف الفيوج بالياء المثناة التحتانية والجيم ، جمع فيج معرب پيك ، أي جاء المسرعون فأخبرونا بما ذكر ، ومنهم من قرأ بعد بتشديد الدال ، وقال الباء للتعدية أي إحصاء ما رأى من إنعامات الصاحب عليه‌السلام « من طرف خراسان » بضم الطاء وفتح الراء جمع طرفة بالضم وهي الغريب المستحدث ، أي تحف خراسان وغرائبه ، ويمكن أن يقرأ بالتحريك أي من ناحيته ، فمن على الأول تبعيضية ، وعلى الثاني ابتدائية.

الحديث الرابع : صحيح.

وقال الكشي (ره) : الحسن بن النضر من أجلة إخواننا ، وأبو صدام بكسر الصاد غير مذكور في الرجال « فيما في أيدي الوكلاء » أي لا تكلموا فيها كيف يعملون

__________________

(١) كذا في النسخ ، وفي المتن « بعض الفيوج » وسيأتي ذكره في كلام الشارح (ره) أيضا.

١٧٨

هذه السنة فقال له الحسن بن النضر إني أفزع في المنام ولا بد من الخروج وأوصى إلى أحمد بن يعلى بن حماد وأوصى للناحية بمال وأمره أن لا يخرج شيئا إلا من يده إلى يده بعد ظهوره قال فقال الحسن لما وافيت بغداد اكتريت دارا فنزلتها فجاءني بعض الوكلاء بثياب ودنانير وخلفها عندي فقلت له ما هذا قال هو ما ترى ثم جاءني آخر بمثلها وآخر حتى كبسوا الدار ثم جاءني أحمد بن إسحاق بجميع ما كان معه فتعجبت وبقيت متفكرا فوردت علي رقعة الرجل عليه‌السلام إذا مضى من النهار كذا وكذا فاحمل ما معك فرحلت وحملت ما معي وفي الطريق صعلوك يقطع الطريق في ستين رجلا فاجتزت عليه وسلمني الله منه فوافيت العسكر ونزلت فوردت علي رقعة أن احمل ما معك فعبيته في صنان الحمالين فلما بلغت الدهليز إذا فيه أسود قائم فقال أنت الحسن بن النضر قلت نعم قال ادخل فدخلت الدار ودخلت بيتا وفرغت صنان الحمالين وإذا في زاوية البيت خبز كثير فأعطى كل

______________________________________________________

به وكيف يوصلونه إليه « ولا بد من الخروج » أي للفحص وضمير أوصى في الموضعين للحسن ، والمراد بالأول أنه جعله وصي نفسه في أمر عياله وسائر أموره ، وبالثاني أنه أوصى إليه بإيصال ما عنده إلى الناحية إن لم يتيسر له الوصول إليه عليه‌السلام ، وما قيل من أن ضمير أوصى ثانيا لأحمد وكذا ضمير أمره فهو بعيد ، وقيل : المراد بظهوره وضوح كونه صاحب الزمان « هو ما ترى » أي لا يمكنني التصريح ولم يؤذن لي في أكثر من هذا ، أو هو ما نعلم بالقرائن أنه من مال الناحية ، وربما يقرأ بالمجهول أي ما يأتيك العلم به من الناحية « حتى كبسوا الدار » أي ستروها وملئوها من كثرة ما جاءوا به ، في القاموس : كبس البئر والنهر يكبسها طمهما بالتراب ، ورأسه في ثوبه أخفاه وأدخله فيه ، وداره هجم عليه « رقعة الرجل » أي القائم عليه‌السلام عبر به تقية ، وفي الصحاح : الصعلوك الفقير ، وصعاليك العرب ذؤبانها « يقطع الطريق » أي ما بين بغداد وسر من رأى ، وفي القاموس : الصن بالكسر شبه السلة المطبقة يجعل فيها الخبز « فأعطي » على بناء المجهول « على ما من به عليك » أي

١٧٩

واحد من الحمالين رغيفين وأخرجوا وإذا بيت عليه ستر فنوديت منه يا حسن بن النضر احمد الله على ما من به عليك ولا تشكن فود الشيطان أنك شككت وأخرج إلي ثوبين وقيل خذها فستحتاج إليهما فأخذتهما وخرجت قال سعد فانصرف الحسن بن النضر ومات في شهر رمضان وكفن في الثوبين.

٥ ـ علي بن محمد ، عن محمد بن حمويه السويداوي ، عن محمد بن إبراهيم بن مهزيار قال شككت عند مضي أبي محمد عليه‌السلام واجتمع عند أبي مال جليل فحمله وركب السفينة وخرجت معه مشيعا فوعك وعكا شديدا فقال يا بني ردني فهو الموت وقال لي اتق الله في هذا المال وأوصى إلي فمات فقلت في نفسي لم يكن أبي ليوصي بشيء غير صحيح أحمل هذا المال إلى العراق وأكتري دارا على الشط ولا أخبر أحدا بشيء وإن وضح لي شيء كوضوحه في أيام أبي محمد عليه‌السلام أنفذته وإلا قصفت به فقدمت العراق واكتريت دارا على الشط وبقيت أياما فإذا أنا برقعة مع رسول فيها يا محمد معك كذا وكذا في جوف كذا وكذا حتى قص علي جميع ما

______________________________________________________

من وكالته عليه‌السلام والعلم بإمامته وإيصال حقه إليه « فانصرف » أي إلى قم.

الحديث الخامس : مجهول.

ومحمد بن إبراهيم هو وأبوه من وكلاء الناحية كما ذكره في ربيع الشيعة وأعلام الورى « شككت » أي في القائم عليه‌السلام ، وفي القاموس : الوعك شدة الحر وأذى الحمى ووجعها ومغثها في البدن ، ورجل وعك ووعك وموعوك ، ووعكه كوعده دكة « فهو الموت » أي مرض الموت « وأوصى إلى » أي بإيصال هذا المال إليه عليه‌السلام أو الأعم « وإلا قصفت به » أي صرفته في الملاذ والملاهي ، أو تمتعت به طويلا ، قال في القاموس : القصوف الإقامة في الأكل والشرب ، وأما القصف من اللهو فغير عربي ، وفي المصباح القصف : اللهو واللعب ، قال ابن دريد : لا أحسبه عربيا.

أقول : وقد مر في الباب السابق ما يناسب هذا المعنى ، حيث قال في وصف جعفر الكذاب : قصاف ، وفي الإرشاد : وإلا أنفقته في ملاذي وشهواتي ، وكأنه نقل بالمعنى ، وفي غيبة الشيخ وإلا تصدقت به « لا يرفع لي رأس » كناية عن عدم

١٨٠