مناهج المفسرين

الدكتور منيع عبد الحليم محمود

مناهج المفسرين

المؤلف:

الدكتور منيع عبد الحليم محمود


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتاب المصري
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٢

« والسّابقون » مبتدأ ، ( الأولون ) صفة لهم ( من المهاجرين ) تبيين لهم وهم الذين صلوا إلى القبلتين ، أو الذين شهدوا بدرا ، أو بيعة ـ الرضوان ( والأنصار ) عطف على المهاجرين ، أى ومن الأنصار ، وهم أهل بيعة العقبة الأولى ، وكانوا سبعة نفر ، وأهل العقبة الثانية وكانوا سبعين ( والّذين اتبعوهم بإحسان ) من المهاجرين والأنصار ، فكانوا سائر الصحابة ، وقيل :هم الذين اتبعوهم بالايمان والطاعة إلى يوم القيامة ، والخبر ( رضى الله عنهم ) بأعمالهم الحسنة ( ورضوا عنه ) بما أفاض عليهم من نعمته الدينية والدنيوية ( وأعدلهم ) عطف على رضى ( جنّات تجرى تحتها الأنهار ) من تحتها مكى ( خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ).

٢ ـ يقول الله تعالى :

( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ )

( سورة التوبة الآية ١٢٨ و ١٢٩ )

« لقد جاءكم رسول » محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ( من أنفسكم ) من جنسكم ، ومن نسبكم ، عربى قرشى مثلكم ( عزيز عليه ما عنتم ) شديد عليه شاق ـ لكونه بعضا منكم ـ عنتم لقاؤكم المكروه ، فهو يخاف عليكم الوقوع فى العذاب ( حريص عليكم ) على ايمانكم ( بالمؤمنين ) منكم ومن غيركم ( رءوف رحيم ) قيل : لم يجمع الله اسمين من أسمائه لأحد غير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ( فإن تولوا ) فإن أعرضوا عن الأيمان بك وناصبوك ( فقل حسبى الله ) فاستعن بالله وفوض إليه أمورك ، فهو كافيك وناصرك عليهم ( لا اله إلا هو عليه توكلت ) فوضت أمرى إليه ( وهو رب العرش ) هو أعظم خلق الله ، خلق مطافا لأهل السماء ، وقبلة للدعاء ( العظيم ) بالجر وقرئ بالرفع على نعت الرب جل وعز ، عن أبى : آخر آية نزلت : لقد جاءكم رسول من أنفسكم ، الآية.

٢٢١
٢٢٢

الإمام ابن كثير وتفسيره

الحمد الله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه إلى يوم الدين ..

نبدأ مع الإمام ابن كثير بالحديث عن منهجه فى تفسير القرآن الكريم لأنه منهج من المناهج المثالية التى تتبع فى التفسير.

إن أصح الطرق فى تفسير القرآن الكريم ـ حسما يرى ابن كثير ـ هى : ـ

١ ـ أن يفسر القرآن بالقرآن ، وذلك أنه كثيرا ما يكون المجمل فى مكان قد بسط فى موضع آخر.

٢ ـ فإذا تعذر ذلك فعلى المفسر بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له ، بل لقد قال الإمام الشافعى رحمه‌الله تعالى ورضى عنه حسبما يذكر ابن كثير :

« وكل ما حكم به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهو ما فهمه من القرآن ، قال الله تعالى :

( إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً )

( سورة النساء الآية ١٠٥ )

وقال تعالى :

( وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) ( سورة النحل الآية ٦٤ )

٢٢٣

وقال تعالى :

( وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )

( سورة النحل الآية ٤٤ )

ولهذا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم « الا أنى أوتيت القرآن ومثله معه » يعنى السنة.

والسنة أيضا تنزل عليه بالوحى كما ينزل القرآن ، الا أنها لا تتلى كما يتلى القرآن.

٣ ـ فإذا لم نجد التفسير فى القرآن ولا فى السنة رجعنا فى ذلك إلى أقوال الصحابة فإنهم ادرى بذلك لما شاهدوا من القرائن والأحوال التى اختصوا بها ، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح ، لا سيما علماؤهم وكبراؤهم كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين والأئمة المبتدين المبدين ، وعبد الله بن مسعود ـ رضى الله عنهم ـ والحبر البحر عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وترجمان القرآن.

٤ ـ وإذا لم تجد التفسير فى القرآن ولا فى السنة ولا وجدته عند الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة فى ذلك إلى أقوال التابعين كمجاهد بن جبر فإنه كان آية فى التفسير ، وكسعيد بن جبير ، وعكرمة مولى ابن عباس وعطاء ابن ابى رباح والحسن البصرى ومسروق بن الاجدع ، وسعيد بن المسيب وابى العالية والربيع بن انس والضحاك بن مزاحم وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم فتذكر أقوالهم فى الآية.

وهؤلاء فيما يرى ابن كثير يقع فى آرائهم اختلاف ، ولكن ابن كثير ينظر إلى آرائهم نظرة تشبه القداسة ويقول فى ذلك حرفيا : فيقع فى عبارتهم تباين فى الألفاظ يحسبها من لا علم عنده اختلافا فيحكيها أقوالا ـ أى يحكيها آراء متباينة مختلفة .. والكل بمعنى واحد فى أكثر الأماكن فيتفطن اللبيب لذلك.

٢٢٤

ونحن وان كنا نشكر ابن كثير على موقفه هذا من آراء التابعين الذى يدل على نزعة طيبة نحو التقريب وتقليل شقة الخلاف فإننا نرى أن التابعين بحكم اصالتهم كانت لهم آراؤهم المتباينة.

وإذا سألت الآن عن موقف ابن كثير من التفسير بالرأى فإنه يقول : « أما التفسير بالرأى فقد ورد عن السلف ما يدل على تحرجهم عن الكلام فى التفسير بما لا علم لهم فيه فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا فلا حرج عليه ».

وهذا الرأى لا بن كثير رأى موفق ، أنه لا حرج على من تكلم فى التفسير بالرأى ما دام قد استكمل عدة ذلك من اللغة ومن الشرع.

وقد طبق ابن كثير منهجه هذا النفيس فى كتابه ومن أجل ذلك كان تفسيره من انفس التفاسير ، يرجع إليه المحققون وقد استفاد منه الكثيرون فيما بعد فاغترف منه اغترافا صاحب محاسن التأويل وصاحب تفسير المنار وغيرهم كثير ..

ومن أمثلة هذا التفسير ما يلى :

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ )

( سورة البقرة الآية ٢٥٤ )

يأمر الله تعالى عباده بالإنفاق مما رزقهم فى سبيله سبيل الخير ليدخروا ثواب ذلك عند ربهم ومليكهم وليبادروا إلى ذلك فى هذه الحياة الدنيا.

( من قبل أن يأتى يوم ) يعنى يوم القيامة.

( لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ) أى لا يباع أحد من نفسه ولا يفادى بمال لو بذله ولو جاء بملء الأرض ذهبا لا تنفعه خلة أحد يعنى صداقته بل ولا نسابته كما قال : ( فإذا نفخ فى الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ).

٢٢٥

( ولا شفاعة ) أى لا تنفعهم شفاعة الشافعين.

وقوله ( والكافرون هم الظالمون ) مبتدأ محصور فى خبره ، أى ولا ظالم أظلم ممن وافى الله يومئذ كافرا ، وقد روى ابن أبى حاتم عن عطاء بن دينار أنه قال : « الحمد الله الذى قال ( والكافرون هم الظالمون ) ولم يقل : « والظالمون هم الكافرون ».

وقال تعالى : ( وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى ) يعنى أهل مكة وقد أهلك الله الأمم المكذبة بالرسل مما حولها كعاد وكانوا بالأحقاف بحضرموت عند اليمن وثمود وكانت منازلهم بينهم وبين الشام وكذلك سبأ وهم أهل اليمن ومدين وكانت فى طريقهم وممرهم إلى غزة ، وكذلك بحيرة قوم لوط كانوا يمرون بها أيضا :

وقوله عزوجل : ( وَصَرَّفْنَا الْآياتِ ) أى بيناها وأوضحناها ( لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ). ( سورة الأحقاف الآية ٢٧ )

وإذا كنا قد قدمنا الحديث عن المنهج لأهميته ، فإننا نتحدث الآن عن الشخص وعن تقدير العلماء له.

انه الحافظ الكبير ، المدقق المحقق ، عماد الدين اسماعيل بن عمر بن كثير البصرى ثم الدمشقى الفقيه الشافعى :

ولد سنة إحدى وسبعمائة بقرية شرقى بصرى من أعمال دمشق وابتدأ فى طلب العلم من صغره ورحل فى طلبه ، وقدم دمشق وله سبع سنين سنة ست وسبعمائة مع أخيه.

وقد مات أبوه وهو طفل لم يشب عن الطوق فى سنة ٧٠٣ وساعده أخوه فى شئون حياته واتجه بكليته إلى العلم : دارسا ومتفقها ، ومتعرفا على ألوان العلوم فحفظ والف وكان ـ فى كل ذلك ـ كثير الاستحضار ، قليل النسيان ، جيد الفهم ، يشارك فى العربية وينظم نظما وسطا.

٢٢٦

ولم يتحصل له العلم إلا بعد أن سمع من كثير من العلماء وتفقه على العديد من الشيوخ كالشيخ برهان الدين الفزارى وكمال الدين بن قاضى شهبة ، ثم صاهر الحافظ أبا الحجاج المزى ولازمه وأخذ عنه ، وأقبل على علم الحديث وأخذ الكثير عن ابن تيمية وقرأ الأصول على الأصبهانى ، وسمع الكثير ، وبرع فى حفظ المتون ومعرفة الأسانيد والعلل والرجال والتاريخ حتى برع فى ذلك وهو شاب.

قال عنه الإمام الذهبى فى معجمه :

« الإمام المفتى المحدث البارع : فقيه متفنن ومحدث متقن ، ومفسر نقاد.

وقال ابن حجر فى الدرر :

سمع من ابن الشحنة وابن الزرّاد وإسحاق الآمدى وابن عساكر والمزى وابن الرضى وأجاز له من مصر : الدبوسى والوانى والختنى وغيرهم .. واشتغل بالحديث مطالعة فى متونه ورجاله ، فجمع التفسير ، وشرع فى كتاب كبير فى الأحكام لم يكمل ، وجمع التاريخ الذى سماه البداية والنهاية وعمل طبقات الشافعية وخرج أحاديث مختصر ابن الحاجب وشرع فى شرح البخارى ، ولازم المزى وقرأ عليه تهذيب الكمال وصاهره على ابنته وأخذ عن ابن تيمية ، ففتن بحبه وامتحن بسببه.

وقال عنه ابن حبيب : زعيم أرباب التأويل ، سمع وجمع وصنف وأطرب الأسماع بالفتوى وشنف ، وحدث وأفاد وطارت أوراق فتاويه فى البلاد ، واشتهر بالضبط والتحرير وانتهت إليه رئاسة العلم فى التاريخ والحديث والتفسير.

وقال تلميذه الحافظ شهاب الدين بن حجى :

« كان احفظ من ادركناه لمتون الأحاديث ، واعرفهم بتخريجها ورجالها وصحيحها وسقيمها وكان اقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك ، وكان يستحضر شيئا كثيرا من الفقه والتاريخ قليل النسيان وكان فقيها جيد الفهم صحيح

٢٢٧

الذهن ، يشارك فى العربية مشاركة جيدة وينظم الشعر ، وما اعرف أنى اجتمعت به على كثرة ترددى إليه إلا واستفدت منه ».

وقال ابن حجر :

كان كثير الاستحضار ، حسن المفاكهة ، سارت تصانيفه فى البلاد فى حياته وانتفع بها الناس بعد وفاته.

وقد انتهت إليه رئاسة العلم فى التاريخ والتفسير والحديث فولى مشيخة أم الصالح بعد موت الذهبى ، ومشيخة دار الحديث الاشرفية بعد موت السبكى مدة يسيرة ، ثم أخذت منه.

وهو القائل :

تمر بنا الأيام تترى وانما

نساق إلى الآجال والعين تنظر

فلا عائد هذا الشباب الذى مضى

ولا زائل هذا المشيب المكدر

٢٢٨

بصائر ذوى التمييز

فى لطائف الكتاب العزيز للفيروز بادى

مؤلف هذا الكتاب أمام مشهور ، وعالم فاضل ، برز فى اللغة وعلومها ، والحديث وفنونه ، وضم إلى ذلك معرفة تاريخية صائبة وسلوكا صوفيا طيبا ، وجمع كل معارفه فنسقها تنسيقا لم يسبق إليه ، وقدمها تقديما حاول به أن ييسر القرآن للباحثين ، ويكشف للعالم عن وجوه الإعجاز فيه فجاء وافيا بآية محققا للغاية المنشودة منه.

والفيروزآبادي : مجد الدين أبو الطاهر محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر الشيرازى الشيخ العلامة.

كان بروزه إلى ساحة الحياة فى سنة تسع وعشرين وسبعمائة بكازرون لأب كان من علماء اللغة والأدب بشيراز فحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وشغل بكتب اللغة من هذه السن ثم انتقل إلى شيراز فى سن الثامنة فأخذ اللغة من أبيه والحديث من محمد بن يوسف الزرندى الحنفى.

وانطلق فى رحلاته بين أرجاء العالم الإسلامى محصلا جامعا متفهما متعلما :

يقول ابن حجر فى أنباء الغمر : ( ودخل الديار الشامية بعد الخمسين فسمع بها وظهرت فضائله وكثر الآخذون عنه ، ثم دخل القاهرة ثم جال فى البلاد الشمالية والشرقية ودخل الهند وعاد منها على طريق اليمن قاصدا مكة ، ودخل زبيد فتلقاه الملك الأشرف إسماعيل بالقبول ، وكان ذلك بعد وفاة جمال الدين الريمى قاضى الأقضية باليمن كله فقرره الملك الأشرف مكانه وبالغ فى إكرامه فاستقرت قدمه بيزيد واستمر فى ذلك إلى مات وقدم فى هذه المدة مكة مرارا وأقام بها وبالطائف ، ثم رجع ).

٢٢٩

ومن معالم شخصيته البارزة قوة الحفظ فقد حكى عنه أنه قال : « ما كنت أنام حتى احفظ مائتي سطر ».

ومن هذه المعالم طيب النفس وسماحة السلوك وحسن الصحبة ، قال ابن حجر : ( اجتمعت به فى زبيد وفى وادى الخصيب وناولنى جل « القاموس » واذن لى مع المناولة أن أرويه عنه وقرأت عليه من حديثه عدة أجزاء وسمعت منه « المسلسل » بالأولية بسماعة من السبكى وكتب لى تقريظا على بعض تخريجاتي أبلغ فيه وأنشدنى لنفسه فى سنة ثمانمائة بيزيد.

وقد كان لهذه السماحة أطيب الأثر فى إقبال أهل عصره واحرصهم على تكريمه فكان كما قال ابن حجر : ( لم يقدر له قط أنه دخل بلدا الا وأكرمه متوليه وبالغ فى إكرامه مثل شاه شجاع صاحب تبريز والأشرف صاحب مصر والأشرف صاحب اليمن وابن عثمان صاحب الروم وأحمد بن ادريس صاحب بغداد وغيرهم.

أما من علمه فقد كان عزيرا ، لقد استفاد بكبار علماء عصره ، واستنار بما دون فى الكتب من العلوم ومع دقة حفظه وسعة اطلاعه فقد كانت المراجع لا تفارقه فى حله وترحاله لقد كان لا يسافر إلا وصحبته عدة احمال من الكتب يخرج أكثرها فى كل منزلة فينظر فيها ويعيدها إذا رحل وكان إذا املق باعها.

ونقل السخاوى عنه أنه قال : اشتريت بخمسين ألف مثقال ذهبا كتبا.

أما عن شيوخه فقد قرأ القراءات العشر على الشهاب أحمد بن على الديواني وأخذ ببغداد عن التاج محمد بن السباك والسراج عمر بن على القزوينى ، وفى دمشق أخذ عن الشيخ تقى الدين السبكى وابنه التاج عبد الوهاب وفى الشام أخذ عن صلاح الدين العلائى وفى القاهرة أخذ عن بهاء الدين ابن عقيل شارح الألفية وجمال الدين الاسنوى وابن هشام النحوى.

والناظر فى تفسيره يجد أنه قد رسم له خطته وحدد طريقته فقال فى مقدمته :

٢٣٠

وبعد : فهذا كتاب جليل ومصنف حفيل ايتمرت بتأليفه الأوامر الشريفة العالية المولوية الامامية السلطانية العامية الهمتمية الصمصاوية الأعدلية الأفضلية السعدية الأجلية الملكية الاشرفية ممهد الدنيا والدين ، خليفة الله فى العالمين أبو العباس إسماعيل بن العباس بن على بن داود بن يوسف بن عمر بن رسول خلد الله سلطانه. وأنار فى الخافقين برهانه قصد بذلك نصره الله ـ جمع شتات العلوم وضم أنواعها ، على تباين أصنافها فى كتاب مفرد تسهيلا لمن رام سرح النظر فى أزاهير أفنان الفنون وتيسيرا لمن أراد الاستمتاع برائع أزهارها ، ويانع ثمارها الغض المصون.

فاستعنت بتوفيق الله وتأييده ، ورتبته على مقدمة وستين مقصدا :المقدمة فى تشويق العالم إلى استزادة العلم الذى طلبه فرض ، وتمييز العلوم بعضها من بعض.

المقصد الأول : فى لطائف تفسير القرآن العظيم.

أما المقاصد الباقية فتتعلق بعلوم أخرى كعلم الحديث وعلم الفقه وعلم الحروف وخواصها ونحو ذلك.

المقصد الأول :

وبعد المقدمة يقول المقصد الأول فى لطائف تفسير القرآن العظيم.

اعلم أن رتبنا هذا المقصد الشريف على أغرب اسلوب وقدمنا أمامه مقدمات ومواقف :

أما المقدمات : ففي ذكر فضل القرآن الكريم ووجه اعجازه وعد اسمائه وما لا بد للمفسرين من معرفته : من ترتيب نزول سور القرآن واختلاف أحوال آياته وفى مواضع نزوله وفى وجوه مخاطباته وشىء من بيان الناسخ والمنسوخ وأحكامه ومقاصده : من ابتداء القرآن إلى انتهائه. ثم يقول : ( واذكر فى كل سورة على حدة سبعة أشياء ).

موضع النزول ، وعدد الآيات ، والحروف والكلمات واذكر الآيات التى

٢٣١

اختلفت فيها القراءات ومجموع فواصل آيات السورة ، وما كان للسورة من اسم أو اسمين فصاعدا ، واشتقاقه ومقصودة السورة وما هى متضمنة له وآيات الناسخ والمنسوخ منها والمتشابه منها وبيان فضل السورة مما ورد فيها من الأحاديث.

ثم اذكر موقفا يشتمل على تسعة وعشرين بابا على عدد حروف الهجاء ثم اذكر فى كل باب من كلمات القرآن ما أوله حرف ذلك الباب مثاله أنى أذكر فى أول باب الألف الألف واذكر وجوهه ومعانيه ثم اتبعه بكلمات أخرى مفتتحة بالألف وكذلك فى باب الباء والتاء إلى آخر الحروف فيحتوى ذلك على جميع كلمات القرآن ومعانيها على أتم الوجوه.

واختتم ذلك بباب الثلاثين اذكر فيه أسماء الأنبياء ومتابعيهم من الأولياء ، ثم أسماء اعدائهم المذكورين فى القرآن واشتقاق كل ذلك لغة ، وما كان له فى القرآن من النظائر واذكر ما يليق به من الأشعار والأخبار واختم الكتاب بذكر خاتم النبيين.

ثم استفاض فى تفسيره على النمط الذى ذكره ومن أمثلته ما يلى :

« بصيرة » ـ أنا انزلناه

السورة مكية عند بعض المفسرين ، مدنية عند الأكثرين.

آياتها ست فى عد الشام وخمس عند الباقين.

وكلماتها ثلاثون وحروفها مائة واثنتا عشرة.

فواصل آياتها على الراء.

سميت سورة القدر لتكرر ذكره فيها.

معظم مقصود السورة : بيان شرف ليلة القدر فى نص القرآن ونزول الملائكة المقربين من عند الرحمن واتصال سلامهم طوال الليل على أهل الإيمان فى قوله حتى مطلع الفجر السورة محكمة.

٢٣٢

المتشابهات :

قوله تعالى :

( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ... وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) ( سورة القدر الآية ١ ، ٢ )

ثم قال ( ليلة القدر ) فصرح به ، وكان حقه الكناية مرفعا لمنزلتها فإن الإسم قد يذكر بالصريح فى موضع الكناية تعظيما وتخويفا كما قال الشاعر :

لا أرى الموت يسبق الموت شىء

نغص الموت ذا الغنى والفقيرا

فصرح باسم الموت ثلاث مرات تخويفا وهو من أبيات كتاب سيبويه

فضل السورة :

فيه أحاديث ضعيفة : عن أبى : من قرأها أعطى من الأجر كمن صام رمضان واحيا ليلة القدر.

وقال جعفر : من قرأها فى ليلة نادى مناد : استأنف العمل فقد غفر الله لك.

وقال : يا على ، من قرأها فتح الله فى قبره بابين من الجنة وله بكل آية قرآن ثواب من صلى بين الركن والمقام ألف ركعة.

بصيرة فى الرزق :

والرزق ـ بالكسر ـ ما ينتفع به ويقال للعطاء الجارى تارة دنيويا كان أو أخرويا وللنصيب تارة ولما يصل إلى الجوف ويتغذى به تارة والجمع أرزاق.

والرزق ـ بالفتح ـ المصدر الحقيقى والمرة الواحدة رزقه والجمع رزقات ويقال : أعطى السلطان رزق الجند ورزقت علما ، قال تعالى : ( وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ ) من المال والجاه والعلم.

وقوله :

( وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ )

( سورة الواقعة ٨٢ )

٢٣٣

أي تجعلون نصيبكم من النعمة تحرى الكذب وقوله :

( وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ ) ( سورة الذاريات ٢٢ )

قيل : عنى به المطر الذى به حياة الحيوان.

وقيل : هو كقوله :

( فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً ) ( سورة الحجر ٢٢ )

وقيل : تنبيه ان الحظوظ بالمقادير وقوله : ( فليأتكم برزق منه ) أى بطعام يتغذى به.

وقوله ( رزقا للعباد ) قيل عنى به الأغذية ويمكن أن يحمل على العموم فيما يؤكل ويلبس ويستعمل. وقال فى العطاء الأخروية. وقوله :

( إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ) ( سورة الذاريات الآية ٥٨ )

محمول على العموم.

والرزاق يقال الخالق الرزق معطيه والسبب له وهو الله تعالى ويقال للإنسان الذي يصير سببا فى وصول الرزق فلا يقال إلا الله تعالى وقوله :

( وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ ) ( سورة الحجر الآية ٢٠ )

أي بسبب رزقه ولا مدخل لكم فيه.

( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً )

( سورة النحل الآية ٧٣ )

الآية : أى ليسوا بسبب فى رزقهم بوجه من الوجوه وبسبب من الأسباب.

وارتزق الجند : أخذوا أرزاقهم ، والرزقة ما يعطونه دفعة واحدة. ا ه.

٢٣٤

النيسابورى

المتوفى سنة ٧٢٨ هـ

هو الإمام الكبير ، والعالم الشهير ، نظام الدين الحسن بن محمد بن الحسين الخراسانى النيسابورى.

ولد نيسابورى وأقام بمدينة « قم » وكان منشؤه وموطنه بديار نيسابور ..

كان ملما بالعلوم العقلية والنقلية ، عارفا باللغة العربية ، متمكنا من ناحية التعبير عارفا بالتأويل والتفسير ، واعيا بالقراءات ، وضم إلى ذلك الشهرة العلمية الواسعة على جانب كبير من الورع والتقوى ، ومعرفة واسعة بالتصوف وعلوم الاشارات.

كانت له كتب مفيدة ، وآثار جيدة ، ثلاثة كتب فى التفسير : كبير ومتوسط وموجز ومنها كتاب تعبير التحرير شرح لتحرير المجسطى للطوسي ، وتوضيح التذكرة النصيرية فى الهيئة هذا فضلا عما كتبه فى أوقاف القرآن ..

تفسير النيسابورى

ومن أهم كتب النيسابورى تفسيره المشهور : غرائب القرآن ورغائب الفرقان الذى الفه رغبة فى تيسير القرآن للدارسين ، ومساعدة الراغبين فى فهمه ، والتعرف على ما يمكن التعرف عليه من اسراره ..

وقد بين السبب فى قيامه بتأليفه فقال :

وإذ وفقنى الله تعالى لتحريك القلم فى أكثر الفنون المنقولة والمعقولة ، كما اشتهر بحمد الله تعالى ومنه فيما بين أهل الزمان ، وكان علم التفسير من العلوم بمنزلة ، الانسان من العين والعين من الانسان ، وكان قد رزقنى الله تعالى من إبان الصبا وعنفوان الشباب حفظ لفظ القرآن ، وفهم معنى الفرقان ، وطالما

٢٣٥

طالبنى بعض أجلة الاخوان ، وأعزة الأخدان ، ممن كنت مشارا إليه عندهم بالبنان فى البيان ، والله المنان ، يجازيهم عن حسن ظنونهم ، ويوفقنا لا سعاف سؤلهم وانجاح مطلوبهم ، ان اجمع كتابا فى علم التفسير ، مشتملا على المهمات ، مبينا على ما وقع لنا من نقل الاثبات وأقوال الثقات ، من الصحابة والتابعين ، ثم من العلماء الراسخين ، والفضلاء المحققين المتقدمين والمتأخرين ، جعل الله تعالى سعيهم مشكورا ، وعملهم مبرورا ، فاستعنت بالمعبود وشرعت فى المقصود ، معترفا بالعجز والقصور فى هذا الفن وفى سائر الفنون ..

ثم ذكر أهم المراجع التى اعتمد عليها فى اعداد تفسيره فقال :

ولما كان التفسير الكبير المنسوب إلى الإمام الافضل ، والهمام الامثل ، الحبر النحرير ، والبحر الغزير ، الجامع بين المعقول والمنقول ، الفائز بالفروع والأصول ، أفضل المتأخرين ، فخر الملة والحق والدين ، محمد بن عمر بن الحسن الخطيب الرازى ، تغمده الله برضوانه وأسكنه بحبوحة جنانه ، اسمه مطابق لمسماه ، وفيه من اللطائف والبحوث ما لا يحصى ، ومن الزوائد والفنون ما لا يخفى ، فإنه قد بذل مجهوده ، ونثل موجوده ، حتى عسر كتابه على الطالبين ، واعوز تحصيله على الراغبين ، فحاذيت سياق مرامه ، وأوردت حاصل كلامه وقربت مسالك أقدامه ، والتقطت عقود نظامه ، من غير اخلال بشيء من الفرائد ، واهمال لما يعد من اللطائف والفوائد ، وضمت إليه ، ما وجدت فى الكشاف وفى سائر التفاسير من اللطائف المهمات إذ رزقنى الله تعالى من البضاعة المزجاة ، وأثبت القراءات المعتبرات والوقوف المعللات ثم التفسير المشتمل على المباحث اللفظيات والمعنويات ، مع اصلاح ما يجب اصلاحه ، وإتمام ما ينبغى إتمامه ، من المسائل الموردة فى التفسير الكبير والاعتراضات ، ومع حل ما يوجد فى الكشاف من المواضع المعضلات ، سوى الابيات المعقدات ، فان ذلك يوردها من ظن أن تصحيح القراءات وغرائب القرآن انما يكون بالامثال والمستشهدات ، كلا فان القرآن حجة على غيره وليس غيره عليه ، فلا علينا أن نقتصر فى غرائب القرآن على تفسيرها

٢٣٦

بالألفاظ المشتهرات وعلى ايراد بعض المتجانسات ، التى تعرف منها أصول الاشتقاقات ، وذكرت طرفا من الاشارات المقنعات والتأويلات الممكنات ، والحكايات المبكيات ، والمواعظ الرادعة عن المنهيات الباعثة على أداء الواجبات ..

ثم قال مبينا منهجه فى التفسير :

« والتزمت ايراد لفظ القرآن الكريم أولا مع ترجمته على وجه بديع ، وطريق منيع مشتمل على ابراز المقدرات ، واظهار المضمرات ، وتأويل المتشابهات ، وتصريح الكنايات وتحقيق المجازات والاستعارات ، فان هذا النوع من الترجمة مما تسكب فيه العبرات ، ويزل المترجمون هنالك إلى العثرات ، وقلما يفطن له الناشئ الواقف على متن اللغة العربية ، فضلا عن الدخيل القاصر فى العلوم الأدبية ، واجتهدت كل الاجتهاد فى تسهيل سبيل الرشاد. ووضعت الجميع على طرف التمام ليكون الكتاب كالبدر فى التمام ، وكالشمس فى افادة الخاص والعام ، من غير تطويل يورث الملام ، ولا تقصير يوعر مسالك السالك ويبدد نظام الكلام ، فخير الكلام ما قل ودل ، وحسبك من الزاد ما بلغك المحل.

وقد قدم لتفسيره بمقدمات هامة :

المقدمة الاولى : فى فضل القراءة والقارئ وآداب القراءة وجواز اختلاف القراءات وذكر القراء المشهورين المعتبرين.

المقدمة الثانية : فى الكلام على الاستعاذة المندوب إليها فى قوله عز من قائل : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ).

المقدمة الثالثة : فى فوائد مهمة تتصل بتواتر القراءات السبع ، والكلام على نزول القرآن على سبعة أحرف.

المقدمة الرابعة فى كيفية جمع القرآن ..

٢٣٧

المقدمة الخامسة فى معانى المصحف والكتاب والقرآن والسورة والآية والكلمة والحرف وغير ذلك.

المقدمة السادسة : فى ذكر السبع الطوال والمثانى والمئين والطواسيم والحواميم والمفصل والمسبحات وغير ذلك.

المقدمة السابعة : فى ذكر الحروف التى كتب بعضها على خلاف بعض فى المصحف وهى فى الأصل واحدة.

المقدمة الثامنة : فى أقسام الوقف.

المقدمة التاسعة : فى تقسيمات يعرف منها اصطلاحات مهمة المقدمة العاشرة : فى أن كلام الله تعالى قديم أولا المقدمة الحادية عشرة : فى كيفية استنباط المسائل الكثيرة من الألفاظ القليلة.

ويبدأ بعد ذلك فى تفسيره على ما رسمه فى مقدمته.

أنه يبدا بكتابة مجموعة من الآيات ثم يتحدث عما فيها من القراءات ، وما تشتمل عليه من الوقوف ثم يبدأ التفسير ، وغالبا ما يعقب بالتأويل.

ولتعرض نموذجا صغيرا من تفسيره فى قول الله تعالى :

( يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ. وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ).

( سورة البقرة الآية ٤٨ )

القراءات :

ولا تقبل بالتاء الفوقانية ( قراءة ) ابن كثير وأبو عمرو وسهل ويعقوب

٢٣٨

الوقوف :

العالمين (. ) ( أى آخر آية ) ينصرون (. )

التفسير ( ولطول الكلام فيه سنوجزه فيما يأتى ) :

إنما أعاد سبحانه هذا الكلام توكيدا للحجة ، وتحذيرا من ترك اتباع محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كأنه قال : ان لم تطيعونى لاجل سوالف نعمتى عليكم ، فاطيعونى للخوف من عقابى فى المستقبل.

والمراد بالعالمين هاهنا : الجم الغفير من الناس ، كقوله ( بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ ) سورة الانبياء (٧١) ويمكن أن يكون المراد : فضلتكم على عالمى زمانكم ، لان الشخص الذى سيوجد بعد ذلك لا يكون من جملة العالمين ويحتمل ان يكون لفظ العالمين عاما للموجودين ولمن سيوجد ، لكنه مطلق فى الفضل ، والمطلق يكفى فى صدقه صورة واحدة.

٢ ـ قال تعالى : ( إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ ) ( سورة البقرة : ١١٩ )

القراءات : ـ « ولا تسئل » على النهى نافع ويعقوب ، للباقون بضم التاء ، ورفع اللام على الخبر.

الوقوف : ـ

« ونذيرا ولا » للعطف : أى نذيرا ، وغير مسئول إلا لمن قرأ ( ولا تسأل ) على النهى لاختلاف الجملتين ( الجحيم ) تمام الآية.

التفسير :

لما بين غاية اصرارهم على العناد ، وتصميمهم على الكفر بعد نزول ما يكفى فى باب الاقتداء والاهتداء من الآيات البينات ، اراد أن يسلى

٢٣٩

ويسرى عن رسوله لئلا يضيق صدره فقال : ( إِنَّا أَرْسَلْناكَ ) يا محمد ( بالحق ) والصواب ما تقتضيه الحكمة ، وهو أن لا يكون لك أن تجبرهم على الايمان بل لا يتجاوز حالك عن أن تكون ( بشيرا ) لمن اتبعك بكل خير ( ونذيرا ) لمن خالفك بكل سوء ( فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ ) ( سورة فاطر : ٨ ) انك غير مسئول ( عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ ) « سورة البقرة : ١١٩ » وهو من أسماء النار وكل نار عظيمة فى مهواة فهى جحيم ، من قوله تعالى : ـ

( قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ).

( سورة الصافات : ٧٧ )

والجاحم : المكان الشديد الحر ، وهذا كقوله ( فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ ) ( سورة الرعد : ٤٠ ) وأما قراءة النهى ، فيروى أنه قال : « ليت شعرى ما فعل أبواى؟ « فنهى عن السؤال عن أحوال الكفرة والاهتمام بأعداء الله ، وفى هذه الرواية بعد « لان سياق الكلام ينبو عن ذلك ولانه صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع علمه الاجمالى بحال الكفار كيف يتمنى ذلك؟والاقرب أن معناه تعظيم ما وقع فيه الكفار من المحن كما إذا سألت عمن وقع فى بلية ، فيقال لك. لا تسأل عنه ، فكأن المسئول يحرج أن يجرى على لسانه ما هو فيه لفظاعته ، أو يرى أنك لا تقدر على استماع خبره ، لانه يورث الوحشة والضجر ..

٢٤٠