بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٢٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وكل شئ وقع عليه اسم شئ فهو مخلوق ما خلا الله ، فأما ما عبرت الالسن عنه أو عملت الايدي فيه فهو مخلوق ، والله غاية من غاياه ، والمغيى غير الغاية ، والغاية موصوفة وكل موصوف مصنوع ، وصانع الاشياء غير موصوف بحد مسمى ، لم يتكون فتعرف كينونته بصنع غيره ، ولم يتناه إلى غاية إلا كانت غيره ، لايزل من فهم هذا الحكم أبدا وهو التوحيد الخالص فاعتقدوه وصدقوه وتفهموه بإذن الله عزوجل ، ومن زعم أنه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال فهو مشرك لان الحجاب والمثال والصورة غيره ، وإنما هو واحد موحد فكيف يوحد من زعم أنه عرفه بغيره ، إنما عرف الله من عرفه بالله فمن لم يعرفه به فليس يعرفه ، إنما يعرف غيره ، ليس بين الخالق والمخلوق شئ ، والله خالق الاشياء لا من شئ ، يسمي بأسمائه فهو غير أسمائه والاسماء غيره ، والموصوف غير الواصف ، فمن زعم أنه يؤمن بما لا يعرف فهو ضال عن المعرفة ، لا يدرك مخلوق شيئا إلا بالله ، ولا تدرك معرفة الله إلا بالله ، والله خلو من خلقه وخلقه خلو منه ، وإذا أراد شيئا كان كما أراد بأمره من غير نطق ، لاملجأ لعباده مما قضى ، ولاحجة لهم فيما ارتضي ، لم يقدروا على عمل ولا معالجة مما احدث في أبدانهم المخلوقة إلا بربهم ، فمن زعم أنه يقوى على عمل لم يرده الله عزوجل فقد زعم أن إرادته تغلب إرادة الله ، تبارك الله رب العالمين.

يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن بعض أصحابه ، عن بكر بن صالح ، عن علي بن الحسن بن محمد ، (١) عن خالد ، عن عبدالاعلى مثله ، إلى قوله : والاسماء غيره.

قال الصدوق رحمه‌الله : معنى ذلك أن من زعم أنه يقوى على عمل لم يرد الله أن يقويه عليه فقد زعم أن إرادته تغلب إرادة الله ، تبارك الله رب العالمين.

بيان : قوله : اسم شئ أي لفظ الشئ أو هذا المفهوم المركب ، والاول أظهر

___________________

(١) في بعض النسخ : «عن على بن الحسين بن محمد» مثل ما في الاسناد السابق ، والاسناد مجهول به وبخالد بن يزيد. وفى الكافى : بكر بن صالح ، عن على بن صالح ، عن الحسن بن محمد بن خالد بن يزيد عن عبدالاعلى. وهذا أيضا لا يخلو عن جهالة وضعف.

١٦١

ثم بين المغايرة بأن اللفظ الذي يعبربه الالسن والخط الذي تعمله الايدي فظاهر أنه مخلوق. قوله : والله غاية من غاياه اعلم أن الغاية تطلق على المدى والنهاية ، وعلى امتداد المسافة ، وعلى الغرض والمقصود من الشئ ، وعلى الراية والعلامة. وهذه العبارة تحتمل وجوها :

الاول : أن تكون الغاية بمعنى الغرض والمقصود أي كلمة الجلالة مقصود من جعله مقصودا وذريعة من جعله ذريعة أي كل من كان له مطلب وعجز عن تحصيله بسعيه يتوسل إليه باسم الله. والمغيى ـ بالغين المعجمة والياء المثناة المفتوحة ـ أي المتوسل إليه بتلك الغاية غير الغاية ، أو بالياء المكسورة أي الذي جعل لنا الغاية غاية هو غيرها ، وفي بعض النسخ : «والمعنى» بالعين المهملة والنون أي المقصود بذلك التوسل ، أو المعنى المصطلح غير تلك الغاية التي هي الوسيلة إليه.

الثانى : أن يكون المراد بالغاية النهاية ، وبالله الذات لا الاسم أي الرب تعالى غاية آمال الخلق يدعونه عند الشدائد بأسمائه العظام ، والمغيى بفتح الياء المشددة : المسافة ذات الغاية ، والمراد هنا الاسماء فكأنها طرق ومسالك توصل الخلق إلى الله في حوائجهم ، والمعنى أن العقل يحكم بأن الوسيلة غير المقصود بالحاجة ، وهذا لايلائمة قوله : «والغاية موصوفة» إلا بتكلف تام.

الثالث : أن يكون المراد بالغاية العلامة ، وصحفت «غاياه» بغاياته أي علامة من علاماته ، والمعنى أي المقصود أو المغيى أي ذو العلامة غيرها.

الرابع : أن يكون المقصود أن الحق تعالى غاية أفكار من جعله غاية وتفكر فيه ، والمعنى المقصود أعني ذات الحق غير ما هو غاية أفكارهم ومصنوع عقولهم ، إذ غاية ما يصل إليه أفكارهم ويحصل في أذهانهم موصوف بالصفات الزائدة الامكانية ، وكل موصوف كذلك مصنوع.

الخامس : ما صحفه بعض الافاضل حيث قرأ «عانة من عاناه» أي الاسم ملابس من لابسه. قال في النهاية : معاناة الشئ : ملابسته ومباشرته. أو مهم من اهتم به ، من قولهم : عنيت به فأناعان ، أي اهتممت به واشتغلت. أو أسير من أسره ، وفي النهاية :

١٦٢

العاني : الاسير. وكل من ذل واستكان وخضع فقد عنا يعنو فهو عان ، أو محبوس من حبسه وفي النهاية : وعنوا بالاصوات أي احبسوها والمعنى أي المقصود بالاسم غير العانة أي غير ما نتصوره ونعقله. ثم اعلم أنه على بعض التقادير يمكن أن يقرأ والله بالكسر بأن يكون الواو للقسم.

قوله : غير موصوف بحد أي من الحدود الجسمانية ، أو الصفات الامكانية ، أو الحدود العقلية. وقوله : مسمى صفة لحد للتعميم كقوله تعالى : «لم يكن شيئا مذكورا» ويحتمل أن يكون المراد أنه غير موصوف بالصفات التي هي مدلولات تلك الاسماء ، وقيل : هو خبر بعد خبر ، أو خبر مبتداء محذوف.

قوله : لم يتكون فيعرف كينونته بصنع غيره قيل : المراد أنه لم يتكون فيكون محدثا بفعل غيره فتعرف كينونته وصفات حدوثه بصنع صانعه كما تعرف المعلولات بالعلل. أقول : لعل المراد أنه غير مصنوع حتى يعرف بالمقايسة إلى مصنوع آخر كما تعرف المصنوعات بمقايسة بعضها إلى بعض فيكون الصنع بمعنى المصنوع وغيره صفة له ، أو أنه لا يعرف بحصول صورة هي مصنوعة لغيره إذ كل صورة ذهنية مصنوعة للمدرك معلولة له.

قوله : ولم يتناه أي هو تعالى في المعرفة أو عرفانه ، أو العارف في عرفانه إلى نهاية إلا كانت تلك النهاية غيره تعالى ومبائنة له غير محمولة عليه.

قوله عليه‌السلام : لا يزل في بعض النسخ «بالذال» أي ذل الجهل والضلال من فهم هذا الحكم وعرف سلب جميع ما يغايره عنه ، وعلم أن كل ما يصل إليه أفهام الخلق فهو غيره تعالى.

قوله عليه‌السلام : ومن زعم أنه يعرف الله بحجاب أي بالاسماء التي هي حجب بين الله وبين خلقه ووسائل بها يتوسلون إليه ، بأن زعم أنه تعالى عين تلك الاسماء ، أو الانبياء والائمة عليهم‌السلام بأن زعم أن الله تعالى اتحد بهم ، أو بالصفات الزائدة ، فإنها حجب عن الوصول إلى حقيقة الذات الاحدية ، أو بصورة أي بأنه ذو صورة كما قالت المشبهة ، أو بصورة عقلية زعم أنها كنه ذاته وصفاته تعالى ، أو بمثال أي خيالي ، أو

١٦٣

بأن جعل له مماثلا ومشابها من خلقه فهو مشرك لما عرفت مرارا من لزوم تركبه تعالى وكونه ذا حقائق مختلفة وذا أجزاء ، تعالى الله عن ذلك ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى أنه لا يمكن الوصول إلى حقيقته تعالى بوجه من الوجوه لابحجاب ورسول يبين ذلك ، ولا بصورة عقلية ولا خيالية إذ لابد بين المعرف والمعرف من مماثلة وجهة اتحاد وإلا فليس ذلك الشئ معرفا أصلا ، والله تعالى مجرد الذات عن كل ما سواه فحجابه ومثاله وصورته غيره من كل وجه إذ لا مشاركة بينه وبين غيره في جنس او فصل أو مادة أو موضوع أو عارض ، وإنما هو واحد موحد فرد عما سواه ، فإنما يعرف الله بالله إذا نفى عنه جميع ما سواه وكل ما وصل إليه عقله كما مر أنه التوحيد الخالص.

وقال بعض المحققين : من زعم أنه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال أي بحقيقة من الحقائق الامكانية كالجسم والنور ، أو بصفة من صفاتها التي هي عليها كما اسند إلى القائلين بالصورة ، أو بصفة من صفاتها عند حصولها في العقل كما في قول الفلاسفة في رؤية العقول المفارقة فهو مشرك لان الحجاب والصورة والمثال كلها مغائرة له غير محمولة عليه فمن عبد الموصوف بها عبد غيره فكيف يكون موحدا له عارفا به؟ إنما عرف الله من عرفه بذاته وحقيقته المسلوب عنه جميع ما يغايره فمن لم يعرفه به فليس يعرفه ، إنما يكون يعرف غيره.

اقول : لا يخفى أن هذا الوجه وما أوردته سابقا من الاحتمالات التي سمحت بها قريحتي القاصرة لا يخلو كل منها من تكلف ، (١) وقد قيل فيه وجوه اخر أعرضت

___________________

(١) ولقدأنصف رحمه‌الله في الاعتراف بأن الرواية لاتتضح بما أورده من الوجوه ، وأما ما استظهره من أن المراد بها ما ورد في الاخبار من أنه لاصنع لغيره تعالى في المعرفة فهو أهون من الوجوه السابقة فان مدلول تلك الاخبار بيان أن الفاعل للمعرفة هو الله سبحانه وأما نفى الواسطة والوسيلة من البين فلا ، كيف والقرآن صريح في أن التقوى والانابة والتدبر والتفكر والتعقل وكذا الانبياء والملائكة والائمة وسائل لمعرفة الله في آيات كثيرة وقد قال في خصوص القرآن «يهدى به الله من اتبع رضوانه» الاية ، فالروايات المذكورة لا تنفى الواسطة بهذا المعنى. وأما هذه الرواية فهى صريحة في نفى الواسطة ، وفى أنه تعالى معروف بذاته وكل شئ سواه معروف معلوم به على خلاف ما اشتهر أن الاشياء تعرف بذاتها أو صفاتها أو آثارها وأن الله يعرف بالاشياء فالرواية تحتاج في بيانها إلى اصول علمية عالية غير الاصول الساذجة المعمولة المذكورة في الكتاب ، ولا يضاحها محل آخر. ط

١٦٤

عنها صفحا لعدم موافقتها لاصولنا.

والاظهر عندي أن هذا الخبر موافق لما مر وسيأتي في كتاب العدل أيضا من أن المعرفة من صنعة تعالى وليس للعباد فيها صنع ، وأنه تعالى يهبها لمن طلبها ، ولم يقصر فيما يوجب استحقاق إفاضتها. والقول بأن غيره تعالى يقدر على ذلك نوع من الشرك في ربوبيته وإلهيته فإن التوحيد الخالص هو أن يعلم أنه تعالى مفيض جميع العلوم و الخيرات والمعارف والسعادات كما قال تعالى : «ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك» فالمراد بالحجاب إما أئمة الضلال وعلماء السوء الذين يدعون أنهم يعرفونه تعالى بعقولهم ولا يرجعون في ذلك إلى حجج الله تعالى فإنهم حجب يحجبون الخلق عن معرفته وعبادته تعالى ، فالمعني أنه تعالى إنما يعرف بما عرف به نفسه للناس لا بأفكارهم وعقولهم أو أئمة الحق أيضا فإنه ليس شأنهم إلا بيان الحق للناس فأما إفاضة المعرفة والايصال إلى البغية فليس إلا من الحق تعالى كما قال سبحانه : » إنك لا تهدي من أحببت «ويجري في الصورة والمثال ما مر من الاحتمالات.

فقوله عليه‌السلام : ليس بين الخالق والمخلوق شئ أي ليس بينه تعالى وبين خلق حقيقة أو مادة مشتركة حتى يمكنهم معرفته من تلك الجهة ، بل أو جدهم لا من شئ كان. قوله عليه‌السلام : غير الواصف يحتمل أن يكون المراد بالواصف الاسم الذي يصف الذات بمدلوله. قوله عليه‌السلام : فمن زعم أنه يؤمن بما لا يعرف أي لايؤمن أحد بالله إلا بعد معرفته ، والمعرفة لا يكون إلا منه تعالى فالتعريف من الله ، والايمان والاذعان و عدم الانكار من الخلق ، ويحتمل أن يكون المراد على بعض الوجوه السابقة بيان أنه وإن لم يعرف بالكنه لكن لا يمكن الايمان به إلا بعد معرفته بوجه من الوجوه فيكون المقصود نفي التعطيل ، والاول أظهر ، وهذه الفقرات كلها مؤيدة للمعني الاخير كما لا يخفي لمن تأمل فيها. ثم بين عليه‌السلام كون الاشياء إنما يحصل بمشيئته تعالى وأن إرادة الخلق لا يغلب إرادته تعالى كما سيأتي تحقيقه في كتاب العدل ، والله الموفق.

٧ ـ يد : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن اليقطيني ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ،

١٦٥

عن غير واحد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من عبدالله بالتوهم فقد كفر ، ومن عبد الاسم ولم يعبد المعنى فقد كفر ، ومن عبد الاسم والمعنى فقد اشرك ، ومن عبد المعني بإيقاع الاسماء عليه بصفاته التي يصف بها نفسه (١) فعقد عليه قلبه ونطق به لسانه في سر أمره وعلانيته فاولئك أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام وفي حديث آخر : اولئك هم المؤمنون حقا.

ايضاح : قوله : من عبدالله بالتوهم أي من غير أن يكون على يقين في وجوده تعالى وصفاته ، أو بأن يتوهمه محدودا مدركا بالوهم فقد كفر لان الشك كفر ، ولان كل محدود ومدرك بالوهم غيره سبحانه فمن عبده كان عابدا لغيره فهو كافر وقوله عليه‌السلام : ومن عبد الاسم أي الحروف أو المفهوم الوصفي له دون المعني أي المعبر عنه بالاسم فقد كفر لان الحروف والمفهوم غير الواجب الخالق للكل تعالى شأنه.

٨ ـ يد : الدقاق ، عن الكليني ، عن علي بن محمد ، عن صالح بن أبي حماد ، عن الحسين بن يزيد ، عن ابن البطائني ، عن إبراهيم بن عمر ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن الله تبارك وتعالى خلق اسما بالحروف غير منعوت ، (٢) وباللفظ غير منطق ، وبالشخص غير مجسد ، وبالتشبيه غير موصوف ، وباللون غير مصبوغ ، منفي عنه الاقطار ، مبعد عنه الحدود ، محجوب عنه حس كل متوهم ، مستتر غير مستور ، فجعله كلمة تامة على أربعة أجزاء معا ليس منها واحد قبل الآخر ، فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها ، وحجب واحدا منها ، وهو الاسم المكنون المخزون بهذه الاسماء الثلاثة التي اظهرت ، (٣) فالظاهر هو «الله وتبارك وسبحان» (٣) لكل اسم من هذه أربعة أركان فذلك اثني عشر ركنا ، ثم خلق لكل ركن منها ثلاثين اسما فعلا منسوبا إليها ، فهو الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدوس ،

___________________

(١) وفى نسخة : بصقاته التى وصف بها نفسه.

(٢) الموجود في الكافى : إن الله خلق إسما بالحروف غير متصوت وفى التوحيد : إن الله تبارك و تعالى خلق إسما «أو أسماءا» بالحروف ، فهو عزوجل بالحروف غير منعوت إه. وفى النسخة المقروة على المصنف «جعله» بدلا عما في المتن.

(٣) في الكافى : فهذه الاسماء التى ظهرت.

(٤) في التوحيد المطبوع والكافى : هو الله تبارك وتعالى.

١٦٦

الخالق ، البارئ ، المصور ، الحي ، القيوم ، لاتأخذه سنة ولانوم ، العليم ، الخبير ، السميع ، البصير ، الحكيم ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، العلي ، العظيم ، المقتدر ، القادر ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، البارئ (١) المنشئ ، البديع ، الرفيع ، الجليل ، الكريم ، الرازق ، المحيي ، المميت ، الباعث ، الوارث (٢) فهذه الاسماء وما كان من الاسماء الحسنى حتى تتم ثلاث مائة وستين اسما فهي نسبة لهذه الاسماء الثلاثة ، وهذه الاسماء الثلاثة أركان وحجب للاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الاسماء الثلاثة ، وذلك قوله عزوجل : «قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الاسماء الحسنى».

بيان : اعلم أن هذا الخبر من متشابهات الاخبار وغوامض الاسرار التي لا يعلم تأويلها إلا الله والراسخون في العلم ، والسكوت عن تفسيره والاقرار بالعجز عن فهمه أصوب وأولى وأحوط وأحرى ، ولنذكر وجها تبعا لمن تكلم فيه على سبيل الاحتمال. (٣) فنقول : أسماء في بعض النسخ بصيغة الجمع وفي بعضها بصورة المفرد ، والاخير أظهر ، والاول لعله مبني على أنه مجزى بأربعة أجزاء كل منها اسم ، فلذا اطلق عليه صيغة الجمع. وقوله : بالحروف غير منعوت ـ وفي بعض النسخ كما في الكافي «غير متصوت» وكذا ما بعده من الفقرات تحتمل كونها حالا عن فاعل «خلق» وعن قوله : اسما ، ويؤيد الاول ما في أكثر نسخ التوحيد : خلق اسما بالحروف وهو عزوجل بالحروف غير منعوت (٣)

___________________

(١) مكرر ولعله من النساخ.

(٢) يأتى شرح هذه الاسماء وغيرها مفصلا من الصدوق قدس الله روحه في «باب عدد أسماء الله تعالى وفضل إحصائها وشرحها» ولغيره أيضا كالكفعمى في المصباح ، وابن فهد في عدة الداعى. ولها شروح مستوفاة ، كما أن جمعا من أصحابنا قدس الله أسرارهم أفردوا حول هذه الاسماء وشرحها كتبا مستقلة تبلغ عدتها عشرين أو أكثر ، وأورد أسماءها العلامة الرازى في كتابه الذريعة ج ٢ ص ٦٦ فراجعه.

(٣) المراد بالرواية أن ذاته تعالى أجل من أن يحيط به مفاهيم الاسماء ، يسقط عنده كل اسم ورسم وأن لمعانى الاسماء نحو تأخر عنه عبر عنه بالخلق ، ولها مراتب ودرجات فيما بينها انفسها وقد شرحنا الرواية في رسالة الصفات من الرسائل السبع بعض الشرح. ط

(٤) هذا من قبيل النقل بالمعنى ارتكيه بعض الرواة إصلاحا للمعنى على زعمه مع منافاته البينة لسائر فقرات الرواية. ط

١٦٧

فيكون المقصود بيان المغايرة بين الاسم والمسمى بعدم جريان صفات الاسم بحسب ظهوراته النطقية والكتبية فيه تعالى ، وأما على الثاني فلعله إشارة إلى حصوله في علمه تعالى فيكون الخلق بمعنى التقدير والعلم ، وهذا الاسم عند حصوله في العلم الاقدس لم يكن ذاصوت ولاذاصورة ولاذاشكل ولاذاصبغ. ويحتمل أن يكون إشارة إلى أن أول خلقه كان بالافاضة على روح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأرواح الائمة عليهم‌السلام بغير نطق صبغ ولون وخط بقلم.

ولنرجع إلى تفصيل كل من الفقرات وتوضيحها ، فعلى الاول قوله : غير متصوت إما على البناء للفاعل أي لم يكن خلقها بإيجاد حرف وصوت ، أو على البناء للمفعول أي هو تعالى ليس من قبيل الاصوات والحروف حتى يصلح كون الاسم عينه تعالى لكن الظاهر من كلام اللغويين أن «تصوت» لازم فيكون على البناء للفاعل بالمعنى الثاني فيؤيد الوجه الاول.

وقوله عليه‌السلام : وباللفظ غير منطق ـ بفتح الطاء ـ أي ناطق ، أو أنه غير منطوق باللفظ كالحروف ليكون من جنسها ، أو بالكسر ـ أي لم يجعل الحروف ناطقة على الاسناد المجازي كقوله تعالى «هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق» وهذا التوجيه يجري في الثاني من احتمالي الفتح «وتطبيق تلك الفقرات على الاحتمال الثاني وهو كونها حالا عن الاسم بعد ما ذكرنا ظاهر ، وكذا تطبيق الفقرات الآتية على الاحتمالين.

قوله عليه‌السلام : مستتر غير مستور أي كنه حقيقته مستور عن الخلق مع أنه من حيث الآثار أظهر من كل شئ ، أو مستتر بكمال ذاته من غير ستر وحاجب ، أو أنه غير مستور عن الخلق بل هو في غاية الظهور والنقص إنما هو من قبلنا ، ويجري نظير الاحتمالات في الثاني ، ويحتمل على الثانى أن يكون المراد أنه مستور عن الخلق غير مستور عنه تعالى.

وأما تفصيل الاجزاء وتشعب الاسماء فيمكن أن يقال : إنه لما كان كنه ذاته تعالى مستورا عن عقول جميع الخلق فالاسم الدال عليه ينبغي أن يكون مستورا عنهم فالاسم الجامع هو الاسم الذي يدل على كنه الذات مع جميع الصفات الكمالية ، ولما

١٦٨

كانت أسماؤه تعالى ترجع إلى أربعة لانها إما أن تدل على الذات ، أو الصفات الثبوتية الكمالية ، أو السلبية التنزيهية ، أو صفات الافعال فجزأ ذلك الاسم الجامع إلى أربعة أسماء جامعة ، واحدة منها للذات فقط ، فلما ذكرنا سابقا استبد تعالى به ولم يعطه خلقه ، وثلاثة منها تتعلق بالانواع الثلاثة من الصفات فأعطاها خلقه ليعرفوه بها بوجه من الوجوه فهذه الثلاثة حجب ووسائط بين الخلق وبين هذا الاسم المكنون إذ بها يتوسلون إلى الذات وإلى الاسم المختص بها ، ولما كانت تلك الاسماء الاربعة مطوية في الاسم الجامع على الاجمال لم يكن بينها تقدم وتأخر ، ولذا قال : ليس منها واحد قبل الآخر. ويمكن أن يقال على بعض المحتملات السابقة : إنه لما كان تحققها في العلم الاقدس لم يكن بينها تقدم وتأخر في الوجود ، (١) كما يكون في تكلم الخلق ، والاول أظهر. ثم بين الاسماء الثلاثة فأولها «الله» وهو الدال على النوع الاول لكونه موضوعا للذات المستجمع للصفات الذاتية الكمالية ، والثاني «تبارك» لانه من البركة والنمو وهو إشارة إلى أنه معدن الفيوض ومنبع الخيرات التي لاتتناهى ، وهو رئيس جميع الصفات الفعلية من الخالقية والرازقية والمنعمية وسائر ما هو منسوب إلى الفعل كما أن الاول رئيس الصفات الوجودية من العلم والقدرة وغيرهما ، ولما كان المراد بالاسم كل ما يدل على ذاته وصفاته تعالى أعم من أن يكون اسما أو فعلا أو جملة لا محذور في عد «تبارك» من الاسماء. والثالث هو «سبحان» الدال على تنزيهه تعالى عن جميع النقائص فيندرج فيه ويتبعه جميع الصفات السلبية والتزيهية ، هذا على نسخة التوحيد ، وفي الكافي : «هو الله تبارك وتعالى وسخر لكل اسم» فلعل المراد أن الظاهر بهذه الاسماء هو الله تعالى ، وهذه الاسماء إنما جعلها ليظهر بها على الخلق فالمظهر هو الاسم ، والظاهر به هو الرب سبحانه.

ثم لما كان لكل من تلك الاسماء الثلاثة الجامعة شعب أربع ترجع إليها جعل لكل منها أربعة أركان هي بمنزلة دعائمه فأما «الله» فلدلالته على الصفات الكمالية

___________________

(١) أو يقال : إن إيجادها لما كان بالافاضة على الارواح المقدسة ولم يكن بالتكلم لم يكن بينها وبين أجزائها تقدم وتأخر في الوجود ، كما يكون في تكلم الخلق ، والاول أظهر. هكذا في مرآت العقول ، ولعله سقط هنا عن قلم النساخ.

١٦٩

الوجودية له أربع دعائم : وهي وجوب الوجود المعبر عنه بالصمدية والقيومية والعلم والقدرة والحياة ، أو مكان الحياة اللطف أو الرحمة أو العزة ، وإنما جعلت هذه الاربعة أركانا لان سائر الصفات الكمالية إنما ترجع إليها كالسميع والبصير والخبير مثلا فإنها راجعة إلى العلم والعلم يشملها وهكذا.

وأما «تبارك» فله أركان أربعة هي الايجاد والتربية في الدارين ، والهداية في الدنيا والمجازاة في الآخرة أي الموجد أو الخالق والرب والهادي والديان ، ويمكن إدخال الهداية في التربية ، وجعل المجازاة ركنين : الاثابة والانتقام ، ولكل منها شعب من أسماء الله الحسنى كما لايخفي بعد التأمل والتتبع.

وأما» سبحان «فله أربعة أركان لانه إما تنزيه الذات عن مشابهة الممكنات ، أو تنزيهه عن إدراك الحواس والاوهام والعقول ، أو تنزيه صفاته عما يوجب النقص ، أو تنزيه أفعاله عما يوجب الظلم والعجز والنقص. ويحتمل وجها آخر ، وهو تنزيهه عن الشريك والاضداد والانداد ، وتنزيهه عن المشاكلة والمشابهة ، وتنزيهه عن إدراك العقول والاوهام ، وتنزيهه عما يوجب النقص والعجز من التركب والصاحبة والولد والتغيرات والعوارض والظلم والجور والجهل وغير ذلك ، وظاهر أن لكل منها شعبا كثيرة ، فجعل عليه‌السلام شعب كل منها ثلاثين وذكر بعض أسمائه الحسنى على التمثيل وأجمل الباقي. ويحتمل على ما في الكافي أن تكون الاسماء الثلاثة ما يدل على وجوب الوجود والعلم والقدرة ، والاثنى عشر ما يدل على الصفات الكمالية والتنزيهية التي تتبع تلك الصفات ، والمراد بالثلاثين صفات الافعال التي هي آثار تلك الصفات الكمالية ويؤيده قوله : فعلا منسوبا إليها ، وعلى الاول يكون المعنى أنها من توابع تلك الصفات فكأنها من فعلها. هذا ما خطر ببالي في حل هذا الخبر ، وإنما أوردته على سبيل الاحتمال من غير تعيين لمراد المعصوم عليه‌السلام ، ولعله أظهر الاحتمالات التي أوردها أقوام على وفق مذاهبهم المختلفة وطرائقهم المتشتتة ، وإنما هداني إلى ذلك ما أورده ذريعتي إلى الدرجات العلى ووسيلتي إلى مسالك الهدى بعد أئمة الورى عليهم‌السلام أعني والدي العلامة قدس الله روحه في شرح هذا الخبر على ما في الكافي حيث قال : الذي يخطر

١٧٠

بالبال في تفسير هذا الخبر على الاجمال هو أن الاسم الاول كان اسما جامعا للدلالة على الذات والصفات ، ولما كان معرفة الذات محجوبة عن غيره تعالى جزأ ذلك الاسم على أربعة أجزاء ، وجعل الاسم الدال على الذات محجوبا عن الخلق ، وهو الاسم الاعظم باعتبار ، والدال على المجموع اسم أعظم باعتبار آخر ، ويشبه أن يكون الجامع هو الله والدال على الذات فقط هو ، وتكون المحجوبية باعتبار عدم التعيين كما قيل : إن الاسم الاعظم داخل في جملة الاسماء المعروفة ، ولكنها غير معينة لنا ، ويمكن أن يكون غيرها والاسماء التي أظهرها الله للخلق على ثلاثة أقسام :

منها ما يدل على التقديس مثل العلي ، العظيم ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، ومنها ما يدل على علمه تعالى ، ومنها ما يدل على قدرته تعالى. وانقسام كل واحد منها إلى أربعة أقسام بأن يكون التنزيه إما مطلقا أو للذات أو الصفات أو الافعال ، و يكون ما يدل على العلم إما لمطلق العلم او للعلم بالجزئيات ، كالسميع والبصير ، أو الظاهر أو الباطن ، وما يدل على القدرة إما للرحمة الظاهرة أو الباطنة أو الغضب ظاهرا أو باطنا أو ما يقرب من ذلك التقسيم ، والاسماء المفردة على ما ورد في القرآن والاخبار يقرب من ثلاث مائة وستين اسما ، ذكرها الكفعمي في مصباحه فعليك جمعها والتدبر في ربط كل منها بركن من تلك الاركان. انتهى كلامه رفع الله مقامه.

أقول : بعض الناظرين في هذا الخبر جعل الاثنى عشر كناية عن البروج الفلكية والثلاث مائة والستين عن درجاتها ، ولعمري لقد تكلف بأبعد مما بين السماء والارض ، ومنهم من جعل الاسم كناية عن مخلوقاته تعالى ، والاسم الاول الجامع عن أول مخلوقاته وبزعم القائل هو العقل ، وجعل ما بعد ذلك كناية عن كيفية تشعب المخلوقات وتعدد العوالم ، وكفى ما أو مأنا إليه للاستغراب وذكرها بطولها يوجب الاطناب.

قوله : وذلك قوله عزوجل استشهاد بأن له تعالى أسماءا حسنى ، وأنه إنما وضعها ليدعوه الخلق بها فقال تعالى : قل ادعوه ـ تعالى ـ بالله أو بالرحمن أو بغيرهما فالمقصود واحد وهو الرب وله أسماء حسنى كل منها يدل على صفة من صفاته المقدسة فأيا ما تدعو فهو حسن. قيل : نزلت الآية حين سمع المشركون رسول الله «ص» قول

١٧١

يا الله يا رحمن فقالوا : إنه ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلها آخر! وقالت اليهود : إنك لتقل ذكر الرحمن ، وقد أكثره الله في التورية ، فنزلت الآية ردا لما توهموا من التعدد ، أو عدم الاتيان بذكر الرحمن.

*( باب ٢ )*

*( معانى الاسماء واشتقاقها وما يجوز اطلاقه عليه تعالى وما لا يجوز )*

١ ـ ل ، ن : أبي ، عن سعد ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن أحمد بن سليمان قال : سأل رجل أبا الحسن عليه‌السلام ـ وهو في الطواف ـ فقال له : أخبرني عن الجواد ، فقال : إن لكلامك وجهين : فإن كنت تسأل عن المخلوق فإن الجواد الذي يؤدي ما افترض الله عزوجل عليه ، والبخيل من بخل بما افترض الله عليه ، وإن كنت تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى ، وهو الجواد إن منع ، لانه إن أعطى عبدا أعطاه ما ليس له ، وإن منع منع ما ليس له.

مع : أبي ، عن سعد ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن أبي الجهم ، (١) عن موسى ابن بكر ، عن أحمد بن سلمة (٢) مثله ، إلا أن فيه : ما افترض الله عليه. وإن كنت تسأل عن الخالق. لانه إن أعطاك أعطاك ما ليس لك ، وإن منعك منعك ما ليس لك.

بيان : لعل المراد أن المخلوق إنما يوصف بالبخل إن منع لانه لا يؤدي ما فرض الله عليه من حقوق الخلق ، وأما الله سبحانه فلا يوصف بالبخل إن منع لانه ليس لاحد حق على الله فالمراد بقوله : إنه جواد إن منع أنه ليس ببخيل ، أو أنه جواد من حيث عطاياه الغير المتناهية الآخر ، وهذا المنع لاينافي جوده لعدم لزومه عليه ،

___________________

(١) ضبط الجهم في تنقيح المقال بالجيم المفتوحة والحاء المكسورة والميم ، وقال : وفي القاموس الجهم ككتف : الوجه الغليظ المجتمع السمج انتهى. أقول : هى كنية لبكير بن أعين بن سنسن الشيبانى.

(٢) الظاهر أنه تصحيف «سليمان» الوارد في السند السابق ، بقرينة رواية موسى بن بكر عنه وبقرينة اتحاد مضمون الحديث مع سابقه.

١٧٢

ويحتمل أن يكون المراد بقوله : «ما ليس له» أخيرا غيرما هو المراد به أولا أي مالا يستحق التفضل عليه به وليس صلاحه في إعطائه فجوده من جهة هذا المنع أيضا ثابت لان إعطاء ما يضر السائل ليس بجود بل منعه عنه عين الجود.

٢ ـ يد ، ن : ما جيلويه ، عن علي بن إبراهيم ، عن المختار بن محمد بن المختار الهمداني ، عن الفتح بن يزيد الجرجاني ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سمعته يقول في الله عزوجل : هو اللطيف الخبير السميع البصير الواحد الاحد الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، منشئ الاشياء ، ومجسم الاجسام ، ومصور الصور ، لو كان كما يقولون لم يعرف الخالق من المخلوق ، ولا المنشئ من المنشأ ، فرق بين من جسمه وصوره وأنشأه إذ كان لا يشبهه شئ ، ولا يشبه هو شيئا. قلت : أجل جعلني الله فداك لكنك قلت : الاحد الصمد وقلت : لا يشبه شيئا ، والله واحد والانسان واحد ، أليس قد تشابهت الوحدانية؟ قال : يا فتح أحلت ثبتك الله ، إنما التشبيه في المعاني ، فأما في الاسماء فهي واحدة ، وهي دلالة على المسمى ، وذلك أن الانسان وإن قيل واحد فإنما يخبر أنه جثة واحدة ، وليس بإثنين فالانسان نفسه ليس بواحد لان أعضاءه مختلفة وألوانه مختلفة كثيرة غير واحدة ، (١) وهو أجزاء مجزا ليست بسواء ، دمه غير لحمه ، ولحمه غير دمه ، وعصبه غير عروقه ، وشعره غير بشره ، وسواده غير بياضه ، وكذلك سائر الخلق (٢) فالانسان واحد في الاسم لا واحد في المعنى ، والله جل جلاله واحد لا واحد غيره ، لا اختلاف فيه ولا تفاوت ولا زيادة ونقصان فأما الانسان المخلوق المصنوع المؤلف من أجزاء مختلفة وجواهر شتي غير أنه بالاجتماع شئ واحد :

قلت : جعلت فداك فرجت عني فرج الله عنك فقولك : اللطيف الخبير فسره لي كما فسرت الواحد فإني أعلم أن لطفه على خلاف لطف خلقه للفصل غير أني احب أن تشرح ذلك لي.

فقال : يا فتح إنما قلنا : اللطيف للخلق اللطيف ، ولعلمه بالشى اللطيف (٣)

___________________

(١) هكذا في العيون. وفى التوحيد والكافى : وألوانه مختلفة غير واحدة اه.

(٢) في العيون والكافى : وكذلك سائر جميع الخلق

(٣) في التوحيد والعيون والكافى المطبوعات : أولا ترى وفقك الله وثبتك إلى أثر صنعه في النبات اللطيف وغير اللطيف.

١٧٣

وغير اللطيف ، وفي الخلق اللطيف من الحيوان الصغار من البعوض والجرجس وما هو أصغر منهما ما لا يكاد تستبينه العيون بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الانثى ، و الحدث المولود من القديم فلما رأينا صغر ذلك في لطفه واهتدائه للسفاد والهرب من الموت والجمع لما يصلحه مما في لجج البحار وما في لحاء الاشجار والمفاوز والقفار و فهم بعضها عن بعض منطقها وما يفهم به أولادها عنها ونقلها الغذاء إليها ثم تأليف ألوانها حمرة مع صفرة وبياضا مع خضرة (١) وما لاتكاد عيوننا تستبينه بتمام خلقها (٢) ولا تراه عيوننا ولا تلمسه أيدينا علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف لطف في خلق ما سميناه بلا علاج ولا أداة ولا آلة ، وأن كل صانع شئ فمن شئ صنع ، والله الخالق اللطيف الجليل خلق وصنع لامن شئ.

يد : الدقاق ، عن محمد الاسدي ، عن البرمكي ، عن الحسين بن الحسن بن بردة ، عن العباس بن عمرو الفقيمي ، عن أبي القاسم إبراهيم بن محمد العلوي ، عن الفتح بن يزيد الجرجاني مثله ، مع زيادات وتغييرات أوردناه في باب جوامع التوحيد.

توضيح : أبوالحسن هو الرضا عليه‌السلام ، كما يظهر من الكليني ، (٣) ويحتمل الهادي عليه‌السلام حيث عد الشيخ رحمه‌الله الفتح من أصحابه والاول أظهر قوله عليه‌السلام : مجسم الاجسام أي خالقها أو معطي ما هياتها على القول بجعلها قوله : فرق إما فعل أو اسم أي الفرق حاصل بينه وبين من جسمه. قوله عليه‌السلام : أحلت أي أتيت بالمحال. قوله عليه‌السلام : إنما التشبيه في المعاني أي التشبيه الممنوع منه إنما هو تشبيه معني حاصل فيه تعالى بمعنى حاصل للخلق لا محض إطلاق لفظ واحد عليه تعالى وعلى الخلق بمعنيين متغايرين ، أو المعنى أنه ليس التشبيه في كنه الحقيقة والذات ، وإنما التشبيه في المفهومات الكلية التي هي مدلولات الالفاظ وتصدق عليه تعالى كما مر تحقيقه.

___________________

(١) في العيون والكافى : وبياضا مع حمرة.

(٢) في الكافى وبعض النسخ : لدمامة خلقها.

(٣) ومن الصدوق ، حيث إن ايراد الحديث في العيون يدل على ذلك.

١٧٤

قوله عليه‌السلام : فأما في الاسماء فهي واحدة أي الاسماء التي تطلق عليه تعالى و على الخلق واحدة لكنها لا توجب التشابه إذ الاسماء دالة على المسميات ، وليست عينها حتى يلزم الاشتراك في حقيقة الذات والصفات. ثم بين عليه‌السلام عدم كون التشابه في المعنى في اشتراك لفظ الواحد بأن الوحدة في المخلوق هي الوحدة الشخصية التي تجتمع مع أنواع التكثرات ، وليست إلا تألف أجزاء واجتماع امور متكثرة ، ووحدته سبحانه هي نفي الكثرة والتجزي والتعدد عنه مطلقا.

قوله عليه‌السلام : فأما الانسان يحتمل أن يكون كل من المخلوق والمصنوع والمؤلف والظرف خبرا ، وإن كان الاول أظهر. قوله : للفصل أي للفرق الظاهر بينه وبين خلقه. قوله : في لطفه أي مع لطف ذلك المخلوق ، أو بسبب لطفه تعالى. قوله : بتمام في بعض النسخ «لدمامة» ـ بالمهملة ـ وهي الحقارة.

٣ ـ يد ، مع ، ن : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبيد الله (١) عن محمد ابن عبدالله ، وموسى بن عمرو ، والحسن بن علي بن أبي عثمان ، عن محمد بن سنان قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام هل كان الله عارفا بنفسه قبل أن يخلق الخلق؟ قال : نعم قلت : يراها ويسمعها؟ قال : ما كان محتاجا إلى ذلك لانه لم يكن يسألها ولا يطلب منها ، هو نفسه ، ونفسه هو ، قدرته نافذة فليس يحتاج إلى أن يسمي نفسه ، ولكنه اختار لنفسه أسماءا لغيره يدعوه بها لانه إذا لم يدع باسمه لم يعرف ، فأول ما اختار لنفسه العلي العظيم لانه أعلى الاسماء كلها فمعناه الله واسمه العلي العظيم هو أول أسمائه لانه علي علا كل شئ. (٢)

ج : مرسلا مثله

٤ ـ ن : ما جيلويه ، عن عمه ، عن أبي سمينة ، عن محمد بن عبدالله الخراساني قال : دخل رجل من الزنادقة على الرضا عليه‌السلام فقال في جملة ما سأل : فأخبرني عن قولكم : إنه لطيف وسميع وبصير وعليم وحكيم أيكون السميع إلا بالاذن والبصير إلا بالعين

___________________

(١) وفى نسخة : عن الحسن بن عبدالله.

(٢) تقدم الحديث مع بيان من المصنف في باب العلم وكيفيته تحت رقم ٢٦.

١٧٥

واللطيف إلا بعمل اليدين ، والحكيم إلا بالصنعة؟ فقال أبوالحسن عليه‌السلام : إن اللطيف منا على حد اتخاذ الصنعة أو ما رأيت الرجل يتخذ شيئا يلطف في اتخاذه فيقال : ما ألطف فلانا! فكيف لا يقال للخالق الجليل : لطيف؟ إذ خلق خلقا لطيفا وجليلا ، و ركب في الحيوان منه أرواحها ، وخلق كل جنس متبائنا من جنسه في الصورة ، ولا يشبه بعضه بعضا ، فكل له لطف من الخالق اللطيف الخبير في تركيب صورته ، ثم نظرنا إلى الاشجار وحملها أطائبها المأكولة منها وغير المأكولة ، فقلنا عند ذلك : إن خالقنا لطيف لا كلطف خلقه في صنعتهم. وقلنا : إنه سميع لا يخفى عليه أصوات خلقه ما بين العرش إلى الثرى من الذرة إلى أكبر منها ، في بر ها وبحرها ، ولا تشتبه عليه لعاتها فقلنا عند ذلك : إنه سميع لاباذن. وقلنا : إنه بصير لاببصر لانه يرى أثر الذرة السحماء (١) في الليلة الظلماء على الصخرة السوداء ، ويرى دبيب النمل في الليلة الدجنة. (٢) ويرى مضارها ومنافعها وأثر سفادها وفراخها ونسلها فقلنا عند ذلك : إنه بصير لا كبصر خلقه. قال : فما برح حتى أسلم.

ج : مرسلا مثله.

٥ ـ يد ، ن : الدقاق ، عن الكليني ، عن علان ، عن محمد بن عيسى ، عن الحسين ابن خالد ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أنه قال : اعلم علمك الله الخير أن الله تبارك و تعالى قديم ، والقدم صفة دلت العاقل (٣) على أنه لا شئ قبله ولا شئ معه في ديموميته (٣) فقد بان لنا بإقرار العامة معجزة الصفة (٥) أنه لا شئ قبل الله ، ولاشئ مع الله في بقائه ، وبطل قول من زعم أنه كان قبله شئ ، أو كان معه شئ في بقائه ، لم يجز أن يكون خالقا له لانه لم يزل معه فكيف يكون خالقا لمن لم يزل معه؟ ولو كان قبله شئ كان

___________________

(١) الذرة : صغار النمل. السحماء : السوداء.

(٢) الدبيب : المشى كالحية ، أو على اليدين والرجلين كالطفل. والدجنة أى مظلمة.

(٣) في الكافى : صفته التى دلت العاقل اه.

(٤) أى في ثبوته وامتداده واستمراره.

(٥) في التوحيد والعيون والمطبوعين : مع معجزة الصفة.

١٧٦

الاول ذلك الشئ لا هذا ، وكان الاول أولى بأن يكون خالقا للاول الثاني. ثم وصف نفسه تبارك وتعالى بأسماء دعا الخلق إذ خلقهم وتعبدهم وابتلاهم إلى أن يدعوه بها فسمى نفسه سميعا ، بصيرا ، قادرا ، قاهرا ، حيا ، قيوما ، (١) ظاهرا ، باطنا ، لطيفا ، خبيرا ، قويا ، عزيزا ، حكيما ، عليما ، وما أشبه هذه الاسماء فلما رأى ذلك من أسمائه الغالون المكذبون وقد سمعونا نحدث عن الله أنه لاشئ مثله ، ولا شئ من الخلق في حاله قالوا : أخبرونا إذ زعمتم أنه لا مثل لله ولا شبه له كيف شاركتموه في أسمائه الحسنى فتسميتم بجميعها؟ فإن في ذلك دليلا على أنكم مثله في حالاته كلها أو في بعضها دون بعض إذ قد جمعتكم الاسماء الطيبة. قيل لهم : إن الله تبارك وتعالى ألزم العباد أسماءا من أسمائه على اختلاف المعاني ، وذلك كما يجمع الاسم الواحد معنيين مختلفين ، والدليل على ذلك قول الناس الجائز عندهم السائغ (٢) وهو الذي خاطب الله عزوجل به الخلق فكلمهم بما يعقلون ليكون عليهم حجة في تضييع ماضيعوا ، وقد يقال للرجل : كلب وحمار وثور وسكرة وعلقمة وأسد كل ذلك على خلافه لانه لم تقع (٣) الاسماء على معانيها التي كانت بنيت عليها لان الانسان ليس بأسد ولاكلب فافهم ذلك رحمك الله. وإنما تسمى الله بالعالم لغير علم حادث علم به الاشياء واستعان به على حفظ ما يستقبل من أمره ، والروية فيما يخلق من خلقه ويفنيه مما مضى (٤) مما أفنى من خلقه مما لو لم يحضره ذلك العلم ويغيبه كان جاهلا ضعيفا كما أنا رأينا علماء الخلق إنما سموا بالعلم لعلم حادث ، إذ كانوا قبله جهلة ، وربما فارقهم العلم بالاشياء فصاروا إلى الجهل. (٥) وإنما سمي الله عالما لانه لا يجهل شيئا فقد جمع الخالق والمخلوق اسم العلم واختلف المعنى على ما رأيت. وسمي ربنا سميعا لا بجزء (٦) فيه يسمع به

___________________

(١) في الكافي : قادرا قائما ناطقا ظاهرا.

(٢) في الكافى والعيون : الشائع.

(٣) في الكافي والتوحيد المطبوعين : على خلافه وحالاته لم يقع.

(٤) في التوحيد المطبوع : ويعينه ما مضى.

(٥) في الكافي : فعادوا.

(٦) في الكافي ونسخة من العيون : «لا بخرت» وكذا فيما بعده ، وخرت الاذن ـ بضم الخاء وفتحها وسكون الراء ـ : ثقبها.

١٧٧

الصوت لا يبصر به كما أن جزءنا الذي نسمع به لانقوي على النظر به ، ولكنه عزوجل أخبر أنه لا تخفى عليه الاصوات ليس على حد ماسمينا به نحن فقد جمعنا الاسم بالسميع واختلف المعنى ، وهكذا البصير لابجزء به أبصر كما أنا نبصر بجزء منا لاننتفع به في غيره ، ولكن الله بصير لايجهل شخصا منظورا إليه فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى و هو قائم ليس على معنى انتصاب وقيام على ساق في كبد كماقامت الاشياء ولكنه أخبر أنه قائم يخبر أنه حافظ كقول الرجل : القائم بأمرنا فلان ، وهو عزوجل القائم على كل نفس بما كسبت ، والقائم أيضا في كلام الناس الباقي ، والقائم أيضا يخبر عن الكفاية كقولك للرجل : ثم بأمر فلان أي اكفه ، والقائم منا قائم على ساق فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى ، وأما اللطيف فليس على قلة وقضافة وصغر ، ولكن ذلك على النفاذ في الاشياء والامتناع من أن يدرك كقولك : لطف عني هذا الامر ، ولطف فلان في مذهبه ، وقوله يخبرك أنه غمض فبهر العقل وفات الطلب وعاد متعمقا متلطفا لا يدركه الوهم فهكذا لطف الله تبارك وتعالى عن أن يدرك بحد أو يحد بوصف ، واللطافة منا الصغر والقلة فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى. وأما الخبير فالذي لا يعزب عنه شئ ولا يفوته (١) ليس للتجربة ولا للاعتبار بالاشياء فتفيده التجربة والاعتبار علما لولاهما ما علم لان من كان كذلك كان جاهلا والله لم يزل خبيرا بما يخلق ، والخبير من الناس المستخبر عن جهل المتعلم وقد جمعنا الاسم واختلف المعنى. وأما الظاهر فليس من أجل أنه علا الاشياء بركوب فوقها وقعود عليها وتسنم لذراها ، ولكن ذلك لقهره ولغلبته الاشياء وقدرته عليها كقول الرجل : ظهرت على أعدائي ، وأظهرني الله على خصمي يخبر عن الفلج والغلبة فهكذا ظهور الله على الاشياء. (٢) ووجه آخر أنه الظاهر لمن أراده لايخفي عليه شئ ، وأنه مدبر لكل ما يرى (٣) فأي ظاهر أظهر وأوضح أمرا من الله تبارك و تعالى فإنك لاتعدم صنعته حيثما توجهت وفيك من آثاره ما يغنيك ، والظاهر منا

___________________

(١) في التوحيد والعيون : ولا يفوته شئ.

(٢) في التوحيد : فهكذا ظهور الله على الاعداء.

(٣) في التوحيد والكافى : وأنه مدبر لكل ما برئ.

١٧٨

البارز بنفسه والمعلوم بحده فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى. (١) وأما الباطن فليس على معنى الاستبطان للاشياء بأن يغور فيها ، ولكن ذلك منه على استبطانه للاشياء علما وحفظا وتدبيرا كقول القائل : أبطنته يعني خبرته وعلمت مكتوم سره ، والباطن منا بمعنى الغائر في الشئ المستتر ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى وأما القاهر فإنه ليس على علاج ونصب واحتيال ومداراة ومكر كما يقهر العباد بعضهم بعضا فالمقهور منهم يعود قاهرا والقاهر يعود مقهورا ، ولكن ذلك من الله تبارك وتعالى على أن جميع ما خلق متلبس به الذل لفاعله وقلة الامتناع لما أراد به لم يخرج منه طرفة عين غير أنه يقول له : كن فيكون ، فالقاهر منا على ما ذكرت ووصفت فقد جمعنا الاسم واختلف المعني. وهكذا جميع الاسماء وإن كنا لم نسمها (٢) كلها فقد تكتفي للاعتبار (٣) بما ألقينا إليك والله عوننا وعونك في إرشادنا وتوفيقنا

ج : مرسلا من قوله : إنما نسمي الله تعالى بالعالم إلى قوله : والباطن منا الغائر في الشئ المستتر فيه ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى. قال : وهكذا جميع الاسماء وإن كنا لم نسمها كلها.

توضيح : الاقرار إما من أقر بالحق إذا اعترف به ، أو من أقر الحق في مكانه فاستقر هو ، فقوله عليه‌السلام : معجزة الصفة على الاول منصوب بنزع الخافض ، وعلى الثاني منصوب على المفعولية ، والمعجزة اسم فاعل من «أعجزته» بمعني وجدته عاجزا أو جعلته عاجزا ، أو من أعجزه الشئ بمعنى فاته ، وإضافتها إلى الصفة ـ والمراد بها القدم ـ من إضافة الصفة إلى الموصوف ، وإنما وصفها بالاعجاز لانها تجدهم أو تجعلهم لنباهة شأنها عاجزين عن إدراكهم كنهها ، أو عن اتصافهم بها ، أو عن إنكارهم لها ، أو لانها تفوتهم وهم فاقدون لها. ويحتمل أن تكون المعجزة مصدر عجز عن الشئ عجزا أو معجزة بفتح الميم وكسر الجيم وفتحها أي إقرارهم بعجزهم عن الاتصاف بتلك الصفة ، ويمكن أن يقرأ على بناء المفعول بأن يكون حالا عن العامة أو صفة لها أي بإقرارهم موصوفين بالعجز عن ترك الاقرار ،

___________________

(١) في الكافى والتوحيد والعيون : فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى.

(٢) في الكافى : وان كنا لم نستجمعها.

(٣) في الكافى والعيون : فقد يكتفى الاعتبار وفى التوحيد : فقد يكتفى للاعتبار.

١٧٩

أو الحال أن صفة القدم أعجزتهم وألجأتهم إلى الاقرار فالمقر به والمبين شئ واحد ، وهو قوله : أنه لا شئ قبل الله. قال بعض الافاضل : المراد بقوله : إقرار العامة إذعانهم أو الاثبات ، وعلى الاول متعلق الاذعان إما معجزة الصفة بحذف الصلة ، أو محذوف أي إقرار العامة بأنه خالق كلشئ ، ومعجزة الصفة صفة للاقرار أو بدل عنه أي إقرار العامة بأنه خالق كل شئ معجزة الصفة أي صفة الخالقية لكل شئ أو صفة القدم لا يسع أحدا أن ينكره ، وأما على الثاني فمعجزة الصفة مفعول الاقرار أو صفة للاقرار ، أو بدل عنه ، والمفعول محذوف ، وعلى تقدير كونه مفعولا فمعجزة الصفة من إضافة الصفة إلى الموصوف أي الصفة التي هي معجزة لهم عن أن لا يثبتوا له خالقية كلشئ ، أو المعجزة بمعناه المتعارف والاضافة لامية أي إثباتهم الخالقية للكل معجزة هذه الصفة حيث لا يسعهم أن ينكروها وإن أرادوا الانكار ، ويحتمل أن يكون معجزة الصفة فاعل «بان» ويكون قوله : إنه لا شئ قبل الله بيانا أو بدلا لمعجزة الصفة انتهى.

أقول : لا يخفى أنه يدل على أنه لا قديم سوى الله ، وعلى أن التأثير لايعقل إلا في الحادث ، وأن القدم مستلزم لوجوب الوجود.

قوله عليه‌السلام : ثم وصف أي سمى نفسه ، بأسماء بالتنوين ، دعاء الخلق بالنصب أي لدعائهم ، ويحتمل إضافة الاسماء إلى الدعاء ، والاظهر أنه على صيغة الفعل. وقوله : إلى أن يدعوه متعلق به أو بالابتلاء أيضا على التنازع ، لكن في أكثر نسخ الكليني مهموز. قوله عليه‌السلام : وابتلاهم أي بالمصائب والحوائج ، وألجأهم إلى أن يدعوه بتلك الاسماء. قوله عليه‌السلام : والدليل على ذلك أي على إطلاق اللفظ الواحد على المعنيين المختلفين ، والقول السائغ هو ما فسره عليه‌السلام بقوله : وقد يقال والعلقم : شجر مر ، ويقال للحنظل ولكل شئ مر : علقم. قوله عليه‌السلام : على خلافه أي على خلاف موضوعه الاصلي. قوله عليه‌السلام : ويفنيه مما مضى كذا في بعض نسخ الكتابين فهو عطف على يخلق ، وفي بعض نسخ «ن» تفيته ما مضى أي إفناؤها ، وفي بعض نسخ «يد» تقفيه ما مضى مما أفنى أي جعل بعض ما يفني في قفاء ما مضى أي يكون مستحضرا لما مضى مما أعدمه سابقا حتى يفنى ما يفنى بعده على طريقته ، وعلى التقديرين معطوف على الموصول. قوله عليه‌السلام : لا بجزء في «في» لا بخرت في المواضع

١٨٠