الإصابة في تمييز الصحابة - ج ١

أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

الإصابة في تمييز الصحابة - ج ١

المؤلف:

أحمد بن علي بن حجر العسقلاني


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٥٠

٢ ـ كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدعا له ، وهذا يؤخذ منه شيء كثير أيضا وهم من القسم الثّاني.

٣ ـ لم يبق بمكة والطائف أحد في سنة عشر إلا أسلم وشهد حجة الوداع .. ويعرف الواحد منهم بوجود ما يقتضي أنه كان في ذلك الوقت موجودا ، وأن الأنصار لم يكن منهم لما مات النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحد إلا أسلم.

ولذلك فإنه استعان بهذه القواعد في تحديد صحبة الصحابي ، وأشار إلى ذلك كثيرا في تضاعيف كتابه الإصابة ، ونبه إلى صحابة لم يترجم لهم المصنفون السابقون له من قبل.

إن هذه الإضافات أو الاستدراكات تعطي للإصابة ـ مع غيرها ـ صفات الإبداع بلا شك.

١٤١
١٤٢

وصف نسخ الكتاب ومنهج التحقيق

اعتمدنا في نص الكتاب على النسخ الآتية : الأولى : المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (٢٢٩) مصطلح حديث طلعت ، تقع في خمسة أجزاء مسطرتها (٢٩) سطرا ورمزنا لها بالرمز (أ).

الثانية : المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (١٤) مصطلح حديث ، تقع في ثلاثة أجزاء بها ينص في مواضع منها مسطرتها (٣١) سطرا رمزنا لها الرمز (ب).

الثالثة : المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (١٢) مصطلح حديث ، تقع في ثلاثة أجزاء مسطرتها (٣٣) سطرا رمزنا لها بالرمز (ج).

الرابعة : المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (٨٢٢٥) حديث ، مكتوبة بخط واضح ، تقع في ثلاثة أجزاء ورمزنا لها بالرمز (د).

الخامسة : المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (٣١٦) تاريخ تيمور ، مسطرتها (٣٥) سطرا ، تقع في مجلدين رمزنا لها برمز (ت).

السادسة : المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (٣٩٨) تقع في ثلاثة أجزاء ورمزنا لها بالرمز (ع).

السابعة : المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (١٣٥٨) تقع في مجلدين تقع في مجلدين ، رمزنا لها بالرمز (ه).

الثامنة : المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (١١٩١) مسطرتها (٢٥) سطرا مكتوبة بخط مغربي ، الموجود منها جزء واحد ، رمزنا لها بالرمز (م).

التاسعة : المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (٦٤٦) مسطرتها (٣٢) سطرا ، ورمزنا لها بالرمز (ل).

١٤٣

وبعد فقد اعتمدنا أيضا على مطبوعتين :

الأولى : طبعة دار نهضة مصر.

الثانية : طبعة مطبعة السعادة.

وبعد مقابلة النسخ وإثبات فروقها غالبا قمنا بالآتي : ١ ـ عزو الآيات إلى مواضعها.

٢ ـ تخريج الأحاديث ودرنا في ذلك على متن الحديث.

٣ ـ توثيق التراجم.

٤ ـ شرح للمعاني اللغوية بالرجوع إلى مصادر اللغة.

٥ ـ توثيق الأشعار مع ذكر بحر كل بيت.

٦ ـ الضبط الكامل للأحاديث والأشعار.

٧ ـ الكلام على البلدان المذكورة في النص.

٨ ـ وضع فهارس عامة للكتاب.

هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

١٤٤

١٤٥

١٤٦

١٤٧

١٤٨

١٤٩
١٥٠

١٥١
١٥٢

مقدمة

[قال شيخنا الإمام شيخ الإسلام ، ملك العلماء الأعلام ، حافظ العصر وممليه ، وحامل لواء السنّة فيه ، إمام المعدلين والمخرجين : أبو الفضل شهاب الدّين أحمد بن عليّ ابن محمّد بن محمّد بن عليّ بن أحمد بن حجر العسقلانيّ الشّافعيّ. أبقاه الله (١) في خير وعافية] (٢).

الحمد لله الّذي أحصى كلّ شيء عددا ، ورفع بعض خلقه على بعض ، فكانوا طرائق قددا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، ولم يكن له شريك في الملك ولا يكون أبدا ، وأشهد أن (٣) محمدا عبده ورسوله وصفيّه (٤) وخليله. أكرم به عبدا سيّدا ، وأعظم به حبيبا مؤيدا ، فما أزكاه أصلا ومحتدا ، وأطهره مضجعا ومولدا ، وأكرمه أصحابا ، كانوا نجوم الاهتداء ، وأئمة الاقتداء ، صلى الله عليه وعليهم صلاة خالدة (٥) ، وسلاما مؤبّدا [وسلّم تسليما] (٦).

أما بعد ، فإن من أشرف العلوم الدينية علم الحديث النبويّ ، ومن أجلّ معارفه تمييز أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ممن خلف بعدهم.

وقد جمع في ذلك جمع من الحفاظ تصانيف (٧) بحسب ما وصل إليه اطلاع كل منهم ، فأول من عرفته صنف في ذلك أبو عبد الله البخاريّ : أفرد في ذلك تصنيفا ، ينقل منه أبو القاسم البغويّ وغيره ، وجمع أسماء الصحابة مضموما إلى من بعدهم جماعة من طبقة مشايخه ، كخليفة بن خيّاط ، ومحمّد بن سعد ، ومن قرنائه كيعقوب بن سفيان ، وأبي بكر ابن أبي (٨) خيثمة ، وصنف في ذلك جمع بعدهم كأبي القاسم البغويّ ، وأبي بكر بن أبي

__________________

(١) في د تعالى.

(٢) ما بين المعقوفين سقط في أ ، ج ، ت ، ه.

(٣) في ت سيدنا.

(٤) في أ ، د وحبيبه.

(٥) سقط في ه.

(٦) سقط في أ ، ب ، ج ، ه.

(٧) في د في تصانيف.

(٨) سقط في أ ، د.

١٥٣

داود ، وعبدان ، ومن قبلهم بقليل كمطين ، ثم كأبي عليّ بن السّكن ، وأبي حفص بن شاهين ، وأبي منصور الماورديّ ، وأبي حاتم بن حبّان ، وكالطّبرانيّ ضمن معجمه الكبير ، ثم كأبي عبد الله بن مندة ، وأبي نعيم ، ثم كأبي عمر بن عبد البرّ ، وسمّى كتابه «الاستيعاب» ، لظنه أنه استوعب ما في كتب من قبله ، ومع ذلك ففاته شيء كثير ، فذيّل عليه أبو بكر بن فتحون ذيلا حافلا ، وذيل عليه جماعة في تصانيف لطيفة ، وذيل أبو موسى المديني على ابن مندة ذيلا كبيرا.

وفي أعصار هؤلاء خلائق يتعسّر حصرهم ممن صنف في ذلك أيضا إلى أن كان في أوائل القرن السابع ، فجمع عزّ الدّين بن الأثير كتابا حافلا سماه «أسد الغابة» جمع فيه كثيرا من التصانيف المتقدمة ، إلا أنه تبع من قبله ، فخلط من ليس صحابيا بهم ، وأغفل كثيرا من التنبيه على كثير من الأوهام الواقعة في كتبهم ، ثم جرّد الأسماء التي في كتابه مع زيادات عليها الحافظ أبو عبد الله الذّهبيّ ، وعلم لمن ذكر غلطا (١) ولمن لا تصح صحبته ، ولم يستوعب ذلك ولا قارب.

وقد وقع لي بالتّتبّع كثير من الأسماء التي ليست في كتابه ولا أصله على شرطهما ، فجمعت كتابا كبيرا في ذلك ميزت فيه الصحابة من غيرهم ، ومع ذلك فلم يحصل لنا [من ذلك] (٢) جميعا الوقوف (٣) على العشر من أسامي الصحابة بالنسبة إلى ما جاء عن أبي زرعة الرّازيّ ، قال : توفي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة ، كلهم قد روى عنه سماعا أو رؤية.

قال ابن فتحون في ذيل «الاستيعاب» ـ بعد أن ذكر ذلك : أجاب أبو زرعة بهذا سؤال من سأله عن الرّواة خاصة ، فكيف بغيرهم؟ ومع هذا فجميع من [في الاستيعاب يعني ممن (٤) ذكر فيه] (٥) باسم أو كنية (٦) ، وهما ثلاثة آلاف وخمسمائة ، وذكر أنه استدرك عليه على شرطه قريبا ممن ذكره.

قلت : وقرأت بخط الحافظ الذهبي من ظهر كتابه «التجريد» : لعل الجميع ثمانية آلاف إن لم يزيدوا لم ينقصوا ، ثم رأيت بخطه أنّ جميع من [في «أسد الغابة» سبعة آلاف] (٧) وخمسمائة [وأربعة وخمسون نفسا] (٨).

__________________

(١) في د غلط.

(٢) سقط في ج.

(٣) في ج من له الوقوف.

(٤) في ج بمن.

(٥) ما بين المعقوفين بياض في ت.

(٦) في أكنيته.

(٧) ما بين المعقوفين بياض في ت.

(٨) سقط في أ ، د.

١٥٤

ومما يؤيد قول أبي زرعة ما ثبت في [الصحيحين عن كعب بن مالك في قصة] (١) تبوك : والناس كثير لا يحصيهم ديوان.

وثبت عن الثّوريّ فيما [أخرجه الخطيب بسنده الصحيح إليه (٢) ، قال :] (٣) من قدّم عليا على عثمان فقد أزرى على اثني عشر ألفا [مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو عنهم راض ،] (٤) فقال النووي : وذلك بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم باثني عشر عاما بعد أن مات في خلافة أبي بكر في الردّة والفتوح ـ الكثير ممن لم يضبط أسماؤهم ، ثم مات في خلافة عمر في الفتوح وفي الطاعون العام وعمواس وغير ذلك من لا يحصى كثرة.

وسبب خفاء أسمائهم أن أكثرهم أعراب ، وأكثرهم حضروا حجّة الوداع. والله أعلم.

وقد كثر سؤال جماعة من الإخوان في تبييضه ، فاستخرت الله تعالى في ذلك ، ورتبته على أربعة أقسام في كل حرف منه : فالقسم الأول ـ فيمن وردت صحبته بطريق الرواية عنه ، أو عن غيره ، سواء كانت الطريق صحيحة ، أو حسنة ، أو ضعيفة ، أو وقع ذكره بما يدل على الصحبة بأي طريق كان.

وقد كنت أولا رتبت هذا القسم الواحد على ثلاثة أقسام ، ثم بدا لي أن أجعله (٥) قسما واحدا ، وأميّز ذلك في كل ترجمة.

القسم الثاني : من ذكر في الصحابة من الأطفال الذين ولدوا في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لبعض الصحابة (٦) من النساء والرجال ، ممن مات صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو في دون سن التمييز ، إذ ذكر أولئك في الصحابة إنما هو على سبيل الإلحاق ، لغلبة الظنّ على أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم رآهم لتوفّر (٧) دواعي أصحابه على إحضارهم أولادهم عنده عند ولادتهم ليحنّكهم ويسمّيهم ويبرّك عليهم ، والأخبار بذلك كثيرة شهيرة : ففي صحيح مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم «كان يؤتى بالصبيان فيبرّك عليهم» (٨).

__________________

(١) بياض في ت.

(٢) سقط في ج.

(٣) بياض في ت.

(٤) بياض في ت.

(٥) في ج أجمعه.

(٦) في د أصحابه.

(٧) في أ ، د لتوفير.

(٨) أخره مسلم في الصحيح ١ / ٢٣٧ عن عائشة كتاب الطهارة (٢) باب حكم بول للطفل الرضيع وكيفية ـ

١٥٥

وأخرجه الحاكم في كتاب «الفتن» (١) في المستدرك عن عبد الرحمن بن عوف قال : ما كان يولد لأحد مولود إلا أتي به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعا له ـ الحديث. وأخرج ابن شاهين (٢) في كتاب الصحابة في ترجمة محمد بن طلحة بن عبد الله من طريق محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة (٣) عن ظئر محمد بن طلحة ، قال : لما ولد محمد بن طلحة أتيت به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليحنّكه ويدعو له ، وكذلك كان يفعل بالصبيان (٤) ، لكن أحاديث هؤلاء عنه من قبيل المراسيل عند المحققين من أهل العلم بالحديث ، ولذلك أفردتهم عن أهل القسم الأول.

القسم الثالث ـ فيمن ذكر في الكتب المذكورة من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ، ولم يرد في خبر قط أنهم اجتمعوا بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا رأوه ، سواء أسلموا في حياته أم لا ، وهؤلاء ليسوا أصحابه باتفاق من أهل العلم بالحديث ، وإن كان بعضهم قد ذكر بعضهم في كتب معرفة الصحابة فقد أفصحوا بأنهم لم يذكروهم إلا بمقاربتهم لتلك الطبقة ، لا أنهم من أهلها.

وممن أفصح بذلك ابن عبد البرّ ، وقبله أبو حفص بن شاهين ، فاعتذر عن إخراجه ترجمة النجاشي بأنه صدق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حياته وغير ذلك ، ولو كان من هذا (٥) سبيله يدخل عنده في الصحابة ما احتاج إلى اعتذار.

وغلط من جزم في نقله عن ابن عبد البر بأنه يقول بأنهم صحابة ، بل مراد ابن عبد البر بذكرهم واضح في مقدمة كتابه بنحو مما (٦) قررناه ، وأحاديث هؤلاء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرسلة بالاتفاق بين أهل العلم بالحديث ، وقد صرح ابن عبد البر نفسه بذلك في التمهيد وغيره من كتبه.

القسم الرابع ـ فيمن ذكر في الكتب المذكورة على سبيل الوهم والغلط ، وبيان ذلك

__________________

ـ غسله (٣١) حديث رقم (١٠١ / ٢٨٦) وابن أبي شيبة في المصنف ٧ / ٣٧٨ ، والتبريزي في مشكاة المصابيح حديث رقم ٤١٥٠.

(١) في ج ، د من.

(٢) في أ ، د وروينا.

(٣) في ج الطلحة.

(٤) أورده الهيثمي في الزوائد ٨ / ٥٢ عن ظئر محمد بن طلحة وقال رواه الطبراني وفيه إبراهيم بن عثمان أبو شيبة وهو متروك.

(٥) في ج من كان هذا.

(٦) في د ما.

١٥٦

البيان الظاهر الّذي يعوّل عليه على طرائق أهل الحديث ، ولم أذكر فيه إلا ما كان الوهم فيه بيّنا. وأما مع احتمال عدم الوهم فلا ، إلّا أن كان ذلك الاحتمال يغلب على الظن بطلانه.

وهذا القسم الرابع لا أعلم من سبقني إليه ، ولا من حام طائر فكره عليه ، وهو الضالة المطلوبة في هذا الباب الزاهر ، وزبدة ما يمخضه [من هذا] (١) الفن اللبيب الماهر.

والله تعالى أسأل أن يعين على إكماله ، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم ، ويجازيني به خير الجزاء في دار إفضاله ، إنه قريب مجيب.

وقبل الشروع في الأقسام المذكورة أذكر فصولا مهمّة يحتاج إليها في هذا النوع.

__________________

(١) سقط في ج.

١٥٧

الفصل الأول

في تعريف الصحابي

وأصحّ ما وقفت عليه من ذلك [أن] (١) الصحابيّ : من لقي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مؤمنا به ، ومات على الإسلام ، فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت ، ومن روى عنه أو لم يرو ، ومن غزا معه أو لم يغز ، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه ، ومن لم يره لعارض كالعمى.

ويخرج بقيد «الإيمان» من لقيه كافرا ولو أسلم بعد ذلك إذا لم يجتمع به مرة أخرى.

وقولنا : «به» يخرج من لقيه مؤمنا بغيره ، كمن لقيه من مؤمني أهل الكتاب قبل البعثة. وهل يدخل من لقيه منهم وآمن بأنه سيبعث أو لا يدخل؟ محلّ احتمال. ومن هؤلاء بحيرا الراهب ونظراؤه.

ويدخل في قولنا : «مؤمنا به» كلّ مكلف من الجن والإنس ، فحينئذ يتعيّن ذكر من حفظ ذكره من الجن الذين آمنوا به بالشرط المذكور. وأما إنكار ابن الأثير على أبي موسى تخريجه لبعض الجن الذين عرفوا في كتاب الصحابة فليس بمنكر لما ذكرته.

وقد قال ابن حزم في «كتاب الأقضية» من «المحلّى» : من ادّعى الإجماع فقد كذب على الأمة ، فإن الله تعالى قد أعلمنا أن نفرا من الجن آمنوا وسمعوا القرآن من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهم صحابة فضلاء ، فمن أين للمدّعي إجماع أولئك؟.

وهذا الّذي ذكره في مسألة الإجماع لا نوافقه عليه ، وإنما أردت نقل (٢) كلامه في كونهم صحابة.

وهل تدخل الملائكة؟ محلّ نظر ، قد قال بعضهم : إن ذلك يبنى على أنه هل كان مبعوثا إليهم أم لا؟ وقد نقل الإمام فخر الدين في أسرار التنزيل الإجماع على أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن مرسلا إلى الملائكة ، ونوزع في هذا النقل ، بل رجح الشيخ تقي الدين السبكي أنه كان مرسلا إليهم. واحتج بأشياء يطول شرحها. وفي صحة بناء هذه المسألة على هذا الأصل نظر لا يخفى.

وخرج بقولنا : «ومات على الإسلام» من لقيه مؤمنا به ثم ارتدّ ، ومات على ردّته

__________________

(١) سقط في د.

(٢) في د نقل.

١٥٨

والعياذ بالله. وقد وجد من ذلك عدد يسير ، كعبيد الله بن جحش الّذي كان زوج أم حبيبة ، فإنه أسلم معها ، وهاجر إلى الحبشة ، فتنصّر هو ومات على نصرانيته. وكعبد الله بن خطل الّذي قتل وهو متعلّق بأستار الكعبة ، وكربيعة بن أميّة بن خلف على ما سأشرح خبره في ترجمته في القسم الرابع من حرف الراء.

ويدخل فيه من ارتدّ وعاد إلى الإسلام قبل أن يموت ، سواء اجتمع به صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرة أخرى أم لا ، وهذا هو الصحيح المعتمد.

والشقّ الأول لا خلاف في دخوله. وأبدى بعضهم في الشق الثاني احتمالا ، وهو مردود لإطباق أهل الحديث على عدّ الأشعث بن قيس في الصحابة ، وعلى تخريج أحاديثه في الصحاح والمسانيد ، وهو ممن ارتدّ ثم عاد إلى الإسلام في خلافة أبي بكر.

وهذا التعريف مبنيّ على الأصح المختار عند المحققين ، كالبخاري ، وشيخه أحمد ابن حنبل ، ومن تبعهما ، ووراء ذلك أقوال أخرى شاذّة ، كقول من قال : لا يعدّ صحابيا إلّا من وصف بأحد أوصاف أربعة : من طالت مجالسته ، أو حفظت روايته ، أو ضبط أنه غزا معه ، أو استشهد بين يديه ، وكذا من اشترط في صحة الصحبة بلوغ الحلم ، أو المجالسة ولو قصرت.

وأطلق جماعة أنّ من رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم [فهو صحابي. وهو محمول على من بلغ سنّ التمييز ، إذ من لم يميز لا تصحّ نسبة الرؤية إليه. نعم يصدق أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم رآه فيكون صحابيا من هذه الحيثية ، ومن حيث الرواية يكون تابعيا ، وهل يدخل من رآه ميتا قبل أن يدفن كما وقع ذلك لأبي ذؤيب الهذلي الشاعر؟ إن صح محل نظر. والراجح عدم الدخول. ومما جاء عن الأئمة من الأقوال (١) المجملة في الصفة التي يعرف بها كون الرجل صحابيا وإن لم يرد التنصيص على ذلك ـ ما أورده ابن أبي شيبة في «مصنّفه» من طريق لا بأس به ، أنهم كانوا في الفتوح لا يؤمّرون إلا الصحابة. وقول ابن عبد البر : لم يبق بمكة (٢) ، ولا الطائف (٣) أحد

__________________

(١) في أ ، د الأفعال.

(٢) مكة : علم على جميع البلدة وهي البلدة المعروفة المعظمة المحجوجة غير مصروفة للعلمية والتأنيث وقد سماها الله تعالى في القرآن أربعة أسماء مكة ، والبلدة ، والقرية ، وأم القرى قال ابن سيده : سميت مكة لقلة مائها وذلك أنهم كانوا يمكون الماء فيها أي يستخرجونه وقيل : لأنها كانت تمك من ظلم فيها أي تهلكه وأما بكة بالباء ففيها أربعة أقوال. أحدها : أنهم اسم لبقعة البيت والثاني : أنها ما حول البيت ومكة ما وراء ذلك والثالث أنها اسم للمسجد والبيت ومكة للحرم كله والرابع : أن مكة هي بكة قاله الضحاك واحتج بأن الباء والميم يتعاقبان يقال سمد رأسه وسبده وضربه لازم ولازب. انظر : المطلع / ١٨٦ ، ١٨٧.

(٣) الطائف : بعد الألف همزة مكسورة ثم فاء : كانت تسمّى قديما وج وسميت الطائف لما أطيف عليها ـ

١٥٩

في سنة عشر إلا أسلم ، وشهد مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حجّة الوداع. ومثل ذلك قول بعضهم في الأوس والخزرج : إنه لم يبق منهم في آخر عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلّا من دخل في الإسلام ، وما مات النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأحد منهم يظهر الكفر. والله أعلم.

الفصل الثاني

في الطريق إلى معرفة كون الشخص صحابيا

وذلك بأشياء : أولها أن يثبت بطريق التواتر أنه صحابي ، ثم بالاستفاضة والشهرة ، ثم بأن يروى عن آحاد (١) من الصحابة أن فلانا له صحبة مثلا ، وكذا عن آحاد التابعين ، بناء على قبول التزكية من واحد ، وهو الراجح ثم بأن يقول هو إذا كان ثابت العدالة والمعاصرة : أنا صحابي.

أما الشرط الأول ـ وهو العدالة ـ فجزم به الآمديّ وغيره ، لأن قوله قبل أن تثبت عدالته: أنا صحابي أو ما يقوم مقام ذلك ـ يلزم من قبول قوله إثبات عدالته ، لأن الصحابة كلهم عدول ، فيصير (٢) بمنزلة قول القائل : أنا عدل ، وذلك لا يقبل.

وأما الشرط الثاني ـ وهو المعاصرة ـ فيعتبر بمضيّ مائة سنة وعشر سنين من هجرة (٣) النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في آخر عمره لأصحابه : «أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإنّ على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممّن هو اليوم عليها أحد». رواه البخاريّ ، ومسلم من حديث ابن عمر.زاد مسلم من حديث جابر أن ذلك كان قبل موته صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشهر. ولفظه : سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول قبل أن يموت بشهر : «أقسم بالله ، ما على الأرض من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة وهي حيّة يؤمئذ» (٤).

__________________

ـ الحائط وهي ناحية ذات نخيل وأعناب ومزارع وأودية وهي على ظهر جبل غزوان وبها عقبة مسيرة يوم للطالع من مكة ونصف يوم للهابط إلى مكة يمشي فيها ثلاثة أجمال بأحمالها. انظر : مراصد الاطلاع ٢ / ٨٧٧.

(١) في د آحاد الصحابة.

(٢) في أ ، د فيكون.

(٣) في أ ، وفاة.

(٤) أخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ١٩٦٦ عن جابر بلفظ متقارب كتاب فضائل الصحابة (٤٤) باب قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم حديث رقم (٢١٧ / ٢٥٣٧ ، ٢١٨ / ٢٥٣٨ ، ٢١٩ / ٢٥٣٩ ، ٢٢٠ / ٢٥٣٩) وأخرجه الحاكم في المستدرك ٤ / ٤٩٩ عن جابر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ما من ـ

١٦٠