محبّ الدين أبي فيض السيد محمّد مرتضى الحسيني الواسطي الزبيدي الحنفي
المحقق: علي شيري
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧١٧
باب الهاء
والهاءُ مِن الحُرُوفِ الحَلْقِيَّة ، وهي : العَيْنُ والحاءُ والهاءُ والخاءُ والغَيْن ؛ وهي أَيْضاً مِن الحُرُوفِ المَهْموسَةِ ، وهي : الهاءُ والحاءُ والخاءُ والكافُ والشينُ والسينُ والتاءُ والصادُ والثاءُ والفاءُ. والمَهْموسُ حَرْفٌ لانَ في مَخْرَجِه دونَ المَجْهور ، وجَرَى مع النَّفَس فكانَ دونَ المَجْهورِ في رَفْعِ الصَّوْت.
قالَ شيْخُنا : وأُبْدِلَتِ الهاءُ من الهَمْزةِ في هياك ولهنك قائم ، وهَرَاقَ وهَرَادَ في أَرَاقَ وأَرَادَ ؛ ومِن الألفِ قالوا : هنه في هنا ، ومن الياءِ قالوا في هذي هذه وَقْفاً ، ومِن تاءِ التأْنِيثِ وَقْفاً كطلحة.
فصل الهمزة
[أبه] : أَبَهْتُه بكذا : زأننته (١) به ، أَي اتَّهَمْتُه به.
وأَبَهَ له وبه ، كمَنَعَ وفَرِحَ ، الأُولى عن أَبي زيْدٍ نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ ، أَبْهاً ، ويُحَرَّكُ ، وفيه لَفٌّ ونَشْرٌ مُرَتبٌ ؛ فَطِنَ.
أَو أَبَهَ للشَّيءِ أَبْهاً : نَسِيَهُ ثم تَفَطَّنَ له.
وقالَ أَبو زيْدٍ : هو الأمْرُ تَنْساهُ ثم تَنْتَبِه له.
وقالَ الجوْهرِيُّ : ويقالُ ما أَبهتُ له ، بالكسْرِ ، آبَهُ أَبَهاً مِثْل نَبَهاً.
وهو لا يُؤْبَهُ له : لا يُحْتَفَلُ به لحقَارَتِه ؛ ومنه الحدِيثُ : «رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذي طِمْرَيْن لا يُؤْبَهُ له ، لو أَقْسَم على اللهِ لأَبَرَّه».
وأَبَّهْتُه تأْبِيهاً : نَبَّهْتُه وفَطَّنْتُه ؛ كِلاهُما عن كُراعٍ ، والمَعْنَيانِ مُتَقارِبانِ. وأَبهْتُه بكذا : أَزْنَنْتُهُ به.
والأُبَّهَةُ ، كسُكَّرَةِ : العَظَمَةُ والبَهْجَةُ والمَهَابَةُ والرّواءُ ؛ ومنه قوْلُ عليِّ ، رضِيَ اللهُ تعالى عنه : «كمْ مِن ذِي أُبَّهَةٍ قد جَعَلْتُه حَقِيراً».
ويقالُ : ما عليه أُبَّهَةُ المُلْكِ ، أَي بَهْجتُه وعَظَمَتُه.
وأَيْضاً : الكِبْرُ والنَّخْوَةُ ؛ ومنه حدِيثُ مُعاوِيَةَ : «إذا لم يَكُنِ المَخْزوميُّ ذا بَأْوٍ وأُبَّهَةٍ لم يُشْبِه قَوْمَه» ؛ يريدُ أَنَّ بَني مَخْزومٍ أَكْثَرُهم يكُونُونَ هكذا.
وتأَبَّهَ الرَّجُلُ على فلانٍ : تَكَبَّرَ ورَفَعَ قدرَهُ عنه ؛ وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي لرُؤْبَة :
وطامِح من نَخْوَةِ التَّأَبُّهِ
وتَأَبَّهَ من* كذا : تَنَزَّه وتَعَظَّمَ ؛ نَقَلَهُ الزَّمَخْشرِيُّ.
والأَبَهُّ للأَبَحِّ ، مَوْضِعُه «ب هـ هـ» ، وغَلِطَ الجوْهرِيُّ في إيرادِه هنا. ونَصّ الجوْهرِيُّ : ورُبَّما قالوا للأبَحِّ أَبَهُّ ؛ وأَجابَ عنه شيْخُنا بما لا يُجْدِي فأَعْرَضْنا عنه مع أَنَّ الجوْهرِيَّ ذَكَرَه في بهه ثانِياً على الصَّوابِ ، وكأَنَّ الذي ذَكَرَه هنا قَوْل لبعضِهم.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
آبَهْتُه ، بالمدِّ : أَعْلَمْتُه ؛ عن ابنِ بَرِّي ، وأَنْشَدَ لأُمَيَّة :
إذْ آبَهَتْهم ولم يَدْرُوا بفاحشةٍ |
|
وأَرْغَمَتْهم ولم يَدْرُوا بما هَجَعُوا (٢) |
[أته] : التَّأَتُّهُ مُبْدلٌ من التَّعَتُّهِ ؛ هكذا ذَكَرَه الجوْهرِيُّ.
__________________
(١) في القاموس : «زَنَنْتُه» ، وفي التكملة : أزننته.
(*) في القاموس : «عن» بدل : من.
(٢) اللسان.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
اتييه ، بكسْرٍ فسكونٍ : قَرْيةٌ بمِصْرَ مِن البُحيرَةِ ، وقد دَخَلْتُها ، وتُضافُ إلى البارُودِ ، والأصْلُ اتياي بالياءِ.
[أده] : الأَدَهُ ، محرَّكَةً : أَهْمَلَهُ الجوْهرِيُّ وصاحِبُ اللِّسانِ.
وهو اجْتِماعُ (١) أَمْرِ القَوْمِ.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
[أره] : الإِرَهُ : القَديدُ ، وقيلَ : هو أَنْ يُغْلَى اللحْمُ بالخلِّ ويُحْمَلُ في الأَسْفارِ ؛ نَقَلَهُ ابنُ الأَثِيرِ.
وأَره الشَّيءَ بمعْنَى أَرَاحَه ، فهو أَرِهٌ ، ككَتِفٍ ؛ وقد ذُكِرَ في أَبْياتِ الكِنْدِي الشَّهِيرَةِ على هذا الرَّوِيّ ؛ نَقَلَهُ شيْخُنا.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
[أزجه] : أَزْجاهُ ، بالفتْح وهاء محضة : قَرْيةٌ مِن قُرَى خابران ، ثم مِن نواحِي سَرْخَس ، وسَيَأْتِي ذِكْرُها في زجه.
[أنزه] : الإِنْزَهْوَةُ ، كقِنْدَأْوَةٍ : أَهْمَلَهُ الجوْهِريُّ وصاحِبُ اللِّسانِ هنا.
وهو الكِبْرُ والعَجْبُ.
قالَ ابنُ جنِّي : هَمْزتُه مُبْدلَةٌ من عَيْنِ عِنْزَهْوَةٍ.
وقالَ الأَزْهرِيُّ : النونُ والواوُ والهاءُ الأخيرَةُ زائِدَةٌ ، وسَيَأْتي له مَزِيدٌ في «ع ز هـ».
وذَكَرَه ابنُ سِيدَه في «ز هـ هـ» فقالَ : رجُلٌ إِنْزَهْوٌ وامْرأَةٌ إِنْزَهْوَةٌ ، وقَوْمٌ إنْزَهْوون ، أَي ذَوُو زَهْوٍ ، ذَهَبُوا إلى أَنَّ الألِفَ والنونَ زائِدَتانِ كما في انقحل.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
[أفه] : أَفَهْ ، بفَتْحَتَيْنِ وسكونِ الهاءِ ، لُغَةٌ في أف ، وقد تقدَّمَ في الفاءِ.
[أقه] : الأَقْهُ : الطَّاعَةُ كأَنَّه قَلْبُ القاهِ ؛ هكذا ذَكَرَه الجوْهرِيُّ. وقالَ الأصْمعيُّ : القاهُ والأَقْهُ : الطاعَةُ. يقالُ : أقاه وأيقه.
[أله] : أَلَهَ إلاهَةً ، بالكسْرِ ، وأُلُوهَةً وأُلُوهِيَّةً ، بضمِّهِما : عَبَدَ عِبادَةً ؛ ومنه قَرَأَ ابنُ عبَّاسٍ : ويَذَرَكَ وإلاهَتَك (٢) ، بكسْرِ الهَمْزةِ ، قالَ : أَي عِبَادَتَك ؛ وكانَ يقولُ : إنَّ فِرْعَونَ يُعْبَدُ ولا يَعْبُدُ ؛ نَقَلَهُ الجوْهرِيُّ وهو قَوْلُ ثَعْلَب ، فهو على هذا ذُو إلاهَةٍ لا ذُو آلِهَةٍ ؛ والفرَّاءُ على القِراءَةِ المَشْهورَةِ.
قالَ ابنُ بَرِّي : ويُقَوِّي ما ذَهَبَ إليه ابنُ عبَّاسٍ قَوْل فِرْعَوْن : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (٣) ، وقَوْلُه : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) (٤).
ومنه لَفْظُ الجلالةِ.
وقالَ اللّيْثُ : بَلَغَنَا أَنَّ اسمَ اللهِ الأَكْبَر هو اللهُ لا إله إِلَّا هو وَحْده.
* قُلْتُ : وهو قَوْلُ كَثِيرٍ مِن العارِفِيْن.
واخْتُلِفَ فيه على عِشْرِينَ قَوْلاً ذَكَرْتُها في المَباسِيطِ.
قالَ شيْخُنا : بل على أكْثَر مِن ثلاثِينَ قَوْلاً ، ذَكَرَها المُتَكلِّمونَ على البَسْملةِ.
وأَصَحُّها أَنَّه عَلَمٌ للذَّاتِ الوَاجِبِ الوُجُودِ المُسْتَجْمِع لجميعِ صِفَاتِ الكَمالِ غَيْرُ مُشْتَقِّ.
وقالَ ابنُ العَرَبي : عَلَمٌ دالٌّ على الإِلَهِ الحقِّ دَلالَة جامِعَةً لجمِيعِ الأَسْماءِ الحُسْنَى الإِلَهيَّة الأَحَدِيَّة جمعَ جَمِيعِ الحَقائِقِ الوُجُودِيَّة.
وأَصْلُه إِلاهٌ كفِعالٍ بمعْنَى مَأْلُوهِ ، لأَنَّه مَأْلُوهٌ أَي مَعْبودٌ ، كقَوْلِنا : إِمامٌ فِعَالٌ بمعْنَى مَفْعولٍ لأَنَّه مُؤتَمٌّ به ، فلمَّا أُدْخِلَت عليه الأَلِفُ واللامُ حُذِفَتِ الهَمْزَةُ تَخْفِيفاً لكَثْرتِه في الكَلامِ ، ولو كانَتَا عِوَضاً منها لمَا اجْتَمَعَتا مع المعوَّضِ منه في قَوْلِهم الإِلاهُ ، وقُطِعَتِ الهَمْزَةُ في النِّداءِ للزُومِها تَفْخِيماً لهذا الاسمِ ؛ هذا نَصُّ الجوْهرِيِّ.
__________________
(١) على هامش القاموس عن نسخة : زِماعُ أمرِ القومِ واجتماعُهُم.
(٢) من الآية ١٢٧ من الأعراف ، والقراءة : (وَآلِهَتَكَ).
(٣) النازعات ، الآية ٢٤.
(٤) القصص ، الآية ٣٨.
قالَ ابنُ بَرِّي : قَوْلُ الجوْهرِيّ : ولو كانَتا عوضاً الخ ، هذا رَدٌّ على أَبي عليِّ الفارِسِيّ لأَنَّه كانَ يَجْعَل الأَلِفَ واللامَ في اسمِ البَارِي سبحانه عِوَضاً مِنَ الهَمْزَةِ ، ولا يلزمُه ما ذَكَرَه الجوْهرِيُّ مِن قَوْلِهم الإِلاهُ ، لأَنَّ اسمَ اللهِ لا يَجوزُ فيه الإِلاهُ ، ولا يكونُ إِلَّا مَحْذوفَ الهَمْزةِ ، تَفَرَّدَ سبحانه بهذا الاسمِ لا يشرِكُه فيه غَيْرُه ، فإِذا قيلَ الإلاهُ انْطَلَقَ على اللهِ سبحانه وعلى ما يُعْبَدُ مِن الأَصْنامِ ، وإِذا قُلْتَ الله لم يَنْطَلِق إِلَّا عليه سبحانه وتعالى ، ولهذا جازَ أَن يُنادَى اسم الله ، وفيه لامُ التَّعْريفِ وتُقْطَعُ هَمْزَتُه ، فيُقالُ يا أللهُ ، ولا يَجوزُ يا الإلاهُ على وَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ مَقْطوعَة هَمْزَتُه ولا مَوْصُولَةٍ ، انتَهَى.
وقالَ الليْثُ : اللهُ ليسَ مِنَ الأَسْماءِ التي يَجوزُ فيها اشْتِقاقٌ كما يَجوزُ في الرحمنِ والرحيمِ.
ورَوَى المُنْذرِي عن أَبي الهَيْثَم أنَّه سأَلَه عن اشْتِقاقِ اسمِ اللهِ في اللّغَةِ فقالَ : كان حَقّه إِلَهٌ ، أُدْخِلَتِ الأَلِفُ واللَامُ تَعْريفاً ، فقيلَ الإلاهُ ، ثم حَذَفَتِ العَرَبُ الهَمْزَةَ اسْتِثْقالاً لها ، فلمَّا تَركُوا الهَمْزَةَ حَوَّلُوا كَسْرتَها في اللامِ التي هي لامُ التّعْريفِ ، وذَهَبَتِ الهَمْزةُ أَصْلاً فقالوا أَلِلاهُ ، فحرَّكُوا لامَ التَّعْريفِ التي لا تكونُ إلَّا ساكِنَةً ، ثم الْتَقَى لامانِ مُتحرِّكتانِ ، وأَدْغَمُوا الأُولى في الثانِيَةِ ، فقالوا الله ، كما قالَ اللهُ ، عزوجل : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) (١) ، معْناهُ لكنْ أَنا.
وكُلُّ ما اتُّخِذَ مِن دُونه مَعْبُوداً إلهٌ عند مُتَّخِذِه بَيِّنُ الإِلَاهَةِ ، بالكسْرِ ، والأُلْهانِيَّةِ ، بالضَّمِّ. وفي حدِيثِ وهب (٢) بنِ الوَرْدِ : «إذا وَقَعَ العَبْدُ في أُلْهانِيَّةِ الرَّبِّ ، ومُهَيْمِنِيَّة الصِّدِّيقِين ورَهْبَانِيَّةِ الأَبْرارِ لم يَجِدْ أَحَداً يَأْخُذ بقَلْبِه» ، أَي لم يَجِدْ أَحَداً يَعجبُه ولم يُحِبَّ إلَّا اللهَ سبحانه.
قالَ ابنُ الأثيرِ : هو فُعْلانِيَّة مِن ألِهَ يَأْلَهُ إِذا تَحَيَّرَ ، يُريدُ إِذا وَقَعَ العَبْدُ في عَظَمَةِ اللهِ وجَلالِهِ وغير ذلِكَ مِن صفَاتِ الرُّبُوبيَّةِ وصَرَفَ توهّمُه إليها ، أَبْغَضَ الناسَ حتى ما يميلَ قلْبُه إلى أَحَدٍ.
والإِلَاهَةُ (٣) : ع بالجَزِيرَةِ ؛ كما في الصِّحاحِ.
وقالَ ياقوتُ : وهي قارة بالسَّماوَةِ ؛ وأَنْشَدَ لأُفْنُون التَّغْلَبيّ ، واسْمُه صُرَيْمُ بنُ مَعْشَرٍ :
كفى حَزَناً أَن يَرْحَلَ الركبُ غُدْوَةً |
|
وأُصْبِحَ في عُلْيا أَلاهَةَ ثاوِيا (٤) |
قالَ ابنُ بَرِّي : ويُرْوى : وأُتْرَكَ في عُلْيَا أُلاهَةَ ، بضمِّ الهَمْزَةِ ، قالَ : وهو الصَّحِيحُ لأنَّه بها دُفِنَ قائِلُ هذا البَيْت.
* قُلْتُ : وله قصَّة وأَبْيَاتٌ ذَكَرَها ياقوتُ في مُعْجمه.
والإلاهَةُ : الحَيَّةُ العَظِيمَةُ ؛ عن ثَعْلَب.
والإِلاهَةُ : الأَصْنامُ ، هكذا هو في سائِرِ النُّسخِ ، والصَّحيحُ بهذا المعْنَى الآلِهَةُ بصيغَةِ الجَمْع ، وبه قُرِئَ قَوْلُه تعالَى : (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) ، وهي القِراءَةُ المَشْهورَةُ.
قالَ الجوْهرِيُّ : وإِنَّما سُمِّيَت الآلِهَةُ (٥) الأَصْنَام لأَنَّهم اعْتَقَدُوا أَنَّ العِبادَةَ تحقُّ لها ، وأَسْماؤُهم تَتْبَعُ اعْتِقادَاتِهم لا ما عليه الشَّيء في نَفْسِه ؛ فتأَمَّلْ ذلِكَ.
والإِلاهَةُ : الهِلالُ ؛ عن ثَعْلَب.
والإِلاهَةُ : الشَّمْسُ ، غَيْر مَصْرُوف بِلا أَلِفٍ ولامٍ ، ورُبَّما صَرَفُوا وأَدْخَلوا فيه الأَلِفَ واللامَ وقالوا الإلاهَةُ.
قالَ الجوْهرِيُّ : وأَنْشَدَ أَبو عليِّ :
فأَعْجَلْنا الإلاهَةَ أَن تَؤُوبا
قُلْتُ : وحُكِي عن ثَعْلَب أَنَّها الشَّمْسُ الحارَّةُ.
قالَ الجَوْهرِيُّ : وقد جاءَ على هذا غَيْرُ شيءٍ من
__________________
(١) الكهف ، الآية ٣٨.
(٢) في اللسان : وهيب.
(٣) قيدها ياقوت بالضم ، ضبط قلم ، ونص الصاغاني في التكملة على الضم.
(٤) اللسان والصحاح والتكملة ومعجم البلدان : «الالاهة» وفيه : «في عليا الأُلاهة ثاويا».
(٥) بهامش المطبوعة المصرية : قوله : وإنما سميت الآلهة الأصنام ، كذا بخطه ، والذي في الصحاح : «والآلهة الأصنام سموها بذلك لاعتقادهم أن العبادة تحق لهم الخ».
دُخولِ لامِ المَعْرفةِ الاسمَ مَرَّة وسُقُوطِها أُخْرى ، قالوا : لَقِيته النَّدَرَى وفي نَدَرَى ، وفَيْنَةً والفَيْنَةَ بعْدَ الفَيْنَة ، فكأَنَّهم سَمَّوْها إلَاهة لتَعْظِيمِم لها وعِبادَتِهم إيَّاها.
والمِصْراعُ المَذْكُور مِن أَبْياتٍ لمَيَّة بِنْت أُمِّ عُتْبَة بنِ الحارِثِ ، وقيلَ : لبنْتِ عبْدِ الحارِثِ اليَرْبُوعيِّ ، ويقالُ لنائِحَة عُتَيْبة (١) بنِ الحارِثِ.
وقالَ أَبو عُبيدَةَ : لأمِّ البَنِين بنْت عُتَيْبة تَرْثِيه وأَوّلها :
تروَّحْنا من اللّعْباءِ قَسْراً |
|
فأَعْجَلْنا الإلاهَةَ أَن تَؤُوبا |
على مثْل ابنِ مَيَّة فانْعِياه |
|
تَشُقُّ نَواعِمُ البَشَرِ الجُيُوبا (٢) |
ويُرْوَى : فأَعْجَلْنا ألاهَةَ.
ووَقَعَ في نسخِ الحَماسَةِ هذا البَيْت لميَّة بنْت عُتَيْبة تَرْثي أَخَاها.
ويُثَلَّثُ ، الضَّمُّ عن ابنِ الأعْرابيِّ رَوَاها : أُلاهَةَ ، قالَ : ويُرْوى : الأَلاهَةَ يُصْرَفُ ولا يُصْرَفُ ؛ كالأَلِيهةِ ، كسَفِينَةِ.
والتَّأَلُّه : التَّنَسُّكُ والتَّعَبُّدُ ؛ قالَ رُؤْبَة :
للهِ دَرُّ الغَانِياتِ المُدَّهِ |
|
سَبَّحْنَ واسْتَرْجَعْنَ من تأَلُّهِي (٣) |
والتَّأْلِيه : التَّعْبِيدُ ؛ نَقَلَهُ الجوْهرِيُّ.
وتقولُ : أَلِهَ ، كفَرِحَ ، يَأْلَهُ أَلْهاً : تَحَيَّرَ ، وأَصْلُه وَلِهَ يَوْلَهُ وَلْهاً ، ومنه اشْتُقَّ اسمُ الجَلالَةِ لأَنَّ العُقُولَ تَألَهُ في عَظَمَتِه ، أَي تَتَحَيَّرُ ، وهو أَحَدُ الوُجُوه التي أَشارَ لها المصنِّفُ أَوَّلاً.
وأَلِهَ على فلانٍ : اشْتَدَّ جَزَعَه عليه ، مِثْلُ وَلِهَ ؛ نَقَلَهُ الجوْهرِيُّ.
وقِيلَ : هو مأْخُوذٌ مِن أَلِهَ إليه إِذا فَزِعَ ولاذَ ، لأنَّه سبحانه المَفْزَعُ الذي يُلْجأُ إليه في كلِّ أَمْرٍ ؛ قالَ الشاعِرُ :
أَلِهْتَ إلينَا والحَوادِثُ جَمَّةٌ
وقالَ آخَرُ :
أَلِهْتُ إليها والرَّكائِبُ وُقَّف
وقيلَ : هو مِن أَلَهَهُ ، كمَنَعَهُ ، إذا أَجارَه وآمَنَه.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
أَصْلُ إِلَهٍ وِلاهٌ ، كإِشاحٍ وِشاحٍ ، ومعْنَى وِلاهٍ أَنَّ الخَلْقَ يَوْلَهُون إليه في حَوائِجِهم ، ويَضْرَعُون إِليه فيمَا يَنُوبُهم ، كما يَوْلَهُ كلُّ طِفْلٍ إِلى أُمِّه.
وحَكَى أَبو زيْدٍ : الحمدُ لاهِ رَبِّ العَالَمِيْن.
قالَ الأَزْهرِيُّ : وهذا لا يَجوزُ في القُرْآن إِنَّما هو حِكايَةٌ عن الأعْرابِ ، ومَنْ لا يَعْرفُ سُنَّةَ القُرْآن.
وقالَ ابنُ سِيدَه : وقالوا يا أَلله فقَطَعُوا ، حَكَاهُ سِيْبَوَيْه ، وهو نادِرٌ.
وحَكَى ثَعْلَب أَنَّهم يَقولُونَ : يا الله ، فيَصِلُون وهُما لُغَتانِ يعْنِي القَطْع والوَصْل.
وحَكَى الكِسائي عن العَرَبِ : يله (٤) اغْفِرْ لي بمعْنَى يا ألله ، وهو مُسْتَكْره ، وقد يُقْصَر ضَرُورَة كقَوْلِ الشاعِرِ :
أَلا لا بارَكَ اللهُ في سُهَيْلٍ |
|
إذا ما اللهُ بارَكَ في الرِّجالِ (٥) |
ونَقَلَ شيْخُنا : أَلِهَ بالمَكانِ ، كفَرِحَ ، إذا أَقامَ ؛ وأَنْشَدَ :
أَلِهْنا بدارٍ ما تَبِينُ رُسُومُها |
|
كأَنَّ بَقايَاها وشومٌ على اليَدِ |
وقالَ ابنُ حبيبٍ في الأزْد : الاهُ بنُ عَمْرو بنِ كَعْبِ بنِ الغطْرِيفِ ؛ وفي عكِّ : الاهُ بنُ ساعِدَةَ ؛ وفي تمِيمٍ : أليهة
__________________
(١) كذا وردت اللفظة بالأصل في موضعين بالتصغير ، وقبلها في موضع مكبراً ، ومثله في اللسان.
(٢) اللسان والأول في التهذيب برواية : «عصراً» والأول في الصحاح أيضاً برواية : «قصراً» وعجزه في المقاييس ١ / ١٢٧ وفيها : «فبادرنا الإِلاهة» ونسبه الأزهري لعُتيبة بن الحارث اليربوعي.
(٣) ديوانه ص ١٦٥ واللسان والمقاييس ١ / ١٢٧ والثاني في الصحاح والتهذيب.
(٤) في اللسان : «ويَلّله» ومثله في التهذيب.
(٥) اللسان.
وهو القليبُ بنُ عَمْرِو بنِ تَمِيمٍ ؛ وفي طيِّئٍ : بنُو إلَهٍ مثْلُ عِلَهٍ ، ابن عَمْرِو بنِ ثمامَةَ ؛ وفيها أَيْضاً عبْدُ الإِلَهِ مثْلُ عُلَةٍ ، ابنُ حارِثَةَ بنِ عيرنَةَ (١) بنِ صهْبانَ بنِ عميمى (٢) بنِ عَمْرِو بنِ سنبسٍ ؛ وفي النَّخْعِ : بنُو أليهة بن عَوْفٍ.
[أمه] : أَمِهَ ، كفَرِحَ ، أَمْهاً : نَسِيَ ، ومنه قِراءَةُ ابنِ عباسٍ : وادَّكَرَ بعد أَمَهٍ (٣) ، وقالَ الشاعِرُ :
أَمِهْتُ وكنتُ لا أَنْسَى حَدِيثاً |
|
كذاك الدَّهْرُ يُودِي بالعُقُولِ (٤) |
قالَ الجوْهرِيُّ : وأَمَّا في حدِيثِ الزّهْري : أَمِهَ بمعْنَى أَقَرَّ واعْتَرَفَ (٥) ، فهي لُغَةٌ غَيْرُ مَشْهورَةٍ.
* قُلْتُ : والحدِيثُ المَذْكُورُ : «من امْتُحِنَ في حَدِّ فأَمِهَ ثم تَبَرَّأَ فليْسَتْ عليه عُقُوبَة ، فإن عُوقِبَ فأَمِهَ فليسَ عليه حَدٌّ إلَّا أَنْ يَأْمَه مِن غيرِ عُقُوبَةٍ».
قالَ أَبو عُبيدٍ : ولم أَسْمَعْ الأَمَهَ بمعْنَى الإِقْرارِ في غيرِ هذا الحدِيثِ. وفَسَّرَ أَبو عُبيدٍ (٦) قِراءَةَ ابن عبَّاسٍ بالإِقْرارِ ، قالَ : ومَعْناهُ أَنْ يُعاقَبَ ليُقِرَّ فإِقْرارُه باطِلٌ.
وأَمَهَ ، كنَصَرَ : عَهِدَ. يقالُ : أَمَهْتُ إِليه في أَمرٍ فأَمَهَ إِليَّ ، أَي عَهِدْتُ إِليه فعَهِدَ إِليَّ ؛ عن أَبي عُبَيدٍ.
والأمِيهَةُ ، كسَفِينَةٍ : جُدَرِيُّ الغَنَمِ.
وفي الصِّحاحِ : بَئْرٌ يَخْرُجُ بالغَنَم كالحَصْبَةِ والجُدَرِيِّ ؛ وقد أُمِهَتْ ، كعُنِيَ تُومَهُ (٧) ، وأَمِهَتْ مِثَالُ عَلِمَ ؛ وعلى الأُولى اقْتَصَرَ الجوْهرِيُّ وجَماعَةٌ ، أَمْهاً ، بالفتْحِ عن ابنِ الأَعْرابيِّ ، وأَمِيهَةً ، كسَفِينَةٍ عن أَبي عُبيدَةَ.
وقالَ ابنُ سِيدَه : هو خَطَأٌ لأَنَّ الأمِيهَةَ اسمٌ لا مَصْدَرٌ إذ ليْسَتْ فَعِيلَة من أبْنِيَةِ المَصادِرِ. فهي أمِيهَةٌ ومَأْموهَةٌ ومُؤَمَّهَةٌ ، كمُعَظَّمَةٍ ، وهذه عن الفرَّاءِ وأَنْشَدَ لرُؤْبَة :
تُمسي به الأُدْمان كالمؤمَّه (٨)
وعلى الأَولَيَيْن اقْتَصَرَ ابنُ سِيدَه ، والجَوْهرِيِّ على الثانِيَةِ.
وقالَ الجوْهرِيُّ : يقالُ في الدّعاءِ : آهَةً وأَمِيهَةً ؛ وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرابيِّ :
طَبِيخُ نُحازٍ أَو طَبِيخُ أَمِيهَةٍ |
|
دَقِيقُ العِظام سَيِّئُ القِشْمِ أَمْلَطُ (٩) |
قالَ الأَزْهرِيُّ : الآهَةُ : التَّأْوُّهُ ؛ والأَمِيهَةُ : الجُدَرِيُّ.
وقالَ ابنُ سِيدَه يقولُ : كانتْ أُمُّهُ حامِلَةً به وبها سُعالٌ أَو جُدَرِيُّ ، فجاءَتْ به ضاوِياً.
وقالَ الفرَّاءُ : أُمِهَ الرَّجُلُ ، كعِنِيَ ، فهو مَأْمُوهٌ ، وهو الذي ليسَ معه عَقْلُه.
والأُمَّهَةُ ، كقُبَّرَةٍ ، لُغَةٌ في الأُمِّ ، كما في المُحْكَم.
وفي الصحاح أَصْلُ قَوْلهم أُمُّ.
وقالَ أَبو بكْرٍ : الهاءُ في أُمَّهَة أَصْلِيَّة ، وهي فُعَّلَة بمنْزِلَة تُرَّهَةٍ وأُبَّهَةٍ.
* قُلْتُ : فإِذاً قَوْل شيْخِنا إنَّهم أَجْمَعوا على زِيادَةِ هائِه فلا معْنًى لوُرودِه هنا ولا لدَعْوى أنه لُغَةٌ مَحلُّ نَظَر.
أَو هي لِمَنْ يَعْقِلُ ؛ والأُمُّ لمَا لا يَعْقِلُ ، والجَمْعُ أُمَّهاتٌ وأُمَّاتٌ ؛ قالَ قُصَيٌّ :
أُمَّهَتي خِنْدِفُ والْياسُ أَبي (١٠)
وقالَ زهيرٌ فيمَا لا يَعْقِل :
وإلَّا فأنا بالشَّرَيَّةِ فاللِّوَى |
|
نُعَقِّرُ أُمَّاتِ الرِّباعِ ونَيْسِرُ (١١) |
__________________
(١) في التكملة : عرنة.
(٢) في التكملة : عمميّ.
(٣) يوسف ، الآية ٤٥ [والقراءة : (أُمَّةٍ)].
(٤) اللسان والصحاح.
(٥) على هامش القاموس عن نسخة : وأَقَرَّ.
(٦) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : وفسر أبو عبيد قراءة ابن عباس بالإقرار ، كذا بخطه ، والصواب : فسر الحديث ، كما تدل عليه بقية العبارة».
(٧) في الصحاح واللسان : تؤمه.
(٨) اللسان والتكملة.
(٩) اللسان والصحاح والتهذيب.
(١٠) اللسان وقبله :
عبد يناديهم بهالٍ وهب
(١١) الديوان ط بيروت ص ٣٢ واللسان برواية : «الشربة».
وقد جاءَتْ الأُمَّهَةُ فيمَا لا يَعْقِل ؛ كلُّ ذلِكَ عن ابنِ جنِّي.
وقالَ الأَزْهرِيُّ : يقالُ في جَمْعِ الأُمِّ مِن غيرِ الآدَمِيِّين أُمَّاتٌ ، وأَمَّا بَناتُ آدَمَ فأُمَّهاتٌ. والقُرْآنُ نَزَلَ بأُمَّهاتٍ ، وهو أَوْضَحُ دَلِيلٍ على أَنَّ الواحِدَةُ أُمَّهَةٌ.
قالَ : وزِيدَتِ الهاءُ في أُمَّهاتٍ لتكونَ فرْقاً بينَ بَناتِ آدَمَ وسائِرِ الحيوانِ ، قالَ : وهذا القَوْلُ أَصحُّ القَوْلَيْن.
وتَأَمَّهَ أُمَّا : اتَّخَذَها ، كأَنَّه مِن الأُمَّهَةِ.
قالَ ابنُ سِيدَه : وهذا يُقَوِّي كون الهاء أَصْلاً ، لأَنَّ تَأَمَّهْتُ تَفَعَّلْتُ بمنْزِلَةِ تَفَوَّهْتُ وتَنَبَّهْتُ.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
الأَمَهُ ، بالفتْحِ : النِّسيانُ ؛ رُوِي ذلِكَ عن أَبي عبيدَةَ.
قالَ الأَزْهرِيُّ : وليسَ ذلكَ بصَحيحٍ.
قالَ : وكانَ أَبو الهَيْثم فيمَا أَخْبَرني عنه المُنْذرِي يقْرَأُ : بعد أَمَهٍ ، قالَ : وهو خَطَأٌ.
وقالَ ابنُ بَرِّي : أُمَّهَةُ الشَّبابِ : كِبْرُه وتِيهُهُ.
* قُلْتُ : وكأَنَّ مَيمَه بدلٌ من باءِ أُبَّهَةٍ.
[أنه] : أَنَهَ يَأْنِهُ ، من حَدِّ ضَرَبَ ، أَنها ، بالفتْح ، وأُنوهاً ، بالضَّمِّ ، مثْلُ أَنَحَ يَأْنِحُ ، وذلِكَ إِذا تَزَحَّرَ من ثِقَلٍ يَجِدُه ؛ نَقَلَهُ الجوْهرِيُّ عن الأَصْمعيّ.
وأَنَهَ يَأْنهُ : إِذا حَسَدَ.
ورجُلٌ أَنِهٌ ، كخَجِلٍ ، أَي حاسِدٌ ، وكذلِكَ نافِسٌ ونَفِيسٌ.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
رجالٌ أُنَّهٌ ، كسُكَّر ، مِثْلُ أُنَّحٍ ؛ وأَنْشَدَ الجوْهرِيُّ لرُؤْبَة يَصِفُ فَحْلاً :
رَعَّابَةٌ يُخْشِي نُفوسَ الأُنَّهِ |
|
بِرَجْسِ بَهْباهِ الهَدِيرِ البَهْبَهِ (١) |
أَي يَرْعَبُ نُفوسَ الذين يَأْنِهُونَ ؛ كما في الصِّحاحِ.
والأَنِيهُ ، كأَمِيرٍ : الزَّحيرُ عند المسأَلةِ ؛ نَقَلَهُ ابنُ سِيدَه.
وإِنِيه ، بكسْرَتَيْن : صَوْتُ رزمةِ السَّحابِ ، عن ابنِ جنِّي ، وبه فُسّر قَوْل الشاعِرِ :
بينما نحن مرتعون بفَلج |
|
قالت الدلح الرواء إِنيه |
[أوه] : أَوْهُ بسكونِ الواوِ والحَرَكاتِ الثلاثِ ، كجَيْرِ وحيثُ وأَيْنَ ، وعلى الأُولى اقْتَصَرَ الجوْهرِيُّ وأَنْشَدَ :
فأَوْهِ لذِكْراها إِذا ما ذَكَرتُها |
|
ومن بُعْدِ أَرْضٍ بيننا وسماءِ (٢) |
* قُلْتُ : هكذا أَنْشَدَه الفرَّاءُ في نوادِرِه.
قالَ ابنُ بَرِّي : ومثْلُ هذا البَيْت :
فأَوْهِ على زِيارَةِ أُمِّ عَمْروٍ |
|
فكيفَ مع العِدَا ومعَ الوُشاةِ؟ (٣) |
واللُّغةُ الثَّالثةُ ذَكَرَها ابنُ سِيدَه.
قالَ الجوْهرِيُّ : ورُبَّما قَلَبُوا الواوَ أَلِفاً فقالوا : آهِ من كذا ، بكسْرِ الهاءِ.
* قُلْتُ : وبه يُرْوَى البَيْتُ المَذْكُور أَيْضاً ؛ وأَنْشَدَ الأَزْهَرِيُّ :
آهِ من تَيَّاكِ آهَا |
|
تَرَكَتْ قلبي مُتاها (٤) |
ورُبَّما قالوا : أَوِّهِ ، بكسْرِ الهاءِ والواوِ المُشَدَّدَةِ.
وفي الصِّحاحِ : بسكونِ الهاءِ مع تَشْديدِ الواوِ ، قالَ : ورُبَّما قالوا : أَوْ بحذْفِ الهاءِ أَي مع تَشْديدِ الواوِ بِلا مَدِّ ، وبه يُرْوَى البَيْتُ المَذْكورُ أَيْضاً.
قالَ : وبعضُهم يقولُ : أَوَّهْ ، بفتْحِ الواوِ المُشَدَّدَةِ ساكِنَة الهاءِ لتَطْويلِ الصَّوْتِ بالشِّكَايَةِ.
__________________
(١) اللسان والصحاح.
(٢) اللسان والصحاح ويروى : «فأَيِّ لذكراها» وفي التهذيب : فأوه من الذكرى.
(٣) اللسان.
(٤) اللسان والتهذيب.
ووُجِدَ في بعضِ نسخِ الصِّحاحِ بخطِّ المصنِّفِ : وبعضُهم يقولُ آوَّهْ بالمدِّ والتَّشْديدِ وفتْحِ الواوِ ساكِنَة الهاءِ (١).
وما ذَكَرْناه أَوّلاً هو نَصُّ أَبي سَهْلٍ الهَرَويّ في نسختِه.
ويقولونَ : آوُوهُ ، بضمِّ الواوِ ؛ هذا ضَبْطٌ غيرُ كافٍ ، والأولى ما ضَبَطَه ابنُ سِيدَه فقالَ بالمدِّ وبواوَيْنِ ؛ نَقَلَه أَبو حاتِمٍ عن العَرَبِ.
وآهٍ بكسْرِ الهاءِ مُنَوَّنَةً ، أي مع المدِّ وقد تقدَّمَ كَسْرُ الهاءِ من غيرِ تَنْوِينٍ وهُما لُغتانِ.
وقالَ ابنُ الأَنبارِي : آهِ مِن عذابِ اللهِ وآهٍ مِن عذابِ اللهِ.
وليسَ في سِياقِ المصنِّفِ ما يدلُّ على المدِّ كما قبْله وهو قُصُورٌ.
وقالَ الأَزْهرِيُّ : آهِ هو حِكَايةُ المُتَأَهِّة في صوْتِه ، وقد يَفْعلُه الإنسانُ شَفَقةً وجَزَعاً.
وآوٍ ، بكسْرِ الواوِ مُنَوَّنَةً وغيرَ مُنَوَّنَةٍ ، أَي مع المدِّ غَيْر مُشَدَّدَةِ الواوِ.
وأَوَّتاهُ ، بفتْحِ الهَمْزةِ والواوِ والمُثناةِ الفوقِيَّةِ.
ونَصُّ الجوْهرِيّ : ورُبَّما أَدْخلُوا فيه التاءَ فقالوا : أَوَّتاهُ ، يُمَدُّ ولا يُمَدُّ.
وضَبْطُ المصنِّفِ فيه قُصُورٌ. وآوِيَّاهُ ، بتَشْديدِ المُثناةِ التحتيةِ مع المدِّ ، فهي ثلاثُ عَشَرَة لُغَةٍ ، وإذا اعْتَبَرْنا المدَّ في أَوَّتاه وفي آوُوهٍ فهي خَمْسُ عَشَرَة لُغَةٍ.
وحُكِيَ أَيْضاً : آهاً بالمدِّ والتَّنْوينِ ، وواهاً بالواوِ ، وأَوُّوه بالقَصْرِ وتَشْديدِ الواوِ المَضْمومَةِ ، وأَوَّاه كشَدَّادٍ ، وهاه وآهَة ، فهنَّ اثْنَتان وعِشْرُون لُغَة ؛ كلُّ ذلِكَ كلمَةٌ تقالُ عند الشِّكايَةِ أَو التَّوَجُّعِ والتَّحَزُّنِ ؛ وقد جاءَ في حدِيثِ أَبي سعِيدٍ : «أَوْهِ عَيْنُ الرِّبا» ، ضَبَطُوه كجَيْرِ. وفي حدِيثٍ آخَر : «أَوَّهْ لفِراخِ محمدٍ من خليفَةٍ يُسْتَخْلفُ» ، ضَبَطُوه بتَشْديدِ الواوِ وسكونِ الهاءِ.
آهَ الرَّجُلُ أَوْهاً وأَوَّهَ تَأْوِيهاً وتأَوَّهَ : قالَها ، والاسْمُ منه الآهَةُ ، بالمدِّ ؛ قالَ المُثَقِّبُ العَبْدِيُّ :
إذا ما قمتُ أَرْحَلُها بليلٍ |
|
تأَوَّهُ آهَةَ الرجلِ الحزينِ (٢) |
ويُرْوَى أَهَّةَ ، كما في الصِّحاحِ.
وقالَ ابنُ سِيدَه : وعنْدِي أَنَّه وضعَ الاسْم مَوْضِع المَصْدَرِ أَي تَأَوَّهُ تأَوُّهَ الرَّجُلِ ، قيلَ : ويُرْوى :
تَهَوَّه هاهَةَ الرَّجُلِ الحزينِ
والأَوَّاهُ ، كشَدَّادٍ : المُوقِنُ بالإِجابَةِ ، أَو الدَّعَّاءُ ، أَي كَثيرُ الدّعاءِ ، وبه فُسِّر الحدِيثُ : «اللهُم اجْعَلْني مُخْبِتاً أَوَّاهاً مُنِيباً».
أَو الرَّحيمُ الرَّقِيقُ القَلْبِ ، وبه فُسِّرتِ الآيَةُ : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ) (٣).
أَو الفقيهُ ، أَو المُؤْمِنُ بالحَبَشِيَّةِ ، وبكلِّ ذلكَ فُسِّرتِ الآيَةُ.
ويقولونَ في الدّعاءِ على الإِنسانِ : آهَةٌ وماهَةٌ.
حكَى اللّحْيانيُّ عن أَبي خالِدٍ قالَ : الآهَةُ : الحَصْبَةُ ، والماهَةُ : الجُدَرِيُّ.
قالَ ابنُ سِيدَه : أَلفُ آهَةٍ واو لأنَّ العينَ واواً أَكْثَر منها ياء.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
رجُلٌ أَوَّاهٌ : كثيرُ الحُزْنِ.
وقيلَ : هو الدّعَّاءُ إلى الخيْرِ.
وقيلَ : المُتَأَوَّهُ شَفَقاً وفَرَقاً.
وقيلَ : المُتَضَرِّعُ يَقِيناً ، أَي إِيقاناً بالإِجابَةِ ولزوماً للطَّاعَةِ.
__________________
(١) وهذه رواية الصحاح المطبوع.
(٢) المفضلية ٧٦ البيت ٣٥ واللسان والتهذيب والصحاح والمقاييس ١ / ١٦٢ ويروى : تهوّه هاهة.
(٣) هود ، الآية ٧٥.
وقيلَ : هو المُسَبِّحُ.
وقيلَ : الكثيرُ الثَّناءِ. والمُتَأَوِّهُ : المُتَضَرِّعُ.
وقالَ أَبو عَمْرٍو : ظبْيَةٌ مَوْؤُهَةٌ ومَأْووهَةً ، وذلكَ أَنَّ الغَزالَ إِذا نَجا مِن الكلْبِ أَو السَّهْم وَقَفَ وَقْفةً ، ثم قالَ : أَوْهِ ، ثم عَدا.
[أهه] : الأَهَّةُ : كَتَبَه بالحُمْرةِ على أنَّه مُسْتدرِكٌ على الجوْهرِيّ وليسَ كَذلِكَ بل ذَكَرَه في تَرْكيبِ أَوه.
وهو التَّحَزُّنُ والتَّوَجُّعُ.
أَهَّ الرَّجُلُ أَهًّا وأَهَةً ، بتَخفِيفِ الهاءِ ، وأَهَّةً ، بتَشْديدِ الهاءِ ، وتأَهَّهَ تَأَهّهاً : تَوَجَّعَ تَوَجُّعَ الكَئِيبِ فقالَ آهٍ أَو هاهٍ.
قالَ الجوْهرِيُّ : ويُرْوَى قَوْلُ المُثَقِّب العَبْدِي المَذْكُور :
تأَوَّه أَهَّةَ الرجلِ الحَزِينِ
وهو مِن قوْلِهم : أَهَّ الرَّجُلُ أَي تَوَجَّعَ ؛ قالَ العجَّاجُ :
وإن تَشَكَّيْتُ أَذَى القُرُوحِ |
|
بأَهَّةٍ كأَهَّةِ المَجْرُوحِ (١) |
قالَ : ومنه قَوْلُهم في الدّعاءِ على الإِنسانِ : آهة لكَ وأَوَّه لكَ بحذْفِ الهاءِ أَيْضاً مُشَدَّدَة الواوِ.
وفي حدِيثِ مُعاوِيَةَ : «آهاً (٢) أَبا حَفْص» ، هي كلمَةُ تأَسُّفٍ ، انْتِصابُها على إِجْرائِها مَجْرَى المَصادِرِ ، كأَنَّه قالَ : أَتَأَسَّفُ تَأَسُّفاً ، وأَصْلُ الهَمْزَةِ واو.
وقالَ ابنُ الأثيرِ : آهاً كلمةُ تَوَجُّعٍ تُسْتَعْمل في الشرِّ كما أَنَّ واهاً يُسْتَعْمل في الخَيْرِ وسَيَأْتِي في ويه.
[أيه] : إِيهِ ، بكسْرِ الهَمْزةِ والهاءِ : اسمٌ سُمِّي به الفِعْلُ.
وإِيهَ ، بكسْرِ الهَمْزةِ مع فتحِها أَي الهاءِ ، وهذه عن الليْثِ ، وتُنَوَّنُ المَكْسورَةُ : وهي كلِمَةُ اسْتِزادةٍ واسْتِنْطاقٍ ، تقولُ للرَّجُلِ إِذا اسْتَزَدْته مِن حدِيثٍ أَو عَمَلٍ : إيهِ ، بكسْرِ الهاءِ. وفي الحدِيثِ : أَنَّه أَنْشَدَ شِعْرَ أُميَّة بنِ أَبي الصَّلْتِ فقالَ عنْدَ كلِّ بيتٍ : إِيهِ.
وإِيهْ بإِسْكانِ الهاءِ أَي مع كسْرِ الأَلفِ : زَجْرٌ بمعْنَى حَسْبُكَ ، عن ابنِ سِيدَه.
وإِيهِ : مَبْنِيَّةً على الكسْر وقد تُنَوَّنُ ؛ قالَ ابنُ السِّكِّيت : فإِذا وُصِلَتْ نُوِّنَتْ ، تقولُ : إِيهٍ حَدَّثْنا ؛ قالَ : وقَوْلُ ذي الرُّمَّة :
وَقَفْنا فقلنا إِيهِ عن أُمِّ سالِمٍ |
|
وما بالُ تَكْلِيمِ الديارِ البَلاقِع؟ (٣) |
فلم يُنَوِّنْ وقد وَصَلَ لأَنَّه قد نَوَى الوَقْفَ.
قالَ ابنُ السرى : إِذا قلْتَ إِيهِ يا رَجُل فإنَّما تَأْمره بأَنْ يزيدَكَ مِن الحدِيثِ المَعْهودِ بَيْنكما ، كأَنَّك قلْتَ هاتِ الحدِيثَ ، وإِن قُلْتَ إِيهٍ بالتَّنْوينِ فكأَنَّك قُلْتَ هاتِ حدِيثاً مَّا ، لأَنَّ التَّنْوينَ تَنْكِيرٌ ، وذو الرُّمَّة أَرادَ التَّنْوينَ فتَرَكَه للضَّرُورَةِ ؛ كذا في الصِّحاحِ.
ومِثْلُه قَوْلُ ثَعْلَب فإِنّه قالَ : تَرَكَ التّنْوين في الوَصْل واكْتَفَى بالوَقْفِ.
وقالَ الأصْمعيُّ : أَخْطَأَ ذُو الرُّمَّة إِنَّما كَلامُ العَرَبِ إِيهٍ.
قالَ ابنُ سِيدَه : والصَّحِيحُ أَنَّ هذه الأَصْواتَ إِذا عَنَيْت بها المَعْرفَةَ لم تُنَوّنْ ، وإذا عَنَيْت بها النّكِرَة نَوَّنْت ، وإنَّما اسْتَزادَ ذو الرُّمَّة هذا الطَّلَل حديثاً مَعْروفاً ، كأَنَّه قالَ : حَدَّثْنا الحدِيثَ أَو خَبِّرْنا الخَبَرَ.
وقالَ ابنُ بَرِّي : قالَ أَبو بكْرِ بن السرَّاجِ في كِتابِ الأُصُولِ في بابِ ضَرُورَةِ الشَّعْر حينَ أَنْشَدَ هذا البَيْتَ : فقلنا إِيهِ عن أُمِّ سالِمٍ : هذا لا يُعْرَفُ إِلَّا مُنَوَّناً في شيءِ مِن اللُّغاتِ ، يُريدُ أَنَّه لا يكونُ مَوْصولاً إلَّا منوَّناً ، انتَهَى.
وإِذا قُلْتَ : إِيهاً عنَّا ، بالنَّصْبِ فإِنَّما تَأْمره بالسّكوتِ والكَفِّ ؛ نَقَلَهُ الجوْهرِيُّ.
ومنه حدِيثُ أُصَيْلٍ الخُزَاعِيِّ حينَ قَدِمَ عليه المدينَةَ فقالَ له : «كيف تركتَ مكةَ»؟ فقالَ : تَرَكْتها وقد أَحْجَنَ
__________________
(١) اللسان : والثاني في الصحاح.
(٢) في اللسان : أهّاً.
(٣) اللسان والتهذيب والصحاح والأساس.
ثُمَامُها وأَعْذَقَ إِذْخِرُها وأَمْشَر سَلَمُها ، فقالَ : إِيهاً أُصَيْلُ دَعِ القُلوبَ تَقِرُّ ، أَي كُفَّ واسْكُتْ.
وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي قَوْلَ حاتِمٍ الطائيّ :
إِيهاً فِدًى لَكُمُ أُمِّي وما وَلَدَتْ |
|
حامُوا على مَجْدِكُم واكْفُوا مَنِ اتَّكَلا (١) |
وقالَ أَبو زيْدٍ : تقولُ في الأَمْرِ إِيهِ افْعَلْ ، وفي النَّهْي : إِيهاً عنِّي الآنَ ، أَي كُفَّ.
وإِيهَ ، بالفتحِ مع كسْرِ الأَلفِ : أَمْرٌ بالسُّكوتِ والكَفِّ.
وقالَ الليْثُ : هِيهِ وهِيهَ ، بالكسْرِ والفتحِ ، في مَوْضِع أيهِ وإِيهَ.
وأَيَّهَ بالبَعيرِ تَأْيِيهاً : صاحَ به ونادَاهُ ؛ وفي الصِّحاحِ : ودَعاهُ ، هكذا خَصَّه بالجِمالِ وعمَّ به غيرَه الناس والجِمَال والخَيْل ؛ ومنه حدِيث ملك المَوْت : «إِنِّي أُؤَيِّهُ بها كما يُؤَيَّهُ بالخَيْلِ فتُجِيبُني» ، أَي الأَرْواحُ.
وقالَ أَبو عبيدٍ : أَيَّهَ بالرَّجُلِ والفَرَسِ ، وهو أَنْ يقولَ لها ياهْ ياهْ ؛ وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي في تَأْيِيهِ الإِبلِ لرُؤْبَة :
بحور لا مسقى ولا مُؤَيَّه (٢)
وقالَ ابنُ الأثيرِ : أيَّهَ بفلانٍ تَأْيِيهاً إِذا دَعاهُ ونادَاهُ كأنَّه قالَ له : يا أَيُّها الرّجلُ.
وأَيْهانَ ، كسَحْبان ، وتُكْسَرُ نُونُها ، وفي الصِّحاحِ : ورُبَّما قالوا : أَيْهان بالنُّون كالتَّثْنِية ، قلْتُ ؛ رَوَاهُ ثَعْلَب ؛ وأَيْها ، بحذْفِ النّونِ نَقَلَه الجوْهرِيُّ ، وأَيْهاتَ ، نَقَلَه الجوْهرِيُّ أَيْضاً ، كلُّ ذلِكَ لُغاتٌ في هَيْهاتَ.
قالَ الجوْهرِيُّ : وإِذا أَرَدْتَ التَّبْعِيدَ قلْتَ أَيْها ، بفتْحِ الهَمْزةِ بمعْنَى هَيْهاتَ ؛ وأَنْشَدَ الفرَّاءُ :
ومنْ دونِيَ الأَعْيارُ والقِنْعُ كُلُّهُ |
|
وكُتْمانُ أَيْها ما أَشَتَّ وأَبْعَدَا (٣) |
انتَهَى.
وقالَ ثَعْلَب : يقالُ أَيْهانِ ذلكَ أَي بَعِيدَ ذلكَ.
وقالَ أَبو عليِّ : مَعْناه بَعُدَ ذلكَ ، فجعَلَه اسمَ الفِعْل ، وهو الصَّحيحُ لأنَّ مَعْناهُ الأَمْر.
وأَيْهَكَ بمعْنَى وَيْهَكَ.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
قالَ اللَّيْثُ : إِيهِ وإِيهٍ في الاسْتِزادَةِ ، وإِيهِ وإِيهاً في الزَّجْرِ.
قالَ ابنُ الأَثيرِ : وقد تَرِدُ المَنْصوبَة بمعْنَى التَّصْديقِ والرِّضا بالشيءِ ؛ ومنه حدِيثُ ابنِ الزُّبَيْرِ ، لمَّا قيلَ له يا بنَ ذاتِ النِّطاقَيْنِ ، فقالَ : إِيهاً والإِلهِ أَي صدَّقْتُ ورضيتُ بذلكَ ، ويُرْوَى : إِيهِ ، بالكسْرِ ، أَي زِدْني من هذه المَنْقَبَةِ.
وحَكَى اللّحْيانيُّ عن الكِسائي : إِيهِ وهِيهِ ، على البَدَلِ ، أَي حَدِّثْنا.
وأَيَّهَ القانِصُ بالصَّيْدِ : زَجَرَه ؛ قالَ الشاعِرُ :
مُحَرَّجةً حُصَّا كأَنَّ عُيونَهَا |
|
إِذا أَيَّهَ القَنَّاصُ بالصَّيْدِ عَضْرَسُ (٤) |
فصل الباء مع الهاء
[بأه] : ما بأَهْتُ له ، كمَنَعْتُ : أَهْمَلَهُ الجَوْهرِيُّ.
وفي اللِّسانِ : أَي ما فَطِنْتُ له ؛ قُلْتُ : وهو مَقْلوبُ أَبهْتُ له ، كما تقدَّمَ.
[بجه] : بُجَيْهٌ ، كزُبَيْرٍ : أَهْمَلَهُ الجماعَةُ.
وهو ابنُ عليِّ بنِ بُجَيْه أَبو القاسِمِ الهاشِمِيُّ الطَّبَرِيُّ مُحدِّثٌ عن عليِّ بنِ مَهْدي.
__________________
(١) ديوانه ط بيروت ص ٧٤ برواية : «وَيْهاً فداؤكم أمي ...» واللسان.
(٢) اللسان وبهامش المطبوعة المصرية : «قوله : لا مسقى كذا بخطه ، وفي اللسان لا مسقى برسم حرفين بدل السين بلا نقط فحرره».
(٣) اللسان والصحاح.
(٤) اللسان.
وفاتَهُ :
مَهْديُّ بنُ محمدِ بنِ بُجَيْه الطَّبَريُّ. رَوَى عن بُجَيْه المَذْكُور وعن الحاكِمِ ؛ نَقَلَهُ الحافِظُ والصَّاغانِيُّ إِلَّا أَنَّه ضَبَطَه كأَميرٍ في المَوْضِعَيْن بخطِّه مجوّداً.
[بده] : بَدَهَهُ بأَمْرٍ ، كمَنَعَهُ ، بَدْهاً : اسْتَقْبَلَهُ به ، كما في الصِّحاحِ ؛ زادَ الأَزْهرِيُّ مُفاجَأَةً.
أَو بدأَهُ به ، والهاءُ بَدَلٌ مِن الهَمْزةِ.
وبَدَهَهُ أَمْرٌ بَدْهاً : فَجِئَهُ ، كما في الصِّحاحِ.
والبَدْهُ والبَداهَةُ ، ويُضَمَّانِ ، واقْتَصَرَ الجوْهرِيُّ على ضمِّ الأَخيرِ ، والفَتْح في الأَخيرِ عن الصَّاغاني ، والبَديهَةُ.
نَقَلَه الجْوهرِيُّ أَيْضاً ؛ هو أَوَّلُ كُلِّ شيءٍ وما يَفْجَأُ منه.
وبادَهَهُ به مُبادَهَةً وبِداهاً ، بالكسْرِ ، أَي فاجَأَهُ به ؛ وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي للطرمَّاحِ :
وأَجْوِبة كالرَّاعِبيَّةِ وَخْزُها |
|
يُبادِهُها شيخُ العِراقَيْنِ أَمْردَا (١) |
وفي صفتِه صلىاللهعليهوسلم : «مَنْ رآهُ بَدِيهَةً هابَهُ» ، أَي مُفاجَأَةً وبَغْتَةً ، يعْنِي مَنْ لَقِيَه قبْلَ الاخْتِلاطِ به هَابَهُ لوقارِهِ وسُكونِه ، وإِذا جالَسَهُ وخالَطَهُ بانَ له حُسْنُ خُلُقِه.
ويقالُ : لك البديهَةُ أَي لكَ أَن تَبْدَأَ.
قالَ ابنُ سِيدَه : وأُرى الهاء بَدَلاً مِنَ الهَمْزةِ.
وهو ذُو بَدِيهَةٍ : يصيبُ الرأْيَ في أَوَّلِ ما يفْجَأُ به.
وقالَ عليُّ بنُ ظافِرٍ الحدّاد في بدائِعِ البَدائِه : إنَّ أَصْلَ البَدِيهَةِ والارْتِجالِ في الكَلامِ وغلب في الشِّعْر بِلا رَوِيّة وتَفَكّرٍ وإِنَّ الارْتِجالَ أَسْرَعَ مِن البَديهَةِ والرَّوِيَّة بَعْدَهما.
قالَ شيْخُنا : فأَشارَ إِلى الفرقِ بينَ البَدِيهَةِ والارْتِجالِ ، وهو الذي ذَهَبَ إِليه ابنُ رَشِيقٍ في العمْدَةِ وأَيَّدَه.
ويَقولُونَ : أَجابَ على البَديهَةِ ، أَي أَوَّل ما يفْجَأُ به.
وله بَدائِهُ في الكَلامِ والشِّعْرِ والجَوابِ : أَي بَدائِعُ كأَنَّه جَمْع بَدِيهَة ، كسَفِينَة وسَفائِن ، ولا يبعدُ أنْ تكونَ الهاءُ بَدَلاً مِن العَيْنِ.
ويقالُ : هذا مَعلومٌ في بَدائِهِ العُقولِ.
ويقالُ : ابْتَدَهَ الخُطْبَةَ ، إذا ارْتَجَلَها ؛ وهُمْ يَتَبادَهُونَ الخُطَبَ : يَرْتَجِلُونَها ، والتَّفاعلُ ليسَ على حَقيقَتِه.
وفي الصِّحاحِ : هُما يَتَبادَهانِ بالشّعْرِ ، أَي يَتَجارَيَان.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
بَدِيهَةُ الفَرَسِ وبُداهَتُه ، بالضَّمِّ : أَوَّلُ جَرْيِه ، وعُلالَتُه : جَرْيٌ بَعْدَ جَرْيٍ ؛ وأَنْشَدَ الجوْهرِيُّ للأَعْشى :
إلَّا بُدَاهَةَ أَو عُلا |
|
لَةَ سابِحٍ نَهْدِ الجُزَارَه (٢) |
تقولُ : هو ذُو بَدِيهَةٍ وذُو بَداهَة ؛ ونَقَلَه الأَزْهرِيُّ أَيْضاً.
وقالَ ابنُ سِيدَه : وأُرَى الهاء في كلِّ ذلكَ بَدَلاً عن الهَمْزةِ.
وقالَ الزَّمَخْشريُّ : لَحِقَهُ في بَدَاهَةِ جَرْيِه.
والمُبادَهَةُ : المُباغَتَةُ.
وبَدَّه الرجلُ تَبْدِيهاً : أَجابَ جَواباً سَدِيداً (٣) ؛ عن ابنِ الأَعْرابيِّ.
ورجلٌ مِبْدَهٌ ، كمِنْبَرٍ ؛ وأَنْشَدَ الجوْهرِيُّ لرُؤْبَة :
بالدَّرْءِ عنِّي كلّ دَرْءِ عَنْجُهِي |
|
وكَيْدِ مَطَّالٍ وخَضْمٍ مِبْدَهِ (٤) |
والبَدِيهي : الأَحْمَقُ السَّاذِجُ ، مُوَلَّدَةٌ.
وأَيْضاً : لَقَبُ أَبي الحَسَنِ عليِّ بنِ محمدٍ البَغْدادِيّ الشاعِر لُقِّبَ به لشِعْرٍ نَظَمَه بَدِيهَة.
وبُدْهةُ ، بالضمِّ : ناحِيَةٌ بالسِّنْدِ ، ويقالُ بالنّونِ وسَيَأْتِي.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
__________________
(١) اللسان.
(٢) ديوانه ط بيروت ص ٧٨ برواية : «إلّا علالة أو بداهة». كالصحاح والمثبت كرواية اللسان والتهذيب والمقاييس ١ / ٢١٢.
(٣) زيد في التهذيب : على البديهة بلا تروية فيه.
(٤) اللسان وفيه : «عني درء كل عنجهي» والثاني في الصحاح.
[بدوه] : بدويه ، محرّكةً : قَرْيةٌ بمِصْرَ مِن الدقهلية ، وقد مَرَرْتُ عليها ، والنِّسْبَةُ بدويهيٌّ.
[برقه] : أَبَرْقُوهُ ، كسَقَنْقُوَرٍ : أَهْمَلَهُ الجماعَةُ.
قالَ ياقوتُ : وهكذا ضَبَطَها أَبو سعْدٍ ويكْتبُها بعضُهم أَبَرْقُويه ؛ وهو مُعَرَّبُ بَرِكُوْه بكسْرِ الراءِ ، أَي ناحِيَةُ الجَبَلِ. وأَهْلُ فارِسَ يُسمُّونَها وَرْكُوه ، ومَعْناهُ فَوْق الجَبَلِ ، كذا قالَهُ ياقوت.
* قُلْتُ : الذي مَعْناه فَوْقَ الجَبَلِ هو بَرْكُوه ، بسكونِ الراءِ ، وتُطْلَقُ بَر على مَعْنَى الناحِيَةِ ومعْنَى فَوْق ومعْنَى الصَّدْرِ كما هو مَعْروفٌ عنْدَهُم ، وكُوه هو الجَبَل.
وهو د مَشْهورٌ بفارِسَ من كُورَةِ اصطخر قُرْبَ يَزْد.
وقالَ الإصطخريُّ : أَبَرْقُوهُ آخِرُ حُدودِ فارِسَ بَيْنها وبينَ يَزْد ثلاثَةُ فَراسِخَ أَو أَرْبَعَة ، خصبَةٌ رَخيصَةُ الأسعارِ ، كَثِيرَةُ الزَّحْمَة ، مُشْتبكةُ البِناءِ قَرْعاء ليسَ حَوْلها شَجَرٌ ولا بَساتِيْن إلَّا ما بَعُدَ عنها ، وبها تلٌّ عَظيمٌ مِن الرّمادِ يزْعُمُ أَهْلُها أَنَّها نارُ إبراهيمَ التي جُعِلَتْ عليه بَرْداً وسَلاماً.
منه أَبو القاسِمِ عليُّ بنُ أَحمدَ (١) الأبرقُوهي الوَزِيرُ (٢) بهاء الدَّوْلَةِ بن عَضُدِ الدّوْلةِ بنِ بويه.
* قُلْتُ : ومنه أَيْضاً : الجلالُ أبو الكرمِ عبدُ اللهِ بنُ عبدِ القادِرِ بنِ عبدِ الحقِّ بنِ عبدِ القادِرِ بنِ محمدِ بنِ عبدِ السَّلامِ الطاوسيّ الأَبَرْقُوهيّ ، والدُ الشّهاب أَحمدَ ، وأَخُو عَبْد الرّحمنِ ، وُلِدَ سَنَة ٧٦٢ بأَبَرْقُوه ، وقَرَأَ على أَبيهِ وعَمِّهِ الصَّدْر إبراهيم ، وأَجازَ له ابنُ أميلَةَ والصَّلاحُ بنُ أَبي عُمَر وابنُ رافِع وابنُ كَثيرٍ وابنُ المحبِّ ، رَوَى عنه ابْنُه ، تُوفي سَنَة ٨٣٣ ، وتقدَّمَ ذِكْرُه أَيْضاً في ط وس.
قالَ ياقوتُ : وذَكَرَ أَبو سعْدٍ أَبَرْقُوه قَرْية أُخْرَى بنواحِي أَصْفَهان على عِشْرِين فَرْسخاً ، فإن لم يَكُن سَهْواً منه فهي غَيْر التي ذُكِرَتْ ونُسِبَ إليها أَبا الحَسَن هبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ بنِ فهْدٍ (٣) الأَبرقوهي الفَقِيهُ ، حَدَّثَ عن أَبي القاسِمِ عبدِ الرحمنِ بنِ منْدَه بالكَثيرِ ، وعنه الحافِظُ أَبو موسَى المدينيّ ، ماتَ في حدودِ سَنَة ٥١٨.
وأَبَرْقُوهُ أَيْضاً : ة على سِتِّ مَراحِلَ من نَيْسابورَ.
وفي كَلامِ الإصطخري ما يُفْهَم أَنَّها على خَمْس مَراحِلَ منها ، فإنَّه قالَ : مِن أَبَرْقُويه إلى زاذويه (٤) ، ثم إلى زيكن ، ثم إلى اسْتَلَسْت ، ثم إلى ترشيش ، ثم إلى نَيْسابورَ ، فتأَمَّلْ ذلِكَ.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
[بردنوه] : بَرْدَنُوهةُ ، بفتحِ الموحَدَةِ والدالِ وسكونِ الراءِ وضمِّ النونِ : قَرْيةٌ بمِصْرِ من أعْمالِ البهنساوية ، والنِّسْبَةُ بَرْدَنُوهيُّ.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
[برزه] : بَرْزَهُ ، كجَعْفَرٍ : قَرْيةٌ ببيهق مِن نواحِي نَيْسابورَ ، منها : أَبو القاسِمِ حَمْزةُ بنُ البَرْزَهيّ ، له تَصانِيف في الأَدبِ منها : مُحامِدُ مَنْ يقالُ له محمدُ ، ومَحاسِنُ مَنْ يقالُ له أَبو الحَسَنِ ، ذَكَرَه الباخرزي في دمية القَصْرِ ، ماتَ سَنَة ٤٨٨ ؛ قالَهُ عبدُ الغافِرِ الفارِسِيُّ في السِّياقِ.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
[برشه] : برشيه ، محرّكةً : قَرْيةٌ بمِصْرَ من الدقهلية ، والنِّسْبَة برشيهيّ.
[بره] : البَرْهَةُ ، بالفْتحِ ويُضَمُّ : الزَّمانُ الطَّويلُ.
وفي الصِّحاحِ : المدَّةُ الطَّويلَةُ مِن الزَّمانِ ؛ أَو أَعَمُّ ؛ والأَوَّلُ قَوْلُ ابنِ السِّكِّيت.
يقالُ : أَقَمْتُ عنْدَه بُرْهَةً من الدَّهْرِ كقَوْلِكَ : أَقَمْتُ عنْدَه سَنَةً من الدَّهْرِ.
وأَبْرَهَةُ بنُ الحارِثِ الرَّائِشُ ، الذي يقالُ له ذُو المَنارِ ، وهو تُبَّعٌ مِن مُلُوكِ اليَمَنِ.
__________________
(١) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : علي بن أحمد كذا بخط الشارح موافقاً لما في ياقوت ، والذي في المتن المطبوع : أحمدُ بنُ عليِّ».
(٢) كذا بالأصل والقاموس ، والصواب : «وزير» كما في ياقوت.
(٣) في اللباب ومعجم البلدان : محمد.
(٤) في معجم البلدان : «زادويه» بالدال المهملة ، ولم يفرد لها ترجمة.
وأَبْرَهَةُ بنُ الصَّبَّاحِ أَيْضاً مِن مُلُوكِ اليَمَنِ ، وهو أَبو يَكْسُوم مَلِكُ الحَبَشَةِ ، صاحِبُ الفِيلِ المَذْكورِ في القرآنِ ، سافَرَ به إلى بيتِ اللهِ الحَرَام فأَهْلَكَه اللهُ تعالى ، ويُلَقّبُ هذا بالأَشْرَمِ ؛ وأَنْشَدَ الجوْهرِيُّ :
مَنَعْتَ مِنْ أَبْرَهَةَ الحَطِيما |
|
وكُنْتَ فيما ساءَهُ زَعِيما (١) |
والبَرَهْرَهَةُ : المَرأَةُ البَيْضاءُ الشَّابَّةُ ؛ وقيلَ : النَّاعِمَةُ ، أَو التَّارَّةُ التي تَكادُ تُرْعَدُ رُطوبَةً ونُعومَةً.
وقيلَ : هي التي لها بَرِيق مِن صَفائِها.
وقيلَ : هي الرَّقيقَةُ الجِلْدِ كأَنَّ الماءَ يَجْرِي فيها مِن النَّعْمةِ.
قالَ الجوْهرِيُّ : وهي فَعَلْعَلَةٌ كُرِّرَ فيه العَيْنُ واللامُ ؛ وأَنْشَدَ لامْرئِ القَيْسِ :
بَرَهْرَهَةٌ رُؤودَةٌ رَخْصَةٌ |
|
كَخُرْعُوبةِ البانةِ المُنْفَطِر (٢) |
وبَرَهْرَهَتْها : تَرارَتُها وبَضَاضَتُها.
والبَرَهُ ، محرّكةً : التَّرارَةُ ، ومنه البَرَهْرَهَةُ.
وبَرَهُوتُ (٣) ، محرّكةً على مِثَالِ رَهَبُوت كما في الصِّحَاحِ ، وهو قَوْلُ الأصْمعيّ.
قالَ ابنُ بَرِّي : صَوابُه بَرَهُوتُ غَيْرُ مَصْروفٍ للتَّأْنِيْثِ والتَّعْريفِ.
* قُلْتُ : ويدلُّ على أَنَّه مَصْروفٌ قَوْل النُّعْمان بنِ بشير في بنْتِ هانئِ الكِنْديَّة ، وهي أُمُّ ولدِهِ :
أنّى تذكّرها وغَمْرَةُ دونها؟ |
|
هيهات بطن قَناةَ من برهوتِ (٤) |
والقَصِيدَةُ كُلُّها مكْسُورَةُ التاءِ.
ويقالُ : بُرْهُوتُ ، بالضَّمِّ ، مثْلُ سُبْرُوت ، نَقَلَه الجوْهرِيُّ أَيْضاً. بِئْرٌ بَحَضْرَمَوْتَ ، يقالُ فيها أَرْواحُ الكُفّارِ. وفي الحدِيثِ : «خيرُ بئرٍ في الأرضِ زَمْزَمُ ، وشرُّ بئرٍ في الأرضِ بَرَهُوتُ» ، كما في الصِّحاحِ.
أَخْرَجَهُ الطّبرانيّ ، وزادَ غيرُهُ : لا يُدْرَكَ عمْقُها.
وقالَ ابنُ الأثيرِ : وتَاؤُهُ على التحْرِيكِ زائِدَةٌ ، وعلى الضمِّ أَصْلِيَّة.
قالَ شيْخُنا : ولذلِكَ ذَكَرَه المصنِّفُ هنا وفي التاءِ إشارَة إلى القَوْلَيْن.
أَو وادٍ باليَمَنِ ؛ نَقَلَه ياقوتُ عن محمدِ بنِ أحمدِ.
ورُوِي عن عليِّ ، رضِيَ اللهُ تعالى عنه ، قالَ : «أَبْغَضُ بُقْعَةٍ في الأَرضِ إلى اللهِ تعالى وادِي بَرَهُوت بحَضْرَمَوْتَ ، فيه أَرْواحُ الكُفَّارِ ، وفيه بِئْرٌ ماؤُها مُنْتِنٌ» ، وفي حَدِيثٍ آخَر عنه : «شَرُّ بئْرٍ في الأرْضِ بِئْرُ بَلَهوت في بَرَهُوت».
أَو : د باليَمَنِ.
وبَرِهَ الرّجُلُ ، كسَمِعَ ، بَرَهاً ، وفي نسخةٍ بَرَهاناً كِلاهُما بالتحْرِيكِ : ثابَ جِسْمُه بَعْدَ تَغَيّرٍ مِن عِلَّةٍ ؛ عن ابنِ الأَعْرابيِّ ، زادَ غيرُهُ : وابْيَضَّ جِسْمُه. ولو اقْتَصَرَ على قَوْلِه : وابْيَضَّ ، كانَ كافِياً.
وهو أَبْرَهُ ، وهي بَرْهاءُ.
وأَبْرَهَ الرَّجُلُ : إذا أَتَى بالبُرْهانِ ، أَي بيانِ الحجّةِ وإيضَاحِها ، هذا هو الصَّوابُ كما قالَ ابنُ الأعْرابيّ إنْ صحَّ عنه ، وهو رِوايَةُ أَبي عَمْرٍو.
وأَمَّا قَوْلُهم : بَرْهَنَ فلانٌ إذا أَوْضَحَ البُرْهان ، فهو مُوَلَّد ، نَقَلَهُ الأَزْهرِيُّ.
أَو أَبْرَهَ : أَتى بالعَجائِبِ وغَلَبَ الناسَ.
واخْتُلِفَ في نونِ البُرْهانِ فقيلَ : هي غَيْرُ أَصْليَّةٍ ؛ قالَهُ اللّيْثُ ، ومِثْلُه للزَّمَخْشرِيّ فإنّه قالَ : البُرْهانُ مُشْتَقٌّ مِن
__________________
(١) اللسان والصحاح.
(٢) ديوانه ط بيروت ص ١١٠ برواية : «رودةٌ» بدون همزة ، والمثبت كرواية اللسان والصحاح.
(٣) على هامش القاموس عن نسخة : وبَرْهُوت ويُحَرّكُ وبالضم.
(٤) معجم البلدان : «برهوت» بكسر التاء ، وقبله فيه :
ولعل ذلك أن براد فتكرهي |
|
وهناك إن عفت السفار عُصيتِ |
البَراهَةِ (١) كالسُّلْطانِ مِن السَّلِيطِ.
وقالَ غيرُه : يَجوزُ أَنْ يكونَ نونُ بُرْهان نُون جَمْعٍ جُعِلَتْ كالأَصْليَّة ، كما جَمَعُوا مَصِيراً على مُصْرانٍ ثم جَمَعُوا مُصْرانَ على مَصارِينَ ، على تَوهّم أَنَّها أَصْلِيَّة.
وبُرَيْهٌ ، كزُبَيْرٍ ، مُصَغَّرُ إبْراهيمَ ، وكأَنَّ الميمَ زائِدَةٌ ؛ ويقالُ : بُرَيْهِمٌ ، والعامَّةُ تقولُ : بَرْهُومَة.
ونَهْرُ بُرَيْهٍ : بالبَصْرَةِ شَرْقي دَجْلَةَ.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
البَرَهْرَهَةُ : التَّرارَةُ والبَضَاضَةُ ، وأَيْضاً السّكِينَةُ البَيْضاءُ الصَّافِيَة الحَدِيدِ ؛ وبه فُسِّر حدِيثُ المَبْعَثِ : «فأخْرَجَ منه عَلَقَةً سَوْداءَ ثم أَدْخَلَ فيه البَرَهْرَهَةَ».
قالَ الخطّابيُّ : قد أَكْثرْتُ السُّؤالَ عنها ولم أَجِدْ فيها قَوْلاً يقطعُ بصحَّتِه ، ثم اخْتَار أنَّها السكينُ.
وتَصْغيرُ بَرَهْرَهَةٍ بُرَيْهَة ، ومن أَتَمَّها قالَ : بُرَيْرِيهَة ، وأَمَّا بُرَيْهِرَهَة فقَبِيحَةٌ قلَّ أَنْ يُتَكلَّمَ بها.
وبُرَيْهٌ ، كزُبَيْرٍ : وادٍ بالحجازِ قُرْبَ مكَّةَ ، عن ياقوت (٢).
وبُرَيْهَةُ بنْتُ إبراهيمَ بنِ يَحْيَى بنِ محمدِ بنِ عليِّ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ ، كانَ أَبُوها يُصلِّي بالناسِ بجامِعِ المَنْصورِ الجمعات ، وإليها نُسِبَ أَبو إسْحاق محمدُ بنُ هَارون بنِ عيسَى بنِ إبراهيمَ بنِ عيسَى بنِ جَعْفرِ (٣) بنِ أَبي جَعْفرٍ المَنْصور العبَّاسِيّ وهي جَدَّتُه ، رَوَى عن أَحمدَ ابنِ مَنْصورِ الرّمادِيّ.
وبنُو البريهى : جماعَةٌ باليَمَنِ يَرْجِعُ نَسَبُهم إلى السكاسك ، ذَكَرَ الجنْدِيُّ منهم جماعَةً.
وبارهةُ : ناحِيَةٌ بالهِنْدِ ؛ وبِرَهِيٌّ ، كعِنَبِيِّ : قَرْيةٌ بها.
وأبرهةُ : خادِمَةُ النَّجاشِي ، صَحابيَّةٌ.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
[بشه] : إبْشيه (٤) ، بالكسْرِ فالسكونِ : قَرْيةٌ بمِصْرَ مِن الغربيَّة ، وتُضافُ إلى الملق ، ومنها مُؤَلِّفُ سلوان المطاع في عدْوانِ الأتْباعِ.
[بله] : رجُلٌ أَبْلَهُ بَيِّنُ البَلَهِ ، محرّكةً ، والبَلاهَةِ ، أَي غافِلٌ ، أَو عن الشَّرِّ لا يُحْسِنُه ، أَو أَحْمَقٌ لا تَمْييزَ له.
وقالَ النَّضْرُ : هو المَيِّتُ الدَّاءِ ، أَي من شَرُّه مَيِّتٌ لا ينْبَه له ؛ وبه فُسِّرَ
الحدِيثُ : «أَكْثَرُ أَهْلِ الجنَّةِ البُلْهُ».
وقيلَ : هو الحَسَنُ الخُلُقِ ، القَليلُ الفِطْنَةِ لَمَداقِّ الأُمورِ ؛ وبه فُسِّرَ الحدِيثُ أَيْضاً.
أَو من غَلَبَتْهُ سَلامَةُ الصَّدْرِ وحُسْنُ الظَّنِّ بالناسِ ؛ نَقَلَهُ الجوْهَرِيُّ ؛ وبه فُسِّرَ الحدِيثُ أَيْضاً ، لأنَّهم أَغْفَلوا عن أَمْرِ دُنْياهم فجَهِلوا حِذْقَ التَّصَرُّفِ فيها وأَقْبَلوا على آخِرَتِهم فشَغَلُوا أَنْفُسَهم بها ، فاسْتَحَقُّوا أَنْ يَكونُوا أَكْثَر أَهْل الجنَّةِ.
وقالَ الجوْهرِيُّ : يعْنِي البُلْهَ في أَمْرِ الدُّنْيا لقلَّةِ اهْتِمامِهم بها وهم أَكياسٌ في أَمْرِ الآخِرَةِ.
قالَ الزِّبْرقانُ بنُ بَدْرٍ : خيرُ أَوْلادِنا الأبْلهُ العَقُولُ ، يريدُ أَنَّه لشِدَّةِ حَيائِه كالأَبْلَهِ ، وهو عَقُولٌ.
وفي التَّهْذِيبِ : الأَبْلَهُ الذي طُبع على الخَيْرِ فهو غافِلٌ عن الشرِّ لا يَعْرِفه ؛ وبه فُسِّر الحدِيثُ.
وقالَ أَحمدُ بنُ حَنْبَل في تفْسِيرِ قَوْلِه اسْتَراحَ البُلْهُ ، قالَ : هُم الغافِلُونَ عن الدُّنْيا وأَهْلِها وفَسادِهم وغِلِّهم ، فإذا جَاؤُوا إلى الأَمْرِ والنَّهْي فهُمُ العُقَلاءُ الفُقهاءُ.
بَلِهَ ، كفَرِحَ ، بَلَهاً وتَبَلَّه ، نَقَلَهُ الجوْهرِيُّ ، وبَلِهَ ، كفَرِحَ أَيْضاً : عَيِيَ عن حُجَّتِهِ لغَفْلتِه وقلَّةِ تَمْيِيزِهِ.
ومِن المجازِ : هو في عَيْشِ أَبْلَهَ وشَبابٍ أَبْلَهَ ، أَي ناعِمٍ (٥) كأَنَّ صاحِبَهُ غافِلٌ عن الطَّوارِقِ ؛ كما في الأساسِ.
__________________
(١) في الأساس : من البَرَهرهة ، وهي البيضاء من الجواري.
(٢) كذا بالأصل : «بريه» نهر بالبصرة من شرقي دجلة والذي في معجم البلدان : «بُرَيْمٌ» آخره ميم.
(٣) قوله : «جعفر» سقط من عمود نسبه في اللباب ، والأصل كالتبصير.
(٤) قيدها ياقوت : «أَبْشُويَه».
(٥) في القاموس : وعيشٌ أبلهُ ، وشبابٌ أبلهُ : ناعمٌ وتصرف الشارح بالعبارة فاقتضى الجر ، بحرف الجر «في».
وفي الصِّحاحِ : شبابٌ أَبْلَه لمَا فيه مِن الغَرارَةِ ، يُوصَفُ به كما يُوصَفُ بالسُّلُوِّ والجُنُونِ لمُضَارَعَتِه هذه الأَسْبابَ.
وعَيْشٌ أَبْلَهُ : قَليلُ الغُمومِ ؛ قالَ رُؤْبة :
بعدَ غُدانِيِّ الشَّبابِ الأَبْلَهِ (١)
قالَ الأَزْهرِيُّ : يُريدُ الناعِمُ.
ومِن المجازِ : البَلْهاءُ : النَّاقَةُ التي لا تَنْحاشُ من شيءٍ مَكانَةً ورَزَانَةً ؛ وفي الأَساسِ : لا تَنْحاشُ من ثِقَلٍ ؛ كأَنَّها حَمْقاءُ.
وما ذَكَرَه المصنِّفُ هو قَوْلُ ابنِ شُمَيْل ؛ زادَ : ولا يقالُ جَمَلٌ أَبْلَهُ.
والبَلْهاءُ : ناقَةٌ م ، أَي مَعْروفَةٌ ، وإِيَّاها عَنَى قَيْسُ بنُ العَيْزارَةَ الهُذَليُّ بقوْلِه :
وقالوا لنا : البَلْهاءُ أَوَّلُ سُؤْلةٍ |
|
وأَغْراسُها واللهُ عنِّي يُدافِعُ (٢) |
والبَلْهاءُ : المرأَةُ الكَرِيمَةُ المَرِيرَةُ ؛ هكذا في النسخِ والصَّوابُ : المَزيرَةُ ، بالزّاي ؛ الغَرِيرَةُ المُغَفَّلَةُ ؛ وأَنْشَدَ ابنُ شُمَيْلٍ :
ولقَدْ لَهَوْتُ بطِفْلةٍ مَيَّالةٍ |
|
بَلْهاءَ تُطْلِعُني على أَسْرارِها (٣) |
أَرادَ : أَنَّها غِرٌّ لا دَهاءَ لها فهي تُخْبِرني بأَسْرارِها ولا تَفْطَن لما في ذلِكَ عليها.
والتَّبَلُّه : اسْتِعْمالُ البَلَهِ كالتَّبالُهِ.
وفي الصِّحاحِ : تَبَالَهَ أَرَى مِن نفْسِه ذلِكَ وليسَ به.
والتَّبَلُّه : تَطَلُّبُ الضَّالَّةِ. وأَيْضاً : تَعَسُّفُ الطَّريقِ على غيرِ هدايةٍ ولا مسأَلةٍ ؛ عن أَبي عليِّ ، وهو مجازٌ.
وقالَ الأَزْهرِيُّ : العَرَبُ تقولُ فلانٌ يتَبَلَّه تَبَلُّهاً (٤) إِذا تَعَسَّفَ طَريقاً لا يهْتدِي فيها ولا يَسْتَقِيم على صَوْبِها.
وأَبْلَهَهُ : صادَفَهُ أَبْلَهَ.
وبَلْهَ ، كَلِمةٌ مَبْنيَّةٌ على الفَتْحِ ككَيفَ ، اسمٌ لِدَعْ.
وفي الصِّحاحِ : مَعْناها دَعْ.
وأَيضاً : مَصْدَرٌ بمعْنَى التركِ.
وأَيْضاً : اسمٌ مُرادِفٌ لكَيْفَ وما بَعْدَها مَنْصوبٌ على الأَوَّلِ ، ومنه قولُ كَعْبِ بنِ مالِكٍ يَصِفُ السُّيوفَ :
تَذَرُ الجَماجِمَ ضاحِياً هاماتُها |
|
بَلْهَ الأَكفَّ كأَنَّها لم تُخْلَقِ (٥) |
يقولُ : هي تَقْطَع الهامَ فدَعِ الأَكفَّ ، أَي هي أَجْدَرُ أَنْ تَقْطعَ الأَكفَّ ؛ ومنه قَوْلُهم : هذا ما أَظْهِرُ لكَ بَلْهَ ما أُضْمِرُه ، أَي دَعْ ما أُضْمِره فهو خَيْرٌ.
وفي المَثَلِ : تُحْرِقُك أَنْ تَراها بَلْهَ أَن تَصْلاها ؛ يقولُ تُحْرِقُك النارُ من بَعِيدٍ فدَعْ أَنْ تدخلَها ؛ ومنه قوْلُ ابن هَرْمة :
تَمْشِي القَطُوفُ إِذا غَنَّى الحُداةُ بها |
|
مَشْيَ النَّجيبةِ بَلْهَ الجِلَّةَ النُّجُبا (٦) |
وقالَ أَبو زبيد :
حَمَّالَ أَثْقالٍ أَهْلِ الوُدِّ آوِنةً |
|
أُعْطِيهمُ الجَهْدَ مِنِّي بَلْهَ ما أَسَعُ (٧) |
__________________
(١) ديوانه ص ١٦٥ واللسان والصحاح والتهذيب والمقاييس ١ / ٢٩٢ والأساس ، وقبله في اللسان :
إما تريني خلق المموه |
|
براق أصلاد الجبين الأجله |
(٢) ديوان الهذليين ٣ / ٧٧ برواية : «وأعراسها» وضبطت «أول» فيه بالنصب ، والمثبت كرواية اللسان والضبط عنه.
(٣) اللسان والأساس والتهذيب.
(٤) في التهذيب : «يتبله في سيره ... فيه ... صوبه».
(٥) اللسان والتهذيب والصحاح.
(٦) بهذه الرواية ذكر في الصحاح واللسان والتكملة ، قال الصاغاني : والرواية : «به فيسرع السير» ويروى : «سهواً فيسرع» أي بالمدح الذي ذكره في البيت الذي قبله ، وهو :
لأمدحن ابن زيد إن سلمت له |
|
مدحاً يسير إذا ما قلته عُصبا |
(٧) شعراء إسلاميون ، شعر أبي زبيدد ص ٦٤٢ وانظر تخريجه فيه ، والبيت في اللسان والتهذيب.
أَي دَعْ ما أُحِيطُ به وأَقْدَرُ عليه.
ومَخْفُوضٌ على الثَّاني ؛ ومنه قَوْلُ كَعْبِ بنِ مالِكٍ المَذْكُور :
بَلْهَ الأَكفَّ كأَنَّها لم تُخْلَقِ
في رِوايَةِ الأَخْفَشِ ، قالَ : هو هنا بمنْزِلَةِ المَصْدرِ كما تقولُ ضَرْبَ زيْدٍ.
وقالَ ابنُ الأثيرِ : بَلْهَ مِن أَسْماءِ الأَفْعالِ بمعْنَى دَعْ واتْرُكْ ، وقد تُوضَعُ مَوْضِعَ المَصْدَرِ وتُضافُ فتقولُ : بَلْهَ زَيْدٍ أَي تَرْكَ زَيْدٍ.
ومَرْفوعٌ على الثَّالثِ ، أَي إِذا كانَ مُرادفاً لكَيْفَ ، وبه فَسَّرَ الأحْمر الحدِيثَ : بَلْهَ ما اطَّلَعْتهم عليه ، أَي كَيْفَ.
وفَتْحُها بناءٌ على الأَوَّلِ والثَّالِث ، أَي إذا كانَ مُرادفاً لكَيْفَ ، وبه فَسَّرَ الأحْمر الحدِيثَ : بَلْهَ ما اطَّلَعْتهم عليه ، أَي كَيْفَ.
وفَتْحُها بناءٌ على الأَوَّلِ والثَّالِثِ ، وفيه إِشارَةٌ للرّدِّ على الجوْهرِيِّ في قوْلِه مَبْنيَّة على الفَتْحِ ككَيْفَ.
قالَ ابنُ بَرِّي : حَقُّه أَنْ يقولَ مَبْنيَّة على الفَتْحِ إِذا نَصَبْتَ ما بعْدَها فقلْتَ بَلْهَ زيْداً كما تقولُ رُوَيْدَ زَيْداً.
إِعرابٌ على الثَّاني ، أَي إِذا قُلْتَ بَلْهَ زَيْدٍ كانت بمنْزِلَةِ المَصْدَرِ مُعْربةً ، كقَوْلِهم رُوَيْدَ زيْدٍ.
قالَ ابنُ بَرِّي : ولا يَجوزُ أَن تقدِّرَه مع الإِضافَةِ اسْماً للفِعْلِ لأَنَّ أَسْماءَ الأفْعالِ لا تُضافُ.
وفي تَفْسِيرِ سُورَةِ السَّجدةِ من كتابِ صَحِيحِ البُخارِي : أَعْدَدْتُ لعبَادِي الصَّالحين ما لا عينٌ رأَتْ ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ولا خَطَرَ على قَلْبِ بَشَرٍ ذُخْراً من بَلْهٍ ما اطَّلَعْتُمْ (١) عليه ، فاسْتُعْمِلَتْ مُعْرَبَةً (٢) بمِنْ خارِجَةً عن المَعاني الثَّلاثَةِ (٣) ؛ والرِّوايَةُ المَشْهورَةُ : على قَلْبِ بَشَرٍ بَلْه ما أطلعتهم عليه. قالَ ابنُ الأَثيرِ : يُحْتَمل أَنْ يكونَ مَنْصوب المَحلِّ ومَجْروراً على التَّقْديرَيْن ، والمعْنَى دَعْ ما اطَّلَعْتُهم عليه وعَرَفُوه (٤) من نَعِيم الجنَّةِ ولذَّاتِها. وهذه الرِّوايَةُ هي التي في كتابِ الجوْهرِيّ والنِّهايَة وغيرِهِما مِن أُصُولِ اللغَةِ.
وفُسِّرَتْ بغيرِ ، وهو مُوافِقٌ لقَوْلِ من يَعُدُّها من أَلْفاظِ الاسْتِثْناءِ وبمعْناها ، وبه فُسِّر أَيْضاً قَوْلُ ابن هَرْمة : بَلْهَ الجِلَّةِ التّجُبا ؛ أَي سِوَى ، كما في الصِّحاحِ.
أَو بمعْنَى أَجَلْ ؛ وأَنْشَدَ اللَّيْثُ :
بَلْهَ إِنِّي لم أَخُنْ عهداً ولم |
|
أَقْتَرِفْ ذنباً فتَجْزِيني النِّقَمْ (٥) |
أَو بمعْنَى كُفَّ ودَعْ ما أَطْلَعْتهم عليه ، وهو قولُ الفرَّاءِ.
ويقالُ : ما بَلْهُكَ ، أَي ما بالُكَ.
والبُلَهْنِيَةُ ، بضمِّ الباءِ وفتْحِ اللامِ وسكونِ الهاءِ وكسْرِ النونِ : الرَّخاءُ وسَعَةُ العَيْشِ ، صارَتِ الأَلِفُ ياءً لكسْرَةِ ما قَبْلها ، والنّونُ زائِدَةٌ عنْدَ سِيْبَوَيْه.
وقيلَ : بُلَهْنِيَةُ العَيْشِ نعْمَتُه وغَفْلَتُه ؛ وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي للَقِيطِ بنِ يَعْمُر الإِيادِيّ :
ما لي أَراكُمْ نِياماً في بُلَهْنِيَةٍ |
|
لا تَفْزَعُونَ وهذا اللَّيْثُ قد جَمَعا؟ (٦) |
ومِن سَجَعاتِ الأَساسِ : لا زِلْتَ مُلَقَّى بتَهْنِيَةٍ مُبَقَّى في بُلَهْنِيَةٍ ؛ وهو مجازٌ.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
ابتُلِهَ الرَّجُلُ كبَلِهَ ؛ أَنْشَدَ ابنُ الأَعْرابيِّ :
إِنَّ الذي يَأْمُل الدُّنْيا لمُبْتَلَهٌ |
|
وكلُّ ذي أَمَلٍ عنها سيُشْتَغَلُ (٧) |
__________________
(١) على هامش القاموس : هكذا في النسخ المطبوعة ، بتشديد الطاء وفتح اللام ، وضبطه القسطلاني والصبان بضم الهمزة وكسر اللام ، ا ه.
(٢) على هامش القاموس عن نسخة : مَجْرُورَةً.
(٣) على هامش القاموس : قال الشمني : يجوز أن تكون مصدراً بمعنى ترك ، ومن تعليلية ، أي : من أجل تركهم ما علمتموه من المعاصي ، فلا تكون خارجة ، ا ه صبان.
(٤) في اللسان : وعرفتموه.
(٥) اللسان والتهذيب والتكملة.
(٦) اللسان.
(٧) اللسان.
وبَلْهَ بمعْنَى على ؛ نَقَلَهُ ابنُ الأَنْبارِي عن جماعَةٍ.
وقالَ الفرَّاءُ : مَنْ خَفَضَ بها جَعَلَها بمنْزِلَةِ على وما أَشْبَهها مِن حُرُوفِ الخَفْضِ.
والبُلَهاءُ ، ككُرَماءِ : البُلَداءُ ، مُوَلَّدَةٌ.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
[بلجه] : بُلْجَيه ، بضمِّ فسكونٍ ففتحٍ : قَرْيةٌ بمِصْرَ من الدقهلية والنِّسْبَةُ بلجيهيُّ.
[بنه] : بِنْها ، بالكسْرِ والقَصْرِ : أَهْمَلَهُ (١) الجماعَةُ.
وقالَ ابنُ الأثيرِ : هي ة بمِصْرَ مِن أَعْمالِ الشرقية.
وقالَ غيرُهُ : هي على ستَّةِ فَراسِخَ من فُسْطاطِ مِصْرَ.
قالَ ابنُ الأثيرِ : والناسُ اليوم يَفْتحُونَ الباءَ.
* قُلْتُ : وهو المَشْهُورُ على أَلْسِنَتِهم ولا يَعْرفونَ الكَسْر.
عَسَلَهُ فائِقٌ.
قالَ شيْخُنا : الظاهِرُ عَسَلُها لأَنَّ الضّميرِ للقَرْيةِ وكأَنَّه ظَنَّها بلداً.
وقد جاءَ ذِكْرُها في الحدِيثِ : وبارَكَ النبيُّ صلىاللهعليهوسلم في عَسَلِها ، بقوْلِه : «بارَكَ اللهُ في بِنْها وعَسَلِها» ، فالدُّعاءُ منه صلىاللهعليهوسلم لأهْلِها ولعَسَلِها. ومن منذ زمان لا يُوجدُ فيها عَسَل ، ولا يَقْتنونَ النَّحْلَ إِلَّا ما جُلِبَ مِن حَوالَيْها وقد شَمَلَتْهم بَرَكَةُ دُعائِه صلىاللهعليهوسلم ، وهُم أَحْسَنُ الناسِ أَخْلاقاً وأَلْينهم عَرِيكةً ، والغالِبُ عليهم الصِّلاحُ ومُلازَمَة السُّنَّةِ ؛ وَرَدْتُ عليهم مِراراً حينَ ذِهابي إِلى دمياط ورُجُوعي إِليهم فوَجَدْتهم أَهْلَ البرِّ والحَبِّ واللّطافَةِ ، وخَرَجَ منها أَكابِرُ العُلَماءِ والمُحدِّثِين ، فمن مُتَأَخِّريهم الشَّمْسُ محمدُ بنُ محمدِ بنِ إِسْماعيلَ البِنْهاوِيُّ الشافِعِيُّ رَوَى عن ابنِ الشّحْنَةِ ، وعنه الحافِظُ السّخاوِي والبرهان البقاعي.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
[بنجده] : بَنجدِيه (٢) ، بفتْح فسكون نونٍ وجيمِ وكسْرِ الدالِ : قَرْيةٌ مِن عَمَلِ خُرَاسانِ ؛ ويقالُ لها أَيْضاً فنجديه بالفاءِ أولاً ومَعْناه خَمْس قُرًى ، وإِليها يُنْسَبُ الحافِظُ أَبو سعْدٍ (٣) محمدُ بنُ عبدِ الرحمنِ المَسْعودِي شارحُ المَقامَات الحَرِيرِيَّة.
[بوه] : البُوهَةُ ، بالضَّمِّ : الصَّقْرُ يَسْقُطُ رِيشُه كالبُوهِ.
وأَيْضاً : الرَّجُلُ الضَّاوِيُّ ؛ عن ابنِ الأَعْرابيِّ.
وقيلَ : الضَّعيفُ الطَّائِشُ.
وقيلَ : الأَحْمَقُ ؛ قالَ امرؤُ القَيْسِ :
أَيا هِنْدُ لا تَنْكحِي بُوهةً |
|
عليه عَقيقتُه أَحْسَبا (٤) |
وقالَ أَبو عَمْروٍ : هي البُومَةُ الصَّغيرَةُ ، ويُشَبَّه بها الأَحْمقُ مِن الرِّجالِ ؛ وأَنْشَدَ قَوْل امْرِئِ القَيْسِ.
والبُوهَةُ : الصُّوفَةُ المَنْفُوشَةُ تُعْمَلُ للدَّواةِ قَبْلَ أَن تُبَلَّ.
وأَيْضاً : الرِّيشَةُ تَلْعَبُ بها الرِّياحُ في الجوِّ بينَ السَّماءِ والأرْضِ.
وفي الصِّحاحِ : قَوْلُهم : صُوفَةٌ في بُوهَةٍ يرادُ بها الهَباءُ المَنْثورُ الذي يُرى في الكَوَّةِ.
وقالَ ابنُ سِيدَه : هو ما أَطارَتْه الرِّيحُ مِن التُّرابِ.
يقالُ : هو أَهْونُ من صُوفةٍ في بُوهةٍ.
وباهَ للشَّيءِ يَبوهُ ويَباهُ بَوْهاً وبَيْهاً : تَنَبَّه له وفطنَ كبَأَه وأَبه والبُوهُ أَيْضاً : ذَكَرُ البُومِ ، كالبُوهَةِ ، أَو كبيرُه ؛ قالَ رُؤْبَة يَذْكُرُ كِبَره :
كالبُوه تحت الظُّلَّة المَرْشوشِ (٥)
__________________
(١) كذا ، والمادة مذكورة في اللسان في ترجمة مستقلة.
(٢) قيدها ياقوت : بَنْج دِيه ، معناه بالفارسية الخمس قرى ، وهي كذلك خمس قرى متقاربة.
(٣) في معجم البلدان : «أبو عبد الله».
(٤) ديوانه ط بيروت ص ٧٤ وفي شرحه : البوهة : البومة العظيمة تضرب مثلاً للرجل الضعيف الذي لا خير فيه ولا عقل. والبيت في اللسان والصحاح والمقاييس ١ / ٣٢٤ والتهذيب.
(٥) ديوانه ص ٧٩ والمقاييس ١ / ٣٢٤ واللسان ، وقبله :
لما رأتني نزق المتحفيش |
|
ذا رثيات دهش التدهيش |