مناهج المفسرين

الدكتور منيع عبد الحليم محمود

مناهج المفسرين

المؤلف:

الدكتور منيع عبد الحليم محمود


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتاب المصري
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٢

ينشأ عن هذه الصفات من الافعال الذميمة ، وارتكاب الفواحش والمنكرات والانغماس فى شرور اللذات ، كما يدخل فيه الفضائل التى هى اصدار هذه الرذائل المتروكة ، وجميع ما سماه القرآن عملا صالحا من العبادات وحسن المعاملة مع الناس ، والسعى فى توفير منافعهم العامة والخاصة مع التزام العدل والوقوف عند ما حده الشرع القويم والاستقامة على صراطه المستقيم.

وجملة القول :

أن الإيمان الذى أنزل إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو الايمان بالدين الاسلامى جملة وتفصيلا فما علم من ذلك بالضرورة ولم يخالف فيه مخالف يعتد به فلا يسع أحدا جهله ، فالإيمان به إيمان والاسلام لله به اسلام ، وإنكاره خروج من الاسلام ، وهو الذى يجب أن يكون معقد الارتباط الاسلامى وواسطة الوحدة الاسلامية وما كان دون ذلك فى الثبوت ودرجة العلم فموكول إلى اجتهاد المجتهدين ، ولا يصح أن يكون شىء من ذلك مثار اختلاف فى الدين.

زاد الاستاذ هنا بخطه عند قولنا « اجتهاد المجتهدين » ما نصه أو ذوق العارفين ، أو ثقة الناقلين بما نقلوا عنه ليكون معتمدهم فيما يعتقدون بعد التحرى والتمحيص ، وليس لهؤلاء أن يلزموا غيرهم ما ثبت عندهم ، فإن ثقة الناقل بمن ينقل عنه حالة خاصة به لا يمكن لغيره أن يعشر بها حتى يكون له مع المنقول عنه فى الحال مثل ما للناقل معه فلا بد أن يكون عارفا بأحواله واخلاقه ودخائل نفسه ونحو ذلك عما يطول شرحه ، وتحصل الثقة للنفس بما يقول القائل :

وأقول :

معنى هذا أن بعض أحاديث الآحاد تكون حجة على من ثبتت عنده واطمأن قلبه بها ولا تكون حجة على غيره يلزمه العمل بها ـ ولذلك لم يكن الصحابة رضى الله عنهم يكتبون جميع ما سمعوا من الاحاديث ويدعون إليها مع دعوتهم إلى اتباع القرآن والعمل به ، وبالسنة العلمية المتبعة المبينة له إلا

٣٢١

قليلا من بيان السنة كصحيفة على كرم الله وجهه المشتملة على بعض الاحكام كالدية وفكاك الاسير وتحريم المدينة كمكة.

ولم يرض الامام مالك من الخليفتين : المنصور والرشيد أن حملا الناس على العمل بكتبه حتى ـ « الموطأ » وانما يجب العمل بأحاديث الآحاد على من وثق بها رواية ودلالة ، وعلى من وثق برواية أحد وفهمه لشىء منها أن يأخذه عنه ، ولكن لا يجعل ذلك تشريعا عاما ، وأما ذوق العارفين فلا يدخل شىء منه فى الدين ، ولا يعد حجة شرعية بالاجماع إلا ما كان من استفتاء القلب فى الشبهات والاحتياط فى تعارض البيانات.

٣٢٢

تفسير ابن باديس

وابن باديس هو عبد الحميد بن محمد المصطفى بن مكى بن باديس ، ولد فى أسرة صنهاجية من اعرق الاسر فى العلم والنسب ، ومكانة الاسرة فى العلم يصف جانبا منها ابن خلدون حينما يقول :

انه اجتمع اربعون عمامة من أسرة باديس فى وقت واحد فى التدريس والافتاء والوظائف الدينية.

وهذا العدد فى أسرة واحدة فى وقت واحد دليل كاف على صلتها الوثيقة بالعلم والاسرة تنحدر عن الصنهاجيين الذين كانوا ملوكا وحكاما ، وكان من انبهم المعز بن باديس.

ولد ابن باديس فى سنة ١٣٠٨ ه‍ ١٨٨٩ م ميلادية وأخذ منذ الطفولة فى التعليم بحفظ القرآن الكريم كما ألف الوسط الذى يعيش فيه من بدئهم بحفظ القرآن الكريم ، ثم أخذ يتزود من علوم العربية وعلوم الاسلام.

ثم شد الرحال الى جامع الزيتونة بتونس الذى كان مزدهرا بالعلم والعلماء ، ارتحل الى الزيتونة وهو كبير السن وقد تزود بقسط وافر من العلوم ، وانتهت دراسته بها سنة ١٩١٢ ثم سافر الى الحج والزيارة ، وهناك التقى ببعض الجزائريين النابهين ، منهم الشيخ البشير الابراهيمى ، واخذوا يتدارسون الوضع السياسى فى الجزائر والاحتلال الفرنسى الجاثم على صدرها ، يدبر الامر فى عنف لجعلها فرنسية لغة وثقافة ، واتفقوا على أن النهضات المستقرة الناجحة انما تقوم على اساس من الايمان الوثيق ، وبدون الايمان لا تنجح نهضة فى الشرق الاسلامى ولا تستقر.

٣٢٣

ومن هنا كان السر فى انشاء « جمعية العلماء المسلمين الجزائريين » سنة ١٩٣١ م وكانت سن ابن باديس اذ ذاك ٤٢ عاما.

وكان ابن باديس حلقة فى سلسلة معينة من التيار الفكرى الذى ينتسب اليه كثير من الذين يتجهون الى الاصلاح على نهج جمال الدين الافغانى.

وفى ذلك يقول الشيخ البشير الابراهيمى رحمه‌الله :

« ان هذه النهضة المباركة المنتشرة اليوم فى الاقطار الاسلامية بشير خير ، بقرب رجوع المسلمين الى هذه الهداية ، لان هذه النهضة بنيت اصولها على الدعوة الى كتاب الله وتفهمه والعمل به »

وقد كان من بواكير ثمار هذه النهضة فى باب التأليف : تفسير الامام النقاد : « محمود الآلوسي » على ما فيه من تشدد فى المذهبية. وتفسير الامير « صديق حسن خان ».

ثم جاء إمام النهضة بلا منازع ، وفارس الحلبة بلا مدافع الاستاذ الامام « محمد عبده » فجلا بدرسه فى تفسير كتاب الله عن حقائقه التى حام حولها من سبقه ولم يقع عليها وكانت تلك الدروس آية على أن القرآن لا يفسر الا بلسانين :

« لسان العرب ، ولسان الزمان ».

وبه وبشيخه « جمال الدين » استحكمت هذه النهضة واستمر مريرها.

ثم جاء الشيخ « محمد رشيد رضا » جاريا على ذلك النهج الذى نهجه محمد عبده فى تفسير القرآن ، كما جاء شارحا لآرائه وحكمته وفلسفته فى الدين والاخلاق والاجتماع.

ثم جاء اخونا وصديقنا الاستاذ الشيخ « عبد الحميد بن باديس » قائد تلك النهضة بالجزائر ، بتفسيره لكلام الله على تلك الطريقة وهو ممن لا يقصر عمن ذكرناهم فى استكمال وسائلها من ملكة بيانية راسخة ، وسعة اطلاع

٣٢٤

على السنة وتفقه فيها وغوص على اسرارها ، واحاطة وباع مديد فى علم الاجتماع البشرى وعوارضه ، والمام بمنتجات العقول ومستحدثات الاختراع ... ومستجدات العمران ، يمد ذلك قوة خطابية قليلة النظير ، وقلم كاتب لا تفل له شباة.

ولقد مكث ابن باديس يدرس تفسير القرآن الكريم فى مدى خمسة وعشرين عاما دون فتور أو انقطاع ، وحينما اتمه كان يوم عيد فى الجزائر وعن ذلك يقول الشيخ البشير « بارك الله فى عمر الاستاذ فأتم تفسير كتاب الله ببيانه المشرق فى خمس وعشرين عاما ، من غير ان تختل اعماله العلمية الكثيرة ، ولا أعماله المستغرقة لدقائقه فى سبيل النهضة.

وعرفت الامة الجزائرية قيمة ما اتم الله على يد الاستاذ فاحتفلت بهذا الختم كأعظم ما تحتفل أمة ناهضة باثر ناجح من جهودها.

وكان من الاحسان فى هذا العمل العظيم ومن الاحسان للنهضة أن تسجل من هذا الاحتفال صورة منبهة على حقيقته فصدر عدد من ( الشباب ) وهو لسان حال هذه النهضة ـ خاصا بهذه المنقبة ، مخلدا لهذا الاثر ، مسجلا لبعض أوصافه وما قيل فيه.

ونحن بمالنا من الصلة الوثيقة بهذه النهضة ، ومن العمل النزر فيها نغتبط بهذه الخطوة السديدة ، وهذه المرحلة الجديدة ، التى تمت بختم التفسير.

وعن ابن باديس يقول الدكتور : محمد البهى :

« والامام عبد الحميد بن باديس » رئيس جمعية العلماء بالجزائر ، وباعث النهضة الاسلامية العربية فيها ، وفائد الثورة ضد الاستعمار الفرنسى فى هذه البلاد العزيزة ، واحد العلماء المصلحين المفكرين الرواد فى الوطن الاسلامى والعربى ، وهم ـ مع الاسف ـ لم يكونوا كثرة فى العدد وان كانوا قوة فى الاثر ».

٣٢٥

ودخل بن باديس فى صراع لا هوادة فيه مع الاستعمار والمستعمرين ، ومن طريف ما يرويه فى ذلك قوله :

« اذكر اننى ـ ابن باديس ـ لما زرت المدينة المنورة ، واتصلت فيها بشيخى الاستاذ أحمد الونيسى ، وشيخى أحمد الهندى ، أشار على الاول بالهجرة الى المدينة ، وقطع كل علاقة لى بالوطن وأشار على الثانى ، وكان عالما حكيما بالعودة الى الوطن وخدمة الاسلام والعربية فيه بقدر الجهد فحقق الله رأى الشيخ الثانى ورجعنا الى الوطن بقصد خدمته ، فنحن لا نهاجر ، نحن حراس الاسلام والعربية والقومية فى هذا الوطن.

٣٢٦

تفسير جزء تبارك

للشيخ عبد القادر المغربى

من فضلاء العلماء فى هذا القرن : الشيخ عبد القادر المغربى الأديب العالم المتضلع من علوم اللغة ومعارف الدين.

كان له نشاط مشكور فى الحركة العلمية والادبية فى عصره ، اذ ضم الى حسن المحاضرة ـ وفرة المعلومات ، وغزارة الافكار ، ودقة الفهم ، وعمق التحرى فيما يتحدث عنه.

وقد تولى عضوية المجلس العلمى بدمشق ، والمجمع اللغوى بمصر ، وظل يتنقل بين القطرين مع امتداد رحلته الى غيرهما من الأقطار.

وكان له معرفة بفضلاء عصره ، يسمعهم ويستفيد منهم ، ويقدم لهم ما عنده من العلم ويفيدهم وهو فى كل ذلك لا يهدأ عن الحركة ، ولا يتوقف عن العمل.

ومن روائع كتبه ، فضلا عن هذا التفسير ، كتابه عن جمال الدين الافغانى الذى اشتمل على ذكريات نادرة محببة ، فيها كشف لجوانب طيبة ممتعه عن جمال الدين ، كما كان له آراء جيدة ، ـ ومواقف علمية سديدة فيما يتصل بمباحث اللغة ومشكلاتها.

أما عن تفسيره لجزء تبارك ، فقد كان له أسباب بعثت عليه ، وأمور وجهت نحوه ، ويتحدث هو عن ذلك فى مقدمة تفسيره ، فيقول :

أما بعد : فان جزءي « عم » و « تبارك » من أكثر الاجزاء شيوعا بين طلاب المدارس ، وتداولا بين عامة المسلمين ، وأيدى صغارهم ، وآياتهما أشد علوقا بالنفس ، وترديدا فى الافواه ، من سائر آيات الكتاب ، فمن ثم

٣٢٧

كانا جديرين بأن يفسر كل منهما تفسيرا حسن الوضع ، صحيح الاسلوب ، يقرب من أذهان العامة ولا تتجافى عنه عقول الخاصة فيقتصر فيه من القول على ما يكشف الغموض عن الآيات من جهة اللغة والاعراب ، ثم يشرح فيه المعنى المتبادر شرحا وسطا مجردا عن التنطع بالمشاغبات وايراد الخلافات والخرافات.

وقد وضع مولانا الاستاذ الشيخ محمد عبده رحمه‌الله تفسيرا لجزء « عم توخى فيه هذا النمط والاسلوب ، فجاء من خير الكتب وفاء بالغرض ، واصابة لمواضع الحاجة ، فلا غرو اذا تناولته الالسنة بالثناء وتلقته القلوب بالقبول.

وقد رغب الى بعض الفضلاء فى أثناء اقامتى بمصر بين سنتى ١٣٢٣ ، ١٣٢٧ ه‍ ( ١٩٠٥ ـ ١٩٠٨ م ) أن أضع تفسيرا الجزء « تبارك » أتوخى فيه طريقة استاذنا الجليل فيما علقه على جزء « عم » من جهتى الصحة فى التعبير ، والاقتصار على المفيد من القول ، فقلت له : بلغنى أن الاستاذ رحمه‌الله قد فسر جزء « تبارك » وهو ما زال فى تساويد مبعثرة محفوظة عند صديقة المرحوم « حسن باشا عاصم ».

وبعد البحث عن تلك التساويد ، علمنا أن الاستاذ لم يشرع فى تفسير جزء « تبارك » بالفعل وإنما كان هيأ صحائف بيضاء رقم فى رءوسها آيات ذلك الجزء ، وتركها غفلا من الكتابة على أمل أن ـ يصطحبها معه فى بعض اسفاره ، ويملأها تفسيرا وتعليقا ، كما كان من أمره فى تفسير وتعليقا ، كما كان من أمره فى تفسير جزء « عم » الذى ألفه فى غضون سفره الى البلاد المغربية ، لكنه اخترمته منيته قبل أن تتحقق أمنيته.

ثم كان ذلك الصديق الفاضل كلما زارنى أو صادفنى سألنى عن التفسير وألحّ على بالشروع فيه ، فكنت أعتذر اليه بنقص الكفاية ، وصعوبة الامر ، وفقد الاداة اللازمة لسلوك هذا الطريق الوعر ، ولا سيما أن تفسيرى لجزء « تبارك » لا ينظر اليه الناظرون لذاته ، من حيث نسبته الى صاحبه ، وانما تنعمد فيه

٣٢٨

الموازنة بينه وبين ما كتبه الاستاذ على جزء « عم » فيحط قدره فى عيون القراء ، وينسخ ظلامه بالضياء وبضدها تتميز الاشياء.

ثم ضرب الدهر ضربا ، فكان من أمره أن نزلت دمشق أول سنى الحرب الاولى نزولا حسبته لما ما ، فاذا هو قد استتلى شهورا وأعواما ، فتجددت لى وأنا فيها دواع حفزتنى لتحقيق الامل. ومباشرة ما كلفت من العمل ، فوضعت هذا التفسير مستعينا بحول الله وقوته ، وأكملته على مثال تفسير شيخنا وطريقته.

بيد أنى رأيت أن أتوسع قليلا فى التعليق والتفسير والاستشهاد والتنظير ـ ولا سيما فى المباحث اللغوية ـ بأكثر مما فعله الاستاذ رحمه‌الله فى تفسير جزء « عم » مراعيا فى ذلك حال قراء جزء « تبارك » ومقدرا فى نفسى أنهم سيكونون أكبر سنا ، وأتم استعدادا ، وأشد اهتماما بالتحصيل من قراء جزء « عم » وقد قمت فى تفسيرى هذا بفعل ما أطيق وأملك : من تحرى الحق والصواب فيما أولت وفسرت ، وبسط العبارة وتهديها فيما أنشأت وحررت وتصحيح النية وجعلها خالصة لوجهة الكريم فيما اخترت ورجحت.

وقد وفى الشيخ بما وعد به فى مقدمة تفسيره ، ويتضح ذلك بذكر نموذج منه :

قال الله تعالى :

( وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ، وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ ، وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ ، وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ ، فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ »

( سورة الحاقة : ٤٨ ، ٤٩ ، ٥٠ ، ٥١ ، ٥٢ )

جعل ختام السورة كنتيجة للكلام السابق ، مرتبطة به أشد ارتباط ، فهو يقول :

٣٢٩

اذا ثبت أن القرآن وحى من الله ، لم يتقوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ربه ـ كان هذا القرآن تذكرة وعظة ينتفع بها المتقون.

فضمير « وانه » يرجع الى القرآن الذى ان لم يتقدم له ذكر صريح ، فقد تقدم ما يعينه ويومئ اليه ، فان قوله تعالى :

( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ ) لم يرد به الا القرآن الذى كان يزعم المشركون أنه أقاويل وأساطير ، والله نفى ذلك واحتج على كذبهم وصدق القرآن.

وقوله « للمتقين » يريد بهم أولئك الذين صفت نفوسهم عن كدورات الاوهام ، وخلصت من شوائب الجمود والتقليد ، ومالت بفطرتها الى قبول الحق ، والاذعان له تنفى بذلك سخط خالقها ، وتحذر عقابه ، أمثال هؤلاء هم الذين استعدت نفوسهم لقبول القرآن والاستهداء به ، أما أولئك المكذبون الجامدون على ما ورثوه من آبائهم ، فان الله توعدهم بقوله :

( وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ )

وليس المراد به افادة أنه تعالى يعلم بالمكذبين فقط ، بل المراد أنه تعالى محيط بهم ، راصد لهم ، غير تارك عقابهم ، فاستعمال العلم بهذا المعنى كاستعمال المعرفة ، يقال : « أنا أعرف المحسن منكم والمسيء « أى لا يخفى على ذلك منكم ولا أغفل عن مقابلة كل بما يستحقه ، ومنه قول ابن الفارض :

« روحى فداك عرفت أم لم تعرف » أى كافيتني بالحسنى أم لم تكافنى.

فهؤلاء المكذبون الذين يعلم الله ، وهو من ورائهم ، كيف يكون حالهم فى مستقبل الايام فى الدنيا ، اذا أظهر الله نبيه ، ونصر حزبه ، وفى الآخرة اذا أزيح الستار وبطلت الاعذار؟ لا جرم أن تكذيبهم سيكون عليهم حسرة ، وهذا معنى قوله تعالى :

« وانه لحسرة على الكافرين » فضمير « انه » يرجع الى التكذيب المفهوم

٣٣٠

من قوله « المكذبين » ومراده « بالكافرين » نفس المكذبين المذكورين قبله ، وكان الظاهر الاضمار ، أى أن يقول « وانه لحسرة عليهم » لكنه أتى بالاسم الظاهر ليتناول به وصفا جديدا لهؤلاء المكذبين وهو كونهم كافرين ويحتمل أن يرجع ضمير « وانه » الى القرآن أى القرآن سيكون حسرة على المكذبين فى الدنيا اذا ظهرت تعاليمه وانتشر فى الخافقين نوره ، أو فى الآخرة اذا رأوا نجاة المصدقين به ، المتمسكين بحبله ، وعود ضمير « وانه لحسرة » على القرآن أنسب ، وبذلك ينتظم شمله مع ضمير « وانه لتذكره » الذى قبله وضمير ، « وانه لحق اليقين » الذى بعده فانهما للقرآن.

ومعنى « وانه لحق اليقين » ان القرآن هو اليقين ، أى الحق الثابت الذى لا شبهه فيه ولا ريب ، والجملة من مقوله تعالى ، يثبت بمضمونها قلب نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلا يلين فى الدعوة ولا يضعف عزمه لتكذيب أولئك المكذبين ورميهم له بمختلف التهم وملفق الدعاوى.

ومعنى « فسبح باسم ربك العظيم » اذا كان من عاقبة المكذبين ما ستعلمه يا محمد وسيعلمونه هم ، وكان القرآن وحيا من الله يقينا لم يبق الا ثباتك فى أمرك ومضيك فى ما ندبت له من تبليغ رسالتك ، واستعن على مهمتك هذه بتسبيح ربك ، والشكر له ، على أن اختصك بكرامة النبوة ، وعلو المرتبة ، فهو ربك الذى أحاطك بعنايته ، والعظيم الذى يصغر كل شىء اذا قيس بعظمته ، وهو تعالى وحده الذى يجب أن تسبحه وتشكر له ، وترجوه وتخافه ، ودع عنك أولئك المكذبين جانبا ».

٣٣١
٣٣٢

التحرير والتنوير

للشيخ محمد الطاهر بن عاشور

والشيخ المفسر توفى منذ عامين تقريبا ، وهو من بيت عريق فى العلم والنسب فى ضواحى تونس العاصمة.

تعلم فى ضاحيته التى نشأ فيها القرآن حفظا وتجويدا وقراءات ، وتعلم شيئا من العربية ثم التحق بالزيتونة ، والزيتونة تنافس الازهر فيما مر بها من قرون ، وهى مسجد من المساجد العتيقة التى نشرت العلم على نطاق واسع ، والتى علت فيها كلمة الله فى مختلف العصور.

التحق الشيخ محمد الطاهر بالزيتونة فى أوائل هذا القرن الهجرى ، ونبغ فى العلوم الاسلامية على مختلف الوانها ، واستمر حتى انتهى من الدراسة فى ارقى مستوياتها وتخرج من الزيتونة ليعمل فى مختلف المناصب الدينية.

ولم يكن عمله فى هذه المناصب عن حاجة مادية ، وإنما كان عمله رسالة آمن بها ، وقد أسس نفسه لها تأسيسا اصيلا ، وساعده على ذلك هذه المكتبة الضخمة التى تضم نوادر المخطوطات ونفائس المطبوعات ، فى مختلف الفنون الاسلامية ، وكانت ميراث اجيال من ذوى العلم فى أسرته وهى من المكتبات المشهورة فى العالم.

وقد أسهم الشيخ رحمه‌الله اسهاما فعالا فى الحركة الوطنية بتونس ، وكان زميلا من زملاء الجهاد مع الشيخ الأكبر محمد الخضر حسين التونسى الذى تولى مشيخة الأزهر بمصر ..

كلاهما كان عالما ممتازا ، وعلى ايمان قوى ، ودخلا السجن ، ونالا من المتاعب فى سبيل وطنهما ودينهما الكثير ..

٣٣٣

ولم تكن هذه المتاعب من المستعمر فحسب ، وانما كانت أيضا من الذين يصطنعهم المستعمر والذين يوجدون فى كل قطر من ذوى النفوس الخسيسة ، ولكن الله كان معهما ، فقد هيأ سبحانه للشيخ الخضر مشيخة الاسلام فى مصر ، وهيأ للشيخ الطاهر مشيخة الاسلام فى تونس وكان قد تولى قبلها القضاء ثم تولى الافتاء.

ولكن الشيخ الطاهر اضطرته الظروف للالتحام فى معركة من معارك الرأى الاسلامى فى تونس مع ذوى الرئاسة اذ ذاك : ـ

لقد انتصر لدينه قوة ، وانتصر فى أمر هو من أصول الدين ومن بدهياته وأعلن الشيخ رأى الدين فى صراحة ، وفى وضوح ، وفى قوة ، لم يدار ، ولم يداهن ولم يتملق.

فلما رأى الحاكمون أنه لم تجد معه الرهبة ، ولم تفد معه الرغبة ، أصبح أهل تونس يرون فى الصحف أنه أخرج من مشيخة الاسلام.

وكان هذا أقل ما يتوقع بالنسبة له ..

فالتزم بيته يدرس ويكتب ، ويستمتع بالنفائس التى تضمها مكتبة الأسرة ، وكان يفكر منذ زمن بعيد أن يكتب تفسيرا ، وفى ذلك يقول : ـ

كان أكبر امنيتى منذ أمد بعيد تفسير الكتاب المجيد ، الجامع لصالح الدنيا والدين ..

ويقول : ـ

ولكنى كنت على كلفى بذلك اتجهم التقحم على هذا المجال ، واحجم عن الزج فى هذا النضال ، اتقاء ما عسى أن يعرض له المرء نفسه من متاعب تنوء بالقوة وفلتات سهام الفهم وأن بلغ ساعد الذهن كمال الفتوة ، فبقيت اسوف النفس مرة ومرة ، اسومها زجرا ، فان رأيت منها تصميما احلتها على فرصة أخرى ، وأنا آمل ان يمنح من التيسير ما يشجع على قصد هذا الغرض العسير ..

٣٣٤

وفيما انا بين اقدام واحجام ، أتخيل هذا الحقل مرة القتاد وأخرى الثمام ، اذا انا باملى قد خيل الى أنه تباعد أو انقضى ، اذ قدر ان تسند الى خطة القضا ، فبقيت متلهفا ولات حيت مناص ، واضمرت تحقيق هاته الامنية متى اجمل الله الخلاص.

وكنت احادث بذلك الاصحاب والاخوان ، واضرب المثل بأبى الوليد بن رشد فى كتاب البيان ولم ازل كلما مضت مدة يزداد التمنى وارجو انجازه ، الى أن اوشك ان تمضى عليه مدة الحيازة فاذا الله قد من بالنقلة الى خطة الفتيا ، وأصبحت الهمة مصروفة الى ما تنصرف اليه الهمم العليا ، فتحول الى الرجاء ذلك الياس ، وطمعت أن أكون ممن أوتى الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها الناس ..

هنالك عقدت العزم على تحقيق ما كنت اضمرته ، واستعنت بالله تعالى واستخرته ، وعلمت أن ما يهول من توقع كلل أو غلط ، لا ينبغى أن يحول بينى وبين نسج هذا النمط ، اذا بذلت الوسع من الاجتهاد ، وتوخيت طرق الصواب والسداد ..

اقدمت على هذا المهم اقدام الشجاع على وادى السباع ، متوسطا فى معترك انظار الناظرين ..

ويتحدث المؤلف عن التفاسير التى تقدمت تفسيره ، فيتحدث عن أخذ بعضها من بعض ويقول :

والتفاسير ـ وأن كانت كثيرة ـ فانك لا تجد الكثير منها الاعالة على كلام سابق بحيث لاحظ لمؤلفه الا الجمع على تفاوت بين اختصار وتطويل.

وان أهم التفاسير تفسير الكشاف ، والمحرر الوجيز لابن عطية ، ومفاتيح الغيب لفخر الدين الرازى ، وتفسير البيضاوى الملخص من الكشاف ومن مفاتيح الغيب بتحقيق بديع وتفسير الشهاب الآلوسي ، وما كتبه الطيبى والقزوينى والقطب والتفتازانى على الكشاف وما كتبه الخفاجى على تفسير

٣٣٥

البيضاوى ، وتفسير ابى السعود ، وتفسير القرطبى والموجود من تفسير الشيخ محمد بن عرفة التونسى من تقييد تلميذه الآبي ، وهو بكونه تعليقا على تفسير ابن عطية اشبه منه بالتفسير ، لذلك لا يأتى على جميع اى القرآن وتفاسير الاحكام ، وتفسير الامام محمد بن جرير .. الطبرى وكتاب درة التنزيل ، المنسوب لفخر الدين الرازى ، وربما ينسب للراغب الاصفهانى ..

ويتحدث المؤلف عما يمتاز به تفسيره فيقول :

فجعلت حقا على أن أبدى فى تفسير القرآن نكتا لم أر من سبقنى اليها ، وأن اقف موقف الحكم بين طوائف المفسرين تارة لها ، وآونة عليها .. فان الاقتصار على الحديث المعاد ، تعطيل لفيض القرآن الذى ماله من نفاد ..

لقد رأيت الناس حول كلام الاقدمين أحد رجلين : ـ

رجل معتكف فيما شاده الاقدمون ، وآخر أخذ بمعوله فى هدم ما مضت عليه القرون وفى كلتا الحالتين ضرر كثير ..

وهنالك حالة أخرى ينجبر بها الجناح الكسير ، وهى أن تعمد الى ما أشاده الاقدمون فنهذبه ونزيده ، وحاشا ان ننقضه أو نبيده ، عالما بأن غض فضلهم كفران للنعمة ، وجحد مزايا سلفها من حميد خصال الأمة ، فالحمد لله الذى صدق الامل ، ويسر الى هذا الخير ودل ..

ولقد اهتم فى تفسيره فضلا عن ذلك ببيان وجوه الاعجاز ، ونكت البلاغة العربية وأساليب الاستعمال.

واهتم أيضا ببيان تناسب اتصال الآي بعضها ببعض ، وهو منزع جليل قد عنى به فخر الدين الرازى ، والف فيه برهان الدين البقاعى كتابه المسمى « نظم الدرر » فى تناسب الآي والسور الا أنهما لم ياتيا فى كثير من الآي بما فيه مقنع ، فلم تزل انظار المتأملين لفصل القول تتطلع أما البحث عن تناسب مواقع السور بعضها اثر بعض فلا اراه حقا على المفسر.

٣٣٦

ولم اغادر سورة الا بينت ما احيط به من اغراضها لئلا يكون الناظر فى تفسير القرآن مقصورا على بيان مفرداته ، ومعانى جمله ، كأنها فقر متفرقة ، تصرفه عن روعة انسجامه ، وتحجب عنه روائع جماله ..

واهتمت بتبين معانى المفردات فى اللغة العربية بضبط وتحقيق ما خلت عن ضبط كثير من قواميس اللغة.

وعسى ان يجد فيه المطالع تحقيق مراده ، ويتناول منه فوائد ونكتا على قدر استعداده ، فانى بذلت الجهد فى الكشف عن نكت من معانى القرآن واعجازه خلت عنها التفاسير ومن أساليب الاستعمال الفصيح ما تصبو اليه النحارير ، بحيث ساوى هذا التفسير على اختصاره مطولات القماطير ، ففيه أحسن ما فى التفاسير ، وفيه أحسن مما فى التفاسير ..

اما اسم التفسير فإنه يقول عنه :

وسميته تحرير المعنى السديد ، وتنوير العقل الجديد ؛ من تفسير الكتاب المجيد.

واختصرت هذا الاسم باسم التحرير والتنوير من التفسير.

ومن نماذج هذا التفسير ما يلى : ـ

قوله تعالى : ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ) ( سورة البقرة : ٤٣ )

امر بالتلبس بشعار الاسلام عقب الامر باعتقاد عقيدة الاسلام ، فقوله : ( وآمنوا بما أنزلت ) الآية راجع الى الايمان بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وما هو وسيلة ذلك وما هو غايته ..

فالوسيلة : ( اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ ) ـ الى ـ ( فَارْهَبُونِ )

والمقصد : ( وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ )

٣٣٧

والغاية : ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ )

وقد تخلف ذلك نهى عن مفاسد تصدهم عن المامورات ، مناسبات للاوامر ، فقوله ( واقيموا الصلاة ) الخ ... أمر باعظم القواعد الاسلامية بعد الايمان والنطق بكلمة الاسلام وفيه تعريض بحسن الظن بإجابتهم ، وامتثالهم للاوامر السالفة ، وانهم كملت لهم الامور المطلوبة ..

وفى هذا الامر تعريض بالمنافقين ، ذلك أن الايمان عقد قلبى لا يدل عليه الا النطق ، والنطق اللسانى امر سهل قد يقتحمه من لم يعتقد اذا لم يكن ذا غلو فى دينه ، فلا يتحرج أن ينطق بكلام يخالف الدين ، اذا كان غير معتقد مدلوله ، كما قال تعالى : ( وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا ) ( سورة البقرة : ١٤ )

ولذلك امروا بالصلاة والزكاة ، لان الاولى عمل يدل على تعظيم الخالق والسجود اليه وخلع الآلهة ، ومثل هذا الفعل لا يفعله المشرك لانه يغيظ آلهته بالفعل ويقول : الله اكبر ولا يفعله الكتابى لانه يخالف عبادته ، ولان الزكاة انفاق المال وهو عزيز على النفس فلا يبذله المرء فى غير ما ينفعه الا عن اعتقاد نفع أخروى لا سيما اذا كان المال ينفق على العدو فى الدين فلذلك عقب الامر بالايمان بالامر بإقامة الصلاة وايتاء الزكاة ، لانهما لا يتجشمها الا مؤمن صادق ، ولذلك جاء فى المنافقين : ( وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى ) ( سورة النساء : ١٤٢ ) وقوله : ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ) .. ( سورة الماعون : ٤ ، ٥ )

وفى الصحيح أن صلاة العشاء اثقل صلاة على المنافقين ..

وقوله ( وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ) تاكيد لمعنى الصلاة ، لان لليهود صلاة لا ركوع فيها ، فلكى لا يقولوا إننا نقيم صلاتنا دفع هذا التوهم بقوله : واركعوا مع الراكعين ...

٣٣٨

الشيخ المراغى وتفسيره

ان المفسر الذى نتحدث عنه ليس هو المرحوم الشيخ احمد مصطفى المراغى صاحب التفسير الكامل للقرآن الكريم المسمى : « تفسير المراغى ».

وانما هو الشيخ محمد مصطفى المراغى شيخ الازهر الاسبق ، وقاضى قضاة السودان الاسبق ، وقد ولد رحمه‌الله تعالى بقرية « المراغة » سنة ١٢٩٨ ه‍ ـ وذلك يوافق سنة ١٨٨١ م ، واخذ يتعلم القرآن وشيئا من العربية فى قريته ، ولما استأهل لأن ينتسب الى الازهر سافر الى مصر والتحق بالأزهر.

واظهر نبوغا وذكاء وجدا فى التحصيل والدرس ولازم دروس الاستاذ الامام الشيخ محمد عبده ، ونهل من معينه ، وهو يعد من مدرسته.

ونال شهادة العالمية فى سنة ١٩٠٤ على حداثة سنه ، فلم تكن العادة فى الأزهر أن ينال الانسان العالمية فى سن الخامسة والعشرين ، وربما كان اذ ذاك اصغر من نال شهادة العالمية.

وفى السنة نفسها عين قاضيا فى السودان فى بلدة « دنقلة » واخذ ينتقل فى مناصب القضاء فى السودان حتى عين قاضى قضاة السودان.

وكان الشيخ فى هذا المنصب الذى يعتبر اكبر منصب دينى فى السودان يحتفظ للمنصب بكرامته وللاسلام بعزته.

ولقد كان الانجليز اذ ذاك متصرفين فى السودان فى كل كبيرة وصغيرة ، وكان مندوبهم الانجليزى اكبر شخصية هناك.

وفى يوم من الايام اقيم احتفال دينى ، وكانت العادة ان يجلس قاضى القضاة على يمين المعتمد الانجليزى ويتصدر المعتمد الحفل ، ولكن الشيخ

٣٣٩

المراغى اتى الى الحفل وتصدر المجلس ولم يكن هناك بد من أن يجلس المعتمد على يمينه او ان ينسحب الشيخ الجليل فتحدث ثورة الانجليز فى غنى عنها.

وجلس المعتمد البريطانى فى المكان الثانى واحتفظ الشيخ بكرامته كقاضى القضاة وقد ظل الشيخ فى منصب قاضى القضاة حتى سنة ١٩١٩ ثم جاء الى مصر وعين فى سنة ١٩٢٠ رئيسا للمحكمة الشرعية العليا.

وجاء حدث فى اثناء تولية رئاسة المحكمة ان قضية ميراث ضخمة عرضت على المحكمة ودرسها الشيخ بما تستحق من عناية ودقة ، سهر فيها ليلا ، واطال النظر فيها نهارا حتى استبان له الحق من الباطل ، والزيف من الصواب ، وعلم اهل الباطل اتجاه الشيخ فارادوا عرقلة ذهابه الى المحكمة فرشوه وهو فى طريقه الى المحكمة بماء الناس ، وقدر الله ان تكون المسأله خفيفة فاصر الشيخ على الذهاب الى المحكمة معارضا كل ما اراده اصدقاؤه من عدم الذهاب وحكم الشيخ بما رآه الحق.

وللشيخ امثال هذا كثير.

وفى مايو سنة ١٩٢٨ عين شيخا للازهر ، عين وسنه ثمانية واربعون عاما فكان اصغر شيخ عين شيخا للازهر.

وبدأ الشيخ فى قوة يعلن عن مبادئه فى الاصلاح بمذكرة مدوية اثارت الكثير من الجدل والنقاش والمعارضة ، واشتد الامر حتى لقد آثر الشيخ ان يدع العمل وبقى قرابة ست سنوات بعيدا عن الازهر حتى عاد إليه مكرما معززا فى سنة ١٩٣٥ واستمر به حتى وافاه القدر المحتوم فى رمضان سنة ١٣٦٤ ه‍.

والتفسير الذى نعنيه هنا ليس تفسيرا متكاملا ، وانما هو تفسير السور او لاجزاء من بعض السور ، ونشر عدة مرات فى الازهر ، وفى أحد اعداد كتاب الهلال.

وها هو نموذج من التفسير :

٣٤٠