الإصابة في تمييز الصحابة - ج ١

أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

الإصابة في تمييز الصحابة - ج ١

المؤلف:

أحمد بن علي بن حجر العسقلاني


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٥٠

أما ولده الوحيد بدر الدين أبو المعالي محمد فكان والده حريصا على تعليمه وتهذيبه ، فحفظ القرآن وصلّى بالنّاس كما كانت العادة جارية في سنة ٨٢٦ ، وأسمعه الحديث على الواسطي وجماعة وأجاز له باستدعاء والده منذ مولده سنة ٨١٥ ه‍ فما بعد عدد من كبار المسندين ذكرهم والده في معجم شيوخه.

وبلغ من حرصه واهتمامه به بعد أن صنف كتابه : «بلوغ المرام من أدلة الأحكام» لأجله ، لكنه لم يحفظ إلا اليسير منه وكتب عن والده كثيرا من مجالس الإملاء وسمع عليه شيئا كثيرا واشتغل بأمر القضاء والأوقاف مساعدا لوالده ، حتى صارت له خيره بالمباشرة والحساب .. واشتدت محبة والده له.

وولي في حياة أبيه عدة وظائف أجلها مشيخة البيبرسية وتدريس الحديث بالحسنية ناب عنه فيهما والده ، والإمامة بجامع طولون وغير ذلك.

وقد وصفه ابن تغري بردي بالجهل ، وسوء السيرة ، ولم يرض ذلك السخاوي فرد عليه مفيدا بأنه كان حسن الشكالة متكرّما على عياله قل أن يكون في معناه ، لكن السخاوي أشار في موضوع آخر إلى محنة الحافظ ابن حجر بسبب ولده وما نسب إليه من التصرف في أموال الجامع الطولوني بالاشتراك مع آخرين ، واحتجز رهن التحقيق ، وكان والده في ضيق صدر زائد وألم شديد بسببه وتأوّه كثيرا وكل يوم يسمع من الأخبار ما لم يسمعه بالأمس ، وكان يتوجه إليه في يوم الجمعة يوما أو أكثر إلى المكان الّذي يكون فيه فيرجع .. وهو مسرور لما يرى من ثبات ولده وقوة قلبه وشجاعته وانتظام كلامه ومهارته ، إلى أن تبين أن ما أشيع عنه مجرد اتهام ، ولذلك عمل الحافظ ابن حجر جزءا سماه «ردع المجرم عن سب المسلم» ويبدو أن القاضي ولي الدين السفطي كان له دور مهم في محنة الحافظ ابن حجر بسبب ما كان بينهما من المنافسة على القضاء فكانت هذه الحادثة سببا في زهد الحافظ ابن حجر في القضاء (١).

ابن حجر المحدّث وخطيب الأزهر

تولى ابن حجر الخطابة في عدة مساجد من أكبر المساجد بالقاهرة مثل الجامع الأزهر وجامع عمرو وغيرهما من المساجد الكبرى بالقاهرة فقد كان متبحرا في العديد من العلوم ، وكان يفد إليه طلاب العلم وأهل الفضل من سائر الأنحاء ، وكان يتسم بالحلم والتواضع والصبر كثير الصيام والقيام.

__________________

(١) ابن حجر دراسة ص ٧٤ وما بعدها.

١٠١

وكان مرجعا في الحديث النبوي ، حتى لقب بلقب «أمير المؤمنين» في الحديث وهذا اللقب لا يظفر به إلا أكبر المحدثين الأفذاذ وقد حبب إلى ابن حجر الحديث وأقبل عليه بكليته وطلبه من سنة ثلاث وتسعين ولكنه لم يلزم الطلب إلا من سنة ست وتسعين فعكف على الزين العراقي وتخرج به وانتفع بملازمته ، وتحول إلى القاهرة فسكنها قبيل القرن وارتحل إلى البلاد الشامية والمصرية والحجازية وأخذ عن الشيوخ والأقران وأذن له جل هؤلاء في الإفتاء والتدريس.

وتصدر لنشر الحديث وقصر نفسه عليه مطالعة وقراءة وإقراء وتصنيفا وإفتاء وزادت تصانيفه التي معظمها في فنون الحديث وفيها من فنون الأدب والفقه ـ على مائة وخمسين تصنيفا وقد عرف ابن حجر بالحفظ وكثرة الاطلاع والسماع وبرع في الحديث وتقدم في جميع فنونه وأثنى عليه شيوخه في هذا الشأن وقد سبق أنه ولي تدريس الفقه بالمدرسة الشيخونية وتدريس الحديث بالمدرسة الجمالية الجديدة ثم تدريس الشافعية بالمؤيدة الجديدة ومشيخة البيبرسية في دولة المؤيد وتدريس الفقه بالمدرسة الصلاحية المجاورة للإمام الشافعيّ ، كما تولى الخطابة بالجامع الأزهر وبين التدريس والإفتاء ولي منصب القضاء ، وكانت أول ولايته القضاء في السابع والعشرين من المحرم سنة سبع وعشرين وثمانمائة بعد أن امتنع أولا لأنه كان لا يؤثر على الاشتغال بالتأليف والتصنيف شيئا غير أن ابن حجر كما يقول السخاوي قد ندم على قبوله وظيفة القضاء ويقول ابن حجر إن من آفة التلبس بالقضاء أن بعضهم ارتحل إلى لقائي وأنه بلغه تلبسي بوظيفة القضاء فرجع ، وعزل عن القضاء وأعيد إليه مرات وكان أخر ولايته القضاء إذ عزل نفسه في الخامس والعشرين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة.

شيوخه : بلغ عدد شيوخه بالسّماع وبالإجازة وبالإفادة على ما بين بخطه نحو أربعمائة وخمسين نفسا ، وإذا استثنينا الشيوخ الذين أجازوا عموما فقد ترجم في «المجمع المؤسس» لأكثر من ستمائة شيخ ، وذكر بعضهم أن عدد شيوخه بلغ ستمائة نفس سوى من سمع منه من الأقران.

واجتمع له من الشّيوخ الذين يشار إليهم ويعول في حل المشكلات عليهم ما لم يجتمع لأحد من أهل عصره ، لأن كل واحد منهم كان متبحرا ورأسا في فنه الّذي اشتهر به «فالبلقيني في سعة الحفظ وكثرة الاطلاع وابن الملقن في كثرة التصانيف والعراقي في معرفة علوم الحديث ومتعلقاته ، والهيثمي في حفظ المتون ، واستحضارها والمجد الشيرازي في حفظ اللغة واطلاعه عليها ، والغماري في معرفة العربية ومتعلقاتها ، وكذا المحب ابن هشام

١٠٢

كان حسن التصرف فيها لوفور ذكائه ، وكان الغماري فائقا في حفظها ، والإيناس في حسن تعليمه وجودة تفهيمه ، والعز بن جماعة في تفننه في علوم كثيرة بحيث كان يقول : أنا أقرأ في خمسة عشر علما لا يعرف علماء عصري أسماءها ، والتنوخي في معرفة القراءات وعلو سنده فيها (١).

شيوخ القراءات : ١ ـ إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المؤمن التنوخي الشيخ برهان الدين الشّامي (٧٠٩ ه‍ ـ ٨٠٠ ه‍) بلغ عدد شيوخه ستمائة شيخ بالسماع وبالإجازة يجمعهم معجمه الّذي خرّجه له الحافظ ابن حجر ونزل أهل مصر بموته درجة ، قرأ عليه الحافظ ابن حجر من أول القرآن (الفاتحة) إلى قوله (المفلحون) من سورة البقرة جامعا للقراءات السبع ثم قرأ عليه الشاطبية تامة بسماعه لها على القاضي بدر الدين بن جماعة كما قرأ عليه الخلاصة للألفية من العربية نظم ابن عبد الله ، فضلا عن قراءته عليه صحيح البخاري ، وبعض المسانيد ، والكتب والأجزاء ، وخرج له المائة العشرية ، ثم الأربعين التالية لها ، وأذن له بالإقراء سنة ٧٩٦ ه‍.

٢ ـ محمد بن محمد بن محمد الدمشقيّ الجزري (٧٥١ ـ ٨٣٣) شيخ القراءات وأجاز له ولولده محمد وحثه على الرّحلة إلى دمشق ، حدث بكتابه (الحصن الحصين) في البلاد اليمنية ، ومهر الجزري في الفقه إلا أن فنّه القراءات.

شيوخ الحديث : ١ ـ عبد الله بن محمد بن محمد بن سليمان النيسابورىّ المعروف بالنشاوري (٧٠٥ ـ ٧٩٠ ه‍) وهو أول شيخ سمع عليه الحديث المسند فيما اتصل بعلمه ، سمع عليه صحيح البخاري مع فوت بقراءة شمس الدين السلاوي سنة ٧٨٥ ه‍ بالمسجد الحرام بسماعه على الرضي الطبري على أنه شك في إجازته منه ، وترك التخريج والرّواية بتلك الإجازة وقال : «وفي المصرح به غني عن المظنون والله المستعان».

٢ ـ محمد بن عبد الله بن ظهيرة المخزوميّ المكيّ جمال الدين (٧٥١ ـ ٨١٧ ه‍) وهو أول من بحث عليه في فقه الحديث وذلك في مجاورته مع الخرّوبي بمكّة سنة ٧٨٥ وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، حيث قرأ عليه بحثا في عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي ، ثم كان أول من سمع بقراءته الحديث بمصر سنة ٧٨٦ ، وسمع عليه كتبا أخرى.

__________________

(١) ابن حجر دراسة ص ١٤٥ ، ١٤٦.

١٠٣

٣ ـ عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي أبو الفضل زين الدين الحافظ الكبير (٧٢٥ ـ ٨٠٦ ه‍) وأول ما اجتمع به سنة ٧٨٦ فقرأ عليه ثم فتر عزمه ، كما وضح فيما فات ، ثم لازمه عشر سنوات وتخرّج به وهو أوّل من أذن له بالتدريس في علوم الحديث في سنة ٧٩٧ ه‍ ، وحضر مجالس إملائه ، وقرأ عليه كتابه «الأربعين العشارية» من جمعه واستملى عليه الحافظ ابن حجر في غياب ولده أبي زرعة ، وحمل عنه جملة مستكثرة من أماليه ، وأذن له في تدريس ألفيته من الحديث ، وشرحها ، والنكت على ابن الصلاح ، وسائر كتب الحديث وعلومه ، ولقبه بالحافظ وعظمه ونوّه بذكره.

وللحافظ ابن حجر مع شيخه مراجعات كثيرة.

٤ ـ علي بن أبي بكر بن سليمان أبو الحسن الهيثمي (٧٣٥ ـ ٨٠٧) لازم العراقي أشد ملازمة وهو صهره ، خرج زوائد مسند البزار ثم مسند أبي يعلى الموصلي ، ثم الطبرانيات ، وجمع الجميع في كتاب واحد محذوف الأسانيد ، ورتب الثقات لابن حبان على حروف المعجم ، وحلية الأولياء على الأبواب ، اقتصر منها على الأحاديث المسندة ، ومات وهو مسودة فكمل ابن حجر ربعه ، وصار الهيثمي لشدة ممارسته أكثر استحضارا للمتون من شيخه العراقي حتى يظن من لا خبرة له أنه أحفظ منه ، وليس كذلك ، لأن الحفظ المعرفة.قال ابن حجر : كان يودني كثيرا وبلغه أنني تتبعت أوهامه في مجمع الزوائد فعاتبني فتركت ذلك» قرأ عليه قرينا لشيخه العراقي ومنفردا.

شيوخ الفقه

١ ـ إبراهيم بن موسى بن أيوب برهان الدين الأنباسي الورع الزاهد (٧٢٥ ـ ٨٠٢ ه‍) سمع من الوادي آشي وأبي الفتح الميدومي ومسند عصره ابن أميلة وطبقتهم ، قال عنه ابن حجر : «سمعت منه كثيرا وقرأت عليه الفقه» وقال «اجتمعت به قديما وكان صديق أبي ولازمته بعد التسعين وبحثت عليه في المنهاج وقرأت عليه قطعة كبيرة من أول الجامع للترمذي بسماعه على .. ابن أميلة» وله مصنفات ، يألفه الصّالحون ويحبه الأكابر وفضله معروف.

٢ ـ عمر بن عليّ بن أحمد بن الملقن (٧٢٣ ـ ٨٠٤ ه‍) كان أكثر أهل عصره تصنيفا فشرح المنهاج عدة شروح ، وخرّج أحاديث الرافعي في ست مجلّدات ، وشرح صحيح البخاري في عشرين مجلدة انتقده ابن حجر عليه وعلى أشياء أخرى. قرأ عليه قطعة من شرحه الكبير على المنهاج.

١٠٤

٣ ـ عمر بن رسلان بن نصير بن صالح البلقيني نزيل القاهرة أبو حفص ، شيخ الإسلام علم الأعلام مفتي الأنام (٧٢٤ ـ ٨٠٥ ه‍) أقدمه أبوه القاهرة وله اثنتا عشرة سنة فبهرهم بذكائه وكثرة محفوظه وسرعة إدراكه وعرض عليه محافيظه ورجع ، غير أنه لم يرزق ملكة في التصنيف ، وقد لازمه الحافظ ابن حجر مدة ، وقرأ عليه الكثير من الروضة ، ومن كلامه على حواشيها ، وسمع عليه بقراءة البرماوي مختصر المزني ، وكتب له خطه بالإذن بالإعادة وهو أول من أذن له في التدريس والإفتاء ، وتبعه غيره.

٤ ـ محمد بن علي بن عبد الله القطان الفقيه (٧٣٧ ـ ٨١٣ ه‍) مهر في فنون كثيرة ، وتفقه عليه الحافظ ابن حجر ، وقال عنه : قرأت عليه وأجاز لي وذكر لي أنه قرأ الأصول على الشيخ نور الدين الإسنائي وكان ماهرا في القراءات والعربية والحساب ولازمه في الفقه ، وقرأ عليه قسما كبيرا من الحاوي وغيره.

٥ ـ عليّ بن أحمد بن أبي الآدمي الشيخ نور الدين ، قال ابن حجر : قرأت عليه في الفقه والعربيّة ، وكان على طريقة مثلي من الدين والعبادة والخير والانجماع ولازمه كثيرا.

شيوخ العربيّة : ١ ـ محمد بن محمد بن علي بن عبد الرزاق الغماري المصري المالكي (٧٢٠ ـ ٨٠٢) وكان كثير الاستحضار للشواهد واللغة مع مشاركة في الأصول والفروع ، ودرس القراءات في الشيخونية وهو خاتمة من كان يشار إليه في القراءات العربية ، سمع عليه الحافظ ابن حجر القصيدة المعروفة بالبردة بسماعه لها على أبي حيان بسماعه من ناظمها ، وأجاز له غير مرّة كما أجازه مروياته عن غيره ، وكان عارفا بالعربيّة كثير الحفظ للشعر لا سيما الشواهد قوي المشاركة في فنون الأدب.

٢ ـ محمد بن إبراهيم بن محمد الدمشقيّ الأصل بدر الدين البشتكي الأديب الفاضل المشهور (٧٤٨ ـ ٨٣٠ ه‍).

حفظ كتابا في فقه الحنفية ثم تحوّل شافعيّا ، ثم نظر في كتب ابن حزم ، واشتغل في فنون كثيرة ، وعني الأدبيات فمهر فيها ، لازمه ابن حجر بضع سنين ، وانتفع بفوائده وكتبه وأدبياته وطارحه بأبيات وسمع منه الكثير من نظمه وأجاز له ولأولاده ، وسبقت الإشارة إلى أنه كان يعيره بعض الكتب الأدبية ، وقرأ عليه مجلسا واحدا من مقدمة لطيفة في علم العروض استفاد منه لمعرفة الفن بكماله ، كما قرأ عليه البشتكي بعد ذلك في الحديث فهو شيخه ، وتلميذه في آن واحد.

١٠٥

٣ ـ محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر الشّيرازي الشيخ العلّامة مجد الدين أبو الطاهر الفيروزآباذي (٧٢٩ ـ ٨١٧ ه‍) نظر في اللغة فكانت جل قصده في التحصيل فمهر فيها إلى أن فاق أقرانه ، اجتمع به في زبيد ، وفي وادي الخصيب وناوله جل القاموس المحيط وأذن له مع المناولة بروايته عنه وقرأ عليه من حديثه عدة أجزاء ، وسمع منه المسلسل بالأولية بسماعه عن السبكي ، وكتب له تقريضا على بعض تخريجاته أبلغ فيه شيخه في أغلب العلوم.

هو محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز بن جماعة الحموي الأصل ثم المصري الشيخ عز الدين ابن المسند شرف الدين (٧٥٩ ـ ٨١٩).

أتقن فنون المعقول إلى أن صار هو المشار إليه في الدّيار المصرية في هذا الفن ..ولم يكن يقرأ عليه كتاب من الكتب المشهورة إلا ويكتب عليه نكتا وتعقيبات واعتراضات بحسب ما يفتح له أخذ عنه في شرح منهاج الأصول ، وجمع الجوامع ، ومختصر ابن الحاجب وفي المطوّل لسعد الدين وأجاز له غير مرة ولأولاده ، وقال البقاعي : وأجل من أخذ عنه المعقول والأدبيات علامة الدّنيا الشيخ عز الدين بن جماعة ، ولازمه طويلا ، وأخذ عنه علما جزيلا.

وقال السخاوي : إن ابن جماعة كان يقول : أنا أقرأ في خمسة عشر علما لا يعرف علماء عصري أسماءها».

ولازمه الحافظ ابن حجر في غالب العلوم التي كان يقرؤها من سنة ٧٩٠ ه‍ إلى أن مات سنة ٨١٩ ه‍ ولم يخلف بعده مثله كما قال في «إنباء الغمر».

مصنّفاته : قال الشّمس السّخاويّ تلميذ الحافظ ابن حجر : «وزادت تصانيفه التي معظمها في فنون الحديث وفيها من فنون الأدب والفقه ، والأصلين وغير ذلك على مائة وخمسين تصنيفا رزق فيها من السّعد والقبول خصوصا «فتح الباري بشرح البخاري» الّذي لم يسبق نظيره أمرا عجبا» (١).

بلغت مصنفاته أكثر من اثنين وثلاثين ومائة تصنيف ، وها هي مرتبة على حروف المعجم.

١ ـ الآيات النّيرات للخوارق المعجزات.

__________________

(١) الضوء اللامع ٢ / ٣٨.

١٠٦

٢ ـ اتباع الأثر في رحلة ابن حجر.

٣ ـ إتحاف المهرة بأطراف العشرة.

٤ ـ الإتقان في فضائل القرآن.

٥ ـ الأجوبة المشرقة على الأسئلة المفرقة.

٦ ـ الإحكام لبيان ما في القرآن من إبهام.

٧ ـ أربعون حديثا متباينة الأسانيد بشرط السّماع.

٨ ـ أسباب النزول.

٩ ـ الأسئلة الفائقة بالأجوبة اللائقة.

١٠ ـ الاستبصار على الطّاعن المعثار.

١١ ـ الاستدراك على الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء.

١٢ ـ الاستدراك على الكاف الشّاف.

١٣ ـ الإصابة في تمييز الصّحابة.

١٤ ـ أطراف المختارة.

١٥ ـ أطراف الصّحيحين.

١٦ ـ أطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي.

١٧ ـ الإعجاب ببيان الأسباب.

١٨ ـ الإعلام بمن ذكر في البخاري من الأعلام.

١٩ ـ الإعلام بمن ولي مصر في الإسلام.

٢٠ ـ الإفصاح بتكميل النّكت على ابن الصلاح.

٢١ ـ الأفنان في رواية القرآن.

٢٢ ـ إقامة الدّلائل على معرفة الأوائل.

٢٣ ـ الألقاب.

٢٤ ـ أمالي ابن حجر.

٢٥ ـ الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع.

٢٦ ـ الإنارة في الزّيارة.

٢٧ ـ إنباء الغمر بأنباء العمر.

٢٨ ـ الانتفاع بترتيب الدار الدّارقطنيّ.

٢٩ ـ انتقاض الاعتراض.

٣٠ ـ الأنوار بخصائص المختار.

١٠٧

٣١ ـ الإيناس بمناقب العبّاس.

٣٢ ـ البداية والنهاية.

٣٣ ـ بذل الماعون بفضل الطّاعون.

٣٤ ـ البسط المبثوث في خبر البرغوث.

٣٥ ـ بلوغ المرام بأدلّة الأحكام.

٣٦ ـ بيان الفصل بما رجح فيه الإرسال على الوصل.

٣٧ ـ تبصير المنتبه بتحرير المشتبه.

٣٨ ـ تبيين العجب بما ورد في فضل رجب.

٣٩ ـ تجريد التّفسير.

٤٠ ـ تحرير الميزان.

٤١ ـ تحفة أهل التّحديث عن شيوخ الحديث.

٤٢ ـ تحفة الظّراف بأوهام الأطراف.

٤٣ ـ تخريج أحاديث الأذكار للنّووي.

٤٤ ـ تخريج أحاديث الأربعين للنّووي.

٤٥ ـ تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب.

٤٦ ـ تخريج الأربعين النّووية بالأسانيد العليّة.

٤٧ ـ التّعريج على التّدريج.

٤٨ ـ ترجمة النّووي.

٤٩ ـ تسديد القوس في مختصر مسند الفردوس.

٥٠ ـ التّشويق إلى وصل المهم من التّعليق.

٥١ ـ تصحيح الرّوضة.

٥٢ ـ تعجيل المنفعة برواية رجال الأئمة الأربعة.

٥٣ ـ التّعريف الأوحد بأوهام من جمع رجال المسند.

٥٤ ـ تعريف أولي التّقدير بمراتب الموصوفين بالتّدليس.

٥٥ ـ تعريف الفئة بمن عاش مائة.

٥٦ ـ تعقّبات على الموضوعات.

٥٧ ـ تعليق التّعليق.

٥٨ ـ تقريب التّقريب.

٥٩ ـ تقريب التّهذيب.

١٠٨

٦٠ ـ تقريب المنهج بترتيب المدرج.

٦١ ـ تقويم السّناد بمدرج الإسناد.

٦٢ ـ التّمييز في تخريج أحاديث الوجيز.

٦٣ ـ تهذيب التّهذيب.

٦٤ ـ تهذيب المدرج.

٦٥ ـ توالي التّأسيس بمعالي ابن إدريس.

٦٦ ـ توضيح المشتبه للأزدي في الأنساب.

٦٧ ـ التّوفيق بتعليق التّعليق.

٦٨ ـ الجواب الجليل عن حكم بلد الخليل.

٦٩ ـ الجواب الشّافي عن السّؤال الخافي.

٧٠ ـ الخصال المكفّرة للذنوب المقدّمة والمؤخّرة.

٧١ ـ الخصال الواردة بحسن الاتّصال.

٧٢ ـ الدّراية في منتخب تخريج أحاديث الهداية.

٧٣ ـ الدّرر.

٧٤ ـ الدّرر الكامنة في أعيان المائة الثّامنة.

٧٥ ـ ديوان شعر.

٧٦ ـ ديوان منظور الدّرر.

٧٧ ـ ذيل الدّرر الكامنة.

٧٨ ـ ردّ المحرم عن المسلم.

٧٩ ـ الرّسالة العزية في الحساب.

٨٠ ـ رفع الإصر عن قضاة مصر.

٨١ ـ الزّهر المطلول في بيان الحديث المعلول.

٨٢ ـ الزهر النّضر في أنباء الخضر.

٨٣ ـ السّبعة النّيرات في سبعة أسئلة عن السّيد الشريف في مباحث الموضوع.

٨٤ ـ سلوت ثبت كلوت : التقطها من ثبت أبي الفتح القاهريّ.

٨٥ ـ شرح الأربعين النّوويّة.

٨٦ ـ شرح سنن التّرمذي.

٨٧ ـ شرح مناسك المنهاج.

٨٨ ـ شرح منهاج النّووي.

١٠٩

٨٩ ـ شفاء الغلل في بيان العلل.

٩٠ ـ الشّمس المثيرة في معرفة الكبيرة.

٩١ ـ طبقات الحفّاظ.

٩٢ ـ عرائس الأساس في مختصر الأساس ، للزمخشريّ.

٩٣ ـ عشاريات الأشياخ.

٩٤ ـ عشرة أحاديث عشاريّة الإسناد.

٩٥ ـ عشرة العاشر.

٩٦ ـ فتح الباري بشرح البخاري.

٩٧ ـ فضائل شهر رجب.

٩٨ ـ فهرست مرويّاته.

٩٩ ـ فوائد الاحتفال في بيان أحوال الرّجال ، لرجال البخاري.

١٠٠ ـ الفوائد الجمّة فيمن يجدد الدّين لهذه الأمّة.

١٠١ ـ قذى العين من نظم غريب البين.

١٠٢ ـ القصارى في الحديث.

١٠٣ ـ القول المسدّد في الذّبّ عن المسند.

١٠٤ ـ الكاف الشّاف في تحرير أحاديث الكشّاف.

١٠٥ ـ كشف السّحر عن حكم الصّلاة بعد الوتر.

١٠٦ ـ لذّة العيش بجمع طرق حديث «الأئمّة من قريش».

١٠٧ ـ لسان الميزان.

١٠٨ ـ المجمع المؤسّس في المعجم المفهرس.

١٠٩ ـ مختصر البداية والنّهاية لابن كثير.

١١٠ ـ مختصر تهذيب الكمال.

١١١ ـ الرحمة الغيثيّة عن التّرجمة اللّيثية.

١١٢ ـ مزيد النّفع بما رجح فيه الوقف على الرفع.

١١٣ ـ المسلسل بالأوليّة بطرق علية.

١١٤ ـ المسند المعتلي بأطراف الحنبلي.

١١٥ ـ المشتبه.

١١٦ ـ المطالب العالية من رواية المسانيد الثّمانية.

١١٧ ـ المطالب العالية في زوائد الثّمانية.

١١٠

١١٨ ـ المقترب في بيان المضطرب.

١١٩ ـ المقصد الأحمد فيمن كنيته أبو الفضل واسمه أحمد.

١٢٠ ـ الممتع في منسك المتمتع.

١٢١ ـ المنحة فيما علق به الشّافعي القول على الصحة.

١٢٢ ـ منسك الحج.

١٢٣ ـ النبأ الأنبه في بناء الكعبة.

١٢٤ ـ نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر.

١٢٥ ـ نزهة الألباب في الأنساب.

١٢٦ ـ نزهة القلوب في معرفة المبدل عن المقلوب.

١٢٧ ـ نزهة النّظر بتوضيح نخبة الفكر.

١٢٨ ـ النكت الحديثية على كتاب ابن الصّلاح.

١٢٩ ـ نهاية التقريب وتكميل التّهذيب بالتذهيب.

١٣٠ ـ النيرات السّبعة ، ديوان ابن حجر.

١٣١ ـ هداية الرّواة إلى تخريج المصابيح والمشكاة.

١٣٢ ـ هدي السّاري لمقدمة فتح الباري.

مرضه ووفاته

بدأ المرض بحافظ الدنيا ابن حجر طيب الله مثواه في ذي الحجة سنة ٨٥٢ ه‍ ، وفي الحادي عشر منه حضر مجلس الإملاء كما أملى في يوم الثلاثاء الخامس عشر من الشهر المذكور مجلسا وهو متوعّك ، ثم تغير مزاجه وأصبح ضعيف الحركة.

وخشي الأطباء أن يناولوه مسهلا لأجل سنه فأشير «بلبن الحليب» ، فتناوله فلانت الطبيعة قليلا وأدى ذلك إلى نشاط ... وصار مسرورا بذلك ، ولكنه لم يشف من مرضه تماما ... ثم عاد إلى الكتمان وتزايد الألم بالمعدة وكان يقول هذا بقايا الغبن من سنة تسع وأربعين وتوابعها ، ولم يستطع أن يؤدي صلاة عيد الأضحى الّذي صادف يوم الثّلاثاء ، وهو الّذي لم يترك صلاة جمعة ولا جماعة ، وصلى الجمعة التي تلي العيد ، ثم توجه إلى زوجته الحلبية ، وكأنه أحس بدنوّ أجله ، فاعتذر عن انقطاعه عنها واسترضاها وكان ينشد :

ثاء الثّلاثين قد أوهت قوى بدني

فكيف حالي وثاء الثّمانينا

[البسيط]

وتردّد إليه الأطباء ، وهرع النّاس من الأمراء والقضاة والمباشرين. لعيادته ، وقبل

١١١

منتصف شهر ذي الحجة من سنة ٨٥٢ ه‍ أشيع أن شيخ الإسلام قد توعك فأنشأ يقول :

(من المجتث)

أشكو إلى الله ما بي

وما حوته ضلوعي

قد طال السّقم جسمي

بنزلة وطلوعي.

وكان مرضه قد دام أكثر من شهر ، حيث أصيب بإسهال ورمي دم (ديسانتري) ، غير أن السّخاوي يقول : «ولا استبعد أنه أكرم بالشهادة فقد كان طاعون قد ظهر».

ثم أسلم الروح إلى بارئها في أواخر شهر ذي الحجة من سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة.

واختلف مترجموه في تحديد تاريخ يوم وفاته ، كما اختلفوا في تحديد يوم ولادته ، على أنهم يتفقون جميعا تقريبا على أنها ـ وفاته ـ كانت في ليلة السّبت من ذي الحجة ، والاختلاف ينحصر في تحديدهم لأي سبت منه ، وهذا يرجع إلى أن الأرقام عرضة للتحريف أكثر من غيرها فجعلها بعضهم في الثامن والعشرين من ذي الحجة ، وجعلها آخرون في التاسع عشر منه ، على حين ذكرها فريق ثالث في ثامن عشر من ذي الحجة سنة ٨٥٢ ه‍.

وترك وصيته التي نقل السّخاوي نصها ، مستقاة من سبطه يوسف بن شاهين ، ومما ورد فيها أنه أوصى لطلبة الحديث النبوي والمواظبين على حضور مجالس الإملاء بجزء من تركته.

وفي أواخر أيامه عاده قاضي القضاة سعد الدين بن الديري الحنفي فسأله عن حاله ، فأنشده أربعة أبيات من قصيدة لأبي القاسم الزّمخشريّ هي : (من الكامل)

قرب الرّحيل إلى ديار الآخرة

فاجعل إلهي خير عصري آخره

وارحم مبيتي في القبور ووحدتي

وارحم عظامي حين تبقى ناخره

فأنا المسيكين الّذي أيّامه ولت

بأوزار غدت متواتره

فلئن رحمت فأنت أكرم راحم

فبحار جودك يا إلهي زاخره

وصلي عليه بمصلاة بكتمر المؤمن ، حيث أمر السّلطان جقمق بأن يحضر إلى هناك ليصلي عليه ، وتقدم في الصلاة عليه الخليفة بإذن من السلطان.

وحضر الشيوخ وأرباب الدولة وجمع غفير من الناس ، وازدحموا في الصلاة عليه حتى حزر أحد الأذكياء من مشى في جنازته بأنهم نحو الخمسين ألف إنسان.

١١٢

ومن شدة حب الناس ، وإكرامهم له تصور البعض أن الخضر صلى عليه كما ذكر ذلك صاحب مفتاح السعادة ، فقال : ومن جملة من صلّى عليه «الخضر عليه‌السلام رآه عصابة من الأولياء».

وكان يوم موته عظيما على المسلمين وحتى على أهل الذمة ، وشيعته القاهرة إلى مدفنه في القرافة الصغرى ، وتزاحم الأمراء والأكابر على حمل نعشه ، ومشى إلى تربته من لم يمش نصف مسافتها قطّ ، فدفن تجاه تربة الديلميّ بتربة بني الخروبي بين مقام الشّافعي ومقام سيدي مسلم السّلمي ، وكانت وصيته خلاف ذلك ، وقد سنحت لي الفرصة بزيارة قبر الحافظ ابن حجر رحمه‌الله ، فتبين لي أنه يقع في مسافة تقدر بحوالي ١٥٠٠ م من مقام الإمام الشافعيّ.

وقيل : إن السماء أمطرت على نعشه مطرا خفيفا فعد ذلك من النوادر.

ذكر من رثاه :

وما أحقه بقول ابن دريد في قصيدة طويلة :

البسيط :

إنّ المنيّة لم تتلف بها رجلا

بل أبلغت علما للدّين منصوبا

كان الزّمان به تصفو مشاربه

والآن أصبح بالتّكدير مقطوبا

كلّا وأيّامه الغرّ الّتي جعلت

للعلم نورا وللتّقوى محاريبا

وبقول غيره :

الكامل :

ذهب العليم بعيب كلّ محدّث

وبكلّ مختلف من الإسناد

وبكلّ وهم في الحديث ومشكل

يعنى به علماء كلّ بلاد

وبقول غيره.

الوافر :

بكيت على فراقك كلّ يوم

وأمليت الحوار من الجفون

ولو كان البكاء بقدر شوقي

لملّته العيون من العيون

وبقول غيره :

البسيط :

رزء ألمّ فقلب الدّهر في وهج

وأغفل النّاس منسوب إلى الهوج

الإصابة/ج١/م٨

١١٣

وللقلوب وجيب في مراكزها

مهول فهو بتشقيق الصّدور حجي

وللعيون انهمال كالغمام بكا

فكلّ فجّ به عال من اللّجج

يا واحد العصر يا من لا نظير له

إذ كلّ شخص من الأمثال في لجج

يا شيخ الإسلام يا مولى لقد خضعت

غلب الرّجال لما تبدي من الحجج

يا برّ حلم بحور العلم قد تركت

لمّا سمعنا بداع ، مقبل سمج

أصمّ أسماعنا لمّا تلا سحرا

قد مات من تهزم الأهوال حين نجي

قاضي القضاة المفدّى من بني حجر

من خلقه ليس في شيء من الحرج

فلو رضي الدّهر منّا فدية عظمت

إذا وحقّك جدنا فيك بالمهج

ولو حميت بضرب السّيف ما وجدت

لها المنايا إليك الدّهر من ولج

في حقّ عهدك ما زلنا ذوي شغف

بعهد ودّ لكم بالرّوح ممتزج

حفّت سجاياك والألباب قد رجحت

بها نهاك من الإحصاء بالثّبج

ألفت يا حلو ، مرّ الصّبر ترشفه

فأنت للصّبر صبّ بالغرام شجي

من للقيام بجنح اللّيل مجتهدا

تبيت ترفعه آيات ذي الدّرج

تعلي النّحيب خضوعا والأسى قلقا

كأنّه في الدّياجي بالحراب وجي

قد كان مصرك ليلا كالنّهار به

شهاب فضلك يغنيه عن السّرج

واليوم بعدك مثل اللّيل في سدف

يا لهف قلبي فما صبح بمنبلج

لكأنّ فقدك فقد النّاس كلّهم

وفقد غيرك قد يلفى من الفرج

من للأحاديث يحييها ويحفظها

فوقته ليس حمّال إليه يجي

قد كنت للسّنّة الغرّا شهاب علا

حميت آفاقها عن مارد علج

من كان في علمه في الشّكّ مرتبكا

فأنت في علمك الأشيا على ثلج

وأنت أذكى الورى قلبا ورائحة

كأنّما كنت مسكا طيّب الأرج

لهفي عليك شهاب الدّين من رجل

لمّا ترحّلت صار النّاس في مرج

قد كنت حافظهم في كلّ معضلة

فبعدك اليوم لا تسأل عن الهمج

كانوا إذا أوهموا معنى وأخر سهم

فتحت كلّ عم منهم ومرتتج (١)

لمّا ركبت على الحدباء ما أحد

إلّا انحنى منه ظهر غير ذي عوج

روحي فداء لبال قد ظفرت بها

لديك يا حبر بالآمال بالحجج

أروق سمعي بدرّ النّطق منك وما

طرفي بممتنع من وحيك البهج

__________________

(١) مرتتج : المرتتج : الّذي استغلق عليه الكلام.

١١٤

كأنّه لم يكن يوما فيا أسفا

ما كنت من بعد ما مرّت بمبتهج

كلّا لعمري وإنّي فالق كبدي

حزني عليك وقلبي جدّ ملتعج

ولا أحبّ ديارا قد قبضت بها

فنحوها بعد بعد منك لم أعج

نعم وأبغضت والله الحياة بلا

وجود أنسك فاعلم ذاك وابتهج

لهفي على مجلس الإملا وحاضره

من كلّ حبر لسبل الخير منتهج

كم فيه من راس راس هزّ من عجب

والجمع من شدّة الإصغاء لم يمج

كأنّنا لم نكن يوما لديك ولا

بقولك العذب منّا قطّ سرّ نجي

فيا دوام افتكاري للسّرور بكم

ويا بكائي طوال الدّهر والأبج (١)

لأملأنّ بسيط الأرض من أدب

ركّبت فيك معانيه من البرج

جمعت قلبا بحبّ فيك ممتلئا

إلى لسان بأنواع الرّثا لهج (٢)

عليك منّي تحيّات أردّدها

ما هيّج الورق قلبا فيك ذا وهج

وجاد مهدك في صوب الرّضا مزن

يا بحر يحيي بقاع الأرض بالثّبج

ومنهم العلامة الشّهاب أبو الطّيّب أحمد بن محمد الحجازي فأنشدني لفظه لنفسه قوله :

الكامل :

كلّ البريّة للمنيّة صابره

وقفولها شيئا فشيئا سائره

والنّفس إن رضيت بذا ربحت وإن

لم ترض كانت عند ذلك خاسرة

وأنا الّذي راض بأحكام مضت

عن ربّنا البرّ المهيمن صادره

لكن سئمت العيش من بعد الّذي

قد خلّف الأفكار منّا حائرة

هو شيخ الإسلام المعظّم قدره

من كان أوحد عصره والنّادره

قاضي القضاة العسقلانيّ الّذي

لم ترفع الدّنيا خصيما ناظره

وشهاب دين الله ذو الفضل الّذي

أربى على عدد النّجوم مكاثره

لا تعجبوا لعلوّه فأبوه من

قبل عليّ في الدّنا والآخرة

هو كيميا العلم وكم من طالب

بالكسر جاء له فأضحى جابره

لا بدع أن عادت علوم الكيميا

من بعد ذا الحجر المكرّم بائره

__________________

(١) الأبج محركة الأبد : القاموس المحيط ١ / ١٠٠.

(٢) الرّثا مقصورة ضرورة ، والرثاء تعداد محاسن الميت.

١١٥

لهفي على من أورثتني حسرة

درس (١) الدّروس عليه إذ هي حاسره

لهفي على المدح استمالت للرّثا

وقصور آياتي غدت متقاصره

لهفي عليه عالما ، بوفاته

درست دروس والمدارس بايره

لهفي على الإملاء عطّل بعده

ومعاهد الأسماع إذ هي شاغرة

لهفي عليه حافظ العصر الّذي

قد كان معدودا لكلّ مناظرة

لهفي على الفقه المهذّب والمحرر

حاوي المقصود عند محاوره

لهفي على النّحو الّذي تسهيله

مغني اللّبيب مساعد لمذاكره

لهفي على اللّغة الغريبة كم أرانا

معربا بصحاحها المتظاهرة

لهفي على علم العروض تقطّعت

أسبابه بفواصل متغايره

لهفي عليه خزانة العلم الّتي

كانت بها كلّ الأفاضل ماهره

لهفي على شيخي الّذي سعدت به

صحب وأوجه ناظريه ناضرة

لهفي على التّقصير منّي حيث كم

أملا النّواحي بالنّواح مبادره

لهفي على عذري عن استيفاء ما

تحوي وعجزي أن أعدّ مآثره

لهفي على لهفي وهل ذا مسعدي

أو كان ينفعني شديد محاذره

لهفي على من كلّ عام للهنا

تأتي الوفود إلى حماه مبادره (٢)

والآن في ذا العام جاءوا للعزا

فهيه وعادوا بالدّموع لهامره (٣)

قد خلّف الدّنيا خرابا بعده

لكنّما الأخرى لديه عامره

وبموته شقي الفؤاد وأعلم

العين انثنت في حالتيها شاغرة

ولي المعاجر طابقت إذ للرّثا

أنا ناظم وهي المدامع ناشره

فكأنّه في قبره سرّ غدا

في الصّدر ، والأفهام عنه قاصره

وكأنّه في اللّحد منه ذخيرة

أعظم بها درر العلوم الفاخرة

وكأنّه في رمسه سيف ثوى

في الغمد مخبوء ليوم الثّائره

وكأنّه كشف الغطاء له فإن

قربت منيّته أفاض محاجره

وغدا بأبيات الرّثا متمثّلا

وحبا بها بعض الصّحاب وسارره (٤)

__________________

(١) انقطاع الدروس.

(٢) الهنا بمعنى التهنئة.

(٣) والعزا بمعنى التعزية.

(٤) من السرّ الّذي أسر به إليه.

١١٦

ونعى بها من قبل ذلك نفسه

أكرم بها يا صاح نفسا طاهره

ولصاحب الكشّاف يعزى نظمها

والعدّ منها أربع متفاخره

وأنا الّذي ضمّنتها مرثيّتي

جهرا وأوّلها بغير مناكره

قرب الرّحيل إلى ديار الآخرة

فاجعل إلهي خير عمري آخره

وارحم مبيتي في القبور ووحدتي

وارحم عظامي حين تبقى ناخره

فأنا المسيكين الّذي أيّامه

ولّت بأوزار غدت متواتره

فلئن رحمت فأنت أكرم راحم

فبحار جودك يا إلهي زاخره

هذا لعمري آخر الأبيات إذ

هي أربع كملت تراها باهره

وأنا أعود إلى رثائي عودة

تجلو لسامعها بغير منافره

قهرتني الأيّام فيه فليتني

في مصر متّ وما رأيت القاهره

هجرتني الأحلام بعدك سيّدي

واحرّ قلب قد رمي بالقاهرة

من شاء بعدك فليمت أنت الّذي

كانت عليك النّفس قدما حاذره

وسهرت مذ صرخ النّعيّ بزجرة

فإذا هم من مقلتي بالسّاهرة

ورزئت فيه فليت أنّي لم أكن

أوليت أنّي قد سكنت مقابره

رزء ، جميع النّاس فيه واحد

طوبى لنفس عند ذلك صابره

يا نوم ، عيني لا تلمّ بمقلتي

فالنّوم لا يأوي لعين ساهره

يا دمع ، واسقي تربه ولو أنّها

بعلومه جرت البحار الزاخرة

يا حبر فارحل ليس قلبي فارغا

سكنته أحزان غدت متكاثره

يا نار شوقي بالفراق تأجّجي

يا أدمعي بالمزن كوني ساجره (١)

يا قبر ، طب قد صرت بيت العلم أو

عينا به إنسان قطب الدائرة

يا موت ، إنّك قد نزلت بذي النّدى

ومذ استضفت حباك نفسا خاطره

يا ربّ فارحمه وسقّ ضريحه

بسحائب من فيض فضلك غامره

يا نفس صبرا فالتّأسّي كائن

بوفاة أعظم شافع في الآخرة

المصطفى زين النّبيّين الّذي

حاز العلا والمعجزات الباهره

صلّى عليه الله ما صال الرّدى

فينا وجرّد للبريّة باتره

وعلى عشيرته الكرام وآله

وعلى صحابته النّجوم الزّاهره

ومنهم الشّهاب أحمد بن محمد بن علي المنصوري صاحب القصيدة الماضية

__________________

(١) وإذا البحار سجّرت (فهي بالجيم وليست بالخاء).

١١٧

ذكرها في المدائح ، فقال يوم وفاة صاحب الترجمة :

الرّجز

قد بكت السّحب على

قاضي القضاة بالمطر

وانهدم الرّكن الّذي

كان مشيدا من حجر

ومنهم الفاضل أبو هريرة عبد الرحمن بن علي بن أحمد بن عثمان بن النقاش الأصم

البسيط:

قفا نبك بالقاموس الغامض الزّجر

والمرسلات بماء الغيث والمطر

مذكّرا لك بالأذكار ذا أسف

على المعاهد والرّوضات والأثر

على ديار إذا صحّ الحديث ولي

في الحسن معتقد والضعف للغير

على رباع خلا درس الحديث بها

والرّبع عاف ومحتاج إلى الحجر

وقل لذي عذل في عبرة سمحت

دعها سماويّة تجري على قدر

وقل لعيني الّتي بالدّمع قد نزحت

يا عين ، جودي ولا تبقي ولا تذري

وابكي بموج وما المقياس يحصره

قاضي القضاة أمير المؤمنين في الأثر

قاضي القضاة أمير المؤمنين سمي

بأحمد بين علي ذي الرّحلة الحجر

أكرم بها مدحة ما حازها أحد

في عصرنا غير نزر قلّ في العصر

وع الكتابة واحفظها وسق سندا

وخلّ عنك سواد الطّرس بالحبر

يا موت ، ذكّرتني موت النّبيّ به

الهاشمي المصطفى المبعوث من مضر

ذكّرتني العمرين (١) الصّاحبين أبا

بكر الصّدّيق مع الفاروق (١) من عمر

يا خنس ها أدمعي مع دمعك ائتلفا

ثمّ اختلفتا بكا في الصّخر والحجر

يا خنس ، لو نظرت عيناك لمّته

وما حوت من فخار العلم والخفر

يا خنس ، لو سمعت أذناك منطقه

من ثغر مبسمه المنظوم بالدّرر

يا خنس ، إنّي عن عين له نظرت

ليس العيان (٢) كما قد قيل كالخبر

يا خنس ، قد قلت في صخر مراثيه

فحوّل الحزن بالإسناد للحجر

مصيبة عمّت الدّنيا بأجمعها

رمي بها زحل بالقوس والوتر

بالبحر والنّهر والبحرين إذ جمعا

أبكيه من عبرة تجري بلا ضجر

__________________

(١) يقال العمرين يعني أبا بكر وعمر.

(٢) العيان (بفتح العين).

١١٨

إن ذكّرتني بوقت صخرها غسقا

أو نكّرتني بوقت الصّيف في السّحر

فكلّ أوقاتي الغرّا مسبّلة

جاها وعلما وما يزرى من البدر

شبّهته جالسا في الدّرس في فئة

هم النّجوم ووجه الشيخ بالقمر

وهم طباق وهم يهدى السّبيل بهم

من حوله أنجم كالأنجم الزّهر

هم الرّجال ولكن شيخهم رجل

رجاله سند في مسند الخبر

ساد الرّجال وكم قد ساد من رجل

يسوقه بعد تحويل من السّطر

يملي الحديث ببيبرس حوى سندا

عال إلى سيّد الكونين والبشر

تالله لو سمعت حذّاق شرعتنا

سوق الأسانيد في إملائه الجهر

ولو رأوا يده في فرع روضته

أو فسّرت آية في محكم السّور

أو ما يوصّله في الدّين معتقدا

أو رتّبت سندا من نخبة الفكر

أو أظهرت حكمة للشّافعيّ خفت

يستخرج الكلّ من خرم من الإبر

أثنوا عليه ومن أضحى يخالفه

بمنزل دحص كقشعم الحجر

أبكي عليه وقد شالوا جنازته

ونقّطت مزنة من نسمة السّحر

أنقى من الثّلج إشراقا وريحتها

أذكى من المسك والنّدا الذكي العطر

وبشّرت برضا الرّحمن خالقه

والحور قد زيّنت بالحلي في السّرر

وعدته قائلا للقلب منه عسى

وهل يفيد عسى مع سابق القدر

يا قلب ، قد كنت تخشى الموت ذا حذر

وليس ذو حذر ينجو من القدر

وأنت للعالم النّقّاش منتسب

وكم معان خفت تأتيك في الصّور

خفت المنون وما قد كنت تحسبه

قد جاء منتقشا كالنّقش في الحجر

إن غاب شخصك يا مولاي عن نظري

وغيّبوا وجهك المحبوب في القبر

في أساريرك الحسناء مشرقة

سبط من الحسنيين الخلق والبشر

يا من مراحمه للخلق واسعة

عمّت نجيّا ومن في دينه الخطر

اجعل على متن هذا القبر سابغة

من لؤلؤ رطب عذب ذكي عطر

والسّامعين ومن يعزى لمذهبهم

تحدو على سنّة الهادي النّبي المضري

وقل لمن سمع الأبيات يسترها

فالله يستره في الورد والصّدر

قدّمتها سلعة مزجا وناظمها

يعدّها خجلا من أعظم الكبر

وأذن بسحب صلاة منك ثمّ رضا

على نبيّ الهدى والبشر والبشر

وآله وجميع الصّحب قاطبة

بهم هدي أمم في البدو والحضر

ما غرّدت ورقه في الأيك آصرة

بزورة المصطفى والبيت والحجر

١١٩

موت الإمام شهاب الدّين قد جزعت

له العلوم وما يروى من الأثر

وقال ربع علوم الشّرع مكتئبا

به درست فما تلقون من أثر

[الكامل] :

إنّ الحياة ذميمة من بعد ما

قبض الإمام العسقلانيّ الشّافعي

يا نفس ، طيبي بالممات وحافظي

أن تلحقي هذا الإمام وتابعي

[المجتث] :

بكت سماء وأرض

عليك يا عسقلاني

لكنّنا نتسلّى

إذ ما سوى الله فاني

[الكامل] :

الجفن قد حاكى السّحاب وناظره

فأعذر إذا فقد المتيّم ناظره

لو أنّ عاذله رأى ما قد رأى

لغدا له بعد الملامة عاذره

يا عاذلي ، دعني فلي حزن على

طول المدى لم يلق يوما آخره

ذاب الفؤاد وقد تقطّع حسرة

أسفا على قاضي القضاة النّادره

أعني شهاب الدّين ذا الفضل الّذي

عن وصفه أفهام مثلي قاصره

العسقلانيّ (١) الّذي كانت إلى

أبوابه تأتي الوفود مهاجره

يا عين ، إنّي ناظم مرثيّة

فيه فكوني للمدامع ناثره

لله أيّاما به ولياليا

سلفت وكانت بالتّواصل زاهره

تالله ، لم يأت الزّمان بمثله

أبدا ولم ير مثله من عاصره

شهدت له كلّ العقول بأنّه

ما مثله هو درّة هي فاخره

دانت لفطنته العلوم فلم تزل

أبدا إليه كلّ وقت سائره

يا أيّها الشعراء ، هذا سوقكم

كانت له تأتي التّجار مبادره

واليوم أغلق بابه فلأجل ذا

أضحت تجارتكم لديكم بائره

كم من حديث قد رواه مسلسلا

ومدبّجا وله معان ظاهره

وكذا غريبا مسندا ومصحّحا

جملا وأخبارا غدت متواتره

إنّي لأعجز أن أعدّ فضائلا

فيه وأعجز أن أعدّ مأثره

كم طالب أقلامه من بعده

جفّت ولم تمسك يداه محابره

__________________

(١) الرفع أولى ويكون خبر المبتدإ محذوف تقديره هو.

١٢٠