كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٣

تقي الدين احمد بن علي المقريزي

كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٣

المؤلف:

تقي الدين احمد بن علي المقريزي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

درب النميريّ : عرف بالأمير سيف المجاهدين محمد بن النميريّ أحد أمراء الخليفة الحافظ لدين الله ، ووليّ عسقلان في سنة ست وثلاثين وخمسمائة ، وكانت ولايتها أكبر من ولاية دمشق ، وهذا الدرب كان ينفذ إلى درب راشد وهو الآن غير نافذ ، وفي داخله درب يعرف بأولاد الداية طاهر وقاسم الأفضلين أحد أتباع الأفضل بن أمير الجيوش ، وعرف الآن بدرب الطفل ، وهو من جملة خطة قصر الشوك ، فإنه قبالة باب قصر الشوك وبينهما سوقة رحبة الأيدمري.

درب قراصيا : هذا الدرب من جملة الدروب القديمة ، وكان تجاه باب قصر الزمرّد الذي في مكانه اليوم المدرسة الحجازية ، وهذا الدرب اليوم من جملة خطة رحبة باب العيد بجوار سجن الرحبة وقد هدمه الأمير جمال الدين يوسف الأستادار ، وهدم كثيرا من دوره وعملها وكالة فمات ولم تكمل ، وهي إلى الآن بغير تكملة ، ثم كمله الملك المؤيد شيخ وجعله وقفا على جامعه وهو إلى الآن خان عامر.

درب السلامي : هذا الدرب من جملة خط رحبة باب العيد وفيه إلى اليوم أحد أبواب القصر المسمى بباب العيد ، والعامّة تسميه القاهرة ، وهذا الدرب يسلك منه إلى خط قصر الشوك وإلى المارستان العتيق الصلاحي وإلى دار الضرب وغير ذلك.

عرف بخواجا مجد الدين السلامي : إسماعيل بن محمد بن ياقوت الخواجا مجد الدين السلامي تاجر الخاص في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون ، وكان يدخل إلى بلاد الططر ويتجر ويعود بالرقيق وغيره ، واجتهد مع جويان إلى أن اتفق الصلح بين الملك الناصر وبين القان أبي سعيد ، فانتظم ذلك بسفارته وحسن سعيه فازدادت وجاهته عند الملكين ، وكان الملك الناصر يسفره ويقرّر معه أمورا فيتوجه ويقضيها على وفق مراده بزيادات ، فأحبه وقرّبه ورتب له الرواتب الوافرة ، في كل يوم من الدراهم واللحم والعليق والسكر والحلواء والكماج والرقاق مما يبلغ في اليوم مائة وخمسين درهما ، عنها يومئذ ثمانية مثاقيل من الذهب ، وأعطاه قرية أراك ببعلبك ، وأعطى مماليكه إقطاعات في الحلقة ، وكان يتوجه إلى الأردن ويقيم فيه الثلاث سنين والأربع والبريد لا ينقطع عنه ، وتجهّز إليه التحف والأقمشة ليفرّقها على من يراه من خواص أبي سعيد وأعيان الأردن ، ثقة بمعرفته ودرايته ، وكان النشو (١) ناظر الخاص لا يفارقه ولا يصبر عنه ، ومن أملاكه ببلاد المشرق السلامية والمأخوذة والمراوزة والمناصف ، ولما مات الملك الناصر قلاوون تغير عليه الأمير قوصون وأخذ منه مبلغا يسيرا ، وكان ذا عقل وافر وفكر مصيب وخبرة بأخلاق الملوك وما يليق بخواطرها ودراسة بما يتحفها به من الرقيق والجواهر ، ونطق سعيد وخلق رضيّ وشكالة

__________________

(١) النشو ناظر : يولّى من السلطان بتوقيع شريف لمعرفة الأسماء المسجلين في الديوان كل عام. صبح الأعشى ج ٣ / ٥٣٠.

٨١

حسنة وطلعة بهية ، ومات في داره من درب السلاميّ هذا يوم الأربعاء سابع جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة ، ودفن بتربته خارج باب النصر ، ومولده في سنة إحدى وسبعين وستمائة بالسلّاميّة ، بلدة من أعمال الموصل على يوم منها بالجانب الشرقيّ ، وهي بفتح السين المهملة وتشديد اللام وبعد الميم ياء مثناة من تحت مشدّدة ثم تاء التأنيث.

درب خاص ترك : هذا الدرب برحبة باب العيد عرف بالأمير الكبير ركن الدين بيبرس المعروف بخاص الترك الكبير ، أحد الأمراء الصالحية النجمية ، أو بالأمير عز الدين أيبك ، المعروف بخاص الترك الصغير ، سلاح دار الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري.

درب شاطي : هذا الدرب يتوصل منه إلى قصر الشوك ، عرف بالأمير شرف الدين شاطي ، السلاح دار في أيام الملك المنصور قلاوون ، وكان أميرا كبيرا مقدّما بالديار المصرية ، وأخرجه الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى الشام فأقام بدمشق ، وكانت له حرمة وافرة وديانة وفيه خير ، ومات بها في الحادي والعشرين من شعبان سنة اثنين وثلاثين وسبعمائة.

درب الرشيدي : هذا الدرب مقابل باب الجوانية عرف بالأمير عز الدين أيدمر الرشيدي ، مملوك الأمير بلبان الرشيدي ، خوش داش (١) الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري وولي الأمير ايدمر هذا ، استدارا لأستاذه بلبان ، ثم ولي استدارا للأمير سلار ، ومات في تاسع عشر شوّال سنة ثمان وسبعمائة ، وكان سكنه في هذا الدرب وكان عاقلا ذا ثروة وجاه ، وكان في القديم موضع هذا الدرب براحا قدّام الحجر.

درب الفريحية : هذا الدرب على يمنة من خرج من الجملون الصغير طالبا درب الرشيدي المذكور ، وهو من الدروب التي كانت في أيام الخلفاء.

درب الأصفر : هذا الدرب تجاه خانقاه الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير ، وموضع هذا الدرب هو المنحر الذي تقدّم ذكره.

درب الطاوس : هذا الدرب في الحدرة التي عند باب سرّ المارستان المنصوري على يمنة من ابتدا الخروج منه ، وكان موضعه بجوار باب الساباط أحد أبواب القصر الصغير ، وقد تقدّم ذكره ، ودرب الطاوس أيضا بالقرب من درب العدّاس فيما بين باب الخوخة والوزيرية.

درب ماينجار : هذا الدرب بجوار جامع أمير حسين من حكر جوهر النوبي خارج القاهرة ، عرف بالأمير ما ينجار الروميّ الواقديّ أيام الملك الظاهر بيبرس ، وقد خربت تلك

__________________

(١) خوش داش : هو الشريك في السيّد ، تطلق على المملوك ينشأ مع مملوك غيره في خدمة سيّد واحد مشترك. انظر ٤ / ٧ النجوم الزاهرة.

٨٢

الديار في سلطنة الملك المؤيد شيخ.

درب كوسا : هو الآن يسلك فيه على شاطىء الخليج الكبير من قنطرة الأمير حسين إلى قنطرة الموسكي ، عرف بحسام الدين كوسا أحد مقدّمي الخلفاء في أيام الملك المنصور قلاوون ، مات بعد سنة ثلاث وثمانين وستمائة ، وهذا الموضع تجاه دار الذهب التي تعرف اليوم بدار الأمير حسين الططريّ السلاح دار الناصريّ ، وقد خربت أيضا.

درب الجاكي : هذا الدرب بالحكر عرف بالأمير شرف الدين إبراهيم بن عليّ بن الجنيد الجاكي المهمندار (١) المنصوري ، وقد دثر في أيام المؤيد على يد الأمير فخر الدين عبد الغني بن أبي الفرج الاستادار ، لما خرب ما هناك.

درب الحرامي : بالحكر ، عرف بسعد الدين حسين بن عمر بن محمد الحرامي وابنه محيي الدين يوسف ، وكانا من أجناد الحلقة.

درب الزراق : بالحكر ، عرف بالأمير عز الدين أيدمر الزراق ، أحد الأمراء ، ولّاه الملك الصالح إسماعيل بن محمد بن قلاوون نيابة غزة في سنة خمس وأربعين وسبعمائة ، فأقام بها مدّة ثم استعفى بعد موت الملك الصالح وعاد إلى القاهرة ، ثم توجه إلى دمشق للحوطة على موجود الخاصكية يلبغا اليحياوي في الأيام المظفرية وعاد فلما ركب العسكر على المظفر لم يكن معه سوى الزراق واق سنقر وأيدمر الشمسي فنقم الخاصكية عليهم ذلك وأخرجوهم إلى الشام ، فوصلوا إليها في أوّل شوّال سنة ثمان وأربعين ، فأقام الزراق بدمشق ، ثم ورد مرسوم السلطان حسن بتوجيههم إلى حلب فتوجه إليها على إقطاع وبها مات ، وكان ديّنا ليّنا فيه خير ، وكان هذا الدرب عامرا وفيه دار الزراق الدار العظيمة ، وقد خرب هذا الدرب وما حوله منذ كانت الحوادث في سنة ست وثمانمائة ثم نقضت الدار في أيام المؤيد شيخ ، على يد ابن أبي الفرج.

زقاق طريف : بالطاء المهملة ، هذا الزقاق من أزقة البرقية ، عرف بالأمير فخر الدين طريف بن بكتوت ، وكان يعرف بزقاق منار بن ميمون بن منار ، توفي في ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة.

زقاق منعم : بحارة الديلم ، كان يعرف بمساطب الديلم والأتراك ، ثم عرف بالأمير منعم الدولة باتكين بالبوسحاقي ، ثم عرف بزقاق جمال الدولة ، ثم بزقاق الجلاطي ، ثم بزقاق الصهرجتي ، وهو القاضي المنتخب ثقة الدولة أبو الفضل محمد بن الحسين بن هبة الله بن وهيب الصهرجتي ، وكان حيّا في سنة ستين وخمسمائة.

__________________

(١) المهمندار : هو الذي يقوم بلقاء الرسل الواردين على السلطان النجوم الزاهرة ج ٧ ص ١٥.

٨٣

زقاق الحمام : بحارة الديلم ، عرف قديما بخوخة المنقدي ، ثم عرف بخوخة سيف الدين حسين بن أبي الهيجاء ، صهر بني رزبك ، ثم عرف بزقاق حمام الرصاصي ، ثم عرف بزقاق المزار.

زقاق الحرون : بحارة الديلم ، عرف بالأمير الأوحد سلطان الجيوش زري الحرون ، رفيق العادل بن السلاروز مصر في أيام الخليفة الظافر بأمر الله ، ثم عرف بابن مسافر عين القضاة ، ثم عرف بزقاق القبة.

زقاق الغراب : بالجودرية ، كان يعرف بزقاق أبي العز ، ثم عرف بزقاق ابن أبي الحسن العقيلي ، ثم قيل له زقاق الغراب ، نسبة إلى أبي عبد الله محمد بن رضوان الملقب بغراب.

زقاق عامر : بالوزيرية ، عرف بعامر القماح في حارة الأقانصة.

زقاق فرج : بالجيم ، من جملة أزقة درب ملوخيا ، عرف بفرج مهتار الطشتخاناه (١) للملك المنصور قلاوون ، كان حيّا في سنة ثلاث وثمانين وستمائة.

زقاق حدرة : الزاهدي بحارة برجوان ، عرفت بالأمير ركن الدين بيبرس الزاهدي الرمّاح الأحدب ، أحد الأمراء وممن له عدّة غزوات في الفرنج ، ولما تمالأ الأمراء على الملك السعيد ابن الظاهر وسبقهم إلى القلعة كان قدّامه بيبرس الزاهدي هذا ، فسقط عن فرسه وخرجت له حدبة في ظهره ، ومات في سنة ثلاث وتسعين وستمائة وكان مكان هذه الحدرة إخصاصا ، وهي الآن مساكن بينها زقاق يسلك فيه من رأس الحارة إلى رحبة الأفيال.

ذكر الخوخ (٢)

والقصد إيراد ما هو مشهور من الخوخ ، أو لذكره فائدة ، وإلّا فالخوخ والدروب والأزقة كثيرة جدا.

الخوخ السبع : كانت سبع خوخ فيما يقال متصلة باصطبل الطارمة ، يتوصل منها الخلفاء إذا أرادوا الجامع الأزهر ، فيخرجون من باب الديلم الذي هو اليوم باب المشهد الحسينيّ إلى الخوخ ، ويعبرون منها إلى الجامع الأزهر ، فإنه كان حينئذ فيما بين الخوخ

__________________

(١) مهتار الطشتخاناه : المهتار : لقب يطلق على كبير كل طائفة من غلمان البيوت ، كمهتار الشراب خاناه ومهتار الركب خاناه. والطشت خاناه : معناه بيت الطشت وكان فيها ثياب السلطان المفصلة والتي لا بد لها من الغسل. النجوم الزاهرة ج ٩ ص ٣٩.

(٢) الخوخة : كوّة في الجدار ، مختار الصحاح.

٨٤

والجامع رحبة ، كما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى ، وكان هذا الخط يعرف أوّلا بخوخة الأمير عقيل ، ولم يكن فيه مساكن ، ثم عرف بعد انقضاء دولة الفاطميين بخط الخوخ السبع ، وليس لهذه الخوخ اليوم أثر البتة ، ويعرف اليوم بالأبارين.

باب الخوخة : هو أحد أبواب القاهرة مما يلي الخليج في حدّ القاهرة البحري ، يسلك إليه من سويقة الصاحب ومن سويقة المسعوديّ ، وكان هذا الباب يعرف أوّلا بخوخة ميمون دبه ، ويخرج منه إلى الخليج الكبير. وميمون دبه يكنّى بأبي سعيد ، أحد خدام العزيز بالله ، كان خصيا.

خوخة ايدغمش : هذه الخوخة في حكم أبواب القاهرة ، يخرج منها إلى ظاهر القاهرة عند غلق الأبواب في الليل وأوقات الفتن إذا غلقت الأبواب ، فينتهي الخارج منها إلى الدرب الأحمر واليانسية ، ويسلك من هناك إلى باب زويلة ، ويصار إليها من داخل القاهرة إما من سوق الرقيق أو من حارة الروم من درب أرقطاي ، وهذه الخوخة بجوار حمّام أيدغمش. وهو ايدغمش الناصري ، الأمير علاء الدين ، أصله من مماليك الأمير سيف الدولة بلبان الصالحيّ ، ثم صار إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون ، فلما قدم من الكرك جعله أمير أخور (١) عوضا عن الأمير بيبرس الحاجب ، ولم يزل حتى مات الملك الناصر فقام مع قوصون ووافقه على خلع الملك المنصور أبي بكر بن الملك الناصر ، ثم لما هرب الطنبغا الفخري اتفق الأمراء مع أدغمش على الأمير قوصون فوافقهم على محاربته ، وقبض على قوصون وجماعته وجهزهم إلى الاسكندرية ، وجهز من أمسك الطنبغا ومن معه وأرسلهم أيضا إلى الإسكندرية ، وصار ايدغمش في هذه النوبة هو المشار إليه في الحلّ والعقد ، فأرسل ابنه في جماعة من الأمراء والمشايخ إلى الكرك بسبب إحضار أحمد بن الملك الناصر محمد ، فلما حضر أحمد من الكرك وتلقب بالملك الناصر واستقرّ أمره بمصر أخرج إيدغمش نائبا بحلب ، فسار إلى عين جالوت (٢) ، وإذا بالفخري قد صار إليه مستجيرا به ، فآمنه وأنزله في خيمة ، فلما ألقى عنه سلاحه واطمأنّ قبض عليه وجهز إلى الملك الناصر أحمر ، وتوجه إلى حلب فأقام بها إلى أن استقرّ الملك الصالح إسماعيل بن محمد في السلطنة ، نقله عن نيابة حلب إلى نيابة دمشق ، فدخلها في يوم العشرين من صفر سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة ، وما زال بها إلى يوم الثلاثا ثالث جمادى الآخرة منها. فعاد من مطعم طيوره وجلس بدار السعادة حتى انقضت الخدمة ، وأكل الطاري وتحدّث ، ثم دخل إلى داره فإذا جواريه يختصمن ، فضرب واحدة منهنّ ضربتين وشرع في الضربة الثالثة فسقط ميتا ، ودفن من الغد في تربته خارج ميدان الحصى ظاهر دمشق ، وكان جوادا كريما ، وله مكانة عند الملك الناصر الكبير بحيث أنّه أمّر أولاده الثلاثة ، وكان قد بعث الملك الصالح بالقبض

__________________

(١) أمير خور : أي أمير العلف. وهو المتولي لأوامر دواب السلطان. النجوم الزاهرة ج ٧ ص ١٦٤.

(٢) عين جالوت : بليدة لطيفة بين بيسان ونابلس من أعمال فلسطين.

٨٥

عليه فبلغ القاصد موته في قطيا فعاد.

خوخة الأرقي : بحارة الباطلية ، يخرج منها إلى سوق الغنم وغيره وهي بجوار داره.

خوخة عسيلة : هذه الخوخة من الخوخ القديمة الفاطمية ، وهي بحارة الباطلية مما يلي حارة الديلم في ظهر الزقاق المعروف بخرابة العجيل بجوار دار الست حدق.

خوخة الصالحية : هذه الخوخة بجوار حبس الديلم ، قريبة من دار الصالح طلائع بن رزبك التي هدمها ابن قايمار وعمرها ، وكانت تعرف هذه الخوخة أوّلا بخوخة بحتكين ، وهو الأمير جمال الدولة بحتكين الظاهريّ ، ثم عرفت بخوخة الصالح طلائع بن رزبك ، لأنّ داره كانت هناك وبها كان سكنه قبل أن يلي وزارة الظافر.

خوخة المطوع : هذه الخوخة بحارة كتامة في أوّلها مما يلي الجامع الأزهر ، عند اصطبل الحسام الصفدي ، عرفت بالمطوع الشيرازي.

خوخة حسين : هذه الخوخة في الزقاق الضيق المقابل لمن يخرج من درب الأسوانيّ ويسلك فيه إلى حكر الرصاصيّ ، بحارة الديلم ، ويعرف هذا الزقاق بزقاق المزار ، وفيه قبر تزعم العامّة ومن لا علم عنده أنه قبر يحيى بن عقب ، وأنه كان مؤدّبا للحسين بن عليّ بن أبي طالب ، وهو كذب مختلق وأفك مفتري. كقولهم في القبر الذي بحارة برجوان أنه قبر جعفر الصادق ، وفي القبر الآخر أنه قبر أبي تراب النخشبيّ ، وفي القبر الذي على يسرة من خرج من باب الحديد ظاهر زويلة أنه قبر زارع النوي وأنه صحابيّ ، وغير ذلك من أكاذيبهم التي اتخذها لهم شياطينهم أنصابا ليكونوا لهم عزّا ، وسيأتي الكلام على هذه المزارات في مواضعها من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

وحسين هذا : هو الأمير سيف الدين حسين بن أبي الهيجاء ، صهر بني رزبك ، وكان كرديا قدّمه الصالح بن رزبك ابن الصالح لما وليّ الوزارة ونوه به ، فلما مات وقام من بعده ابنه رزبك بن الصالح في الوزارة ، كان حسين هذا هو مدبر أمره بوصية الصالح ، واستشار حسينا في صرف شاور عن ولاية قوص ، فأشار عليه بإبقائه ، فأبى وولى الأمير أبي الرفعة مكانه ، وبلغ ذلك شاور فخرج من قوص إلى طريق الواحات ، فلما سمع رزبك بمسيره رأى في النوم مناما عجيبا ، فأخبر حسينا بأنه رأى مناما ، فقال : إن بمصر رجلا يقال له أبو الحسن عليّ بن نصر الأرتاجيّ ، وهو حاذق في التعبير فأحضره. وقال : رأيت كأنّ القمر قد أحاط به حنش ، وكأنني روّاس في حانوت. فغالطه الأرتاجي في تعبير الرؤيا وظهر ذلك لحسين ، فأمسك حتى خرج. وقال له : ما أعجبني كلامك والله ، لا بدّ أن تصدقني ولا بأس عليك. فقال : يا مولاي ، القمر عندنا هو الوزير ، كما أن الشمس الخليفة ، والحنش المستدير عليه حبس مصحف ، وكونه روّاس اقبلها تجدها شر مصحفا ، وما وقع لي غير

٨٦

هذا. فقال حسين : اكتم هذا عن الناس. وأخذ حسين في الاهتمام بأمره ، ووطأ أنه يريد التوجه إلى مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان قد أحسن إلى أهلها وحمل إليها مالا وقماشا وأودعه عند من يثق به ، هذا وأمر شاور يقوى ويتزايد ويصل الأرجاف به إلى أن قرب من القاهرة ، فصاح الصائح في بني رزبك وكانوا أكثر من ثلاثة آلاف فارس ، فأوّل من نجا بنفسه حسين ، وسار فسأل عنه رزبك فقالوا : خرج. فانقطع قلبه لأن حسينا كان مذكورا بالشجاعة مشهورا بها ، وله تقدّم في الدولة ومكانة وممارسة للحروب وخبرة بها ، ولم يثبت بعد خروج حسين بل انهزم إلى ظاهر اطفيح فقبض عليه ابن النيض مقدّم العرب وأحضره إلى شاور فحبسه ، وصدقت رؤياه ومات حسين في سنة (١)

خوخة الحلبي : هذه الخوخة في آخر اصطبل الطارمة بجوار حمّام الأمير علم الدين سنجر الحلبيّ وفي ظهر داره.

سنجر الحلبيّ : أحد المماليك الصالحية ، ترقّى في الخدم إلى أن ولّاه الملك المظفر سيف الدين قطز نيابة دمشق ، فلما قتل قطز على عين جالوت وقام من بعده في السلطنة بالديار المصرية الملك الظاهر بيبرس ، ثار سنجر بدمشق في سنة ثمان وخمسين وستمائة ودعا إلى نفسه ، وتلقب بالملك المجاهد ، وبقي أشهرا والملك الظاهر يكاتب أمراء دمشق إلى أن خامروا على سنجر وحاصروه بقلعة دمشق أياما ، فلما خشي أن يقبض عليه فرّ من القلعة إلى بعلبك ، فجهز إليه الظاهر الأمير علاء الدين طيبرس الوزيري وما زال يحاصره حتى أخذه أسيرا ، وبعث به إلى الديار المصرية ، فاعتقله الظاهر وما زال في الاعتقال من سنة تسع وخمسين إلى سنة تسع وثمانين وسبعمائة ، مدّة تنيف على ثلاثين سنة ، مدّة أيام الملك الظاهر وولديه وأيام الملك المنصور قلاوون ، فلما ولي الملك الأشرف خليل بن قلاوون أخرجه من السجن وخلع عليه وجعله أحد الأمراء الأكابر على عادته ، فلم يزل أميرا بمصر إلى أن مات على فراشه في سنة اثنين وتسعين وسبعمائة ، وقد جاوز تسعين سنة ، وانحنى ظهره وتقوّس.

خوخة الجوهرة : هذه الخوخة بآخر حارة زويلة ، عرفت اليوم بخوخة الوالي لقربها من دار الأمير علاء الدين الكورانيّ والي القاهرة ، وكان من خير الولاة يحفظ كتاب الحاوي في الفقه على مذهب الإمام الشافعيّ رضي‌الله‌عنه ، وأقام في ولاية القاهرة من محرّم سنة تسع وأربعين وسبعمائة بعد استدمر القلنجيّ وإلى القاهرة إلى (٢)

خوخة مصطفى : هذه الخوخة بآخر زقاق الكنيسة من حارة زويلة ، يخرج منها إلى القبو الذي عند حمّام طاب الزمان المسلوك منه إلى قبو منظرة اللؤلؤة على الخليج ، عرفت

__________________

(١) بياض في الأصل.

(٢) بياض في الأصل.

٨٧

بالأمير فارس المسكين مصطفى أحد أمراء بني أيوب الملوك ، وهو أيضا صاحب هذا الحمّام.

خوخة ابن المأمون : هذه الخوخة في حارة زويلة بالدرب الذي بقرب حمام الكوبك ، ويقال لهذه الخوخة اليوم باب حارة زويلة ، وأصلها خوخة في درب ابن المأمون البطائحي.

خوخة كوتية أق سنقر : هذه الخوخة في الزقاق الذي يظهر المدرسة الفهرية بآخر سويقة الصاحب ، كان يسلك منها إلى الخليج من جوار باب الذهب ، وموضعها بحذاء بيت القاضي أمين الدين ناظر الدولة ، ولم تزل إلى أن بنى المهتار عبد الرحمن البابا داره بجوارها في سني بضع وتسعين وسبعمائة ، فسدّها ، وعرفت هذه الخوخة أخيرا بخوخة المسيري ، وهو قمر الدين بن السعيد المسيري.

خوخة أمير حسين : هذه الخوخة من جملة الوزيرية ، يخرج منها إلى تجاه قنطرة أمير حسين ، فتحها الأمير شرف الدين حسين بن أبي بكر بن إسماعيل بن حيدرة بيك الرومي حين بنى القنطرة على الخليج الكبير ، وأنشأ الجامع بحكر جوهر التوبي. وجرى في فتح هذه الخوخة أمر لا بأس بإيراده : وهو أن الأمير حسين قصد أن يفتح في السور خوخة لتمرّ الناس من أهل القاهرة فيها إلى شارع بين السورين ليعمر جامعه ، فمنعه الأمير علم الدين سنجر الخازن وإلي القاهرة من ذلك إلّا بمشاورة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، وكان للأمير حسين إقدام على السلطان ، وله به مؤانسة ، فعرّفه أنه أنشأ جامعا ، وسأله أن يفسح له في فتح مكان من السور ليصير طريقا نافذا يمرّ فيه الناس من القاهرة ويخرجون إليه ، فأذن له في ذلك وسمح به ، فنزل إلى السور وخرق منه قدر باب كبير ودهن عليه رنكه بعد ما ركب هناك بابا ومرّ الناس منه ، واتفق أنه اجتمع بالخازن والي القاهرة وقال له على سبيل المداعبة : كم كنت تقول ما أخليك تفتح في السور بابا حتى تشاور السلطان ، ها أنا قد شاورته وفتحت بابا على رغم أنفك ، فحنق الخازن من هذا القول وصعد إلى القلعة ودخل على السلطان وقال : يا خوند أنت رسمت للأمير شرف الدين أن يفتح في السور بابا ، وهو سور حصين على البلد. فقال السلطان : إنما شاورني أن يفتح خوخة لأجل حضور الناس للصلاة في جامعه. فقال الخازن : يا خوند ما فتح إلّا بابا يعادل باب زويلة ، وعمل عليه رنكة ، وقصد يعمل سلطانا على البارد ، وما جرت عادة أحد بفتح سور البلد. فأثر هذا الكلام من الخازن في نفس السلطان أثرا قبيحا وغضب غضبا شديدا ، وبعث إلى النائب وقد اشتدّ حنقه بأن يسفر حسين بن حيدر إلى دمشق ، بحيث لا يبيت في المدينة ، فخرج من يومه من البلد بسبب ما تقدّم ذكره.

٨٨

ذكر الرحاب

الرحبة بإسكان الحاء وفتحها : الموضع الواسع ، وجمعها رحاب. اعلم أنّ الرحاب كثيرة لا تتغير إلّا بأن يبني فيها ، فتذهب ويبقى اسمها ، أو يبني فيها ويذهب اسمها ويجهل ، وربما انهدم بنيان وصار موضعه رحبة أو دارا أو مسجدا ، والغرض ذكر ما فيه فائدة.

رحبة باب العيد : هذه الرحبة كان أوّلها من باب الريح أحد أبواب القصر الذي أدركنا هدمه على يد الأمير جمال الدين الاستادار ، في سنة إحدى عشرة وثمانمائة ، وإلى خزانة البنود ، وكانت رحبة عظيمة في الطول والعرض ، غاية في الاتساع ، يقف فيها العساكر فارسها وراجلها في أيام مواكب الأعياد ينتظرون ركوب الخليفة وخروجه من باب العيد ، ويذهبون في خدمته لصلاة العيد بالمصلى خارج باب النصر ، ثم يعودون إلى أن يدخل من الباب المذكور إلى القصر ، وقد تقدّم ذكر ذلك ، ولم تزل هذه الرحبة خالية من البناء إلى ما بعد الستمائة من الهجرة ، فاختط فيها الناس وعمروا فيها الدور والمساجد وغيرها ، فصارت خطة كبيرة من أجل أخطاط القاهرة ، وبقى اسم رحبة باب العيد باقيا عليها لا تعرف إلّا به.

رحبة قصر الشوك : هذه الرحبة كانت قبليّ القصر الكبير الشرقيّ ، في غاية الاتساع ، كبيرة المقدار ، وموضعها من حيث دار الأمير الحاج أل ملك بجوار المشهد الحسينيّ والمدرسة الملكية إلى باب قصر الشوك ، عند خزانة البنود ، وبينها وبين رحبة باب العيد خزانة البنود والسفينة ، وكان السالك من باب الديلم الذي هو اليوم المشهد الحسينيّ إلى خزانة البنود يمرّ في هذه الرحبة ، ويصير سور القصر على يساره ، والمناخ ودار افتكين على يمينه ، ولا يتصل بالقصر بنيان البتة ، وما زالت هذه الرحبة باقية إلى أن خرب القصر بفناء أهله ، فاختط الناس فيها شيئا بعد شيء حتى لم يبق منها سوى قطعة صغيرة تعرف برحبة الأيد مري.

رحبة الجامع الأزهر : هذه الرحبة كانت أمام الجامع الأزهر وكانت كبيرة جدّا ، تبتدىء من خط اصطبل الطارمة إلى الموضع الذي فيه مقعد الأكفانيين اليوم ، ومن باب الجامع البحريّ إلى حيث الخرّاطين. ليس بين هذه الرحبة ورحبة قصر الشوك سوى اصطبل الطارمة ، فكان الخلفاء حين يصلّون بالناس بالجامع الأزهر تترجل العساكر كلها وتقف في هذه الرحبة حتى يدخل الخليفة إلى الجامع ، وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى عند ذكر الجوامع. ولم تزل هذه الرحبة باقية إلى أثناء الدولة الأيوبية ، فشرع الناس في العمارة بها إلى أن بقى منها قدّام باب الجامع البحري هذا القدر اليسير.

رحبة الحليّ : هذه الرحبة الآن من خط الجامع الأزهر ومن بقية رحبة الجامع التي تقدّم ذكرها ، عرفت بالقاضي نجم الدين أبي العباس أحمد بن شمس الدين عليّ بن نصر الله بن مظفر الحليّ ، التاجر العادل لأنها تجاه داره.

٨٩

رحبة البانياسي : هذه الرحبة بدرب الأتراك تجاه دار الأمير طيدمر الجمدار الناصري ، وعرفت بالأمير نجم الدين محمود بن موسى البانياسيّ ، لأنّ داره كانت فيها ، ومسجده المعلق هناك ، ومات بعد سنة خمسمائة.

رحبة الأيدمري : هذه الرحبة من جملة رحبة باب قصر الشوك ، وعرفت بالأيدمري لأنّ داره هناك.

والأيدمريّ : هذا مملوك عز الدين أيدمر الحلي نائب السلطنة في أيام الملك الظاهر بيبرس ، ترقى في الخدم حتى تأمّر في أيام الملك الظاهر بيبرس ، وعلت منزلته في أيام الملك المنصور قلاوون ، ومات سنة سبع وثمانين وستمائة ، ودفن بتربته في القرافة بجوار الشافعي رضي‌الله‌عنه.

رحبة البدري : هذه الرحبة يدخل إليها من رحبة الأيدمري من باب قصر الشوك ، ومن جهة المارستان العتيق ، وهي من جملة القصر الكبير ، عرفت بالأمير بيدمر البدري صاحب المدرسة البدرية ، فإن داره هناك.

رحبة ضروط : هذه الرحبة بجوار دار أيّ ملك ، وهي من جملة رحبة قصر الشوك ، عرفت بالأمير ضروط الحاجب ، فإنه كان يسكن هناك.

رحبة اقبغا : هذه الرحبة هي الآن سوق الخيميين ، وهي من جملة رحبة الجامع الأزهر التي مرّ ذكرها ، عرفت بالأمير اقبغا عبد الواحد أستادار الملك الناصر ، وصاحب المدرسة الأقبغاوية.

رحبة مقبل : هذه الرحبة كانت تعرف بخط بين المسجدين ، لأنّ هناك مسجدين أحدهما يقابل الآخر ، ويسلك من هذه الرحبة إلى سويقة الباطلية ، وإلى زقاق تريده ، وعرفت أخيرا بالأمير زين الدين مقبل الرومي أمير جاندار الملك برقوق.

رحبة ألدمر : هذه الرحبة في الدرب أوّل سوق الفرّايين مما يلي الأكفانيين ، عرفت بالأمير سيف الدين الدمر الناصريّ المقتول بمكة.

رحبة قردية : هذه الرحبة بخط الاكفانين ، تجاه دار الأمير قردية الجمدار الناصريّ ، وكانت هذه الدار تعرف قديما بالأمير سنجر الشكاري ، وله أيضا مسجد معلق يدخل من تحته إلى الرحبة المذكورة ، وهناك اليوم قاعة الذهب التي فيها الذهب الشريط لعمل المزركش.

رحبة المنصوريّ : قبالة دار المنصوريّ ، عرفت بالأمير قطلوبغا المنصوري المقدّم ذكره.

٩٠

رحبة المشهد : هذه الرحبة تجاه المشهد الحسيني ، كانت رحبة فيما بين باب الديلم أحد أبواب القصر الذي هو الآن المشهد الحسيني وبين اصطبل الطارمة.

رحبة أبي البقاء : هذه الرحبة من جملة رحبة باب العيد تجاه باب قاعة ابن كتيلة بخط السفينة ، عرفت بقاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء محمد بن عبد البرّ بن يحيى بن عليّ بن تمام السبكيّ الشافعيّ ، ومولده في سنة سبع وسبعمائة ، أحد العلماء الأكابر ، تقلد قضاء القضاة بديار مصر والشام ومات في ... (١).

رحبة الحجازية : هذه الرحبة تجاه المدرسة الحجازية ، وهي من جملة رحبة باب العيد ، عرفت برحبة الحجازية.

رحبة قصر بشتاك : هذه الرحبة تجاه قصر بشتاك ، وهي من جملة الفضاء الذي بين القصرين.

رحبة سلار : تجاه حمام البيسري ودار الأمير سلار نائب السلطنة ، هي أيضا من جملة الفضاء الذي كان بين القصرين.

رحبة الفخري : هذه الرحبة بخط الكافوري تجاه دار الأمير سيف الدين قطلوبغا الطويل الفخري السلاح دار الأشرفيّ ، أحد أمراء الملك الناصر محمد بن قلاوون.

رحبة الأكز : بخط الكافوري ، هذه الرحبة تجاه دار الأمير سيف الدين الأكز الناصري الوزير ، وتعرف أيضا برحبة الأبوبكري ، لأنها تجاه دار الأمير سيف الدين الأبوبكري السلاح دار الناصريّ ، وهي شارعة في الطريق يسلك إليها من دار الأمير تنكز ويتوصل منها إلى دار الأمير مسعود وبقية الكافوري.

رحبة جعفر : هذه الرحبة تجاه حارة برجوان ، يشرف عليها شباك مسجد تزعم العوام أن فيه قبر جعفر الصادق. وهو كذب مختلق ، وأفك مفتري ، ما اختلف أخف من أهل العلم بالحديث والآثار والتاريخ والسير أنّ جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام مات قبل بناء القاهرة بدهر ، وذلك أنه مات سنة ثمان وأربعين ومائة ، والقاهرة بلا خلاف اختطت في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة بعد موت جعفر الصادق بنحو مائتي سنة وعشر سنين ، والذي أظنه أن هذا موضع قبر جعفر بن أمير الجيوش بدر الجمالي المكنّى بأبي محمد ، الملقب بالمظفر ، ولما ولي أخوه الأفضل ابن أمير الجيوش الوزارة من بعد أبيه جعل أخاه المظفر جعفرا يلي العلامة عنه ، ونعت بالأجل المظفر سيف الإمام جلال الإسلام شرف الأنام ناصر الدين خليل ، أمير المؤمنين أبي محمد جعفر بن أمير الجيوش بدر الجمالي ، وتوفي ليلة

__________________

(١) بياض في الأصل.

٩١

الخميس لسبع خلون من جمادى الأولى سنة أربع عشرة وخمسمائة ، مقتولا ، يقال قتله خادمه جوهر بمباطنة من القائد أبي عبد الله محمد بن فاتك البطائحي ، ويقال بل كان يخرج في الليل يشرب ، فجاء ليلة وهو سكران ، فمازحه دراب حارة برجوان وتراميا بالحجارة ، فوقعت ضربة في جنبه آلت به إلى الموت ، والذي نقل أنّه دفن بتربة أبيه أمير الجيوش فإما أن يكون دفن هنا أوّلا ، ثم نقل أو لم يدفن هنا ، ولكنه من جملة ما ينسب إليه ، فإنه بجوار دار المظفر التي من جملتها دار قاضي القضاة شمس الدين محمد الطرابلسي وما قاربها ، كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى عند ذكر دار المظفر.

رحبة الأفيال : هذه الرحبة من جملة حارة برجوان ، يتوصل إليها من رأس الحارة ، ويسلك في حدرة الزاهديّ إليها ، وأدركتها ساحة كبيرة ، والمشيخة تسميها رحبة الأفيال ، وكذا يوجد في مكاتيب الدور القديمة ، ويقال أنّ الفيلة في أيام الخلفاء كانت تربط بهذه الرحبة أمام دار الضيافة ، ولم تزل خربة إلى ما بعد سنة سبعين وسبعمائة ، فعمر بها دويرات ووجد فيها بئر متسعة ذات وجهين تشبه أن تكون البئر التي كانت سوّاس الفيلة يستقون منها ، ثم طمت هذه البئر بالتراب.

رحبة مازن : هذه الرحبة بحارة برجوان تجاه باب دار مازن التي خربت ، وفيها المسجد المعروف بمسجد بني الكوبك.

رحبة أقوش : هذه الرحبة بحارة برجوان تجاه قاعة الأمير جمال الدين أقوش الرومي السلاح دار الناصريّ ، التي حل وقفها بهاء الدين محمد بن البرجي ، ثم بيعت من بعده ، ومات أقوش سنة خمس وسبعمائة.

رحبة برلغي : هذه الرحبة عند باب سرّ المدرسة القراسنقرية ، تجاه دار الأمير سيف الدين برلغي الصغير ، صهر الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير ، وهذه الرحبة من جملة خط داء الوزارة.

رحبة لؤلؤ : هذه الرحبة بحارة الديلم في الدرب الذي بخط ابن الزلابي ، وهي تجاه دار الأمير بدر الدين لؤلؤ الزردكاش الناصريّ ، وهو من جملة من فرّ مع الأمير قراسنقر وأقوس الأفرم إلى ملك التتر بو سعيد.

رحبة كوكاي : هذه الرحبة بحارة زويلة ، عرفت بالأمير سيف الدين كوكاي السلاح دار الناصريّ ، وفيها المدرسة القطبية الجديدة.

رحبة ابن أبي ذكرى : هذه الرحبة بحارة زويلة ، وهي التي فيها البئر السائلة بالقرب من المدرسة العاشورية ، عرفت بالأمير ابن أبي ذكرى ، وهي من الرحاب القديمة التي كانت أيام الخلفاء ، وبها الآن سوق حارة اليهود القرّايين.

٩٢

رحبة بيبرس : هذه الرحبة يتوصل إليها من سويقة المسعوديّ ، ومن حمام ابن عبود ، عرفت بالملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير ، فإنّ بصدرها داره التي كانت سكنه قبل أن يتقلد سلطنة ديار مصر ، وقد حلّ وقفها وبيعت.

رحبة بيبرس الحاجب : هذه الرحبة بخط حارة العدوية عند باب سر الصاغة ، عرفت بالأمير بيبرس الحاجب ، لأنّ داره بها ، وبيبرس هذا هو الذي ينسب إليه غيط الحاجب بجوار قنطرة الحاجب ، وبهذه الرحبة الآن فندق الأمير الطواشي زمام الدور السلطانية زين الدين مقبل ، وبه صار الآن هذا الخط يعرف بخط فندق الزمام ، بعد ما كنا نعرفه يعرف بخط رحبة بيبرس الحاجب.

رحبة الموفق : تعرف هذه الرحبة بحارة زويلة تجاه دار الصاحب الوزير موفق الدين أبي البقاء هبة الله بن إبراهيم ، المعروف بالموفق الكبير ، وهي بالقرب من خوخة الموفق ، المتوصل منها إلى الكافوري من حارة زويلة.

رحبة أبي تراب : هذه الرحبة فيما بين الخرشنف وحارة برجوان ، تشبه أن تكون من جملة الميدان ، ادركتها رحبة بها كيمان تراب ، وسبب نسبتها إلى أبي تراب أن هناك مسجدا من مساجد الخلفاء الفاطميين ، تزعم العامّة ومن لا خلاق له أن به قبر أبي تراب النخشبيّ ، وهذا القول من أبطل الباطل ، وأقبح شيء في الكذب ، فإنّ أبا تراب النخشبي هو أبو تراب عسكر بن حصين النخشبي ، صحب حاتما الأصم وغيره ، وهو من مشايخ الرسالة ، ومات بالبادية نهشته السباع سنة خمس وأربعين ومائتين ، قبل بناء القاهرة بنحو مائة وثلاث سنين ، وقد أخبرني القاضي الرئيس تاج الدين أبو الفداء إسماعيل بن أحمد بن عبد الوهاب بن الخطباء المخزومي ، خال أبي رحمه‌الله ، قبل أن يختلط قال : أخبرني مؤدّبي الذي قرأت عليه القرآن ، أن هذا المكان كان كوما ، وأن شخصا حفر فيه ليبني عليه دارا فظهرت له شرافات ، فمازال يتبع الحفر حتى ظهر هذا المسجد ، فقال الناس : هذا أبو تراب ، من حينئذ ، ويؤيد ما قال : أني أدركت هذا المسجد محفوفا بالكيمان من جهاته وهو نازل في الأرض ، ينزل إليه بنحو عشر درج ، وما برح كذلك إلى ما بعد سنة ثمانين وسبعمائة ، فنقلت الكيمات التراب التي كانت هناك حوله ، وعمر مكانها ما هنالك من دور ، وعمل عليها درب من بعد سنة تسعين وسبعمائة ، وزالت الرحبة والمسجد على حاله ، وأنا قرأت على بابه في رخامة قد نقش عليها بالقلم الكوفيّ عدّة اسطر ، تتضمن أنّ هذا قبر أبي تراب حيدرة ابن المستنصر بالله ، أحد الخلفاء الفاطميين. وتاريخ ذلك فيما أظنّ بعد الأربعمائة ، ثم لما كان في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة سوّلت نفس بعض السفهاء من العامّة له أن يتقرّب بزعمه إلى الله تعالى بهدم هذا المسجد ويعيد بناءه ، فجبى من الناس مالا شحذه منهم وهدم المسجد ، وكان بناء حسنا ، وردمه بالتراب نحو سبعة أذرع حتى ساوى

٩٣

الأرض التي تسلك المارّة منها ، وبناه هذا البناء الموجود الآن ، وبلغني أن الرخامة التي كانت على الباب نصبوها على شكل قبرأ حدثوه في هذا المسجد ، وبالله ان الفتنة بهذا المكان الآخر من حارة برجوان الذي يعرف بجعفر الصادق لعظيمة ، فإنهما صارا كالأنصاب التي كانت تتخذها مشركوا العرب ، يلجأ إليهما سفهاء العامّة والنساء في أوقات الشدائد ، وينزلون بهذين الموضعين كربهم وشدائدهم التي لا ينزلها العبد إلا بالله ربه ، ويسألون في هذين الموضعين ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى وحده ، من وفاء الدين من غير جهة معينة ، وطلب الولد ونحو ذلك ، ويحملون النذور من الزيت وغيره إليهما ، ظنا أن ذلك ينجيهم من المكاره ، ويجلب إليهم المنافع ، ولعمري إن هي إلّا كرّة خاسرة ، ولله الحمد على السلامة.

رحبة أرقطاى : هذه الرحبة بحارة الروم قدّام دار الأمير الحاج أرقطاي نائب السلطنة بالديار المصرية.

رحبة ابن الضيف : هذه الرحبة بحارة الديلم ، وهي من الرحاب القديمة ، عرفت بالقاضي أمين الملك إسماعيل بن أمين الدولة الحسن بن عليّ بن نصر بن الضيف ، وفي هذه الرحبة الدار المعروفة بأولاد الأمير طنبغا الطويل ، بجوار حكر الرصاصيّ ، وتعرف هذه الرحبة أيضا بحمدان البزاز وبابن المخزومي.

رحبة وزير بغداد : هذه الرحبة بدرب ملوخيا ، عرفت بالأمير الوزير نجم الدين محمود بن عليّ بن شردين ، المعروف بوزير بغداد ، قدم إلى مصر يوم الجمعة ثامن صفر سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة ، وهو وحسام الدين حسن بن محمد بن محمد الغوريّ الحنفيّ ، فارّين من العراق بعد قتل موسى ملك التتر ، فأنعم عليه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون باقطاع أمرة تقدمة ألف. مكان الأمير طازبغا ، عند وفاته ، في ليلة السبت ثامن عشرى جمادى الأولى من السنة المذكورة. فلما مات الملك الناصر محمد بن قلاون ، وقام في الملك من بعده ابنه الملك المنصور أبو بكر بن محمد ، قلد الوزارة بالديار المصرية للأمير نجم الدين محمود وزير بغداد في يوم الاثنين ثالث عشر المحرّم سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة. وبنى له دار الوزارة بقلعة الجبل ، وأدركناها دار النيابة وعمل له فيها شباك يجلس فيه ، وكان هذا قد أبطله الملك الناصر محمد ، وخربت قاعة الصاحب ، فلم يزل إلى أن صرف في أيام الملك الصالح إسماعيل بن محمد بن قلاون عن الوزارة ، بالأمير ملكتمر السرجواني في مستهل رجب سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة ، ثم أعيد في آخر ذي الحجة بعد تمنع منه ، واشترط أن يكون جمال الكفاة ناظر الخاص معه صفة مشير ، فأجيب إلى ذلك.

فلما قبض على جمال الكفاة ، صرف وزير بغداد وولي بعده الوزارة الأمير سيف الدين ايتمش الناصريّ ، في يوم الأربعاء ثاني عشرى ربيع الآخر سنة خمس وأربعين ، بحكم استعفائه منها ، فباشرها أيتمش قليلا وسأل أن يعفى من المباشرة فأعفي ، وذلك لقلة

٩٤

المتحصل وكثرة المصروف في الأنعام على الجواري والخدّام وحواشيهم ، وكانت الكلف في كل سنة ثلاثين ألف ألف دينار ، والمتحصل خمسة عشر ألف ألف ، نحو النصف ، ومرتب السكّر في شهر رمضان كان ألف قنطار ، فبلغ ثلاثة آلاف قناطر.

رحبة الجامع الحاكمي : هذه الرحبة من غير قاهرة المعز التي وضعها القائد جوهر ، وكانت من جملة الفضاء الذي كان بين باب النصر والمصلى ، فلما زاد أمير الجيوش بدر الجمالي في مقدار السور صارت من داخل باب النصر الآن ، وكانت كبيرة فيما بين الحجر والجامع الحاكمي ، وفيما بين باب النصر القديم وباب النصر الموجود الآن ، ثم بني فيها المدرسة القاصدية التي هي تجاه الجامع. وما في صفها إلى حمّام الجاولي ، وبنى فيها الشيخ قطب الدين الهرماس دارا ملاصقة لجدار الجامع ، ثم هدمت كما سيأتي في خبرها إن شاء الله تعالى ، عند ذكر الدور ، وفي موضعها الآن الربع والحوانيت سفله ، والقاعة الجاري ذلك في أملاك ابن الحاجب ، وادركت إنشاءها فيما بعد سنة ثلاثين ، وهذه الرحبة تؤخذ أجرتها لجهة وقف الجامع.

رحبة كتبغا : هذه الرحبة من جملة اصطبل الجميزة ، وهي الآن من خط الصيارف يسلك إليها من الجملون الكبير بسوق الشرابشيين ، ومن خط طواحين الملحيين وغيره ، عرفت بالملك العادل زين الدين كتبغا ، فإنها تجاه داره التي كان يسكنها ، وهو أمير قبل أن يستقرّ في السلطنة ، وسكنها بنوه من بعده ، فعرفت به ، ثم حل وقفها في زمننا وبيعت.

رحبة خوند : هذه الرحبة بآخر حارة زويلة ، فيما بينها وبين سويقة المسعوديّ ، يتوصل إليها من درب الصقالبة ومن سويقة المسعوديّ ، وهي من الرحاب القديمة ، كانت تعرف في أيام الخلفاء برحبة ياقوت ، وهو الأمير ناصر الدولة ياقوت. والي قوص ، أحد أجلّاء الأمراء ، ولما قام طلائع ابن رزبك بالوزارة في سنة تسع وأربعين وخمسمائة ، هم ناصر الدولة ياقوت بالقيام عليه ، فبلغ طلائع الملقب بالصالح بن رزبك ذلك فقبض عليه وعلى أولاده واعتقلهم في يوم الثلاثاء تاسع عشرى ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة ، فلم يزل في الاعتقال إلى أن مات فيه يوم السبت سابع عشر رجب سنة ثلاث وخمسين ، فأخرج الصالح أولاده من الاعتقال وأمّرهم وأحسن إليهم ، ثم عرفت هذه الرحبة من بعده بولده الأمير ربيع الإسلام محمد بن ياقوت ، ثم عرفت في الدولة الأيوبية برحبة ابن منقذ ، وهو الأمير سيف الدولة مبارك بن كامل بن منقذ ، ثم عرفت برحبة الفلك المسيريّ ، وهو الوزير فلك الدين عبد الرحمن المسيري ، وزير الملك العادل أبي بكر بن الملك العادل بن أيوب ، ثم عرفت الآن برحبة خوند ، وهي الست الجليلة أردوتكين ابنة نوغيه السلاح دار ، زوج الملك الأشرف خليل بن قلاون ، وامرأة أخيه من بعده الملك الناصر محمد ، وهي صاحبة تربة الست خارج باب القرافة ، وكانت خيّرة وماتت أيما في سنة أربع وعشرين وسبعمائة.

٩٥

رحبة قراسنقر : هذه الرحبة برأس حارة بهاء الدين ، تجاه دار الأمير قراسنقر ، وبها الآن حوض تشرب منه الدواب.

رحبة بيغرا : بدرب ملوخيا ، عرفت بالأمير سيف الدين بيغرا ، لأنها تجاه داره.

رحبة الفخري : بدرب ملوخيا ، عرفت بالأمير منكلي بغا الفخريّ ، صاحب التربة بظاهر باب النصر ، لأنها تجاه داره.

رحبة سنجر : هذه الرحبة بحارة الصالحية في آخر درب المنصوريّ ، عرفت بالأمير سنجر الجمقدار علم الدين الناصريّ ، لأنها تجاه داره ، ثم عرفت برحبة ابن طرغاي ، وهو الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير سيف الدين طرغاي الجاشنكير نائب طرابلس.

رحبة ابن علكان : هذه الرحبة بالجودرية في الدرب المجاور للمدرسة الشريفية ، عرفت بالأمير شجاع الدين عثمان بن علكان الكرديّ ، زوج ابنة الأمير يازكوج الأسديّ ، وبابنه منها ، الأمير أبو عبد الله سيف الدين محمد بن عثمان ، وكان خيرا ، استشهد على غزة بيد الفرنج في غرّة شهر ربيع الأوّل ، سنة سبع وثلاثين وستمائة ، وكانت داره ودار أبيه بهذه الرحبة ، ثم عرفت بعد ذلك برحبة الأمير علم الدين سنجر الصيرفيّ الصالحيّ.

رحبة ازدمر : بالجودرية ، هذه الرحبة بالدرب المذكور أعلاه ، عرفت بالأمير عز الدين ازدمى الأعمى الكاشف ، لأنها كانت أمام داره.

رحبة الاخناي : هذه الرحبة فيما بين دار الديباج والوزيرية ، بالقرب من خوخة أمير حسين ، عرفت بقاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن قاضي القضاة علم الدين محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران الأخناي المالكيّ ، لأنها تجاه داره ، وقد عمر عليها درب في أعوام بضع وتسعين وسبعمائة.

رحبة باب اللوق : رحاب باب اللوق خمس رحاب ، ينطلق عليها كلها الآن رحبة باب اللوق ، وبها تجتمع أصحاب الحلق وأرباب الملاعب والحرف ، كالمشعبذين والمخايلين والحواة والمتأففين وغير ذلك ، فيحشر هنالك من الخلائق للفرجة ولعمل الفساد ما لا ينحصر كثرة ، وكان قبل ذلك في حدود ما قبل الثمانين وسبعمائة من سنيّ الهجرة ، إنما تجتمع الناس لذلك في الطريق الشارع المسلوك من جامع الطباخ بالخط المذكور إلى قنطرة قدادار.

رحبة التبن : هذه الرحبة قريبة من رحبة باب اللوق في بحري منشأة الجوّانية ، شارعة في الطريق العظمي المسلوك فيها من رحبة باب اللوق إلى قنطرة الدكة ، ويتوصل إليها السالك من عدّة جهات ، وكانت هذه الرحبة قديما تقف بها الجمال بأحمال التبن لتباع

٩٦

هناك ، ثم اختطت وعمرت وصارت بها سويقة كبيرة عامرة بأصناف المأكولات ، والخط إنما يعرف برحبة التبن ، وقد خرب بعد سنة ست وثمانمائة.

رحبة الناصرية : هذه الرحبة كانت فيما بين الميدان السلطانيّ والبركة الناصرية أيام كانت تلك الخطة عامرة ، وكان يتفق في ليالي أيام ركوب السلطان إلى الميدان في كل سنة من الاجتماع والإنس ما ستقف على بعض وصفه عند ذكر المنتزهات إن شاء الله تعالى. وقد خربت الأماكن التي كانت هناك ، وجهلت هذه الرحبة إلّا عند القليل من الناس.

رحبة ارغون ازكه : والعامّة تقول رحبة أزكي بياء ، وهي رحبة كبيرة بالقرب من البركة الناصرية ، وهذه الرحبة وما حولها من جملة بستان الزهريّ الآتي ذكره إن شاء الله في الأحكار ، وعرفت بالأمير ارغون أزكي.

ذكر الدور

قال ابن سيدة الدار : المحل يجمع البناء والعرصة التي هي من داريدور ، لكثرة حركات الناس فيها ، والجمع أدور ، وأدؤر ، وديار ، وديارة ، وديارات ، وديران ، ودور ، ودورات ، والدارة لغة في الدار ، والدار البلد ، والبيت من الشعر ، ما زاد على طريقة واحدة. وهو مذكر يقع على الصغير والكبير. وقد يقال للمبنيّ والبيت ، أخص من غير الأبنية التي هي الأخبية بيت ، وجمع البيت أبيات وأبابيت ، وبيوت وبيوتات ، والبيت أخص من الدار ، فكلّ دار بيت ، ولا ينعكس. ولم تكن العرب تعرف البيت إلّا الخباء ، ثم لما سكنوا القرى والأمصار وبنوا بالمدر واللبن سموا منازلهم التي سكنوها دورا وبيوتا ، وكانت الفرس لا تبيح شريف البنيان ، كما لا تبيح شريف الأسماء إلّا لأهل البيوتات ، كصنيعهم في النواويس والحمامات والقباب الخضر والشرف على حيطان الدار وكالعقد على الدهليز.

دار الأحمدي : هذه الدار من جملة حارة بهاء الدين ، وبها مشترف عال فوق بدنة من بدنات سور القاهرة ، ينظر منه أرض الطبالة وخارج باب الفتوح ، وهي إحدى الدور الشهيرة ، عرفت بالأمير بيبرس الأحمدي.

بيبرس الأحمدي : ركن الدين أمير جاندار ، تنقل في الخدم أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى أن صار أمير جاندار أحد المقدّمين ، فلما مات الملك الناصر قوي عزم قوصون على إقامة الملك المنصور أبي بكر بعد أبيه ، وخالف بشتاك ، فلما نسب المنصور إلى اللعب حضر إلى باب القصر بقلعة الجبل وقال : أيّ شيء هذا اللعب ، فلما ولي الناصر أحمد أخرجه لنيابة صفد فأقام بها مدة ، ثم أحس من الناصر أحمد بسوء فخرج من صفد بعسكره إلى دمشق ، وليس بها نائب ، فهمّ الأمراء بإمساكه ، ثم أخروا ذلك وأرسلوا إليه الإقامة ، فقدم البريد من الغد بإمساكه ، فكتب الأمراء من دمشق إلى السلطان

٩٧

يشفعون فيه ، فعاد الجواب بأنه لا بدّ من القبض عليه ونهب ماله وقطع رأسه وإرساله ، فأبوا من ذلك وخلعوا الطاعة وشقوا العصا جميعا ، فلم يكن بأسرع من ورود الخبر من مصر بخلع الناصر أحمد وإقامة الصالح إسماعيل في الملك بدله ، والأحمديّ مقيم بقصر تنكز من دمشق ، فورد عليه مرسوم بنيابة طرابلس ، فتوجه إليها وأقام بها نحو الشهرين ، ثم طلب إلى مصر فسار إليها وأخرج لمحاصرة أحمد بالكرك ، فحصره مدّة ولم ينل منه شيئا ، ثم عاد إلى القاهرة فأقام بها حتى مات في يوم الثلاثاء ثالث عشر المحرّم سنة ست وأربعين وسبعمائة ، وله من العمر نحو الثمانين سنة وكان أحد الأبطال الموصوفين بقوّة النفس وشدّة العزم ومحبة الفقراء وإيثار الصالحين ، وله مماليك قد عرفوا بالشجاعة والنجدة ، وكان ممن يقتدي برأيه وتتبع آثاره لمعرفته بالأيام والوقائع ، وما برحت ذريته بهذه الدار إلى الآن ، وأظنها موقوفة عليهم.

دار قراسنقر : هذه الدار برأس حارة بها الدين ، أنشأها الأمير شمس الدين قراسنقر ، وبها كان سكنه ، وهي إحدى الدور الجليلة ، ووجد بها في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة لما أحيط بها ، اثنان وثلاثون ألف ألف دينار ، ومائة ألف وخمسون ألف درهم فضة ، وسروج مذهبة وغير ذلك ، فحمل الجميع إلى بيت المال ، ولم تزل جارية في أوقاف المدرسة القراسنقرية إلى أن اغتصبها الأمير جمال الدين يوسف الاستادار ، فيما اغتصب من الأوقاف ، وجعلها وقفا على مدرسته التي أنشأها برحبة باب العيد ، فلما قتله الملك الناصر فرج بن برقوق وارتجع جميع ما خلفه وصار في جملة الأموال السلطانية ، ثم أفرد من الأوقاف التي جعلها جمال الدين على مدرسته شيئا ، وجعل باقيها لأولاده ، وعلى تربته التي أنشأها على قبر أبيه الملك الظاهر برقوق بالصحراء تحت الجبل ، خارج باب النصر ، فلما قتل الملك الناصر فرج ، صارت هذه الدار بيد الأمير طوغان الدوادار ، وكانوا كسارق من سارق ، وما من قتيل يقتل إلّا وعلى ابن آدم الأوّل كفل منه ، لأنه أوّل من سنّ القتل.

دار البلقيني : هذه الدار تجاه مدرسة شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني ، من حارة بهاء الدين ، أنشأها قاضي العساكر بدر الدين محمد بن شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان البلقينيّ الشافعيّ. ومات في يوم الخميس لست بقين من شهر ربيع الآخر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ، ولم تكمل ، فاشتراها أخوه قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن بن شيخ الإسلام وكمّلها ، وبها الآن سكنه ، وهي من أجلّ ، دور القاهرة صورة ومعنا ، وقد ذكرت الأخوين وأبيهما في كتابي المنعوت بدرر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة ، فانظر هناك أخبارهم.

دار منكوتمر : هذه الدار بحارة بهاء الدين ، بجوار المدرسة المنكوتمرية ، أنشأها الأمير منكوتمر نائب السلطنة بجوار مدرسته الآتي ذكرها عند ذكر المدارس إن شاء الله

٩٨

تعالى ، وهي من الدور الجليلة ، وبها إلى اليوم بعض ذريته وهي وقف.

دار المظفر : هذه الدار كانت بحارة برجوان ، أنشأها أمير الجيوش بدر الجمالي إلى أن مات ، فلما ولي الوزارة من بعده ابنه الأفضل ابن أمير الجيوش ، وسكن دار القباب التي عرفت بدار الوزارة ، وقد تقدّم ذكرها ، صار أخوه المظفر أبو محمد جعفر بن أمير الجيوش بهذه الدار ، فعرفت به ، وقيل لها دار المظفر ، وصارت من بعده دار الضيافة ، كما مرّ في هذا الكتاب. وآخر ما أعرفه أنها كانت ربعا وحمّاما وخرائب ، فسقط الربع بعد سنة سبعين وسبعمائة ، وكانت الحمام قد خربت قبل ذلك ، فلم تزل خرابا إلى سنة ثمان وثمانين وسبعمائة ، فشرع قاضي القضاة شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي بكر الطرابلسيّ الحنفيّ في عمارتها ، فلما حفر أساس جداره القبليّ ظهر تحت الردم عتبة عظيمة من حجر صوّان مانع ، يشبه أن يكون عتبة دار المظفر ، وكان الأمير جهاركس الخليليّ إذ ذاك يتولى عمارة المدرسة التي أنشأها الملك الظاهر برقوق بخط بين القصرين ، فبعث بالرجال لهذه العتبة وتكاثروا على جرّها إلى العمارة ، فجعلها في المزمّلة التي تشرب منها الناس الماء بدهليز المدرسة الظاهرية ، وكمّل قاضي القضاة شمس الدين بناء داره ، حيث كانت دار المظفر ، فجاءت من أحسن دور القاهرة ، وتحوّل إليها بأهله وما زال فيها حتى مات بها ، وهو متقلد وظيفة قضاء القضاة الحنفية بالديار المصرية ، في ليلة السبت الثامن عشر من ذي الحجة سنة تسع وتسعين وسبعمائة ، وله من العمر سبعون سنة وأشهر ، ومولده بطرابلس الشام ، وأخذ الفقه على مذهب أبي حنفية رحمه‌الله ، عن جماعة من أهل طرابلس.

ثم خرج منها إلى دمشق فقرأ على صدر الدين محمد بن منصور الحنفيّ ، ووصل إلى القاهرة وقاضي الحنفية بها قاضي القضاة جمال الدين عبد الله التركمانيّ ، فلازمه وولّاه العقود وأجلسه ببعض حوانيت الشهود ، فتكسب ممن تحمل الشهادة مدّة. وقرأ على قاضي القضاة سراج الهدى ، ولازمه فولّاه نيابة القضاء بالشارع ، فباشرها مباشرة مشكورة ، وأجازه العلامة شمس الدين محمد بن الصائغ الحنفيّ بالإفتاء والتدريس ، فلما مات صدر الدين بن منصور قلده الملك الظاهر برقوق قضاء القضاة مكانه في يوم الاثنين ثاني عشرى شهر ربيع الآخر سنة ست وثمانين وسبعمائة ، فباشر القضاء بعفة وصيانة وقوّة في الأحكام لها النهاية ومهابة وحرمة وصولة تذعن لها الخاصة والعامّة ، إلى أن صرف في سابع عشر رمضان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة بشيخنا قاضي القضاة مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم التركمانيّ ، فلم يزل إلى أن عزل مجد الدين وولي من بعده قاضي القضاة وناظر الجيوش جمال الدين محمود القيصريّ ، وهو ملازم داره وما بيده من التدريس ، وهو على حال حسنة وتجلد من الكافة ، إلى أن استدعاه السلطان في يوم الثلاثاء تاسع شهر ربيع الأوّل سنة تسع وتسعين وسبعمائة ، فقلّده وظيفة القضاء عوضا عن محمود القيصري ، فلم يزل حتى مات من عامه رحمه‌الله تعالى ، وهذه الدار على يسرة من سلك من باب حارة برجوان طالبا المسجد

٩٩

المسمى بجعفر ، وأما الحمّام فإنها في مكانها اليوم ساحة بجوار دار قاضي القضاة شمس الدين ، ومن جملة حقوق دار المظفر رحبة الأفيال ، وحدرة الزاهدي إلى الدار المعروفة بسكنى قريبا من حمّام الرومي.

دار ابن عبد العزيز : هذه الدار بحارة برجوان ، على يمنة من سلك من باب الحارة طالبا حمّام الرومي ، أيضا من جملة دار المظفر ، كانت طاحونا ، ثم خربت ، فابتدأ عمارتها فخر الدين أبو جعفر محمد بن عبد اللطيف بن الكويك ناظر الأحباس ، ومات ولم تكمل ، فصارت لامرأته وابنة عمه خديجة ، فماتت في رجب سنة اثنتين وستين وسبعمائة ، وقد تزوّجت من بعده بالقاضي الرئيس بدر الدين حسن بن عبد العزيز بن عبد الكريم ابن أبي طالب بن علي بن عبد الله بن سيدهم النجميّ السيرواني ، فانتقلت إليه ، ومات في سنة أربع وسبعين وسبعمائة ، في العشرين من جمادى الأولى ، وورثه من بعد موته كريم الدين ابن أخيه.

وهو عبد الكريم بن أحمد بن عبد العزيز بن عبد الكريم بن أبي طالب بن عليّ بن عبد الله بن سيدهم ، ومات آخر ربيع الأوّل سنة سبع وثمانمائة عن سبعين سنة ، وولي نظر الجيوش بديار مصر للظاهر برقوق ، فباعها لقريبه شمس الدين محمد بن عبد الله بن عبد العزيز ، وكملها وسكنها مدّة طويلة إلى أن باعها في سنة خمس وتسعين وسبعمائة بألفي دينار ذهبا ، لخوند فاطمة ابنة الأمير منجك ، فوقفتها على عتقائها ، وهي إلى اليوم بيدهم ، وتعرف ببيت ابن عبد العزيز المذكور ، لطول سكنه بها ، وكان خيّرا عارفا يلي كتابة ديوان الجيش ، وعدّة مباشرات ، ومات ليلة الثاني عشر من صفر سنة ثمان وتسعين وسبعمائة.

دار الجمقدار (١) : هذه الدار على يسرة من سلك من باب حارة برجوان تحت القبو طالبا حمام الرومي ، عرفت بالأمير علم الدين سنجر الجمقدار ، من الأمراء البرجية ، وقدّمه الملك الناصر محمد تقدمة ألف بعد مجيئه من الكرك إلى مصر ، ثم أخرجه إلى الشام فأقام بها إلى أن حضر قطلو بغا الفخريّ في نوبة أحمد بالكرك ، فحضر معهم واستقرّ من الأمراء بالديار المصرية إلى أن مات يوم الجمعة تاسع رمضان سنة خمس وأربعين وسبعمائة ، وقد كبر وارتعش وكان روميا ألثغ ، صار لخالد بن الزراد المقدّم ، فلما قبض عليه ومات في ثاني عشرى جمادى الآخرة سنة خمس وأربعين وسبعمائة تحت المقارع ، ارتجعت عنه لديوان السلطان حسن فصارت في يد ورثته إلى أن باع بعض أولاده اسهما منها ، فاشتراها الأمير سودون الشيخوني نائب السلطنة ، ثم تنقلت وبعضها وقف بيد أولاد السلطان حسن بن

__________________

(١) الجمقدار : هو الذي يمشى في المواكب السلطانية عن يمين السلطان ، ويحمل دبوسا له رأس ضخم مذهب ، ومن واجباته أن يكون نظره متجها إلى السلطان من أول خروج الموكب إلى انفضاضه. النجوم الزاهرة ج ٩ ص ٢٠٤.

١٠٠