بشيءٍ من المحرّمات ، مع التعرّض إلى جوابه :
ما وردَ في تاريخ مسلم بن عقيل (سلام الله عليه) : من أنّه حين أُخذَ مكتوفاً إلى عُبيد الله بن زياد ، رأى قُلّة (١) ماء بارد فقال : اسقوني منها ، فقال له بعضهم : انظر إليها ما أبرَدها ، لن تذوق منها حتّى تذوق الحميم ، إلى أن تقول القصّة : إنّه صُبّ لهُ في قدح ماء وقرّبه إلى فمه لكي يشربه ، فامتلأ القدح دَماً ؛ لأنّه كان قد حَصلت له ضربة على شَفته العليا ووصلت إلى أسنانه فسكبَ الماء ، فملؤوه لهُ مرّة أخرى ، فامتلأ القدح دماً فسكبه ، فلمّا كانت الثالثة قال : لو كان من الرزق المقسوم لشربتهُ (٢).
ففي هذه الحادثة يمكن أن نلاحظ كملاحظة أوّليّة : عدم مشروعيّة مطالبة مسلم بن عقيل عليهالسلام بالماء ؛ لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون ملتفتاً إلى جرحه الذي في فَمه أم لا ، والجَرح لم يكن مضت عليه مدّة طويلة ، ولعلّه كان ينزف لحدّ الآن.
أمّا عدم التفاته إليه فهذا مُستبعد جدّاً ، باعتبار الدم الذي ينزف ، وإن لم يكن له دم كان الألم موجوداً ، ومن الصحيح أنّه (سلام الله عليه) يتحمّله ويصبر عليه ، إلاّ أنّ ذلك لا يعني نسيانه ، بحيث يستطيع أن يأكل أو يشرب كأيّ إنسانٍ اعتيادي.
فإذا كان ملتفتاً إلى الجَرح ، فلماذا طلبَ الماء وهو يعلم سَلفاً باختلاطه بالدم ؛ لأنّ الدم وإن لم يكن ينزف بشدّة ، ولكنّه إذا شربَ الماء فسوف يدخل الماء في الجرح ويحدث نزف جديد يقيناً ، فهذا فيه احتمالان باطلان لإتمام الاستشكال ومُحتمل ثالث صحيح للجواب عليه :
__________________
(١) القُلّة : بمعنى الجرّة ، وقيل : الكوز الصغير (أقرب الموارد : ج ٢ ، ص ١٠٣٤ بتصرّف).
(٢) الإرشاد للشيخ المفيد : ص ٢١٥ ، ط نجف ، تاريخ الطبري : ج ٦ ، ص ٢١٢ ، الكامل لابن الأثير : ج ٣ ، ص ٢٧٤ ، مقاتل الطالبيين : ص ١٠٧.