تاج العروس - ج ٦

محبّ الدين أبي فيض السيد محمّد مرتضى الحسيني الواسطي الزبيدي الحنفي

تاج العروس - ج ٦

المؤلف:

محبّ الدين أبي فيض السيد محمّد مرتضى الحسيني الواسطي الزبيدي الحنفي


المحقق: علي شيري
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٢

١

٢

بَاب الرّاء

الحمد لله مانح التوفيق والصّواب ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمَّدٍ النَّبيِّ الأوَّاب ، وعلى الآل والأصحاب.

باب الراء

من كتاب القامُوس.

قال ابنُ مَنْظُورٍ : الرّاء من الحروف المَجْهُورة ، وهي من الحُرُوفِ الذُّلْقِ ، وهي ثلاثة : الرّاءُ واللّامُ والنُّونُ ، وهنَّ في حَيِّزٍ واحدٍ. وإنما سمِّيَتْ بالذُّلْق ، لأنَّ الذَّلَاقَةَ في المَنْطِقِ إِنما هي بطَرَفِ أَسَلَةِ اللِّسَان ، وهنَّ كالشَّفَوِيَّة كثيرة الدُّخُولِ في أبنيةِ الكلامِ.

قال شيخُنَا : وقد أبدِلَتِ الرّاءُ من اللام في النَّثْرة بمعنى النَّثْلة ، وهو الدِّرع ، بدليل قولهم : نَثَلَ دِرْعَه عليه ، ولم يقولوا : نَثَرها ، فالّلام أَكثرُ تصريفا ، والرّاءُ بَدَلٌ منها ، كما أَشار إِليه ابنُ أمِّ قاسمٍ في شرْح الخُلاصة. وقالوا : رَعَلَّ بمعنِى لَعَلَّ ، وقالوا : رجلٌ وَجِرٌ وأَوْجَرُ ، وامرأَةٌ وَجِرَةٌ ، بمعنى وَجِلٍ وأَوْجَلَ ووَجِلَةٍ ، وهي لغةُ قَيْس ، ولذلك ادَّعَى بعضُهم أَصالتَها. وقال الفَرّاءُ : أَنْشَدَني أَبو الهَيْثَمِ :

وإِنَّيَ بالجارِ الخَفَاجِيِّ واثقٌ

وقَلْبي مِن الجارِ العِبَادِيِّ أَوْجَرُ

إِذا ما عُقيْلِيَّانِ قامَا بذِمَّة

شرِيكيْنِ فيها فالعِبَاديُّ أَغْدَرُ

فأَوجرُ بمعنى أَوْجَل وأَخْوَف.

فصل الهمزة

مع الراء

[أبر] : أَبَرَ النَّخْلَ والزَّرْعَ يَأْبُره بالضَّمِّ ، ويَأْبِره ، بالكسر ، أَبْراً ، بفَتْحٍ فسكُونٍ ، وإِبَاراً وإِبارةً ، بكسرِهما : أَصْلَحه ، كأَبَّره تأْبِيراً.

والآبِر : العامِلُ.

والمَأْبور : الزَّرْعُ والنَّخْلُ المُصْلَحُ. وفي حديث عليًّ رضي‌الله‌عنه : «ولَا بقِيَ منكم آبِر» أي رجلٌ يقومُ بتَأْبِيرِ النَّخلِ وإصلاحِهَا ؛ اسمُ فاعلٍ مِن أَبَرَ. (١)

وقال أبو حنيفَة : كل إِصلاحٍ إِبَارةٌ ، وأَنشد قَولَ حُمَيْدٍ :

إِنَّ الحِبَالَةَ أَلْهَتْنِي إِبَارتُهَا

حتى أصِيدَكُما في بعضها قَنَصَا

فجَعل إِصلاحَ الحِبَالَةِ إِبارة.

وفي الخبر (٢) : «خيرُ المالِ مُهْرَةٌ مَأْمورةٌ وسِكَّةٌ مَأْبورةٌ» ؛ السِّكَّة : الطرِيقَة المُصْطَفَّة من النَّخلِ ، والمَأْبُورة : الملَقَّحة ، يقال : أَبَرْتُ النَّخلةَ وأَبَّرْتها ، فهي مَأْبورة ومُؤَبَّرَةٌ.

وقيل : السِّكَّة : سِكَّةُ الحَرْثِ ، والمَأْبورة : المُصْلَحَةُ له ؛ أراد : خير المالِ نِتَاجُ أَو زَرْعٌ.

وفي حديثٍ آخَرَ : «من باع نَخْلا قد أُبِّرتْ فَثَمَرَتُها للبائعِ إِلّا أَن يَشْترِطَ المُبْتَاع». قال أبو منصور : وذلك أَنها لا تُؤبَّر إِلَّا بعد ظُهور ثَمرتِها وانْشِقَاقِ طَلْعِهَا. ويقال : نَخْلةُ مُؤَبَّرَةٌ مثل مَأْبورةٍ ، والاسمُ منه الإِبار ، على وَزنِ الإِزارِ ، وروَى أَبو عَمرِو بنُ العَلاءِ قال : يقال : نَخْلٌ قد أُبِّرَت ووُبِرَتْ وأَبِرَتْ ، ثَلاث لغات ؛ فَمن قال : أُبِّرتْ ، فهي مُؤَبَّرة ، ومَن قال : وُبِرَتْ فهي مَوْبُورَةٌ ، ومَن قال : أُبِرَتْ فهي مَأْبُورة ، أَي مُلَقَّحَةٌ.

وقال أَبو عبد الرَّحمن : يُقَال لكلِّ مُصلِحِ صَنْعةٍ : هو

__________________

(١) ويروى بالثاء المثلثة.

(٢) في التهذيب : في الحديث.

٣

آبِرُهَا. وإِنما قيل للملقِّح : آبِرٌ ؛ لأَنَّه مُصلِحُ له ، وأَنشد :

فإِنْ أَنتِ لمْ تَرْضَيْ بِسَعْيِيَ فاتْرُكِي

لِيَ البَيْتَ آبِرْهُ وكُونِي مَكَانِيَا

أَي أَصلِحْه.

وأَبَرَ الكَلْبَ أَبْراً أَطْعَمَه الإِبْرَةَ في الخُبْز. وفي الحديث : «المؤمِن كالكَلْبِ المَأْبُورِ».

وفي حديث مالكِ بن دِينار : «مَثَلُ المؤمنِ مَثَلُ الشَاةِ المَأْبُورَةِ» ، أي التي أَكَلت الإِبرةَ في عَلَفِها فَنَشِبَتْ في جَوْفِها ؛ فهي لا تأْكُلُ شيئاً ، وإِن أَكَلَتْ لم يَنْجَع فيها.

ومن المَجَاز : أَبَرَتْه العَقَرْبُ تَأْبُره أَبْراً : لَسَعتْه ، أي ضَرَبَتْه بإِبرتها. وفي المُحكَم : لَدَغَتْ بإِبْرَتِها ، أي طَرَفِ ذَنَبِها. وفي الأَساس : وأَبَرَتْه العقربُ بِمِئْبَرِها ، والجَمْع مآبِرْ.

ومن المَجَاز : أَبَرَ فلاناً ، إذا اغتابَه وآذاه. قال ابنُ الأعرابيِّ : أَبَرَ ، إِذا آذَى ، وأَبَرَ ، إِذا اغتابَ.

وأَبَرَ ، إِذا لَقَّحَ النَّخْلَ.

وأَبَرَ ، أَصْلَحَ. (١)

وأَبَرَ القَوْمَ : أَهْلَكَهُمْ ، ومنه في حديث عليّ رَضِيَ اللهُ عنه : «والذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ لَتُخْضَبَنَّ هذه من هذه ، وأَشار إِلى لِحْيَتِه ، ورأسهِ ، فقال الناسُ : لو عَرَفناه أَبَرْنَا عِتْرَتَه» أَي أَهلكناهم (٢) ، وهو من أَبَرْتُ الكلبَ ، إِذا أَطعمتَه الإِبرةَ في الخُبْز. قال ابن الأَثير : هكذا أَخرجَه الحافظ أَبو موسى الأَصْفَهانيُّ في حرف الهمزةِ. وقيل أَبَرْتُه ، من البَوارِ ، فالهمزةُ زائدةٌ ، وسيأتي.

والإِبْرَةُ ، بالكسر : مِسَلَّةُ الحَدِيدِ. ج إِبَرٌ ، بكسرٍ ففتح ، وإِبارٌ ، قال القُطَامِيُّ :

وقَوْلُ المَرْءِ يَنْفُذُ بعْدَ حِينٍ

أَماكِنَ لا تُجَاوِزُها الإِبَارُ

وصانِعُه وبائِعُه ـ هكذا في النُّسَخِ بتذكير الضَّمِيرِ ، وفي الأُصول كلِّهَا : وصانِعُها ـ : الأَبَارُ. وفي التَّهْذِيب : ويُقال للمِخْيَطِ إِبْرَةٌ ، وجمعُها إِبَرٌ. والذي يُسَوِّي الإِبَرَ يقال له : الأَبَار ، أَو البائعُ إِبْرِيُّ ، بكسرٍ فسكون ، وفَتْحُ الباءِ لَحْنٌ.

وقد نُسِبَ إِلَى بَيْعِهَا أَبو القاسم عُمَرُ بنُ منصور بنِ يَزِيدَ الإِبْرِيُّ ، ومحمّدُ بنُ عليَّ بنِ نَصْرٍ الإِبْرِيُّ الحَنَفيُّ ، صَدُوقٌ.

ومن المَجَاز : الإِبْرةُ عَظْمُ وَتَرَهِ العُرْقُوبِ ، وهو عُظَيْمٌ لاصِقٌ بالكَعْب.

وقيل : الإبْرةُ من الإِنسان : طَرَفُ الذِّرَاعِ من اليدِ الذي يَذْرَعُ منه الذَّراعُ (٣) أَو عَظْمٌ ، وفي بعض النُّسخ : عُظَيْمٌ بالتصغير (٤) ـ وهي الصُّواب ـ مُسْتَوٍ مع طَرَفِ (٥) الزَّنْدِ مِن الذَّراع إِلى طَرَفِ الإصْبَعِ ، كذا في المُحْكَمِ.

وفي التَّهْذِيبِ : إِبرةُ الذِّراع : طَرَفُ العَظْمِ الذي منه (٦) يَذْرَعُ الذَّارِعُ (٧). وطَرَفُ عَظْم العَضُدِ الذي يَلِي المِرْفَقَ يقال له : القَبِيحُ ، وزُجُّ المِرْفَقِ بين القَبِيح وبين إِبْرةِ الذِّراع ، وأَنشد :

حتّى تُلاقِي الإِبرةُ القَبِيحَا

في المُحْكَم والأَساسِ : إِبْرَةُ الذِّراعِ : مُسْتَدَقُّهَا (٨).

والإِبرةُ أَيضاً : ما انْحَدَّ (٩) ، أَي استدَقَّ ، من عُرْقُوبِ الفَرَسِ ، وفي عُرْقُوبَيِ الفَرَسِ إِبْرَتَانِ ، وهما حَدُّ كلِّ عُرْقُوبٍ مِن ظاهِرٍ.

ومن المَجَاز : الإِبرةُ فَسِيلُ المُقْلِ ، يَعْنِي صِغَارَها.

ج إِبَراتٌ ، بِكَسْرٍ فَتحْرِيكٍ ، وضبطه القفّالُ محرَّكةً ، وإِبرٌ كعِنب. الأَول عن كُراع. قال ابنُ سِيدَه : وعندي أَنه جَمْعُ الجَمْعِ ، كحُمُرات وطُرُقات.

ومن المجاز : الإِبْرةُ : النَّمِيمَةُ ، وإِفْسَادُ ذاتِ البَيْنِ.

والإِبْرة : شجَرٌ كالتِّينِ.

__________________

(١) الأصل واللسان ، وفي التكملة : وأَبِرَ بالكسر : صَلَحَ.

(٢) في النهاية : أهلكناه.

(٣) عن اللسان ، وبالأصل «الذراع».

(٤) وهي ما ورد في القاموس.

(٥) في القاموس : «طَرَفَيْ» وبهامشه عن نسخة أخرى «طرف» كالأصل.

(٦) الأصل واللسان ، وفي التهذيب : الذي من عنده.

(٧) عن التهذيب ، وبالأصل «الذراع».

(٨) لم ترد في الأساس (أبر) ، والعبارة في الصحاح.

(٩) بهامش المطبوعة المصرية : قوله ما انحدر من عرقوب الفرس وفي اللسان «إبرة الفرس ، ما انحدّ من عرقوبيه ، من وجد في نسخة المتن المطبوع من زيادة الراء في قوله ما انحدر غلط ، وعليها مشى عاصم في ترجمته ، كذا بهامش المطبوعة» أي طبعة التاج المؤلفة من خمسة أجزاء.

٤

والأَبّارُ ، ككَتّانٍ : البُرْغُوثُ ، عن الصاغانيّ.

وأَشْيَافُ الأَبّار ، كَكَتّانَ : دَوَاءٌ للعَيْن معروف ، نَقَله الصاغانيّ ، وضَبَطَ الأَشْيَافَ بكَسْرِ الْهَمْزةِ والأَبَّارَ بالتشديد.

والْمِئْبرُ ، كمِنْبَرٍ : مَوْضِعُ الإِبْرة ، والْمِئْبَرُ أَيضا : النَّميمَةُ ، وإِفسادُ ذاتِ البَيْنِ ، كالمئْبَرةِ ، عن الِّلحْيَانيّ.

جَمْعُه مآبِرُ. قال النّابغةُ :

وذلك مِنْ قَوْلٍ أَتَاكَ أَقُولُه

ومِن دَسِّ أَعدائِي إِلَيْكَ المآبِرَا

ومِن سَجَعات الأَسَاسِ : خَبُثَتْ منهم المَخَابرُ ، فَمَشَتْ بينهم المآبِرُ.

وعن ابنِ الأَعْرابِيّ : الْمِئْبَر والمَأْبَر : مَا يُلَقَّحُ به النخْلُ كالحُشِّ (١).

والْمِئْبَرُ : ما رَقَّ مِن الرَّمْلِ ، قال كُثَيِّرُ عَزَّةَ :

إِلى الْمِئْبَرِ الرّابِي من الرَّمْلِ ذي الغَضَى

تَرَاهَا وقد أَقْوَتْ حَدِيثاً قَدِيمُها

وأَبِرَ الرجلُ ، كفَرِحَ : صَلَحَ. وآبُرُ ، كآمُلَ : ة بسِجِسْتَانَ منها : أبو الحسن محمّدُ بن الحُسَين بنِ إِبراهيم بنِ عاصمٍ الحافظُ السَّجْزُيُّ الآبُرِيُّ ، صَنَّفَ في مَنَاقِب الإِمام الشافعيّ كتابا حافلاً رَتَّبه في أَربعةٍ وسبعينَ باباً.

وائتبَرَه : سَأَلَه أَبْرَ نَخْلِه أَو زَرْعِه أَن يُصلِحَه له ، قال طَرَفَةُ :

ولِيَ الأَصْلُ الذي في مثلِه

يُصْلِحُ الآبِرُ زَرْعَ المُؤْتَبِرْ

الآبِرُ : العامِلُ. والمُؤْتَبِرُ : رَبُّ الزَّرْعِ.

وائْتَبَرَ البئْرَ : حَفَرها (٢) ، قيل : إِنه مقلوبٌ من البَأْر.

وأُبَيْرٌ كزُبَيْر : ماءٌ دُونَ الأَحْسَاءِ ، من هَجَرَ ، وقيل : ماءٌ لبني القَيْن (٣) ، وقيل : موضعٌ ببلادِ غَطَفَانَ. وأُبَيْرُ بنُ العَلاء ، مُحَدِّث ، عن عيسى بنِ عَبْلَةَ ، وعنه الواقِدِيُّ.

وعِصْمَةُ بنُ أُبَيْرٍ التَّيْمِيُّ ـ تَيم الرِّبابِ ـ له وِفَادةٌ ، وقَاتَلَ في الرِّدَّةِ مُؤْمِناً ، قاله الذَّهَبِيُّ في التَّجْرِيد.

وعُوَيْفُ بنُ الأَضْبَطِ بنِ أُبَيْرٍ الدِّيليّ ، أَسْلَمَ عامَ الحُدَيْبِيَةِ ، واسْتُخْلِف على المدينةِ في عُمْرَةِ القَضَاءِ ، صَحَابِيّانِ.

وبَنُو أُبَيْرٍ : قبيلةٌ من العرب.

وأَبْرِينُ ، بالفَتْحِ ، لغةٌ في يَبْرِينَ ، بالياءِ ، وسيأتِي.

والآبَارُ : مِن كُوَرِ واسِطَ. نَقَلَه. الصاغانّي.

وآبارُ الأَعْرَابِ : ع بين الأَجْفُرِ وَفَيْدَ. ولا يَخْفَى أَنَّ ذِكْرَهما في «بأْر» كان الأنسبَ ، وسيأتي.

والمِئْبَرَةُ مِن الدَّوْم : أَوَّلُ ما يَنْبُتُ ، وهو بعَيْنه فَسِيلُ المُقْلِ الذي تقدَّمَ ذكرُه ، لغةٌ كالإِبْرة ، فكان يَنبغِي أَن يقولَ هناك : كالْمِئْبَرَةِ ، ليكونَ أَوفقَ لقاعدتِه ، كما هو ظاهرٌ.

وقولُ عليّ عليه‌السلام والرِّضوانُ ـ وقد أَخرجه الأَئِمَّةُ ـ من حديث أَسماءَ بنتِ عُمَيْسٍ : «قيل لعليٍّ : أَلَا تَتَزَوَّج ابنةَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : ما لي صفراءُ ولا بيضاءُ ، ولسْتُ بمَأبُورٍ في دِيني ، فيُوَرِّيَ بها رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنِّي ، إِني لأَوَّلُ مَن أَسلم» ـ قال ابنُ الأَثِير : والمَأْبُورُ : مَن أَبَرَتْه العقربُ ، أَي لَسَعَتْه بإِبْرَتِها ـ أي لستُ غيرَ الصحيحِ الدِّينِ ، ولا بمُتَّهَمٍ في دِينِي فيتَأَلَّفَنِي النَّبِيُّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتَزْوِيجي فاطمةَ رَضِي اللهُ عنها. وفي التهذيبِ والنَّهَايةِ : «بتزويجِهَا إِيّايَ». قال : ويُرْوَى أَيضاً بالمثلَّثَة ، أَي لستُ مِمَّنْ يُؤْثَرُ عنِّي (٤) الشَّرُّ ، وسيأْتِي. قال ابنُ الأَثيرِ : ولو رُوِيَ : «ولستُ بمَأْبُونٍ» ـ بالنونِ ـ لكان وَجْهاً.

* وممّا يُستدرَكُ عليه :

تَأَبَّر الفَسِيلُ ، إِذا قَبِلَ الإِبارَ. قال الراجز :

تَأَبَّرِي يا خَيْرةَ الفَسِيلِ

إِذْ ضَنَّ أَهْلُ النَّخْلِ بالفُحُولِ

يقول : تَلَقَّحِي مِن غيرِ تَأْبِير.

__________________

(١) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله كالحش كذا بخطه وباللسان أيضا وليس في القاموس ولا في اللسان : الحش بهذا المعنى فليحرر» وبهامش اللسان : «قوله الحش كذا بالأصل ، ولعله المِحَش» وفي التهذيب «المِحَشّ».

(٢) في القاموس والتكملة : احتفرها.

(٣) عن معجم البلدان ، وبالأصل «القيس».

(٤) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : يؤثر عني ، كذا في النسخ ، وفي عاصم : يؤثر عنه ، وهي أحسن ، كذا بهامش المتن».

٥

وأَبَرَ الرَّجلُ : آذَى ، عن ابنِ الأَعرابيِّ.

ويُقَال للِّسَانِ : مِئْبَرٌ ومِذْرَبٌ ومِفْصَلٌ ومِقْوَلٌ.

وأَبَّرَ الأَثَرَ : عَفَّى عليه من التُّرَاب. وفي حدِيثِ الشُّورَى : «لا تُؤَبِّرُوا آثارَكم فتُولِتُوا دِينَكم» قال الأَزهريُّ : هكذا رَواه الرِّياشِيُّ بإِسناده ، وقال : التَّوْبِيرُ (١) : التَّعْفِيَةُ ومَحْوُ الأَثَرِ ، قال : وليس شي‌ءٌ من الدَّوابِّ يُؤَبِّر أَثَرَه حتى لا يُعرَف طَرِيقُه إِلّا عَناق الأَرضِ. حكاه الهَرَوِيُّ في الغَرِيبَيْن ، وسيأْتي في وبر ، وفي ترجمة بأْر.

وابْتَأَرَ الحَرُّ قَدَمَيْه (٢). قال أَبو عُبَيْدٍ : في الابتِئارِ لُغَتَان ، يُقَال : ابتأَرْتُ ، وائْتَبَرْتُ ، ابْتئاراً وائْتباراً ، قال القُطَاميُّ :

فإِنْ لم تَأْتَبِرْ رَشَداً قُرَيْشٌ

فليس لسائِرِ الناسِ ائْتِبَارُ

يَعْنِي اصطناعَ الخَيرِ والمعروفِ وتَقْدِيمَه ، كذا في اللِّسَان.

وأُبائِرُ ، بالضَّمِّ. مَنْهَلُ بالشَّام في جهة الشَّمَال من حَوْرانَ.

وأبَأرٌ ، كغُرَاب : موضعٌ من ناحية اليمنِ ، وقيل : أَرضٌ من وراءِ بلادِ بني سَعْدٍ.

واستدرك شيخُنا :

مَأْبُور : مَوْلَى رسولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قلتُ : وهو الذي أَهداه المُقَوْقِسُ مع ماريةَ وسِيرِينَ. قالَه ابنُ مُصْعَبٍ.

وفي شُروح الفَصِيح. قولُهم : ما بِها آبِرٌ ، أَي أَحَدٌ.

وفي الأَساس : ومن المَجَاز : إِبْرَةُ القَرْنِ طَرَفُه. وإِبْرةُ النَّحْلَةِ شَوْكَتُهَا. وتقول : لا بُدَّ مع الرُّطَبِ من سُلَّاءِ النَّخْلِ ، ومع العَسَلِ مِن إِبَرِ النَّحْلِ.

قلتُ : والإِبرةُ أَيضاً : كِنَايةٌ عن عُضْو الإِنسان.

وإِبِرّ ، بكَسْرتين وتشديدِ الموحَّدةِ : قَريةٌ مِن قُرَى تُونسَ ، وبها دُفِنَ أَبو عبد الله محمّدٌ الصِّقِلِّيُّ المعمَّرُ ثلاثمائة سنةٍ ، فيما قِيل.

[أتر] : الأُتْرُورُ ، بالضَّمِّ ، أَهملَه الجوهريُّ ، وهي لغةٌ في التُّؤْرُور (٣) مقلوبٌ عنه ، وسيأتي قريباً.

وأَتَّرَ القَوْسَ تَأتِيراً ، لغةٌ في وَتَّرَهَا ، نَقَلَه الفَرّاءُ عن يُونُسَ ، وسيأْتي.

وأُتْرَارُ ، بالضمِّ : د ، بتُرْكُسْتانَ عظيمٌ ، على نهر جَيْحُونَ ، ومنه كان ظهورُ التَّتَرِ الطائفةِ الطّاغيةِ ، وقد أَورد بعضَ ما يتعلّق به ابنُ عَرَبْ شاهْ في «عجائِبِ المَقْدُور» ، فراجِعْه ، وسيأْتي للمصنِّف في ت رّ ، ومنه القَوَّامُ الإِتقانيُّ الحَنَفِيُّ ، وَلِيَ الصَّرْغتمشِيّة أَوّل ما فُتِحَتْ. وشَرَحَ الهِدَايةَ.

[أثر] : الأَثَرُ ، محرَّكَةً : بَقِيَّةُ الشيْ‌ءِ. ج آثَارٌ وأُثُورٌ ، الأَخيرُ بالضَّمِّ. وقال بعضُهم : الأَثَرُ ما بَقِيَ مِنْ رَسْمِ الشَّيْ‌ءِ.

والأَثَرُ : الخَبَرُ ، وجَمْعُه الآثارِ.

وفلانٌ مِن حَمَلَةِ الآثارِ. وقد فَرقَ بينهما أَئمَّةُ الحديثِ ، فقالوا : الخَبَرُ : ما كان عن النَّبِيِّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والأَثَرُ : ما يُرْوَى عن الصَّحَابَة. وهو الذي نَقَلَه ابنُ الصَّلاحِ وغيرُه عن فُقَهاءِ خُراسانَ ، كما قاله شيخُنا.

والحُسَيْنُ بنُ عبدِ المَلِكِ الخَلَّالُ ثِقةٌ مشهورٌ تُوِفِّيَ سَنَةَ ٥٣٢ ، وعبدُ الكريم (٤) بنُ منصورٍ العُمَرِيُّ المَوْصِلِيّ ، عن أَصحاب الأُرمويّ ، نقله السَّمْعَانِيُّ ، مات سنةَ ٤٩٠ ، الأَثَرِيّانِ : مُحَدِّثَانِ.

وممَّن اشْتَهَر به أَيضاً : أَبو بكر سعيدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عليِّ الطُّوسِيُّ ، وُلِدَ سنة ٤١٣ بنَيْسَابُورَ ، ومحمّدُ بنُ هياج بن مبادر الآثاريُّ الأَنصاريُّ التاجر ، من أَهل دِمشقَ ، وَرَدَ بغدَادَ ، وبابا جَعْفَرُ بنُ محمّدِ بنِ حُسَيْنٍ الأَثَرِيُّ ، رَوَى عن أَبي بكرٍ الخَزَرِيِّ.

ويقال : خَرَجَ فلانٌ في إِثْرِهِ ، بكسرٍ فسكونٍ ، وأَثَرِهِ ، مُحَركةً ـ والثاني أَفْصحُ ، كما صَرَّحَ به غيرُ واحدٍ ، مع تَأَمُّلٍ فيه ، وأَوردهما ثعلبٌ فيما يُقَال بلُغَتَيْن من فَصِيحِه ، وصَوَّبَ شيخُنا تقديمَ الثّانِي على الأَوّل. وليس في كلامِ المصنِّف

__________________

(١) الأصل والتهذيب ، وفي اللسان : «التأبير» والقائل هو الرياشي.

(٢) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله وابتأر الحرُّ قدميه كذا بخطه تبعاً للسان ، ولعله تصحيف ، ففي اللسان في مادة بأر : وأبتأر الخير وبأره : قدّمه».

(٣) في القاموس والأصل «الثؤرور» وما أثبت عن نسخة أخرى من القاموس. والتؤرور : العون يكون من السلطان بلا رزق ، وقيل : التؤرور أتباع الشُّرَط.

(٤) في القاموس المطبوع : «عبد الملك» ونبه بهامشه إلى عبارة الشارح.

٦

ما يدلُّ على ضَبْطِه ، قال : فإِن جَرَيْنَا على اصطلاحِه في الإِطلاق كان الأَوّلُ مفتوحاً ، والثاني مُحْتَملاً لوجوهٍ ، أَظهرُها الكَسْرُ والفَتْحُ ، ولا قائلَ به ، إِنما يُعْرَفُ فيه التَّحْرِيكُ ، وهو أَفصحُ اللُّغَتَيْن وبه وَرَدَ القرآنُ ـ : بَعْدَه.

هكذا فَسَّره ابنُ سِيدَه والزَّمَخْشَرِيُّ. ووقَعَ في شُرُوح الفَصيح بَدَلَه : عَقِبَه.

وقال صاحِبُ الواعِي : الأَثَرُ ـ مُحرَّك ـ هو ما يُؤثِّرُه الرَّجُلُ بِقَدَمِه في الأَرض ، وكذا كلُّ شيْ‌ءٍ مُؤَثَّرٌ أثَرٌ ، يُقَال : جئتُكَ على أَثَر فلانٍ ، كأَنَّكَ جئتَه تَطَأُ أَثَرَه.

قال : وكذلك الإِثْرُ ، ساكنُ الثّاني مكسورُ الهمزةِ ، فإِن فتحتَ الهمزةَ فتحتَ الثّاءَ ، تقول : جئتُكَ على أَثَره وإِثْرِه ، والجمع آثارٌ.

وائْتَثَرَه وتَأَثَّرَهُ : تَبعَ أَثَرَه ، وفي بعض الأُصول : تَتَبَّعَ أَثَرَه (١) ، وهو عن الفارسيِّ.

وأَثَّر فيه تَأْثِيراً : تَرَكَ فيه أَثَراً.

والتَّأْثِيُر : إِبقاءُ أَلأَثَرِ في الشَّيْ‌ءِ.

والآثارُ : الأَعْلَامُ ، واحِدُه الأَثَرُ.

والأَثَرُ ، بفتحٍ فسكونٍ : فِرِنْدُ السَّيْفِ ورَوْنَقُه ، ويُكْسَرُ ، وبضَمَّتَيْن على فُعُل ، وهو واحدٌ ليس بجمْعٍ ، كالأَثِيرِ.

ج أُثُورٌ ، بالضمِّ. قال عَبِيدُ بنُ الأَبرَصِ :

ونحنُ صَبَحْنَا عامِراً يومَ أَقْبَلُوا

سُيُوفاً عليهنَّ الأُثُورُ بَواتِكَا

وأَنشدَ الأَزهريُّ :

كأَنَّهُمْ أَسْيُفٌ بِيضٌ يَمانِيَةٌ

عَضْبٌ مَضَارِبُهَا باقٍ بها الأُثُرُ

وأَثْرُ السَّيْفِ : تَسَلْسُلُه ودِيَباجَتُه ، فأَمَّا ما أَنشدَه ابنُ الأَعرابيِّ من قوله :

فإِنِّي إِنْ أَقَعْ بكَ لا أُهَلِّكْ

كوقَعِ السَّيْفِ ذِي الأَثَرِ الفِرِنْدِ

قال ثعلبٌ : إِنّمَا أَرادَ ذِي الأَثْر ، فحَرَّكَه للضَّرورة. قال ابن سيِدَه : ولا ضَرورةَ هنا عندي ، لأَنّه لو قال : «ذِي الأَثْر» فسَكَّنه على أَصلِه لصار «مُفَاعَلَتُنْ» إِلى «مَفَاعِيلُنْ» : وهذا لا يكْسِر البَيْتَ لكن الشّاعر إِنما أَرادَ تَوْفِيَةَ الجزْءِ ، فحَرَّك لذلك ، ومثلُه كثيرٌ ، وأَبْدَلَ الْفِرِنْدَ من الأَثَر.

وفي الصّحاح : قال يعقوب : لا يَعرفُ الأَصمعيُّ الأَثْرَ إِلّا بالفتح (٢) ، قال : وأَنشدَنِي عيسى بنُ عُمَر لخُفَافِ بنِ نَدْبَةَ :

جَلَاها الصَّيْقَلُونَ فأَخْلَصُوها

خِفَافاً كلُّها يَتْقِي بأَثْرِ

أَي كلُّها يستقبِلُكَ بفرِنْدِه. ويَتْقِي ، مخفَّف مِن يَتَّقِي ، أَي إِذا نَظَر ، النّاظرُ إِليها اتَّصلَ شُعَاعُها بعيِنه فلم يَتمَكَّن من النَّظَرِ إِليها.

ورَوَى الإِيادِيُّ عن أَبي الهَيْثَمِ أَنّه كان يقول : الإِثْرُ بكَسْر الهَمْزةِ لخُلَاصَةِ السَّمْنِ ، وأَمّا فِرِنْدُ السَّيْف فكلُّهُم يقول : أُثْر.

وعن ابن بُزُرْج : وقالوا : أُثْرُ السَّيْفِ ، مضمومٌ : جُرْحُه ، وأَثْرُه (٣) ، مفتوحٌ : رَوْنَقُه الّذِي فيه.

قلتُ : وزَعم بعضٌ أَنّ الضَّمَّ أَفصحُ فيه وأَعرَفُ.

وفي شَرْح الفَصِيح لابن التَّيَانِيِّ : أَثْرُ السَّيفِ مثالُ صَقْر ، وأُثُرُه ، مِثَال طُنُبٍ : فِرِنْدُه.

وقد ظهرَ بما أَوردنا من النُّصُوص أَنّ الكسْرَ مسموعٌ فيه ، وأَوردَه ابن سِيدَه وغيرُه ، فلا يُعَرَّجُ على قول شيخِنَا : إِنه لا قائلَ به من أَئِمَّة اللغةِ وأَهلِ العربيّة. فهو سَهْوٌ ظاهرٌ ، نَعم ، الأُثْر بضمِّ ، على ما أَوردَه الجوهَرِيُّ وغيرُه ، وكذا الأُثُر ، بضمَّتَيْن على ما أَسْلَفْنَا ، مُسْتَدْرَكٌ عليه ، وقد أُغْفِلَ (٤) شيخُنا عن الثّانية.

والأَثِيرُ ، كأَمِيرٍ الذي ذكرَه المصنِّفُ أَغفلَه أَئِمَّةُ الغَرِيب.

وحَكَى اللَّبْلِيُّ في شرح الفَصِيح : الأُثْرَةُ للسَّيفِ بمعنى الأَثْر ، جمعُه أُثَر كغُرَفٍ ، وهو مُستدَركٌ على المصنِّف.

__________________

(١) وهي في اللسان.

(٢) يعني بفتح الثاء المثلثة.

(٣) ضبطت عن التهذيب ، وضبطت في اللسان وأَثَرُه بفتح الهمزة والثاء المثلثة ، ضبط قلم.

(٤) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله «عن الثانية» كذا بخطه وأغفل يتعدى بنفسه ، ولعل الفعل مبني للمجهول.

٧

والأَثْرُ : نَقْلُ الحديثِ عن القَوم ورِوايتُه ، كالأَثَارةِ (١) بالفتح ، والأُثْرَةِ ، بالضّمِّ ، وهذه عن اللِّحْيَانيِّ.

وفي المحكم : أَثَرَ الحَديثَ عن القومِ يَأْثِرهُ ، أَي من حدِّ ضَرَبَ ، ويَأْثُره أَي من حدِّ نَصَرَ : أَنْبأَهم بما سُبِقُوا فيه من الأَثَر ، وقيل : حَدَّثَ به عنهم في آثَارهم. قال : والصحيحُ عندي أَنَّ الأُثْرَةَ الاسمُ ، وهي المَأْثَرَةُ والمَأْثُرَةُ.

وفي حديث عليِّ في دُعائِه على الخَوَارج : «ولا بَقِيَ منكم آثِرٌ» أَي مُخْبِرٌ يَرْوِي الحديثَ.

وفي قولِ أَبي سُفيانَ في حديثِ قَيْصَرَ : «لو لا أَنْ تَأْثُرُوا (٢) عنِّي الكذبَ» ، أَي تَرْوُون وتَحكُون.

وفي حديث عُمَرَ رضِي الله عنه : «فما حَلَفتُ به ذاكراً ولا آثِراً» ، يريدُ مُخْبِراً عن غيرِه أَنَّه حَلَفَ به ، أي ما حلفْتُ به مُبتدِئاً مِن نفسِي ، ولَا رَوَيْتُ عن أَحدٍ أَنّه حَلَف بها (٣).

ومن هذا قيل : حديثٌ مَأْثُورٌ ، أَي يُخْبِرُ الناسُ به بعضُهم بعضاً ، أَي يَنقلُه خَلَفٌ عن سَلَفٍ ، يقال منه : أَثَرْتُ الحديثَ فهو مَأْثُور ، وأَنا آثِرٌ ، وقال الأَعْشَى :

إِنَّ الذي فيه تَمَارَيْتُمَا

بُيِّنَ للسّامِعِ والآثِرِ

والأَثْر ، إِكْثَارُ الفَحْلِ مِن ضِرَاب النّاقَة وقد أَثَر يَأْثُر ، مِن حَدِّ نَصَرَ.

والأُثْر ، بالضّمِّ : أَثَرُ الجِرَاحِ يَبقَى بعد البُرْءِ. ومثلُه في الصحاح. وفي التهذيب : أثْرُ الجُرْحِ : أَثَرُه يَبقَى بعد ما يَبْرَأُ. وقال الأَصمعيُّ : الأُثْرُ ـ بالضّمّ ـ من الجُرْحِ وغيره في الجَسَد يَبْرَأُ ويبقَى أَثَرُه. وقال شَمِرٌ : يُقَال في هذا : أَثْرٌ وأَثْرٌ ، والجمعُ آثَارٌ ، ووجهُه إِثَارٌ ، بكسر الأَلفِ ، قال : ولو قلتَ أُثُورٌ ، كنتَ مُصِيباً.

وفي المُحكم : الأثْر : ماءُ الوجهِ ورَوْنَقُه ، وقد تُضَمُّ ثاؤُهما ، مثل عُسْرٍ وعُسُر ، ورَوَى الوَجْهَيْن شَمِرٌ ، والجمعُ آثارٌ. وأَنشدَ ابنُ سِيدَه :

عَضْبٌ مَضَارِبُهَا باقٍ بها الأُثُرُ

وأَوردَه الجوهريُّ هكذا : «بيضٌ مضاربُهَا» (٤) قال : وفي الناس مَن يَحْمِلُ هذا على الفِرِنْد.

والأُثْر (٥) : سِمَةٌ في باطن خُفِّ البعيرِ يُقْتَفَى (٦) بها أَثَرهُ ، والجمعُ أُثُور.

وقد أَثَرَه يأْثُرُه أَثْراً ، وأَثَّره : حَزَّه.

ورَوَى الإياديُّ عن أَبي الهَيْثم أَنه كان يقول : الإِثْرُ بالكسر : خُلاصةُ السَّمْنِ إَذا سُلِى‌ءَ ، وهو الخِلاصُ (٧) ، وقيل : هو اللَّبَنُ إِذا فارَقَه السَّمْنُ. وقد يُضَمُّ ، وهذا قد أَنْكَره غيرُ واحدٍ من الأَئِمَّة ، وقالوا : إِن المضمومَ فِرِنْدُ السَّيْفِ.

والأَثُرُ بضم الثّاءِ كعَجُزٍ ، والأَثِرُ ك كَتِفٍ : رجلٌ يَستأْثِرُ على أَصحابِه في القَسْم ، أَي يَختارُ لنفْسه أَشياءَ حَسنةً ، وفي الصّحاح : أي يحتاجُ (٨) لنفسه أَفعالاً وأَخلاقاً حسنة.

والاسمُ الأَثَرَةُ محرّكةً ، والأُثْرَةُ ، بالضَّمّ ، والإِثْرةُ ، بالكسر والأُثْرَى ، كالحُسْنَى ، كلاهما عن الصَّاغَانيِّ.

وقد أَثِرَ على أَصحابه ، كفَرِحَ ، إِذا فَعَلَ ذلك.

ويقال : فلانٌ ذو أُثْرَةٍ ، بالضمّ ، إِذا كان خاصّاً.

ويقال : قد أَخَذَه بلا أَثَرَةٍ ، وبلا إِثْرَةٍ وبلا استئثارٍ ، أَي لم يَستأْثِر على غيره ولم يَأْخُذ الأَجْوَدَ.

وجمْعُ الإِثْرَة ، بالكسر ، إِثَرٌ. قال الحُطَيئةُ يمدحُ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنه :

ما آثَرُوكَ بها إِذْ قَدَّمُوكَ لها

لكنْ لأَنْفسِهِمْ كانتْ بكَ الإِثَرُ

__________________

(١) بهامش المطبوعة الكويتية «في القاموس المطبوع : كالإثارة» وفي القاموس الذي بيدي» «كالأثارة» بالفتح.

(٢) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله تأثروا ، كذا بخطه والذي في اللسان والنهاية «يأثروا» وكذا التفسير بعده».

(٣) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : بها كذا بخطه ، ولعلة به» في النهاية فكالأصل ، وفي اللسان : به.

(٤) في الصحاح : بيض مفارقها.

(٥) الأصل والتهذيب ، وفي اللسان : «والأَثَر».

(٦) في اللسان : يُفْتَقَرُ.

(٧) بهامش المطبوعة المصرية : قوله الخلاص الذي في اللسان : الخَلاص والخِلاص مضبوطاً بفتح الخاء وكسرها» ومثله في التهذيب.

(٨) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله في الصحاح ، الذي فيه : يختار ، كما هنا فلعل ذلك في نسخة أخرى وقعت له».

٨

أَي الخِيَرَةُ والإِيثارُ.

وفي الحديث : «لما ذُكِرَ له عُثْمَانُ بالخلافةِ فقال : أَخْشَى حَفْدَه وأَثَرَتَه» ، أَي إِيثارَه ، وهي الإِثْرَة ، وكذلك الأُثْرَةُ والأَثْرَةُ والأُثْرَى قال :

فقلتُ له يا ذئْبُ هل لكَ في أَخٍ

يُوَاسي بلا أُثْرَى عليكَ ولا بُخْلِ

والأُثْرَةُ ، بالضّمِّ : المَكْرُمةُ ؛ لأَنها تُؤْثَرُ ، أَي تُذْكَر ، ويَأْثُرها قَرْنٌ عن قَرْنٍ يتحدَّقَون بها. وفي المُحكَم : المَكْرُمُة المُتَوارَثَة ، كالمَأْثَرةِ ، بفتح الثاء والمَأْثُرَةِ بضمهَا ، ومثلُه من الكلامِ المَيْسَرَة والمَيْسُرة ، ممّا فيه الوَجْهَانِ ، وهي نحو ثلاثين كلمة جَمَعَها الصَّاغانيُّ في «ح ب ر».

وقال أَبو زيد : مَأْثُرَةٌ ومآثِرُ ، وهي القدَمُ في الحَسَب.

ومآثِرُ العَرَب : مَكارمُها ومَفاخرُها التي تُؤْثَرُ عنها ، أَي تُذْكَرُ وتُرْوَى. ومثلُه في الأَساس (١).

والأُثْرَةُ : البَقِيَّةُ من العِلْم تُؤْثَرُ ، أَي تُرْوَى وتُذْكَر ، كالأَثَرَةِ محرَّكَةً ، والأَثارَة ، كسَحَابةٍ. وقد قُرِى‌ءَ بها (٢) ، والأخيرةُ أَعْلَى.

وقال الزَّجّاج : أَثَارةٌ في معنَى عَلامةٍ ، ويجوزُ أَن يكونَ على معنى بَقِيَّةٍ من عِلْم ، ويجوزُ أَن يكونَ على ما يُؤْثَرُ من العِلم. ويقال : أَوْ شَيْ‌ءٌ مَأْثُورٌ من كُتُب الأَوَّلِين ، فمَن قرأَ : «أَثارَةٍ» فهو المصدرُ ، مثل السَّمَاحة ، ومَن قرأَ : «أَثْرة» فإِنه بناهُ على الأَثَر مثْل قَتَرَةٍ ، ومَن قَرأَ : «أَثْرة» فكأَنه أَراد مثلَ الخَطْفَةِ والرجْفة.

والأُثْرَة ، بالضّمّ : الجَدْبُ ، والحالُ غيرُ المَرْضِيَّة ، قال الشاعر :

إِذا خافَ مِن أَيْدِي الحَوَادث أُثْرَةً

كَفَاهُ حِمَارٌ مِن غنِي مَقيدُ

ومنه‌قولُ النّبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إِنّكم سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً فاصْبِرُوا حتَّى تَلْقَوْنِي على الحَوْضِ».

وآثَره : أَكرَمه ، ومنه : رجلٌ أَثِيرٌ ، أَي مَكيِنٌ مُكْرَمٌ.

والجمع أُثَراءُ والأُنْثَى أَثِيرَةٌ.

والأَثِيرَةُ : الدّابَّةُ العظيمةُ الأَثَرِ في الأَرضِ بحافرها وخُفَّيْهَا ، بَيِّنةُ الإِثارةِ.

وعن ابن الأَعرابيّ : فَعَلَ (٣) هذا آثِراً مّا ، وآثِرَ ذِي أَثِيرٍ كلاهما على صِيغَةِ اسمِ الفاعل ، وكذلك آثِراً ، بِلَا «ما».

وقال عُرْوَةُ بنُ الوَرْد :

فقالُوا : ما تُرِيدُ؟ فقلتُ : أَلْهُو

إِلى الإِصْباحِ آثِرَ ذي أَثِيرِ

هكَذَا أَنشده الجوهريُّ. قال الصّاغانيُّ : والروايةُ : «وقالتْ» ، يَعْنِي امرأَتَه أُمَّ وَهْبٍ واسْمُها سَلْمَى.

ويُقَال : لَقِيتُه أَوَّلَ ذِي أَثِير ، وأَثِيرَةَ ذِي أَثِير ، نقله الصّاغانيّ. وأُثْرةَ ذي أَثِيرٍ ، بالضّمِّ وضَبَطَه الصّاغانيُّ بالكَسْر (٤).

وقيل : الأَثِيرُ : الصُّبْحُ ، وذُو أَثِيرٍ : وَقْتُه.

وحَكَى اللِّحْيَانيُّ : إِثْرَ ذِى أَثِيرَيْن ، بالكَسْر. ويُحرَّك ، وإِثْرَةً مّا.

وعن ابن الأَعرابيّ : ولَقِيتُه آثِرَ ذاتِ يَدَيْنِ ، وذِي يَدَيْنِ ، أَي أَوَّلَ كلِّ شيْ‌ءٍ قال الفَرّاءُ : ابْدَأْ بهذا آثِراً مّا ، وآثِرَ ذِي أَثِيرٍ ، وأَثِيرَ ذِي أَثِيرٍ ، أَي ابْدَأْ به أَوَّلَ كلِّ شي‌ءٍ.

ويُقَال : افْعَلْه آثِراً مّا ، وأَثِراً مّا ، أَي إِن كنتَ لا تفعلُ غيرَه فافْعَلْه.

وقيلَ : افْعَلْهُ مُؤْثِراً له على غيرِه ، و «ما» زائدةٌ ، وهي لازمةٌ لا يجوزُ حذفُها ؛ لأَنّ معناه افعلْه آثِراً مختاراً له مَعْنِيّاً به ، مِن قولك : آثَرتُ أَن أَفعلَ كذا وكذا ، وقال المبرِّد : في قولِهم : خُذْ هذا آثِراً مّا ، قال : كَأَنّه يريدُ أَن يأْخذَ منه واحداً وهو يُسَامُ على آخَرَ ، فيقول : خُذْ هذا الواحِدَ آثِراً ، أَي قد آثرتُكَ به ، و «ما» فيه حَشْوٌ.

ويقال : سَيفٌ مَأْثُورٌ : في مَتْنِه أَثَرٌ (٥) ، وقال صاحبُ

__________________

(١) عبارة الأساس : ولهم مآثر أي مساع يأثرونها عن آبائهم.

(٢) يشير إلى قوله تعالى في سورة الأحقاف الآية ٤ : «أو أُثْرة من علمٍ» و «أَثَرة من علمٍ» و «أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ».

(٣) التهذيب والتكملة واللسان : افْعَلْ.

(٤) لم ترد في التكملة ، وفي اللسان : لقيته أول ذي أَثير ، وإِثرَ ذي أيثر.

(٥) ضبطت في التهذيب واللسان بسكون الثاء. وفي التكملة فكالقاموس.

٩

الواعِي : سَيفٌ مَأْثُورٌ ، أُخِذَ من الأَثَر ، كأَنّ وَشْيَهُ أَثَّرَ فيه ، أو مَتْنُه حَدِيدٌ أَنيثٌ ، وشَفْرَتهُ حَدِيدٌ ذَكَرٌ ، نَقَلَ القَوْلَيْن الصَّاغَانيُّ. أَو هو الذي يُقَال إِنه يَعْمَلُه الجِنُّ ، وليس من الأَثْرِ الذي هو الفِرِنْد. قال ابنُ مُقْبِلٍ :

إِنِّي أُقَيِّدُ بالمَأْثُورِ راحِلَتِي

ولا أُبالِي ولو كُنَّا على سَفَرِ

قال ابنُ سِيدَه : وعندي أَنَّ الْمَأْثُورَ مَفْعُولٌ لا فِعْلَ له ، كما ذَهَب إِليه أَبو عليّ في المَفْؤُود الذي هو الجَبان.

وأَثِرَ يَفْعَلُ كذا ، كفَرِحَ : طَفِق ، وذلك إِذا أَبْصَرَ الشَّي‌ءَ وضَرِيَ بمعرفِته وحَذِقه ، وكذلك طَبِنَ وَطبِقَ ودَبِقَ ولَفِقَ (١) وفَطِنَ ، كذا في نَوادِر الأَعرابِ.

وقال ابن شُمَيل : إِن آثِرْتَ (٢) أَن تَأْتِيَنَا فأْتِنَا يومَ كذا وكذا ، أَي إِن كان لا بُدَّ أَن تَأْتِيَنَا فَأْتِنَا يومَ كذا وكذا.

ويُقَال : قد أَثِرَ أَنْ يَفْعَل ذلك الأَمْرَ ، أَي فَرَغَ له. وأَثِرَ على الأَمرِ : عَزَمَ ، قال أَبو زيد : قد أَثِرْتُ أَن أَقولَ ذلك : أي عَزَمْتُ. وأَثِرَ له تَفَرَّغَ ، وقال اللَّيْثُ : يقال : لقد أَثِرْتُ أَن (٣) أَفْعَلَ كذا وكذا ، وهو هَمٌّ في عَزْمٍ.

وآثَرَ : اخْتارَ وفَضَّلَ ، وقَدَّمَ ، وفي التنزيل : (تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) (٤) قال الأَصمعيُّ : آثرتُكَ إِيثاراً ، أَي فَضَّلْتُكَ.

وآثَرَ كذا بكذا : أَتْبَعَه إِيّاه ، ومنه قولُ مُتَمِّمِ بنِ نُوَيرةَ يَصفُ الغَيثَ :

فآثَرَ سَيْلَ الوادِيَيْنِ بدِيمَةٍ

تُرَشِّحُ وَسْمِيّا مِن النَّبْتِ خِرْوَعَا

أَي أَتْبَعَ مَطراً تقدَّم بدِيمَةٍ بعدَه.

والتُّؤْثُورُ (٥) وفي بعض الأُصُول التؤْرُورُ (٦) ، أَي على تُفْعُول بالضَمّ : حَدِيدَةٌ يُسْحَى بها باطِنُ خُفِّ البعيرِ ، ليُقْتَصَّ أَثَرُه في الأَرض ويُعْرَفَ ، كالمِئْثَرةِ. ورأَيتُ أَثْرَته ، أَي مَوْضِعَ أَثَرِه من الأَرض.

وقيل : الأُثْرَةُ والتُّؤْثُورُ والتَّأْثُورُ ، كلُّها علاماتٌ تَجعلُهَا الأَعرابُ في باطنِ خُفِّ البعيرِ ، وقد تَقدَّم في كلام المصنِّف.

والتُّؤْثُورُ (٧) : الْجِلْوَازُ ، كالتُّؤْرُورِ (٧) واليُؤْرُورِ ، بالياءِ التَّحْتِيَّة ، كما سيأْتي في أَرّ ، عن أَبي عليّ.

واستأْثرَ بالشىْ‌ءِ : استبدَّ به وانفردَ. واستأْثرَ بالشيْ‌ءِ على غيرِه : خَصَّ به نفْسَه ، قال الأَعشى :

استَأْثَرَ الله بالوفاءِ وبال

عَدْلِ ووَلَّى المَلامَةَ الرَّجُلَا

وفي حديث عُمَرَ : «فو الله ما أَستأْثِرُ بها عليكم ، ولا آخذُها دُونَكم».

واستأْثَرَ الله تعالى فلانا ، وبفلانٍ ، إِذا ماتَ وهو مِمَّنْ يُرْجَى له الجَنَّةُ ورُجِيَ له الغُفْرَانُ.

وذو الآثارِ : لَقَبُ الأْسوَد بنِ يَعْفُرَ النَّهْشَلِيّ ، وإِنما لُقِّب به لأَنَّه كان إِذا هَجَا قَوماً تَرَكَ فيهم آثاراً يُعْرَفُون بها ، أَو لأَنّ شِعْره في الأَشعار كآثار الأَسدِ في آثارِ السِّباع لا يَخْفَى.

ويقال : فلانٌ أَثِيري ، أي مِن خُلَصَائِي. وفي بعض الأُصول أَي خُلْصانِي. وفلانٌ أَثِيرٌ عند فلانٍ وذو أُثْرةٍ ، إِذا كان خاصّاً.

ورجلٌ أَثِيرٌ : مَكِينٌ مُكْرَمٌ.

وفي الأَساس : وهو أَثِيرِي ، أَي الذي أُوثِرُه وأْقَدِّمُه.

وشيْ‌ءٌ كَثُيرٌ أَثِيرٌ ، إِتباعُ له ، مثلُ بَثِير.

وأُثَيْرٌ ـ كزُبَيْرٍ ـ ابنُ عَمْرٍو السَّكُونِيُّ الطَّبِيبُ الكُوفيُّ ، وإِليه نُسِبتْ صحراءُ أُثَيْرٍ بالكوُفة.

ومُغِيرَةُ بنُ جَمِيلِ بنِ أُثَيْر ، شَيخٌ لأَبِي سَعِيدٍ عبدِ الله بن سَعِيدٍ الأَشَجِّ الكوفيّ أَحد الأَئمّة. قال ابن القرابِ مات سنة ٣٥٧.

وجوادُ بنُ أُثَيْرِ بنِ جَوادٍ الحَضْرميّ ، وغيرهم.

__________________

(١) زيادة عن التهذيب واللسان.

(٢) الأصل والتهذيب واللسان ، وفي التكملة : أثرت.

(٣) التهذيب : بأن.

(٤) سورة يوسف الآية ٩١.

(٥) عن الصحاح ، وبالأصل والقاموس والتهذيب واللسان «الثؤثور».

(٦) بالأصل «الثؤرور» وما أثبت عن هامش القاموس عن نسخة أخرى.

(٧) انظر ما مرّ في الحاشيتين السابقتين ، وانظر هنا التكملة وفيها : والتُّؤْرُور : الجلواز.

١٠

وقَولُ عليِّ رَضِيَّ اللهُ عنه : «ولستُ بمَأْثُورٍ في دِينِي » ، أَي لستُ ممَّن يُؤْثَرُ عنِّي شَرٌّ وتُهمَةٌ في دِيني. فيكونُ قد وَضَعَ الْمَأْثُورَ مَوضِعَ المَأْثُورِ عنه. وقد تقدَّم في أَب ر ومَرّ الكلامُ هناك.

* ومما يُستدرَكُ عليه :

الأَثَرُ ، بالتَّحْرِيك : ما بَقِيَ من رَسْمِ الشَّيْ‌ءِ ، والجَمْعُ الآثارُ.

والأَثَرُ ، أَيضاً : مُقَابلُ العَيْنِ ، ومعناه العَلامةُ. ومن أَمثالهم : «لا أَثَرَ بعد العَيْنِ». وسَمَّى شيخُنَا كتابَه : «إقرار العَيْنِ ببقاءِ الأَثَرِ بعدَ ذَهابِ العَيْنِ».

والمَأْثُور : أَحدُ سُيُوفِ النَّبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. كما ذَكَره أَهْل السِّيَر.

وحَكَى اللِّحْيَانيُّ عن الكِسائيِّ : ما يُدْرَى له أَينَ أَثَرٌ ، ولا يُدْرَى له ما أَثَرٌ ، أَي ما يُدْرَى أَين أَصْلُه وما أَصْلُه.

والإِثَارُ ، ككِتَابٍ : شِبْهُ الشِّمَالِ يُشَدُّ على ضَرْعِ العَنْزِ شِبْهُ كِيسٍ لئلَّا تُعَانَ.

وفي الحديث : «مَنْ سَرَّه أَن يَبْسُطَ الله له في رِزْقِه ويَنْسَأَ في أَثَرِه فلْيَصِلْ رَحمَه». الأَثَرُ الأَجَلُ ؛ سُمِّيَ به لأَنه يَتْبَعُ العُمرَ ، قال زُهَيْر :

والمرءُ ما عاشَ مَمْدُودٌ له أَمَلٌ

لَا يَنْتَهِي العُمْرُ حتَّى يَنْتَهِي الأَثَرُ

وأَصلُه مِن أَثَّرَ مَشْيُه في الأَرض ، فإِنَّ مَن ماتَ لَا يَبْقَى له أَثَرٌ ، ولا يُرَى لأَقدامِه في الأَرض أَثَرُ. ومنه قولُه للَّذِي مَرَّ بين يَدَيْه وهو يُصَلِّي : «قَطَعَ صَلاتَنا قَطَعَ اللهُ أَثَرَه» ، دُعَاءٌ عليه بالزَّمَانَة ؛ لأَنه إِذا زَمِنَ انقطعَ مَشْيُه فانقطعَ أَثَرُه.

وأَمّا مِيثَرةُ السَّرْجِ فغيرُ مَهْمُوزةٍ.

وقولُه عَزّ وجَلّ : (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ) (١) ، أَي نكتُب ما أَسْلَفُوا مِن أَعمالِهم.

وفي اللسان : وسَمِنَت الإِبلُ والنّاقةُ على أَثَارةٍ. أَي على عَتِيقِ شَحْمٍ كان قبلَ ذلك ، قال الشَّمّاخُ :

وذاتِ أَثَارةٍ أَكَلتْ عليه

نَبَاتاً في أَكِمَّتِه قَفَارَا (٢)

قال أَبو منصور : ويُحْتَملُ أَن يكونَ قولُه تعالى : (أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) (٣) مِن هذا ؛ لأَنها سَمِنَتْ على بَقِيَّةِ شَحْمٍ كانت عليها ، فكأَنَّها حَمَلَتْ شَحْماً على بَقِيَّةِ شَحْمِها.

وفي الأَساس : ومنه : أَغْضَبَني فلانٌ عن أَثارةِ غَضَبٍ ، أَي [على أَثَرِ غضبٍ] (٤) كان قبل ذلك. وفي المُحْكَم والتَّهْذِيب : وغَضِبَ على أَثَارةٍ قَبْلَ ذلك ، أَي قد كان قَبْلَ ذلِكَ منه غَضَبٌ ، ثم ازْدادَ بعد ذلك غَضَباً. هذه عن اللِّحْيَانيِّ.

وقال ابنُ عَبَّاس : (أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) ، إِنّه عِلْمُ الخَطِّ الذي كان أُوتِيَ بعض الأَنبياءِ.

وأَثْرُ السَّيْفِ : دِيباجَتُه وتَسَلْسُلُه.

ويقال : أَثَّرَ بوَجْهِه وبِجَبِينِه السُّجُودُ. وأَثَّرَ فيه السَّيْفُ والضَّرْبَةُ. وفي الأَمثال : يُقال للكاذب : «لا يَصْدُقُ أَثَرُه» ، أَي أَثَرُ رِجْلِه.

ويقال : افعَلْه إِثْرَةَ (٥) ذِي أَثِيرٍ ـ بالكسر ـ وأَثْرَ ذِي أَثِيرٍ ، بالفتح. لغتانِ في : آثِر ذي أَثِيرٍ ، بالمدّ ، نقلَه الصّاغانيُّ.

وقال الفَرّاءُ : افْعَلْ هذه أَثَراً مّا ـ محرَّكةً ـ مِثل قولك : آثِراً مّا.

* واستدرك شيخُنا :

الأَثِيرُ : ـ كأَمِيرٍ ـ وهو الفَلَكُ التّاسِعُ الأَعْظَمُ الحاكمُ على كلِّ الأَفلاكِ ، لأَنّه يُؤَثِّرُ في غيره.

وأَبناءُ الأَثِيرِ : الأَئِمَّةُ المَشَاهِيرُ ، الإِخوةُ الثلاثةُ : عِزُّ الدِّين عليُّ بنُ محمّدِ بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشَّيْبَانِيُّ الجَزَرِيُّ ، اللُّغَوِيُّ ، المحدِّثُ ، له التاريخُ والأَنسابُ ، ومعرفةُ الصَّحابةِ ، وغيرُها ، وأَخُوه مَجْدُ الدِّينِ

__________________

(١) سورة يس الآية ١٢.

(٢) البيت للراعي وهو في ديوانه ص ١٤٢ من قصيدة يمدح سعيد بن عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد مطلعها :

ألم تسأل بعارضة الديارا

عن الحي المفارق أين سارا

وفيه «عليها» بدل «عليه» وانظر تخريجه في الديوان.

(٣) سورة الأحقاف الآية ٤.

(٤) زيادة عن الأساس.

(٥) في التكملة : أَثِيرة.

١١

أَبو السَّعَاداتِ ، له جامعُ الأُصولِ ، والنِّهَايَةُ ، وغيرُهما ، ذَكَرهما الذَّهَبِيُّ في التَّذْكرة ، وأَخُوهما الثّالثُ ضِياءُ الدِّين أَبو الفَتْحِ نَصْرُ اللهِ ، له المَثَلُ السّائرُ ، وغيرُه ، ذَكَره مع أَخَويْه ابنُ خلِّكانَ في الوَفَيات. قال شيخُنا : ومِن لَطائفِ ما قِيلَ فيهم :

وَبنُو الأَثِيرِ ثلاثةٌ

قد حازَ كلُّ مُفْتَخَرْ

فمُؤَرِّخٌ جَمَع العُلُو

مَ وآخَرٌ وَلِيَ الوَزَرْ

ومُحَدِّثٌ كَتَب الحَدِيثَ

له النِّهَايةُ في الأَثَرْ

قال : والوَزِيرُ هو صاحبُ «المَثَلِ السّائِرِ». وما أَلْطَفَ التَّوْرَيَةَ في النِّهَاية.

وصحراءُ أُثَيْرٍ ، كزُبَيْرٍ : بالكُوفة حيثُ حَرَقَ أَميرُ المؤمنين عليُّ رضيَ اللهُ عنه النَّفَرَ الغَالِين فيه.

[أجر] : الأَجْرُ : الجَزاءُ على العَمَل ـ وفي الصّحاح وغيره : الأَجْرُ : الثّوابُ ، وقد فرّق بينهما بفروق. قال العَيْنيُّ في «شَرْحِ البُخارِيِّ» : الحاصِلُ بأُصولِ الشَّرْعِ والعبادات ثوابٌ ، وبالمُكَمِّلاتِ أَجْرٌ ، لأَنَّ الثّوَابَ ـ لغة ـ بَدَلُ العَيْنِ ، والأَجْرُ بَدَلُ المَنْفَعَةِ ، وهي تابعةٌ للعَيْن. وقد يُطْلَقُ الأَجْرُ على الثَّوَابِ وبالعَكْس ـ كالإِجارةِ والأُجْرةِ ، وهو ما أَعطيتَ مِن أَجْرٍ في عَمَلٍ ، مُثَلَّثةً ، التَّثْلِيثُ مسموعٌ ، والكَسْرُ الأَشْهَرُ الأَفصحُ. قال ابنُ سِيدَه : وأَرَى ثَعْلَباً حَكَى فيه الفَتْحَ ، ج أُجُورٌ وآجارٌ. قال شيخُنَا : الثّاني غيرُ معروفٍ قياساً ، ولم أَقِفْ عليه سَمَاعاً. ثم إِن كلامَه صريحٌ في أَنّ الأَجْرَ والإِجارَة مترادفانِ ، لا فَرْقَ بينهما ، والمعروفُ أَن الأَجْرَ هو الثَّوَاب الذي يكونُ من الله ، عَزّ وجَلّ ، للعَبْد على العَمَل الصّالِحِ ، والإِجارةُ هو جزاءُ عَمَلِ الإِنسانِ لصاحِبه ، ومنه الأَجِير.

وقولُه تعالَى : (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا) (١) ، قيل : هو الذِّكْرُ الحَسَنُ وقيل : معناه أَنّه ليس أُمّةٌ مِن المُسْلِمِين والنَّصارَى واليَهُودِ والمَجُوسِ إِلّا وهم يُعَظِّمُون إِبراهيمَ ، على نَبيِّنا وعليه الصّلاةُ والسّلامُ. وقيل : أَجْرُه في الدُّنيا كَوْنُ الأَنبياءِ مِن وَلَدِه. وقيل : أَجْرُه الوَلَدُ الصّالِحُ.

ومن المَجاز : الأَجْرُ : المَهْرُ ، وفي التَّنْزِيل : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) (٢) ، أَي مُهُورَهُنَّ.

وقد أَجَرَه اللهُ ويَأْجُرُه ، بالضمّ ، ويَأْجِرُه ، بالكسر إِذا جَزَاه وأَثَابَه وأَعطاه الأَجْرَ ، والوَجْهَانِ مَعْرُوفان لجميعِ اللُّغَوِيِّين إِلّا مَنْ شَذَّ ، مِمَّن أَنكرَ الكَسْرَ في المُضَارعِ ، والأَمْرُ منهما : أجُرْنِي وأجِرْنِي كآجَرَه يُؤْجِرُه إِيجاراً.

وفي كتاب ابنِ القَطّاع : إِنّ مضارع آجَرَ. كآمَنَ يُؤاجِرُ.

قال شيخُنَا : وهو سَهْوٌ ظَاهِرٌ يَقعُ لمَن لم يُفَرِّق بين أَفْعَلَ وفَاعَلَ. وقال عِيَاضٌ : إِنّ الأَصمعيَّ أَنكرَ بالكُلِّيَّةِ. وقال قومٌ : هو الأَفصحُ.

وفي الصّحاح : أَجَرَ العَظْمُ يَأْجُرُ ويَأْجِرُ (٣) أَجْراً ، بفتحٍ فسكونٍ وإِجاراً (٤) ، بالكسرِ ، وأُجوراً ، بالضّمِّ : بَرَأَ على عَثْم بفتحٍ فسكونٍ ، وهو البُرْءُ من غير استواءٍ. وقال ابنُ السِّكِّيت : هو مَشَشٌ كهيئةِ الوَرَمِ فيه أَوَدٌ. وأَجَرْتُه ، فهو لازمٌ مُتَعَدّ.

وفي اللِّسَان : أَجِرَتْ (٥) يَدُهُ تَأْجُرُ وتَأْجِرُ أَجْراً وإِجاراً وأُجُوراً : جُبِرَتْ على غيرِ استواءٍ فبقِيَ لها عَثْمٌ ، وآجَرَهَا هو ، وآجرْتُها أَنا إِيجاراً.

وفي الصّحاح : آجَرَهَا اللهُ أَي جَبَرَهَا على عَثْمٍ.

وأَجَرَ المَمْلُوكَ أَجْراً : أَكْرَاه يَأْجُرُه ، فهو مأْجُورٌ ، كآجَرَه إِيجاراً ، وحكاه قومٌ في العَظْمِ أَيضاً ، ومُؤاجَرةً ، قال شيخُنَا : هو مصدرُ آجَرَ ، على فَاعَلَ ، لا آجَرَ ، على : أَفْعَلَ ، والمصنِّفُ كَأَنّه اغترَّ بعبارة ابنِ القَطّاع وهو صَنِيعُ من لم يُفَرِّق بين أَفْعلَ وفاعَلَ ، كما أَشرنا إِليه أَوّلاً ، فلا يُلْتَفَتُ إِليه ، مع أَنّ مِثلَه ممّا لا يَخْفَى. وقال الزَّمَخْشَرِيُّ : وآجَرْتُ الدّارَ ، على أَفعلْتُ ، فأَنَا مُؤْجِرُ ، ولا يقال : مُؤَاجِرٌ ، فهو خَطَأٌ قَبِيحٌ (٦).

__________________

(١) سورة العنكبوت الآية ٢٧.

(٢) سورة الأحزاب الآية ٥٠.

(٣) لم ترد في الصحاح.

(٤) لم ترد في الصحاح.

(٥) ضبطت عن اللسان بكسر الجيم ، وضبطت في التهذيب بفتح الجيم والراء ، وكلاهما ضبط قلم.

(٦) انظر العبارة في الأساس فهي باختلاف الرواية عما ورد هنا بالأصل نقلاً عن الزمخشري.

١٢

ويقال : آجَرْتُه مُؤاجَرةً : عاملُته معاملةً ، وعاقَدتُه مُعَاقَدَةً ؛ لأَنَّ ما كان مِن فاعَلَ في مَعْنَى المُعَاملِة كالمُشَاركة والمُزارَعة إِنما يتعدَّى لمفعولٍ واحد ، ومُؤاجَرةُ الأَجِيرِ مِنْ ذلك ، فآجَرْتُ الدّارَ والعَبْدَ ، من أَفْعَلَ لا من فاعَلَ ، ومنهم مَن يقول : آجَرتُ الدّارَ ، على فاعَلَ ، فيقول : آجَرتُه مؤُاجَرةً. واقتصر الأَزهريُّ على آجَرتُه فهو مُؤْجَرٌ. وقال الأَخفشُ : ومِن العربِ مَن يقول : آجَرتُه فهو مُؤْجَرٌ ، في تقدير أَفْعلتُه فهو مُفْعَلٌ ، وبعضُهُم يقول : فهو مُؤاجَرٌ ، في تقديرِ فَاعَلْتُه.

ويتعدَّى إِلى مفعولَيْن فيُقَال : آجرتُ زَيْداً الدّارَ ، وآجرتُ الدّارَ زيداً ، على القَلْب ، مثل أَعطيتُ زيداً درهماً ، وأَعطيتُ درهماً زيداً ؛ فظهر بما تقدم أَنّ آجَرَ مُؤاجَرةً مسموعٌ مِن العرب وليس هو صنِيعَ ابنِ القَطَّاعِ وحدَه ، بل سَبَقَه غيرُ واحدٍ من الأَئِمَّة وأَقرُّوه.

وفي اللِّسَان : وأَجَرَ المملوك يَأْجُرُه أَجْراً فهو مَأْجُورٌ وآجَرَه يُؤْجِرُه إِيجاراً ومُؤاجرَةً ، وكلٌّ حَسَنٌ مِن كلام العرب.

والأُجْرَةُ بالضّمِّ : الكِرَاءُ ، والجَمْعُ أُجَرٌ ، كغُرْفَةٍ وغُرَفٍ ، وربَّمَا جمعوها أُجَراتٌ ، بفتح الجِيمِ وضَمِّهَا ، والمعروفُ في تفسير الأُجْرة هو ما يُعطَى الأَجير في مقابلةِ العَمَلِ.

وائْتَجَرَ ـ الرجلُ : تَصَدَّقَ وطَلَبَ الأَجْرَ ، وفي الحديث في الأَضاحِي : «كُلُوا وادَّخِرُوا وائْتَجِرُوا» ، أَي تَصدَّقُوا طالِبينَ للأَجْرِ بذلك ، ولا يجوزُ فيه اتَّجِرُوا ـ بالإِدغام ـ لأَن الهمزةَ لا تُدغَم في التّاءِ ؛ لأَنه (١) مِن الأَجْرِ لا مِن التِّجَارة. قال ابنُ الأَثِير : وقد أَجارَه الهَرَوِيُّ في كتابه ، واستشهد عليه بقوله في الحديثِ الآخَرِ : «إِن رجلاً دخلَ المسجدَ وقد قَضَى النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلَاتَه ، فقال : مَن يَتَّجِرُ يقومُ (٢) فيصلِّي معه».

قال : والرِّواية إِنما هي يَأْتَجِرُ ، فإِنْ صَحَّ فيها يَتَّجِرُ فيكونُ مِن التِّجارة لا مِن الأَجْر ؛ كأَنَّه بصَلاتِه معه قد حَصَّلَ لنفسِه تِجَارةً ، أَي مَكْسَباً. ومنه‌حديثُ الزَّكاة : «ومَنْ أَعطاها مُؤْتَجِراً بها».

ويقال : أُجِرَ فلانٌ في أَولادِه ، كعُنِيَ ، ونصُّ عبارةِ ابن السِّكِّيت : أُجِرَ فلانٌ خمسةً مِن وَلَدِه ، أَي ماتُوا فصارُوا أَجْرَه ، وعبارة الزمخشريَّ : ماتُوا فكانُوا له أَجْراً.

ويقال : أُجِرَتْ يَدُهُ تُؤْجَرُ أَجْراً وأُجُوراً ، إِذا جُبِرَتْ على عُقْدَةٍ وغير استواءٍ فَبقِيَ لها خُرُوجٌ عن هَيْئَتِهَا.

وآجَرَتِ المرأَةُ ، وفي بعض أُصول اللغَةِ : الأَمَةُ البَغِيَّةُ (٣) ، مُؤاجَرَةً : أَباحَت نفسَهَا بأَجْرٍ.

ويقال : استأْجرْتُه ، أَي اتَّخذتُه أَجِيراً ، قاله الزَّجَّاج.

وآجَرْتُه فهو مُؤْجَرٌ ، وفي بعض النُّسَخ أَجَرْتُه مَقْصُوراً ، ومثلُه قولُ الزَّجَاج في تفسير قوله تعالى : (أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ) (٤) أَي تكونَ أَجِيراً لي ، فَأَجَرَنِي ثماني حِجَجٍ ، أي صارَ أَجِيرِي.

والأَجِيرُ : هو المستأْجَرُ ، وجمعُه أُجَراءُ ، وأَنشدَ أَبو حَنِيفةَ :

وجَوْنٍ تَزْلَقُ الحِدْثانُ فيه

إِذا أُجَراؤُه نَحَطُوا أَجَابَا

والاسمُ منه الإِجارةُ.

والإِجَّار ، بكسرٍ فتشدِيدِ الجيم : السَّطْحُ ، بلغة أَهلِ الشّامِ والحِجَاز ، وقال ابنُ سِيدَه : والإِجّارُ والإِجَّارةُ : سَطْحٌ ليس عليه سُتْرَةٌ ، وفي الحديث : «مَن باتَ على إِجّارٍ ليس حَولَه مَا يَردُّ قَدَمَيْه فقد بَرِئَت منه الذِّمَّةُ» ، قال ابنُ الأَثِير : وهو السَّطْح الذي ليس حولَه (٥) ما يَرُدُّ الساقطَ عنه. وفي حديث محمّدِ بن مَسْلَمَةَ : «فإِذا جاريةٌ مِن الأَنصارِ على إِجّارٍ لهم».

كالإِنْجار بالنُّون ، لغةٌ فيه ، ج أَجَاجِيرُ وأَجَاجِرةُ وأَناجِيرُ ، وفي حديث الهجرة : «فتلقَّى الناسُ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في السوق وعلى الأَجاجِير» ، ويروى : «على الأَناجِير».

والإِجِّيرَى ، بكسرٍ فتشديدٍ : العادةُ وقيل : همزتُها بدلٌ من الهاءِ. وقال ابنُ السِّكِّيت : ما زالَ ذلك إِجِّيراه ، أَي عادته.

والآجُورُ على فاعُول واليَأْجُور والأَجُور كصَبُور

__________________

(١) النهاية : وإِنما هو من الأَجر.

(٢) النهاية : فيقوم.

(٣) وهي عبارة اللسان. وفي التاج (بغى) : «ولا يقال للمرأة بغية» قال الله تعالى : (وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) ، يظهر أنّ التاء في بغية ليست للتأنيث وإنما هي للمبالغة ، صفة للأمة خاصة. والبغية : الطليعة التي تكون قبل ورود الجيش وانظر اللسان (بغا).

(٤) سورة القصص الآية ٢٧.

(٥) النهاية : حواليه.

١٣

والآجُرُ (١) ، بالمدِّ وضمِّ الجيم على فاعَل ، قال الصّاغَانيُّ : وليس بتخفيف الآجُرّ ، كما زَعَم بعضُ الناس ـ وهو مثلُ الآنُكِ ـ والجمْع أَآجِرُ ، قال ثعلبةُ بن صُعَير (٢) المازِنيُّ يصفُ ناقةً :

تُضْحِي إِذا دَقَّ المَطِيُّ كأَنَّها

فَدَنُ ابنِ حَيَّةَ شادَه بالآجُرِ

وليس في الكلام فاعُل ، بضمِّ العين ، وآجُرٌ وآنُكٌ أَعجميّانِ (٣) ، ولا يَلْزَمُ سِيْبَوَيْه تَدْوِينُه. والآجَرُ ، بفتحِ الجيم ، والآجِرُ ، بكسرِ الجيم ، والآجِرُون (٤) بضمِّ الجيم وكسرِها ، على صِيغة الجمْع ، قال أَبو دُوَاد :

ولقد كانَ في كَتائِبَ خُضْرٍ

وبَلَاطٍ يُلاطُ بالآجِرُونِ

رُوِيَ بضمِّ الجِيمِ وكسرِهَا معاً ، كُلُّ ذلك الآجُرُّ ، بضمِّ الجيمِ ، مع تشديدِ الرّاءِ ، وضَبَطَه شيخُنا بضمّ الهمزة ، مُعَرَّباتٌ ، وهو طَبِيخُ الطِّين. قال أَبو عَمرٍو : هو الآجُرُ ، مخفَّف الراءِ ، وهي الآجُرَةُ. وقال غيرُه : آجِرٌ وآجُورٌ ، على فاعُول ، وهو الذي يُبْنَى به ، فارسيُّ معرَّب. قال الكِسائيُّ : العربُ تقول : آجُرَّة ، وآجُرُّ للجَمْعَ ، وآجُرَةُ وجَمْعُها آجُرٌ ، وأجُرَةٌ وآجُورةٌ وجمعها آجُورٌ.

وآجَرُ وهاجَرُ : اسمُ أُمّ إِسماعيلَ عليه وعلى نَبِيِّنا أَفضلُ الصلاة والسّلام ، الهمزةُ بدلٌ من الهاءِ.

وآجَرَه الرُّمْحَ لغة في أَوْجَره إِذا طَعَنَه به في فِيه. وسيأْتي في وجر.

ودَرْبُ آجُرٍّ ، بالإِضافة : موضعانِ ببغدادَ ، أَحدُهما بالغربيّة وهو اليومَ خرابٌ ، والثاني بنهرِ مُعَلَّى (٥) عند خَرابة ابنِ جَرْدَةَ ، قاله الصاغانيّ. مِن أَحدِهما (٦) أَبو بكرٍ محمّدُ بنُ الحُسَين الآجُرِّيُّ العابدُ الزّاهدُ الشافعيُّ ، تُوفِّي بمكةَ سنة ٣٦٠ ، ووجدتُ بخطِّ الحافظِ ابن حجر العَسْقَلانيِّ ما نصُّه : الآجُرِّيُّ ، هكذا ضَبَطَه الناسُ ، وقال أَبو عبدِ اللهِ محمّدُ بنُ الجَلَّاب الفِهريُّ الشهيدُ نَزيلُ تُونُسَ ، في كتاب الفوائدِ المنتخَبةِ له : أَفادَنِي الرئيسُ ، يعني أَبَا عثمانَ بنَ حكمةَ القُرَشِيَّ ، وقرأْتُه في بعضِ أُصُولِه بخطِّ أَبي داوودَ المقرِي ما نصُّه : وَجدتُ في كتابِ القاضِي أَبي عبدِ الرَّحْمنِ عبدِ الله ابنِ جحافٍ الراوي ، عن محمّدِ بنِ خَلِيفَة وغيره ، عن الّلاجريّ الذي وَرِثَه عنه ابنُه أَبو المطرف ، قال لي أَبو عبدِ الله محمدُ بنُ خليفةَ في ذي القعدة سنة ٣٨٦ ، وكنتُ سمعتُ مَن يقرأُ عليه : حدّثك أَبو بكر محمّدُ بنُ الحُسَينِ الآجُرِّيّ ، فقال لي : ليس كذلك إِنما هو اللّاجرِيُّ ، بتشديد اللام وتخفيف الراءِ ، منسوبٌ إِلى لاجر ، قرية من قُرَى بغدادَ ليس بها أَطيبُ من مائها. قال ابنُ الجلّاب : ورَوَيْنَا عن غيره : الآجُرِّيّ ، بتشديد الراءِ ، وابن خليفةَ قد لَقِيَه وضَبَطَ عليه كتابَه فهو أَعلمُ به. قال الحافِظُ : قلتُ : هذا ممّا يُسْقِطُ الثِّقَةَ بابن خليفة المذكور وقد ضَعَّفَه ابن القُوصِيِّ في تاريخه.

* ومما يُسْتَدرك عليه :

ائْتَجَرَ عليه بكذا ، من الأُجْرَة. قال محمّدُ بنُ بَشيرٍ (٧) الخارِجيُّ :

يا ليتَ أَنِّي بأَثْوَابِي وراحِلَتِي

عبدُ لأَهْلِكِ هذا الشَّهْرَ مُؤْتَجَرُ

وآجَرْتُه الدّارَ : أَكْرَيتُهَا ، والعَامّةُ تقول : وأَجرتُه.

وقولُه تعالى : (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) (٨) قيل : الأَجْرُ الكريمُ هو الجَنَّة.

والمِئْجَارُ : المِخْراقُ ، كأَنَّه قُتِلَ فصَلُبَ كما يَصْلُبُ العَظْمُ المَجْبُور ، قال الأَخطل :

والوَرْدُ يَرْدِي بعُصْمٍ في شَرِيدِهُم

كأَنّه لاعِبٌ يَسْعَى بمِئْجارٍ

وقد ذَكَرَهُ المصنِّف في وجر ، وذِكْرُه هنا هو الصَّوابُ.

وقال الكِسائيُّ : الإِجارةُ في قول الخَلِيلِ : أَن تكونَ

__________________

(١) على هامش القاموس عن نسخة أخرى : والأُجُرُ.

(٢) عن التكملة ، وانظر الشعر والشعراء ص ١٥٦ وبالأصل «صقر».

(٣) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : آجر وآنك أعجميان ، أما الأول فهو معرب آكور بوزن فاعول ، وأما آنك فهو غير معرب كما يأتي في أ ن ك ، لكن نقل الشارح هناك عن الأزهري أنه قال : وأحسبه معرباً ، كذا بهامش المطبوعة».

(٤) في القاموس : والآجُرُون والآجِرُون.

(٥) عن معجم البلدان ، وبالأصل «يعلى».

(٦) هو من درب الآجر التي بالجانب الغربي من بغداد كما في معجم البلدان.

(٧) عن معجم الشعراء للمرزباني ص ٤١٢ وبالأصل «بشر».

(٨) سورة يس الآية ١١.

١٤

القافيةُ طاءً والأُخرى دالاً ، أَو جِيماً ودالاً ، وهذا مِن أُجِرَ الكَسْرُ ، إِذا جُبِرَ على غير استواءٍ ، وهو فِعالَةٌ ـ مِن أَجَرَ يَأْجُر ، كالإِمارة مِن أَمَر ـ لا إِفْعَالٌ.

ومن المَجاز : الإِنْجَارُ ، بالكسر : الصَّحْنُ المنبطِحُ الذي ليس له حَواش ، يُغْرَفُ فيه الطَّعَامُ ، والجمعُ أَناجِيرُ ، وهي لغةٌ مستعملةٌ عند العَوامّ.

وأَحيد الأَجِير نقلَه السمعانيُّ من تاريخ نَسَفَ للمُسْتَغْفِريّ ، وهو غيرُ منسوب ، قال : أَراه كان أَجيرَ طُفَيْلِ ابنِ زيدٍ التَّمِيميّ في بَيته ، أَدْرَكَ البُخَاريَّ.

وأَجَّرُ ، بفتحِ الهمزَةِ وتَشْدِيد الجِيم المفتوحة : حِصْنٌ من عَمَلِ قُرْطُبَةَ ، وإِليه نُسِبَ أَبو جعفرٍ أَحمدُ بنُ محمّد بن إِبراهيمَ الخشنيّ الأَجَّريُّ المقري ، سمَعَ من أَبي الطاهرِ ابنِ عَوْفٍ ، ومات سنةَ ٦١١ ، ذَكَره القاسمُ التُّجِيبيُّ في فِهْرِسْتِه ، وقال : لم يذكره أَحدٌ ممَّن أَلَّفَ في هذا الباب.

[أخر] : الأُخُرُ ، بضمَّتَيْن : ضِدُّ القُدُمِ ، تقولُ : مَضَى قُدُماً ، وتَأَخَّرَ أُخُراً.

والتَّأَخُّرُ : ضِدُّ التَّقَدُّمِ ، وقد تَأَخَّر عنه تَأَخُّراً وتَأَخُّرَةً واحدةً ، عن اللِّحْيَانِيِّ ، وهذا مُطَّردٌ ، وإِنما ذَكَرنَاهُ لِأَن اطِّرادَ مثلِ هذا ممّا يجهلُه مَن دُرْبَةَ له بالعربيَّة.

وفي حديثِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنه : أَنَّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له : «أَخِّرْ عنِّي يا عُمَر».

يُقَال : أَخَّرَ تأْخيراً وتَأَخَّرَ ، وقَدَّمَ وتَقدَّم ، بمعنىً ، كقوله تعالى : (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) (١) أَي لا تَتَقدَّمُوا ، وقيل : معناه أَخِّرْ عنّي رأْيَكَ. واختُصِرَ ؛ إِيجازاً وبلاغةً ، والتَّأْخِيرُ : ضِدُّ التَّقدِيم.

واستأْخَرَ كتَأَخَّر ، وفي التَّنْزِيل : (لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٢) وفيه أَيضاً : (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) (٣) قال ثَعْلَبٌ : أَي عَلِمْنَا مَن يَأْتِي منكم إِلى المَسْجِد مُتَقَدِّماً ومَن يَأْتِي مُسْتَأْخِراً.

وأَخَّرْتُه فَتأَخَّرَ ، واسْتَأْخَرَ كتَأَخَّرَ ، لازمٌ مُتعدٍّ ، قال شيخُنَا : وهي عبارةٌ ، قَلِقَةٌ جاريةٌ على غير اصطلاحِ الصَّرفِ ، ولو قال : وأَخَّر تأْخِيراً اسْتَأْخَرَ ، كتَأَخَّر ، وأَخَّرْتُه ، لازمٌ متعدَّ ، لكان أَعذَبَ في الذَّوْق ، وأَجْرَى على الصِّناعة ، كما لا يَخْفَى ، وفيه استعمالُ فَعَّلَ لازماً (٤) ، كقَدَّم بمعنَى تَقَدَّمَ ، وبَرَّزَ على أَقرانِه ، أَي فاقَهم.

وآخِرَةُ العَيْنِ ومُؤْخِرَتُها ، ما وَلِيَ اللِّحَاظَ ، كمُؤْخِرِهَا ، كمُؤْمِن ، ومُؤْمِنَةٍ ، وهو الذي يَلِي الصُّدْغَ ، ومُقْدِمُها الذي يَلِي الأَنْفَ ، يقال : نَظَرَ إِليه بمُؤْخِرِ عَيْنِه ، وبمُقْدِمِ عَيْنِه.

ومُؤْخِرُ العَيْنِ ومُقْدِمُها جاءَ في العَين بالتَّخفِيف خاصَّةً ، نَقَلَه الفَيُّومِيّ عن الأَزْهريِّ (٥) وقال أَبو عُبَيْد : مُؤخِرُ العَيْنِ ، الأَجْوَدُ التَّخْفِيفُ. قلتُ : ويُفهم منه جَواز التَّثْقِيلِ على قِلَّة.

والآخِرَةُ من الرَّحْلِ : خِلافُ قادِمَتِه ، وكذا مِن السَّرْجِ ، وهي التي يَستنِدُ إِليها الرّاكبُ ، والجمْعُ الأَواخِرُ ، وهذه أَفصحُ الُّلغَاتِ ، كما في المِصباح وقد جاءَ في الحديث : «إِذا وَضَعَ أَحدُكم بين يَدَيْهِ مِثْلَ آخِرَةِ الرَّحْلِ فلا يُبَالِي (٦) مَنْ مَرَّ (٧)». كآخِرِه ، من غير تاءٍ ، ومُؤَخَّرِه ، كمُعَظَّم ، ومُؤخَّرتِه ، بزيادة التّاءِ ، وتُكسَر خاؤُهما مخفَّفةً ومشدَّدةً. أَما المُؤْخِرُ كمُؤْمنٍ [فهي] لغة قليلةٌ ، وقد جاءَ في بَعْضِ روايات الحديث ، وقد مَنَعَ منها بعضُهُم ، والتَّشْدِيدُ مع الكَسْر أَنْكَرَه ابنُ السِّكِّيت ، وجَعَلَه في المِصْباح من اللَّحْنِ.

وللنَّاقَةِ آخِرَانِ وقادِمَانِ ، فخَلِفَاها المُقَدَّمَان : قادِمَاها ، وخَلِفَاهَا المُؤَخَّرَان : آخِرَاهَا ، والآخِرَانِ مِنَ الأَخْلافِ الَّلذَانِ يَلِيَانِ الفَخْذَيْن ، وفي التَّكْمِلَة : آخِرَا النّاقَةِ خِلْفَاها المُؤَخَّرَانِ ، وقادِمَاها : خِلْفاها المُقَدَّمانِ.

والآخِرُ : خلافُ الأَوَّلِ. في التَّهذيب قال الله عزوجل : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظّاهِرُ وَالْباطِنُ) (٨) ، ورُوِيَ عن

__________________

(١) سورة الحجرات الآية ١.

(٢) سورة النحل الآية ٦١ والأعراف الآية ٣٤.

(٣) سورة الحجر الآية ٢٤.

(٤) بالأصل «لازم» وبهامش المطبوعة المصرية : «قوله لازم ، لعل الظاهر : لازماً ، كما لا يخفَى» وهذا ما أثبتناه.

(٥) جاء في التهذيب : ومؤخر العين ومقدمها. جاء في العين بالتخفيف خاصة. ومؤخَّر الشي‌ءِ ومقدَّمه.

(٦) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله فلا يبالي كذا بخط المؤلف ولسان العرب وفي النهاية بحذف الياء وليحرر».

(٧) في النهاية : من مرّ وراءه.

(٨) سورة الحديد الآية ٣ وعبارة التهذيب : وأما الآخر بكسر الخاء فهو الله عزوجل و (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظّاهِرُ وَالْباطِنُ).

١٥

النّبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أَنه قال وهو يُمَجِّد اللهَ : «أَنتَ الأَوَّلُ فليس قبلَكَ شَيْ‌ءٌ ، وأَنتَ الآخِرُ فليس بعدَكَ شَيْ‌ءٌ.

وفي النهاية : الْآخِرُ من أَسماءِ اللهِ تعالَى هو الباقِي بعدَ فَناءِ خَلْقِه كلَّه ناطِقِه وصامِتِه. وهي ، أَي الأُنْثَى الآخِرَة ، بهاءٍ قال اللَّيْث : نَقِيضُ المتقدِّمَةِ ، وحَكَى ثعلبٌ : هُنَّ الأَوَّلاتُ دُخُولاً والآخِرَاتُ خُرِوجاً.

ويقال : في الشَّتْم : أَبْعَدَ اللهُ الآخِرَ ، كما حكَاه بعضُهُم بالمدِّ وكسرِ الخاءِ ، وهو الغائبُ ، كالأَخِير ، والمشهورُ فيه الأَخِرُ ، بوزْنِ الكَبِدِ ، كما سيأتِي في المُسْتَدرَكَات.

والآخَر ، بفَتْحِ الخاءِ : أَحَدُ الشَّيْئين ، وهو اسمٌ على أَفْعَلَ إِلَّا أَن فيه معنى الصّفَةِ ؛ لأَنَّ أَفْعَلَ مِن كذا لا يكونُ إِلّا في الصِّفةِ ، كذا في الصّحاح.

والآخَرُ بمعنى غَيْرٍ ، كقولكَ : رجلٌ آخَرُ ، وثَوْبٌ آخَرُ : وأَصلُه أَفْعَلُ مِن أَخَّر (١) ، أَي تَأَخَّر ، فمعناه أَشَدُّ تَأَخُّراً ، ثم صار بمعنَى المُغَايِرِ.

وقال الأَخْفَشُ : لو جعلتَ في الشِّعر آخِر مع جابِر لجازَ ، قال ابنُ جِنِّي : هذا هو الوجْهُ القويُّ ؛ لأَنه لا يُحقِّقُ أَحدٌ هَمزَة آخِر ، ولو كان تَحقيقُها حَسناً لكان التحقيقُ حقيقياً بأَن يُسمعَ فيها ، وإِذا كان بدلاً الْبتَّة وَجبَ أَنْ يُجرى على ما أَجْرَتْه عليه العربُ مِن مُراعاةِ لَفْظِه ، وتَنزيلُ هذهِ الهمزةِ مَنزِلةَ الأَلفِ الزّائِدةِ التي لا حظَّ فيها للهَمْزِ ، نحو عالم وصابِرٍ ، أَلا تَراهم لمّا كَسَّروُا قالوا : آخِرٌ وأَوَاخِرُ ، ة كما قالوا : جابِرٌ وجَوابِرُ. وقد جَمَعَ امرؤُ القَيْسِ بين آخَرَ وقَيْصرَ ، بِوَهْمِ (٢) الأَلفِ همزةً ، فقال :

إِذَا نَحنُ صِرْنَا خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً

وَرَاءَ الحِسَاءِ مِن مَدافِعِ قَيْصَر

إِذا قُلتُ : هذا صاحبٌ قدْ رَضِيتُه

وقَرَّتْ به العَيْنَانِ بُدِّلْتُ آخَرَا

وتصغيرُ آخَرَ أُوَيْخِر ، جرتِ الأَلْفُ المخفَّفةُ عن الهمزةِ مَجْرى أَلِف ضارِبٍ. وقوله تعالَى : (فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما) (٣) فَسَّره ثعلبٌ فقال : فمُسْلِمَانِ يَقُومانِ مَقَامَ النَّصْرانِيَّيْنِ يَحْلِفَان أَنَّهُمَا اخْتَانَا ، ثم يُرْتَجَعُ على النَّصْرَانِيَّيْن.

وقال الفَرَّاءُ : معناه : أَوْ آخرَانِ مِن غيرِ دِينِكم مِن النَّصارَى واليَهُود ، وهذا للسَّفَر والضَّرَورة ؛ لأَنه لا تَجُوز شهادةُ كافِرٍ على مُسْلم في غيرِ هذا.

ج الآخَرُونَ بالواو والنُّونِ ، وأُخَرُ ، وفي التنزيل العزيز : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) (٤).

والأُنْثَى أُخْرَى وأُخْرَاةٌ ، قال شيخُنَا : الثّانِي في الأُنْثَى غيرُ مشهورٍ. قلتُ : نَقَلَه الصّاغَانيّ فقال : ومِن العَرَبِ مَن يقول : أُخْرَاتِكم بَدَلَ أُخْرَاكم ، وقد جاءَ في قولِ أَبي العِيَالِ الهُذَلِيِّ :

إِذا سَنَنُ الكَتِيبَةِ صدَّ

عَن أُخْرَاتِهَا العُصَبُ

وأَنشدَ ابنُ الأَعرابيّ.

ويَتَّقِي السَّيْفَ بأُخْرَاتِه

مِنْ دُونِ كَفِّ الجارِ والمِعْصَمِ

وقال الفَرّاءُ في قولِه تعالَى : (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ) (٥) : مِن العربَ مَن يقولُ : في أُخْراتِكُم ، ولا يجوزُ في القراءَة.

ج أُخْرَيَاتُ ، وأُخَرُ قال اللَّيْثُ : يُقال ؛ هذا آخَرُ وهذه أُخْرَى ، في التَّذكيرِ والتَّأْنيثِ ، قال : وأُخَرُ : جماعةٌ أُخْرَى.

قال الزَّجّاج في قوله تعالى : وأُخَرُ مِنْ شَكْلِه أَزْوَاجٌ (٦) : ... أُخَرُ لا ينصرفُ ؛ لأَن وُحْدانَها لا ينصرفُ وهو أُخْرَى وآخَرُ ، وكذلك كلُّ جَمْعٍ على فُعَل لا يَنصرفُ إِذا كان وُحْدانُه لا ينصرفُ (٧) ، مثل كُبَرَ وصُغَر ، وإِذَا كان فُعَلٌ جمعاً لفُعْلَةٍ فإِنه ينصرفُ نحو سُتْرَةٍ وسُتَرٍ ، وحُفْرَةٍ وحُفَرٍ ، وإِذا كان فُعَل اسماً مصروفاً عن فاعلٍ لم ينصرفْ في المَعْرفةِ ويَنصرفُ (٨) في

__________________

(١) اللسان : من التأَخّر.

(٢) اللسان : توهم.

(٣) سورة المائدة الآية ١٠٧.

(٤) سورة البقرة الآية ١٨٤.

(٥) سورة آل عمران الآية ١٥٣.

(٦) سورة ص الآية ٥٨.

(٧) اللسان : إذا كانت وحدانه لا تنصرف.

(٨) التهذيب : «وانصرف» وكلاهما سليم.

١٦

النَّكِرة ، وإِذا كان اسماً لطائرٍ أَو غَيْرِه فإِنهَ يَنْصَرِف ، نحو سُبَدٍ ومُرَعٍ وما أَشبَههما (١) ، وقُرِى‌ءَ : (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ) على الواحِد (٢).

وفي اللِّسان : قال الله تعالَى : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) وهو جمعُ أُخْرَى ، وأُخْرَى تأْنيثُ آخَرُ ، وهو غيرُ مصْرُوفٍ ؛ لأَن أَفْعَلَ الذي معه مِنْ لا يُجْمعُ ولا يُؤَنَّثُ ما دام نَكِرةً ، تقولُ : مررتُ برجل أَفْضَلَ منكَ ، وبامرأَةٍ أَفضلَ منكَ ، فإِن أَدخلْتَ عليه الأَلفَ والَّلامَ أَو أَضَفْتَه ثَنَّيْتَ وجَمعْتَ وأَنَّثْتَ ، تقولُ : مَرَرتُ بالرَّجلِ الأَفضلِ ، وبالرَّجالِ الأَفْضَلِين ، وبالمرأَةِ الفُضْلَى ، وبالنِّساءِ الفُضَل ، ومررتُ بأَفْضَلِهِم [وبأَفضَلِيهم] (٣) وبفُضْلاهُنَّ وبفُضَلِهِنَّ ، ولا يجوزُ أَن تقول : مررتُ برجلٍ أَفضلَ ، ولا برجالٍ أَفضَلَ ، ولا بامرأَةٍ فُضْلَى ، حتى تَصِلَه بِمنْ ، أَو تُدْخِلَ عليهم الأَلفَ والّلامَ ، وهما يتَعاقَبانِ عليه ، وليس كذلك آخَرُ ؛ لأَنَّه يُؤَنَّث ويُجْمَع بغير مِنْ ، وبغير الأَلفِ والّلام ، وبغير الإضافَةِ ، تقول : مررت برجلٍ آخَرَ ، وبرجالٍ أُخَرَ وآخَرِينَ ، وبامرأَةٍ أُخْرَى ، وبنسوةٍ أُخَرَ ، فلمّا جاءَ مَعْدُولاً وهو صِفَةٌ مُنِعَ الصَّرف وهو مع ذلك جَمْعٌ ، وإِن سَمَّيْتَ به رجلاً صَرَفْتَه في النَّكِرة ، عند الأَخْفِش ، ولم تصرفْه ، عند سِيبَوَيْهِ.

والآخِرَةُ والأُخْرَى : دارُ البَقَاءِ ، صفةُ غالبةٌ ، قاله الزَّمخشريّ.

وجاءَ أَخَرَةً وبأَخَرَةٍ ، مُحَرَّكتَينِ وقد يُضَمّ أَوَّلُهما ، وهذِه عَنِ اللِّحْيَانِيِّ ، بحَرْفٍ وبغير حَرْفٍ. ويقال : لَقِيتُه أَخيراً ، وجاءَ أُخُراً (٤) ، بضَمَّتَين ، وأَخيراً وإِخِرِيًّا ، بكسْرتَيْن ، وإِخْرِيًّا ، بكسرٍ فسكونٍ ، وآخِرِيًّا ، وبآخِرَةٍ ، بالمدّ فيهما ، أَيْ آخِرَ كلِّ شيْ‌ءٍ.

وفي الحديث : «كان رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقولُ بأَخَرَةٍ إِذا أَرادَ أَنْ يقومَ مِن المجلسِ كذا وكذا» ، أَي في آخِرِ جُلُوسِه ، قال ابنُ الأَثِير : ويجوزُ أَن يكونَ في آخِرِ عُمرِه ، وهو بفَتح الهمزةِ والخاءِ ، ومنه‌حديثُ : «لمّا كان بِأَخَرَةٍ».

وما عَرَفتُه إِلّا بأَخَرَةٍ ، أَي أَخِيراً.

وأَتَيتُكَ آخِرَ مَرَّتَيْنِ ، وآخِرَةَ مَرَّتَيْنِ ، عن ابن الأَعرابيِّ ، ولم يُفَسِّر.

وقال ابنُ سِيدَه : وعندي : أَي (٥) المَرَّةَ الثّانِيَةَ مِن المَرَّتَيْنِ.

وشَقَّه ، أَي الثَّوْبَ ، أُخُراً ، بضمَّتَيْن ، ومِن أُخُرٍ ، أَي مِن خَلْفٍ ، وقال امرؤُ القَيْس يصفُ فَرَساً حِجْراً :

وَعَيْنٌ لها حَدْرَةٌ بَدْرَةٌ

شُقَّتْ مآقِيهِمَا من أُخُرْ (٦)

يَعْنِي أَنها مفتوحةٌ كأَنّها شُقَّتْ من مُؤْخِرِها.

ويقال : بِعْتُه سِلْعَةً بأَخِرَة ، بكَسْرِ الخاءِ ، أَي بِنَظِرَةٍ ونَسِيئَةٍ ، ولا يُقَال : بعتُه المتاعَ إِخْريًّا.

والمِئْخارُ ، بالكسرِ : نَخْلَةٌ يَبْقَى حَمْلُهَا إِلى آخِرِ الشِّتَاءِ ، وهو نَصُّ عبارةِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وأَنشد :

تَرَى الغَضِيضَ المُوقَرَ المِئْخَارَا )

مِن وَقْعِهِ يَنْتَشِرُ انْتِشَارَا

وعبارةُ المُحكَم : إِلى آخرِ الصِّرَامِ ، وأَنشدَ البيتَ المذكورَ ، والمصنِّفُ جَمَعَ بين القَوْلَيْن. وفي الأَسَاس : نَخْلَةٌ مِئْخارٌ ، ضِدُّ مِبْكار وبَكُورٍ ، مِن نَخْلٍ مآخِيرَ (٨).

وآخُرُ ، كآنُك : د ، بدُهُسْتانَ ، بضمِّ الدّالِ المهملةِ والهاءِ ، ويقال بفَتْحِ الدّالِ وكسرِ الهاءِ (٩) ، وهي مدينةٌ مشهورةٌ عند مازَنْدَرانَ ، منه أَبو القاسمِ إِسماعيلُ بنُ أَحمدَ الآخُرِيّ الدّهسْتانِيُّ شيخُ حمزةَ بنِ يوسفَ السَّهْمِيِّ ، والعبّاسُ بنُ أَحمدَ بنِ الفَضْلِ الزّاهِدُ ، عن ابن أَبي حاتِمٍ.

* وفاتَه أَبو الفَضْلِ محمّدُ بنُ عليِّ بنِ عبدِ الرَّحمنِ

__________________

(١) التهذيب : سبد ومرع وجُرَذٍ وما أشبهها.

(٢) وهي رواية حفص ، وهي القراءة المشهورة.

(٣) بهامش المطبوعة المصرية : «سقط من خطه بعد : بأفضلهم وبأفضليهم وهي ثابتة في عبارة وهو الظاهر لأنها مثال لجمع المذكر» وهذا ما استدركنا زيادته.

(٤) في القاموس : «وأُخُراً بضمتين وأخْرياً بالكسر والضم وإِخْرُياً بكسرتين وآخرياً أي آخر كل شي‌ء» ونبه بهامش المطبوعة المصرية إلى عبارة القاموس.

(٥) اللسان : أنها.

(٦) عين حدرة أي مكتنزة صلبة.

(٧) ويروى : ترى العضيد والعضيض.

(٨) في الأساس : وهي نخلةٌ مِئخارٌ من نخلٍ مآخير.

(٩) ضبطت في معجم البلدان : بكسر أوله وثانيه.

١٧

الآخُرِيُّ شيخٌ لابنِ السّمْعَانِيِّ ، وكان متكلَّماً على أُصُولِ المُعْتَزِلَةِ. وأَبو عَمْرٍو محمّدُ بنُ حارثةَ الآخُرِيّ ، حَدَّثَ عن أَبي مَسْعُودٍ البَجَلِيّ.

وقولُهم : لا أَفعلُه أُخْرَى اللَّيَالِي ، أَو أُخْرَى المَنُون ، أَي أَبداً ، أَو آخِرَ الدَّهْرِ (١) ، وأَنشدَ ابنُ بَرِّىٍّ لكعبِ بنِ مالكٍ الأَنصاريِّ :

أَنَسِيتُمُ عَهْدَ النَّبِيِّ إِليكمُ

ولقد أَلَظَّ وَأَكَّدَ الأَيْمَانَا

أَن لا تَزالوا ما تَغَرَّدَ طائِرٌ

أُخْرَى المَنُونِ مَوالِياً إِخوانَا

ويقال : جاءَ في أُخْرَى القَومِ ، أَي مَنْ كان في اخرهم. قال :

وما القَومُ إِلّا خَمْسَةٌ أَو ثلاثَةٌ

يَخُوتُونَ أُخْرَى القَومِ خَوْتَ الأَجادِلِ

الأَجادِلُ : الصُّقُور ، وخَوْتُها : انْقِضاضُها ، وأَنشدَ غيرُه :

أَنا الَّذِي وُلِدتُ في أُخْرَى الإِبِلْ

وقد جاءَ في أُخْرَيَاتِهم ، أَي في أَواخِرِهِم.

* وممّا يُستدرَكُ عليه :

المُؤَخِّرُ مِن أَسماءِ اللهِ تعالَى. وهو الذي يُؤَخِّر الأَشياءَ فيضعُها في مواضِعِهَا ، وهو ضِدُّ المُقَدِّم.

ومُؤَخَّرُ كلِّ شي‌ءٍ ، بالتَّشدِيد : خِلافُ مُقَدَّمِه ، يقال : ضَرَبَ مُقَدَّمَ رأْسِه ومُؤَخَّرَه.

ومن الكِنَاية : أَبْعَدَ اللهُ الأَخِرَ ، أَي مَن غاب عنّا ، وهو بوزن الكَبِد ، وهو شَتْمٌ ، ولا تقولُه للأُنثَى. وقال شَمِرٌ في عِلَّةِ قَصْرِ قولِهم : أَبْعَدَ اللهُ الأَخِرَ : إِنّ أَصلَه الأَخِيرُ ، أَي المؤخَّر المطروحُ ، فأَنْدَرُوا الياءَ ، اه. وحكَى بعضُهم بالمدِّ ، وهو ابنُ سِيدَه في المُحكَم ، والمعروفُ القَصْرُ ، وعليه اقتصرَ ثعلبٌ في الفَصِيح ، وإِيّاه تَبِعَ الجوهريُّ.

وقال ابن شُمَيل : المُؤَخَّرُ : المَطْرُوحُ. وقال شَمِرٌ : معنَى المُؤَخَّرِ : الأَبْعَدُ ، قال : أُراهم أَرادُوا الأَخِيرَ. وفي حَدِيث ماعزٍ : «إِنّ الأَخِرَ قد زَنَى» هو الأَبعدُ المتأَخِّر عن الخير. ويقال : لا مَرْحباً بالأَخِرِ ، أَي بالأَبعَد ، وفي شُرُوح الفَصيح : هي كلمةٌ تقال عند حكاية أَحَدِ المُتلاعِنَيْن للآخَر. وقال أَبو جعفر اللَّبْليُّ : والأَخِرُ ، فيما يقال ، كنايةُ عن الشَّيْطَان ، وقيل كنايةٌ عن الأَدْنَى والأَرْذَل ، عن التَّدْمُرِيّ وغيره ، وفي نوادر ثعلبٍ : أَبْعَدَ الله الأَخِرَ ، أي الذي جاءَ بالكلام آخِراً ، وفي مشارق عياض (٢) : قولُه : الأَخِرُ زَنَى ، بقصر الهمزةِ وكسرِ الخاءِ هنا ، كذا رَوَيْنَاه عن كافَّةِ شُيُوخِنَا ، وبعضُ المشايخِ يمدّ الهمزةَ ، وكذا رُوِيَ عن الأَصِيليّ في المُوَطَّإ ، وهو خطأٌ ، وكذلك فتحٌ الخاءِ هنا خطأٌ ، ومعناه الأَبْعَد ، على الذّمِّ ، وقيل : الأَرْذَلُ ، وفي بعض التفاسِير : الأَخِرُ هو اللَّئيمُ ، وقيل : هو السّائِسُ الشَّقِيُّ.

وفي الحديث : «المَسْأَلَةُ أَخِرُ كَسْب المرءِ» ، مقصورٌ أَيضاً ، أَي أَرْذَلُه وأَدْناه ، ورواه الخَطّابِيُّ بالمدِّ وحَمَله على ظاهِره ، أَي إِنّ السُّؤالَ آخِرُ ما يَكْتَسِبُ به المرءُ عند العَجْز عن الكَسْب.

وفي الأَساس : جاءُوا عن آخِرِهم ، والنَّهَارُ يَحِرُّ عن آخِرٍ فآخِرٍ ، أَي ساعةً فساعةً (٣) ، والناسُ يَرْذُلُون عن آخِرٍ فآخِرٍ.

والمُؤخرة ، من مياه بني الأَضبط ، معدنُ ذَهَبٍ ، وجَزْع بِيض.

والوَخْرَاءُ : من مياه بني نُمَيْر بأَرض الماشِيَةِ في غربّي اليَمَامَة.

ولَقِيتُه أُخْرِيّاً ، بالضّمِّ منسوباً ، أَي بآخِرَةٍ ، لغةً في : إِخْرِيّاً ، بالكسر.

[أدر] : الآدَرُ ، كآدَم ، والمَأَدُورُ : مَن يَنْفَتِقُ صِفَاقُه فَيَقَعُ قُصْبُهُ في صَفْنِه ، ولا يَنْفَتِقُ إِلّا مِن جانبه الأَيسَرِ ، أَو الآدَرُ والمَأْدُور : مَنْ يُصِيبُه فَتْقٌ في إِحْدى خُصْيَيْه (٤) ، ولا يقال : امرأَةٌ أَدْرَاءِ ؛ إِمّا لأَنّه لم يُسْمَع ، وإِمّا أَن يكونَ لاختلافِ الخِلقَةِ.

__________________

(١) عبارة اللسان : وقولهم : لا أفعله أخرى الليالي أي أبداً ، وأخرى المنون أي آخر الدهر.

(٢) في المطبوعة الكويتية : «عياص» تطبيع.

(٣) عبارة : أي ساعة فساعة ، لم ترد في الأساس.

(٤) اللسان : إحدى الخصيتين.

١٨

وقد أَدِرَ ، كفَرِحَ ، يأْدَرُ أَدَراً ، فهو آدَرُ ، والاسمُ الأُدْرَةُ ، بالضَّمِّ ويُحَرَّك ، وهذه عن الصغانيِّ. وقال اللَّيْثُ : الأَدَرَةُ والأَدَرُ مصدرانِ ، والأُدْرَةُ اسمُ تلك المُنْتَفِخَةِ ، والآدَرُ نَعتٌ.

وفي الحديث : «أَنَّ رَجلاً أَتاه وبه أُدْرَةٌ فقال : ائْتِ بعُسٍّ ، فحَسَا منه ، ثم مَجَّه فيه ، وقال : انْتَضِحْ به ، فذَهبتْ عنه الأُدْرَةُ». ورجلٌ آدَرُ : بَيِّنُ الأَدَرَةِ (١).

وفي المِصباح : الأُدْرَة كغُرْفَة : انتفاخُ الخُصْيَة. وقال الشِّهاب في أَثناءِ سُورَةِ الأَحزاب ، الأُدْرَة ، بالضّمِّ : مرضٌ تَنتفخُ منه الخُصْيتَانِ ويَكْبُرانِ جِدًّا ، لانطباق (٢) مادَّةٍ أَو رِيحٍ فيهما.

وخُصْيةٌ أَدْراءُ : عَظِيمةٌ بلا فَتْقٍ.

ويقال : قومٌ مآدِيرُ ، أَيْ أُدْرٌ ، بضمٍّ فسكونٍ ، نقلَه الصَّغانيّ.

وقيل : الأدَرَةُ ، محرَّكة : الخُصْيَةُ ، وقد تقدَّم ، وهي التي يُسَمِّيها الناسُ القَيْلَةَ ، ومنه‌الحديثُ : «إِنّ بني إِسرائيلَ كانُوا يقولُون إنّ موسى آدَرُ ، مِن أَجْلِ أَنّه كان لا يَغْتَسلُ إِلّا وَحدَه» ، وفيه نزل قولُه تعالَى : (لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى) (٣) الآية.

[أذر] : آذارُ ، بالمدِّ : اسمُ الشَّهر السادسِ من الشُّهورِ الرُّومِيَّةِ وهي اثْنَا عَشَرَ شهراً وهي : آبُ ، وأَيلول وتِشْرِينُ الأَوّل ، وتِشْرينُ الثاني ، وكانُون الأَول ، وكانُون الثاني (٤) ، وشُبَاطُ ، وآذار ، ونَيْسَانُ ، وأَيّار ، وحَزِيرانُ ، وتَمُّوز.

[أرر] : الأَرُّ : السَّوْقُ والطَّرْد نقلَه الصغانيُّ. والجِمَاعُ ، وفي خُطبة عليٍّ ، كرّم الله وجهَه : «يُفْضِي كإِفضاءِ الدِّيَكَة وَيؤرُّ بمَلاقِحِه».

وأَرَّ فُلانٌ ، إِذا شَفْتَنَ ، ومنه قولُه :

وما النّاسُ إِلّا آئِرٌ ومَئِيرُ

قال أَبو منصور : معنى شَفْتَنَ : ناكَحَ وجامَعَ ، وجعلَ أَرَّ وآرَ بمعنًى واحدٍ عن أَبي عَبيدْ : أَرَرْتُ المرأَةَ أَؤُرُّهَا أَرّاً ، إِذا نَكَحْتها.

والأَرُّ : رَمْيُ السَّلْح. وهو أَيضاً سقُوطُه نَفْسُه.

والأَرُّ : إِيقاد النَّارِ ، قال يَزيد بنُ الطَّثْرِيَّةِ يَصفُ البَرقَ :

كأَنَّ حِيرِيَّةً غَيْرَى مُلاحِيَةً

باتَتْ تَؤُرُّ بِهِ مِنْ تَحْتِه القَصَبَا

وحكَاهَا آخَرون : تُؤَرِّي ـ بالياءِ ـ مِن التَّأْرِيَةِ.

والأَرُّ : غُصْنٌ مِن شَوْكٍ أَو قَتَادٍ يُضْرَب به الأَرْضُ حتَّى تَلِينَ أَطرافُه ، ثم تَبلُّه وتَذُرُّ عليه مِلْحاً (٥) وتُدْخِلُه (٦) في رَحِمِ النّاقَةِ إِذا مَارَنَتْ فلم تَلْقَح ، كالإِرَارِ ، بالكسْر ، وقد أَرَّها أَرّاً إِذا فَعَلَ بها ما ذُكِر. وقال اللَّيْث : الإِرار شِبْهُ ظُؤْرَةٍ يَؤُرُّ بها الرّاعي رَحِمَ النّاقَةِ إِذا مَارَنَتْ ، ومُمَارَنتُهَا أَنْ يَضْربَها الفَحْلُ فلا تَلْقَحَ ، قال : وتفسيرُ قولِه : ويَؤُر بها الراعِي هو أَن يُدخِلَ يدَه في رحِمِها ، أَو يَقْطَعَ ما هنالك ويُعَالِجَه.

والإِرَّةُ ، بالكسر : النّارُ وقد أَرَّها ، إِذا أَوْقَدَهَا.

والأَرِيرُ كأَمِير : حكايةُ صَوت الماجِنِ عندَ القِمَارِ والغَلَبَةِ ، وقد أَرَّ يَأَرُّ أَرِيراً ، أَو هو مُطْلَقُ الصَّوتِ (٧).

وأَرْأَرْ ، بسكونِ الرّاءِ فيهما : مِن دُعَاءِ الغَنَمِ.

وعن أَبي زيد : ائْتَرَّ الرجلُ ائتراراً ، إِذا استعجلَ. قال أَبو منصور : لا أَدْرِي هو بالزّاي أَم بالرَّاءِ.

والمِئَرُّ ، كمِجَنَّ : الرجُلُ الكَثيرُ الجِمَاعِ. قالت بنتُ الحُمَارِسِ أَو الأَغْلب العجلي (٨) :

بَلَّتْ به عُلَابِطاً مِئَرَّا

ضَخْمَ الكَرَادِيسِ وَأَي زِبِرَّا

قال أَبو عُبَيْد : رجُلٌ مِئَرُّ ، أَي كثيرُ النِّكَاح ؛ مأْخوذٌ من الأَيْر. قال الأَزهريُّ : أَقْرَأَنِيه الإِياديُّ عن شَمِرٍ لأَبِي عُبَيْدٍ ، قال : وهو عندي تَصْحِيفٌ ، والصَّوابُ ميأَرٌ بوزن مِيعَر ؛

__________________

(١) ضبطت عن اللسان وفيه بالنص بفتح الهمزة والدال.

(٢) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله لانطباق كذا بخطه ولعله : لا نصباب».

(٣) سورة الأحزاب الآية ٦٩.

(٤) بالأصل «أول وثاني» بدون «ال» وما أثبتاه «الأول ، الثاني» عن المطبوعة الكويتية.

(٥) التكملة : ملحاً مدقوقا.

(٦) اللسان : ثم تدخله.

(٧) الأصل واللسان ؛ وفي التكملة : يؤُرُّ.

(٨) زيادة عن الجمهرة.

١٩

فيكون حينئذٍ مِفْعلاً من آرَها يَئيرُها أَيْراً ، وإِنْ جعلته من الأَرِّ قلْتَ : رجلٌ مِئَرٌّ.

* ومما يستدرك عليه :

اليُؤْرُورُ : الجِلْوازُ ، وهو من الأَرِّ بمعنى النِّكَاح ، عند أَبي عليٍّ ، وقد ذَكَرَه المصنِّف في أَثر.

وَأَرَّ الرجلُ نَفْسُه ، إِذا اسْتَطْلَقَ حتى يَمُوتَ.

وأَرّارَ ، كَكتّانٍ : ناحيةٌ من حَلَبَ.

وإِرَار ، ككتابٍ : وادٍ.

[أزر] : الأَزْرُ ، بفتحٍ فسكونٍ : الإِحاطةُ عن ابن الأَعرابيّ.

والأَزْرُ : القُوَّةُ والشِّدَّةُ وقيل : الأَزْرُ : الضَّعْفُ ، ضِدٌّ ، والأَزْرُ : التَّقْوِيَةُ ، عن الفَرّاءِ ، وقرأَ ابنُ عامر : فأَزَره فاسْتَغْلَظ (١) على فَعَلَه ، وقرأَ سائرُ القُرّاء : فَآزَرَهُ.

وقد آزَره : أَعانَه وأَسعدَه.

والأَزْرُ :. الظَّهْرُ قال البَعِيثُ :

شَدَدْتُ له أَزْرِي بِمِرَّةِ حازِمٍ

على مَوْقِعٍ مِن أَمْرِه ما يُعَاجِلُهْ

قال ابنُ الأَعرابيِّ ، وفي قوله تعالَى : (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي) (٢) : مَن جَعَلَ الأَزْرَ بمعنى القُوَّة قال : اشْدُدْ به قُوَّتِي ، ومَن جعلَه الظَّهْرَ قال : شُدَّ به ظَهْرِي ، ومَن جعلَه الضَّعْفَ قال : شُدَّ به ضَعْفِي وقَوِّ به ضَعْفِي.

والأُزْرُ : بالضَّمِّ : مَعْقِدُ الإِزارِ من الحَقْوَيْنِ.

والإِزْرُ بالكَسْر : الأَصْلُ ، عن ابن الأَعرابيّ.

والإِزْرَةُ ، بهاءٍ : هَيْئَةُ الائْتِزار ، مثل الجِلْسةِ والرِّكْبَةِ ، يقال : إِنَّه لَحَسَنُ الإزْرَةِ ، ولكلِّ قومٍ إزْرَةٌ يَأْتَزِرُونَهَا ، وائْتَزَر فلانٌ إِزْرَةً حسنةً ، ومنه‌الحديثُ : «إزْرَةُ المُؤمِنِ إِلى نصْفِ السّاقِ ، ولا جُنَاحَ عليه فيما بينَه وبين الكَعْبَيْن». وفي حديث عُثمانَ (٣) رضيَ اللهُ عنه : «هكذا كان إِزْرَةُ صاحِبنا».

وقال ابنُ مُقْبِل :

مثلُ السِّنانِ نَكِيراً عند خِلَّتِه

لكلِّ إِزْرَةِ هذا الدَّهْرِ ذا إِزَرِ

والإِزارُ ، بالكسر ، معروفٌ ، وهو المِلْحَفَة ، وفَسَّره بعضُ أَهلِ الغَرِيب بما يسْتُرُ أَسفلَ البَدنِ ، والرِّداءُ : ما يَستُر به أَعلاه ، وكلاهما غيرُ مَخِيط ، وقيل : الإزار : ما تحتَ العاتِقِ في وَسَطِه الأَسفل ، والرِّداءُ : ما على العاتِقَ والظَّهْرِ ، وقيل :

الإِزار : ما يَستُر أَسفلَ البدنِ ولا يكونُ مَخِيطاً ، والكلُّ صحيحٌ ، قاله : شيخُنا. يذكَّر ويُؤَنَّثُ عن اللِّحْيَانيّ ، قال أَبو ذُؤَيْب :

تَبَرَّأُ مِن دَم القَتِيلِ وبَزِّه

وقد عَلِقَتْ دَمَ القَتِيلِ إِزارُهَا

أَي ذَمُ القَتِيلِ في ثَوْبِهَا (٤) ، كالمِئْزَر ، والمِئْزَرَة ، الأَخِيرَهُ عن اللَّحْيَانيّ ، وفي حديث الاعتكاف : «كان إِذا دَخَلَ العَشْرُ الأَوَاخِرُ أَيقظَ أَهلَه وشَدَّ المِئْزَرَ» كَنَى بِشَدِّه عن اعتزال النِّساءِ ، وقيل : أَرادَ تَشْمِيرَه للعبادة ، يقال : شَدَدْتُ لهذا الأَمْرِ مِئزَرِي ، أَي تشمَّرتُ له ، والإِزْرِ والإِزَارةِ بكَسْرِهما ، كما قالُوا : وِسَادٌ ووِسادَة ، قال الأَعشى :

كَتَمَايُلِ النَّشْوَانِ يَرْ

فُلُ في البَقِيرَةِ والإِزَارَهْ

وقد ائْتَزَرَ به وتَأَزَّرَ به : لَبِسَه ، ولا تَقُلِ اتَّزَرَ بالمِئْزَرِ ، بإِدغامِ الهمزةِ في التَّاءِ ، ومنهم مَن جَوَّزه وجعلَه مثلَ اتَّمنتُه ، والأَصلُ ائْتَمنتُه ، و‌في الحديث : «كان يُبَاشِرُ بعضَ نسائِه وهي مُوْتَزِرةٌ في حالة الحَيْض» ، أَي مَشْدُودَةُ الإِزارِ ، قال ابنُ الأَثِير : وقد جاءَ في بعضِ الأَحادِيثِ ، أَي الرِّواياتِ ، كما هو نَصُّ النِّهايَة ـ : «وهي مُتَّزِرَةٌ» ، ولَعلَّه مِن تَحْرِيفِ الرُّوَاة ، قال شيخُنَا : وهو رَجاءٌ باطلٌ ، بل هو واردٌ في الرِّواية الصحيحةِ ، صَحَّحها الكِرْمَانِيُّ وغيرُه من شُرّاح البُخَاريِّ ، وأَثبته الصّاغانيّ في مَجْمَعِ البَحْرِينِ في الجَمْع بين أَحادِيثِ الصَّحِيحَيْن قلتُ : والذي في النِّهَايَة : أَنه خطأٌ ، لأَن الهمزةَ لا تُدغَم في التّاء (٥). وقال المطرّزيّ : إِنها لغةٌ عاميَّةٌ ، نعمْ ذَكَر

__________________

(١) سورة الفتح الآية ٢٩.

(٢) سورة طه الآية ٣١.

(٣) بهامش المطبوعة المصرية : «وعبارة اللسان : ومنه حديث عثمان : قال له أبان بن سعيد : ما لي أراك متحشفا ، أسبل! فقال : هكذا ...».

(٤) كانوا إِذا قتل رجل رجلاً قيل : دم فلان في ثوب فلان ، أي هو قتله.

(٥) وتمام عبارة النهاية : «وهي متَّزرة وهو خطأ ، لأن الهمزة لا تدغم في التاء» وقد مرّ قريباً أن البعض جوّز أن تقول : اتَّزر بالمئزر انظر ـ

٢٠