رسائل آل طوق القطيفي - ج ٤

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٩

وأيضاً هو رحمه‌الله قد أثبت أن محرّم عامِ الولادة العظمى دخل بالخميس بالأمر الأوسط ، فعليه يدخل ربيعها الأوّل بالأحد. وصرّح هو وغيره أن محرّمها دخل منها في الرؤية بالجمعة ، فعليه يدخل ربيعها بالحساب بالاثنين ، وجاز التقدّم والتأخّر بيومين.

وما أخرجه في (الإقبال) (١) [عن (٢)] كتاب (النبوّة) للصدوق : أن الحمل بسيّد الرسل صلى‌الله‌عليه‌وآله كان ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة مضت من جمادى الآخرة مؤيّد لذلك.

وأيضاً فهذه القاعدة الحسابيّة المرويّة موافقة لما اشتهر بين علمائنا ، بل هو إجماع ، من أن وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر. فلعل في جملة عمره الشريف حصل التقدّم والتأخّر بيوم أو يومين ، فتساعد وتؤيّد قول الأكثر بأنه يوم الجمعة سابع عشر ربيع الأول.

وبالجملة ، فلا خلاف في أن عام مولده الشريف هو عام الفيل ، بل هو إجماع ، وذلك في ملك كسرى أنوشيروان الذي ارتج إيوانه ليلة الميلاد الأعظم (٣). والاتّفاق وإجماع الفرقة على أن شهر الولادة الكريمة هو ربيع الأوّل ، والظاهر أنه إجماع قولاً وفعلاً ورواية ، وأن يومه الشريف العظيم من الشهر : سابع عشر ، ومن الأُسبوع : الجمعة ، ومن الساعات : بعد طلوع الفجر بقليل.

وقال المجلسي بعده بلا فصل : (وجماعة بـ (بعد طلوع الفجر) ، والطبرسيّ (٤) بـ (قبل طلوع الفجر). فإنّ المطلق من عبائرهم قدّس الله أرواحهم يحمل على المقيّد. فكلمتهم متّفقة على المعنى الذي ذكرناه ، ولا عبرة بقول من يقول : إنّها وقت الظهر ؛ لشذوذه ومعلوميّة نسب القائل).

بقي الكلام فيما روي وعمل به جُلّ الأكابر كالشيخين والشهيد الأوّل (٥) أن امّه

__________________

(١) الإقبال بالأعمال الحسنة ٣ : ١٦٢.

(٢) في المخطوط : (من).

(٣) البداية والنهاية ٢ : ٣٢٧ ٣٢٨.

(٤) إعلام الورى : ١٣ ، وفيه : (عند طلوع الشمس).

(٥) الدروس ٢ : ٦.

٤١

رضوان الله عليها آمنة بنت وهب حملت به في أيام التشريق عند الجمرة الوسطى. قال المجلسي رحمه‌الله : (اعلم أن هنا إشكالاً مشهوراً ذكره الشهيد الثاني وجماعة هو أنه يلزم من كون الحمل به في أيّام التشريق ، وولادته في ربيع الأوّل أن تكون مدّة حمله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ إمّا ثلاثة أشهر ، أو سنة وثلاثة أشهر ، مع أن الأصحاب اتّفقوا على أنه لا يكون الحمل أقلّ من ستّة أشهر ولا أكثر من سنة. ولم يذكر أحد من العلماء أن ذلك من خصائصه).

قال : (والجواب أن ذلك مبنيّ على النسي‌ء الذي كانوا يفعلونه في الجاهليّة ، ونهى الله عنه ، وقال (إِنَّمَا النَّسِي‌ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) (١). قال الطبرسيّ في تفسير هذه الآية نقلاً عن مجاهد : (كان المشركون يحجّون في كلّ شهر عامين ، فحجّوا في ذي الحجّة عامين ، ثمّ في المحرّم عامين ، وكذا في الشهور حتّى وافقت الحجّة التي قبل حجّة الوداع في ذي القعدة. ثمّ حجّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في العام القابل حجّة الوداع فوافقت ذا الحجّة ، فقال في خطبته وإنّ الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ثلاثة متوالية : ذو القعدة وذو الحجة والمحرّم ، ورجب مفرد بين جمادى وشعبان.

أراد بذلك أن الأشهر الحرم رجعت إلى مواضعها وعاد الحجّ إلى ذي الحجّة ، وبطل النسي‌ء) (٢) ، انتهى.

إذا عرفت هذا فقيل : إنه يلزم أن يكون الحجّ عام مولده صلى‌الله‌عليه‌وآله في جمادى الاولى ؛ لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله توفّيَ وهو ابن ثلاث وستّين سنة ، ودورة النسي‌ء أربعة وعشرون سنة ضعف عدة الشهور ، فإذا أخذنا من السنة الثانية والستين ورجعنا تصير السنة الخامسة عشرة ابتداء الدورة ؛ لأنه إذا نُقص من اثنين وستين ثمانية وأربعون يبقى أربعة عشر ، الاثنتان الأخيرتان منها لذي القعدة واثنتان قبلهما لشوّال ، وهكذا.

__________________

(١) التوبة : ٣٧.

(٢) مجمع البيان ٥ : ٤١.

٤٢

فتكون الأُوليان منها لجمادى الاولى ، وكان الحجّ عام مولد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو عام الفيل في جمادى الأُولى.

فإذا فرض أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله حملت به امّه في الثاني عشر منه ، ووضعته في الثاني عشر من ربيع الأوّل يكون مدة الحمل عشرة أشهر بلا مزيد ولا نقيصة.

أقول : ويرد عليه أنه قد أخطأ في حساب الدورة ، وجعلها أربعة وعشرين سنة ؛ إذ الدورة على ما ذكر إنّما تتمّ في خمسة وعشرين سنة ؛ إذ في كلّ سنتين يسقط شهر من شهور السنة باعتبار النسي‌ء ، ففي كلّ خمسة وعشرين سنة يحصل أربع وعشرون حجة تمام الدورة.

وأيضاً على ما ذكره يكون مدّة الحمل أحد عشر شهراً ؛ إذ لمّا كان عام مولده ، أو الحج في جمادى الاولى يكون في عام الحمل الحجّ في ربيع الثاني ، فالصواب أن يقال : كان في عام حمله الحجّ في جمادى الأُولى ، وفي عام مولده في جمادى [الآخرة (١)] ، فعلى ما ذكرنا تتمّ من عام مولده إلى خمسين سنة من عمره صلى‌الله‌عليه‌وآله دورتان ، وفي الحادية والخمسين تبتدئ الدورة الثالثة من جمادى [الآخرة (٢)] ، وتكون لشهر حجّتان إلى أن ينتهي إلى الحادية والستين والثانية والستين ، فيكون الحجّ فيهما في ذي القعدة ، ويكون في حجّة الوداع الحجّ في ذي الحجّة ؛ فتكون مدّة الحمل عشرة أشهر.

فإن قلت : على ما قرّرت من أن في كلّ دورة تتأخّر سنة ، ففي نصف الدورة تتأخّر ستّة أشهر ، ومن ربيع الأوّل الذي هو شهر المولد إلى جمادى [الآخرة (٣)] التي هي شهر الحجّ نحو من ثلاثة أشهر. فكيف يستقيم الحساب على ما ذكرت؟

قلت : تاريخ السنة محسوبة من شهر الولادة ، فمن ربيع الأوّل من سنة الولادة إلى مثله من سنة ثلاث وستين تتمّ اثنتان وستون ، ويكون السابع عشر منه ابتداء السنة الثالثة والستين ، وفي الشهر العاشر من تلك السنة أعني : ذا الحجة وقع الحجّ

__________________

(١) في المخطوط : (الثانية).

(٢) في المخطوط : (الثانية).

(٣) في المخطوط : (الثانية).

٤٣

الحادي والستّون ، وتوفّيَ صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل إتمام تلك السنة على ما ذهبت إليه الشيعة بتسعة عشر يوماً ، فصار عمره صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثاً وستين سنة إلّا تلك الأيام المعدودة.

وأمّا ما رواه ابن طاوس في (الإقبال) (١) نقلاً من كتاب (النبوّة) للصدوق أن الحمل بسيّدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة مضت من جمادى الآخرة ، فيمكن أن يكون الحمل في [أوّل (٢)] سنة وقع الحجّ [فيها] في جمادى [الآخرة (٣)] ، ومن سنة الحمل إلى سنة حجّة الوداع أربع وستّون سنة ، وفي الخمسين تمام الدورتين. وتبتدئ الثالثة من جمادى [الآخرة (٤)] ، ويكون في حجّة الوداع والتي قبلها الحج في ذي الحجّة ، ولا يخالف شيئاً إلّا ما مرّ عن مجاهد (٥) أن حجّة الوداع كانت مسبوقة بالحجّ في ذي القعدة.

وقوله غير معتمد في مقابل الخبر إن ثبت أنه رواه خبراً. وتكون مدّة الحمل على هذا تسعة أشهر إلّا يوماً ، فيوافق ما هو المشهور في مدّة حمله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند المخالفين.

وقال بعض الأفاضل في دفع الإشكال : (التشريق : الخروج إلى ناحية الشرق ، وكان أشراف قريش يخرجون من مكّة مع أهاليهم في الصيف إلى الطائف ، وهو في ناحية المشرق ، وكانوا يسمون تلك الأيّام أيّام التشريق ، وينزلون منى في بعض تلك الأيام. والقرينة على أنه ليس المراد بأيّام التشريق : ما في موسم الحجّ أن المكان الذي هو عند الجمرة الوسطى لا يخلو في موسم الحجّ. و (كانت) أي حين إقامتها بمكة. ولو كان المراد حين كونها في منىً لم يحتج إلى زيادة لفظ : وكانت) ، انتهى.

ولا يخفى غرابته ، ولا أدري من أين أخذ رحمه‌الله هذا الاصطلاح لأيّام التشريق؟ وأيّ مناسبة لمنى مع الطائف؟) (٦) ، انتهى كلام المجلسيّ.

وأقول : صورة ما في (الإقبال) : (فصل فيما نذكره من فضل ليلة تسع عشرة من

__________________

(١) الإقبال بالأعمال الحسنة ٣ : ١٦٢.

(٢) في المخطوط : (أولى).

(٣) (في المخطوط : (الثانية).

(٤) (في المخطوط : (الثانية).

(٥) انظر : ص ٣٧٢ هامش ١.

(٦) مرآة العقول ٥ : ١٧٠ ١٧٣.

٤٤

جمادى الآخرة وأنها ليلة ابتداء الحمل برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. ذكر محمّد بن بابويه في الجزء الرابع من كتاب (النبوّة) في أواخره حديث أن الحمل بسيّدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة) (١) ، انتهى.

وأقول : أمر النسي‌ء وبناء هذا الإشكال عليه شي‌ء لم يقم عليه دليل شرعيّ ، وإنّما ذكره العامّة ومن ثَمّ توقّف شيخنا في دفع هذا الإشكال به. ولكن ما نقله المجلسيّ عن بعض الأفاضل جواب سديد متين ، والاعتراف له بالفضل يكفي بالوثوق بنقله. وليس مجاهد بأوثق منه وإن كان نقل المجلسيّ عن ابن شهرآشوب في مناقبه (٢) أن الحمل به كان ليلة عرفة يؤيّد الأوّل ، ولكنه تفرّد به ولم يقم عليه دليل مع شدّة بعده كالأوّل. وأما حمل مجاهد الحديث من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبة عرفة) ألا وإن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض … (إلى آخره ، فكلام في غاية السقوط ، وما أحقّه بقول الشاعر :

ولا تحرزُ السبقَ الروايا وإن جرت

ولا يبلغُ الغاياتِ إلّا سبوقها

ويمكن أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أراد بذلك ما أشار إليه في الحديث الآخر من قوله بعثت والساعة كهاتين ؛ فإنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله نبيّ الساعة ، وقد أشار في تلك الخطبة المباركة إن سلسلة البدء الكلّيّ قد انتهت ببعثته ، فبعثته أوّل قوس العود الكلّيّ ، والنهايات تصف البدايات ، والغايات تجمع المقدّمات ، فحكاية قوس البدء ظهرت به صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّه أوّل العابدين وبداية كلّ نهاية ، وأوّل الفيوض والحجّة قبل الخلق.

فبظهور بعثته الحسّيّة يظهر حكايات ابتداء الزمان وأوّل الخلق ، فهو بداية أبداً ، كما أنه نهاية أبداً ، والواقف على بدء الخلق أبداً ؛ ولذا لمّا رجع ليلة المعراج إلى تلك البدايات ووقف على بدء خلق الدنيا في تلك الدرجات صلّى بالملائكة الظهر ،

__________________

(١) الإقبال بالأعمال الحسنة : ٦٢٣ (حجري) ، وفي النسخة المطبوعة من الإقبال أنه (جمادى الاولى). انظر الإقبال بالأعمال الحسنة ٣ : ١٦٢.

(٢) مناقب آل أبي طالب ١ : ٥٣.

٤٥

حيث إن بدء خلق الدنيا والشمس على وتد الرأس ودائرة نصف نهار الوجود ، ولا ينافي كونه في هذا العالم ليلاً. ولذلك وجه آخر يظهر بالتأمّل فتفطّن جيّداً.

ومبدأ (١) ولادته المباركة في الدار التي اشتهرت بدار محمّد بن يوسف في شعب أبي طالب ، وهي دار أبيه في الزاوية القصوى عن يسارك وأنت داخل الدار ، وهي الآن مسجد.

وقال الشيخ عبد الله بن صالح البحراني (٢) : (نبيّنا محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ولد في مكة عام الفيل اتّفاقاً عند طلوع الفجر باليوم السابع عشر من شهر ربيع الأوّل على ما هو المشهور بين أصحابنا وعليه المعوّل ، وبه قال الشيخ والمفيد ، واعتمده كلّ من تأخّر عنهما كالشهيد والمجلسيّ وغيرهما. وذهب الكلينيّ إلى أن مولده الثاني عشر منه وهو مشهور العامّة ، والمشهور في رواياتنا ما عليه مشهور علمائنا) ، انتهى.

والمشهور أن أباه توفّيَ وهو حمل ، وعليه دلّ الدليل ، ومات أبوه في المدينة [وهو] ابن خمس وعشرين سنة.

وفي مناقب ابن شهرآشوب : (توفّيَ أبوه وهو ابن شهرين ، ودفن في دار النابغة على مشهور المؤرّخين ، ونصّ عليه الطبريّ (٣) وغيره (٤). ومشهورهم أن امّه توفّيت بالأبواء بين مكّة والمدينة ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله ابن أربع سنين. وقيل : ابن ثمانية وعشرين شهراً. وهو الأرجح.

__________________

(١) كذا في المخطوط.

(٢) العالم العامل ، المحدّث الصالح الشيخ عبد الله ابن الحاج صالح بن جمعة السماهيجي البحراني. ينسب إلى (سماهيج) ، وهي إحدى قرى جزيرة صغيرة قرب اوال. له كثير من المصنفات أوردها في إجازته الكبيرة للشيخ ناصر الخطّي عام (١١٢٨) هـ في بهبهان ، ومنها رسالة (التهاني والتعازي في مواليد النبيّ والأئمّة صلّى الله عليه وعليهم ووفياتهم) الّتي ينقل عنها المصنّف رحمه‌الله في هذه الرسالة. توفّيَ رحمه‌الله في بهبهان ليلة الأربعاء (٩ / جمادى الثانية / ١١٣٥ ه‍). انظر : لؤلؤة البحرين ٩٦ ١٠٣ ، أنوار البدرين : ١٤٨ ١٥٣.

(٣) تاريخ الطبريّ ١ : ٥٠١.

(٤) تاريخ الإسلام (السيرة النبويّة) : ٥٠.

٤٦

وقيل : ابن ستّ ، وربّاه عبد المطلب ، ثمّ بعده أبو طالب. أقام بمكّة قبل البعثة أربعين سنة ، وبعد البعثة ثلاث عشرة سنة. ثمّ هاجر إلى المدينة وأقام بها عشر سنين) (١).

وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله

قبض صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحادية عشرة من الهجرة إن أخذنا حساب بدئها من المحرم ، وفي العاشرة إن أخذنا بدأها من يوم هجرته من مكّة ، فلا اختلاف بين القولين. وتوفّيَ صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الاثنين على الأشهر الأقوى الثامن والعشرين من صفر بالنصّ والإجماع ، والمخالف شاذّ معلوم النسب.

قال الشيخ عبد الله بن صالح البحراني : (المشهور بين أصحابنا أن وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله في اليوم الثامن والعشرين من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة كما ذكره المفيد (٢) والشيخ (٣) وابن طاوس والشهيد (٤) وغيرهم (٥) ، ولم يخالف في ذلك سوى الكليني (٦) وذكر أنه في اليوم الثاني عشر كيوم ولادته صلى‌الله‌عليه‌وآله. وانتقل إلى جوار الله شهيداً مسموماً بالنص (٧) والإجماع وصافي الاعتبار ، فإنّ مرتبة الشهادة من أعلى درج القرب فلا تفوت مَن جمع كمالات الوجود المطلق ، فمنه فاض كلّ كمال وَجود ووُجود).

وفي الخبر ما منا إلّا من خرج على الشهادة (٨).

وفيه أيضاً أنهما سمّتاه (٩) ، لا كما قال بعض الأفاضل : (إنه مات بسمّ اليهود في

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ١ : ٢٢٣.

(٢) مسارّ الشيعة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) ٧ : ٤٦ ٤٧.

(٣) تهذيب الأحكام ٦ : ٢ / ب ١.

(٤) الدروس ٢ : ٦.

(٥) كشف الغمّة ١ : ١٦ ، روضة الواعظين ١ : ٧١.

(٦) الكافي ١ : ٤٣٩.

(٧) تفسير العيّاشي ١ : ٢٢٤ / ١٥٢ ، بحار الأنوار ٢٢ : ٥١٦.

(٨) روضة الواعظين : ٢٢٣.

(٩) بحار الأنوار ٢٢ : ٥١٦ / ٢٣ ، وهو نقلاً عن العياشي الذي يظهر أن نسخة البحار منه كذلك ، أما النسخة التي في أيدينا منه ، ففيه : «فسم قبل الموت ، إنهما سقتاه» كما سيأتي في الصفحة التالية.

٤٧

الذراع المشويّ) (١). فإنه ظاهر السقوط ، فإنّ الله أظهر بمنع ذلك السمّ عن مقتضى طبعه ، ومنعه عن التأثير في نبيّه ومن أكل منه بأمره معجزة عظيمة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبرهاناً على صدق رسالته ، فكيف يعمل فيه حتّى يقتله؟ ما هذا إلّا تنافٍ. وممّا يدلّك على أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ما مات به ، وأن ذلك السمّ لم يبقَ له قوّة ولا تأثير أصلاً أن أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يضرّه ذلك السمّ أصلاً ولا مات به إجماعاً. فلو كان ذلك السم أثّر في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأثّر في أمير المؤمنين عليه‌السلام بطريق أولى ، فكيف يؤثّر في الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يؤثر في أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وإنّما منع أثره في أمير المؤمنين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فكيف يمنعه عن التأثير في أمير المؤمنين عليه‌السلام ولا يقدر أن يمنعه عن نفسه؟ والأمير عليه‌السلام إنّما احتجب عن ذلك السمّ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنّه كما في خبر العياشيّ إنّهما سقتاه (٢) السم.

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٢ : ٥١٦.

(٢) تفسير العيّاشي ١ : ٢٢٤ / ١٥٢ ، وليس فيه لفظ : «السم» ، انظر الصفحة السابقة.

٤٨

الفصل الثاني

في مولد أمير المؤمنين وسيّد

الوصيّين علي بن أبي طالب سلام الله عليه ووفاته (١)

ميلاده المبارك

ولد سلام الله عليه بعد عام الفيل بثلاثين سنة وللنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثون سنة على الأشهر الأظهر ، بل لا يبعد أنه إجماع في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب الحرام على الأشهر بين علمائنا في جوف الكعبة نصاً (٢) وإجماعاً من الفرقة ، بل الظاهر أنه إجماع المسلمين فضيلة خصّه الله بها من جميع البشر تكرمة لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله. ولكن روى الشيخ في (المصباح) عن صفوان الجمال عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد سلام الله عليه قال ولد أمير المؤمنين عليه‌السلام في يوم الأحد لسبع خلون من شعبان (٣). والظاهر أن طريق الشيخ إلى صفوان صحيح ، وظاهر بعض أكابر المعاصرين العمل بظاهرها.

قال الشيخ عبد الله بن صالح البحراني : (ولد عليه‌السلام يوم الجمعة الثالث عشر من رجب داخل الكعبة فوق الرخامة الحمراء بعد مولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بثلاثين سنة ،

__________________

(١) كلمة (ووفاته) ليست في المخطوط.

(٢) علل الشرائع ١ : ١٦٤ / ٣ ، معاني الأخبار : ٦٢ / ١٠ ، تهذيب الأحكام ٦ : ١٩ / ب ٦ ، إعلام الورى بأعلام الهدى : ١٥٩ ، بحار الأنوار ٣٥ : ٨.

(٣) مصباح المتهجّد : ٧٨٢ ، بحار الأنوار ٣٥ : ٧ / ٧.

٤٩

وعليه اعتمد الشيخ في (التهذيب) (١). وعلي بن عيسى الإربليّ (٢) لم يذكره سواه ، وهو ظاهر الشهيد رضي‌الله‌عنه في (الدروس) (٣).

والأصحّ عندي أنه عليه‌السلام ولد يوم الأحد سابع شعبان ، والرواية به صحيحة ؛ لأنّ الشيخ رواها في (المصباح) (٤) عن صفوان بن مهران ، وطريقه إليه صحيح ، وهو ثقة جليل.

والرواية الاولى ليست بصحيحة الإسناد ، بل ولا حسنة ولا موثّقة ، بل غير مسندة. ويؤيّد ما قلناه الدعاء المروي عن صاحب الأمر عليه‌السلام ، فإنّه قال فيه أسألك بحقّ المولودَينِ في رجب : محمّد بن علي الثاني ، وابنه علي بن محمّد المنتجب (٥) ، فإنه صريح أو كالصريح في أنه عليه‌السلام لم يتولّد في رجب ؛ إذ لا يحسن تركه عليه‌السلام وذكر الإمامين العظيمين وهو أفضل منهما وأعظم ، كما لا يخفى) ، انتهى.

وأقول : الداعي بهذا الدعاء عجّل الله فرجه من الذين وقفوا على مواليد الخلق واستُودعوا أسرار الحقّ ، فأمكن أن يؤذن له بالإعلان بالتوسّل بالإمامين خاصّة ، فما في ذلك الدعاء لسرّ ومناسبة هو أعلم بها ، وإلّا لم يحسن التوسّل بأحد منهم بالخصوص في أمر مخصوص بدون التوسّل بسيّد الكلّ محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. وقد ورد عنهم عليهم‌السلام في موارد كثيرة كأدعية الساعات والأيّام وغيرها التوسّل بفرد خاصّ دون غيره منهم. وقد روي عنهم التصريح بالأمر بالتوسّل بكلّ واحد منهم على حدَته في أمر مخصوص ، فتتبّع.

فليس فيما ذكره دلالة بوجه ، وتعليله عليل جدّاً ، بل تركه من مثله هو المناسب ، والله العالم. بل ما ورد من أن مولد الباقر عليه‌السلام في غرّة رجب (٦) تضمّن ما ينافي هذا الاستدلال ، وربّما قيل : إنه ولد في الثاني والعشرين من رجب. وهما ضعيفان ؛ لندور

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٦ : ١٩ / ب ٦.

(٢) كشف الغمّة ١ : ٦٠.

(٣) الدروس ٢ : ٦.

(٤) مصباح المتهجّد : ٧٨٢.

(٥) مصباح المتهجّد : ٧٤١ (حجري).

(٦) مصباح المتهجّد : ٧٣٧ (حجري) ، إعلام الورى بأعلام الهدى : ٢٥٩ ، بحار الأنوار ٤٦ : ٢١٢ / ١.

٥٠

القائل بهما بل وشذوذه ، ولم نقف للأخير على مستند.

تنبيه :

إن قيل : مولد المعصوم خصوصاً سيّد الخلق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يكون إلّا في غاية مراتب السعود ، والأيام المعروفة في زماننا بالكوامل وهي الثالث من كلّ شهر ، والخامس ، والثالث عشر ، والسادس عشر ، والحادي والعشرون ، والرابع والعشرون ، والخامس والعشرون قد ثبت بالنصّ والإجماع أنّها أيام منحوسة فكيف يكون مولد المعصوم فيها ، وذلك بظاهره يقتضي اجتماع الضدين أو النقيضين؟

فالجواب من وجوه :

أحدها : أن نحوس تلك الأيّام داء أو سمّ ، ومولد المعصوم فيه دواء مانع له عن مقتضى طبعه ، وكان ذلك لطفاً من اللطيف الرحيم بالضعفاء ، ومن لا يعلم النحس من السعد ، والغافل والمضطرّ. فبميلاد المعصوم فيه تنكسر سورته وتضعف شدّتهُ ، بل تخرج عن مقتضى أصل طبيعته إلى طبيعة أخرى ، فيكون ذا جهتين :

فبجهة نحسه يعمل في المعاند والمعادي للأيّام ومن ضعف إيمانه بسرّ آل محمّد وعلانيتهم صلّى الله عليه وعليهم فإن الإيمان بذلك جنة واقية من نحوس الأيّام وشرور الأنام وغير الأنام بقدر قوّته ويقين صاحبه ، فهو سعد لا نحس فيه.

وبجهة ما مازجها من سعد الميلاد الأشرف تنقمع طبيعتها ، وتمتنع عن العمل بمقتضاها عمّن ليس كذلك ، فقد ألقى الجليل الخليل في النار فكانت برداً وسلاماً ، وضرب الكليم العظيم بعصاه البحر فكان يَبساً ، فعلى هذا يسري ضعف نحوس باقي الأيّام السبعة التي لم يولد فيها المعصوم ، وتنكسر طبيعتها في الأيّام التي ولد فيها منها بجهد المناوعة أو المصانفة أو المجانسة أو الجهات الثلاث.

إلّا إن التعديل والتغيّر وقع في اليوم الذي ولد فيه المعصوم أوّلاً وبالذات ، وفيما سواه ثانياً وبالعرض ، فهو أشدّ نحساً ممّا ولد فيه معصوم منها. فبركة ولادته لا تحصى حتّى ورد عن أهل العصمة أن الليلة التي يولد فيها الإمام لا يولد فيها

٥١

كافر (١). إلّا إن هذه جزئيّة مع إمكان كلّيّتها ، وإن كان بحسب الظاهر بعيداً. وقد استفاض أن الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حُجبت [فيها] الشياطين عن جميع السماوات ، ومنعوا من اختراق السمع ، ورموا بالشهب (٢) ، وغير ذلك من بركة تلك الليلة التي عمّت بركتها العالمين.

الثاني : أن تكون الليلة التي يولد فيها المعصوم من السبع بخصوصها وجزئيّتها ينمحق نحسها كما تنطفي نار الشيطان عند التفات المعصوم إليه وتخمد ، بل جهنم الكبرى جازوها وهي خامدة ، وأكلوا السموم الشديدة فلم تؤثّر ، وضربوا بالسيوف فنبتْ ، وأُلقي إبراهيم عليه‌السلام في النار فكانت برداً ، إلى غير ذلك ممّا دلّ على قاهريّتهم للطبائع والأكوان. وعلى هذا يكون سرّ ولادته في يوم منحوس ظهورَ تلك القاهريّة والسلطنة الربّانيّة ، وأنه نور يضي‌ء به كلّ مظلم ، وينمحق به كلّ ظلام وشرّ.

الثالث : أن يكون اليوم الذي يولد فيه من السبعة ظاهره نحس وباطنه سعد ، خصوصاً بالنسبة إلى الوليّ ، فإنّ قبول الولاية لغموض دليله وكونه مظهر ولاية الله العظمى لا تقبلها أكثر النفوس ، لأنه أمر لجميع النفوس بالسكون والتسليم ، وقد جبلت على الحركة ، فذلك بلواها ومحكّها ، فهي وما نسب لها تعدّه أكثرُ النفوس نحساً وهي سعد. فظاهرها نحس وباطنها سعد مؤبّد ؛ ولذا ورد أن زحل نجم علي عليه‌السلام (٣) ، وورد أن ظاهره نحس وباطنه سعد ، والله العالم بحقائق أوليائه.

وقال الشيخ المفيد في (الإرشاد) : (ولد عليه‌السلام بمكّة في بيت الله الحرام يوم الجمعة الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل. ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله تعالى سواه إكراماً له من الله تعالى بذلك .. وكان مقامه مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد البعثة ثلاثاً و [عشرين (٤)] سنة ، منها ثلاث [عشرة (٥)] بمكّة قبل الهجرة ، وعشر سنين

__________________

(١) بحار الأنوار ٥١ : ٢٨.

(٢) بحار الأنوار ١٥ : ٢٥٧ ٢٦٢ / ٩ ، ١١ ، ١٢.

(٣) الاحتجاج ٢ : ٢٥٢ / ٢٢٤ ، بحار الأنوار ٥٥ : ٢١٩ / ١ ، ٢٧٠ ، ٥٦ : ١١٣.

(٤) من المصدر ، وفي المخطوط : (ثلاثين).

(٥) من المصدر ، وفي المخطوط : (وعشرون).

٥٢

بعد الهجرة بالمدينة. عاش أمير المؤمنين سلام الله عليه مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثاً وثلاثين سنة عرفيّة ، وبعده ثلاثين سنة عرفيّة .. وضربه ابن ملجم لعنه الله وجميع خلقه ليلة الجمعة التاسعة عشرة من شهر رمضان المعظّم بسيف مسموم) (١).

وهي من ليالي القدر الثلاث ، وفيها تكتب الأرزاق ، وتنزل صكاك الحاجّ ، وتكتب الآجال ، لكن لله فيها البداء.

وانتقل إلى جوار الله ليلة الأحد الحادية والعشرين منه وهي أحد ليالي القدر أيضاً ، وفيها يمحو الله ما يشاء ويثبت ما نزل في التاسعة عشرة فيقدّر فيها ما يشاء. وفيها كان الإسراء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفيها قبض موسى بن عمران ، وفيها قبض يوشع ابن نون ، ورفع عيسى ، سلام الله عليهم أجمعين (٢).

ومال بعض المعاصرين إلى أن وفاته كانت [في] الليلة الثالثة والعشرين (٣). وهو محجوج بالنصّ (٤) والإجماع قولاً وعملاً في سائر الأزمان والأصقاع ، فدليله شاذّ محمول على التقيّة ؛ لأنه قول بعض العامّة.

وفي (التهذيب) أنه مات ليلة الجمعة (٥) ، فيكون ليلة ضربه ابن ملجم لعنه الله الأربعاء ، وهذا أظهر وأوفق ؛ لأنه ولد يوم الجمعة فيتطابق البدء والعود ، أو قل : البدءان ، والأوّل أوفق بنسبة يوم الأحد من الأُسبوع له ، والله العالم.

شهادته عليه‌السلام

قال الشيخ عبد الله بن صالح البحرانيّ : (ضُرب عليه‌السلام ليلة تسع عشرة من شهر رمضان عند الفجر [سنة] أربعين من الهجرة ، ضربه عبد الرحمن بن ملجم بالسيف على أُمّ رأسه في محرابه بمسجد الكوفة ، وقبض ليلة الجمعة الحادية والعشرين منه ،

__________________

(١) الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) : ١١ / ١ : ٥ ، ٦ ، ٩.

(٢) انظر تهذيب الأحكام ١ : ١١٤ / ٣٠١.

(٣) لم نجده عند من عاصر المصنّف رحمه‌الله ، انظر العدد القويّة : ٢٣٥.

(٤) بحار الأنوار ٤٢ : ٢١٣ / ١٣.

(٥) تهذيب الأحكام ٦ : ١٩ / ب ١٦.

٥٣

وهي التي قبض فيها يوشع وصيّ موسى بن عمران عليهما‌السلام (١) ، كما رواه زرارة بسند معتبر عن أحدهما عليهما‌السلام. هذا هو الصحيح من الأقوال في اليومين.

وقيل : ضرب ليلة سبع عشرة (٢) ، وقيل : ليلة إحدى وعشرين (٣) ، وقيل : [في الليلة الثالثة والعشرين (٤) ، والمعتمد ما ذكرناه) ، انتهى.

قلت : الظاهر أن هذه الأقوال غير المختارة كلّها من أقوال العامّة كما يُشهد به السبر.

وقال الشيخ المفيد في (الإرشاد) : (كانت وفاة أمير المؤمنين عليه‌السلام ليلة الجمعة ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة ، ضربه ابن ملجم على أُمّ رأسه بالسيف ، وكان مسموماً ، فمكث يوم تسعة عشر ، وليلة عشرين ويومها ، وليلة إحدى وعشرين إلى نحو الثلث من الليل ، ثمّ قضى نحبه شهيداً. وتولّى غسله وتكفينه ابناه الحسن والحسين عليهما‌السلام ودفناه بالغريّ من نجف الكوفة) (٥).

بقي الكلام فيما رواه الكلينيّ في باب النصّ على الأئمّة الاثني عشر عن أبي الطفيل من حديث الهاروني أن أمير المؤمنين عليه‌السلام لمّا سأله الهاروني : كم يعيش وصيّ محمّد من بعده؟ قال عليه‌السلام يعيش بعده ثلاثين سنة لا يزيد يوماً ولا ينقص يوماً (٦) من الإشكال البيّن حيث إن أقوال أصحابنا في وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله منحصرة كما عرفت في قولي : الكليني على أنها ثاني عشر ربيع الأوّل ، والمشهور على أنها ثامن وعشرين صفر. ووفاة أمير المؤمنين عليه‌السلام في الحادي والعشرين من شهر الله المعظّم شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة اتفاقاً كما قال المجلسيّ في شرح الأُصول : ([وعلى أيّ تقدير ، تكون المدّة التي بينه صلى‌الله‌عليه‌وآله وبين وفاة أمير المؤمنين صلوات الله عليه الواقعة في الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة ـ

__________________

(١) انظر تهذيب الأحكام ١ : ١١٤ / ٣٠١.

(٢) مطالب السؤول : ١٨٢ ، كشف الغمّة ٢ : ٦٣.

(٣) كشف الغمّة ٢ : ٦٣.

(٤) مطالب السؤول : ١٧٣ ، كشف الغمّة ٢ : ٦٣.

(٥) الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) ١١ / ١ : ٩ ١٠.

(٦) الكافي ١ : ٥٢٩ ٥٣٠ / ٥.

٥٤

اتفاقاً ناقصة عن ثلاثين سنة قمرية بأكثر من خمسة أشهر (١)] فضلاً عن الشمسية ؛ لزيادتها على القمرية بقريب من أحد عشر يوماً) (٢) ، انتهى.

قال المجلسي : (ويمكن الجواب بأن المراد ب ثلاثين سنة : السنون القمريّة ، والمدّة المذكورة وإن كانت ناقصة عنها بحسب الحقيقة لكنها تامّة بحسب العرف ؛ لأن عرف أهل الحساب أنهم يسقطون الأقلّ من النصف ويتمّمون الزائد عليه. فكلّ ما بين تسعة وعشرين ونصف ، وبين ثلاثين ونصف من جملة مصداقاته العرفية فلا يكون شي‌ء منها زائداً على ثلاثين سنة عرفية ، ولا ناقصاً عنه أصلاً. وإنّما يحكم بالزيادة والنقصان إذا كان خارجاً عن الحدّين وليس فليس. فضميرا لا يزيد ولا ينقص على ذلك إمّا راجعان إلى ثلاثين سنة أو إلى الوصيّ ، نظير قوله تعالى (لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٣).

ويمكن أن يقال : إن المراد عدم الزيادة والنقصان في قدر ما قدّره الله تعالى من تلك المصداقات ؛ لكونه أمراً محتوماً لا يجري فيه [البداء (٤)] والمحو والإثبات ، فيمكن أن يكون الضميران راجعين حينئذٍ إلى الله تعالى. وبعبارة اخرى : ال ثلاثون مبنيّ على التخمين والتقريب كما عرفت. وقوله لا يزيد استئناف لبيان أن الموعد الذي وعد عليه‌السلام لا يتخلّف ، ويعلمه بحيث لا يزيد ولا ينقص يوماً.

وقرأ بعض الفضلاء الفعلين بصيغة الخطاب من بناء المتعدّي ، وقال : (المقصود : أنك رأيت ثلاثين سنة في كتاب هارون ، فتتوهّم أنه لا كسر فيها وليس كذلك ، بل هو مبنيّ على إتمام الكسر ، فإن بين الوفاتين تسعاً وعشرين سنة وستة أشهر وأحد عشر يوماً) ..).

ثمّ قال : (ويحتمل كون الفعلين من الغائب المجرد ، وكون الضميرين لكتاب

__________________

(١) من المصدر ، وفي المخطوط : (فبين الوفاتين أكثر من خمسة أشهر قمرية. قال المجلسي).

(٢) مرآة العقول ٦ : ٢٢٠.

(٣) الأعراف : ٣٤.

(٤) في المخطوط : (البدء).

٥٥

هارون ، لكن الأنسب حينئذٍ الماضي ، والأظهر أحد ما ذكرنا من الوجهين) ..) (١). إلى هنا كلام المجلسي قدس‌سره في حاشية (أُصول الكافي).

وأقول والله المستعان ـ : لا يخفى بُعدُ ما ذكره في الغاية :

أمّا أولاً ، فقوله : (المراد : السنون القمرية وأنّها تامّة بحسب العرف) ، إنْ أراد عرف أهل الحساب كما هو ظاهر سياق كلامه فممنوع ؛ لأنّ إلغاء الكسر عندهم لم يعهد في عداد السنين ، بل ذلك في عداد الدقائق بالنسبة إلى الساعات وفي عداد الأيام بالنسبة إلى الشهور خاصة كما يظهر بالتتبّع ، أمّا السنون بالنسبة إلى الشهور خصوصاً مثل هذا الكسر الكثير الفاحش ـ [فممنوع] ، وإن أراد عرف اللغة فمنعه أظهر.

على أن قوله عليه‌السلام لا يزيد يوماً ولا ينقص يوماً يدفع هذا الاحتمال ؛ إذ لو بناه على العرف لما قيّده بذلك ؛ لظهور منافاته له.

وأمّا ثانياً ، فلأنّ إمكان عدم الزيادة والنقصان فيما قدّره الله للإمام من الأجل المحتوم فظاهرٌ أنه لا يطابق السؤال ، بل ليس فيه جواب للسائل المستدلّ على إمامته بمطابقة ما عنده لجوابه أصلاً ، مع أن قوله عليه‌السلام لا يزيد يوماً إلى آخره نصّ في نفي كونه مبنيّاً على التخمين والتقريب ، على أن التخمين لا ينطق عنه من لا ينطق عن الهوى. وكون لا يزيد ولا ينقص استئنافاً يخالف ظاهر الحديث ، وليس فيه قرينة تدلّ عليه ، ولا حرف إضراب. هذا ، مع أنه على هذا فيه نوع إلباس على السائل المسترشد ، وليس في كلام المعصوم إلباس ولا ظنّ ولا تخمين ولا مجازفة ولا مماشاة ، فإنّ في الحقّ سعةً وغنى عن الباطل. بل صريح الحديث أن لا تزيد ولا تنقص صفة لثلاثين.

وما نقله عن بعض الفضلاء مثله في الضعف ؛ إذ ليس في الحديث إشعار به بوجه أصلاً ، بل هو أبعد عن لفظه (٢) ممّا بين المشرقين. وإنّما غرض السائل أن يستعلم هل أمير المؤمنين عليه‌السلام يعلم ما في (التوراة) من ذلك أم لا؟ فالجواب لا يكون إلّا طبق

__________________

(١) مرآة العقول ٦ : ٢٢٠ ٢٢١.

(٢) بأبعد. (هامش المخطوط).

٥٦

السؤال فلا يحتمل غيره ، مع أن ما بناه على إرادة إكمال المنكسرة بمثل تلك المدّة. وتسميتها سنة فيه ما عرفت.

ويمكن أن يقال : إن صورة ما في (التوراة) أن وصيّ محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله يعيش بعده ثلاثين سنة لا تزيد يوماً ولا تنقص يوماً ، فأخبره بطبق ما علم من حكم (التوراة) ؛ وبذلك صدّقه وآمن به. وكان ما في (التوراة) ممّا لله فيه البداء ثمّ بدا له عزّ اسمه في إنقاصها عقوبة لأهل زمانه أو غير ذلك من الحكم ، فلا منافاة بين إخباره بأنّ في (التوراة) كذا وبين ما وقع من النقص بسرّ البداء. ويمكن أن يريد بها : سنين غيبيّة عددها ثلاثون لا تزيد ولا تنقص ، ويمكن أنه أراد : أن وصيّه يعيش بعده ثلاثين سنة في أحد كرّاته ورجعاته من سنيّ ذلك المقام لا تزيد يوماً ولا تنقص يوماً من أيام ذلك المقام. والله العالم بمقاصد أوليائه.

٥٧
٥٨

الفصل الثالث

في ميلاد البضعة الطاهرة

سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها‌السلام ووفاتها

قال الكلينيّ رحمه‌الله : (ولدت فاطمة عليها‌السلام بعد مبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بخمس سنين ، وتوفّيت عليها‌السلام ولها ثماني عشرة سنة وخمسة وسبعون يوماً ، بقيت بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً) (١) ، انتهى.

وأقول : ظاهر هذه العبارة غريب نادر شاذّ ، بل لم نعلم قائلاً بمقتضاه ؛ لأنه يقتضي أن مولد الزهراء عليها‌السلام كان يوم الثامن والعشرين من صفر ؛ لأنه حكم بأن لها من العمر ثماني عشرة سنة وخمسة وسبعين يوماً ، وبقيت بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً ، فتكون الخمسة والسبعون التي بقيتها بعد أبيها هي الخمسة والسبعين الزائدة على الثماني عشرة السنة. وهذا بظاهره لم يقل به أحد. ولعلّه أراد التعبير بما رواه هو رحمه‌الله عن حبيب السجستانيّ قال : سمعت أبا جعفر يقول ولدت فاطمة بنت محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد مبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بخمس سنين ، وتوفّيت ولها ثماني عشرة سنة ، وخمسة وسبعون يوماً (٢) ، وغلط قلمه أو الناسخ بما سمعت. ولكن الحديث ليس فيه أنها توفّيت بعد أبيها بخمسة وسبعين يوماً ، فلا إشكال. ولما قلناه لم يزد المجلسي في شرح هذه العبارة

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٥٨.

(٢) الكافي ١ : ٤٥٧ / ١٠.

٥٩

على أن قال : (هذا موافق لرواية السجستاني) (١).

ثمّ أخذ في ذكر الخلاف في موتها ومولدها ومدّة عمرها ، وقد غفل عمّا قلناه ، فإنّ الرواية إنّما تدلّ على بعض العبارة دون بعض. ومقتضى العبارة العمل بحديث السجستانيّ وما دلّ من الأخبار على أنها عاشت بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً ، وفيه ما عرفت. والعمل بهما يستلزم العمل بما لم يقل به أحد من الخاصّة والعامّة من أن يوم مولدها العميم البركة [الثامن والعشرين من (٢)] صفر. وإنّما يجتمع خبر السجستانيّ مع بعض ما دلّ على أن موتها بعد أبيها بأكثر من خمسة وسبعين يوماً أو أقلّ.

وقال الطبرسيّ في (إعلام الورى) : (الأظهر في روايات أصحابنا أنّها ولدت سنة خمس من المبعث بمكّة في العشرين من جمادى الآخرة ، وقبض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ولها ثماني عشرة سنة ، وسبعة أشهر. وعن جابر بن يزيد قال : سئل الباقر عليه‌السلام : كم عاشت فاطمة عليها‌السلام بعد أبيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال أربعة أشهر ، وتوفّيت ولها ثلاث وعشرون سنة.

وهذا قريب ممّا روته العامة أنّها ولدت سنة إحدى وأربعين من مولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيكون بعد المبعث بسنة) (٣) ، انتهى.

وقال الشيخ عبد الله بن صالح : (ولدت بمكّة بعد المبعث بخمس سنين كما ذكره الكلينيّ (٤) ، والشهيد في (الدروس) (٥) ، وقيل : بعد المبعث بسنتين (٦) ، وفي روايات العامة بعد المبعث بخمس سنين باليوم العشرين من جمادى الآخرة كما اعتمده الشيخ في (المصباح) (٧) والمجلسيّ في (زاد المعاد) (٨) وذكر أنه رواه الشيخ الجليل محمّد بن جرير الطبريّ في (دلائل الإمامة) (٩) بسند معتبر عن الصادق عليه‌السلام) ، انتهى.

وقال الشيخ رحمه‌الله في (المصباح) : (جمادى الآخرة. الثالث فيه كانت وفاة فاطمة

__________________

(١) مرآة العقول ٥ : ٣١٢.

(٢) في المخطوط : (ثامن وعشرون).

(٣) إعلام الورى بأعلام الهدى : ١٥٤.

(٤) الكافي ١ : ٤٥٨.

(٥) الدروس ٢ : ٦.

(٦) مصباح المتهجّد : ٧٣٣ (حجريّ).

(٧) مصباح المتهجد : ٧٣٣.

(٨) زاد المعاد : ٤٥٦ (حجري فارسيّ).

(٩) دلائل الإمامة : ١٤٣ / ٤٣ ٤٤.

٦٠