دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم - ج ٤

دكتور محمد بيومي مهران

دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم - ج ٤

المؤلف:

دكتور محمد بيومي مهران


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢١٢

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على المبعوث رحمه للعالمين

سيدنا محمد واله

تقديم

بفضل الله ونعمته نقدم هذا الجزء الرابع من سلسلة دراسات تاريخية من القرآن الكريم وقد خصصناه للأحداث التاريخية التي جاء ذكرها من القرآن الكريم وكان مجالها أرض العراق الطيبة.

وقد تحدثنا في الباب الأول منه عن سيرة سيدنا نوح عليه السلام وعن قصة الطوفان المشهورة كما جاءت في آثار بلاد الرافدين فضلاً عن التوارة والقرآن الكريم.

هذا وقد خصصنا الباب الثاني لسيرة أبي الانبياء سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام في العراق بعد ان تحدثنا عن سيرة الخليل العطرة صلوات الله وسلامه عليه في الشام ومصر والحجاز في بعض فصول الأجزاء السابقة.

وكان الباب الثالث مخصصاً لسيرة سيدنا يونس عليه السلام والذي

٥

تذهب المراجع إلى أنه أرسل هادياً وبشيراً لأهل نينوى من أرض الموصل بالعراق.

والله تعالى أسأل أن يكون في هذه الدراسة بأجزائها الاربعة بعض النفع وأن بتقبلها وأن بتقبلها سبحانه وتعالى خالصة لوجهه الكريم.

(وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب)

الاسكندرية في ١٥ ربيع الاخر عام ١٤٠٨ هـ

٧ ديسمبر عام ١٩٨٧ م.

٦

الباب الأول

سيرة نوح عليه السلام

٧
٨

الفصل الأول

دعوة نوح عليه السلام

(١) نوح عليه‌السلام : نوح عليه‌السلام نبي الله ورسوله ، شيخ المرسلين ، وأول رسل الله إلى الأرض ، وأطول الأنبياء عمرا ، وأكثرهم جهادا ، وأحد أولى العزم الخمسة المنصوص على أسمائهم تخصيصا من بين سائر الأنبياء في آيتين من القرآن الكريم ، وهما قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) (١) ، وقوله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ، وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى ، أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (٢).

وقال الإمام البيضاوي في تفسيره : خصّهم الله (أي أولى العزم الخمسة) بالذكر ، لأنهم أولو العزم ، ومشاهير أرباب الشرائع ، وقدّم نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) سورة الأحزاب : آية ٧.

(٢) سورة الشورى : آية ١٣ ، وانظر : تفسير القرطبي ص ٥٨٢٩ ـ ٥٨٣٠ ، تفسير ابن كثير ٧ / ١٨٢ ـ ١٨٣ ، تفسير النسفي ٤ / ١٠٢.

٩

(في آية الأحزاب) تعظيما له ، وتكريما لشأنه (١) ، وروى أبو بكر البزار عن أبي هريرة قال : خيار ولد آدم خمسة : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وخيّرهم محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢).

هذا وقد وردت قصة نوح عليه‌السلام في القرآن الكريم في ثلاثة وأربعين موضحا ، وإن ذكرت بشيء من التفصيل في سورة الأعراف وهود والمؤمنون والشعراء والقمر ونوح (٣)

هذا وقد لبث نوح في قومه ـ بنص القرآن الكريم ـ ألف سنة إلا خمسين عاما ، قال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً ، فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ) (٤).

وقد اختلف المفسرون في مبلغ عمر نوح عليه‌السلام ، فقيل مبلغ عمره ما ذكره الله تعالى في كتابه ، قال قتادة : لبث فيهم قبل أن يدعوهم ثلاثمائة سنة ، ودعاهم ثلاثمائة سنة ، ولبث بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة ، وقال ابن عباس : بعث نوح لأربعين سنة ، ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، وعاش بعد الغرق ستين سنة ، حتى كثر الناس وفشوا ، وعنه أيضا : أنه بعث وهو ابن

__________________

(١) تفسير البيضاوي ١ / ١١٤.

(٢) تفسير ابن كثير ٣ / ٧٤٨ (ط بيروت ١٩٨٦).

(٣) انظر : سورة آل عمران. والنساء (آية ١٦٣) الأنعام (٨٤) والأعراف (٥٩ ، ٦٩) والتوبة (٧٠) ويونس (٧١ ـ ٧٣) وهود (٢٥ ـ ٤٨) وإبراهيم (٩) والإسراء (٣ ، ١٧) ومريم (٥٨) والأنبياء (٧٦ ـ ٧٧) والحج (٤٢) والمؤمنون (٢٣ ـ ٣٠) والفرقان (٣٧) والشعراء (١٠٥ ـ ١٢٢) والعنكبوت (١٤ ـ ١٥) والأحزاب (٧) والصافات (٧٥ ـ ١٦) والحديد (٢٦) والتحريم (١٠) وكذا سورة نوح.

(٤) سورة العنكبوت : آية ١٤ ، ويقول الإمام الفخر الرازي في التفسير الكبير (٢٥ / ٤٢) وفي قوله تعالى : (وَهُمْ ظالِمُونَ) إشارة لطيفة ، وهي أن الله لا يعذب على مجرد وجود الظلم ، وإنما يعذب على الإصرار على الظلم ، ولهذا قال تعالى : (وَهُمْ ظالِمُونَ) يعني أهلكم وهم على ظلمهم.

١٠

مائتين وخمسين سنة ، ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسين ، وعاش بعد الطوفان مائتي سنة ، وقال وهب : عمّر نوح ألفا وأربعمائة سنة ، وقال كروب الأحبار : لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، وعاش بعد الطوفان سبعين عاما ، فكان مبلغ عمره ألف سنة وعشرين عاما ، وقال عون بن أبي شداد : بعث نوح ، وهو ابن خمسين وثلاثمائة سنة ، ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، وعاش بعد الطوفان ثلاثمائة سنة وخمسين سنة ، فكان مبلغ عمره ألف سنة وستمائة وخمسين سنة ، ونحوه عن الحسن (أي الحسن البصري) (١).

(٢) معبودات قوم نوح : ـ تعرض القرآن الكريم لمعبودات قوم نوح في قوله تعالى : (وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) (٢) ، وهكذا يبيّن لنا القرآن الكريم أن الأصنام التي كان يعبدها قوم نوح ، هي ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ، وهي من أقدم الأصنام (٣) التي عبدت قاطبة ، إن لم تكن أقدمها على الإطلاق ، وأن ذلك

__________________

(١) تفسير القرطبي ص (٥٠٤٨ ـ ٥٠٤٩) (ط الشعب ـ القاهرة ١٩٧٠).

(٢) سورة نوح : آية ٢٣.

(٣) يرى علماء اللغة أن كلمة «الأصنام» ليست عربية أصيلة ، وإنما هي معربة من كلمة «شنم» ، ورغم أنهم لم يذكروا لنا اسم اللغة التي عربت منها ، فربما كانت من الآرامية «صلموا» أو العبرية «صلم» ، وعلى أية حال ، فإن الكلمة قد وردت في النصوص العربية الجنوبية تحت اسم «صلمو» ، بمعنى «صنم» و «تمثال» ، وفي الكتابات العربية الشمالية من أعالي الحجاز ، تحت اسم «صلم» كاسم لإله علم ازدهرت عبادته في «تيماء» حوالي عام ٦٠٠ ق. م ، هذا ويبدو أن العرب كانوا يغرقون بين الأصنام والأوثان ، فالصنم ، فيما يرى علماء اللغة ، هو ما اتخذ إلها من دون الله ، وما كان له صورة كالتمثال ، وعمل من خشب أو ذهب أو فضة أو وعرّف بعضهم الصنم بأنه ما كان له جسم أو صورة ، فإن لم يكن له جسم أو صورة فهو «وثن» ، وأما «ابن الكلبي» فالتمثال عنده إذا كان معمولا من خشب أو ذهب أو فضة أو غيرها من جواهر الأرض في صورة الإنسان فهو «صنم» ، وإذا كان من حجارة فهو «وثن» وأما النصب فهي حجارة غفل ليست على صورة معينة تجرى عليه قبيلة من القبائل أوضاع العبادة لما تزعمه من أصلها السماوي ، إن كانت حجرا بركانيا أو ما يشبهه ، ولعل أدق الأصنام صنعا ما

١١

يرجع إلى ما قبل طوفان نوح ، وذلك حين صوّر القوم بعض الصالحين منهم ، ثم وضعوا لهم الصور والتماثيل لإحياء ذكراهم والاقتداء بهم ، ثم بعد ذلك عبدوا هذه الصور ، وتلك التماثيل (١).

هذا ويحاول بعض الباحثين إيجاد صلة بين المعبودين الوثنيين ، «ود» العربي ، و «إيروس» اليوناني ، وأن الأول مستورد من بلاد اليونان ، إلا أن هناك في الوقت نفسه من يعارض هذا الاتجاه ، لانتفاء التشابه بينهما (٢) ، كما أن «ود» هذا هو إله «معين» الكبير ، فضلا عن أنه قد عرف منذ ما قبل الطوفان ، كما أشار القرآن الكريم ، بين قوم نوح عليه‌السلام.

وعلى أية حال ، فالذي لا شك فيه أن هذه الأصنام إنما كان يعبدها قوم نوح عليه‌السلام ، روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال : صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب (٣) ، أما ود كانت لكلب

__________________

كان لأهل اليمن ، ولا عجب ، فخطهم من الحضارة لم يعرفه أهل الحجاز ، ولا عرفه أهل نجد وكندة.

انظر : القاموس المحيط ٤ / ١٤١ ، ٢٧٤ ، اللسان ١٢ / ٣٤٩ ، ١٥ / ١٤١ ، تاج العروس ٨ / ٣٧١ ، ابن الكلبي : كتاب الأصنام ـ القاهرة ١٩٦٥ ص ٥٣ ، محمد عبد المعيد خان : الأساطير العربية قبل الإسلام ـ القاهرة ١٩٣٦ ص ١١٣ ، السهيلي : المروض الأنف ـ القاهرة ١٩٧١ ـ الجزء الأول ص ٦٢ ، محمد حسين هيكل : حياة محمد ـ القاهرة ١٩٧٠ ص ٩٩ ، محمد مبروك نافع : عصر ما قبل الإسلام ـ القاهرة ١٩٥٢ ص ١٦٣ ، وكذا : J. A. Montgomery, Arabia and the Bilbe, ٤٣٩١, P. ٧٦.

وكذا :W. R. Smith, Lectures on the religion of the semites, london, ٧٢٩١, P. ٩٧ ـ ٠٨. وكذا (G.A.Cook ,Palmyra ,EB ,٧١ ,٤٦٩١ ,P.٥٩١ ـ ٦٩١.

(١) انظر : تفسير المنار ٧ / ٤٥٤ ، ٨ / ٤٣٦ ، تفسير البيضاوي ٢ / ٥٠٨ ، تفسير الألوسي ٢٩ / ٧٧ ، تفسير الطبري ٢٩ / ٧١ ، تفسير النسفي ٤ / ٢٩٧ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٦٦٦ ـ ٦٦٧.

(٢) انظر : J. Welhausen, Reste Arabischen Heidentums. Berlin. ٧٢٩١, P. ٧١.

وكذاJ.Hastings ,ERE ,٨ ,P ٠٨١.

(٣) انظر : عن عبادة هذه الأصنام في بلاد العرب (محمد بيومي مهران : الديانة العربية القديمة ـ الإسكندرية ١٩٧٨ ص (٤٤ ـ ٤٧) ، (٩٣ ـ ٩٩).

١٢

بدومة الجندل ، وأما سواع كانت لهذيل ، وأما يغوث فكانت لمراد ، ثم لبني غطيف في الجوف عند سبأ ، وأما يعوق فكانت لهمدان ، وأما نسر فكانت لحمير ، لآل ذي الكلاع ، أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت (١).

وهكذا يبيّن لنا عبد الله بن عباس ، حبر الأمة وترجمان القرآن ، في هذا الحديث أن هذه الأسماء كانت لرجال صالحين من قوم نوح ، وأنهم لما ماتوا سوّل الشيطان لقومهم وزيّن لهم أن ينصبوا لهم صورا ، ويسموها بأسمائهم حتى ينشطوا في العبادة إذا رأوهم ولم يعبدوهم آنذاك حتى إذا هلك أولئك القوم الذين نصبوا تلك الأنصاب وعمّ الجهل فيمن خلفهم عبدوهم من دون الله تعالى.

وذكر ابن عباس في هذا الحديث أن الأوثان صارت في العرب بعد ذلك ، وأن «ودا» كان لقبيلة كلب في دومة الجندل ، و «سواعا» لقبيلة هذيل ، و «يغوث» لقبيلة مراد ، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ ، و «يعوق» لقبيلة همدان ، و «نسرا» لقبيلة حمير (٢).

هذا وقد جاء في تفسير القرطبي : قال عروة بن الزبير وغيره : اشتكى آدم عليه‌السلام ، وعنده بنوه ، ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ، وكان ود أكبرهم وأبرهم به ، قال محمد بن كعب : كان لآدم عليه‌السلام خمس بنين : ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ، وكانوا عبادا فمات واحد منهم فحزنوا

__________________

(١) صحيح البخاري ٦ / ١٩٩.

(٢) تفسير ابن عباس ومروياته في التفسير من كتب السنة ـ الجزء الثاني ـ الرياض ١٩٨٧ ص ٩١٠ ـ ٩١١ (نشر جامعة أم القرى بمكة المكرمة).

١٣

عليه. فقال الشيطان أنا أصور لكم مثله إذا نظرتم إليه ذكرتموه ، قالوا افعل فصوّره في المسجد من صفر ورصاص ، ثم مات آخر ، فصوره ، حتى ماتوا كلهم فصوّرهم ، وتنقصت الأشياء كما تنتقص اليوم إلى أن تركوا عبادة الله تعالى بعد حين ، فقال لهم الشيطان : ما لكم لا تعبدون شيئا ، قالوا وما نعبد ، قال : آلهتكم وآلهة آبائكم ، ألا ترون في مصلاكم ، فعبدوها من دون الله ، حتى بعث الله نوحا فقالوا : «لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا ، وقال محمد بن كعب ومحمد بن قيس أيضا : بل كانوا قوما صالحين من آدم ونوح ، وكان لهم تبع يقتدون بهم ، فلما ماتوا زيّن لهم إبليس أن يصوروا صورهم ليتذكروا بها اجتهادهم ، وليتسلوا بالنظر إليها ، فصوروهم ، فلما ماتوا هم وجاء آخرون قالوا : ليت شعرنا ، هذه الصور ما كان آباؤنا يصنعون بها ، فجاءهم الشيطان فقال : كان آباؤكم يعبدونها فترحمهم وتسقيهم المطر ، فعبدوها ، فابتدئ عبادة الأوثان من ذلك الوقت.

ويقول الإمام القرطبي : وبهذا المعنى فسر ما جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة : أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة تسمى مارية فيها تصاوير لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أولئك كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا ، وصوروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» (١).

ومن أجل هذا كله ، جاءت الشريعة الإسلامية الغراء تحظر التصوير باليد لكل ذي روح ، وتحرم اتخاذ التماثيل أيا كان الغرض منها ، روى الإمام البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس عن أبي طلحة رضي الله

__________________

(١) تفسير القرطبي ص (٦٧٨٦ ـ ٨٦٨٧) ، تفسير ابن كثير (٤ / ٦٦٦ ـ ٦٦٧) ، تفسير النسفي ٤ / ٢٩٧ ، صفوة التفاسير ٣ / ٤٥٤ ، تفسير جزء تبارك ض (١٣٥ ـ ١٣٧).

١٤

عنهم قال:قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :«لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تصاوير» (١) وروى البخاري أيضا في صحيحه عن الأعمش عن مسلم قال : كنا مع مسروق في دار يسار بن نمير ، فرأى في صفته تماثيل ، فقال : سمعت عبد الله ، قال سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون» ، وروى أيضا عن نافع أن عبد الله بن عمر ، رضي‌الله‌عنهما ، أخبره أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة ، يقال لهم احيوا ما خلقتم ، وفي رواية «إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ، ويقال لهم احيوا ما خلقتم» ، وروى أيضا عن ابن عباس قال : سمعت محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول:«من صوّر صورة في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح،وليس بنافخ» (٢).

(٣) دعوة نوح عليه‌السلام : ـ كانت دعوة نوح عليه‌السلام ـ كما يقول صاحب تفسير جزء تبارك ـ مؤسسة على ثلاثة أركان كما جاء في قوله تعالى : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ) (٣) : الركن الأول : ترك عبادة الأصنام (ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر) التي كان يعبدها أهل ذلك الزمان من دون الله ، فكان نوح يأمرهم بخلعها ، وعبادة الله وحده ، وهذا معنى قوله تعالى : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) ، والركن الثاني : تقوى الله واجتناب المعاصي والذنوب والفواحش التي تفسد عليهم صحتهم وأخلاقهم وآدابهم ، وتفكك روابط الألفة وعرا النظام بينهم ، وهذا معنى قوله تعالى : (وَاتَّقُوهُ) ، والركن الثالث : إطاعة ولي الأمر فيهم ، وهو نوح عليه‌السلام نفسه ، وهذا معنى قوله تعالى : (وَأَطِيعُونِ).

__________________

(١) صحيح البخاري ٧ / ٢١٤ ـ ٢١٥ (دار الجيل ـ بيروت ١٩٨٦).

وانظر : صحيح مسلم ١٤ / ٨١ ـ ٨٦ (بيروت ١٩٨١).

(٢) صحيح البخاري ٧ / ٢١٤ ـ ٢١٧ ، وانظر : صحيح مسلم ١٤ ـ ٩٠ ـ ٩٤.

(٣) سورة نوح : آية ٣.

١٥

فالدعوة السماوية التي هي أول ما أنزل على البشر ، وبلغ إليهم ، هي مطوية في ثلاث كلمات فقط : إيمان وتقوى وطاعة ، بالإيمان ينتظم أمر عقائد الأمة فتسلم من الخرافات والأوهام ، وبالتقوى ينتظم أمر أخلاقها وآدابها فتسلم من السقوط والفساد ، وبالطاعة ينتظم أمر اتحاد كلمتها وعلو شأنها ، فتسلم من الانحلال والضياع ، وما زالت الأمم على سلم هذه الأركان السماوية تعلو في الحياة الاجتماعية وتسقط ، وترقى في العزة والغلبة وتهبط ، وآية ذلك التاريخ ، فهو الشاهد العدل ، وإليه في هذه المسألة القول الفصل (١).

وهكذا أرسل الله تعالى نوحا إلى قومه ، فدعاهم إلى عبادة الله وحده ، وإفراده بالشكر والضراعة ، وترك ما هم عليه من عبادة الموروثات الباطلة ، وأفرغ عليهم من طيب كلامه ليستميلهم إليه ، ويذعنوا لدعوته ، ويؤمنوا بها ، وكان نوح عليه‌السلام ، رجلا فتيق اللسان ، عظيم الأناة ، صابرا على الجدل ، بصيرا بمسالك الإقناع ، قادرا على تصريف الحجج ، لكن روح الضلال والتقليد المتسلطة على المعاندين المستكبرين من قومه أبت عليهم أن يعرفوا طريق الهداية ، وتحجرت قلوبهم فلم تلن لدعوته ، ولم تنقد لرجائه ، كان ، عليه‌السلام ، كلما دعاهم إلى الله أعرضوا ، وإذا أنذرهم بالعذاب والويل عموا وصموا ، وإذا رغبهم في ثواب الله ورضائه استهانوا وسخروا منه واستكبروا ووضعوا أصابعهم في آذانهم (٢) ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً ، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً ، وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً) (٣).

__________________

(١) عبد القادر المغربي : تفسير جزء تبارك ـ المطبعة الأميرية ـ القاهرة ١٩٤٧ ص ١٢٢.

(٢) سعد صادق : من قصص الأنبياء في القرآن ـ القاهرة ١٩٦٩ ص ٣٧.

(٣) سورة نوح : آية ٥ ـ ٧.

١٦

ورغم ذلك كله ، فقد صابرهم وطاولهم ، ومدّ لهم في حبل صبره وأناته ، وناضلهم وأخذ يفنن في الدعوة ، من غير يأس ولا ملل ، دعاهم ليلا ونهارا ، وسرا وعلانية ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً ، ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً) (١).

كان نوح عليه‌السلام يتكتم في أول الأمر في عرض الدعوة على قومه ، فكان يدلي لهم بالمناصحة سرا ، مستغرقا في ذلك جميع وقته ، ليله ونهاره ، كما هو شأن الداعي الحريص على بث دعوته ، الحاذق في أدائها ، العالم بطرق تبليغها ، يتحين لها الفرص ، ويختار لها الأوثق فالأوثق من الرجال ، ولا يتسرع في إفشائها خشية أن يكاد لها ، وتقام العواثير دونها ، ومع كل ذلك لم تنجح دعوة نوح عليه‌السلام في القوم لفرط عتوهم ، وتحجر العناد في نفوسهم ، وهذا ما حمل نوحا على سلوك طريق آخر في الدعوة ، وهو مصارحتهم بها ، وتبليغهم إياها جهارا ، من دون تكتم ولا خوف ولا تقية ، وهو معنى قوله تعالى : (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً) ، إذ ربما فرط تكتمه في أمره ، واستخفائه بدعوته ، يجعلهم يظنونها باطلة ، وإلا فما الذي يمنعه من الجهر بها؟ أو يظنون أنه عاجز جبان عن تبليغها فهو يكتمها خشية إيقاعهم به ، وهذا مما يزيدهم نفورا وعنادا ، ومن ثم قام نوح عليه‌السلام يصدعهم بدعوته صدعا ، شأن الواثق من صدقها ، المعتمد على ربه في حياطته وحياطتها ، كأنه يقول : «هاكم دعوتي أبلغكموها على رءوس الأشهاد ، فإن كان لكم سلطان بيّن على بطلانها فهاتوه ، أو كنتم تريدون قتلى وصدى بالقوة فافعلوه (٢).

__________________

وانظر : تفسير القرطبي ص (٦٧٧٩ ـ ٧٧٨٠) ، تفسير ابن كثير ٤ / ٦٦٤ ـ ٦٦٥ ، تفسير النسفي ٤ / ٢٩٤ ـ ٢٩٥ ، تفسير جزء تبارك ص ١٢٣ ـ ١٢٥.

(١) سورة نوح : آية ٨ ـ ٩.

(٢) عبد القادر المغربي : تفسير جزء تبارك ص ١٢٥.

١٧

غير أن القوم لجوا في عنادهم ، وأجابوه بأربع حجج ، ظنوا كذبا أنها داحضة ، الأولى : أنه بشر مثلهم ، فساووه بأنفسهم في الجملة ، وهذا يدل على أنه عليه‌السلام كان من طبقتهم أو ما يقرب منها في بيته وفي شخصه ، وهكذا كان كل رسول من وسط قومه (١) ، ووجه الجواب : أن المسألة تنافي دعوى تفوق أحد المتساويين على الآخر ، بجعل أحدهما تابعا طائعا ، والآخر متبوعا مطاعا ، لأنه ترجيح بغير مرجح.

والثانية : أنه لم يتبعه منهم إلا أرذلهم في الطبقة والمكانة الاجتماعية «بادي الرأي» لا بديل من العقل والعلم ، وبهذا تنتفي المساواة فينزل هو عن

__________________

(١) من المعروف أنه من فضل الله تعالى على رسله وأنبيائه ، وسنته في اصطفائهم أن يختارهم من أكرم البيوت وأشرف الظهور ، وأطهر البطون وأبعدها عن الدنايا ، وألصقها بمكارم الأخلاق ، على ما يقوله الله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ، ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ، وعلى ما يقول جل شأنه : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ). وقد بيّن سيدنا وملانا وجدنا محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، هذا المعنى بقوله الشريف ، فيما رواه مسلم والترمذي ، «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم ، فأنا خيار من خيار» ، وأخرج ابن مردوية عن أنس أنه قال : «قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، «لقد جاءكم من أنفسكم ، بفتح الفاء» ، وقال : «أنا أنفسكم نسبا وصهرا وحسبا» ، وروى الحاكم والبيهقي عن عائشة إنها قالت ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قال لي جبريل قلبت الأرض من مشارقها ومغاربها فلم أجد رجلا أفضل من محمد ، وقلبت الأرض من مشارقها ومغاربها فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم (ورواه أيضا الطبراني في الأوسط وابن عساكر).

وفي الواقع فلقد كان بنو هاشم في ميزان المجتمع العربي سادته وقادته وأشرافه ، وكانوا في ميزان القيم أجود الناس كفا ، وأوفاهم ذمة ، وأنداهم عطاء ، وأكثرهم في سبيل الخير بلاء ، وأحماهم للذمار ، وبكلمة واحدة هم في قومهم وزمانهم ضمير أولئك القوم وذلك الزمان ، وهكذا كان بنو هاشم ، كما يقول ابن تيمية ، أفضل قريش ، وقريش أفضل العرب ، والعرب أفضل بني آدم ، وهكذا كان منبت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كما يقول الأستاذ الغزالي ، في أسرة لها شأنها ، بعض ما أعده الله لرسالته من نجاح ، ولعل هذا كله يبيّن لنا الحكمة في اختيار الرسل من أواسط أقوامهم ، ومن الجبهة القوية فيهم ، حتى يكونوا لهم سندا وعضدا ، ضد سفاهة السفهاء وبغي الباغين ، (انظر التفصيلات : محمد بيومي مهران : في رحاب النبي وآل البيت الطاهرين ـ الجزء الأول ـ السيرة النبوية الشريفة ـ الكتاب الأول).

١٨

رتبة الطبقة العليا إلى رتبة من اتبعه من الطبقات السفلى ، وهذا مرجح لرد دعوته والتولي عنه ، والثالثة : عدم رؤية فضل له مع جماعته هؤلاء عليهم من قوة عصبية أو كثرة غالبة ، أو غير هذا من المزايا التي ترفع الأرذال من مقعدهم من السفلة ، فيهون على الأشراف مساواتهم في اتباعه.

والرابعة : أنهم بعد الإضراب أو صرف النظر عما ذكروا من التنافي والتعارض ، يرجحون الحكم عليه وعليهم بالكذب في هذه الدعوى ، وهذا هو المرجح الأقوى لرد الدعوة ، وقد أخروه في الذكر لأنهم لو قدموه لما بقي لذكر تلك العلل الأخرى وجه ، وهي وجيهة في نظرهم لا بد لهم من بيانها ، وهذه الأخيرة طعن لهم على نوح عليه‌السلام أشركوه فيه مع اتباعه ، ولم يجابهوه به وحده ، ولم يجزموا به ، كما أنهم لم يجعلوه في طبقتهم من الرذالة (١).

وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) (٢) (، وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ ، وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ ، بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) (٣).

وكان رد نوح عليه‌السلام على قومه ، كما جاء في القرآن الكريم : (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ، وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ ، وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً ، إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ ، وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ، وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ،

__________________

(١) تفسير المنار ١٢ / ٥٣ (الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة ١٩٧٥).

(٢) كرر القوم هذا الكلام مع نوح عليه‌السلام كما جاء في سورة المؤمنين (آية ٢٤) ، كما كرره فرعون مع موسى وهارون عليهما‌السلام ، كما جاء في الآيات ٤٥ ـ ٤٨ من نفس سورة المؤمنين.

(٣) سورة هود : آية ٢٧ ، وانظر : تفسير المنار ١٢ / ٥ ـ ٥٤ ، تفسير القرطبي ص ٣٢٥٠ ـ ٣٢٥٢ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٦٨٥ ـ ٦٨٦ ، تفسير النسفي ٢ / ١٨٥ ، تفسير الطبري ١٥ / ٢٩٥ ـ ٢٩٧ (دار المعارف ـ القاهرة ١٩٦٠).

١٩

وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً ، إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ ، وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ، وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ، وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ، وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً ، اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ ، إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (١).

ومع ذلك كله ، فلم ينته القوم عن غيّهم ، ولم يؤمنوا بنبيّهم ، وإنما تمادوا في الكفر والعصيان والتطاول على النبي الكريم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاتهموه بالسفه والضلال ، قال تعالى : (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ، قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ ، وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ، أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (٢) ، ثم اتهموه بالجنون ، قال تعالى : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) (٣) ، وقال تعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) (٤).

ثم اتهموه بكثرة الجدل والافتراء على الله ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (٥) ، ولم تكف كل هذه الاتهامات الكذوب ، في نظر هؤلاء اللئام ، فإذا بهم يسخرون من النبي الكريم ويستهزءون ، قال تعالى : (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ ، وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ، قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا ،

__________________

(١) سورة هود : آية ٢٨ ـ ٣١ ، وانظر : تفسير القرطبي ص ٣٢٥٣ ـ ٣٢٥٥ ، تفسير الطبري ١٥ / ٢٩٧ ـ ٣٠٣ ، تفسير المنار ١٢ / ٥٤ ـ ٥٨ ، تفسير النسفي ٢ / ١٨٥ ـ ١٨٦ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٦٨٦ ـ ٦٨٧ (بيروت ١٩٨٦) ، صفوة التفاسير ٢ / ١٤ ـ ١٥ ، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ٣ / ١٩٥ ـ ١٩٧ (مكة المكرمة ١٣٩٨ ه‍).

(٢) سورة الأعراف : آية ٦٠ ـ ٦٢.

(٣) سورة القمر : آية ٩.

(٤) سورة المؤمنون : آية ٢٥.

(٥) سورة هود : آية ٣٢.

٢٠