دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم - ج ٣

دكتور محمد بيومي مهران

دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم - ج ٣

المؤلف:

دكتور محمد بيومي مهران


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٦٠

غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ») (١) ، وقال تعالى : (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ) (٢) ، وقال تعالى : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ) (٣) ، وهكذا كان من معجزات سليمان عليه‌السلام تسخير الريح عاصفة قوية لتحمله وتحمل جنوده وما معهم من الأثقال ، وتقوم بأداء ما يريده منها مما سخر الله له فيه ، وهي تجري بأمره إلى الأرض التي بارك الله فيها ، معجزة قاهرة أكرمه الله بها ، وأجراها على يديه إظهارا لنبوته وتأييدا لرسالته (٤) ، ويقول الفخر الرازي : المسخر لسليمان كانت ريحا مخصوصة ، لا هذه الرياح ، فإنها المنافع عامة في أوقات الحاجات ويدل عليه أنه لم يقرأ إلا على التوحيد ، فما قرأ أحد الرياح (٥) ، ويقول الأستاذ الشهيد سيد قطب ، طيب الله ثراه ، وتخير الرياح لسليمان تتكاثر حوله الروايات (٦) ، وتبدو ظلال الإسرائيليات واضحة في تلك الروايات ، وإن تكن كتب اليهود الأصلية لم تذكر شيئا عنها ، والتحرج من الخوض في تلك الروايات أولى ، والاكتفاء بالنص القرآني أسلم ، مع الوقوف عند ظاهر النص لا تتعداه ، ومنه يستفاد أن الله سخر الريح لسليمان ، وجعل غدوها ، أي توجهها غادية إلى بقعة معينة (هي الأرض المقدسة في آية الأنبياء ٨١) يستغرق شهرا ، ورواحها ، أي انعكاس اتجاهها في الرواح يستغرق شهرا كذلك ، وفق مصلحة تحصل من غدوها ورواحها ، يدركها سليمان عليه‌السلام ، ويحققها بأمر الله ، ولا نملك أن

__________________

(١) سورة سبأ : آية ١٢.

(٢) سورة ص : آية ٣٦.

(٣) سورة الأنبياء : آية ٨١.

(٤) عويد المطرفي : المرجع السابق ص ٧٧ ـ ٧٨.

(٥) انظر : تفسير الطبري ١٧ / ٥٥ ـ ٥٦ ، ٢٢ / ٦٨ ـ ٦٩. ٢٣ / ١٦٠ ، تفسير النسفي ٣ / ٣٢٠ تفسير ابن كثير ٣ / ٣٠٠ ، ٨٤٠.

١٠١

نزيد هذا إيضاحا حتى لا ندخل في أساطير لا ضابط لها ولا تحقيق (١).

ومنها (رابعا) أن الله تعالى سخر لسليمان طائفة من الجن ومردة الشياطين يعملون له الأعمال التي يعجز عنها البشر ، كبناء الصروح الضخمة والقصور العالية والقدور الراسيات ، والجفان التي تشبه الأحواض ، كما قال تعالى : (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ، وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ ، يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ ، اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (٢) ، هذا والمحاريب ، كما هو معروف ، من أماكن العبادة ، والتماثيل الصور من نحاس وخشب وغيره ، والجواب جمع جابية وهي الحوض الكبير الذي يجبى فيه الماء ، وقد كانت الجن يصنعون لسليمان جفانا كبيرة للطعام تشبه الجوابي ، قيل كان يجتمع على جفنة واحدة ألف نفس ، كما كانت تصنع له قدروا ضخمة للطبخ راسية لضخامتها ، لا تنقل لكبرها ، وإنما يغرف منها في تلك الجفان ، وهذه كلها نماذج مما سخر الله الجن لسليمان لتقوم له به حيث شاء بإذن الله ، وكلها أمور خارقة لا سبيل إلى تصورها أو تعليلها ، إلا بأنها خارقة من صنع الله ، وهذا هو تفسيرها الواضح الوحيد (٣). وقال تعالى : (وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) ، وهذا العمل فيه احتمال قوي أن يكون من قبيل المعجزات ، بل هو معجزة ، ذلك لأن التحكم في جماعات الشياطين واستخدامهم في الغوص ، وعمل الأعمال التي دون الغوص ، وحفظ الله تعالى لهم ، ليكونوا تحت أمره عليه‌السلام خاصة ، إنما هو أمر ظاهر في الإعجاز (٤).

__________________

(١) في ظلال القرآن ٥ / ٢٨٩٨.

(٢) سورة سبأ : آية ١٢ ـ ١٣.

(٣) في ظلال القرآن ٥ / ٢٨٩٩. وانظر : تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٢٤٨.

(٤) عويد المطرفي : المرجع السابق ص ٧٨.

١٠٢

ومنها (خامسا) أن الله تعالى جعل لسليمان عليه‌السلام سلطة على طائفة من الجن (١) ، يسخر من يشاء منهم في الأعمال الشاقة ، ويقيد من يشاء في الأغلال ليكف شرهم عن الناس ، كما قال تعالى : (وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ، وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) ، ولم يكن هذا التسخير لأحد من الأنبياء غير سليمان عليه‌السلام ، وذلك غاية العظمة ونهاية الملك والسلطان لملوك الدنيا ، فلم ينل أحد من الملوك ما ناله سليمان عليه‌السلام ، نبي الله ورسوله ، روي البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن عفريتا من الجن تفلت على البارحة ليقطع على صلاتي ، فأمكنني الله منه فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم ، فذكرت دعوة أخي سليمان «رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد بعدي» فرددته خاسئا» (٢) ، ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه كان في مكنة سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يربط العفريت ، كما هو واضح من لفظ الحديث الشريف ، وكما في حديث أبي الدرداء عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ثم أردت أن آخذه ، والله لو لا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به صبيان أهل المدينة» (٣) ، وكما في حديث أبي سعيد الخدري عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لو

__________________

(١) يقول الإمام الفخر الرازي في تفسير قوله : «فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين» أن الآية (سبأ : آية ١٤) تبين أن الجن لا يعلمون الغيب ، إذ لو كانوا يعلمونه لما بقوا في الأعمال الشاقة ظانين أن سليمان حيّ ، وقوله : «ما لبثوا في العذاب المهين» دليل على أن المؤمنين من الجن لم يكونوا في التسخير ، لأن المؤمن لا يكون في زمان النبي في العذاب المهين (تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٢٥٠).

(٢) انظر : صحيح البخاري ٤ / ١٩٧ ، صحيح مسلم ١ / ٣٨٤ ، وانظر رواية أخرى للحديث الشريف عن أبي الدرداء (صحيح مسلم ٢ / ٧٢ ، سنن النسائي ٣ / ١٣) وثالثة للإمام أحمد في المسند (٣ / ٨٣) عن أبي سعيد الخدري (انظر تفسير ابن كثير ٤ / ٥٦ ـ ٥٧ (ط بيروت ١٩٨٦).

(٣) صحيح مسلم ٢ / ٧٢.

١٠٣

رأيتموني وإبليس فأوهيت بيدي فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين اصبعي هاتين ـ الإبهام والتي تليها ـ ولو لا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطا بسارية من سواري المسجد يتلاعب به صبيان المدينة» (١) ، ولكن سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبى أن يفعل ذلك تحقيقا لدعوة أخيه سليمان عليه‌السلام (٢).

ومنها (سادسا) أسال الله لسليمان عين القطر ، قال تعالى : (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) (٣) ، وهذه من خصوصيات سليمان كما كانت إلانة الحديد من خصوصيات أبيه داود ، فهو إذن من المحتمل للإعجاز ، وقد يكون ذلك بأن فجر الله له عينا بركانية من النحاس المذاب من الأرض ، أو هو من قبيل العلم الذي آتاه الله تعالى عبده سليمان ، وهذا ما نميل إليه ونرجحه ، وذلك بأن ألهمه الله تعالى إذابة النحاس حتى يسيل ، ويصبح قابلا للصب والطرق ، وهذا فضل من الله كبير (٤).

هذا وقد أثبتت الحفريات الأثرية ، كما سنوضح بالتفصيل في مكانة من هذه الدراسة ، أن مدينة «عصيون جابر» ، إنما كانت ميناء ومركزا صناعيا في دولة سليمان ، وقد اكتشفها بعثة أمريكية برياسة «نلسون جلوك» في موقع «تل الخليفة» على مبعدة ٥٠٠ مترا من ساحل البحر ، على الطرق الشمالي من خليج العقبة ، على مقربة من ميناء «إيلات» الحالي (٥) ، وعلى أية حال ، فإنه لم يعثر حتى الآن في

__________________

(١) مسند الإمام أحمد ٣ / ٨٣.

(٢) عويد المطرفي : المرجع السابق ص ١١٦.

(٣) سورة سبأ : آية ١٢ ، والقطر هو النحاس ، وإسالته إذابته حتى يكون كالماء ليستطاع صبه في قوالب خاصة تنشأ فيها الصناعات التي يريدها سليمان من آلات الحرب وغيرها ، للنحاس خاصية في هذا يدل على أنه أقوى من الحديد ، بدليل قوله تعالى : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) ، إذ لو لم يكن القطر أقوى من الحديد ، لما احتاج إلى تقوية الحديد وإمساكه بإفراغ القطر عليه (عويد المطرقي : المرجع السابق ص ٨١).

(٤) في ظلال القرآن ٥ / ٢٨٩٨ ، عويد المطرفي : المرجع السابق ص ٨١.

(٥) محمد بيومي مهران : إسرائيل ٢ / ٧٩٢ ـ ٧٩٤ ، وكذاJ.Hornell ,Antiquity , ٦٦.p ، ١٩٤٧ ، ٢١ ـ

١٠٤

أي مكان آخر في العالم القديم ، على ما يضاهي معامل تنقية النحاس في عصيون جابر ولعل أفضل هذه المعامل من جهة الإعداد والبناء ما وجد في الطبقة (ط) التي تحوي مخلفات أقدم للفترات الخمسة الرئيسية لعمران هذا الموقع (١).

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن هناك بعضا من آي الذكر الحكيم التي تتصل بسيدنا سليمان عليه‌السلام ، قد أسرف المفسرون على أنفسهم وعلى الناس في تفسيرها ، فيها قوله تعالى : (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ، إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ ، فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ، رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) (٢) ، وفي قصة الخيل هذه أو الصافات الجياد ، وهي الخيل الكريمة ، روايتان ، تقول الأولى : إن سليمان عليه‌السلام ، استعرض خيلا له بالعشى ، ففاتته صلاة كان يصليها قبل الغروب ، فقال ردوها علي فجعل يضرب أعناقها وسيقانها جزاء ما شغلته عن ذكر ربه ، ورواية أخرى إنما جعل يمسح سوقها وأعناقها إكراما لها لأنها كانت خيلا في سبيل الله ، وكلا الروايتين ، فيما يرى صاحب الظلال ، لا دليل عليها ويصعب الجزم بشيء عنها ، وفي تفسير ابن كثير وغيره أن هذه الخيل التي شغلت سليمان عليه‌السلام كانت عشرين ألف فرس فعقروها (٣).

__________________

وكذا N. Glueck, The Other Side of the Jorden, New Haven, ١١٣ ـ ٥٠.p ، ١٩٤٠K.M. وكذاKenyon ,Archaeology in the holy Land ,London , ٢٥٧.p ، ١٩٧٠W.F.Alliright ,the وكذاArchaeology of Palestine ,N.Y , ١٢٨ ـ ١٢٧ ، ٤٤.p ، ١٩٦٣.

(١) وليم أولبرايت : آثار فلسطين ـ القاهرة ١٩٧١ ص ١٢٨ (مترجم) وكذا.W.Keller ,op ـ cit ,p. ١٩٩ ـ ١٩٨.

(٢) سورة ص : آية ٣٠ ـ ٣٣.

(٣) في ظلال القرآن ٥ / ٣٠٢٠ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٥١ ـ ٥٢ ، تفسير الطبري ٢٣ / ١٥٣ ـ ١٥٦ ، تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ٢٠٣ ـ ٢٠٦ ، تفسير النسفي ٤ / ٤٠ ـ ٤١.

١٠٥

هذا وقد ذكر غير واحد من السلف والمفسرين أن سليمان اشتغل بعرض الصافنات الجياد حتى فات وقت صلاة العصر ، والذي يقطع به أنه لم يتركها عمدا ، بل نسيانا ، كما اشتغل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر ، حتى صلاها بعد الغروب ، ويحتمل أنه كان سائغا في ملتهم تأخير الصلاة لعذر الغزو والقتال ، والأول أقرب ، لأنه قال بعدها «ردوها على فطفق مسحا بالسوق والأعناق» ، قال الحسن البصري : لا ، قال : والله لا تشغليني عن عبادة ربي آخر ما عليك ، ثم أمر بها فعقرت ، وكذا قال قتادة ، وقال السّدى : ضرب أعناقها وعراقيبها بالسيوف ، ولهذا عوّضه الله عزوجل ما هو خير منها ، وهي الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب ، غدوها شهر ورواحها شهر ، فهذا أسرع وخير من الخيل (١).

وهكذا يوصم سليمان عليه‌السلام بأنه تلهى عن ذكر الله ، ويوصم كذلك بأنه قتل الخيول البريئة المعدة للجهاد ، دون سبب أو مسوغ معقول (٢) ، ومن ثم فقد رد حذاق العلماء هذا القول بأنه عقوبة لما لا يستحق العقوبة ، وبأنه إفساد للمال في غير منفعة المسلمين ، ويقول الفخر الرازي أن هذا بعيد (أي عقر سليمان للخيل) ويدل عليه وجوه (الأول) أنه لو كان مسح السوق والأعناق قطعها لكان معنى قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) قطعها ، وهذا مما لا يقوله عاقل ، بل لو قيل مسح رأسه بالسيف فربما فهم منه ضرب العنق ، أما إذا لم يذكر لقط السيف لم يفهم البتة من المسح العقر والذبح ، و (الثاني) القائلون بهذا القول جمعوا على سليمان عليه‌السلام أنواعا من الأفعال المذمومة ، فأولها : ترك الصلاة ، وثانيها : أنه بعد الإتيان بهذا الذنب العظيم لم يشتغل بالتوبة والإنابة البتة ، ورابعها : أنه خاطب رب العالمين بقوله : «ردوها علي» وهذه الكلمة لا يذكرها الرجل

__________________

(١) تفسير ابن كثير ٤ / ٥١ ـ ٥٢ (ط بيروت ١٩٨٦).

(٢) محمد الطيب النجار : المرجع السابق ص ٤٠.

١٠٦

الحصيف إلا مع الخادم الخسيس ، وخامسها : أنه تبع هذه المعاصي بعقر الخيل في سوقها وأعناقها ، وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه : «نهى عن ذبح الحيوان إلا لمأكلة» ، فهذه أنواع من الكبائر نسبوها إلى سليمان عليه‌السلام ، مع أن لفظ القرآن لم يدل على شيء منها (١).

على أن هناك اتجاها آخر في القصة ، فلقد روي الطبري عن ابن عباس ، كما روي القرطبي عنه وعن قتادة والحسن والزهري وابن كيسان أن المراد بمسح سوق الخيل وأعناقها في هذه الآية الكريمة هو مسح حبالها وكشفا للغبار عنها ، وقال الإمام الطبري في التفسير : وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس (أي جعله يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبالها) أشبه بتأويل الآية ، لأن نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن إن شاء الله ليعذب حيوانا بالعرقبة ، ويهلك مالا من ماله بغير سبب ، سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها ، ولا ذنب لها باشتغاله بالنظر إليها (٢) ، ومن ثم يذهب الفخر الرازي إلى أن الصواب أن نقول إن رباط الخيل كان مندوبا إليه في دينهم ، كما أنه كذلك في دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم إن سليمان عليه‌السلام احتاج إلى الغز وفجلس وأمر بإحضار الخيل وبإجرائها ، وذكر أني لا أحبها لأجل الدنيا ونصيب النفس ، وإنما أحبها لأمر الله وطلب تقوية دينه ، وهو المراد في قوله : «عن ذكر ربي» ، ثم إنه بإعدائها وتسييرها حتى توارت بالحجاب ، أي غابت عن بصره ، ثم أمر الرائضين بأن يردوا تلك الخيل إليه ، فلما عادت إليه طفق

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦.

(٢) تفسير الطبري ٢٣ / ١٥٦ ، ثم قارن تفسير ابن كثير ٤ / ٥٢ ، حيث يقول : وهذا الذي رجح به ابن جرير فيه نظر ، لأنه قد يكون في شرعهم جواز مثل هذا ، ولا سيما إذا كان غضبا لله تعالى بسبب أنه اشتغل بها حتى خرج وقت الصلاة ، ولهذا لما خرج عنها الله تعالى عوضه الله عزوجل ما هو خير منها وهو الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب ، غدوها شهر ورواحها شهر ، فهذا أسرع وخير من الخيل.

١٠٧

يمسح سوقها وأعناقها ، والغرض من ذلك المسح أمور ، الأول : تشريفا لها وإبانة لعزتها لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدو ، والثاني : أنه أراد أن يظهر أنه في ضبط السياسة والملك يتضح إلى حيث يباشر أكثر الأمور بنفسه ، والثالث : أنه كان أعلم بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها ، فكان يمتحنها ويمسح سوقها وأعناقها ، حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض ، فهذا التفسير الذي ذكرنا ، ينطبق عليه لفظ القرآن انطباقا مطابقا موافقا ، ولا يلزمنا نسبة شيء من تلك المنكرات والمحذورات (١).

هذا فضلا عن أن حب الخيل من سنن الأنبياء والمرسلين ، صلوات الله وسلامة عليهم أجمعين ، روي النسائي وأبو داود وأحمد عن أبي وهب الجشمي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ارتبطوا الخيل وامسحوا بنواصيها وأكفالها» (٢) ، وروي البخاري ومسلم وأصحاب السنن ومالك وأحمد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» (٣) ، وروي الطحاوي في مشكل الآثار بسنده عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ، وأهلها معانون عليها ، وامسحوا نواصيها وادعوا لها بالبركة» (٤) ، هذا إلى أن ارتباط الخيل كما أنه في القرآن ممدوح ، فكذلك في التوراة ممدوح (٥) ، وقد روت التوراة أن سليمان عليه‌السلام كان شغوفا بالخيل (٦) ، وأنه كان يقول :

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ٢٠٦.

(٢) سنن النسائي ٦ / ٢١٨ ، سنن أبي داود ٣ / ٢٤ ، مسند الإمام أحمد ٦ / ٢٨٢.

(٣) صحيح البخاري ٤ / ٣٤ ، صحيح مسلم ٣ / ٤٩٣ ، سنن الدارمي ٢ / ٢١٢ ، سنن ابن ماجة ٢ / ٤٧ ، سنن أبي داود ٣ / ٢٢ ، سنن الترمذي ٤ / ٢٠٢ ، سنن النسائي ٦ / ٢١٥ ، موطأ مالك ص ٢٧٩ ، مسند الإمام أحمد ٦ / ٢٨٢.

(٤) مشكل الآثار ١ / ١٣٢ (حيدرآباد ١٣٣٣ ه‍).

(٥) تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ٢٠٤.

(٦) ملوك أول ١٠ / ٢٦ ـ ٢٩ ، أخبار أيام ثان ١ / ١٤ ـ ١٧.

١٠٨

«الفرس معدة ليوم الحرب» ، وإن «كانت النصرة من الرب» (١) ، هذا وقد أثبتت الحفريات الأثرية أن سليمان عليه‌السلام قد أقام حظائر للخيل في أماكن متعددة من مملكته ، وقد ألقت بعثات الحفائر الأمريكية في مدينة «مجدو» القديمة ، الضوء على هذه الحظائر ، فلقد عثر المكتشفون ، كما سنوضح ذلك في مكانة من هذه الدراسة ، هناك على بقايا إسطبلات الخيول ، والتي كانت دائما تنتظم حول فناء دائري مبلط ببلاط من الحجر الجيري ، ويخترق وسط كل إسطبل ممر عرضه عشرة أقدام ، وقد وصف بصخور خشنة ليحول دون انزلاق الخيل ، وقد وضعت على كل جانب ، وراء نتوءات الأحجار ، مرابط فسيحة عرض كل منها عشرة أقدام ، وما يزال الكثير من هذه الإسطبلات محتفظا بمعالف طعام الخيل ، كما لا تزال كذلك أجزاء من معدات السقي ظاهرة ، كما تدل فخامة الإسطبلات والعناية الشديدة التي بذلت بوفرة في المباني والخدمات على أن الخيل كانت مرغوبا فيها في تلك الأيام ، وعند ما تم الكشف عن المبنى بأكمله ، قدر بعض الباحثين لكل إسطبل ٤٥٠ حصانا ، ولكل حظيرة ١٥٠ عربة (٢) ، هذا وقد كشفت نظائر لإسطبلات محدد هذه في بيت شان وحاصور وتعنك والقدس (٣).

وهناك كذلك آية الفتنة والجسد الذي ألقى على كرسي سليمان ، يقول عز من قال : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ) (٤) ، فلقد

__________________

(١) سفر الأمثال ٢١ / ٣١.

(٢). ٥٩١ وكذاW.F.Alliright ,op ـ cit ,p. ١٢٤ وكذاC.Watzingen , : Denkmaler Palestinas ,I ,Leipzeg ,F ٨٧ ، F ٦٧.p ، ١٩٣٣.

(٣) مجدو : تل المتسلم ، على مبعدة ٢٠ ميلا جنوب شرق حيفا ، وحاصور : على مبعدة ٥ كيلا جنوب غرب بحيرة الحولة وتسمى الآن تل قدح ، وتعنك : على مبعدة ٨ كيلا جنوب شرق مجدو.

(٤) سورة ص : آية ٣٤.

١٠٩

روي بعض المفسرين والمحدثين عدة روايات عن فتنة سليمان ، وعن الجسد الذي ألقى على كرسيه ، كثير منها تقدح في النبوة ، وتتنافى مع العصمة التي أوجبها الله للأنبياء ، والتي عرفت من الدين بالضرورة إجماعا ، فضلا عن أنها تحط من مقام الاصطفاء الإلهي للنبوة والرسالة ، وكلها قصص وروايات باطلة وفاسدة عقلا ونقلا (١).

ولعل من أغرب وأنكر تلك الروايات ، ما رواه ابن أبي حاتم (٢) من أن سليمان عليه‌السلام ، أراد أن يدخل الخلاء ، فأعطى الجرادة خاتمة ، وكانت أحب نسائه إليه ، فجاءها الشيطان بصورة سليمان فقال لها : هاتي خاتمي ، فظنته سليمان ، فأعطته إياه ، فلما لبسه دانت له الإنس والجن والشياطين ، وزادت بعض الروايات أنه تسلط حتى على نسائه (٣) ، وذهبت رواية ثالثة إلى أن الفتنة إنما كانت بسبب أن امرأته جرادة كانت تبكي على أبيها الذي قتله سليمان ، فأمر سليمان الشيطان فمثل لها صورة أبيها فكستها مثل كسوته ، وكانت تذهب إلى تلك الصورة بكرة وعشيا مع جواريها يسجدن لها ، فأخبر آصف سليمان بذلك فكسر الصورة وعاقب المرأة (٤) ، ثم خرج

__________________

(١) عويد المطرفي : المرجع السابق ص ١١٦.

(٢) مختصر تفسير ابن كثير ٣ / ٢٠٣ (هامش / ٢).

(٣) تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ٢٠٨ ، الدر المنثورة ٥ / ٣١٢ ، تاريخ الطبري ١ / ٤٩٩ ، ثم قارن : تفسير الطبري (٢٣ / ١٥٨) حيث يقول وسلط الشيطان على ملك سليمان كله غير نسائه ، وفي تفسير ابن كثير (٤ / ٥٥) أن المشهور عن مجاهد وغير واحد من أئمة السلف أن ذلك الجني لم يسلط على نساء سليمان ، بل عصمهن الله عزوجل منه تشريفا وتكريما لنبيّه عليه‌السلام.

(٤) هذه الأسطورة لا ريب أنها منقولة عن توراة اليهود المتداولة اليوم ، والتي تزعم كذبا أن سليمان عليه‌السلام قد ضم إلى حريمه مئات سبعة من الزوجات ، ومئات ثلاث من السراري ، وأنه كان طوع أمرهن ، حتى إنه أقام رغبة في مرضاتهن هياكل صغيرة ، ودورا لعبادة الآلهة الوثنية ، تقول التوراة «وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى ، ولم يكن قلبه كاملا مع الرب كقلب أبيه داود ، فذهب سليمان وراء عشتاروت إلهة الصيدونيين وملكوم إله العمونيين ، وعمل سليمان الشرفي عيني الرب ، وبنى ـ

١١٠

وحده إلى فلاء ، وفرش الرماد فجلس عليه تائبا إلى الله ، ورواية رابعة تذهب إلى أن سليمان قال لبعض الشياطين كيف تفتنون الناس؟ فقال أرني خاتمك أخبرك ، فلما أعطاه إياه نبذه في البحر ، فذهب ملكه وقعد هذا الشيطان على كرسيه أربعين يوما ، عدد ما عبد الوثن في بيته ، ثم أعطاه أحد الصيادين سمكة فبقر بطنها ، فإذا هو بالخاتم فتختم به ، ووقع ساجدا لله ، ورجع إليه ملكه ، ثم أخذ ذلك الشيطان وأدخله في صخرة وألقاها في البحر (١).

هذا وقد أظهر حذاق العلماء ، كابن كثير وابن حزم وابن العربي والفخر الرازي والنسفي والزمخشري وأبي حيان وغيرهم (٢) زيف هذه الأساطير ، يقول الإمام الفخر الرازي في التفسير الكبير : واعلم أن أهل التحقيق استبعدوا هذا الكلام من وجوه (الأول) أن الشيطان لو قدر على أن يتشبه بالصورة والخلقة بالأنبياء ، فحينئذ لا يبقى اعتماد على شيء من

__________________

ـ مرتفعة لكموش رجس المؤابيين على الجبل الذي تجاه أورشليم ، ولو لك رجس بني عمون ، وهكذا فعل لجميع نسائه الغريبات اللواتي كن يوقدن ويذبحن لآلهتهن» ؛ وهكذا تصور توراة يهود ، النبي الكريم ، وهو يختم حياته ، وغضب الرب ، والعياذ بالله ، قد حلّ به ، لأن قلبه مال عن الرب ولم يحفظ وصاياه ، (انظر : سفر الملوك الأول ١١ / ١ ـ ١٣ ، محمد بيومي مهران. إسرائيل ٣ / ٢١٣ ـ ٢١٨) ، وانطلاقا من كل هذا ، فإن هذه الروايات التي ذكرها بعض المفسرين والمؤرخين ، شأنها شأن ما جاء بتوراة يهود ، إنما هي أكاذيب ضد النبي الكريم عليه‌السلام.

(١) انظر : تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ٢٠٧ ـ ٢٠٨ ، تفسير الطبري ٢٣ / ١٥٧ ـ ١٥٨ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٥٣ ـ ٥٥ ، تاريخ الطبري ١ / ٤٩٦ ـ ٤٩٧ ، الكامل لابن الأثير ١ / ١٣٣ ـ ١٣٥ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٥٩ ـ ٦٠.

(٢) انظر : تفسير ابن كثير ٤ / ٥٥ ، تفسير البحر المحيط ٧ / ٣٩٧ ، تفسير الكشاف ٣ / ٣٧٥ ، تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩ ، تفسير النسفي ٤ / ٤٢ ، ابن حزم : الفصل في الملل والأهواء والنحل ـ القاهرة ١٩٦٤ ـ الجزء الثالث ص ٢٠ ، ابن العربي : أحكام القرآن ٤ / ١٦٣٨ (فاس ١٣٧٦ ه‍) ، محمد محمد أبو شهبة : الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ـ القاهرة ١٣٩٣ ه‍ ص ٣٨٠.

١١١

الشرائع ، فلعل هؤلاء الذين رآهم الناس في صورة محمد وعيسى وموسى عليهم‌السلام ، ما كانوا أولئك بل كانوا شياطين تشبهوا بهم في الصورة لأجل الإغواء والإضلال ، ومعلوم أن ذلك يبطل الدين بالكلية ، و (الثاني) أن الشيطان لو قدر على أن يعامل نبي الله سليمان بمثل هذه المعاملة ، لوجب أن يقدر على مثلها مع جميع الأنبياء والزهاد ، وحينئذ وجب أن يقتلهم وأن يمزق تصانيفهم وأن يخرب ديارهم ، ولما بطل ذلك في حق آحاد العلماء فلأن يبطل مثله في حق أكابر الأنبياء أولى ، و (الثالث) كيف يليق بحكمة الله وإحسانه أن يسلط الشيطان على أزواج سليمان؟ ولا شك أنه قبيح ، و (الرابع) لو قلنا أن سليمان أذن لتلك المرأة في عبادة تلك الصورة فهذا كفر منه ، وإن لم يأذن فيه البتة فالذنب على تلك المرأة ، فكيف يؤاخذ الله سليمان بفعل لم يصدر عنه؟.

وأما الوجوه التي ذكرها أهل التحقيق في هذا الباب فأشياء الأول أن فتنة سليمان أنه ولد له ابن ، فقالت الشياطين إن عاش صار متسلطا علينا مثل أبيه فسبيلنا أن نقتله ، فعلم سليمان ذلك فكان يريبه في السحاب فبينما هو مشتغل في مهماته إذ ألقى ذلك الولد ميتا على كرسيه فتنبه على خطئه في أنه لم يتوكل فيه على الله ، فاستغفر ربه وأناب ، و (الثاني) روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «قال سليمان لأطوفن الليلة على سبعين امرأة كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ، ولم يقل إن شاء الله ، فطاف عليهن فلم تحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل فجيء به على كرسيه فوضع في حجره ، فو الذي نفسي بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا كلهم في سبيل الله فرسانا أجمعون» ، فذلك قوله تعالى : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ) ، و (الثالث) ولقد فتنا سليمان بسبب مرض شديد ألقاه الله عليه ، وألقينا على كرسيه منه جسدا وذلك لشدة المرض ، و (الرابع) لا يبعد أن يقال إنه ابتلاء الله تعالى بتسليط خوف وتوقع بلاء من بعض الجهات عليه ، وصار بسبب قوة ذلك الخوف كالجسد

١١٢

الضعيف الملقى على ذلك الكرسي ، ثم أزال الله عنه ذلك الخوف وأعاده إلى ما كان عليه من القوة وطيب القلب (١).

وأياما كان الأمر ، فإن العلماء المحققين إنما يذهبون إلى أن يكون بيان الفتنة في قول سليمان عليه‌السلام وهو ما يتصل أيضا بالخيل اتصالا قريبا ، فيما أخرجه البخاري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : قال سليمان بن داود عليهما‌السلام ، لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين (٢) كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ، فقال له صاحبه قل إن شاء الله ، فلم يقل إن شاء الله ، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل ، والذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون» (٣) ، والمراد بشق رجل ، تفسره رواية أخرى عند البخاري أيضا في كتاب الأنبياء بلفظ «إلا واحدا ساقطا أحد شقيه» أي مشلولا فاقدا لكثير من مظاهر الرجولة ، ولما رأى سليمان عليه‌السلام حرمانه مما تمنى من الولد للجهاد بهم في سبيل الله ، لأنه لم يقل إن شاء الله ، علم أنه ابتلى فأسرع إلى الإنابة إلى الله تعالى والرجوع إليه بالتوبة من عدم استثنائه في طلبه واستعانته بمشيئة الله تعالى ثم استغفر ربه ، متذللا خاشعا راجيا عفوه ومغفرته وفضله فقال : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩.

(٢) كانت زوجات سليمان يبلغن المائة أو أقل ، كما جاء في روايات الحديث المتعددة عند البخاري (صحيح البخاري ٤ / ٢٧ ، ١٩٧ ، ٧ / ٥٠ ، ٨ / ١٦٢ ، ١٨٢ ، ٩ / ١٦٩) ثم قارن ذلك برواية التوراة التي جعلتهن لفا «سبع مائة من النساء السيدات ، وثلاث مائة من السراري (ملوك أول ١١ / ١ ـ ٤) وكذا قارنه بما جاء في كتب المفسرين والمؤرخين التي وافقت رواية التوراة (تاريخ ابن خلدون ١ / ١١٣ ، الكامل لابن الأثير ١ / ١٢٩) وفي رواية اليعقوبي ١ / ٥٩) أنهن سبعمائة ، وفي تفسير الطبري (٢٣ / ١٦٢ ـ ١٦٣) عن ابن عباس قال : كان سليمان في ظهره ماء مائة رجل بان له ثلاث مائة امرأة ، وتسع مائة سرية».

(٣) صحيح البخاري ٤ / ٢٧ ، وانظر : تفسير القرطبي ص ٥٦٤٥ ـ ٥٦٤٦.

١١٣

بَعْدِي) (١) ليستعين بذلك الملك على الجهاد في سبيل الله ، ناشرا لدين الله ، مقيما لأحكام شرعه ، فيحقق به من النصر على أعدائه أكثر مما كان يؤمله فيما فاته من إنجاب مائة ولد.

__________________

(١) سورة ص : آية ٣٥ ، وانظر : تفسير القرطبي ص ٥٦٤٨ ـ ٥٦٤٩.

١١٤

الفصل الثّاني

بناء المسجد الأقصى

المسجد الأقصى أو بيت المقدس ، موطن العديد من الأنبياء والمرسلين ، ابتداء من أبيهم إبراهيم وحتى عيسى ابن مريم عليهم‌السلام ، وثاني مسجد وضع في الأرض بعد الكعبة البيت الحرام (١) وأولى القبلتين (٢) ، وثالث الحرمين الشريفين (٣) ، ومسرى النبي الأعظم سيدنا ومولانا محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وصدق الله العظيم حيث يقول : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) (٤) ، وليس هناك من شك في أن هذا الإسراء أو هذه الرحلة المباركة من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في القدس الشريف إنما هي رحلة مختارة من اللطيف الخبير ، تربط بين عقائد التوحيد الكبرى من لدن إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم رسول الله وخاتم النبيّين ،

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ / ١٧٧ ، صحيح مسلم ١ / ٣٧٠ ، ٢ / ١٥٣ ـ ١٥٤ ، مسند الإمام أحمد ٥ / ١٥٠ ، ١٦٧ ، تفسير القرطبي ص ١٣٧٩ ، تفسير المنار ٤ / ٦ ـ ٧.

(٢) انظر : سورة البقرة : آية ١٤٢ ـ ١٤٤ ، صحيح البخاري ٦ / ٢٥ ـ ٢٧ ، صحيح مسلم ٢ / ١٦٠ ـ ١٦٢ ، مسند الإمام أحمد ٥ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ، مجمع الزوائد للهيثمي ٢ / ١٣.

(٣) انظر : صحيح مسلم ١ / ٥٤١ (القاهرة ١٩٧١) ، الزركشي : إعلام الساجد بأحكام المساجد ص ٢٨٧.

(٤) سورة الإسراء : آية ، وانظر : تفسير القرطبي ص ٣٨١٩ ـ ٣٨٢٨ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٥ ـ ٤١ ، فتح الباري ٧ / ١٥٩ ـ ١٧٣ ، صحيح البخاري ٥ / ٦٦ ـ ٦٩ / ١٤٠.

١١٥

وتربط بين الأماكن المقدسة لديانات التوحيد جميعا ، وكأنما أريد بهذه الرحلة المباركة إعلان وراثة النبي الخاتم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمقدسات الرسل قبله ، واشتمال رسالته على هذه المقدسات ، وارتباط رسالته بها جميعا ، ولهذا فقد جمعوا له هناك كلهم فأمهم في محلتهم ودارهم ، فدل على أنه هو الإمام الأعظم ، والرئيس المقدم ، صلوات الله وسلامة عليهم أجمعين ، ومن ثم فقد كانت رحلة الإسراء ترمز إلى أبعد من حدود الزمان والمكان ، وتشمل آمادا وآفاقا أوسع من الزمان والمكان ، وتتضمن معاني أكبر من المعاني القريبة التي تتكشف عنها للنظرة الأولى (١).

ولعل سائلا يتساءل : من هذا الذي نال شرف بناء المسجد الأقصى؟

أخرج الإمام أحمد وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والنسائي (واللفظ له) بأسانيدهم عن عبد الله بن فيروز الديلمي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : إن سليمان بن داود عليهما‌السلام ، لما بنى بيت المقدس سأل الله عزوجل خلا لا ثلاثة ، سأل الله عزوجل حكما يصادف حكمه فأوتيته ، وسأل الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه ، وسأل الله عزوجل حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه ، أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه» (٢).

وروى البخاري ومسلم عن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول ، قال المسجد الحرام ، قلت ثم أي ، قال المسجد الأقصى ، قلت كم كان بينهما ، قال أربعون سنة ، ثم أينما أدركتك الصلاة

__________________

(١) في ظلال القرآن ٤ / ٢٢١٢ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٥.

(٢) سنن النسائي ٢ / ٤٣ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٥١ ، انظر : جامع الأصول ج ٩ حديث ٦٣٠٧ ، صحيح الجامع الصغير : حديث ٢٠٨٦ ، البداية والنهاية ٢ / ٢٦ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٥٨.

١١٦

بعده فصله ، فإن الفضل فيه» (١) ، وفي رواية عن أبي ذر أيضا قال : قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول ، قال المسجد الحرام ثم قلت أي ، قال المسجد الأقصى ، قلت كم بينها ، قال أربعون سنة ، وأينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد» (٢). هذا وقد أثار هذان الحديثان الشريفان جدلا بين العلماء ، على أساس أن إبراهيم عليه‌السلام هو باني البيت الحرام ، وأن سليمان عليه‌السلام هو باني المسجد الأقصى ، وبينهما ما يقرب من ألف عام (٣) ، ومن ثم فقد ذهب أبو جعفر الطحاوي بأن الوضع غير البناء ، والسؤال عن مدة ما بين وضعهما ، لا عن مدة ما بين بنائهما ، فيحتمل أن يكون واضع المسجد الأقصى بعض الأنبياء قبل داود وسليمان ، ثم بنياه بعد ذلك (٤) ، ولعل قريبا من هذا ما ذهب إليه ابن الجوزي والقرطبي بأنه ليس المراد أن إبراهيم عليه‌السلام هو الذي أسس بناء الكعبة المشرفة (٥) ، ولا أن سليمان عليه‌السلام بنى بناء بيت المقدس ، وإنما هما جددا ما كان قد

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ / ١٧٧ ، صحيح مسلم ١ / ٣٧٠.

(٢) صحيح مسلم ٢ / ١٥٣ ـ ١٥٤ (القاهرة ١٩٧١) ، مسند الإمام أحمد ٥ / ١٥٠ ، ١٦٧ ، تفسير الطبري ٧ / ٢٢ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٦٣ ، تفسير القرطبي ص ١٣٧٩ ، تفسير المنار ٤ / ٦ ـ ٧.

(٣) الواقع أن الفترة بين وفاة إبراهيم وولادة سليمان عليهما‌السلام ، لا تصل أبدا إلى ألف عام ، فإبراهيم عاش في الفترة (١٩٤٠ ـ ١٧٦٥ ق. م) وسليمان عاش في الفترة (٩٧٣ ـ ٩٢٢ ق. م).

(٤) صحيح مسلم ٢ / ١٥٣ (هامش / ٢).

(٥) الرأي عندي أن الكعبة المشرفة ترجع في بنائها إلى إبراهيم وولده إسماعيل عليهما‌السلام ، دون غيرهما من العالمين ويرى ابن كثير وغيره من العلماء أنه لم يجيء في خبر صحيح عن المعصوم صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن البيت كان مبنيا قبل الخليل عليه‌السلام ، ومن تمسك في هذا بقوله مكان البيت فليس بناهض ولا ظاهر ، لأن المراد مكانه المقدر في علم الله المقرر في قدرته ، المعظم عند الأنبياء موضعه من لدن آدم إلى زمن إبراهيم (ابن كثير : البداية والنهاية ١ / ١٦٣ ، ٢ / ٢٩٨ ، تفسير المنار ١ / ٤٦٦ ـ ٤٦٧ ، الكشاف ١ / ٤٤٦ ، تفسير الطبري ٣ / ٧٠ ، محمد بيومي مهران : دراسات تاريخية في القرآن الكريم ١ / ١٨٣ ـ ١٨٥.

١١٧

أسسه غيرهما (١) ، كما ذهب برهان الدين الزركشي إلى أن سليمان عليه‌السلام ، إنما كان له من المسجد الأقصى تجديده لا تأسيسه (٢) على أن الأستاذ رشيد رضا يذهب إلى أن هذا التفسير ضعيف لأنه سماه بيتا ، ولو جعل المكان مسجدا ولم يبن فيه لما سمى بيتا ، بل مسجد أو قبلة ، ثم إن ذلك مبنى على القول بأن إبراهيم هو الذي بنى أول مسجد للعبادة في أرض بيت المقدس ، وذلك معقول ، وإن لم يكن عندنا نص صريح (٣).

هذا ويذهب ابن قيم الجوزية إلى أن الذي أسس بيت المقدس إنما هو يعقوب عليه‌السلام ، وأن سليمان كان مجددا له ، وإلى هذا ذهب ابن كثير أيضا ، حيث يقول : وعند أهل الكتاب أن يعقوب عليه‌السلام هو الذي أسس المسجد الأقصى (٤) ، وهو مسجد إيليا بيت المقدس شرفه الله ، وهذا متجه ويشهد له ما ذكرناه من الحديث (يعني حديث أبي ذر المشهور) فعلى هذا يكون بناء يعقوب ، وهو إسرائيل عليه‌السلام ، بعد بناء الخليل وابنه إسماعيل المسجد الحرام بأربعين سنة سواء (٥) كما ذهب إلى نفس الرأي

__________________

(١) فتح الباري ٦ / ٤٠٨ ، تفسير القرطبي ٤ / ١٣٨.

(٢) الزركشي : إعلام الساجد بأحكام المساجد ص ٣٠.

(٣) تفسير المنار ٤ / ٧ (القاهرة ١٩٧٣).

(٤) يذهب أهل الكتاب ، كما جاء في العهد القديم ، إلى أن داود عليه‌السلام ، كان أول من فكر في بناء المسجد الأقصى ، بل وقد اشترى مكانه من رجل يبوسى يدعى «أرنان» (أرونا أو أرونة) كان قد اتخذه جرنا أو يبدر ، وكان قد عرض على داود أن يأخذ المكان بلا مقابل ، فرفض داود واشتراه منه ، وكذا بقرا ليقدمه محرقة للرب ، بخمسين شاقلا من الفضة ، وتذهب الرواية إلى داود قد منع من بناء البيت ، لأن ذلك سيكون من نصيب ولده سليمان ، ولكنها قد سجلت معاونة داود الفعالة لولده سليمان في إقامة البيت ، وذلك بتجهيز المواد اللازمة للبناء ، فضلا عن كميات من الذهب والفضة والنحاس والحديد وغيرها (صموئيل ثان ٢٤ / ١٦ ـ ٢٥ ، أخبار أيام ثان ٢٢ / ١ ـ ١٩ ، محمد بيومي مهران : إسرائيل ٢ / ٨٤٣ ـ ٨٤٤ ، تاريخ ابن خلدون ٢ / ١١١ ـ ١١٢) ثم قارن : تفسير ابن كثير ٤ / ٥٨ (ط بيروت ١٩٨٦).

(٥) ابن كثير : البداية والنهاية ١ / ١٦٣ ، ٢ / ٢٩٨.

١١٨

الزركشي في إعلام الساجد (١) ، والحميري في الروض المعطار (٢) ، وأخيرا فلقد ربط البعض بناء المسجد الأقصى ، كما ربطوا بناء المسجد الحرام من قبل ، بالملائكة ، وربطه آخرون بآدم عليه‌السلام ، بل إن فريقا رابعا ربطه بسام بن نوح عليه‌السلام (٣) ، وجاء في تفسير القرطبي أن آدم هو الذي بنى المسجد الأقصى ، بعد بنائه للبيت العتيق بأربعين عاما ، وأن يعقوب قد أقام قواعده وجدده فقط ، بعد أن رفع جده إبراهيم عليه‌السلام القواعد من البيت العتيق (٤).

ويذهب الدكتور عويد المطرفي إلى أن أقرب الروايات إلى المعقول أن الذي بنى المسجد الأقصى تأسيسا ، إنما هو سيدنا إبراهيم الخليل عليه‌السلام ، بعد فراغه من بناء الكعبة المشرفة ، ورجوعه إلى مستقرة بالشام (٥) ، كما استظهر ذلك أبو حيان في تفسيره لقوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) (٦) ، من أن إبراهيم عليه‌السلام ، كما وضع الكعبة ، وضع بيت المقدس (٧).

وفي الواقع فإن كثيرا من المفسرين والمؤرخين إنما يذهبون إلى أن سليمان عليه‌السلام هو الذي بنى بيت المقدس ، ففي تفسير أبي السعود أن سليمان لما أتم بناء بيت المقدس تجهز للحج ، وهناك في مكة كان يذبح كل

__________________

(١) الزركشي : المرجع السابق ص ٣٠.

(٢) الحميري : الروض المعطار في خبر الأقطار ، تحقيق إحسان عباس ، بيروت ١٩٧٥ ص ٥٥٦.

(٣) مجير الدين الحنبلي : الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل النجف ١٣٨٨ ه‍ ، الجزء الأول ص ٨ ، فتح الباري ٦ / ٤٠٩ ، الزركشي : المرجع السابق ص ٣٠.

(٤) تفسير القرطبي ٤ / ١٣٨ ، فتح الباري ٦ / ٤٠٨ ـ ٤٠٩.

(٥) عويد المطرفي : المرجع السابق ص ١٤٩.

(٦) سورة آل عمران : آية ٩٦.

(٧) تفسير البحر المحيط ٣ / ٦.

١١٩

يوم طول مقامه خمسة آلاف ناقة ، وخمسة آلاف بقرة ، وعشرين ألف شاه (١) ، ويقول الحافظ السهيلي : وبيت المقدس بناه سليمان عليه‌السلام ، وكان داود عليه‌السلام قد ابتدأ مبناه فأكمله ابنه سليمان عليه‌السلام ، واسمه إيلياء ، وتفسيره العربية : بيت الله (٢) ، ذكره البكري ، وفي الصحيح أنه وضع للناس بعد البيت الحرام بأربعين سنة ، وهذا يدل على أنه قد كان بنى أيضا في زمن إسحاق ويعقوب عليهما‌السلام ، ولكن بنيانه على التمام وكمال الهيئة كان على عهد سليمان عليه‌السلام (٣) ، ويقول الطبري في التاريخ : وأصاب بني إسرائيل في زمان داود طاعون جارف ، فخرج بهم إلى موضع بيت المقدس يدعون الله ويسألونه كشف ذلك البلاء عنهم ، فاستجيب لهم ، فاتخذوا ذلك الموضع مسجدا ، وكان ذلك فيما قيل ، لإحدى سنة مضت من ملكه ، وتوفي قبل أن يستتم بناءه ، فأوصى إلى سليمان. باستتمامه ، وقتل القائد الذي قتل أخاه (يعني يوآب الذي قتل أبشالوم كما ذكرنا من قبل) فلما دفنه سليمان نفذ لأمره في القائد وقتله واستتم بناء المسجد ، ثم يتحدث الإمام الطبري بعد ذلك عن التعداد الذي قام به داود في بني إسرائيل ، والبلايا التي حاقت بالقوم بسببه ، كما أشرنا من قبل ، وأن داود استغفر ربه وطلب العفو عن بني إسرائيل ، فاستجاب الله لهم ورفع عنهم الموت ، فرأى داود الملائكة سالين سيوفهم يغمدونها ، يرتقون في سلم من ذهب عن الصخرة إلى السماء ، فقال داود : هذا مكان ينبغي أن يبنى فيه مسجد ، فأراد داود أن يأخذ في بنائه ، فأوحى الله إليه أن هذا بيت مقدس ، وأنك قد صبغت يديك في الدماء ، فلست ببانية ، ولكن ابن لك أملكه بعدك أسميه سليمان

__________________

(١) تفسير أبي السعود ٦ / ٢٧٨ ، وانظر تاريخ ابن خلدون ٢ / ١١٣.

(٢) قارن : (محمد بيومي مهران : إسرائيل الجزء الثاني ص ١١٥٥ ـ ١١٥٨ ، الإسكندرية ١٩٧٩).

(٣) مختصر تفسير ابن كثير ٢ / ٣٥٤ ، هامش / ١.

١٢٠