مع الخطيب ! فى خطوطه العريضة

لطف الله الصّافي

مع الخطيب ! فى خطوطه العريضة

المؤلف:

لطف الله الصّافي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
الطبعة: ٤
الصفحات: ١٩٤

وبين اهلها ، وقتل من الفريقين خلق كثير ، ومع ذلك لم يبلغوا التتار غرضهم حتى وقع الاختلاف بين اهل اصبهان فى سنة ثلث وثلثين وستمأة وهم طائفتان حنفية ، وشافعية ، وبينهم حروب متصلة ، وعصبية ظاهرة فخرج قوم من اصحاب الشافعى الى من يحاورهم من التتار فقالوا لهم اقصدوا بلدنا حتى نسلمه اليكم وكان ذلك فى سلطنة ابن چنكيز خان قاآن ، فارسل جيوشا نزلوا على اصبهان فى سنة ثلث وثلثين المذكورة فحصروها فاختلف سيفا الشافعية والحنفية فى المدينة حتى قتل كثير منهم ، وفتحت ابواب المدينة. فتحها الشافعية على عهد كان بينهم وبين التتار ان يقتلوا الحنفية. ويعفو عن الشافعية فلما دخلوا البلد قتلوهما جميعاً وبدأوا بالشافعية فقتلوهم قتلا ذريعاً ولم يقفوا مع العهد الذى عهدوه لهم ثم قتلوا الحنفية ثم قتلوا سائر الناس. وسبوا النساء وشقوا بطون الحبالى. ونهبوا الاموال. وصادروا الاغنياء ثم اضرموا النار فاحرقوا اصبهان حتى صارت تلو لا من الرماد (١) وامثال هذه الحادثة بين ارباب المذاهب ليست بقليلة ، مثل الفتنة الكبرى التى هاجت ببغداد لاختلاف الحنابلة وغيرهم فى معنى قوله تعالى « عسى ان يبعثك ربك مقاماً محموداً » فقالت الحنابلة ؛ معناها يقعده الله على عرشه ، وقال غيرهم بل هى الشفاعة ـ ودام الخصام ، واقتتلوا حتى قتل جماعة كثيرة (٢) ومع ذلك لا لوم على جميع اهل هذه المذاهب ، انما اللوم والذنب على سفهائهم ، وجهالهم ، وعلى الذين اتخذوا هذه المذاهب سبباً للاختلاف والتفرقة بين المسلمين وتفسق غيرهم من ساير الفرق ، وجعلوها وسيلة

ــــــــــــ

(١) شرح نهج البلاغة الحديدى ـ ج ٨ ـ ص ٤٦٤.

(٢) تاريخ الخلفاء ص ٢٥٥.

١٤١

لتحقيق اغراضهم الدنية.

ثم ان التملق لارباب السلطة ، والحكومات كيف صار من خصائص الشيعة ، وكيف نسى تملق بعض السنيين من الحكومات فى عصر الامويين والعباسيين فاقرأ دواوين الشعراء وانظر الى جماعة زينوا اللناس قبائح اعمال الامراء فى تلك العصور المظلمة ، وانظر الى العلماء والمحدثين الذين لم يطعنوا فى سيرة هؤلاء ، وتركوا نصيحتهم ، ولم يطلبوا منهم الرجوع الى الكتاب ، والسنة فى حين انهم يفتون بوجوب اطاعتهم ، ويعدون الخروج عليهم من اعظم المحرمات فلو تملق بزعم الخطيب بعض الشيعة لجبابرة الملوك عملا بالتقية ، وحقناً للدم ، وحفظاً للعرض تملق بعض السنيين للحطام الدنيوى ، والزخارف الفانية ، ويكفيك مثلا وشاهداً ما وقع لغياث بن ابراهيم النخعى حيث دخل على المهدى العباسى فوجده يعلب بالحمام فساق فى الحال اسناداً الى النبى صلى الله عليه واهل انه قال « لا سبق الّا فى نصل اوخف اوحافر او جناح » اتباعاً لهوى المهدى فأمر له المهدى ببدرة فلما قام قام المهدى : اشهد على قفاك انه قفا كذاب على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ثم امر بذبح الحمام لكن لم يتعرض له ولم يأخذ ما اعطاه حتى فعل نحواً من ذلك مع هارون الرشيد (١).

وخبر شق ابى البخترى وهب بن وهب امان الرشيد ليحيى ابن عبدالله بن الحسن بالسكين. فوهب له هرون بذلك الف الف. وستمأة الف. وولاه القضاء (٢) ونظائر ذلك كثيرة لاسيما فى حكومة بنى امية

ــــــــــــــ

(١) الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ص ٨٦ ـ نخبة الفكر ص ٦١ و ٦٢ ـ نزهة النظر فى توضيح نخبة الفكر ص٦١ ـ تاريخ الخلفاءِ ص ١٨٣ ـ اخبار مكة المشرفة ج ٣ ص ٩٨.

(٢) مقاتل الطالبيين ص ٤٨٠.

١٤٢

وبنى العباس. واذا كان هذا حال بعض السنيين فهل يجوز ان يسند ذلك الى جميعهم؟ وهل تجد قوماً او امة لم يكن فيهم امثال هؤلاء؟ فلا يجوز لاهل السنة مؤاخذة الشيعة على ما صدر عن بعضهم كما لا يجوز للشيعى ايضاً ان يؤاخذ السنى باعمال الحجاج ومسلم بن عقبة وغيرهما من الجبابرة.

هذا ولا ريب فى ان استيلاء التتار على بغداد كان من اعظم مصائب المسلمين فى التاريخ ولكن هل كان ابتلائهم بهذه الفاجعة اعظم ام ابتلائهم بحكومة معاوية ، ومحاربته اميرالمؤمنين علياً عليه السلام؟ فما ترتب بعد على حادثة ما ترتب على افاعيل معاوية ومحاربته علياً عليه السلام من المفاسد.

قال احد كبار علماء الآلمان فى الآستانة لبعض المسلمين وفيهم احد شرفاء مكة : انه ينبغى لنا ان نقيم تمثالا من الذهب لمعاوية ابن ابى سفيان فى ميدان كذا من عاصمتنا « برلين».

قيل له لماذا؟ قال :

لانه هو الذى حول نظام الحكم الاسلامى عن قاعدته الديمقراطية الى عصبية الغلب ، ولو لا ذلك لعلم الاسلام العالم كله. ولكنا نحن الآلمان وساير شعوب اوربة عرباً مسلمين. (١)

ــــــــــــــــ

(١) تفسير المنار ـ ج ١١ ـ ص ٢٦٠.

١٤٣

كارثة خروج المغول واستيلائهم على بلاد

المسلمين واسباب سقوط بغداد

قال الله تعالى : واذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً. (١)

تحكموا واستطالوا فى حكومتهم

وعن قليل كأن الحكم لم يكن

لو نصفوا انصفوا لكن بغوا فبغى

عليهم الدهر بالآفات والمحن

واصبحوا ولسان الحال ينشدهم

هذا بذاك ولا عتب على الزمن

كانت حادثة خروج التتار حادثة عظمى ومصيبة كبرى عمت الخلائق وخص المسلمون بشدة بلائها لم يطرق الاسماع بمثلها شوهت تاريخ الانسانية وما قيل فى شرحها من قتل العلماء والصلحاء والخواص والعوام وتخريب البلاد ، وشق بطون الحوامل ، وقتل الاجنة. وهدم الجوامع والمعابد ، واحراق الكتب. وهتك الاعراض فى كل مدينة افتتحوها ليس الا اجمال عن تفاصيل هذه الاحوال ، فشملت الفتنة المسلمين وممالك الاسلام فانا لله وانا اليه راجعون وكانت مدينة بغداد من البلاد التى اصيبت فى هذه الحادثة باشدّ المظالم ، وبلغ عدد من قتل فيها على ما قيل : اكثر من مليون نسمة ، بل قيل : انه لم يسلم الا من اختفى فى بئر ، اوقناة ، ووقع فيها من القتل الفظيع ، وهتك الاعراض ونهب الاموال وغرق الناس فى

ــــــــــــــ

(١) الاسراء ـ آيه ى ١٦.

١٤٤

دجلة. وضياع الكتب ما قل نظيره فى تاريخ العمران ولم تكن خسارة الشيعة فى هذه الكارثة ـ لافى بغداد ـ ولا فى غيرها من بلاد خراسان وما وراء النهر ـ باقل من خسارة اهل السنة فقتلوا فيمن قتل ، وكان فى القتلى من الاشراف والفاطميين ما لا يحصى.

وكان من اقوى اسباب انهزام المسلمين (١) ما حدث بينهم من المنازعات والحروب الداخلية. والرغبة فى الملك والسلطان ، وانهما كهم فى المعاصى والشهوات ، وضعف الخلفاء فى تدبير الامور (٢) وظهور العصبيات الباردة فى المسائل الكلامية والخلافات المذهبية (٣) واشتغال ارباب

ــــــــــــــ

(١) من الجدير بالذكر : ان اسباب هذه الفاجعة لم تتولد جميعها فى زمن المستعصم وانما كان لها جذور تاريخية ذات صلة وثيقة بحصول هذه المأساة نجمت واكتمل نموها فى زمن الخليفة المذكور فأدت الى ما ادت اليه من الفظائع والالام.

وكان عدم قيام خلافة هؤلاءِ الخلفاءِ على اسسها الرشيدة الاسلامية عنصر شر كبير فى وقوع هذه الكوارث والمحن التى قضت على عزة الاسلام وتقدم المسلمين فلم يكن المنهج الذى انتهجوه فى سياسة الحكم المال وغيرها موافقا لمنهج الاسلام العادل فى الحكم والمال بل جددوا سيرة السلاطين والملوك الاكاسرة والقياصرة ، وشر من هؤلاءِ منصوب حكوماتهم واعتبرها شرعية ولم ينكر عليهم وترك الامر بالمعروف والنهى عن المنكر.

(٢) فالخليفة العباسى الناصر لدين الله هو الذى يقال انه كاتب التتار ، واطمعهم فى البلاد (راجع تاريخ الكامل ج٩ ص٣٦١ ، وابن كثير ج١٣ ص١٠٧ ، والاعلام للزر كلى ج١ ص١٠٦ ، وروضة الصفا ج٥ ص٧٨ و ٧٩)

(٣) قال الصفدى فى الوافى بالوفيات (ج١ ص٢٨٠) فى ترجمة البروى ـ

١٤٥

المناصب بالملاهى وتكبر الخليفة المستعصم ، بخله بالاموال. فكان كما وصفه فى تاريخ الخلفاء (١) تائه فى لذاته لا يطلع على الامور ، ولاله غرض فى المصلحة.

وقال ابن كثير! ثم دخلت سنة ست وخمسين وستمائة. استهلت هذه السنة ، وجنود التتار قد نازلت بغداد صحبة الأميرين اللذين على مقدمة عساكر سلطان التتار هولاكو خان ـ الى قوله ـ واحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل جانب. حتى اصيبت جارية كانت تعلب بين يدى الخليفة وتضحكه ، وكانت من جملة حظاياه ، وكانت مولدة تسمى عرفة جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها ، وهى ترقص بين يدى الخليفة فانزعج الخليفة من ذلك ، وفزع فزعاً شديداً (٢)

وقال ابن الطقطقى فى الفخرى فى الآداب السلطانية (٣) كان المستعصم آخر الخلفاء شديد الكهف باللهو ، واللعب وسماع الاغانى لا يكاد مجلسه يخلو من ذلك ساعة واحدة ، وكان ندماؤه. وحاشيته

ـــــــــــــ

الشافعى احد المشاهير المشار اليهم بالتقدم فى النظر وعلم الكلام والفقه وكان يبالغ فى ذم الحنابلة ، وقال لو كن لى امر لوضعت عليهم الجزية فجاءته امرأة فى الليل بصحن حلوى قالت انا اغزل ، وابيعه ، وقد اشتريت هذا الصحن وهو حلال واريد ان ياكل الشيخ منه فاكله هو وزوجته وولد له صغير فاصبحوا موتى. فانظر كيف ضرب الاختلاف المذهبى بعض المسلمين ببعض وكيف نسوا ما ذكروا به ،

(١) ص٣٠٩.

(٢) البداية والنهاية ج١٣ ص٢٠٠.

(٣) ص٣٣.

١٤٦

جميعهم منهمكين معه على التنعم ، واللذات لا يراعون له صلاحاً وفى بعض الامثال « الخائن لا يسمع صياحاً » ، وكتب له الرقاع من العوام ، وفيها انواع التحذير ، والقيت ، وفيها الاشعار فى دار الخلافة فمن ذلك « مجتث ».

قل للخليفة مهلا

اتاك مالا تحب

هاقد ذهتك فنون

من المصائب عزب

فانهض بعزم والا

غشاك ويل وحرب

كسر وهتك واسر

ضرب ونهب وسلب

وفى ذلك يقول بعض شعراء الدولة المستعصمية من قصيدة اولها :

يا سائلى ولمحض الحق يرتاد

اصخ فعندى نشدان وانشاد

واضعية الناس والدين الحنيف وما

تلقاة من حادثات الدهر بغداد (١)

قتل ، وهتك ، واحداث يشيب بها

رأس الوليد ، وتعذيب واصفاد

كل ذلك ، وهو عاكف على سماع الاغانى واستماع المثالث والمثانى وملكه قد اصبح وهى المبانى ، ومما اشتهر عنه انه كتب الى بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل يطلب منه جماعة من ذوى الطرب ، وفى تلك الحال وصل رسول السلطان هلاكو اليه. يطلب منه منجنيقات وآلات الحصار ، فقال بدر الدين : انظروا الى المطلوبين وابكوا على الاسلام واهله ، وبلغنى

ــــــــــــــــ

(١) قبله :

ان جئت او شارفت ساحتها

فقل لمن انزلت فى حقه صاد

الكفر اضرم فى الاسلام جذوته

وليس يرجى لنار الكفر اخماد

(يراجع تاريخ ابن الفوطى البغدادى الموسوم بالحوادث الجامعة ص٣٢١).

١٤٧

ان الوزير مؤيد الدين محمدبن العلقمى كان فى اواخر الدولة المستعصمية ينشد دائماً « خفيف » :

كيف يرجى الصلاة من امر قوم

ضيعوا الحزم فيه اىّ ضياع

فمطاع ، وليس فيه سداد

وسديد المقال غير مطاع

« انتهى كلام الفخرى »

وكان من حبّه للمال : ان الملك الناصر داود المعظم اودع عنده فى سنة سبع واربعين وديعة قيمتها مائة الف دينار فجحدها الخليفة فاستقبح هذا من مثله. وهو مستقبح ممن دونه بكثير بل من اهل الكتاب من ان تأمنه بقنظار يؤده اليك (١).

وكان من بخله ان فارق كثير من الجند بغداد لانقطاع ارزاقهم ، ولحقوا ببلاد الشام فى سنة خمسين وستمائة (٢).

وكان من قلة تدبيره وضعفه تركه ما اشار عليه به الوزير من المهادنة وارسال التحف والهدايا الى هلاكو وخواصه وقواده بعد ما قبل اولا فترك الحزم واقتصر على انفاذ شىء يسير (٣) واخذ برأى اعداء الوزير

ـــــــــــــــــ

(١) يراجع تاريخ ابن كثير ج١٣ ص٢٠٥ و ٢١٤.

(٢) تاريخ ابن الفوطى ص٢٦١.

(٣) قال فى (تاريخ مختصر الدول ص٢٦٩) ولما فتح هلاكو تلك القلاع ارسل رسولا آخر الى الخليفة وعاتبه على اهماله تسيير النجدة فشاوروا الوزير فيما يجب ان يفعلوه فقال : لاوجه غير ارضاء هذا الملك الجبار ببذل الاموال والهدايا والتحف له ولخواصه ، وعند ما اخذوا فى تجهيز ما يسيرونه من الجواهر والمرصعات والثياب والذهب ، والفضة ، والمماليك ، والجرارى والخيل والبغال والجمال ، قال الدويدار الصغير واصحابه : ان الوزير انما

١٤٨

وحساده فانهم خطأوه. وشجعوا الخليفة على الحرب ، وترك المهادنة (١) وقد كان ابوه المستنصر قد استكثر من الجند جداً ، ومع ذلك كان يصانع التتار ، ويهادنهم ويرضيهم (٢) ، ولعله لو قبل هذه النصيحة ، وسلك على منهاج ابيه لدفع عن المسلمين هذه المصيبة العظمى.

ويظهر مما انشأ الشيخ الاديب الشاعر سعدى الشيرازى فى مرثية المستعصم ان الملك ابابكر بن سعد الزنكى ايضاً اشار الى المستعصم بالمصانعة والمهادنة فلم يقبل نصيحته ، وقد دفع هذا الملك التتار بالمصانعة ، والتدبير عن بلاد فارس.

وذكروا (٣) من تكبر الخليفة انه كان فى طريق بلاطه حجر كالحجر الاسود عليه غطاء اطلس اسود ، وكان الملوك والسلاطين وكبراء الناس وغيرهم يزورون ذلك الغطاء ، ويستلمون الحجر ، وذكروا ان العالم المتورع مجد الدين اسمعيل الفالى الذى ارسله اتابك مظفر الدين سعد رسولا الى الخليفة امتنع عن تقبيل الحجر المذكور ـ ونعم ما فعل فانه يجب على كل مسلم موحد مؤمن بالله ورسوله ان يمتنع عن ذلك فلما الزموه وضع

ــــــــــــــ

يدبر شأن نفسه مع التارتار وهو يروم تسليمنا اليهم فلا نمكنه من ذلك فبطل الخليفة بهذا السبب تنفيذ الهدايا الكثيرة ، واقتصر على شىءِ نزر لا قدر له فغضب هولاكو الخ.

(١) يراجع تاريخ ابن كثير ج١٣ ص٢٠٠ ، وروضة الصفا ج٥ ص٢٤٠ و ٢٤١ والحوادث الجامعة ص٣١٩ جامع التواريخ ج٢ ص٧٠٢ ، وذيل تاريخ جهانگشا الجوينى ج٣ ص٢٨٠ و ٢٨١ ،

(٢) تاريخ الخلفاء ص٣٠٩.

(٣) روضة الصفا ج٥ ص٢٣٥ و ٢٣٦ ـ تاريخ وصاف الحضرة ص٢٧.

١٤٩

المصحف الشريف على الحجر ، وقبل المصحف.

ومن افظع الوقايع الحادثة فى خلافة المستعصم تخريب محلّه الكرخ فى بغداد ، وقتل جماعة كثيرة من بنى هاشم وغيرهم ، ونهب اموالهم ، واسر البنات ، وحملهن عاريات على الخيول فى السوق بامرا ابى العباس احمد بن المستعصم (١)

ـــــــــــــــ

(١) يراجع فى ذلك تاريخ روضة الصفا ج٥ ص٢٣٦ ومجالس المؤمنين ص٤٣٧ والفخرى ص٢٤٤ وتاريخ ابن كثير ج١٣ ص١٩٦ وتاريخ ابن الفوطى ص٣١٤ ـ وقد استبيحت دماء الشيعة ووضع السيف فيهم فى بغداد غير مرة فراجع تاريخ ابن الاثير وغيره حتى تعلم ما فعلت جهالات السفهاء وعصبياتهم الباطلة فمن ذلك ما ذكره ابن الاثير فى حوادث سنة ثلاث واربعين واربعمائة فاقرأ فى تاريخه تفصيل هذه الحادثة وما ظهر من الجهال من سوء الادب الى المشهد الكاظمى (ع) والحرب والحرق والهدم والقتل وما جرى من الامر الفظيع مما لم يجر فى الدنيا مثله مما تركنا ذكر تفاصيله حدراً من جرح عواطف الشيعة ونكتفى بذكر ابيات من قصيدة انشأها المؤيد فى الدين ابو نصر هبة الله بن موسى بن ابى عمران فى هذه الحادثة.

الا ما لهذا السماء لا تمور

وما للجبال ترى لا تسير

فموسى يشق له قبره

ولما انى حشره والنشور

ويسعر بالنار منه حريم

حرام على زائريه السعير

وتقتل شيعة آل الرسول

عتواً وتهتك منهم ستور

فوا حسرتا لنفوس تسيل

ويا غمتا لرؤس تطير (القصيدة)

وقد جرى على الشيعة مثل هذه الحادثة الفظيعة فى سنة خمس واربعين ورابعمائة وفى غيرها.

١٥٠

وعلى كل حال احتمال كون اتهام الوزير العلقمى بالمواضعة مع هلاكو من مختلقات المتعصبين (١) واعداء الشيعة قريب جداً لا يدفعه

ــــــــــــــ

(١) والذى ظهر لى بعد الفحص الكثير فى التواريخ سيما التواريخ المؤلفة فى القرن السابع الذى وقعت فيه هذه الفاجعة ـ ككتاب مختصر تاريخ الدول والحوادث الجامعة وجامع التواريخ ورسالة كتبها الخواجه نصير الدين فى شرح هذه الحادثة ـ التى ـ ينبغى ان تعد من اوثق المصادر بل اوثقها فى هذه الواقعة ـ ان نسبة المؤامرة الى الوزير مع هلاكو انما صدرت من حساده واعدائه كالدويدار الصغير واتباعه ممن يريدون الاستبداد بالامور فالقوا فى الالسنة والافواه مؤامرة الوزير واتهموه بالخيانة لالانه شيعى والدوايدار سنى بل لان الوزير كان واقفاً قبال نواياهم ويمنعهم من الاستيلاء على الامور ، والاستبداد ولذالك لم ير الدويدار والشرابى بعد وفاة المستنصر تقليد الخفاجى الامر وهو الذى كان فيه شهامة وشجاعة زائدة وكان يقول : لئن وليت لاعبرن بالعسكر نهر جيحون وآخذ البلاد من ايدى التتار واستاصلهم فآثروا المستعصم للينة وانقياده ليكون لهم الامر (تاريخ الخلفاءِ ص٣٠٦ و ٣٠٨) ولم يقنع الدويدار بذلك حتى عمل على خلع المستعصم ، والمبايعة لولده (تاريخ ابن الفوطى ص٢٤٩) ويظهر من التواريخ ان الخليفة الضعيف المستضعف كان عاجزا عن دفع امثال الدويدار وقطع ايديهم عن الاعمال وكان الدويدار لا يعتنى بمقام الوزير ولم يكن للوزير مع الدويدار واتباعه كثير تمكن فى تمشية الامور وانفاذ تدابيراته الحكيمة والمترجح فى النظر انه لم يرد احد من هؤلاء الامراء لاابن العلقمى ولا الدويدار ولا غيرهم تغلب التتار على بغداد ولكنهم تركوا الخزم ولم يدعوا قبال هذه الحادثة العظمى اختلافاتهم فمنع الدويدار الصغير الخليفة عن العمل برأى الوزير واتهمه تارة بالخيانة واخرى بالحمق والسفاهة وقال : لحيته طويلة لانه يرى ان تدبير الوزير

١٥١

شىء واسناد الاشتراك فى هذه الجرائم الفظيعة الى احد من المسلمين من غير دليل قطعى لا يجوز عند العقل والشرع.

ولاجل زيادة التوضيح ننقل كلام « ابن الطقطقى » فى الفخرى (ص ٢٤٦) قال : كان (يعنى العلقمى) رجلا فاضلا كاملا لبيباً كريماً وقوراً محبا للرياسة كثير التجمل رئيساً متمسكاً بقوانين الرياسة خبيراً بادوات السياسة لبيق الاعطاف بآلات الوزارة ، وكان يجب اهل الادب ويقرب اهل العلم اقتنى كتباً كثيرة نفيسة (الى ان قال) ، وكان مؤيد الدين الوزير عفيفاً عن اموال الديوان ، واموال الرعية متنزهاً مترفعاً. قيل : ان بدر

ـــــــــــــــ

لدفع شر التتار لو نجح لصار سبباً لزيادة تقربه الى الخليفة وخلاصة الكلام ان المتتبع فى كتب التواريخ يعرف ان ما اشار الوزير على الخليفة به كان عين المصلحة وادى به النصيحة ولو عمل بها لما وقعت هذه المذبحة العامة وربما لا يجد فى مثل تاريخ (مختصر تاريخ الدول) لابن العربى (ت : ١٢٨٦م) ورسالة الخواجة التى كتبها فى شرح هذه الواقعة وتاريخ ابن الفوطى (ت : ٧٢٣ه) وجامع التواريخ لرشيد الدين فضل الله الوزير (من اعلام القرن السابع واوايل القرن الثامن) من المصادر والكتب التى الفت فى القرن الذى وقعت فيه هذه الحادثة ذكراً ولا اثراً من مؤامرة فلا حقيقة تحت هذه النسبة الا اذا اخذنا بقول بعض الكتاب (الكذبة اذا شاعت اصبحت حقيقة)

اذا فلا ينبغى لمسلم ان يتهم غيره بمجرد المزاعم ، والنقول التى لا سند لها ولا يعتمد عليها.

هذا ما ظهر لى بعد التتبع والتأمل التام واشهد الله تعالى انى لا اقول ما اقول فى ذلك لان ابن العلقمى كان شيعياً فليس قصدى الانشدان الواقع والحقيقة وتطهير النفوس عن البغضاء والشحناء ولاقوة الا بالله.

١٥٢

الدين صاحب الموصل اهدى اليه هدية تشتمل على كتب ، وثياب ، ولطائف قيمتها عشرة آلاف دينار فلما وصلت الى الوزير حملها الى حدمة الخليفة وقال : ان صاحب الموصل قد اهدى لى هذا ، واستحييت منه ان ارده اليه ، وقد حملته ، واسأل قبوله فقبل. ثم انه اهدى الى بدر الدين عوض هديته شيئاً من لطائف بغداد قيمته اثنا عشر الف دينار والتمس منه ان لا يهدى اليه شيئاً بعد ذلك.

وكان خواص الخليفة جميعاً يكرهونه ، ويحسدونه ، وكان الخليفة يعتقد فيه. ويحبه. وكثروا عليه عنده فكف يده عن اكثر الامور. ونسبه الناس الى انه خامر ، وليس ذلك بصحيح وقال (١) : وفى آخر ايامه قويت الاراجيف بوصول عسكر المغول صحبة السلطان هلاكو فلم يحرك ذلك منه « يعنى المستعصم » عزما ولا نسبه منه همة ، ولا احدث عنده هما وكان كلما سمع عن السلطان من الاحتياط ، والاستعداد شىء ظهر من الخليفة نقيضه من التفريط والاهمال « الى ان قال » وكان وزيره مؤيد الدين ابن العلقمى يعرف حقيقة الحال فى ذلك ، ويكاتبه بالتحذير والتنبيه ويشير عليه بالتيقظ والاحتياط ، والاتسعداد ، وهو لا يزداد الا غفولا ، وكان خواصه يوهمونه انه ليس فى هذا كبير خطر « الخ ».

وليس عندى ببعيد ان نسبة الخيانة الى الوزير العلقمى صدرت اولا من بعض المتعصبين كما اسلفنا الايعاز اليه ثم نقلها بعض الشيعة ممن جرح عواطفهم ما صدر من العباسيين ، وعمالهم على الشيعة من سلب الحرية والاضطهاد ، والقتل ، والتعذيب مما تقشعر من ذكره الابدان فكانه اراد بنقل ذلك شفاء ما فى صدره من هذه الاعمال الفجيعة ، والسياسات الظالمة

ـــــــــــــ

(١) ص ٢٤٤.

١٥٣

ومن نقلها من السنيين لم يسندها الى مصدر معتبر موثوق به ، ولم اعثر فى كتب التراجم ، والمعاجم الشيعية ذكراً لهذه النسبة فضلا عن الافتخار به ولو كان فيهم من يفتخر بذلك « العياذ بالله » لذكروا فى كتبهم المؤلفة فى عصر الخواجة ، والعلقمى ، وهذه كتب العلامة الحلى فى الامامة ، وخلاف الامة ليس فيها ذكر عن ذلك مع انه كان من تلامذة الخواجة فى المعقول نعم فى الاعصار الاخيرة ذكر ذلك القاضى نور الله الشهيد المتوفى س١٠٢١ فى مجالس المؤمنين ، وتبعه مؤلف روضات الجنات المتوفى س١٣١٣ من غير استناد الى اصل موثوق به ، وسواءاً كان تدخل العلقمى فى هذه الحادثة معلوماً ام مشكوكاً فاصول الشيعة تأبى عن الرضا بهذه الكارثة ، وما جرى فيها من القتل العام ، وذبح المسلمين والمسلمات ، فالشيعى لا يجوز قتل مسلم واحد سنيا كان او شيعياً الا بالحق فكيف يرضى بهذه المذبحة العامة وقتل. الشيوخ والاطفال ، وتغلب الكفار على المسلمين ، وليس فى فقهاء الشيعة من افتى بجواز قتل واحد من اهل السنة لانه سنى. فضلا عن قتل عامة اهل بغداد مع ما فيهم من العلماء والاشراف من السنيين والشيعيين واما الخواجة نصير الدين المحقق الطوسى فشأنه اجل وانبل من التدخل فى هذه الفاجعة ، وقد كان هلاكو قبل استخلاصه الخواجة من يد الاسماعيلية ارسل الى الخليفة ، وطلب منه ان يعينه بالجنود ، والعساكر ، وكان غرضه من ذلك تؤطئة الوسيلة للخروج عليه ، وفتح بغداد كغيره من البلاد ، ولم يكن لمنع الخواجة فى فسخ عزيمته قليل تأثير فهو وان كان مكرماً عنده ظاهراً ، وكان هلاكو يفتخر بوجوده فى البلاط السلطانى ، واراد ان ينتفع بعمله وحكمته لكن لم يكن الخواجة ممن لازم السطان وصحبته بالاختيار بل كان مكرهاً مجبوراً فى ذلك

١٥٤

لم يكن له بدمن صحبة السلطان. وما كان حاله عند هلاكو احسن من حاله عند الاسماعيلية.

ومما يبعد نسبة وجود مواضعة بين هذا الفيلسوف وابن العلقمى ان ابن العلقمى كتب الى الامير ناصر الدين المحتشم ان نصير الدين الطوسى قد ابتدأ بمكاتبة الخليفة. وانشأ قصيدة فى مدحه ، واراد الخروج من عندك ، وهذا لا يوافق الرأى فلا تغفل عن هذا فلما قرء المحتشم كتابه حبس المحقق (١).

وعلى كل حال فمثل هذا الحكيم الفيلسوف الذى قلما يجود الزمان بمثله فى العلم ، والاخلاق ، والفضائل النفسانية. والكمالات الانسانية ويضرب به المثل فى التواضع والحلم ، والرحمة البشرية ، لا يقدم على امر لا يقدم عليه الا من القى جلباب الانسانية عن نفسه ، ورفع الله الرحمة عن قلبه ، واين هذا من رجل كان معلم الاخلاق ولا يزال يكون تصانيفه فى الحكمة العملية من مصادر التربية ، وتعليم اصلاح الباطن. وتهذيب النفس (٢).

نعم ليس لمثل الخواجة ذنب غير حب اهل البيت فصار بهذا الذنب غرضاً لسهام الجهال كما ان الشارح المعتزلى السنى الذى توفى قبل استيلاء المغول على بغداد (٣) ليس له ذنب غير شرح نهج البلاغة ، وما ابان

ـــــــــــــ

(١) تاريخ وصاف الحضرة ص٢٩ و ٣٠ ـ مجالس المؤمنين ص ٣٤٠.

(٢) قال ابن كثير فى تاريخه (ج ١٣ ص٢٦٧) وعندى ان هذا لا يصدر من عاقل ولا فاضل وقد ذكره بعض العاددة فاثنى عليه ، وقال : كان عاقلا فاضلا كريم الاخلاق.

(٣) فان سقوط بغداد كانت فى سنة ٦٥٦ وابن ابى الحديد توفى سنة ٦٥٥ (تاريخ ابن كثير ج ١٣ ص ١٩٩ و ٢٠٠).

١٥٥

فيه من الحقايق التاريخية ، وفضائل اهل البيت ، ومثالب مبغضيهم فلم يحرمه الخطيب من افتراءاته ، ونسب اليه الاشتراك فى هذه الفاجعة ولم يسند ذلك الى اى كتاب من كتب التراجم والترايخ ، ولم يأت فى تحامله على هذا الشرح الذى يعد من نفائس كتب المسلمين فى الادب والتاريخ واللغة ، والكلام وغيرها بالفحش والشتم ، والخروج عن ادب الكتابة.

هذا مختصر الكلام حول هذه الحادثة ، واسبابها ، ولا ريب انها من اعظم عبر التاريخ ، ويجب على المسلمين الاعتبار بها. وان يعرفوا ضرر التنازع ، والتدابر ، والانهماك فى المعاصى ، والاشتغال بالملاهى والملذات ..

وما كان الله ليظلمهم ، ولكن كانوا انفسهم يظلمون.

١٥٦

من عجيب افتراءات الخطيب فى الشيعة :

لم يدع الخطيب شيئاً من الافتراء والبهتان الا اسنده الى الشيعة. وترك عنان القلم فى ذلك حتى قال فى ص٢٧ : انهم لا يرضون من المسلمين الا بان يتبرؤا من كل من ليس شيعياً حتى آل البيت من بنات رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.

الشيعة اعظم الناس احتراماً واشد حفظاً للرسول فى عترته وذريته ليس عندهم اعز من ابناء رسول الله صلى الله عليه واله وبناته ، وذريته ، يتوسلون الى الله تعالى بحبهم ، ويتقربون الى رسوله بولايتهم ولم ينفك شعيى عن ذلك قط ، ولا تجد لهذا الافتراء اثراً عند الشيعة ، لا فى كتبهم ومقالاتهم ، ولا فى محافلهم وانديتهم فاذهب ايها المفترى الى مجالس الشيعة حتى تعلم مبلغ تحسرهم ، وصراخهم ، صياحهم عند ذكر مصيبة الرسول بفقد ولده العزيز ابراهيم ، وعند ذكر ما جرى على زينب بنت رسول الله من هبار ، وحاشا ثم حاشا ان تكون فى نفوس الشيعة الا محبة اولاد الرسول ، وشيعتهم ومحبيهم ، وهل التشيع غير الولاء الخالص لاهل البيت ، وكم من الفرق بينهم وبين من هو عندك معدود من اهل السنة ممن سب علياً وساير اهل البيت عليهم السلام وترك التمسك بهم وتقرب بذلك الى الامراء طمعاً فى جوائزهم ، وصلاتهم.

١٥٧

نعم الشيعة يفضلون فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين على اخوتها واخواتها ، وغيرهن من النساء لفضائلها ، ومناقبها التى عرفها الخاص والعام ولاختصاصها بابيها.

قالت عايشة : ما رأيت احدا كان اشبه كلاماً وحديثاً من فاطمة برسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، وكانت اذا دخلت عليه رحب بها وقام اليها واخذ بيدها فقبلها واجلسها فى مجلسه (١).

وفى رواية اخرى عنها : مارأيت احداً اشبه سمتاً ولادلا وهدياً برسول الله صلى الله عليه واله من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قالت : وكانت اذا دخلت على النبى صلى الله عليه وآله وسلم قام اليها فقبّلها واجلسها فى مجلسه. وكان النبى صلى الله عليه واله اذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته فى مجلسها (٢).

وقال صلى الله عليه واله : فاطمة بضعة منى فمن اغضبها اغضبنى (٣).

وقال صلى الله عليه واله : هى بضعة منى ، وهى قلبى ، وهى روحى التى بين جنبى من آذاها فقد آذانى ، ومن آذانى فقد آذى الله (٤).

ــــــــــــــ

(١) مستدرك الصحيحين ج ٣ ص ١٥٤.

(٢) سنن الترمذى ج٢ ص٣١٩ ، وابى داود ص ٣٤٥ ، والمستدرك ج ٤ ص ٢٧٢.

(٣) صحيح البخارى فى كتاب بدءِ الخلق ص١٨٥ ج٢ ، وفى كتاب النكاح ص١٦٤ ج ٣ « هى بضعة منى يريبنى مارا بها ، ويؤذينى ما آذاها ».

(٤) نور الابصار ص ٤١.

١٥٨

منزلة زيد الشهيد وساير اهل البيت عند الشيعة

اخذ الخطيب عن اسلافه المنحرفين عن اهل البيت عليهم السلام ما اخترعوه من الكذب الفاحش ، والافتراء البين على الشيعة ومن افحش هذه الافتراءات البراءة من زيد بن على بن الحسين وغيره من اكابر اهل البيت عليهم السلام ، وهذا بهتان يكذبه كتب الشيعة. ورواياتهم فان من اظهر شعائر التشيع الحب الخاص ، والولاء لاهل البيت والعلويين لا سيما الفاطميين منهم.

فهذه كتب التاريخ تنبىء عن ذلك ، وتشهد على مواقفهم ، ومشاهدهم فى سبيل الدفاع عن اهل بيت. وتخبرك عمن قتل منهم دون العلويين.

وهذه الشيعة ضيقوا عليهم اعداء البيت ، والنواصب وابتلوهم بانواع الاضطهاد ، والمصائب ، والفتن من القتل. وقطع الايدى والارجل ، والسجن والجلد ؛ والقذف بالكفر ، والخروج عن الدين ، والآراء الفتعلة ، وليست لهم جريمة الاحب على وفاطمة ، وابنيهما ، والتمذهب بمذاهبهم.

وهذه الشيعة تخاصمهم انت ونظراؤك لانهم يكرمون ابناء على وفاطمة ، ويعرفون لهم ما حباهم الله من الكرامة ، والفضيلة ثم تنسبون اليهم انهم لا يرضون من المسلمين الا ان يتبرؤا من آل الرسول مثل زيد الشهيد.

١٥٩

وهذه كتب الامامية فى التراجم ، والنسب مشحونة بالثناء البليغ لزيد الشهيد ، ووصفه بكل جميل ـ وجلالة قدره ، وكرامة مقامه عند الشيعة اشهر من ان يذكر ، وامره فى الورع ، والعلم ، والبسالة ، وشدة البأس ، وباء النفس ، والحرص على الامر بالمعروف والنهى عن المنكر والدعوة الى ما فيه الصلاح وخير الامة غنىّ عن البيان. حاز الشرف النبوى ، والمجد العلوى ، والسؤدد الفاطمى ، والروح الحسينى خرج الشيعة عنه الاحاديث ، واثنوا عليه ، ومدحه شعراؤهم ، وابنوه وللامامية فى ترجمته كتب مفردة تنبئى عن منزلته عندهم. وخرجوا ايضاً فى شأنه وفضله روايات كثيرة عن النبى والوصى ، والامام الباقر ، والصادق ، والرضا عليهم السلام.

هذا حال الشيعة وسيرتهم فى احترام العلويين ، واهل هذا البيت المبارك : في اهل الانصاف هذه كتب التراجم والتاريخ اقرأوا فيها كيف هدر دم زيد خلفاء الامويين ، واتباعهم الذين يفتخر الخطيب بهم ، ويعتبر حكوماتهم شرعية وينقم على الشيعة بانهم لايعتبرونها شرعية.

اسئلوا الخطيب عن اسماء قتلة زيد ، وعمن امر بقتله ، ومن قطع رأسه الشريف ، والخليفة الذى امر باحراقه ، وبعث راسه الى المدينة فنصب عند قبر الرسول صلى الله عليه واله وسلم يوماً وليلة ، واسئلوه عن الخليفة الذى امرا باخالد القسرى بقطع لسان كميت ويده بقصيدة رثى بها زيداً ، وابنه يحيى هل كان هؤلاء من الشيعة او من اسلاف الخطيب.

ايها الخطيب او ليس محمد بن ابراهيم المخزومى عامل خليفتكم بالمدينة يعقد الحفلات بها سبعة ايام ، ويخرج اليها ، ويحضر الخطباء فيلعنون هناك عليا وزيداً وشيعته من قومك الماضين؟

١٦٠