كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٣

تقي الدين احمد بن علي المقريزي

كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٣

المؤلف:

تقي الدين احمد بن علي المقريزي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

القصص ، وكان الأمر على ذلك في أيام الظاهر بيبرس وأيام ابنه الملك السعيد بركة ، ثم أيام الملك المنصور قلاون.

الإيوان : المعروف بدار العدل ، هذا الإيوان أنشأه السلطان الملك المنصور قلاون الألفيّ الصالحيّ النجميّ ، ثم جدّده ابنه السلطان الملك الأشرف خليل ، واستمرّ جلوس نائب دار العدل به ، فلما عمل الملك الناصر محمد بن قلاون الروك أمر بهدم هذا الإيوان ، فهدم وأعاد بناءه على ما هو عليه الآن ، وزاد فيه ، وأنشأ به قبة جليلة ، وأقام به عمدا عظيمة نقلها إليه من بلاد الصعيد ورخمه ، ونصب في صدره سرير الملك ، وعمله من العاج والأبنوس ، ورفع سمك هذا الإيوان وعمل أمامه رحبة فسيحة مستطيلة ، وجعل بالإيوان باب سرّ من داخل القصر ، وعمل باب الإيوان مسبوكا من حديد بصناعة بديعة تمنع الداخل إليه ، وله منه باب يغلق ، فإذا أراد أن يجلس فتح حتى ينظر منه ومن تخاريم الحديد بقية العسكر الواقفين بساحة الإيوان ، وقرّر للجلوس فيه بنفسه يوم الاثنين ويوم الخميس ، فاستمرّ الأمر على ذلك ، وكان أوّلا دون ما هو اليوم ، فوسع في قبته وزاد في ارتفاعه وجعل قدّامه دركاة كبيرة ، فجاء من أعظم المباني الملوكية ، وأوّل ما جلس فيه عند انتهاء عمل الروك بعد ما رسم لنقيب الجيش أن يستدعي سائر الأجناد ، فلما تكامل حضورهم جلس وعين أن يحضر في كلّ يوم مقدّما ألوف بمضافيهما ، فكان المقدّم يقف بمضافيه ويستدعي بمضافيه من تقدمته على قدر منازلهم ، فيتقدّم الجنديّ إلى السلطان فيسأله أنت ابن من ومملوك من ، ثم يعطيه مثالا ، واستمرّ على ذلك من مستهل المحرّم سنة خمس عشرة وسبعمائة إلى مستهل صفر منها ، وما برح بعد ذلك يواظب على الجلوس به في يومي الاثنين والخميس ، وعنده أمراء الدولة والقضاة والوزير وكاتب السرّ وناظر الجيش وناظر الخاص وكتاب الدست ، وتقف الأجناد بين يديه على قدر أقدارهم ، فلما مات الملك الناصر اقتدى به في ذلك أولاده من بعده ، واستمرّوا على الجلوس بالإيوان إلى أن استبدّ بمملكة مصر الملك الظاهر برقوق ، فالتزم ذلك أيضا ، إلّا أنه صار يجلس فيه إذا طلعت الشمس جلوسا يسيرا يقرأ عليه فيه بعض قصص لا لمعنى سوى إقامة رسوم المملكة فقط ، وكان من قبله من ملوك بني قلاون إنما يجلسون بالإيوان سحرا على الشمع ، وكان موضع جلوس السلطان في الإيوان للنظر في المظالم ، فأعرض الملك الظاهر عن ذلك وجعل لنفسه يومين يجلس فيهما بالإصطبل السلطانيّ للحكم بين الناس ، كما سيأتي ذكره عن قريب إن شاء الله تعالى ، وصار الإيوان في أيام الظاهر برقوق وأيام ابنه الملك الناصر فرج ، وأيام الملك المؤيد شيخ ، إنما هو شيء من بقايا الرسوم الملوكية لا غير.

ذكر النظر في المظالم

اعلم أنّ النظر في المظالم عبارة عن قود المتظالمين إلى التناصف بالرهبة ، وزجر

٣٦١

المتنازعين عن التجاحد بالهيبة ، وكان من شروط الناظر في المظالم أن يكون جليل القدر ، نافذ الأمر ، عظيم الهيبة ، ظاهر العفة ، قليل الطمع ، كثير الورع ، لأنه يحتاج في نظره إلى سطوة الحماة ، وتثبت القضاة ، فيحتاج إلى الجمع بين صفتي الفريقين ، وأن يكون بجلالة القدر نافذ الأمر في الجهتين ، وهي خطة حدثت لفساد الناس ، وهي كلّ حكم يعجز عنه القاضي ، فينظر فيه من هو أقوى منه يدا.

وأوّل من نظر في المظالم من الخلفاء ، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه. وأوّل من أفرد للظلامات يوما يتصفح فيه قصص المتظلمين من غير مباشرة النظر ، عبد الملك بن مروان ، فكان إذا وقف منها على مشكل ، واحتاج فيها إلى حكم ينفذ ، ردّه إلى قاضيه ابن إدريس الأزديّ ، فينفذ فيه أحكامه. وكان ابن إدريس هو المباشر ، وعبد الملك الآمر ، ثم زاد الجور ، فكان عمر بن عبد العزيز رحمه‌الله أوّل من ندب نفسه للنظر في المظالم فردّها ، ثم جلس لها خلفاء بني العباس ، وأوّل من جلس منهم المهديّ محمد ، ثم الهادي موسى ، ثم الرشيد هارون ، ثم المأمون عبد الله ، وآخر من جلس منهم المهتديّ بالله محمد بن الواثق ، وأوّل من أعلم أنه جلس بمصر من الأمراء للنظر في المظالم ، الأمير أبو العباس أحمد بن طولون ، فكان يجلس لذلك يومين في الأسبوع ، فلما مات وقام من بعده ابنه أبو الجيش خمارويه ، جعل على المظالم بمصر محمد بن عبيدة بن حرب ، في شعبان سنة ثلاث وسبعين ومائتين ، ثم جلس لذلك الأستاذ أبو المسك كافور الإخشيديّ ، وابتدأ ذلك في سنة أربعين وثلاثمائة وهو يومئذ خليفة الأمير أبي القاسم أونوجور بن الإخشيد ، فعقد مجلسا صار يجلس فيه كلّ يوم سبت ، ويحضر عنده الوزير أبو الفضل جعفر بن الفضل بن الفرات ، وسائر القضاة والفقهاء والشهود ، ووجوه البلد ، وما برح على ذلك مدّة أيامه بمصر إلى أن مات ، فلم ينتظم أمر مصر بعده إلى أن قدم القائد أبو الحسين جوهر بجيوش المعز لدين الله أبي تميم معدّ ، فكان يجلس للنظر في المظالم ويوقع على رقاع المتظلمين ، فمن توقيعاته بخطه على قصة رفعت إليه ، سوء الاجترام أوقع بكم طول الانتقام ، وكفر الأنعام أخركم من حفظ الذمام ، فالواجب فيكم ترك الإيجاب ، واللازم لكم ملازمة الاجتناب ، لأنكم بدأتم فأسأتم ، وعدتم فتعدّيتم ، فابتداؤكم ملوم وعودكم مذموم ، وليس بينهما فرجة تقتضي إلّا الذم لكم والإعراض عنكم ، ليرى أمير المؤمنين رأيه فيكم.

ولما قدم المعز لدين الله ، إلى مصر وصارت دار خلافة ، استقرّ النظر في المظالم ، مدّة يضاف إلى قاضي القضاة ، وتارة ينفرد بالنظر فيه أحد عظماء الدولة ، فلما ضعف جانب المستنصر بالله أبي تميم معدّ بن الظاهر ، وكانت الشدّة العظمى بمصر ، قدم أمير الجيوش بدر الجمالي إلى القاهرة وولي الوزارة ، فصار أمر الدولة كله راجعا إليه ، واقتدى به من بعده من الوزراء ، وكان الرسم في ذلك أن الوزير صاحب السيف يجلس للمظالم بنفسه ، ويجلس

٣٦٢

قبالته قاضي القضاة ، وبجانبه شاهدان معتبران ، ويجلس بجانب الوزير الموقع بالقلم الدقيق ، ويليه صاحب ديوان المال ، ويقف بين يدي الوزير صاحب البلاد واسفهسلار العساكر ، وبين أيديهما الحجاب والنوّاب على طبقاتهم ، ويكون هذا الجلوس يومين في الأسبوع ، وآخر من تقلد المظالم في الدولة الفاطمية ، رزيك بن الوزير الأجلّ ، الملك الصالح طلائع بن رزيك ، في وزارة أبيه ، وكتب له سجل عن الخليفة منه ، وقد قلدك أمير المؤمنين النظر في المظالم وإنصاف المظلوم من الظالم ، وكانت الدولة إذا خلت من وزير صاحب سيف ، جلس للنظر في المظالم صاحب الباب في باب الذهب من القصر ، وبين يديه الحجاب والنقباء ، وينادي مناد بحضرته يا أرباب الظلامات ، فيحضرون إليه ، فمن كانت ظلامته مشافهة أرسلت إلى الولاة أو القضاة رسالة بكشفها ، ومن تظلم من أهل النواحي التي خارج القاهرة ومصر. فإنه يحضر قصة فيها شرح ظلامته ، فيتسلمها الحاجب منه حتى تجتمع القصص فيدفعها إلى الموقّع بالقلم الدقيق ، فيوقع عليها ، ثم تحمل بعد توقيعه عليها إلى الموقّع بالقلم الجليل ، فيبسط ما أشار إليه الموقع بالقلم الدقيق ، ثم تحمل التواقيع في خريطة إلى ما بين يدي الخليفة فيوقع عليها ، ثم تخرج في خريطتها إلى الحاجب فيقف على باب القصر ويسلم كلّ توقيع إلى صاحبه.

وأوّل من بنى دار العدل من الملوك ، السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي رحمة الله تعالى عليه بدمشق ، عند ما بلغه تعدّي ظلم نوّاب أسد الدين شير كوه بن شادي إلى الرعية ، وظلمهم الناس ، وكثرة شكواهم إلى القاضي كمال الدين الشهرزوريّ ، وعجزه عن مقاومتهم ، فلما بنيت دار العدل أحضر شير كوه نوّابه وقال : إن نور الدين ما أمر ببناء هذه الدار إلّا بسببي ، والله لئن أحضرت إلى دار العدل بسبب أحد منكم لأصلبنه ، فامضوا إلى كلّ من كان بينكم وبينه منازعة في ملك أو غيره فافصلوا الحال معه وأرضوه بكلّ طريق أمكن ولو أتى على جميع ما بيدي. فقالوا إن الناس إذا علموا بذلك اشتطوا في الطلب. فقال : لخروج أملاكي عن يدي أسهل عليّ من أن يراني نور الدين بعين أني ظالم ، أو يساوي بيني وبين أحد من العامّة في الحكومة. فخرج أصحابه وعملوا ما أمرهم به من إرضاء أخصامهم ، وأشهدوا عليهم. فلما جلس نور الدين بدار العدل في يومين من الأسبوع ، وحضر عنده القاضي والفقهاء ، أقام مدّة لم يحضر أحد يشكو شير كوه ، فسأل عن ذلك فعرّف بما جرى منه ومن نوّابه ، فقال الحمد لله الذي جعل أصحابنا ينصفون من أنفسهم قبل حضورهم عندنا. وجلس أيضا السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب في يومي الاثنين والخميس لإظهار العدل ، ولما تسلطن الملك المعز أيبك التركمانيّ أقام الأمير علاء الدين أيدكين البندقداريّ في نيابة السلطنة بديار مصر ، فواظب الجلوس في المدارس الصالحية بين القصرين ومعه نوّاب دار العدل ليرتب الأمور وينظر في المظالم ، فنادى بإراقة الخمور وإبطال ما عليها من المقرّر ، وكان قد كثر الإرجاف بمسير الملك

٣٦٣

الناصر صلاح الدين يوسف بن العزيز محمد بن الظاهر غازي بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب الشام لأخذ مصر ، فلما انهزم الملك الناصر واستبدّ الملك المعز أيبك ، أحدث وزيره من المكوس شيئا كثيرا ، ثم إنّ الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداريّ بنى دار العدل وجلس بها للنظر في المظالم. كما تقدّم ، فلما بنى الإيوان الملك الناصر محمد بن قلاون واظب الجلوس يوم الاثنين والخميس فيه ، وصار يفصل فيه الحكومات في الأحايين إذا أعيي من دونه فصلها ، فلما استبدّ الملك الظاهر برقوق بالسلطنة عقد لنفسه مجلسا بالإصطبل السلطانيّ من قلعة الجبل ، وجلس فيه يوم الأحد ثامن عشري شهر رمضان سنة تسع وثمانين وسبعمائة ، وواظب ذلك في يومي الأحد والأربعاء ، ونظر في الجليل والحقير ، ثم حوّل ذلك إلى يومي الثلاثاء والسبت ، وأضاف إليهما يوم الجمعة بعد العصر ، وما زال على ذلك حتى مات ، فلما ولى ابنه الملك الناصر فرج بعده واستبدّ بأمره ، جلس للنظر في المظالم بالإصطبل اقتداء بأبيه ، وصار كاتب السرّ فتح الدين فتح الله يقرأ القصص عليه ، كما كان يقرؤها على أبيه ، فانتفع أناس وتضرّر آخرون بذلك ، وكان الضرر أضعاف النفع ، ثم لما استبدّ الملك المؤيد شيخ بالمملكة جلس أيضا للنظر في المظالم كما جلسا ، والأمر على ذلك مستمرّ إلى وقتنا هذا ، وهو سنة تسع عشرة وثمانمائة.

وقد عرف النظر في المظالم منذ عهد الدولة التركية بديار مصر والشام بحكم السياسة ، وهو يرجع إلى نائب السلطنة وحاجب الحجاب ، ووالي البلد ومتولى الحرب بالأعمال ، وسيرد إن شاء الله تعالى الكلام في حكم السياسة عن قريب.

ذكر خدمة الإيوان المعروف بدار العدل

كانت العادة أنّ السلطان يجلس بهذا الإيوان بكرة الاثنين والخميس طول السنة خلا شهر رمضان ، فإنه لا يجلس فيه هذا المجلس ، وجلوسه هذا إنما هو للمظالم ، وفيه تكون الخدمة العامّة واستحضار رسل الملوك غالبا ، فإذا جلس للمظالم كان جلوسه على كرسيّ إذا قعد عليه يكاد تلحق الأرض رجله ، وهو منصوب إلى جانب المنبر الذي هو تخت الملك وسرير السلطنة ، وكانت العادة أوّلا أن يجلس قضاة القضاة من المذاهب الأربعة عن يمينه ، وأكبرهم الشافعيّ ، وهو الذي يلي السلطان ، ثم إلى جانب الشافعيّ الحنفيّ ، ثم المالكيّ ، ثم الحنبليّ ، وإلى جانب الحنبليّ الوكيل عن بيت المال ، ثم الناظر في الحسبة بالقاهرة ، ويجلس على يسار السلطان كاتب السرّ ، وإن كان الوزير من أرباب السيوف ، كان واقفا على بعد مع بقية أرباب الوظائف ، وإن كان نائب السلطنة ، فإنه يقف مع أرباب الوظائف ، ويقف من وراء السلطان صفان عن يمينه ويساره من السلاحدارية والجمدارية والخاصكية ، ويجلس على بعد بقدر خمسة عشر ذراعا عن يمنته ويسرته ذو والسنّ والقدر من أكابر أمراء المئين ، ويقال لهم أمراء المشورة ، ويليهم من أسفل منهم أكابر الأمراء وأرباب الوظائف ، وهم

٣٦٤

وقوف ، وبقية الأمراء وقوف من وراء أمراء المشورة ، ويقف خلف هذه الحلقة المحيطة بالسلطان الحجاب والدوادارية ، لإعطاء قصص الناس وإحضار الرسل وغيرهم من الشكاة وأصحاب الحوائج والضرورات ، فيقرأ كاتب السرّ وموقعو الدست القصص على السلطان ، فإن احتاج إلى مراجعة القضاة راجعهم فيما يتعلق بالأمور الشرعية والقضايا الدينية ، وما كان متعلقا بالعسكر فإن كانت القصص في أمراء الإقطاعات قرأها ناظر الجيش ، فإن احتاج إلى مراجعة في أمر العسكر تحدّث مع الحاجب وكاتب الجيش فيه ، وما عدا ذلك يأمر فيه السلطان بما يراه ، وكانت العادة الناصرية أن تكون الخدمة في هذا الإيوان على ما تقدّم ذكره في بكرة يوم الاثنين ، وأما بكرة يوم الخميس فإن الخدمة على مثل ذلك ، إلّا أنّه لا يتصدّى السلطان فيه لسماع القصص ، ولا يحضره أحد من القضاة ولا الموقعين ولا كاتب الجيش ، إلا إن عرضت حاجة إلى طلب أحد منهم ، وهذا القعود عادته طول السنة ما عدا رمضان.

وقد تغير بعد الأيام الناصرية هذا الترتيب ، فصارت قضاة القضاة تجلس عن يمنة السلطان ويسرته ، فيجلس الشافعيّ عن يمينه ويليه المالكيّ ويليه قاضي العسكر ، ثم محتسب القاهرة ، ثم مفتي دار العدل الشافعيّ. ويجلس الحنفيّ عن يسرة السلطان ، ويليه الحنبليّ ، وصارت القصص تقرأ والقضاة وناظر الجيش يحضرون في يوم الخميس أيضا ، وكانت العادة أيضا أنه إذا ولي أحد المملكة من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاون ، فإنه عند ولايته يحضر الأمراء إلى داره بالقلعة وتفاض عليه الخلعة الخليفية السوداء ، ومن تحتها فرجية خضراء وعمامة سوداء مدوّرة ، ويقلد بالسيف العربيّ المذهب ، ويركب فرس النوبة ويسير والأمراء بين يديه ، والغاشية قدّامه ، والجاويشية تصيح ، والشبابة السلطانية ينفخ بها ، والطبردارية حواليه إلى أن يعبر من باب النحاس إلى درج هذا الإيوان ، فينزل عن الفرس ويصعد إلى التخت فيجلس عليه ، ويقبّل الأمراء الأرض بين يديه ، ثم يتقدّمون إليه ويقبلون يده على قدر رتبهم ، ثم مقدمو الحلقة ، فإذا فرغوا حضر القضاة والخليفة ، فتفاض التشاريف على الخليفة ، ويجلس مع السلطان على التخت ، ويقلد السلطان المملكة بحضور القضاة والأمراء ، ويشهد عليه بذلك ، ثم ينصرف ومعه القضاة ، فيمدّ السماط للأمراء ، فإذا انقضى أكلهم قام السلطان ودخل المقصورة وانصرف الأمراء.

ومما قيل في هذا الإيوان لمّا بناه السلطان الملك الناصر :

شرّفت إيوانا جلست بصدره

فشرحت بالإحسان منه صدورا

قد كاد يستعلي الفراقد رفعة

إذ حاز منك الناصر المنصورا

ملك الزمان ومن رعية ملكه

من عدله لا يظلمون نقيرا

لا زال منصور اللواء مؤيدا

أبد الزمان وضدّه مقهورا

وقيل أيضا :

٣٦٥

يا ملكا أطلع من وجهه

إيوانه لما بدا بدرا

أنسيتنا بالعدل كسرى ولن

نرضى لنا جبرا به كسرا

القصر الأبلق : هذا القصر يشرف على الإصطبل ، أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاون في شعبان سنة ثلاث عشرة وسبعمائة ، وانتهت عمارته في سنة أربع عشرة ، وأنشأ بجواره جنينة ، ولما كمل عمل فيه سماطا حضره الأمراء وأهل الدولة ، ثم أفيضت عليهم الخلع وحمل إلى كلّ أمير من أمراء المئين ومقدّمي الألوف ألف دينار ، ولكلّ من مقدّمي الحلقة خمسمائة درهم ، ولكلّ من أمراء الطبلخاناه عشرة آلاف درهم فضة ، عنها خمسمائة دينار ، فبلغت النفقة على هذا المهم خمسمائة ألف ألف درهم وخمسمائة ألف درهم.

وكانت العادة أن يجلس السلطان بهذا القصر كلّ يوم للخدمة ما عدا يومي الاثنين والخميس ، فإنه يجلس للخدمة بدار العدل ، كما تقدّم ذكره ، وكان يخرج إلى هذا القصر المطلّ على الإصطبل ، وتارة يقعد دونه على الأرض والأمراء وقوف على ما تقدّم ، خلا أمراء المشورة والقرباء من السلطان فإنه ليس لهم عادة بحضور هذا المجلس ، ولا يحضر هذا المجلس من الأمراء الكبار إلّا من دعت الحاجة إلى حضوره ، ولا يزال السلطان جالسا إلى الثالثة من النهار ، فيقوم ويدخل إلى قصوره الجوّانيية ، ثم إلى دار حريمه ونسائه ، ثم يخرج في أخريات النهار إلى قصوره الجوّانية فينظر في مصالح ملكه ، ويعبر إليه إلى قصوره الجوّانية خاصته من أرباب الوظائف في الأشغال المتعلقة به ، على ما تدعو الحاجة إليه ، ويقال لها خدمة القصر ، وهذا القصر تجاه بابه رحبة يسلك إليها من الرحبة التي تجاه الإيوان ، فيجلس بالرحبة التي على باب القصر خواص الأمراء قبل دخولهم إلى خدمة القصر ، ويمشي من باب القصر في دهاليز مفروشة بالرخام ، قد فرش فوقه أنواع البسط إلى قصر عظيم البناء شاهق في الهواء ، بإيوانين أعظمهما الشماليّ ، يطلّ منه على الإصطبلات السلطانية ، ويمتدّ النظر إلى سوق الخيل والقاهرة وظواهرها إلى نحو النيل وما يليه من بلاد الجيزة وقراها ، وفي الإيوان الثاني القبليّ باب خاص لخروج السلطان وخواصه منه إلى الإيوان الكبير أيام الموكب ، ويدخل من هذا القصر إلى ثلاثة قصور جوّانية ، منها واحد مسامت لأرض هذا القصر ، واثنان يصعد إليهما بدرج ، في جميعها شبابيك حديد تشرف على مثل منظرة القصر الكبير ، وفي هذه القصور كلها مجاري الماء مرفوعا من النيل بدواليب تديرها الأبقار من مقرّه إلى موضع ثم إلى آخر حتى ينتهي الماء إلى القلعة ويدخل إلى القصور السلطانية وإلى دور الأمراء الخواص المجاورين للسلطان ، فيجري الماء في دورهم ، وتدور به حماماتهم ، وهو من عجائب الأعمال لرفعته من الأرض إلى السماء قريبا من خمسمائة ذراع من مكان إلى مكان ، ويدخل من هذه القصور إلى دور الحريم ، وهذه القصور جميعها من ظاهرها مبنية بالحجر الأسود والحجر الأسفر ، موزرة من داخلها

٣٦٦

بالرخام والفصوص المذهبة المشجرة بالصدف والمعجون وأنواع الملوّنات ، وسقوفها كلها مذهبة قد موّهت باللازورد ، والنور يخرق في جدرانها بطاقات من الزجاج القبرسيّ الملوّن كقطع الجوهر المؤلفة في العقود ، وجميع الأراضي قد فرشت بالرخام المنقول إليها من أقطار الأرض مما لا يوجد مثله ، وتشرف الدور السلطانية من بعضها على بساتين وأشجار وساحات للحيوانات البديعة والأبقار والأغنام والطيور الدواجن ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر هذه القصور والبساتين والأحواش مفصلا. وكان بهذا القصر الأبلق رسوم وعوايد تغير كثير منها وبطل معظمها ، وبقيت إلى الآن بقايا من شعار المملكة ورسوم السلطنة ، وسأقص من أنباء ذلك إن شاء الله تعالى ما لا تراه بغير هذا الكتاب مجموعا ، والله يؤتي فضله من يشاء.

الأسمطة السلطانية : وكانت العادة أن يمدّ بالقصر في طرفي النهار من كلّ يوم أسمطة جليلة لعامّة الأمراء خلا البرّانيين ، وقليل ما هم. فبكرة يمدّ سماط أوّل لا يأكل منه السلطان ، ثم ثان بعده يسمى الخاص ، قد يأكل منه السلطان وقد لا يأكل ، ثم ثالث بعده ويسمى الطارئ ومنه مأكول السلطان. وأما في آخر النهار فيمتدّ سماطان ، الأوّل والثاني المسمى بالخاص ، ثم إن استدعي بطارىء حضّر ، وإلّا فلا ، ما عدا المشويّ فإنه ليس له عادة محفوظة النظام ، بل هو على حسب ما يرسم به ، وفي كلّ هذه الأسمطة يؤكل ما عليها ويفرّق نوالات ، ثم يسقى بعدها الأقسماء المعمولة من السكر والأفاويه المطيبة بماء الورد المبرّدة ، وكانت العادة أن يبيت في كلّ ليلة بالقرب من السلطان أطباق فيها أنواع من المطجنات والبوارد والقطر والقشطة والجبن المقليّ والموز والسكباج ، وأطباق فيها من الأقسماء والماء البارد برسم أرباب النوبة في السهر حول السلطان ، ليتشاغلوا بالمأكول والمشروب عن النوم ، ويكون الليل مقسوما بينهم بساعات الرمل ، فإذا انتهت نوبة نبهت التي تليها ، ثم ذهبت هي فنامت إلى الصباح ، هكذا أبدا سفرا أو حضرا ، وكانت العادة أيضا أن يبيت في المبيت السلطانيّ من القصر أو المخيم إن كان في السرحة المصاحف الكريمة لقراءة من يقرأ من أرباب النوبة ، ويبيت أيضا الشطرنج ليتشاغل به عن النوم. وبلغ مصروف السماط في كلّ يوم عيد الفطر من كلّ سنة ، خمسين ألف درهم ، عنها نحو ألفين وخمسمائة دينار ، تنهبه الغلمان والعامّة ، وكان يعمل في سماط الملك الظاهر برقوق في كل يوم خمسة آلاف رطل من اللحم ، سوى الأوز والدجاج ، وكان راتب المؤيد شيخ في كلّ يوم لسماطه وداره ثمانمائة رطل من اللحم ، فلما كان في المحرّم سنة ست وعشرين وثمانمائة ، سأل الملك الأشرف برسباي عن مقدار ما يطبخ له في كلّ يوم بكرة وعشيا فقيل له : ستمائة رطل في الوجبتين ، فأمر أن يطبخ بين يديه ، لأنه بلغه أنه يوخذ مما ذكر لشادّ الشرابخاناه ، ونحوه مائة وعشرون رطلا ، فجعل راتب اللحم في كل يوم بزيادة أيام الخدمة ، ونقصان أيام عدة الخدمة ، خمسمائة رطل وستة أرطال عن وجبتي الغداء والعشاء ، ومن الدجاج ستة وعشرين

٣٦٧

طائرا ولعمل المأمونية رطلين ونصفا من السكر ، وما يعمل برسم الجمدارية فإنه بعسل النحل.

ذكر العلامة السلطانية

قد جرت العادة أن السلطان يكتب خطه على كل ما يأمر به ، فأمّا مناشير الأمراء والجند وكلّ من له إقطاع فإنه يكتب عليه علامته ، وكتبها الملك الناصر محمد بن قلاون ، الله أملي ، وعمل ذلك الملوك بعده إلى اليوم ، وأما تقاليد النوّاب ، وتواقيع أرباب المناصب من القضاة والوزراء والكتاب ، وبقية أرباب الوظائف ، وتواقيع أرباب الرواتب والإطلاقات ، فإنه يكتب عليها اسمه واسم أبيه إن كان أبوه ملكا ، فيكتب مثلا محمد بن قلاون ، أو شعبان بن حسين ، أو فرج بن برقوق ، وإن لم يكن أبوه ممن تسلطن كبرقوق أو شيخ ، فإنه يكتب اسمه فقط ، ومثاله برقوق ، أو شيخ. وأما كتب البريد وخلاص الحقوق والظلامات ، فإنه يكتب أيضا عليها اسمه ، وربما كرّم المكتوب إليه فكتب إليه أخوه فلان ، أو والده فلان ، وأخوه يكتب للأكابر من أرباب الرتب والذي يعلم عليه السلطان ، أما إقطاع فالرسم فيه أن يقال خرج الأمر الشريف ، وأما وظائف ورواتب وإطلاقات ، فالرسم في ذلك أن يقال رسم بالأمر الشريف ، وأعلى ما يعلم عليه ما افتتح بخطبة أولها الحمد لله ، ثم ما افتتح بخطبة أوّلها أما بعد حمد الله ، حتى يأتي على خرج الأمر في المناشير ، أو رسم بالأمر في التواقيع ، ثم بعد هذا أنزل الرتب ، وهو أن يفتتح في المناشير ، خرج الأمر وفي التواقيع رسم بالأمر ، وتمتاز المناشير المفتتح فيها بالحمد لله. أوّل الخطبة ، أن تطغر بالسواد وتتضمن اسم السلطان وألقابه ، وقد بطلت الطغرافي وقتنا هذا ، وكانت العادة أن يطالع نوّاب المملكة السلطان بما يتجدّد عندهم تارة على أيدي البريدية ، وتارة على أجنحة الحمام ، فتعود إليهم الأجوبة السلطانية وعليها العلامة ، فإذا ورد البريديّ أحضره أمير جاندار ، وهو من أمراء الألوف ، والدوادار وكاتب السرّ بين يدي السلطان ، فيقبّل البريديّ الأرض ، ويأخذ الدوادار الكتاب فيمسحه بوجه البريدي ، ثم يناول للسلطان فيفتحه ، ويجلس حينئذ كاتب السرّ ويقرأ على السلطان سرّا ، فإن كان أحد من الأمراء حاضرا تنحى حتى يفرغ من القراءة ، ويأمر السلطان فيه بأمر ، وإن كان الخبر على أجنحة الحمام ، فإنه يكتب في ورق صغير خفيف ويحمل على الحمام الأزرق ، وكان لحمام الرسائل مراكز كما كان للبريد مراكز ، وكان بين كلّ مركزين من البريد أميال ، وفي كلّ مركز عدّة خيول كما بيناه في ذكر الطريق فيما بين مصر والشام ، وكانت مراكز الحمام كلّ مركز منها ثلاثة مراكز من مراكز البريد ، فلا يتعدّى الحمام ذلك المركز ، وينقل عند نزوله المركز على ما على جناحه إلى طائر حتى يسقط بقلعة الجبل ، فيحضره البرّاج ، ويقرأ كاتب السرّ البطاقة ، وكلّ هذا مما يعلم عليه بالقصر ، ومما كان يحضر إلى القصر بالقلعة في كلّ يوم ورقة الصباح ، يرفعها والى القاهرة ووالي مصر ، وتشتمل على إنهاء ما تجدّد في كل يوم وليلة بحارات البلدين وأخطاطهما من حريق أو قتل قتيل أو سرقة سارق ونحو ذلك ، ليأمر السلطان فيه بأمره.

٣٦٨

الأشرفية : هذا القصر المعروف بالأشرفية أنشأ الملك الأشرف خليل بن قلاون في سنة اثنتين وتسعين وستمائة ، ولما فرغ صنع به مهما عظيما لم يعمل مثله في الدولة التركية ، وختن أخاه الملك الناصر محمد بن قلاون ، وابن أخيه الأمير موسى بن الصالح عليّ بن قلاون ، وجمع سائر أرباب الملاهي ، وجميع الأمراء ، ووقف الخزاندارية بأكياس الذهب ، فلما قام الأمراء من الخاصكية للرقص ، نثر الخزاندارية على كلّ من قام للرقص حتى فرغ الختان ، فأنعم على كلّ أمير من الأمراء بفرس كامل القماش ، وألبس خلعة عظيمة ، وأنعم على عدّة منهم كلّ واحد بألف دينار وفرس ، وأنعم على ثلاثين من الأمراء الخاصكية لكل واحد مبلغ خمسة آلاف دينار ، وأنعم على البليبل المغني بألف دينار ، وكان الذي عمل في هذا المهم من الغنم ثلاثة آلاف رأس ، ومن البقر ستمائة رأس ، ومن الخيل خمسمائة أكديس ، ومن السكر برسم المشروب ألف قنطار وثمانمائة قنطار ، وبرسم الحلوى مائة وستون قنطارا ، وبلغت النفقة على هذا المهمّ في عمل السماط والمشروب والأقبية والطراز والسروج وثياب النساء مبلغ ثلاثمائة ألف دينار عينا.

البيسرية : ومن جملة دور القلعة قاعة البيسرية ، أنشأها السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاون ، وكان ابتداء بنائها في أوّل يوم من شعبان سنة إحدى وستين وسبعمائة ، ونهاية عمارتها في ثامن عشري ذي الحجة من السنة المذكورة ، فجاءت من الحسن في غاية لم ير مثلها ، وعمل لهذه القاعة من الفرش والبسط ما لا تدخل قيمته تحت حصر ، فمن ذلك تسعة وأربعون ثريا برسم وقود القناديل ، جملة ما دخل فيها من الفضة البيضاء الخالصة المضروبة مائتا ألف وعشرون ألف درهم ، وكلها مطلية بالطهب ، وجاء ارتفاع بناء هذه القاعة طولا في السماء ثمانية وثمانين ذراعا ، وعمل السلطان بها برجا يبيت فيه ، من العاج والأبنوس ، مطعّم يجلس بين يديه ، وأكناف وباب يدخل منه إلى أرض كذلك ، وفيه مقرنص قطعة واحدة يكاد يذهل الناظر إليه ، بشبابيك ذهب خالص ، وطرازات ذهب مصوغ ، وشرافات ذهب مصوغ ، وقبة مصوغة من ذهب صرف ، فيه ثمانية وثلاثون ألف مثقال من الذهب ، وصرف في مؤنه وأجره تتمة ألف درهم فضة ، عنها خمسون ألف دينار ، ذهبا ، وبصدر إيوان هذه القاعة شباك حديد يقارب باب زويلة يطل على جنينة بديعة الشكل.

الدهيشة : عمّرها السلطان الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن محمد بن قلاون ، في سنة خمس وأربعين وسبعمائة ، وذلك أنه بلغه عن الملك المؤيد عماد الدين صاحب حماه أنه عمر بحماه دهيشة لم يبن مثلها ، فقصد مضاهاته ، وبعث الأمير أقجبا وابجيج المهندس لكشف دهيشة حماه ، وكتب لنائب حلب ونائب دمشق بحمل ألفي حجر بيض ، وألفي حجر حمر من حلب ودمشق ، وحشرت الجمال لحملها حتى وصلت إلى قلعة

٣٦٩

الجبل ، وصرف في حمولة كلّ حجر من حلب اثنا عشر درهما ، ومن دمشق ثمانية دراهم ، واستدعى الرخام من سائر الأمراء وجميع الكتاب ، ورسم بإحضار الصناع للعمل ، ووقع الشروع فيها حتى تمت في شهر رمضان منها ، وقد بلغ مصروفها خمسمائة ألف درهم ، سوى ما قدم من دمشق وحلب وغير هما ، وعمل لها من الفرش والبسط والآلات ما يجلّ وصفه ، وحضر بها سائر الأغاني ، وكان مهما عظيما.

السبع قاعات : هذه القاعات تشرف على الميدان وباب القرافة ، عمّرها الملك الناصر محمد بن قلاون ، وأسكنها سراريه ، ومات عن ألف ومائتي وصيفة مولدة ، سوى من عداهنّ من بقية الأجناس.

الجامع بالقلعة : هذا الجامع أنشأه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون في سنة ثمان عشرة وسبعمائة ، وكان قبل ذلك هناك جامع دون هذا ، فهدمه السلطان وهدم المطبخ والحوائجخاناه والفراشخاناه ، وعمله جامعا ، ثم أخربه في سنة خمس وثلاثين وسبعمائة ، وبناه هذا البناء ، فلما تم بناؤه جلس فيه واستدعى جميع مؤذني القاهرة ومصر ، وجميع القرّاء والخطباء ، وعرضوا بين يديه ، وسمع تأذينهم وخطابتهم وقراءتهم ، فاختار منهم عشرين مؤذنا رتبهم فيه ، وقرّر فيه درس فقه ، وقارئا يقرأ في المصحف ، وجعل عليه أوقافا تكفيه وتفيض ، وصار من بعده من الملوك يخرجون أيام الجمع إلى هذا الجامع ويحضر خاصة الأمراء معه من القصر ، ويجيء باقيهم من باب الجامع ، فيصلي السلطان عن يمين المحراب في مقصورة خاصة به ، ويجلس عنده أكابر خاصته ، ويصلي معه الأمراء خصتهم وعامّتهم خارج المقصورة عن يمنتها ويسرتها على مراتبهم ، فإذا انقضت الصلاة دخل إلى قصوره ودور حرمه ، وتفرّق كلّ أحد إلى مكانه.

وهذا الجامع متسع الأرجاء مرتفع البناء ، مفروش الأرض بالرخام ، مبطن السقوف بالذهب ، وبصدره قبة عالية يليها مقصورة مستورة ، هي والرواقات بشبابيك الحديد المحكمة الصنعة ، ويحف صحنه رواقات من جهاته.

الدار الجديدة : هذه الدار عند باب سرّ القلعة المطل على سوق الخيل ، عمّرها الملك الظاهر بيبرس البندقداريّ في سنة أربع وستين وستمائة ، وعمل بها في جمادى الأولى منها دعوة للأمراء عند فراغها.

خزانة الكتب : وقع بها الحريق يوم الجمعة رابع صفر سنة إحدى وتسعين وستمائة ، فتلف بها من الكتب في الفقه والحديث والتاريخ وعامة العلوم شيء كثير جدا ، كان من ذخائر الملوك ، فانتهبها الغلمان وبيعت أوراقا محرّقة ، ظفر الناس منها بنفائس غريبة ما بين ملاحم وغيرها ، وأخذوها بأبخس الأثمان.

٣٧٠

القاعة الصالحية : عمّرها الملك الصالح نجم الدين أيوب ، وكانت سكن الملوك إلى أن أحترقت في سادس ذي الحجة سنة أربع وثمانين وستمائة ، واحترق معها الخزانة السلطانية.

باب النحاس : هذا الباب من داخل الستارة ، وهو أجل أبواب الدور السلطانية ، عمّره الناصر محمد بن قلاون ، وزاد في سعة دهليزه.

باب القلة : عرف بذلك من أجل أنه كان هناك قلة بناها الملك الظاهر بيبرس ، وهدمها الملك المنصور قلاون في يوم الأحد عاشر شهر رجب سنة خمس وثمانين وستمائة ، وبنى مكانها قبة ، فرغت عمارتها في شوّال منها ، ثم هدمها الملك الناصر محمد بن قلاون وجدّد باب القلة على ما هو عليه الآن ، وعمل له بابا ثانيا.

الرفرف : عمّره الملك الأشرف خليل بن قلاون ، وجعله عاليا يشرف على الجيزة كلها ، وبيّضه وصوّر فيه أمراء الدولة وخواصها ، وعقد عليه قبة على عمد ، وزخرفها ، وكان مجلسا يجلس فيه السلطان ، واستمرّ جلوس الملوك به حتى هدمه الملك الناصر حمد بن قلاون في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة ، وعمل بجواره برجا بجوار الإصطبل ، نقل إليه المماليك.

الجب : كان بالقلعة جب يحبس فيه الأمراء ، وكان مهولا مظلما كثير الوطاويط كريه الرائحة ، يقاسي المسجون فيه ما هو كالموت أو أشدّ منه ، عمره الملك المنصور قلاون في سنة إحدى وثمانين وستمائة ، فلم يزل إلى أن قام الأمير بكتمر الساقي في أمره مع الملك الناصر محمد بن قلاون ، حتى أخرج من كان فيه من المحابيس ونقلهم إلى الأبراج وردمه ، وعمّر فوق الردم طباقا ، في سنة تسع وعشرين وسبعمائة.

الطبلخاناه تحت القلعة : ذكر هشام بن الكلبيّ : أن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه لما قدم الشام ، تلقاه المقلسون من أهل الأديان بالسيوف والريحان ، فكره عمر رضي‌الله‌عنه النظر إليهم وقال : ردّوهم. فقال له أبو عبيدة بن الجرّاح رضي‌الله‌عنه ، إنها سنة الأعاجم ، فإن منعتهم ظنوا أنه نقض لعهدهم. فقال عمر رضي‌الله‌عنه : دعوهم والتقليس : الضرب بالطبل أو الدف.

وهذه الطبلخاناه الموجودة الآن تحت القلعة فيما بين باب السلسلة وباب المدرج ، كانت دار العدل القديمة التي عمرها الملك الظاهر بيبرس ، وتقدّم خبرها. فلما كانت سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة ، هدمها الناصر محمد بن قلاون وبناها هذه الطبلخاناه الموجودة الآن تحت قلعة الجبل ، فيما بين باب السلسلة وباب المدرج ، وصار ينزل إلى عمارتها كلّ قليل ، وتولى شدّ العمارة بها آق سنقر شادّ العمائر ، ووجد في أساسها أربعة قبور كبار ،

٣٧١

المقدار عليها قطع رخام منقوش عليها أسماء المقبورين وتاريخ وفاتهم ، فنبشوا ونقلوا قريبا من القلعة، فكانوا خلقا كبيرا عظيما في الطول والعرش ، على بعضهم ملاءة ديبقية ملوّنة ، ساعة مستها الأيدي تمزقت وتطايرت هباء ، وفيهم اثنان عليهما آلة الحرب وعدّة الجهاد ، وبهما آثار الدماء والجراحات ، وفي وجه أحد هما ضربة سيف بين عينيه ، والجرح مسدود بقطنة ، فلما أمسكت القطنة ورفعت عن الجرح فوق الحاجب ، نبع من تحتها دم يظنّ أنه جرح طريّ ، فكان في ذلك موعظة وذكرى ، وكانت الطبلخاناه ساحة بغير سقف ، فلما ولي الأمير سودون داز أمير أخور ، وسكن الإصطبل السلطانيّ ، عمّر هذه الطباق فوق الطباق ، وكان الغرض من عمارتها صحيحا ، فإن المدرسة الأشرفية كانت حينئذ قائمة تجاه الطبلخاناه ، ولما كان زمان الفتن بين أمراء الدولة ، تحصن فوقها طائفة ليرموا على الإصطبل والقلعة ، فأراد بناء هذه الطباق فوق الطباق أن يجعل بها رماة ، حتى لا يقدر أحد يقيم فوق المدرسة الأشرفية ، وقد بطل ذلك ، فإن الملك الناصر فرج بن برقوق هدم المدرسة الأشرفية ، كما ذكر في هذا الكتاب عند ذكر المدارس.

الطباق بساحة الإيوان : عمّرها الملك الناصر محمد بن قلاون ، وأسكنها المماليك السلطانية ، وعمر حارة تختص بهم ، وكانت الملوك تعني بها غاية العناية ، حتى أن الملك المنصور قلاون كان يخرج في غالب أوقاته إلى الرحبة عند استحقاق حضور الطعام للمماليك ، ويأمر بعرضه عليه ويتفقد لحمهم ويختبر طعامهم في جودته ورداءته ، فمتى رأى فيه عيبا اشتدّ على المشرف والاستادار ونهر هما وحلّ بهما منه أيّ مكروه ، وكان يقول : كلّ الملوك عملوا شيئا يذكرون به ما بين مال وعقار ، وأنا عمّرت أسوارا وعملت حصونا مانعة لي ولأولادي وللمسلمين ، وهم المماليك ، وكانت المماليك أبدا تقيم بهذه الطبقات لا تبرح فيها ، فلما تسلطن الملك الأشرف خليل بن قلاون سمح للمماليك أن ينزلوا من القلعة في النهار ولا يبتوا إلا بها ، فكان لا يقدر أحد منهم أن يبيت بغيرها ، ثم أنّ الملك الناصر محمد بن قلاون سمح لهم بالنزول إلى الحمام يوما في الأسبوع ، فكانوا ينزلون بالنوبة مع الخدّام ، ثم يعودون آخر نهارهم ، ولم يزل هذا حالهم إلى أن انقرضت أيام بني قلاون ، وكانت للمماليك بهذه الطباق عادات جميلة ، أوّلها أنه إذا قدم بالمملوك تاجره عرضه على السلطان ونزله في طبقات جنسه وسلمه لطواشيّ برسم الكتابة ، فأوّل ما يبدأ به تعليمه ما يحتاج إليه من القرآن الكريم ، وكانت كلّ طائفة لها فقيه يحضر إليها كلّ يوم ويأخذ في تعليمها كتاب الله تعالى ومعرفة الخط والتمرّن بآداب الشريعة ، وملازمة الصلوات والأذكار ، وكان الرسم إذ ذاك أن لا تجلب التجار إلا المماليك الصغار ، فإذا شبّ الواحد من المماليك علّمه الفقيه شيئا من الفقه ، وأقرأه فيه مقدّمة ، فإذا صار إلى سنّ البلوغ أخذ في تعليمه أنواع الحرب من رمى السهام ولعب الرمح ونحو ذلك ، فيتسلم كلّ طائفة معلم حتى يبلغ الغاية في معرفة ما يحتاج إليه ، وإذا ركبوا إلى لعب الرمح أو رمي النشاب لا يجسر جندي ولا

٣٧٢

أمير أن يحدّثهم أو يدنو منهم ، فينقل إذن إلى الخدمة ويتنقل في أطوارها رتبة بعد رتبة إلى أن يصير من الأمراء ، فلا يبلغ هذه الرتبة إلا وقد تهذبت أخلاقه وكثرت آدابه ، وامتزج تعظيم الإسلام وأهله بقلبه ، واشتدّ ساعده في رماية النشاب ، وحسن لعبه بالرمح ، ومرن على ركوب الخيل ، ومنهم من يصير في رتبة فقيه عارف ، أو أديب شاعر ، أو حاسب ماهر ، هذا ولهم أزمّة من الخدّام ، وأكابر من رؤوس النوب يفحصون عن حال الواحد منهم الفحص الشافي ، ويؤاخذونه أشدّ المؤاخذة ، ويناقشونه على حركاته وسكناته ، فإن عثر أحد من مؤدّبيه الذي يعلّمه القرآن ، أو الطواشيّ الذي هو مسلّم إليه ، أو رأس النوبة الذي هو حاكم عليه ، على أنه اقترف ذنبا ، أو أخلّ برسم ، أو ترك أدبا من آداب الدين أو الدنيا ، قابله على ذلك بعقوبة مؤلمة شديدة بقدر جرمه ، وبلغ من تأديبهم أن مقدّم المماليك كان إذا أتاه بعض مقدّمي الطباق في السحر ، يشاور على مملوك أنه يغتسل من جنابة ، فيبعث من يكشف عن سبب جنابته ، إن كان من احتلام فينظر في سراويله ، هل فيه جنابة أم لا ، فإن لم يجد به جنابة جاءه الموت من كلّ مكان ، فلذلك كانوا سادة يدبرون الممالك ، وقادة يجاهدون في سبيل الله ، وأهل سياسة يبالغون في إظهار الجميل ، ويردعون من جارة أو تعدّى ، وكانت لهم الإدرارات الكثيرة من اللحوم والأطعمة والحلاوات والفواكه والكسوات الفاخرة والمعاليم من الذهب والفضة ، بحيث تتسع أحوال غلمانهم ، ويفيض عطاؤهم على من قصدهم.

ثم لما كانت أيام الظاهر برقوق ، راعى الحال في ذلك بعض الشيء إلى أن زالت دولته في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ، فلما عاد إلى المملكة رخص للمماليك في سكنى القاهرة ، وفي التزوّج ، فنزلوا من الطباق من القلعة ونكحوا نساء أهل المدينة ، واخلدوا إلى البطالة ، ونسوا تلك العوائد ، ثم تلاشت الأحوال في أيام الناصر فرج بن برقوق ، وانقطعت الرواتب من اللحوم وغيرها حتى عن مماليك الطباق مع قلة عددهم ، ورتب لكلّ واحد منهم في اليوم مبلغ عشرة دراهم من الفلوس ، فصار غذاؤهم في الغالب الفول المصلوق ، عجزا عن شراء اللحم وغيره ، وهذا وبقي الجلب من المماليك إنما هم الرجال الذين كانوا في بلادهم ما بين ملاح سفينة ووقاد في تنور خباز ، ومحوّل ماء في غيط أشجار ونحو ذلك ، واستقرّ رأي الناصر على أن تسليم المماليك للفقيه يتلفهم ، بل يتركون وشؤونهم ، فبدّلت الأرض غير الأرض ، وصارت المماليك السلطانية أرذل الناس وأدناهم وأخسهم قدرا ، وأشحهم نفسا ، وأجهلهم بأمر الدنيا ، وأكثرهم إعراضا عن الدين ، ما فيهم إلّا من هو أزنى من قرد ، وألص من فأرة ، وأفسد من ذئب ، لا جرم أن خربت أرض مصر والشام ، من حيث يصب النيل إلى مجرى الفرات ، بسوء إبالة الحكام ، وشدّة عبث الولاة ، وسوء تصرّف أولي الأمر ، حتى أنه ما من شهر إلّا ويظهر من الخلل العام ما لا يتدارك فرطه ، وبلغت عدّة المماليك السلطانية في أيام الملك المنصور قلاون ستة آلاف وسبعمائة ، فأراد ابنه الأشرف

٣٧٣

خليل تكميل عدّتها عشرة آلاف مملوك ، وجعلهم طوائف ، فأفرد طائفتي الأرمن والجركس وسماها البرجية لأنه أسكنها في أبراج بالقلعة ، فبلغت عدّتهم ثلاثة آلاف وسبعمائة ، وأفرد جنس الخطا والقبجاق وأنزلهم بقاعة عرفت بالذهبية والزمرذية ، وجعل منهم جمدارية وسقاة ، وسماهم خاصكية ، وعمل البرجية سلاحدارية وجمقدارية وجاشنكيرية وأوشاقية ، ثم شغف الملك الناصر محمد بن قلاون بجلب المماليك من بلاد أزبك وبلاد توريز وبلاد الروم وبغداد ، وبعث في طلبهم وبذل الرغائب للتجار في حملم إليه ، ودفع فيهم الأموال العظيمة ، ثم أفاض على من يشتريه منهم أنواع العطاء من عامّة الأصناف دفعة واحدة في يوم واحد ، ولم يراع عادة أبيه ومن كان قبله من الملوك في تنقل المماليك في أطوار الخدم حتى يتدرب ويتمرّن ، كما تقدّم ، وفي تدريجه من ثلاثة دنانير في الشهر إلى عشرة دنانير ، ثم نقله من الجامكية إلى وظيفة من وظائف الخدمة ، بل اقتضى رأيه أن يملأ أعينهم بالعطاء الكثير دفعة واحدة ، فأتاه من المماليك شيء كثير رغبة فيما لديه ، حتى كان الأب يبيع ابنه للتاجر الذي يجلبه إلى مصر ، وبلغ ثمن المملوك في أيامه إلى مائة ألف درهم فما دونها ، وبلغت نفقات المماليك في كلّ شهر إلى سبعين ألف درهم ، ثم تزايدت حتى صارت في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة مائتين وعشرين ألف درهم.

دار النيابة : كان بقلعة الجبل دار نيابة بناها الملك المنصور قلاون في سنة سبع وثمانين وستمائة ، سكنها الأمير حسام الدين طرنطاي ، ومن بعده من نوّاب السلطنة ، وكانت النوّاب تجلس بشباكها حتى هدمها الملك الناصر محمد بن قلاون في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة ، وأبطل النيابة وأبطل الوزارة أيضا ، فصار موضع دار النيابة ساحة ، فلما مات الملك الناصر أعاد الأمير قوصون دار النيابة عند استقراره في نيابة السلطنة ، فلم تكمل حتى قبض عليه ، فولي نيابة السلطنة الأمير طشتمر حمص أخضر وقبض عليه ، فتولى بعد نيابة السلطنة الأمير شمس الدين آق سنقر في أيام الملك الصالح إسماعيل بن الملك الناصر محمد بن قلاون ، فجلس بها في يوم السبت أوّل صفر سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة في شباك دار النيابة ، وهو أوّل من جلس بها من النوّاب بعد تجديدها ، وتوارثها النوّاب بعده ، وكانت العادة أن يركب جيوش مصر يومي الاثنين والخميس في الموكب تحت القلعة ، فيسيرون هناك من رأس الصوة إلى باب القرافة ، ثم تقف العسكر مع نائب السلطنة وينادى على الخيل بينهم ، وربما نودي على كثير من آلات الجند والخيم والجركاوات والأسلحة ، وربما نودي على كثير من العقار ، ثم يطلعون إلى الخدمة السلطانية بالإيوان بالقلعة على ما تقدّم ذكره ، فإذا مثل النائب في حضرة السلطان ، وقف في ركن الإيوان إلى أن تنقضي الخدمة ، فيخرج إلى دار النيابة والأمراء معه ، ويمدّ السماط بين يديه كما يمدّ سماط السلطان ، ويجلس جلوسا عاما للناس ، ويحضره أرباب الوظائف ، وتقف قدّامه الحجاب ، وتقرأ القصص ، وتقدّم إليه الشكاة ، ويفصل أمورهم.

٣٧٤

فكان السلطان يكتفي بالنائب ولا يتصدّى لقراءة القصص عليه وسماع الشكوى ، تعويلا منه على قيام النائب بهذا الأمر ، وإذا قرئت القصص على النائب نظر ، فإن كان مرسومه يكفي فيها أصدره عنه ، وما لا يكفي فيه إلّا مرسوم السلطان أمر بكتابته عن السلطان وأصدره ، فيكتب ذلك وينبه فيه على أنه بإشارة النائب ، ويميز عن نوّاب السلطان بالممالك الشامية بأن يعبر عنه بكافل المملكة الشريفة الإسلامية ، وما كان من الأمور التي لا بدّ له من إحاطة علم السلطان بها ، فإنه إما أن يعلمه بذلك منه إليه وقت الاجتماع به ، أو يرسل إلى السلطان من يعلمه به ، ويأخذ رأيه فيه وكان ديوان الإقطاع ، وهو الجيش في زمان النيابة ليس لهم خدمة إلا عند النائب ، ولا اجتماع إلّا به ، ولا يجتمع ناظر الجيش بالسلطان في أمر من الأمور ، فلما أبطل الملك الناصر محمد بن قلاون النيابة ، صار ناظر الجيش يجتمع بالسلطان ، واستمرّ ذلك بعد إعادة النيابة ، وكان الوزير وكاتب السرّ يراجعان النائب في بعض الأمور دون بعض ، ثم اضمحلت نيابة السلطنة في أيام الناصر محمد بن قلاون ، وتلاشت أوضاعها ، فلما مات أعيدت بعده ولم تزل إلى أثناء أيام الظاهر برقوق ، وآخر من وليها على أكثر قوانينها الأمير سودون الشيخيّ ، وبعده لم يل النيابة أحد في الأيام الظاهرية ، ثم إن الناصر فرج بن برقوق أقام الأمير تمراز في نيابة السلطنة ، فلم يسكن دار النيابة في القلعة ، ولا خرج عما يعرفه من حال حاجب الحجاب ، ولم يل النيابة بعد تمراز أحد إلى يومنا هذا ، وكانت حقيقة النائب أنه السلطان الثاني ، وكانت سائر نوّاب الممالك الشامية وغيرها تكاتبه في غالب ما تكاتب فيه السلطان ، ويراجعونه فيه ، كما يراجع السلطان ، وكان يستخدم الجند ويخرج الإقطاعات من غير مشاورة ، ويعين الأمر لكن بمشاورة السلطان ، وكان النائب هو المتصرّف المطلق التصرّف في كلّ أمر ، فيراجع في الجيش والمال والخبر ، وهو البريد ، وكلّ ذي وظيفة لا يتصرّف إلّا بأمره ، ولا يفصل أمرا معضلا إلّا مراجعته ، وهو الذي يستخدم الجند ويرتب في الوظائف إلّا ما كان منها جليلا كالوزارة والقضاء وكتابة السرّ والجيش ، فإنه يعرض على السلطان من يصلح ، وكان قل أن لا يجاب في شيء يعينه ، وكان من عدا نائب السلطنة بديار مصر يليه في رتبة النيابة ، وكلّ نوّاب الممالك تخاطب بملك الأمراء إلّا نائب السلطنة بمصر فإنه يسمى كافل الممالك ، تمييزا له وإبانة عن عظيم محله ، وبالحقيقة ما كان يستحق اسم نيابة السلطنة بعد النائب بمصر سوى نائب الشام بدمشق فقط ، وإنما كانت النيابة تطلق أيضا على أكابر نوّاب الشام ، وليس لأحد منهم من التصرّف ما كان لنائب دمشق ، إلّا أن نيابة السلطنة بحلب تلي رتبة نيابة السلطنة بدمشق ، وقد اختلت الآن الرسوم ، واتضعت الرتب ، وتلاشت الأحوال ، وعادت أسماء لا معنى لها ، وخيالات حاصلها عدم. والله يفعل ما يشاء.

٣٧٥

ذكر جيوش الدولة التركية وزيّها وعوايدها

اعلم أنه قد كان بقلعة الجبل مكان معدّ لديوان الجيش ، وأدركت منه بقية إلى أثناء دولة الظاهر برقوق ، وكان ناظر الجيش ، وسائر كتاب الجيش لا يبرحون في أيام الخدمة نهارهم مقيمين بديوان الجيش ، وكانت لهذا الديوان عوايد قد تغير أكثرها ونسي غالب رسومه ، وكانت جيوش الدولة التركية بديار مصر على قسمين ، منهم من هو بحضرة السلطان ، ومنهم من هو في أقطار المملكة وبلادها وسكان بادية كالعرب والتركمان. وجندها مختلط من أتراك وجركس وروم وأكراد وتركمان ، وغالبهم من المماليك المبتاعين ، وهم طبقات ، أكابرهم من له إمرة مائة فارس ، وتقدمة ألف فارس ، ومن هذا القبيل تكون أكابر النوّاب ، وربما زاد بعضهم بالعشرة فوارس والعشرين. ثم أمراء الطبلخاناه ، ومعظمهم من تكون له إمرة أربعين فارسا ، وقد يوجد فيهم من له أزيد من ذلك إلى السبعين ، ولا تكون الطبلخاناه لأقل من أربعين. ثم أمراء العشراوات ، ممن تكون له إمرة عشرة ، وربما كان فيهم من له عشرون فارسا ولا يعدّون في أمراء العشراوات. ثم جند الحلقة ، وهؤلاء تكون مناشيرهم من السلطان ، كما أنّ مناشير الأمراء من السلطان ، وأما أجناد الأمراء فمناشيرهم من أمرائهم ، وكان منشور الأمير يعين فيه للأمير ثلث الإقطاع ولأجناده الثلثان ، فلا يمكن الأمير ولا مباشروه أن يشاركوا أحدا من الأجناد فيما يخصهم إلّا برضاهم ، وكان الأمير لا يخرج أحدا من أجناده حتى يتبين للنائب موجب يقتضي إخراجه ، فحينئذ يخرجه نائب السلطان ويقيم عند الأمير عوضه ، وكان لكل أربعين جنديا من جند الحلقة مقدّم عليهم ، ليس له عليهم حكم إلّا إذا خرج العسكر لقتال ، فكانت مواقف اوربعين مع مقدّمهم وترتيبهم في موقفهم إليه ويبلغ بمصر إقطاع بعض أكابر أمراء المئني المقدّمين من السلطان مائتي ألف دينار جيشية ، وربما زاد على ذلك ، وأما غيرهم فدون ذلك ، يعبر أقلها إلى ثمانين ألف دينار وما حولها. وأمّا الطبلخاناه فمن ثلاثين ألف دينار إلى ثلاثة وعشرين ألف دينار ، وأما العشراوات فأعلاها سبعة آلاف دينار إلى ما دونها ، وأما إقطاعات أجناد الحلقة فأعلاها ألف وخمسمائة دينار ، وهذا القدر وما حوله إقطاعات أعيان مقدّمي الحلقة ، ثم بعد ذلك الأجناد بابات ، حتى يكون أدناهم مائتين وخمسين دينارا ، وسيرد تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى وأما إقطاعات جند الأمراء فإنها على ما يراه الأمير من زيادة بينهم ونقص.

وأما إقطاعات الشام فإنها لا تقارب هذا ، بل تكون على الثلثين مما ذكرنا ، ما خلا نائب السلطنة بدمشق فإنه يقارب إقطاعه أعلى إقطاعات أكابر أمراء مصر المقرّبين.

وجميع جند الأمراء تعرض بديوان الجيش ويتبت اسم الجندي وحليته ، ولا يستبدل أميره به غير إلّا بتنزيل من عوّض به وعرضه.

وكانت للأمراء على السلطان في كلّ سنة ملابس ينعم بها عليهم ، ولهم في ذلك حظ

٣٧٦

وافر ، وينعم على أمراء المئين بخيول مسرجة ملجمة ، ومن عداهم بخيول عري ، ويميز خاصتهم على عامتهم ، وكان لجميع الأمراء من المئين والطبلخاناه والعشراوات على السلطان الرواتب الجارية في كلّ يوم ، من اللحم وتوابله كلها والخبز ، والشعير لعليق الخيل ، والزيت. ولبععضهم الشمع والسكّر والكسوة في كلّ سنة. وكذلك لجميع ممليك السلطان وذوي الوظائف من الجند ، وكانت العادة إذا نشأ لأحد الأمراء ولد ، أطلق له دنانير ولحم وخبز وعليق ، حتى يتأهل للإقطاع في جملة الحلقة ، ثم منهم من ينتقل إلى إمرة عشرة أو إلى إمرة طبلخاناه ، بحسب الحظ ، واتفق للأميرين طرنطاي وكتبغا أنّ كلا منهما زوّج ولده بابنة الآخر ، وعمل لذلك المهم العظيم ، ثم سأل الأمير طرنطاي ، وهو إذ ذاك نائب السلطان ، الأمير بيلبك الأيدمريّ والأمير طيبرس أن يسألا السلطان الملك المنصور قلاون في الإنعام على ولده وولد الأمير كتبغابا قطاعين في الحلقة ، فقال لهما : والله لو رأيتهما في مصاف القتال يضربان بالسيف ، أو كانا في زحف قدّامي ، أستقبح أن أعطي لهما أخبازا في الحلقة ، خشية أن يقال أعطى الصبيان الأخباز ، ولم يجب سؤالهما هذا. وهم من قد عرفت.

لكن كان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي رحمه‌الله ، إذا مات الجنديّ أعطى إقطاعه لولده ، فإن كان صغيرا رتب معه من يلى أمره حتى يكبر ، فكان أجناده يقولون : الإقطاعات أملاكنا يرثها أولادنا الولد عن الوالد ، فنحن نقاتل عليها. وبه اقتدى كثير من ملوك مصر في ذلك. وللأمراء المقدّمين حوائص ذهب في وقت الركوب إلى الميدان ، ولكلّ أمير من الخواص على السلطان مرتب من السكر والحلوى في شهر رمضان ، ولسائرهم الأضحية في عيد الأضحى على مقادير رتبهم ، ولهم البرسيم لتربيع دوابهم ، ويكون في تلك المدجة بدل العليق المرتب لهم ، وكانت الخيول السلطانية تفرّق على الأمراء مرّتين في كلّ سنة ، مرّة عند ما يخرج السلطان إلى مرابط خيوله في الربيع عند اكتمال تربيعها ، ومرّة عند لعبه بالأكرة في الميدان. ولخاصة السلطان المقرّبين زيادة كثيرة من ذلك ، بحيث يصل إلى بعضهم في السنة مائة فرس ، ويفرّق السلطان أيضا الخيول على المماليك السلطانية في أوقات أخر ، وربما يعطى بعض مقدّمي الحلقة ، ومن نفق له فرس من المماليك ، يحضر من لحمه والشهادة بأنه نفق ، فيعطى بدله. ولخاصة السلطان المقرّبين أنعام من الإنعامات ، كالعقارات والأبنية الضخمة التي ربما أنفق على بعضها زيادة على مائة ألف دينار ، ووقع هذا في الأيام الناصرية مرارا ، كما ذكر عند ذكر الدول من هذا الكتاب ، ولهم أيضا كساوى القماش المنوّع ، ولهم عند سفرهم إلى الصيد وغيره العلوفات والأنزال ، وكانت لهم آداب لا يخلّون بها ، منها أنهم إذا أدخلوا إلى الخدمة بالإيوان أو القصر ، وقف كلّ أمير في مكانه المعروف به ، ولا يجسر أحد منهم ولا من المماليك أن يحدّث رفيقه في الخدمة ولا بكلمة واحدة ، ولا يلتفت إلى نحوه أيضا ، ولا يجسر أحد منهم ولا من المماليك أن يجتمع بصاحبه في نزهة ولا في رمي النشاب ولا غير ذلك ، ومن بلغ السلطان

٣٧٧

عنه أنه اجتمع بآخر نفاه أو قبض عليه.

واختلف زي الأمراء والعساكر في الدولة التركية ، وقد بينا ما كان عليه زيّهم حتى غيره الملك المنصور قلاون عند ذكر سوق الشرابشيين ، وصار زيهم إذا دخلوا إلى الخدمة ، بالأقبية التترية والكلاوات فوقها ، ثم القباء الإسلاميّ فوقها ، وعليه تشدّ المنطقة والسيف. ويتميز الأمراء والمقدّمون وأعيان الجند بلبس أقبية قصيرة الأكمام فوق ذلك ، وتكون أكمامها أقصر من القباء التحتانيّ ، بلا تفاوت كبير في قصر الكمّ والطول ، وعلى رؤوسهم كلهم كلوتات صغار غالبها من الصوف الملطيّ الأحمر ، وتضرب ويلف فوقها عمائم صغار ، ثم زادوا في قدر الكلوتات وما يلفّ فوقها في أيام الأمير بلبغا الخاصكيّ ، القائم بدولة الأشرف شعبان بن حسين ، وعرفت بالكلوتات الطرخانية ، وصاروا يسمون تلك الصغيرة ناصرية ، فلما كانت أيام الظاهر برقوق بالغوا في كبر الكلوتات ، وعملوا في شدّتها عوجا ، وقيل لها كلوتات جركسية ، وهم على ذلك إلى اليوم. ومن زيهم لبس المهماز على الإخفاف ، ويعمل المنديل في الحياصة (١) على الصولق من الجانب الأيمن ، ومعظم حوائص المماليك فضة ، وفيهم من كان يعملها من الذهب ، وربما عملت باليشم وكانت حوائص أمراء المئين الأكابر ، التي تخرج إليهم مع الخلع السلطانية من خزانة الخاص ، يرصّع ذهبها بالجواهر. وكان معظم العسكر يلبس الطراز ، ولا يكفت مهمازه بالذهب ، ولا يلبس الطراز إلّا من له إقطاع في الحلقة ، وأما من هو بالحامكية أو من أجناد الأمراء ، فلا يكفت مهمازه بالذهب ولا يلبس طرازا ، وكانت العساكر من الأمراء وغيرهم تلبس المنوّع من الكمخا والخطاي والكبخي والمخمل والإسكندرانيّ والشرب ومن النصافي والأصواف الملوّنة. ثم بطل لبس الحرير في أيام الظاهر برقوق ، واقتصروا إلى اليوم على لبس الصوف الملوّن في الشتاء ، ولبس النصافي المصقول في الصيف.

وكانت العادة أن السلطان يتولى بنفسه استخدام الجند ، فإذا وقف قدّامه من يطلب الإقطاع المحلول ، ووقع اختياره على أحد ، أمر ناظر الجيش بالكتابة له ، فيكتب ورقة مختصرة تسمى المثال ، مضمونها حيز فلان كذا ، ثم يكتب فوقه اسم المستقرّ له ، ويناولها السلطان فيكتب عليها بخطه ، يكتب ويعطيها الحاجب لمن رسم له ، فيقبّل الأرض ، ثم يعاد المثال إلى ديوان الجيش فيحفظ شاهدا عندهم ، ثم تكتب مربعة مكملة بخطوط جميع مباشري ديوان الإقطاع ، وهم كتاب ديوان الجيش ، فيرسمون علاماتهم عليها ، ثم تحمل إلى ديوان الإنشاء والمكاتبات ، فيكتب المنشور ويعلّم عليه السلطان كما تقدّم ذكره ، ثم يكمل المنشور بخطوط كتاب ديوان الجيش بعد المقابلة على حجة أصله.

واستجدّ السلطان الملك المنصور قلاون طائفة سمّاها البحرية ، وهي أن البحرية

__________________

(١) الحياصة : سير يشدّ به حزام السرج.

٣٧٨

الصالحية لما تشتتوا عند قتل الفارس أقطاي في أيام المعز أيبك ، بقيت أولادهم بمصر في حالة رذيلة ، فعندما أفضت السلطنة إلى قلاون جمعهم ورتب لهم الجوامك والعليق واللحم والكسوة ، ورسم أن يكونوا جالسين على باب القلعة ، وسمّاهم البحرية ، وإلى اليوم طائفة من الأجناد تعرف بالبحرية.

وأما البلاد الشامية ، فليس للنائب بالمملكة مدخل في تأمير أمير عوض أمير مات ، بل إذا مات أمير سواء كان كبيرا أو صغيرا طولع السلطان بموته فأمّر عوضه ، إما ممن في حضرته ويخرجه إلى مكان الخدمة ، أو ممن هو في مكان الخدمة ، أو ينقل من بلد آخر ، من يقع اختياره عليه. وأما جند الحلقة فإنهم إذا مات أحدهم استخدم النائب عوضه ، وكتب المثال على نحو من ترتيب السلطان ، ثم كتب المربعة وجهزها مع البريد إلى حضرة السلطان فيقابل عليها في ديوان الإقطاع ، ثم إن أمضاها السلطان كتب عليها يكتب ، فتكتب المربعة من ديوان الإقطاع ، ثم يكتب عليها المنشور كما تقدّم في الجند الذين بالحضرة ، وإن لم يمضها السلطان أخرج الإقطاع لمن يريد. ومن مات من الأمراء والجند قبل استكمال مدّة الخدمة حوسب ورثته على حكم الاستحقاق ، ثم إمّا يرتجع منهم أو يطلق لهم على قدر حصول العناية بهم ، وإقطاعات الأمراء والجند منها ما هو بلاد يستغلها مقطعها كيف شاء ، ومنها ما هو نقد على جهات يتناولها منها ، ولم يزل الحال على ذلك حتى راك الملك الناصر محمد بن قلاون البلاد كما تقدّم في أوّل هذا الكتاب ، عند الكلام على الخراج ومبلغه ، فأبطل عدّة جهات من المكوس وصارت الإقطاعات كلها بلادا ، والذي استقرّ عليه الحال في إقطاعات الديار المصرية مما رتبه الملك الناصر محمد بن قلاون في الروك الناصريّ ، وهو عدة الجيوش المنصورة بالديار المصرية أربعة وعشرون ألف فارس ، تفصيل ذلك : أمراء الألوف ومماليكهم ألفان وأربعمائة وأربعة وعشرون فارسا ، تفصيل ذلك : نائب ووزير وألوف خاصكية ثمانية أمراء ، وألوف خرجية أربعة عشر أميرا ، ومماليكهم ألفان وأربعمائة فارس. أمراء طبلخاناه ومماليكهم ثمانية آلاف ومائتا فارس ، تفصيل ذلك : خاصكية أربعة وخمسون أميرا ، وخرجية مائة وستة وأربعون أميرا ، ومماليكهم ثمانية آلاف فارس.

كشاف وولاة بالأقاليم خمسمائة وأربعة وسبعون ، تفصيل ذلك : ثغر الإسكندرية واحد ، والبحيرة واحد ، والغربية واحد ، والشرقية واحد ، والمنوفيه واحد وقطيا واحد ، وكاشف الجيزة واحد ، والفيوم واحد ، والبهنسا واحد ، والأشمونين واحد ، وقوص واحد ، واسوان واحد ، وكاسف الوجه البحريّ واحد ، وكاشف الوجه القبليّ واحد. ومماليكهم خمسمائة وستون. أمراء العشراوات ومماليكهم ألفان ومائتا فارس ، تفصيل ذلك : خاصكية ثلاثون ، وخرجية مائة وسبعون أميرا ، ومماليكهم ألفان.

ولاة الأقاليم سبعة وسبعون أميرا ، تفصيلهم : أشمون الرّمان واحد ، وقليوب واحد ،

٣٧٩

والجيزة واحد ، وتروجا واحد ، وحاجب الإسكندرية واحد ، واطفيح واحد ، ومنفلوط واحد ، ومماليكهم سبعون فارسا.

مقدّموا الحلقة والأجناد أحد عشر ألفا ومائة وستة وسبعون فارسا ، تفصيل ذلك : مقدّموا المماليك السلطانية أربعون ، مقدّموا الحلقة مائة وثمانون ، نقباء الألوف أربعة وعشرون نقيبا ، مماليك السلطان وأجناد الحلقة عشرة آلاف وتسعمائة واثنان وثلاثون فارسا ، تفصيل ذلك : مماليك السلطان ألفا مملوك ، أجناد الخلقة ثمانية آلاف وتسعمائة واثنان وثلاثون فارسا.

عبرة ذلك الخاصكية ، الألوف والنائب والوزير ، كلّ منهم مائة ألف دينار ، وكلّ دينار عشرة دراهم ، الارتفاع ألف ألف درهم ، بما فيه من ثمن الغلال ، كلّ أردب واحد من القمح بعشرين درهما ، والحبوب كلّ أردب منها بعشرة دراهم ، من ذلك الكلف مائة ألف درهم ، والخالص تسعمائة ألف درهم.

الألوف الخرجية ، كلّ منهم خمسة وثمانون ألف دينار ، كلّ دينار عشرة دراهم ، الارتفاع ثمانمائة ألف وخمسون ألفا ، بما فيه من ثمن الغلال على ما شرح فيه ، من ذلك الكلف سبعون ألف درهم ، والخالص لكلّ منهم سبعمائة وثمانون ألف درهم.

الطبلخاناه الخاصكية ، كلّ منهم أربعون ألف دينار ، كلّ دينار عشرة دراهم ، الارتفاع أربعمائة ألف درهم بما فيه من ثمن الغلال على ما شرح فيه ، من ذلك الكلف خمسة وثلاثون ألف درهم ، والخالص لكلّ منهم ثلاثمائة وخمسة وستون ألف درهم.

الطبلخاناه الخرجية ثلاثون ألف دينار ، كلّ دينار ثمانية دراهم ، الارتفاع مائتا ألف وأربعون ألف درهم ، بما فيه من ثمن الغلال على ما شرح ، من ذلك الكلف أربعة وعشرون ألف درهم ، والخالص مائتا ألف وستة عشر ألف درهم.

العشراوات الخاصكية كل منهم عشرة آلاف دينار ، كلّ دينار عشرة دراهم ، الارتفاع مائة ألف درهم بما فيه من ثمن الغلال على ما شرح ، من ذلك الكلف سبعة آلاف درهم ، والخالص لكلّ منهم ثلاثة وتسعون ألف درهم.

العشراوات الخرجية كلّ منهم سبعة آلاف دينار ، كلّ دينار عشرة دراهم ، الارتفاع سبعون ألف درهم ، بما فيه من ثمن الغلال ، على ما شرح. من ذلك الكلف خمسة آلاف درهم ، والخالص لكلّ منهم خمسة وستون ألف درهم.

الكشّاف لكلّ منهم عشرون ألف دينار ، كلّ دينار ثمانية دراهم ، الارتفاع مائة ألف وستون ألف درهم بما فيه من ثمن الغلال على ما شرح ، من ذلك الكلفة خمسة عشر ألف درهم ، والخالص مائة ألف وخمسة وأربعون ألف درهم.

٣٨٠