دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم - ج ٣

دكتور محمد بيومي مهران

دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم - ج ٣

المؤلف:

دكتور محمد بيومي مهران


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٦٠

أرسله ، ومن ثم فقد جوّز بعض المفسرين أن يقال : إنه تعالى أودع في نفس عيسى عليه‌السلام خاصية بحيث متى نفخ في شيء ، كان نفخه فيه موجبا لصيرورة ذلك الشيء حيا ، أو يقال ليس الأمر كذلك ، بل الله تعالى كان يخلق الحياة في ذلك الجسم بقدرته عند نفخه عيسى عليه‌السلام فيه على سبيل إظهار المعجزات ، وهذا القول الثاني هو الحق لقوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) ، وحكى عن إبراهيم عليه‌السلام إنه قال في مناظرته مع الملك (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) ، فلو حصل لغيره هذه الصفة ، لبطل ذلك الاستدلال.

وأظهر المعجزات أنهم أخذوا يتعنتون عليه وطالبوه بخلق خفاش ، فأخذ طينا وصوره ، ثم نفخ فيه ، فإذا هو يطير بين السماء والأرض ، قال وهب : كان يطير ما دام الناس ينظرون إليه ، فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتا ، ثم اختلف الناس فقال قوم لم يخلق غير الخفاش ، وقال آخرون : إنه خلق أنواعا من الطير (١).

ثانيا : إبراء الأكمة والأبرص بإذن الله تعالى : ـ

وقد اختلف العلماء في معنى الأكمة ، فمن قائل إنه الذي ولد أعمى ، وكما روى عن ابن عباس وقتادة : كنا نتحدث أن الأكمة الذي ولد وهو أعمى مضموم العينين ، وقال الخليل وغيره : هو الذي عمى بعد أن كان بصيرا ، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس : أنه الممسوح العين الذي لم يشق بصره ، ولم يخلق له حدقة ، قيل : ولم يكن في صدر هذه الأمة أكمه بهذا المعنى ، غير قتادة بن دعامة السدوسي صاحب التفسير ، وعن

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ٨ / ٥٦ ، تفسير روح المعاني ٣ / ١٦٨ ، تفسير النسفي ١ / ١٥٩ ، تفسير ابن كثير ١ / ٥٤٦ ، تفسير الطبري ٣ / ٢٧٥ ، الكامل لابن الأثير ١ / ١٧٩ ، تفسير القرطبي ص ١٣٣٥ ـ ١٣٣٦ ، تفسير المنار ٣ / ٢٥٥ ـ ٢٥٧.

٣٢١

مجاهد : الأكمة هو الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل ، فهو يتكمه ، وعن عكرمة أنه الأعمش ، وأما الأبرص فهو الذي به الوضع المعروف ، يقول الإمام الطبري : وإنما أخبر الله تعالى عن عيسى عليه‌السلام أنه يقول ذلك لبني إسرائيل ، احتجاجا منه بهذه العبر والآيات عليهم في نبوته ، وذلك أن الأكمة والأبرص لا علاج لهما ، فيقدر على إبرائه ذو طب بعلاج ، فكان ذلك من أدلته على صدق قيله إنه لله رسول لأنه من المعجزات مع سائر الآيات التي أعطاه الله إياها دلالة على نبوته ، وأما ما قاله عكرمة من أن الكمه هو العمش ، وما قاله مجاهد من أنه سوء البصر بالليل ، فلا معنى لهما ، لأن الله لا يحتج على خلقه بحجة تكون لهم السبيل إلى معارضته فيها ، ولو كان ما احتج به عيسى على بني إسرائيل في نبوته أنه يبرئ الأعمش أو الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل لقد روا على معارضته بحجة أن فيهم خلقا يعالجون ذلك ، وليسوا لله أنبياء ورسلا ، هذا وزعم وهب أنه ربما اجتمع على عيسى من المرضى في الجماعة الواحدة خمسون ألفا ، من أطاق منهم أن يبلغه بلغه ، ومن لم يطق منهم ذلك أتاه عيسى يمشي إليه ، وإنما كان يداويهم بالدعاء إلى الله (١).

ثالثا : إحياء الموتى بإذن الله : ـ

قيد الله الإحياء بالإذن ، كما فعل في المعجزات السابقة ، لأنه خارق عظيم يكاد يتوهّم منه ألوهية فاعلة ، لأنه ليس من جنس أفعال البشر ، وكان إحياء عيسى الموتى بدعاء الله ، يدعو لهم فتستجاب له ، قال الكلبي : كان عيسى عليه‌السلام يحيي الأموات ، بيا حي يا قيوم ، وأحيا عازر وكان صديقا له ، ودعا سام بن نوح من قبره فخرج حيا ، ومرّ على ابن ميت لعجوز فدعا الله فنزل عن سريره حيا ، ورجع إلى أهله وولد له (٢).

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ٨ / ٥٧ ، تفسير روح المعاني ٣ / ١٦٩ ، تفسير الطبري ٣ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨.

(٢) تفسير روح المعاني ٣ / ١٦٩ ، تفسير الفخر الرازي ٨ / ٥٧.

٣٢٢

رابعا : إخبار القوم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم : ـ

وقد اختلف العلماء في وقت هذا الإخبار على قولين ، أحدهما : أنه عليه‌السلام كان يخبر عن الغيوب من أول أمره ، أخرج ابن عساكر عن عبد الله بن عمر وبن العاصي ، وكذا روى عن السدي : أنه كان يلعب مع الصبيان ، ثم يخبرهم بأفعال آبائهم وأمهاتهم ، وكان يخبر الصبي بأن أمك خبأت لك كذا فيرجع الصبي إلى أهله ويبكي إلى أن يأخذ ذلك الشيء ، ثم قالوا لصبيانهم لا تلعبوا مع هذا الساحر ، وجمعوهم في بيت ، فجاء عيسى عليه‌السلام يطلبهم فقالوا له : ليسوا في البيت ، فقال فمن في البيت ، قالوا خنازير ، قال عيسى كذلك يكونون ، فإذا هم خنازير ، وأما القول الثاني : فإن الإخبار عن الغيوب إنما ظهر وقت نزول المائدة ، وذلك لأن القوم نهوا عن الإخبار ، فكانوا يحزنون ويدخرون ، فكان عيسى عليه‌السلام يخبرهم ، وقد أيد ذلك ما أخرجه عبد الرزاق وغيره عن عمار بن ياسر في الآية أنه قال : (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ) من المائدة وما تدخرون منها ، وكان أخذ عليهم في المائدة حين نزلت أن يأكلوا ولا يدخروا ، فادخروا وخانوا ، فجعلوا قردة وخنازير (١).

وبدهي أن الإخبار عن الغيوب على هذا الوجه معجزة ، ذلك لأن المنجمين الذين يدعون استخراج الخبر لا يمكنهم ذلك ، إلا عن سؤال تتقدم ثم يستعينون عند ذلك بآله ويتوصلون بها إلى معرفة أحوال الكواكب ، ثم يعترفون بأنهم يغلطون كثيرا ، فأما الإخبار عن الغيب من غير استعانة بآلة ولا تقدم مسألة لا يكون إلا بالوحي من الله تعالى ، وهذا هو الفصل بين علم الأنبياء بالغيوب وإخبارهم عنها ، وبين علم سائر المتكذبة على الله أو المدعية علم ذلك ، ثم إنه عليه‌السلام ختم كلامه بقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً

__________________

(١) تفسير روح المعاني ٣ / ١٧٠ ، تفسير الفخر الرازي ٨ / ٥٧.

٣٢٣

لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ، يعني بذلك السيد المسيح : إن في خلقي من الطين الطير بإذن الله ، وفي إبرائي الأكمه والأبرص ، وإحيائي الموتى ، وإنبائي إياكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم ، ابتداء من غير حساب ولا تنجيم ، ولا كهانة ولا عرافة ، لعبرة لكم ، ومتفكرا تتفكرون في ذلك ، فتعتبرون به أني محق في قولي لكم : إني رسول من ربكم إليكم ، وتعلمون به أني فيما أدعوكم إليه من أمر الله ونهيه ، صادق ، إن كنتم مؤمنين ، يعني إن كنتم مصدقين حجج الله وآياته مقرنين بتوحيده ونبيه موسى ، والتوراة التي جاءكم بها (١).

__________________

(١) تفسير الطبري ٣ / ٢٨١ ، تفسير الفخر الرازي ٨ / ٥٨ ، تفسير القرطبي ص ١٣٣٧.

٣٢٤

الفصل الرّابع

دعوى تأليه المسيح وصلبه

ليس هناك من ريب في أن الخلاف الأساسي والأصيل بين المسلمين والمسيحيين حول السيد المسيح عليه‌السلام ، إنما يدور حول دعوى النصارى بألوهية المسيح وصلبه.

(١) دعوى التأليه : ـ

يعرض القرآن الكريم أكثر من مرة لعبودية المسيح لله تعالى ، وأنه عبد الله ورسوله ، وكفاه فخرا بهذه العبودية لله تعالى ، كما اعتبر القرآن من ألهوا المسيح كفارا ، ومن ثم فإنه يؤكد كثيرا أن عيسى بن مريم بشر ، وأنه رسول من الله ، مؤيد بكتاب إلهي ، وبوحي سماوي ، وأنه نادى بعقيدة التوحيد ، فدعا إلى عبادة الله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، ويذهب صاحب الظلال (١) إلى أن عقيدة التوحيد عاشت بعد المسيح عليه‌السلام في تلامذته وفي أتباعهم ، وأحد الأناجيل الكثيرة التي كتبت ، وهو إنجيل «برنابا» يتحدث عن عيسى عليه‌السلام بوصفه رسولا من عند الله ، ثم وقعت بينهم الاختلافات ، فمن قائل : إن المسيح رسول من عند الله كسائر الرسل ، ومن قائل : إنه رسول نعم ، ولكن له بالله صلة خاصة ، ومن قائل : إنه ابن الله لأنه خلق من غير أب ، ولكنه على هذا

__________________

(١) في ظلال القرآن ٢ / ٨٦٤ ـ ٨٦٥.

٣٢٥

مخلوق لله ، ومن قائل : إنه ابن الله ، وليس مخلوقا ، بل له صفة القدم كالأب.

ولتصفية هذه الخلافات عقد «مجمع نيقية» عام ٣٢٥ م الذي اجتمع فيه ثمانية وأربعون ألفا من البطارقة والأساقفة ، وقد اختار المجمع مقالة من كانوا يقولون بألوهية المسيح ، وهي مقالة «بولس الرسول» ومقالة الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا ، وقد اختار الإمبراطور الروماني «قسطنطين» (٣٠٦ ـ ٣٣٧ م) (١) هذا الرأي وسلط أصحابه على مخالفيهم وشرد أصحاب سائر المذاهب ، خاصة القائلين بألوهية الأب وحده ، وناسوتية المسيح ، وقد ذكر صاحب كتاب تاريخ الأمة القبطية عن هذا القرار : إن الجامعة المقدسة والكنيسة الرسولية تحرم كل قائل بوجود زمن لم يكن ابن الله موجودا فيه ، وأنه لم يوجد قبل أن يولد ، وأنه وجد من لا شيء ، أو من يقول : إن الابن وجد من مادة أو جوهر غير جوهر الله الأب ، وكل من يؤمن أنه مخلوق أو من يقول إنه قابل للتغيير ويعتريه ظل دوران» ، ولكن هذا المجمع بقرارته لم يقض على نحلة الموحدين أتباع «آريوس» وقد غلبت على القسطنطينية وأنطاكية وبابل والاسكندرية ومصر.

ثم سار خلاف جديد حول «روح القدس» فقال بعضهم هو «إله» وقال آخرون ليس بإله ، فاجتمع مجمع القسطنطينية الأول عام ٣٨١ م ، وفيه تقررت ألوهية روح القدس ، كما تقررت ألوهية المسيح في مجمع نيقية عام

__________________

(١) يذهب البعض إلى أن قسطنطين لم يعترف بالمسيحية كديانة رسمية فحسب ، بل إنه هو نفسه اعتنق المسيحية في عام ٣١٢ م ، بينما يذهب آخرون إلى أنه بقي وثنيا طوال حياته ، ولم يتقبل النصرانية إلا على فراش المرض ، وقد بنت أمه «هيلانة» كنيسة القيامة في القدس عام ٣٢٦ م نتيجة اعتقاد خاطئ أن جثمان المسيح دفن في مكان هذه الكنيسة ثم رفع إلى السماء (عمر كمال توفيق : تاريخ الامبراطورية البيزنطية ص ٢٩ ، فيلب حتى : المرجع السابق ص ٣٨٧ ثم قارن Euselius ,BK ,IX ,Ch. ٢ ، ٩. وكذاSozomenus ,BK.I.Ch

٣٢٦

٣٢٥ م ، وتم الثالوث من الأب والابن والروح القدس.

ثم ثار خلاف آخر حول طبيعة المسيح الإلهية وطبيعته الإنسانية ، أو اللاهوت والناسوت كما يقولون ، فقد رأى «نسطور» بطريرك القسطنطينية أن هناك أقنوما وطبيعة ، فأقنوم الألوهية من الأب وتنسب إليه ، وطبيعة الإنسان وقد ولدت من مريم ، فمريم أم الإنسان في المسيح ، وليست أم الإله ، ويقول في المسيح الذي ظهر بين الناس وخاطبهم ، كما نقله عنه ابن البطريرق ، ثم يقول : «إن نسطور ذهب إلى أن ربنا يسوع المسيح لم يكن إلها في حد ذاته ، بل هو إنسان مملوء من البركة والنعمة ، أو هو ملهم من الله ، فلم يرتكب خطئة وما أتى أمرا إدّا» ، وخالفه في هذا الرأي أسقف روما وبطريرك الاسكندرية وأساقفة أنطاكية فاتفقوا على عقد مجمع رابع ، وانعقد مجمع «أفسس» عام ٤٣١ م ، وقرر : «أن مريم العذراء والدة الله ، وأن المسيح إله حق وإنسان ، معروف بطبيعتين ، متوحد في الأقنوم» ، ولعنوا نسطور.

ثم خرجت كنيسة الاسكندرية برأي جديد ، انعقد له «مجمع أفسس الثاني» الذي قرر «أن المسيح طبيعة واحدة ، اجتمع فيها اللاهوت والناسوت» ، ولكن هذا الرأي لم يسلم ، واستمرت الخلافات الحادة ، فاجتمع مجمع «خلقدونية» عام ٤٥١ م ، وقرر : «أن المسيح له طبيعتان لا طبيعة واحدة ، وأن اللاهوت طبيعة وحدها ، والناسوت طبيعة وحدها ، التقتا في المسيح» ، ولعنوا مجمع أفسس الثاني ، ولم يعترف المصريون بقرار هذا المجمع ، ووقعت بين المذهب المصري «المنوفيسية» والمذهب «الملوكاني» الذي تبنته الدولة البيزنطية ما وقع من الخلافات الدامية (١).

__________________

(١) في ظلال القرآن ٢ / ٨٦٤ ـ ٨٦٦ ، محمد أبو زهرة : محاضرات في النصرانية ص ١٢٧ ـ ١٤٩ (القاهرة ١٩٦٦).

٣٢٧

وظل الأمر كذلك حتى بعث الله تعالى خاتم النبيين وسيد المرسلين سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالرسالة العامة ، ونزل القرآن الكريم ليبّين للناس أن النصارى على فرق ثلاثة في عقيدتهم في المسيح ، عبد الله ورسوله إلى بني إسرائيل ففرقه تزعم أنه الله ، وأخرى تؤمن بعقيدة التثليث ، وثالثة تزعم أنه ابن الله.

١ ـ تزعم الفرقة الأولى أنه الله ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ، وأن الله تعالى تجسم وتجسد في صورة يسوع المسيح ونزل إلى الأرض ليخلص الناس من آثامهم ، وإلى هذا الفريق يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ، وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) (١) ، ويقول تعالى : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) (٢) ، ويقول تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ، قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (٣) ، ويقول تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ ، وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ، وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) (٤).

وهكذا يفرق القرآن الكريم بين ذات الله تعالى وطبيعته ومشيئته وسلطانه ، وبين ذات عيسى ، عليه‌السلام ، وكذا ذات أمه ، وكل ذات أخرى ، في نصاعة قاطعة حاسمة ، فذات الله ، سبحانه وتعالى ، واحدة ،

__________________

(١) سورة المائدة : آية ٧٢.

(٢) سورة المائدة : آية ٧٥.

(٣) سورة المائدة : آية ١٧.

(٤) سورة النساء : آية ١٧٢.

٣٢٨

ومشيئته مطلقة ، وسلطانه متفرد ، ولا يملك أحد شيئا في رد مشيئته أو دفع سلطانه ، إن أراد أن يهلك المسيح وأمه ومن في الأرض جميعا ، وهو سبحانه وتعالى ، مالك كل شيء ، وخالق كل شيء ، والخالق غير المخلوق ، وكل شيء مخلوق : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ ، وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، وكذلك تتجلى نصاعة العقيدة الإسلامية ، ووضوحها وبساطتها ، وتزيد جلاء أمام ذلك الركام من الانحرافات والتصورات والأساطير والوثنيات والمتلبسة بعقائد فريق من أهل الكتاب ، وتبرز الخاصية الأولى للعقيدة الإسلامية في تقرير حقيقة الألوهية ، وحقيقة العبودية ، والفصل التام الحاسم بين الحقيقتين ، بلا غبش ولا شبهة ولا غموض (١).

٢ ـ يز عم الفريق الثاني أن الله ثالث ثلاثة : وهذا الفريق هو الذي يعتقد بعقيدة التثليث ، وهي عقيدة تزخر بمزاعم وأضاليل وأباطيل ، فهي تزعم أن الله ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ، ثالث ثلاثة (٢) ، وأنه ثلاثة أصول (أقانيم) متساوية : الله الأب والله الابن ، والله الروح القدس ، فالمسيح عيسى ابن مريم إله ، وهو ابن إله ، وفي الوقت نفسه هو بشر وإله ، هو لاهوت وناسوت ، هو الله وابن الله ، وأصل من الأصول الثلاثة المكونة لله ، ويصدر القرآن الكريم حكمه في هذه العقيدة ، فيحكم بكفر من اعتنقها واعتقد

__________________

(١) في ظلال القرآن ٢ / ٨٦٦.

(٢) يحكي المتكلمون عن النصارى أنهم يقولون : جوهر واحد ، ثلاثة أقانيم ، أب وابن وروح القدس ، وهذه الثلاثة إله واحد ، كما أن الشمس اسم يتناول القرص والشعاع والحرارة ، وعنوا بالأب الذات ، وبالابن الكلمة ، وبالروح الحياة ، وأثبتوا الذات والكلمة والحياة ، وقالوا : إن الكلمة التي هي كلام الله اختلطت بجسد عيسى اختلاط الماء بالخمر ، واختلاط الماء باللبن ، وزعموا أن الأب إله ، والابن إله ، والروح إله ، والكل واحد ، واعلم إن هذا معلوم البطلان ببديهة العقل فإن الثلاثة لا تكون واحدا ، والواحد لا يكون ثلاثة (تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٦٠).

٣٢٩

فيها (١) ، يقول تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ ، وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢) ، ويقول تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ، وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ ، إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ، فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ، وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ ، إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ، لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (٣).

وقال الزجاج : لا تقولوا آلهتنا ثلاثة ، وذلك لأن القرآن يدل على أن النصارى يقولون : إن الله والمسيح ومريم ثلاثة آلهة ، والدليل عليه قوله تعالى : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) (٤) ، وقال الفراء : ولا تقولوا هم ثلاثة كقوله : (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ) ، وذلك لأن ذكر عيسى ومريم مع الله تعالى بهذه العبارة يوهم كونهما إلهين ، وبالجملة فلا نرى مذهبا في الدنيا أشد ركاكة وبعدا عن العقل من مذهب النصارى ، ثم قال الله تعالى : (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) ، ثم أكد التوحيد بقوله : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) ، ثم نزه الله تعالى نفسه عن الولد بقوله : (سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) (٥).

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن القرآن الكريم إنما يقرن لفظ المسيح أو عيسى بكلمة : (ابْنَ مَرْيَمَ) ليقرع آذان النصارى بأنه «ابن مريم» ، وليس «ابن الله» ، كما ينبه القرآن الكريم المسيحيين إلى أن

__________________

(١) محمد بن الشريف : المرجع السابق ص ١٩٠.

(٢) سورة المائدة : آية ٧٣.

(٣) سورة النساء : آية ١٧١.

(٤) سورة المائدة : آية ١١٦.

(٥) تفسير الفخر الرازي ١١ / ١١٥ ـ ١١٦.

٣٣٠

المسيح وأمه كانا يأكلان الطعام ، يقول تعالى : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) (١) ، ومن البيّن أن الذي يأكل الطعام فيتحول في جسمه دما ولحما وعظما ، وينضح عرقا ، ويخرج فضلة لو بقيت في الجسم لأضرته ، من الواضح أن كائنا من هذا النمط لا يمكن إلا أن يكون بشرا خاضعا لكل قوانين البشر التي لا تؤدي إلى نقص في مرتبته كرسول (٢) ، ويقول الفخر الرازي اعلم أن المقصود من قوله تعالى : (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) الاستدلال على فساد قول النصارى ، وبيانه من وجوه ، الأول : أن كل من كان له أم فقد حدث بعد أن لم يكن ، وكل من كان كذلك كان مخلوقا ، لا إلها ، والثاني : أنهما كانا محتاجين ، لأنهما كانا محتاجين إلى الطعام أشد الحاجة ، والإله هو الذي يكون غنيا عن جميع الأشياء ، فكيف يعقل أن يكون (المحتاج) إلها ، والثالث أن الأكل عبارة عن الحاجة إلى الطعام ، وهذه الحاجة من أقوى الدلائل على أنه ليس بإله ، والرابع : أن الإله هو القادر على الخلق والإيجاد ، فلو كان إلها لقدر على دفع ألم الجوع عن نفسه بغير الطعام والشراب ، فلما لم يقدر على دفع الضرر عن نفسه ، كيف يعقل أن يكون إلها للعالمين ، وبالجملة ففساد قول النصارى أظهر من أن يحتاج فيه إلى دليل (٣).

وأما قوله تعالى : (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) (٤) ، فهذا ، كما يقول الفخر الرازي ، دليل آخر على فساد قول النصارى ، وهو يحتمل أنواعا من الحجة ، الأول : أن اليهود كانوا يعادونه ويقصدونه بالسوء ، فما قدر على الإضرار بهم ، وكان أنصاره وصحابته

__________________

(١) سورة المائدة : آية ٧٥.

(٢) عبد الحليم محمود : التفكير الفلسفي في الإسلام ـ القاهرة ١٩٦٤ ص ٧٤.

(٣) تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٦١.

(٤) سورة المائدة : آية ٧٦.

٣٣١

يحبونه ، فما قدر على إيصال نفع من منافع الدنيا إليهم ، والعاجز عن الإضرار والنفع ، كيف يعقل أن يكون إلها ، والثاني أن مذهب النصارى أن اليهود صلبوه ومزقوا أضلاعه ، ولما عطش وطلب الماء منهم ، صبوا الخل في منخريه ، ومن كان في الضعف هكذا ، كيف يعقل أن يكون إلها ، والثالث : أن إله العالم يجب أن يكون غنيا عن كل ما سواه ، ويكون كل ما سواه محتاجا إليه ، فلو كان عيسى كذلك لامتنع كونه مشغولا بعبادة الله تعالى ، لأن الإله لا يعبد شيئا ، إنما العبد هو الذي يعبد الإله ، ولما عرف بالتواتر كونه كان مواظبا على الطاعات والعبادات ، علمنا أنه إنما كان يفعلها لكونه محتاجا في تحصيل المنافع ودفع المضار إلى غيره ، ومن كان كذلك ، كيف يقدر على إيصال المنافع إلى العباد ودفع المضار عنهم ، وإذا كان كذلك كان عبدا كسائر العبيد ، وهذا هو عين الدليل الذي حكاه الله تعالى عن إبراهيم عليه‌السلام ، حيث قال لأبيه : (لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) (١).

ثم إن الإله موجود ، واجب الوجود لذاته ، ويجب ألا يكون جسما ولا متحيزا ولا عرضا ، وعيسى عليه‌السلام عبارة عن هذا الشخص البشري الجسماني الذي وجد بعد أن كان معدوما ، وقتل بعد أن كان حيا على قول النصارى ، وكان طفلا أولا ثم صار مترعرعا ثم صار شابا ، وكان يأكل ويشرب ويحدث وينام ويستيقظ ، وقد تقرر في بداهة العقول أن المحدث لا يكون قديما ، والمحتاج لا يكون غنيا ، والممكن لا يكون دائما ، كما أن النصارى يقولون بأن اليهود أخذوه وصلبوه وتركوه حيا على الخشبة ، وقد مزقوا ضلعه ، وأنه كان يحتال في الهرب منهم ، وفي الاختفاء عنهم ، وحين عاملوه بتلك المعاملات أظهر الجزع الشديد (٢) ، فإذا كان إلها أو أن الإله كان حالا فيه ،

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٦٢.

(٢) جاء في إنجيل متى (٢٧ / ٤٦ ـ ٥٠) «وصرح يسوع بصوت عظيم قائلا : إيلي إيلي لما ـ

٣٣٢

أو كان جزءا من الإله حال فيه فلم لم يدفعهم عن نفسه؟ ولم لم يهلكهم بالكلية؟ وأي حاجة به إلى إظهار الجزع منهم ، والاحتيال في الفرار منهم؟ كما يظهر بطلان القول بألوهية المسيح مما ثبت بالتواتر من أن عيسى عليه‌السلام كان عظيم الرغبة في العبادة والطاعة لله تعالى ، ولو كان إلها لاستحال ذلك ، لأن الإله لا يعبد نفسه ، ثم لو كان المسيح حقا إلها ، وقد قتله اليهود وصلبوه ، فهذا يعني أن اليهود قتلوا إله العالم ، فكيف بقي العالم بعد ذلك من غير إله ، ثم إن اليهود إنما هم أشد الناس ذلا ودناءة ، ومن ثم فإن الإله الذي تقتله اليهود إنما هو إله فى غاية العجز (١).

هذا ويسجل القرآن الكريم أن دعوة المسيح عيسى بن مريم رسول الله ، إنما كانت إلى التوحيد الكامل يقول تعالى : (وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) (٢) وقال تعالى : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ، إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ ، فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٣).

__________________

ـ شبقتني ، أي إلهي إلهي لما ذا تركتني ، فقوم من الواقفين هناك لما سمعوا قالوا إنه ينادي إيليا ، وللوقت ركض واحد منهم وأخذ اسفنجة وملأها خلا ، وجعلها على قصبة وسقاه ، وأما الباقون فقالوا : اترك لنرى هل يأتي إيليا يخلصه ، فصرخ يسوع أيضا بصوت عظيم وأسلم الروح».

(١) تفسير الفخر الرازي / ٧٨ ـ ٧٩.

(٢) سورة المائدة : آية ٧٢.

(٣) سورة المائدة : آية ١١٦ ـ ١١٧ ، وانظر : تفسير روح المعاني ٧ / ٦٤ ـ ٧٠ ، تفسير ابن كثير ٢ / ١٩٢ ـ ١٩٥ ، تفسير الفخر الرازي ١٢ / ١٣٣ ـ ١٣٧ ، تفسير النسفي ١ / ٣١٠ ـ ٣١١ ، تفسير البحر المحيط ٤ / ٥٨ ـ ٥٩.

٣٣٣

ويقول الألوسي (١) : استشكلت الآية بأنه لا يعلم أن أحدا من النصارى اتخذ مريم عليها‌السلام إلها ، وأجيب عنه بأجوبة ، الأول : أنهم لما جعلوا عيسى عليه الصلاة والسلام إلها ، ألزمهم أن يجعلوا والدته أيضا كذلك لأن الولد من جنس من يلده فذكر «إلهين» على طريق الإلزام لهم ، والثاني : أنهم لما عظموها تعظم الإله أطلق عليها اسم الإله (٢) ، كما أطلق اسم الرب على الأحبار والرهبان في قوله تعالى : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) ، كما أنهم عظموهم تعظيم الرب ، والثالث : أنه يحتمل أن يكون فيهم من قال بذلك (٣).

وأيا ما كان الأمر ، فإن النصوص القرآنية ستظل أبد الدهر ، بما تحمل من قول المسيح ، أو اعترافه ، إن جاز هذا التعبير ، بأنه بشر يتبرأ من دعوى الألوهية ، وينفي ما لصقه به المنحرفون والمخرفون من أتباعه وأشياعه ، وبأن علمه محدود ، وأجله محدود ، وأنه عبد الله ورسوله ، لا يبلغ إلا ما أمر الله مولاه أن يبلغه ، وكذا بما تحمل من دلائل على جوهر المسيحية ، الحقة ، ونقائها ، ستظل مسجلة على أهل التثليث غلوهم وكفرهم ، ولعلهم ، إن كانوا أتباع المسيح حقا ، أن يثوبوا إلى عقيدته الحقة (٤) ، وأن يؤمنوا بما بشر به ، سيدنا محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما أنزل عليه ، فقد جاء في الحديث الشريف قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ، يهودي أو نصراني ، ولا يؤمن بي إلا دخل النار» (٥).

ومن عجب أن أناجيل النصارى إنما تشير إلى غير ما يزعمون ، فهناك

__________________

(١) تفسير روح المعاني ٧ / ٦٥.

(٢) انظر : تفسير الفخر الرازي ١٢ / ١٣٤.

(٣) أنظر : ديتلف نلسن وآخرون : التاريخ العربي القديم ص ٢٤٢ ـ ٢٤٣.

(٤) محمود بن الشريف : المرجع السابق ص ١٩٢.

(٥) صحيح مسلم ١ / ٣٦٧ (القاهرة ١٩٧١).

٣٣٤

نصوص تشير إلى عبودية المسيح (١) لله تعالى وإلى رسالته (٢) وإلى وحدانية الله (٣) ، وإلى إنسانية المسيح وأمه ، وإلى أنه ابن الإنسان (تعني ابن مريم) وليس ابن الله كما يزعمون (٤).

ولعل سائلا يتساءل : من أين جاءت عقيدة التثليث هذه لديانة المسيح التوحيدية؟ والجواب أن ذلك إنما كان من تأثير الديانات الوثنية التي كانت شائعة وقت ذاك في الشرق الأدنى القديم ، وربما المصرية بصفة خاصة ، والتي شاعت فيها عقائد التثليث ، حتى كان لكل مدينة ثالوثها الخاص بها ، والمكون من الإله الأب ، والإله الأم ، والإله الابن ، فمثلا ثالوث طيبة (الأقصر الحالية) يتكون من الإله آمون (الأب) والإلهة موت (الأم) والإله خونسو (الابن) ، وفي مدينة منف (ميت رهينة بمركز البدرشين بمحافظة الجيزة) يتكون الثالوث من الإله «بتاح» (الأب) والإلهة سمخت (الأم) والإله نفرتوم (الابن) ، وفي اليفانتين (جزيرة أسوان) يتكون الثالوث من الإله خنوم وعنقت وساتت ، هذا فضلا عن ثالوث أوزير المشهور ، حيث يمثل أوزير الإله الأب ، وتمثل إيزة الإلهة الأم ، ويمثل حور الإله الابن (٥).

__________________

(١) يوحنا ٢٠ / ١٧.

(٢) يوحنا ١٤ / ٢٤.

(٣) متى ٢٣ / ٩ ، ٢٢ ، مرقس ١٢ / ٢٨ ـ ٣٣ ، حيث يقول : «فجاء واحد من الكتبة وسمعهم يتحاورون ، فلما رأى أنه أجابهم حسنا سأله أية وصية هي أول الكل ، فأجابه يسوع : إن أول كل الوصايا هي اسمع يا إسرائيل : الرب إلهنا رب واحد ، وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك ، هذه هي الوصية الأولى ، وثانية مثلها : هي تحب قريبك كنفسك ، ليس وصية أخرى أعظم من هاتين ، فقال له الكاتب جيدا يا معلم ، بالحق قلت لأنه الله واحد ، وليس آخر سواه ، ومحبته من كل القلب ومن كل الفهم ومن كل النفس ، ومن كل القدرة ، ومحبة القريب كالنفس هي أفضل من جميع المحرقات والذبائح».

(٤) متى ١ / ١ ـ ١٧ ، ٨ / ٢٠ ، ١٣ / ٣٧ ، ٢٦ / ٦٤ ، يوحنا ١ / ٥١ ، ١٧ / ٣.

(٥) أنظر : محمد بيومي مهران : الحضارة المصرية القديمة ـ الاسكندرية ١٩٨٤ ص ٢٤٣ ـ ٣٦١.

٣٣٥

والأمر كذلك بالنسبة إلى بلاد الرافدين (العراق القديم) وسورية وفينيقيا ، فضلا عن بلاد العرب ، حيث نرى اللات والعزى ومناة الثالثة في الشمال ، وحيث سادت في الجنوب عبادة ثالوث من الكواكب هي القمر والشمس والزهرة ، ويمثل القمر في هذا الثالوث دور الأب ، وتمثل الشمس دور الأم ، بينما كانت الزهرة تمثل دور الابن ، ولم يكن بنو إسرائيل بعيدين عن عقيدة التثليث هذه ، فقد وجد عندهم ثالوث (يهوه وبعل وعشتارت) ، وقد كان هذا الثالوث يقدس عند العبرانيين في عصر الملوك بين جميع أفراد الشعب (١) ، وإن كانت عبادة «بعل» على أيام الملك الإسرائيلي «أخاب» (٨٦٩ ـ ٨٥٠ ق. م) معاصر النبي «إيليا» ، وهو إلياس عليه‌السلام فيما نرجح (٢) ، أوضح من غيرها (٣) ، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في سورة الصافات (٤) ، ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أننا نجد عند بني إسرائيل تلك الظاهرة العربية ، أعني أن الشمس كان ينظر إليها كإلهة أم ومؤنثة ، كما في زواج «يهوه» رب يهود الشمس ، وفي جميع الحالات ترد الشمس كإلهة مؤنثة ، بينما ترد الزهرة (عشثر) مذكرة (٥) ، وكان العربانيون يعظمون بعلا كثيرا ، حتى حمل كثير منهم اسم «بعل» كجزء من أسمائهم مثل «إيشبعل» و «مريبعل» و «يربعل» و «بعلزكار» و «بعلاة» (٦) ، كما تقبلوا «كيموش» كإله للقوم ، وكذا «بلزيوب» إله عقرون ، وملكوم إله عمون وغيرهم (٧) ، ورغم

__________________

(١) ديتلف نالسن : المرجع السابق ص ٢٣٦.

(٢) أنظر : محمد بيومي مهران : إسرائيل ٢ / ٩١٠ ـ ٩١٦.

(٣) ملوك أول ١٦ / ٣٠ ـ ٣٤.

(٤) سورة الصافات : آية ١٢٢ ـ ١٢٨.

(٥) ديتلف نلسن : المرجع السابق ص ٢٣٦ ، محمد بيومي مهران : إسرائيل ٤ / ٢١ ـ ٢٢.

(٦) أخبار أيام أول ٨ / ٣٣ ـ ٣٤ ، ٩ / ٣٩ ـ ٤٠ ، أخبار أيام ثان ١٤ / ٧ ، ٢٧ / ٢٨ ، قضاة ٦ / ٣٢ ، ٧ / ١ ، ٨ / ٩ ، ٩ / ١ ، محمد بيومي مهران : إسرائيل ٤ / ٢٤ ـ ٢٥ ، ٣٢ ـ ٣٣ ، وكذا.D G.Lyon ,HTR , ١٤٣ ـ ١٣٦.p ، ١٩١١.

(٧) قضاة ١١ / ٢٤ ، محمد بيومي مهران : إسرائيل ٤ / ٢٥.

٣٣٦

أن البعض حاول أن يفسر ذلك على أنه نوع من النزعة الانفصالية التي كانت تتملك نفوس القوم من الناحيتين السياسية والاقتصادية والتي أدت إلى ما يمكن أن يسمى استقلالا دينيا (١) ، إلا أن ذلك لن يغير من الحقيقة شيئا ، وهو أنه شرك محض ، وانطلاقا من هذا ، وكما يقول أنجنل ، فإن الوحدانية التي كان يدركها الإسرائيليون في ذلك الزمن إنما كانت وحدانية تغليب لرب من الأرباب على سائر الأرباب (٢).

وهكذا لم يمض القرن الأول الميلادي حتى كانت ديانة المسيح ، وهي ديانة توحيدية في أصلها وجوهرها ، لا تختلف كثيرا عن ديانات الشرق القديم الوثنية ، بل إنها لم تعد ديانة توحيدية ، وإنما غدت ديانة متعددة الآلهة ، فالمسيح وأمه كانا يقدسان فيها ككائنين إلهيين ، ونافست الديانات المنتشرة وقت ذاك في عقيدة التثليث (٣).

٣ ـ يزعم الفريق الثالث من النصارى أن المسيح إنما هو ابن الله ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ ، وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ، ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ، قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٤) ، ويقول تعالى : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ، لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (٥) ، وإذا كان النصارى يعجبون من أمر عيسى لأنه ولد بدون أب ، فأمر آدم عليه‌السلام أعجب ، لأنه خلق بدون أب وبدون أم ، فالذي خلق آدم من تراب وقال له كن فيكون ، هو

__________________

(١) ول ديورانت : قصة الحضارة ـ الجزء الثاني من المجلد الأول ـ ترجمة محمد بدران ـ القاهرة ١٩٦١ ص ٢٤٣.

(٢) عباس محمود العقاد : إبراهيم أبو الأنبياء دار الهلال ـ ص ١٢٢.

(٣) ديتلف نلسن : المرجع السابق ص ٢٤٢ ـ ٢٤٣.

(٤) سورة التوبة : آية ٣٠.

(٥) سورة النساء : آية ١٧١.

٣٣٧

الذي خلق عيسى من غير أب ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ، الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ، فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) (١) ، وقد أجمع المفسرون أن آية آل عمران (٥٩) نزلت عند حضور وفد نجران على سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان من جملة شبههم أن قالوا : يا محمد ، لما سلمت أنه (أي عيسى) لا أب له من البشر ، وجب أن يكون أبوه هو الله تعالى ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن آدم ما كان له أب ولا أم ، ولم يلزم أن يكون ابنا لله تعالى ، فكذا القول في عيسى عليه‌السلام ، وأيضا إذا جاز أن يخلق الله تعالى آدم من التراب ، فلم لا يجوز أن يخلق عيسى من دم مريم ، بل هذا أقرب إلى العقل ، فإن تولد الحيوان من الدم الذي يجتمع في رحم الأم ، أقرب من تولده من التراب اليابس (٢).

وأخرج في الدلائل بسنده عن ابن عباس : أن وفد نجران من النصارى قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم ، منهم السيد ، وهو الكبير ، والعاقب ، وهو الذي يكون بعده وصاحب رأيهم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسلما ، قالا أسلمنا قال ما أسلمتما ، قالا بلى قد أسلمنا قبلك ، قال كذبتما ، يمنعكما من الإسلام ثلاث فيكما : عبادتكما الصليب ، وأكلكما الخنزير ، وزعمكما أن لله ولدا ، ونزل «إن مثل عيسى» الآية ، فلما قرأها عليهم قالوا : ما نعرف ما تقول ، ونزل «فمن حاجك» الآية ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن الله تعالى قد أمرني ، إن لم تقبلوا هذا ، أن أباهلكم ، فقالوا يا أبا

__________________

(١) سورة آل عمران : آية ٥٩ ـ ٦١ ، وانظر : تفسير الفخر الرازي ٨ / ٧٤ ، تفسير النسفي ١ / ١٦٠ ـ ١٦٢ ، تفسير روح المعاني ٣ / ١٨٦ ـ ١٩٣ ، تفسير الطبري ٣ / ٢٩٥ ـ ٢٩٨ ، تفسير ابن كثير ١ / ٥٥٠ ـ ٥٥٥ ، في ظلال القرآن ١ / ٤٠٤ ـ ٤٠٦ ، تفسير المنار.

(٢) صفوة التفاسير ١ / ٢٠٦ ـ ٢٠٧.

٣٣٨

القاسم بل نرجع فننظر في أمرنا ثم نأتيك ، فخلا بعضهم ببعض وتصادقوا فيما بينهم ، قال السيد للعاقب : قد والله علمتم أن الرجل نبي مرسل ، ولئن لاعنتموه أنه لاستئصالكم ، وما لاعن قوم نبيّا قط ، فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، فإن أنتم لم تتبعوه وأبيتم ، إلا إلف دينكم ، فوادعوه وارجعوا إلى بلادكم ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج ومعه علي والحسن والحسين وفاطمة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن أنا دعوت فأمنوا أنتم ، فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه على الجزية» ، وروي أن أسقف نجران لما رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقبلا ، ومعه علي والحسنان وفاطمة ، رضي‌الله‌عنهم ، قال : يا معشر النصارى ، إني لأرى وجوها ، لو سألوا الله تعالى أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله ، فلا تباهلوا وتهلكوا» ، وفي التفسير الكبير أن سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج وعليه مرط من شعر أسود ، وكان قد احتضن الحسين ، وأخذ بيد الحسن ، وفاطمة تمشي خلفه ، وعلي رضي‌الله‌عنه ، خلفها ، وهو يقول : «إذا دعوت فأمنوا ، قال أسقف نجران : يا معشر النصارى : إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها ، فلا تباهلوا فتهلكوا ، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة» (١).

ولا ريب أن هذه القصة أوضح دليل على نبوته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال أبو حيان في البحر : وفي ترك النصارى الملاعنة لعلمهم بصدقه شاهد عظيم على صحة نبوته صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) ، كما أن في دلالتها على فضل آل الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أي أهل البيت ، مما لا يمتري فيها مؤمن (٣) ، كما تدل على أن الحسن والحسين عليهما‌السلام كانا ابني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعد أن يدعو أبناءه ، فدعا الحسن والحسين ، فوجب أن يكونوا أبنية ، ومما يؤكد هذا قوله تعالى في سورة

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ٨ / ٨٠ ، تفسير روح المعاني ٣ / ١٨٨ ـ ١٨٩.

(٢) تفسير البحر المحيط ٢ / ٤٨٠.

(٣) تفسير روح المعاني ٣ / ١٨٩.

٣٣٩

الأنعام : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ ...) إلى قوله (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى) ، ومعلوم أن عيسى عليه‌السلام إنما انتسب إلى إبراهيم عليه‌السلام بالأم ، لا بالأب ، فثبت أن ابن البنت قد يسمى ولدا ، وكذا ما روى أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما خرج في المرط الأسود ، فجاء الحسن رضي‌الله‌عنه ، فأدخله ، ثم جاء الحسين رضي‌الله‌عنه ، فأدخله ، ثم فاطمة ثم علي رضي‌الله‌عنهما ، ثم قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، واعلم أن هذه الرواية كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير والحديث (١).

هذا وقد استدل الشيعة بقصة المباهلة هذه على أولوية الإمام علي كرم الله وجهه بالخلافة ، بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بناء على رواية مجىء علي كرم الله تعالى وجهه ، مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ووجه أن المراد حينئذ بأبنائنا الحسن والحسين وبنسائنا فاطمة ، وبأنفسنا الأمير ، وإذا صار نفس الرسول ، وظاهران المعنى الحقيقي مستحيل ، تعني أن يكون المراد المساواة ، ومن كان مساويا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهو أفضل وأولى بالتصرف من غيره ، ولا معنى للخلافة إلا ذلك (٢) ، وهكذا كان سائر الشيعة قديما وحديثا يستدلون بهذه الآية (آل عمران آية ٦١) على أن عليا رضي‌الله‌عنه ، مثل نفس محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلا فيما خصه الله بالنبوة ، وكان نفس محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل من الصحابة رضوان الله عليهم ، فوجب أن يكون نفس علي أفضل أيضا من سائر الصحابة (٣).

(٢) دعوى الصلب : ـ

تمثل عقيدة الصلب عند النصارى (٤) موضوع الخلاف الثاني بينهم

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ٨ / ٨٠.

(٢) تفسير روح المعاني ٣ / ١٨٩.

(٣) تفسير الفخر الرازي ٨ / ٨١.

(٤) أنظر القصة بالتفصيل (إنجيل متى ٢٦ / ١ ـ ٢٨ / ٢٠ ، إنجيل مرقس ١٤ / ١ ـ ١٦ / ٢٠ ، إنجيل لوقا ٢٢ / ١ ـ ٢٤ / ٥٣ ، إنجيل يوحنا ١٨ / ١ ـ ٢١ / ٢٥).

٣٤٠