مناهج المفسرين

الدكتور منيع عبد الحليم محمود

مناهج المفسرين

المؤلف:

الدكتور منيع عبد الحليم محمود


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتاب المصري
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٢

تفسير الإمام أبو الحسن الشاذلى

رضى الله عنه

هو أبو الحسن على الشاذلى الحسنى يصل نسبه إلى ابن عبد الله بن عبد الجبار بن تميم بن هريرة بن حاتم ، بن قصى ، بن يوسف ، بن يوشع ، بن ورد ، بن بطال على بن أحمد ، أبى محمد بن عيسى بن محمد الحسن بن سيد شباب أهل الجنة وسبط خير البرية ، ابن أمير المؤمنين على بن أبى طالب ، كرم الله وجهه ، وابن فاطمة الزهراء ، بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول أبو العزائم ماضى يصف الشيخ رضى الله عنه :

« كانت صفته رضى الله عنه ، آدم اللون ، نحيف الجسم ، طويل القامة ، خفيف العارضين ، طويل أصابع اليدين ، كأنه حجازى.

وكان فصيح اللسان ، عذب الكلام.

ولد ببلاد المغرب سنة ٥٩٣ ه‍ بقرية تسمى « غمارة » ـ بلدة مغربية : قريبة من مدينة سبتة.

وأخذ يدرس بها العلوم الدينية : وسائل وغايات ، وبرع فيها براعة كبيرة.

يقول ابن عطاء الله السكندرى عنه :

انه لم يدخل طريق القوم حتى كان يعد للمناظرة فى العلوم الظاهرة.

بيد أن هذه العلوم الظاهرة مهما بلغت بها الدقة ، ومهما بلغ بها العمل ، لا تفضى بالنفوس الطموحة إلى الكف عن التطلع نحو عالم الغيب ، واشراق الله وأنواره.

كيف يصل الانسان الى عالم الغيب؟

كيف ينغمس الانسان فى أضوائه؟

١٦١

كيف ينعم بجماله ، ويشعر بالروعة فى محيط جلاله؟

ان النفوس الطموحة كلما ازدادت علما ، ازدادت شعورا بالنقص ، والكمال لله وحده ، ولقد أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن يقول :

( رَبِّ زِدْنِي عِلْماً )

( سورة طه الآية ١١٤ )

وشعر أبو الحسن بالرغبة الملحة فى القرب من الله ، وفى أن يستضيء قلبه بنور المعرفة ، وفى أن يكشف الله له الحجب.

كيف يروى هذه الرغبة ، كيف يسير فى الطريق ، من أين يبدأ؟

لقد رسم الأول الطريق : ان البدء ، البدء الميسر السهل ، البدء الذى يأمن الانسان عواقبه انما يكون طريقه خبير سير الطريق ، ومحص السبل ، وكشف عن المزالق والاخطار ، واستنار قلبه بالطريق القاصد إلى الله.

أين يجد هذا الشيخ ما السبيل إليه؟

ان بغداد منذ عهد العباسيين ، كانت دائما محط أنظار طلاب الدنيا ، وطلاب الدين.

ولقد كانت تضم كبار الفقهاء ، وأعلام المحدثين ، والقمم العوالى من الصوفية ، كما تضم كبار الساسة والقادة ، كان ذلك فى عهدها الزاهر فهل يا ترى هى كذلك فى القرن السابع الهجرى؟

واذا لم يكن لها كل البريق المادى الاول فهل بها على الاقل من الصوفية من يرسم الطريق عن خبرة ، ومن يسلك بالمريد السبل دون أخطاء؟

وتحمل الرغبة الملحة أبا الحسن على السفر ، انها هجرة إلى الله ، انها هجرة النفس الطلقة الشفافة.

وهى هجرة يسير بها الامل ، ويتخللها الاشفاق ، وتصاحبها فى كل الاوقات اسئلة لا جواب لها :

١٦٢

هل سيجد الشيخ؟

وكيف يكون؟

وهل يستقبله الشيخ بقبول حسن؟

وبم سينصحه؟

واذا لم يجده فى بغداد فأين يجده؟

انتهى به المطاف إلى بغداد ، والتقى بالاولياء ، وكان قمتهم فى نظره هو أبو الفتح الواسطى يقول أبو الحسن :

لما دخلت العراق اجتمعت بالشيخ الصالح أبى الفتح الواسطى ، فما رأيت بالطريق مثله.

ولكن همة أبى الحسن كانت تسموا إلى البحث عن القطب ذاته ، انه كان يريد أن يكون قائده هو القطب نفسه ، أين يجد القطب؟.

ها هو ذا بالعراق ، وها هم أولاء الصالحون ، وأولياء الله يتردد عليهم كل يوم وها هو ذا يرى النور على وجوههم ، والصلاح يرتسم على سيماهم ، ولكنه لم يجد القطب وهو مطلبه.

وذات يوم قال له أحد الأولياء :

انك تبحث عن القطب بالعراق ، مع أن القطب ببلادك ، ارجع إلى بلادك تجده.

وعاد أبو الحسن من حيث أتى ، عاد يحدوه الأمل ، ويغمره الرجاء ، لقد صدق الولى الذى أنبأه بأن القطب فى بلاده ، وبأنه سيجده عند عودته.

وعاد يسرع الخطا ويستحث الوصول.

ها هو ذا بغمارة من جديد يسأل عن القطب المقبل والمدبر ، والراحل والمقيم :

١٦٣

أقول أكاد اليوم أن أبلغ المدى

فيبعد عنى ما أقول أكاد

أسائلكم عنها فهل من مخبر

فما لى بنعم مذ نأت دارها علم

فلو كنت أدرى أين خيم أهلها

و أى بلاد الله ـ اذ ظعنوا ـ أموا

أذن لسلكنا مسلك الريح خلفها

و لو أصبحت نعم ومن دونها النجم

وذات يوم : ـ

يقول أبو الحسن :

لما قدمت عليه وهو ساكن بمغارة فى رأس جبل ، اغتسلت فى عين بأسفل ذلك الجبل وخرجت عن علمى وعملى ، وطلعت إليه فقيرا ، واذا به هابط إلى ، وعليه مرقعة ، وعلى رأسه قلنسوة من خوص ، فقال لى :

مرحبا بعلى بن عبد الله الجبار ، وذكر نسبى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال لى :

يا على طلعت إلينا فقيرا من علمك وعملك ، فأخذت منا غنى الدنيا والآخرة.

فأخذنى منه الدهش ، فأقمت عنده أياما إلى أن فتح الله على بصيرتى.

وكان رضى الله عنه ، يأخذ زينته عند كل مسجد ، واذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول :

« جعلت لى الأرض مسجدا وطهورا ».

أى أن الأرض ـ أينما كان الانسان عليها ـ كلها مسجد ، فإن أبا الحسن كان يتحلى دائما بالثياب الحسنة.

وما كان أبو الحسن يحب التزمت فى شىء أبدا.

وفى يوم من الأيام دخل أبو العباس المرسى على الشيخ أبى الحسن ، وفى نفسه أن يأكل الخشن ، وأن يلبس الخشن ، فقال له الشيخ :

يا أبا العباس : اعرف الله وكن كيف شئت.

١٦٤

ومن عرف الله فلا عليه أيضا ان أكل هنيئا وشرب مريئا.

وما كان أبو الحسن يتعمد قط أن يأكل الغليظ من الطعام ، أو يقتصر على غير الزلال البارد من الشراب ، انه يقول :

يا بنى برد الماء ، فانك اذا شربت الماء السخن فقلت الحمد الله ، تقولها بكزازة : وإذا شربت الماء البارد ، فقلت الحمد الله استجاب كل عضو منك بالحمد لله.

وعن ذلك ، وبيانا لنهج الطريقة الشاذلية ، الذى رسمه أبو الحسن ، يقول ابن عطاء الله :

« وأما لبس اللباس اللين ، وأكل الطعام الشهى ، وشرب الماء البارد :

فليس القصد إليه بالذى يوجب العتب من الله ، إذا كان معه الشكر لله ، ا. ه ..

وهذا كله طبعا يتمشى مع قوله تعالى :

( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ ، قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ ).

( سورة الأعراف الآية ٣٢ )

ويقول الأستاذ على سالم عمار :

« كان الشاذلى يلبس الفاخر من الثياب ، ويركب الفاره من الدواب ، ويتخذ الخيل الجياد » ا. ه.

ولقد كان الجانب العلمى من العناصر الاولى التى حددت شخصية الشاذلى : لقد بدأ الدراسة والتحصيل صغيرا ، فثقف كأحسن ما يكون المثقف ، لقد ثقف على الطريق العادى فحفظ القرآن ، ودرس السنة ، ودرس العلوم الدينية ، وسائل وغايات : « ولم يدخل فى علوم القوم حتى كان يعد للمناظرة فى العلوم الظاهرة ».

١٦٥

وكان : « ذا علوم جمة » وهو صاحب « العلوم الغزيرة ».

ولقد تدرج فى هذه العلوم سلما فسلما ، ثم أخذ يختار الكتب التى يدرسها ويشرحها وينصح بقراءتها ، ويجب فى أصحابها ، وكان منها فى موضوع التفسير « كتاب التحرير الوجيز » لا بن عطية ، وهو كتاب يشرحه عنوانه ، فهو محرر كلماته منتقاة متميزة ، محررة وعبارته دقيقة ..

وهو وجيز وان لم يكل فى إيجاز الجلالين أو البيضاوى.

وكان الشيخ ينتقل بين الأقطار إلى أن وصل إلى مصر واستمر الشيخ يدعو فيها إلى الله إلى أن كان شهر شوال سنة ٦٥٦ ه‍ ، وفى هذا الشهر أخذ الشيخ فى السفر إلى الأراضى المقدسة للحج.

فلما كان فى حميثرة بصحراء عيذاب ـ وهى بين قنا والقصير ـ جمع الشيخ أصحابه فى احدى الأمسيات ، وأوصاهم بأشياء ، وأوصاهم بحزب البحر وقال لهم : « حفظوه أولادكم فان فيه اسم الله الأعظم » ، ثم خلا بأبى العباس المرسى ـ رضى الله عنهما ـ وحده وأوصاه بأشياء.

واختصه بما خصه الله من البركات ،

ثم وجه الحديث لاصحابه قائلا :

« أنا إذا مت فعليكم بأبى العباس المرسى ، فانه الخليفة من بعدى وسيكون له بينكم مقام عظيم ، وهو باب من أبواب الله سبحانه وتعالى » ، وبات تلك الليلة متوجها إلى الله تعالى ذاكرا ومعه اصحابه وهو يقول : « الهى إلهى »!

فلما كان السحر سكن فظننا أنه نام ، فحركناه فوجدناه ميتا!

وجاء الشيخ أبو العباس فغسله ، وصلى الجميع عليه ، ودفن حيث توفاه الله.

وقد كان للشيخ أولاد ذكور فلم يفكر فى أن يستخلف أحدهم وإنما أستخلف من رآه أحق بالخلافة ، وترجو أن يعتبر رجال الطرق فى العصر

١٦٦

الراهن ـ فلا يجعلوا الطريق مورد رزق تورث كما يورث العقار.

ورحم الله أبا الحسن وطيب ثراه ، ونفعنا ببركاته انه نعم المجيب ..

وكان شأن أبى الحسن الشاذلى فى التفسير شأن الشيخ محمد عبده ، فقد كان الشيخ محمد عبده يأخذ تفسير الجلالين بين يديه ، ويقرأ فيه ويشرح ويستفيض فى شرح رأيه هو دون أن يكون تفسيره الجلالين إلا تكأة موجزة إيجازا كبيرا.

وكان أبو الحسن الشاذلى يأخذ تفسير ابن عطية ويقرأ فيه ، وفى خلال شرحه يذكر الهاماته واشاراته ..

وهى الهامات واشارات مبثوثة هنا وهناك لم تجمع فى كتاب ، ولم تطبع مستقلة! ولقد سميناها اشارات لأن الاشارات الروحية ، والتوجيهات الالهية للقلوب والبصائر من خلال القرآن الكريم لا يحيط بها عد ، ولا يأتى عليها الزمن.

هذه الاشارات للقلوب والبصائر تنبع وتفيض وتزداد بنسبة زيادة الامعان فى تحقيق معنى العبودية لله سبحانه وتعالى.

وهى اشارات لا تحرم حلالا ، ولا تحل حراما ، انها ليست من تأويلات الباطنية هذه التأويلات المنحرفة ، والتى يهدمها من أساسها فى سهولة ويسر عمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ..

فقد طبق صلوات الله وسلامه عليه دين الله تطبيقا هو الاسوة التى تحتذى ، والتى إذا خرج الانسان عن دائرتها فى الدين فانه يكون خاطئا ضالا ..

لقد أخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصحابته البررة الأصفياء الأوامر الالهية والنواهى الالهية عن دائرة النظريات إلى دائرة العمل ، وتحدد بذلك المعنى المقصود من الأوامر والنواهى تحديدا لا لبس فيه ، وكل تأويل ـ إذن ـ

١٦٧

للأوامر والنواهى يخرجها عن أن تكون مطابقة لعمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعمل الصحابة فإنما هو تأويل باطنى ضال ..

أما الاشارات التى نثبتها هنا ، فانها اشارات روحية ترشد إلى معارج الروح تتسامى بازدياد الانسان فى القرب من الله عن طريق الاستقامة.

ومن اشاراته :

« من أجل مواهب الله : الرضا بمواقع القضاء ، والصبر عند نزول البلاء ، والتوكل على الله عند الشدائد ، والرجوع إليه عند النوائب ، فمن خرجت له هذه الأربع من خزائن الأعمال على بساط المجاهدة ومتابعة السنة ، والاقتداء بالأئمة فقد صحت ولايته لله ولرسوله وللمؤمنين :

( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ، فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ )

( سورة المائدة الآية ٥٦ )

ومن خرجت له من خزائن المنن على بساط المحبة فقد تمت له ولاية الله بقوله :

( وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) ..

ففرق بين الولايتين : فعبد يتولى الله ، وعبد يتولاه ، فهما ولايتان :صغرى وكبرى.

فولايتك الله : خرجت من المجاهدة ، وولايتك لرسوله : خرجت من متابعتك لسنته ، وولايتك للمؤمنين : خرجت من الاقتداء بالأئمة ، فافهم ذلك من قوله :

( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ، فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ )

١٦٨

وقال الشيخ أبو العباس رضى الله عنه : كنت مع الشيخ فى سفره ونحن قاصدون إلى الاسكندرية حين مجيئنا من المغرب ، فاخذنى ضيق شديد حتى ضعفت عن حمله ، فأتيت إلى الشيخ أبى الحسن رضى الله عنه ، فلما أحس بى قال :

أحمد ـ قلت : نعم يا سيدى ..

قال آدم خلقه الله بيده ، وأسجد له ملائكته ، وأسكنه الجنة نصف يوم ـ خمسمائة عام ـ ثم نزل به إلى الأرض ، ، والله ما نزل الله بآدم إلى الأرض لينقصه ، ولكن نزل به إلى الأرض ليكمله ـ ولقد أنزله إلى الأرض من قبل أن يخلقه بقوله :

( إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً )

( سورة البقرة الآية ٢٨ )

ما قال فى الجنة ولا فى السماء ، فكان نزوله إلى الأرض نزول كرامة ، لا نزول اهانة ، فانه كان يعبد الله فى الجنة بالتعريف فأنزله الله الأرض ليعبده بالتكليف ، فلما توفرت فيه العبوديتان استحق أن يكون خليفة ـ وأنت أيضا لك قسط من آدم : كانت بداية فى سماء الروح فى جنة المعارف فأنزلت إلى النفس لتعبده بالتكليف ، فلما توفرت فيك العبوديتان استحققت أن تكون خليفة ..

وفى قوله تعالى :

( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ )

( سورة الطلاق الآية ٢ )

فسر سهل بن عبد الله هذه التقوى من الحول والقوة وعدل عما تزين به الباطلون من مظاهر التقوى مع دنس باطنه وهذا صحيح فى عبد ظاهر المعاصى والشهوات ويحمل نفسه على أنواع الطاعات وقد سد الافق

١٦٩

بالدعاوى ، وأضاف الحول والقوة إلى نفسه : فهذا عبد قد جاوز الحدود ، وأعظم الفرية والعجب فلا يقوم خيره بشره ، والمحققون ينسبون له الأشياء وينظرون إلى البواعث والثمار ، فاذا فقدت الثمار علموا أن علمه وعمله مدخولان ، وإذا فقدت البواعث الصحيحة فى الاصول فلا يعتبرون بأعمالهم ، قال الله عزوجل : ـ

( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ) فيا مدعى التقوى أين المخرج؟ فإذا رأيت المخرج ( ثمرة لتقواك ) وذلك وعد الله وضمانه ( فأنت على الصواب والخير ) ، وإذا لم تجد بتقواك إلا تجبرا فمن الصادق ومن الكاذب؟

ومن أصدق من الله قيلا :

( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ )

( سورة الطلاق الآية ٢ )

ولا يصح التوكل إلا لمتق.

ولا تتم التقوى إلا لمتوكل.

فدققوا النظر فى البواعث والاصول والثمار والله يحب الصابرين ..

ولا يتأتى أن نترك حياة أبى الحسن دون أن ننبه إلى موقفه من معركة المنصورة :

بدأ الصليبيون يزحفون صوب المنصورة وكانت مصر آنذاك تضم بين أرجائها نخبة ممتازة من العلماء الدينيين الذين أخلصوا جهادهم لله وحده ، فلم تغرهم الدنيا بزخرفها وزينتها.

كان فى مصر اذ ذاك : العز بن عبد السلام ، ومجد الدين القشيرى ، ومحيى الدين بن سراقة ، ومجد الدين الاخميمى ، وأبو الحسن الشاذلى ، وغيرهم من خيرة العلماء.

١٧٠

لم يستقر هؤلاء العلماء فى دورهم البعيدة عن الخطر ، وإنما هبوا جميعا للجهاد فى سبيل الله ، لقد هاجروا إلى المنصورة ليكونوا بين المجاهدين ، ورغم أن العارف بالله أبا الحسن الشاذلى كان فى آخر حياته ، وكان قد كف بصره ، فانه كان فى مقدمة الذاهبين إلى المنصورة!!!

ها هم أولئك العلماء الصوفية ، أو الصوفية العلماء ، بسمتهم الملائكى ، وبايمانهم الذى لا يتزعزع يسيرون وسط الجند ، يحثون ويشجعون ، ويرشدون ويذكرون بالله ، ويبشرون ـ كما وعد الله ـ باحدى الحسنيين : النصر أو الجنة.

وإذا لزم الامر عملوا بأيديهم مع العالمين.

ولقد كان مجرد سيرهم فى الحوارى والشوارع : تذكيرا بالنصر أو الجنة ، وكان حفزا للهمم ، وتثبيتا للايمان ، وتأكيدا لصورة الجهاد الاسلامية التى قادها فى عصور الاسلام الاولى رسول الله صلوات الله عليه ، وخلفاؤه الراشدون ، رضوان الله عليهم ..

حتى إذا اطمأنوا إلى الأسباب والوسائل : المادية الظاهرة ، والمعنوية الباطنة ، اجتمع هؤلاء الاعلام فى خيمة من خيام المعسكر نعم فى خيمة من خيام المعسكر يتجهون إلى الله بصلاتهم ودعائهم ، يلتمسون منه النصر ، فاذا ما فرغوا من ذلك أخذوا يتدارسون كتابا من الكتب ...

وشغل أبو الحسن بأمر المسلمين ، فكان ليله ونهاره مشغولا بالله فى أمرهم حتى إذا ما أخذته سنة من النوم ليلة من الليالى ، رأى فيما يرى النائم ، رؤى تتعلق بحالة المسلمين فى المنصورة ومن : الرؤيا التى حكاها كتاب « درة الاسرار » قال :

« قال الشيخ أبو الحسن : كنت بالمنصورة ، فلما كانت ليلة الثامن من ذى الحجة ، بت مشغولا بأمر المسلمين وبأمر الثغر ، وقد كنت أدعو الله وأضرع إليه فى أمر السلطان والمسلمين.

١٧١

فلما كان آخر الليل ، رأيت فسطاطا واسع الأرجاء ، عاليا فى السماء ، يعلوه نور ويزدحم عليه خلق من أهل السماء ، وأهل الأرض عنه مشغولون ، فقلت :

لمن هذا الفسطاط؟

فقالوا :

لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فبادرت إليه بالفرح ، ولقيت على بابه عصابة من العلماء والصالحين نحوا من السبعين ، أعرف منهم الفقيه عز الدين بن عبد السلام ، والفقيه مجد الدين مدرس قوص ، والفقيه الكماب بن القاضى صدر الدين والفقيه المحدث محيى الدين بن سراقة ، والفقيه عبد الحكيم بن أبى الحوافز ومعهم رجلان لم أعرف أجمل منهما ، غير أنى وقع لى ظن فى حالة الرؤيا : أنهما الفقيه زكى الدين عبد العظيم المنذرى المحدث والشيخ مجد الدين الاخميمى ...

وأردت أن أتقدم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فالزمت نفسى التواضع والادب مع الفقيه ابن عبد السلام وقلت : لا يصلح لك التقدم قبل عالم الامة فى هذا الزمان ، فلما تقدم وتقدم الجميع ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشير إليهم يمينا وشمالا :أن اجلسوا وتقدمت ، وأنا أبكى بالهم والفرح ، أما الفرح ، فمن أجل قربى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالنسب ، وأما الهم فمن أجل المسلمين والثغر ، وهم ، طلبى إليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فمد يده حتى قبض على يدى ، وقال :

لا تهتم كل هذا الهم من أجل الثغر ، وعليك بالنصيحة لرأس الامر ـ يعنى السلطان ـ فان ولى عليهم ظالم فما عسى؟ وجمع اصابع يده الخمسة فى يده اليسرى كأنه يقلل المدة.

وان ولى عليهم تقى : « الله ولى المتقين » وبسيط يده اليمنى واليسرى.

وأما المسلمون فحسبك الله ورسوله وهؤلاء المؤمنون ـ أى العلماء والفقهاء والصالحون بالمجلس وقال :

١٧٢

( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ ).

وأما السلطان فيد الله مبسوطة عليه برحمته من والى أهل ولايته ونصح المؤمنين من عباده فانصحه واكتب له وقل فى الظالم عدو الله قولا بليغا :

( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ، وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ )

( سورة الروم الآية ٦٠ )

فقلت : نصرنا ورب الكعبة ، وانتبهت ، ونصر الله المسلمين نصرا مؤزرا ، وأسر الملك لويس ، وأسر الكثيرون من قواده ، وأشاد الشعراء بهذا النصر.

ومن قصيدة مشهورة لابن مطروح نقتطف منها ما يلي : قال يخاطب لويس :

وكل أصحابك أودعتهم

بحسن تدبيرك بطن الضريح

سبعون الفا لا يرى منهمو

إلا قتيل أو أسير أو جريح

وقل لهم ان أزمعوا عودة

لأخذ ثار أو لفعل قبيح

دار ابن لقمان على حالها

والقيد باق والطواشى صبيح

١٧٣
١٧٤

الإمام أبو العباس المرسى وتفسيره

لم يكن أبو العباس معنيا بالحديث عن نفسه ، ولم يكن مهتما بالتاريخ لحياته انه لم يتحدث عن اسرته ، ولم يتحدث عن نفسه ، ولم يشد بأفعاله ، لقد فنى فى أبى الحسن ، فلم يكن فى آفاقه فراغ للحديث عن نفسه ، ثم فنى فى الدعوة إلى الله بعد أبى الحسن ، فلم يكن فى آفاقه فراغ للحديث عن نفسه.

ويحدثنا التاريخ أنه ولد فى الاندلس « مرسية » التى ينسب إليها ، ولد سنة ـ ٦١٦ ه‍ ١٢١٩ م ، ويتصل نسبه بالانصار الذين أخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن حبهم من علامات الايمان ، ان نسبه يتصل بسعد بن عبادة ، سيد الخزرج.

ولد فى « مرسية » ونشأ بها ، حيث كان والده يعمل فى التجارة ، ويبدو أن حالة الوالد كانت من اليسر بحيث مكنته من ارسال ابنه إلى مؤدب لتعلم القرآن ، والتفقه فى أمور الدين ، يقول أبو العباس : ـ

« كنت وأنا صبى ، عند المؤدب ، جاء رجل فوجدنى اكتب فى لوح ، فقال الصوفى لا يسود بياضا ، فقلت : ليس الأمر كما زعمت ، ولكن لا يسود الصحائف بسود الذنوب ».

هذه القصة تدل دلالة واضحة على ذكاء غير عادى ، وعلى مهارة وفهم لا يوجدان فى المستوى العام ، فى اطفال المكاتب ، وترسم أيضا اتجاها إلى الصلاح ، والتقوى منذ هذه السن المبكرة.

وعن بعض حوادثه مع المؤدب يقول : عمل إلى جانب دارنا خيال خيال الستار ، وأنا اذ ذاك صبى فحضرته ، فلما أصبحت اتيت إلى المؤدب ، وكان من أولياء الله تعالى ، فأنشد حين رآنى.

١٧٥

يا ناظرا صور الخيال تعجبا

وهو الخيال بعينه لو أبصرا

فخجل أبو العباس ، وعزم فى نفسه أن يأخذ فى حياته مسلك الجد.

وأعظم حادث فى حياة أبى العباس هو صلته بأبى الحسن الشاذلى وعن بدء هذه الصلة يقول : فلما نزلت بتونس ، وكنت اتيت من « مرسية » ـ وأنا إذ ذاك شاب ـ سمعت بذكر الشيخ أبى الحسن الشاذلى ، فقال لى رجل :تمضى بنا إليه ، فقلت حتى استخير الله فنمت تلك الليلة ، فرأيت كأنى أصعد إلى رأس جبل ، فلما علوت فوقه ، رأيت هنالك رجلا ، عليه برنس أخضر ، وهو جالس ، وعن يمينه رجل ، وعن يساره رجل فنظرت إليه ، فقال :عثرت على خليفة الزمان ، قال : فانتبهت.

فلما كان بعد صلاة الصبح ، جاءنى الرجل الذى دعانى إلى زيارة الشيخ فسرت معه فلما دخلنا عليه ، رأيته بالصفة التى رأيته بها فوق الجبل ، فدهشت .. فقال لى : عثرت على خليفة الزمان ، ما اسمك؟ فذكرت له اسمى ، ونسبى ، فقال لى : ـ رفعت لى منذ عشر سنين ، وبهره أبو الحسن بهره بحديثه المنطلق ، والهاماته المندفعة وسلوكه الربانى ، فلازمه أبو العباس ملازمة المريد الصادق لشيخه العارف.

ورأى الشاذلى فيه فطرة طاهرة ، ونفسا خيرة ، واستعدادا طيبا ، للاقبال على الله : فمنحه وده ، وغمره بعنايته ، وأخذ فى تربيته تربية تؤهله ليكون خليفة من بعده.

وحدث فى تونس سوء التفاهم بين الشاذلى ، وقاضى القضاة ابن البراء ، هذا الخلاف الذى سبق ان فصلناه فى كتابنا عن « المدرسة الشاذلية » وكانت نتيجته ان غادر الشاذلى تونس ، ميمها شطر الديار المصرية ، ورافقه فى هذا السفر جماعة كان على رأسهم أبو العباس.

١٧٦

واستمر أبو العباس مع الشاذلى يسير فى ضوء تربيته ، ومنهج طريقه لا يحيد عنه قيد شعره إلى ان كانت وفاة الشاذلى.

لقد بشر الشاذلى بأنه سيموت ويدفن بأرض لم يعص الله عليها قط ، فلما كان فى طريقه إلى الحج ووصل إلى حميثرة ، وقد خيم الركب للمبيت جمع أصحابه وأوصاهم بأشياء وأوصاهم حزب البحر ، وقال لهم : حفظوه لأولادكم ، فإن فيه اسم الله الأعظم.

وخلا بأبى العباس وحده رضى الله عنهما وأوصاه بأشياء ، واختصه بما اختصه الله به من البركات.

وقال لأصحابه : إذا أنامت فعليكم بأبى العباس المرسى : فإنه الخليفة من بعدى ، وسيكون له بينكم مقام عظيم ، وهو باب من أبواب الله سبحانه يقول صاحب كتاب درة الأسرار نقلا عن نجل الشيخ أبى الحسن : وبات تلك الليلة متوجها إلى الله سبحانه ، ذاكرا ، أسمعه يقول : الهى ، الهى.

فلما كان السحر سكن فظننا أنه نام ، فحركناه فوجدناه ميتا ، رحمه‌الله.

واستدعينا سيدى أبا العباس المرسى ، فغسله وصلينا عليه ، ودفناه بحميثرة ، وهذا الموضع ببرية عيذاب ، فى واد على طريق الصعيد.

يقول صاحب « درة الأسرار » وقد شربت من مائها ، وزرت ضريحه ، ورأيت له البركات نفع الله به فى الدنيا والآخرة.

وقال : ولما دفناه ، اختلف اصحابه فى الرجوع ، أو التوجه ، فقال لهم سيدى أبو العباس : الشيخ أمرنى بالحج ووعدنى بكرامات ، وتوجهنا ، ورأينا تهوينا ، وبركات ، ورجعنا فى صحبته.

* * *

وظهر أبو العباس من بعد الشاذلى ظهورا عظيما ، وظهرت له كرامات كثيرة على أنه كان يبدو واضحا من مواقف أبى الحسن مع أبى العباس ومن

١٧٧

حديثه عنه أنه : كان يعده للخلافة ، بل لقد اقامه فيها بصورة تشبه أن تكون صريحة حينما استدعاه ، وقال له : يا أبا العباس ، تكلم بين الناس. فجلس فى جامع العطارين بالاسكندرية فعاصره بالكلام والتدريس والدعوة إلى الله عن اذنه وبأمر منه ، وحمل أبو العباس لواء الدعوة إلى الله طيلة حياته متفانيا فيها ، باذلا كل ما يستطيع فى سبيلها حتى انتهت به الحياة راضيا عن الله ، مرضيا عنه من الله وكان ذلك فى الخامس والعشرين من ذى القعدة سنة ٦٨٥ ه‍ ـ ١٢٨٧ م ، وكان يبلغ تقريبا سبعين عاما ، رحمه‌الله رحمة واسعة.

ويروون له كرامات كثيرة منها على سبيل المثال : إن السلطان يعقوب ، أمر بذبح دجاجة وخنق أخرى ، وطبخها ، وقدمها إليه ، وجلس ليأكل معه ، فلما نظر الشيخ أبو العباس إليهما ، أمر الخادم برفع المخنوقة ، وقال : هذه جيفة ، وقال : لو لا تنجس الأخرى بالمرق النجس لأكلت منها ، وقاله الشعرانى ، قال المناوى ، وقدم إليه رجل طعاما فيه شبهة يمتحنه فرده وقال كان الحاسبى ، إذا مد يده إلى طعام فيه شبهة ضرب عرق باصبعه فأنا فى يدى ستون عرقا تضرب.

ومن كراماته التى انفرد بها عن غالب الأولياء تسليكه لنحو ثلاثين قاضيا ، وكان يقول للعرشى : ليس الشأن أن تسلك كل يوم ألفا من العوام ، بل ان تسلك فقيها واحدا فى مائة عام.

وقال الشيخ حسن العدوى فى كتابه « شرح البردة البوصيرية ».

قال بعضهم : صليت خلف الشيخ أبى العباس فشهدت الأنوار ملأت بدنه ، وانبثقت من وجوده ، حتى أنى لم استطع النظر إليه.

مات سنة ٦٨٦ ه‍ بالاسكندرية ، رحمه‌الله ا. ه.

ومع ذلك فقبل ان ننتهى من الكرامات نقول انه رضى الله عنه كان يقول هذه الكلمة المخلصة.

« والله ما جلست حتى جعلت جميع الكرامات تحت سجادتى ».

١٧٨

تفسير أبى العباس المرسى

لم يكتب أبو العباس المرسى تفسيرا للقرآن ، يبتدئ فيه من أوله وينتهى فيه بنهايته ، ولم يكتب مريدوه وتلاميذه تفسيره ولم يجعلوا له تفسيرا ، وإنما اكتفوا بأن تفسيره مبثوث هنا وهنالك فى كتب الشاذلية.

وننقل هنا بعض نماذج من هذا التفسير الذى يسير فيه ـ طبيعيا ـ على المنهج الصوفى ، ففي سورة الفاتحة أم الكتاب :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ، صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ).

( سورة الفاتحة أم الكتاب )

قال الله سبحانه : الحمد الله رب العالمين :

قال الشيخ رضى الله عنه : علم الله عجز خلقه عن حمده ، فحمد نفسه بنفسه فى آزاله فلما خلق الخلق اقتضى منهم ان يحمدوه بحمده ، فقال الحمد لله رب العالمين ، أى قولوا الحمد الله رب العالمين ، أى أن الحمد الله الذى حمد نفسه بنفسه ، هو له لا ينبغى أن يكون لغيره ، فعلى هذا تكون الألف واللام للعهد.

يقول ابن عطاء الله : وسمعته يقول فى قوله عزوجل :

( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ).

إياك نعبد ، شريعة.

١٧٩

وإياك نستعين ، حقيقة.

إياك نعبد ، إسلاما.

وإياك نستعين ، احسانا.

إياك نعبد ، عباده.

وإياك نستعين ، عبودية.

إياك نعبد ، فوق.

وإياك نستعين ، جمع.

ثم قال سبحانه وتعالى : « اهدنا الصراط المستقيم ».

فقال الشيخ رضى الله عنه : بالتثبيت فيما هو حاصل ، والارشاد لما ليس بحاصل وهذا الجواب ذكره ابن عطية فى تفسيره ، وبسطه الشيخ رضى الله عنه ، فقال : عموم المؤمنين يقولون :

اهدنا الصراط المستقيم ، أى بالتثبيت فيما هو حاصل والارشاد لما ليس بحاصل ، فإنهم حصل لهم التوحيد ، وفاتهم درجات الصالحين.

فيما هو حاصل ، والارشاد لما ليس بحاصل ، فإنه قد حصل له رتبة القطبانية ، وفاته علم إذا شاء الله ان يطلعه عليه ، اطلعه.

٢ ـ قال الله تعالى :

( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ).

( سورة الإسراء الآية ١ )

ولم يقل بنبيه ولا برسوله وهو نبيه ورسوله ، وإنما كان كذلك لأنه أراد أن يفتح باب السريان للاتباع ، فاعلمنا بأن الاسراء ، من بساط العبودية ، فالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان له كمال العبودية فكان له كمال الإسراء ، اسرى بروحه وجسمه وظاهره وباطنه.

١٨٠