رسائل آل طوق القطيفي - ج ٤

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٩

فائدتان

الاولى : في مبدأ التاريخ وزمانه

وجدت في بعض الكتب ولا أعرف مؤلّفه ما لفظه : (ولد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سنة اثنتين وستّين وثمانمائة من تاريخ الإسكندر).

ووجدت أيضاً في (مختصر تاريخ الطبريّ) لابن العميد ما لفظه : (ولد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الاثنين لثمانٍ خلون من ربيع الأوّل ، يوافقه من شهور الروم الثاني والعشرون من نيسان سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة للإسكندر ذي القرنين).

ثمّ قال في آخر الترجمة : (فتحرّر أن وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله كان لانقضاء ستة آلاف سنة ومائة وثلاثة وعشرين سنة وأربعة أشهر شمسية).

والظاهر أنه أراد من آدم أبي البشر.

ثمّ قال : (ومدّة الهجرة [بالسنين القمريّة] (١) عشر سنين وأحد وسبعون يوماً ، عنها [بالشمسيّة] (٢) تسع سنين وأحد عشر شهراً غير يوم واحد ؛ لأن أوّل الهجرة كان يوم الخميس وآخر مدة حياته صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الاثنين ، عنها ثلاثة آلاف وستمائة وسبعة عشر يوماً. وملك شيرويه في السنة السابعة للهجرة وهي الثامنة عشرة لهرقل ، وهي أربعون وتسعمائة للإسكندر) ، انتهى.

وروى بعض مشايخ العامّة عن عبد الله بن قتيبة في كتاب (المعارف) (٣) أن آدم عليه‌السلام عاش ألف سنة ، وكان بين موته والطوفان ألفا سنة ومائتا سنة واثنان وأربعون سنة ، وبين الطوفان وموت نوح عليه‌السلام ثلاثمائة وستّون سنة ، وبين نوح وإبراهيم عليهما‌السلام ألفا سنة وأربعون سنة ، وبين إبراهيم وموسى عليهما‌السلام تسعمائة سنة ، وبين موسى وداود عليهما‌السلام خمسمائة سنة ، وبين داود وعيسى عليهما‌السلام ألف سنة ومائتا سنة ، وبين

__________________

(١) في المخطوط : (سنين قمريّة).

(٢) في المخطوط : (شمسيّة).

(٣) المعارف : ٣٣ ٣٤.

٢١

عيسى عليه‌السلام ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ستمائة سنة وعشرون سنة ، فكان من عهد آدم إلى محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله سبعة آلاف سنة وستمائة سنة واثنتان وستّون.

ورأيت بخطّ بعض الأُدباء نقلاً عن ابن عربي ما صورته :

(فائدة في ذكر الاختلاف فيما مضى من الزمان :

ما بين مدّة آدم عليه‌السلام إلى نبيّنا محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة آلاف سنة وخمسمائة وسبعون سنة : من آدم إلى نوح عليهما‌السلام ألف ومائتا سنة ، ومن نوح إلى إبراهيم عليهما‌السلام ألف ومائتا سنة ، ومن إبراهيم إلى موسى عليهما‌السلام خمسمائة سنة وخمس وسبعون سنة ، ومن موسى إلى داود عليهما‌السلام ألف ومائة وتسع وسبعون سنة ، ومن داود إلى عيسى عليه‌السلام ألف وثلاثمائة وخمس وستّون سنة ، ومن عيسى عليه‌السلام إلى نبيّنا محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ستّمائة سنة.

وفي قول ابن منبّه : خمسة آلاف وستّمائة سنة تاريخ مجوس الفرس ، من ذلك أربعة آلاف ومائة واثنتان وثمانون سنة وعشرة أشهر وتسعة عشر يوماً تاريخ أصحاب الزيجات في ذلك. والتاريخ عندهم الّذي يصحّ في دعواهم بالبرهان ، من الطوفان ، فقالوا : من أوّل الطوفان إلى أول يوم من الهجرة ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمس وعشرون سنة فارسيّة ، وثلاثمائة وتسع وأربعون يوماً ، تاريخ اليهود في ذلك أربعة آلاف وستّمائة واثنتان وأربعون سنة ، [و] تاريخ اليونان من النصارى خمسةُ آلاف وسبعمائة واثنتان وسبعون سنة وأشهر.

وذكر المؤرّخون أن عمر آدم عليه‌السلام ألف سنة. وقيل : ألف إلّا سبعين عاما. وقيل : ثمانمائة سنة.

وأوّل التاريخ كان من هبوط آدم عليه‌السلام ثمّ ببعثة نوح عليه‌السلام ، ثمّ بالطوفان ، ثمّ بنار إبراهيم عليه‌السلام. وقد ارّخ بموت آدم عليه‌السلام ، ثمّ ببعثة إدريس عليه‌السلام ، ثمّ أرّخ بنو إسحاق بن إبراهيم بنار إبراهيم عليه‌السلام إلى يوسف عليه‌السلام ، ومن يوسف عليه‌السلام أرّخوا إلى بعثة موسى عليه‌السلام ، وأرّخوا من بعثة موسى عليه‌السلام إلى ملك داود وسليمان عليهما‌السلام ، ثمّ أرخوا بما كان من

٢٢

الكوائن. وكان منهم من أرّخ [بوفاة (١)] يعقوب ، ثمّ بخروج موسى من مصر ببني إسرائيل ، ثمّ بخراب بيت المقدس.

وأمّا بنو إسماعيل فقد ارّخوا ببناء الكعبة. وقد أرّخوا [بكلّ (٢)] قوم [يخرجون (٣)] من تهامة ، وقد أرّخوا بعام الفيل وبيوم الفجار (٤).

وكانت بنو معدّ بن عدنان تؤرّخ بغلبة جرهم العماليق وإخراجهم إيّاهم من الحرم ، ثمّ أرّخوا لأيّام الحروب كحرب أبناء وائل وهو حرب البسوس (٥) ، وكحرب داحس (٦).

و [كانت (٧)] حمير وكهلان تؤرّخ بملوكها السابقة ، وأرّخوا بنار ضرار الّتي خربت بعض اليمن ، وأرّخوا بسيل العرم ، وأرّخوا بظهور الحبشة على اليمن. وقد أرّخت الأُمم الماضية قبل إبراهيم عليه‌السلام بهلاك عاد بالريح.

وأمّا الروم واليونان فتؤرّخ بظهور الإسكندر ، وأرّخت القبط بمُلك بخت‌نصر ، ثمّ بمُلك زقلط يانوس القبطي ، وقالوا : إنه تاريخه إلى الآن.

وأرّخت المجوس بآدم عليه‌السلام ثمّ أرّخت بقتل دارا وبقتل الإسكندر ، ثمّ بظهور أردشير ، ثمّ بملك يزدجرد.

وما زال التاريخ في العرب من عام الفيل إلى خلافة عمر بن الخطاب. فتقرّر

__________________

(١) في المخطوط : (بفوات).

(٢) في المخطوط : (لكل).

(٣) في المخطوط : (يخرجوا).

(٤) وهي حروب نشبت بين كنانة وقيس ، وقد سميت الفجار ؛ لأنها كانت في الأشهر الحرم ، التي يحرّمونها ، ففجروا فيها. وهي فجاران : الفجار الأول : ثلاثة أيّام ، والفجار الثاني : خمسة أيّام. وقد حضرها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مع أعمامه يوم عكاظ ، وكان يناولهم النبل. انتهت سنة (٥٨٩) هـ. انظر : الأغاني ٢٢ : ٥٤ ٥٧ ، الكامل في التاريخ ١ : ٦٧٦ ، ٦٧٨ ٦٨٠.

(٥) وهي حرب نشبت بين بكر وتغلب بسبب ناقة. والبسوس هي التي أججت اوار الحرب. انظر الكامل في التاريخ ١ : ٥٢٣ ٥٣٩.

(٦) وهي حرب بين عبس وذبيان ، وداحس والغبراء فرسان أصيلان. انظر الكامل في التاريخ ١ : ٥٦٦ ٥٨٣.

(٧) في المخطوط : (كان).

٢٣

الأمر أن يؤرّخوا بهجرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجعلوا التاريخ في المحرّم أوّل عام الهجرة) ، انتهى.

الثانية : في أسماء الشهور والأيام ومبدئها

وتشتمل على تنبيهين :

الأوّل : في أسماء الشهور العربية وغير العربية

السنة إمّا عربيّة وأسماء شهورها مشهورة ، مبدؤها المحرّم باعتبار المعاملات والتمدّن أو في هذا العام (١) ، أو شهر رمضان باعتبار العبادات أو بحكم الدور الأوّل.

وإمّا فارسيّة ، وشهورها أيضاً مشهورة ، أَوّلها الحمل ، ثمّ الثور ، ثمّ الجوزاء ، ثمّ السرطان ، ثمّ الأسد ، ثمّ السنبلة ، ثمّ الميزان ، ثمّ العقرب ، ثمّ القوس ، ثمّ الجدي ، ثمّ الدلو ، ثمّ الحوت.

وهذه هي السنة الشمسيّة كما أن الاولى هي القمريّة سمّيت بأسماء البروج التي تحلّها الشمس في كلّ شهر منها ، فالحمل ثلاثون يوماً ونصف يوم ، والثور أحد وثلاثون يوماً ، والجوزاء اثنان وثلاثون يوماً ، ومثلها السرطان ، والأسد أحد وثلاثون يوماً ، والسنبلة مثل الحمل ، والميزان ثلاثون يوماً ، ومثله العقرب ، والقوس تسعة وعشرون يوماً ، ومثله الجدي ، والدلو ثلاثون يوماً ومثله الحوت.

هذا ما قرّره الحكيم سرجس في تعريب كتاب (الفلاحة الروميّة) تأليف الحكيم قَسطوس الرومي. وهو غير بعيد من الصواب.

وقال صاحب كتاب (مطالع الأنوار وطوالع الآثار) : (التاريخ القبطيّ أشهره اثنا عشر. شهره ثلاثون يوماً. وأوّل يومه من وقت الزوال. وأسماء شهوره : (توت ، بابه ، هانور ، كيهك ، طوبة ، امسير ، برمهات ، برمودة ، يشنش ، يونه ، أبيب ، مسري).

__________________

(١) كذا في المخطوط.

٢٤

ثمّ تزاد خمسة أيام في البسيطة تسمى (أيام النسي‌ء). فأيّام البسيطة ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً وربع يوم ، والكبيسة ثلاثمائة وستة وستون يوماً. وهو متقدّم على التاريخ القمري بمدّة لبث أهل الكهف).

وقال سرجس بن هلبا الروميّ في تعريب كتاب (الفلاحة الروميّة) تأليف الحكيم قسطوس الروميّ ـ : (قال قسطوس : السنة عند اليونانيين والروم هي المدّة التي تكمل فيها التغيرات الهوائية كالحرّ والبرد ، واختلاف الليل والنهار في الطول والقصر ، وأحوال النبات والأثمار وغير ذلك. وهذه المدّة تشتمل على ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً وربع يوم. وهذا الكسر يُلغى إلى أن يجتمع منه يوم تامّ فيزيدونه في أيّام السنة الرابعة ، فتصير أيّامها ثلاثمائة وستّة وستين يوماً ، وتلك سنة كبيسة.

وهذه الأيام تحيط باثني عشر شهراً أوّلها عند اليونانيين وقدماء الروم (أوقطوطيوس) ويسمّى بالسريانيّة تشرين الأوّل ، وعدد أيّامه أحد وثلاثون يوماً.

ثمّ (توامبريوس) ويسمّى بالسريانية تشرين الثاني ، وعدده ثلاثون يوماً.

ثمّ (دام ميركوس) ويسمّى بالسريانيّة كانون الأوّل ، وعدده أحد وثلاثون يوماً.

ثمّ (تنواريوس) ويسمّى بالسريانية كانون الثاني ، وعدده أحد وثلاثون يوماً.

ثمّ (فبرهيروارس) ويسمّى بالسريانيّة شباط ، وعدده ثمانية وعشرون يوماً إن لم تكن السنة كبيسة ، فإن كانت فتسعة وعشرون يوماً.

ثمّ (مارطيوس) ويسمّى بالسريانيّة آذار ، وعدده أحد وثلاثون يوماً.

ثمّ (أرمنالوس) وهذا بالسريانيّة نيسان ، وعدده ثلاثون يوماً.

ثمّ (مأنوس) وهو بالسريانيّة أيّار ، وعدده أحد وثلاثون يوماً.

ثمّ (أون يوس) وهو بالسريانيّة حزيران ، وعدده ثلاثون يوماً.

ثمّ (اوليوس) وهو بالسريانيّة تمّوز وعدده أحد وثلاثون يوماً.

ثمّ (أغسطس) وهو بالسريانيّة آب ، وعدده أحدٌ وثلاثون يوماً.

ثمّ (سبطنبرس) وهو بالسريانيّة أيلول ، وعدده ثلاثون يوماً.

٢٥

وأما الروم المتأخّرون فأوّل شهور السنة عندهم (تنواريوس) ثمّ (فبرهيروارس) ثمّ الشهور الباقية ، فيكون آخر شهورهم (دامبركوس) ، وهو في التي ليست كبيسية أحد وثلاثون يوماً. وفي الكبيسية اثنان وثلاثون يوماً. فبهذين الأمرين فقط تخالف السنة اليونانية وهي سنة القدماء من الروم السنة الروميّة عند المتأخّرين ، وذلك في المبدأ وفي موضع الكبس) ، انتهى.

وقال بعض علماء الحرمين في رسالة له الظاهر أنه لخّصها من الخطّابيّة ـ : (التاريخ القبطي لملك من ملوك القبط بمصر ويسمى دقلطيانوس الأنطاكي قاتل الشهداء. وابتداؤه قبل الهجرة بثلاثمائة وثمانٍ وثلاثين سنة قبطية إلّا خمسة وثلاثين يوماً على الصحيح. وأوّل سنة منه أوّلها أي أول (توت) يوم الجمعة ، وقيل : الخميس. والسنون القبطيّة يقال لها : شمسيّة ، وأيام السنة البسيطة ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً ، والكبيسيّة ثلاثمائة وستة وستون يوماً. وشهورها اثنا عشر ، كلّ شهر ثلاثون يوماً ، وهي : (توت ، بابة ، هتور ، كيهك ، طوبة ، امشير ، برمهات ، برمودة ، بشيس ، بونه ، أبيب ، مسري) (١).

ثمّ بعد انقضاء الشهر الثاني عشر وهو (مسري) يعدّون خمسة أيّام للسنة البسيطة وستة للكبيسة ، ويسمّونها : أيام النسي‌ء) ، انتهى.

ورأيت بخطّ بعض الأُدباء ما صورته : (تاريخ الروم مبدؤه على المشهور بعد مضيّ اثنتي عشرة سنة من وفاة الإسكندر بن فيلقوس الروميّ المعروف بذي القرنين. وتاريخ الفرس ويسمى اليزدجرديّ وشهورهم هذه (فروردين ، أرزهشت ، قرداد ، تير ، مرداد ، شهريور ، مهر ، آبان ، آذر ، دي ، بهمن ، اسفندارمد) (٢). وأيّام كلّ شهر ثلاثون ، ويزيد بعض في آخر إسفندارمذ خمسة أيّام ، وتسمّى

__________________

(١) انظر الصفحة : ٢٤ لمعرفة أسماء أشهرهم.

(٢) كذا ورد عدّها في المخطوط ، والمعروف أنها : فروردين ، ارديبهشت ، خرداد ، تير ، مرداد ، شهريور ، مهر ، آبان ، آذر ، دي ، بهمن ، اسفند.

٢٦

(الخميسة المسترقة). وتاريخهم أول سلطنة يزدجرد بن شهريار بن كسرى آخر ملوك العجم). نقلته من (رسالة في التقويم).

وأمّا التاريخ الجلاليّ فأسماء شهوره هي أسماء شهور الفرس بعينها ، وللفرق يقيّدون الأوّل بالفرس أو القديم أو اليزدجرديّ ، والثاني بالجلاليّ والملك شاهيّ. وعدّ أيّامها أيضاً ثلاثون ثلاثون ، ويزيدون الخمسة المسترقة في آخر السنة بالاتّفاق ، فتلك السنة أيضاً شمسيّة. وفي كلّ أربع أو خمس سنين يزاد في آخر الخمسة يوم [وهي (١)] الكبيسة ، ولا يعتبرونها في هذا الزمان في الفرس. ويوم أوّل سنته يعني أوّل فروردين تكون الشمس في انتصاف نهاره في أوّل درجة من الحمل ، ويسمونه بالنيروز السلطانيّ ، ومبدؤه من عهد السلطان جلال الدين ملك شاه السلجوقيّ.

ووجدت في بعض تواريخ مصر : (كانت أسماء شهور القبط في الزمن القديم (توت ، بوني ، اثور ، شوافه ، طوبى ، ماكير ، نائينون ، برموئي ، ناخون ، باوني ، أقيفي ، أبيقا). وكلّ شهر منها ثلاثون يوماً ، ولكلّ يوم اسم يخصّه ، ثمّ أخذت الأقباط بعد استعمالهم للكبس الأسماء التي هي اليوم متداولة بمصر : (توت ، بابه ، هانزر ، كيهك ، طوبة ، أمشير ، برمهات ، برموده ، بشنس ، بونه ، أبيب ، مسري) (٢). ومن الناس من يسمي الخمسة الأيام الزائدة : (أيام النسي‌ء) ، وبعض القبط يسميها (أبوعا) ومعناه : الشهر الصغير. والقبط تزعم أن شهورهم شهور سنيِّ نوح وشيث وآدم عليهم‌السلام. وهي من مبدأ العالم ، وأنّها لم تزل على ذلك إلى أن خرج موسى بن عمران عليه‌السلام ببني إسرائيل من مصر ، فعملوا أوّل سنتهم من خامس عشر نيسان من شهور الروم.

وقال محمّد بن فارس : (أسماء شهور العجم : الأول (ينير) أحد وثلاثون يوماً ، (فبرين) ثمانية وعشرون يوماً ، (مارس) أحد وثلاثون يوماً ، (أبريل) ثلاثون يوماً (٣) ،

__________________

(١) في المخطوط : (هو).

(٢) انظر الصفحتين : ٢٤ ، ٢٦ لمعرفة أسماء أشهرهم.

(٣) لم يُذكر في المخطوط الشهر الخامس.

٢٧

(يونيه) أحد وثلاثون يوماً ، (يوليه) (١) ، (اغست) ثلاثون يوماً (٢) ، (أكتوبر) ثلاثون يوماً ، (نوفمبر) ثلاثون ، يوماً (دجنبر) وهو كانون الأوّل أحد وثلاثون يوماً وربع ، ففي كلّ أربع سنين يجتمع من الربع يوم فيكون (دجنبر) اثنين وثلاثين يوماً وتسمّى السنة كبيسة.

أسماء [الشهور (٣)] الروميّة : تشرين الأوّل ، تشرين الآخر ، كانون الأوّل ، كانون الآخر ، شباط ، آذار ، نيسان ، أيّار ، حزيران ، تموز ، آب ، أيلول.

أسماء شهور الفرس : أولها افروردين ماه ، ارديبهشت ماه ، خرداد ماه ، تير ماه ، مرداد ماه ، [شهريور (٤)] ماه ، آبان ماه ، آذر ماه ، دي ماه ، بهمن ماه ، اسفندارمد ماه.

التنبيه الثاني : في أسماء الأيّام

قال محمّد بن فارس : أسماء الأيّام في الجاهليّة : الأحد (أوّل) ، الاثنين (أهون) ، الثلاثاء (جَبار) ، الأربعاء (دبار) ، الخميس (مؤنس) ، الجمعة (عروبة) ، والسبت (شيار).

قال الشاعر :

أرجي أن أعيش وأن يومي

بأوّل أو بأهون أو جُبار

أو المردي (٥) دُبارِ فإن أفُته

فمؤنِس أو عروبةِ أو شِيارِ (٦)

وأسماء ساعات النهار عند العرب : الاولى (الشروق) ، ثمّ (الراد) ، ثمّ (المتوع) ، ثمّ (الرجل) ، ثمّ (المعة) ، ثمّ (الزوال) ، ثمّ (الظهر) ، ثمّ (الجنوح) ، ثمّ (الإبراد) ، ثمّ (العصر) ، ثمّ (الأصيل) ، ثمّ (الطفل).

__________________

(١) لم يُذكر في المخطوط عدد أيّامه.

(٢) لم يذكر في المخطوط الشهر التاسع.

(٣) في المخطوط : (شهور).

(٤) في المخطوط : (شهرير).

(٥) في المصدر : (التالي).

(٦) لسان العرب ٩ : ١١٨ عرب ، وفيه : (أُؤمّل) بدل : (ارجّي).

٢٨

وأسماء ساعات الليل : الاولى (الغسق) ، ثمّ (الفحمة) ، ثمّ (العشوة) ، ثمّ (الهداة) ، ثمّ (السواع) ، ثمّ (الجنح) ، ثمّ (المريع) ، ثمّ [.. (١)] ، ثمّ (البهرة) ، ثمّ (الهزيع) ، ثمّ (الزلفة) ، ثمّ (السحر).

وأسماء الشهور : [المحرّم (٢)] إلى آخرها ، وهي معلومة.

وكلّ ثلاث ليالٍ من الشهر لها اسم : ثلاث [غرر (٣)] ، وثلاث [نفل (٤)] ، وثلاث (شهب) ، وثلاث (تسع) ، ويقال : (بهر) ، وثلاث (عشر) ، وثلاث (بيض) ، ويقال : (زهر) ، ثلاث (درع) ، ويقال : (حنادس) ، ويقال : (فحم) ، وثلاث (دآدئ) ، وثلاث (محاق). ويقال لليلة ثمانٍ (٥) والعشرين : (الدعجاء) ، ولليلة تسع وعشرين : (الدهماء) ، ولليلة الثلاثين : (الليلاء).

وقال الصفديّ في (شرح اللامية) : (الضحى : شروق الشمس بعد طلوعها ، والراد : ارتفاعها. وقد سمّت العرب ساعات النهار [بأسماء (٦)] : الاولى الذرور ، ثمّ البزوغ ، ثمّ الضحى ، ثمّ الغزالة ، ثمّ الهاجرة ، ثمّ الزوال ، ثمّ الدلوك ، ثمّ العصر ، ثمّ الأصيل ، ثمّ الصبوب ، ثمّ الحدور ، ثمّ الغروب. ويقال أيضاً : البكور ، ثمّ الشروق ، ثمّ الإشراق ، ثمّ الراد ، ثمّ الضحى ، ثمّ المتوع ، ثمّ الزوال ، ثمّ الهاجرة ، ثمّ الأصيل ، ثمّ الطفل ، ثمّ الغروب) (٧).

وقد سمّت العرب أيضاً ساعات النهار بأسماء ، فمن طلوع الشمس إلى طلوع الفجر : البكور ثمّ الشروق ، ثمّ الراد بمهملتين ثمّ الضحى ، ثمّ المتوع ، ثمّ الظهر ، ثمّ الزوال ، ثمّ الأصيل ، ثمّ العصر ، ثمّ الطفَل بفتحتين وطاء مهملة ثمّ الحدور ، ثمّ الغروب. انتهى.

__________________

(١) بياض في المخطوط.

(٢) في المخطوط : (محرّم).

(٣) في المخطوط : (غر).

(٤) في المخطوط : (نصل).

(٥) في المخطوط : (الثمانية).

(٦) من المصدر ، وفي المخطوط : (أسماء).

(٧) الغيث المسجم في شرح لاميّة العجم ١ : ٨٨.

٢٩

وفي (حواشي الكفعميّ) نقلاً من كتاب (الغرّة) للطبرسي : (العرب تسمّي الأحد الأوّل ، والاثنين الأهون).

إلى آخر ما ذكر ، ثمّ قال : (والعرب تسمّي المحرّم (مؤتمراً) ، وصفراً (ناجراً) ؛ من النجر وهو : شدّة [الحر (١)] وربيع الأوّل (خوّاناً) ، وربيع الثاني (صوّاناً) من الصيانة وجمادى الاولى (الريا) (٢) وهي الداهية الكبيرة ؛ لما فيه من كثرة القتال وجمادى [الآخرة (٣)] (البائد) ؛ لكثرة القتال فيه ، ورجباً (الأصمّ) ؛ لكفّهم عن القتال فيه ، وشعبان : (واغلاً) وهو الداخل على قوم لم يدعوه ؛ لهجومه على شهر رمضان ورمضان [ناطلاً (٤)] وهو كوز يكال به الخمر وشوّالاً (عاذلاً) ؛ من العذل ؛ لأنه من أشهر الحجّ ، وذا القعدة : (رنة) ؛ لأنّ الأنعام ترنّ فيه لقرب النحر ، وذا الحجة (بركاً) ؛ لبروك الإبل للنحر فيه) (٥).

وفيه أيضاً : (يجمع الأحَد على آحاد ، من أدنى العدد إلى العشرة ، تقول : ثلاثة آحاد ، فإذا جاوزت العشرة قلت : احود. وأمّا الاثنين فهما مثنيات كرجلين ؛ فلا يثنّيان ولا يجمعان. فإذا أردت تثنيتهما ثنيت اليوم ، فقلت : هذان يوما الاثنين ومضى يوما الاثنين ، ولا يجوز مضى الاثنان. فإذا جمعت ، قلت : مضت أيّام الاثنين. وعن بعض بني أسد : مضت [أثنا كثير (٦)]. وأجاز بعضهم جمعه على أثانين. وجمع الثلاثاء والأربعاء : [ثلاثاوات (٧)] وأربعاوات ، والخميس : أخمسة. وإذا جمعت الجمعة لأدنى العدد كانت بالتاء تقول : ثلاث جمعات ، وإن شئت قلت : ثلاث جمع ، فإذا جاوزت العشرة كانت بالهاء ، تقول : [ثلاث عشرة (٨)] جمعة. ذكره ابن ماسويه في كتابه.

__________________

(١) من المصدر ، وفي المخطوط (الجيش).

(٢) في المصدر : (الزنا).

(٣) من المصدر ، وفي المخطوط : (الثانية).

(٤) من المصدر ، وفي المخطوط : (ناظلة).

(٥) المصباح : ٦٨٢ ، وفيه : (كتاب الغرّ البلوى) بدل : (الغرّة).

(٦) من المصدر ، وفي المخطوط : (أثناء كثيرة).

(٧) من المصدر ، وفي المخطوط : (ثلاثاوات).

(٨) في المخطوط : (ثلاثة عشر).

٣٠

ورأيت في بعض كتب الأدب ولا يحضرني اسم مؤلّفه ما صورته (الغفر : اسم ساعة من ساعات الليل في بعض النسخ بالعين المهملة والفاء ، وفي بعضها بالمعجمة وعلى التقادير : آخره (راء) مهملة ، وفي بعضها الفغد بالفاء ثمّ الغين المعجمة ، وفي بعضها : بالفاء ثمّ القاف ، وفي بعضها : بالنون ثمّ القاف وعلى التقادير : آخره دال مهملة. قال بعضهم : ولم أجد لشي‌ء منها معنًى مناسباً) ..) (١).

قلت : للأوّل منها معنى مناسب ، بأن يراد بها وقت السحر ، وهو : السدس الأخير من الليل ، كما نصّ عليه النظّام في (تفسيره) ؛ فإنّه وقت الاستغفار والمغفرة ، أو مجموع الثلث الأخير منه ؛ فإنّه كذلك.

ثمّ قال : وفي (القاموس) : اليعفور : جزء من أجزاء الليل (٢). وفيه : الزلفة بالضم ـ : الطائفة من الليل ، والجمع كغُرَف وغُرُفات وعَرَفات ، أو الزلف : ساعات الليل الآخذة من النهار ، وساعات النهار الآخذة من الليل (٣).

وقال الجوهري : (الزلفة : الطائفة من أوّل الليل) (٤).

وقال : (السحر : قبل الصبح ، والسّحرة بالضم ـ : السحر الأعلى) (٥).

وقال الراغب : (السحر والسحرة : اختلاط ظلام آخر الليل بضياء النهار ، وجعل اسماً لذلك الوقت ، يقال : لقيته بأعلى [السحرين (٦)]) (٧).

وفي (القاموس) : (ابهارّ الليل : انتصف ، أو تراكمت ظلمته ، أو ذهبت عامّته ، أو بقي نحو ثلثه. والبهرة بالضم من الليل : وسطه) (٨).

وقال : (رائد الضحى ورأدُه : ارتفاعه) (٩).

وقال : (الشرق : الشمس ويحرّك وإسفارها ، وشرقت الشمس شرقاً وشروقاً

__________________

(١) المصباح : ٦٨٢.

(٢) القاموس المحيط ٢ : ١٣١ الغفر.

(٣) القاموس المحيط ٣ : ٢١٧ الزلف.

(٤) الصحاح ٤ : ١٣٧٠ زلف.

(٥) الصحاح ٢ : ٦٧٨ ٦٧٩ سحر.

(٦) من المصدر ، وفي المخطوط : (سحرين).

(٧) مفردات ألفاظ القرآن : ٤٠١ سحر.

(٨) القاموس المحيط ١ : ٧٠٨ البهر.

(٩) القاموس المحيط ١ : ٥٦٩ الراد.

٣١

طلعت كأشرقت) (١).

وقال : (متع النهار كمنع ارتفع قبل الزوال ، والضحى بلغ آخر غايته وهو عند الضحى الأكبر) (٢).

وقال : (تَرَجّلَ النهار : ارتفع) (٣).

وقال : (دلكت الشمس دلوكاً : غربت أو اصفرّت ، أو مالت ، أو زالت من كبد السماء) (٤).

وفي (القاموس) : (الهجير والهجيرة والهجر والهاجرة : نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر ، أو من عند زوالها إلى العصر ، وشدّة الحر) (٥).

و (الظهر : ساعة الزوال ، والظهيرة : حدّ انتصاف النهار ، أو إنّما ذلك في القيظ) (٦).

وقال الراغب : (الظهيرة : وقت الظهر) (٧).

و (يقال للعشيّة : أصيل وأصيله) (٨).

وقال الجوهريّ : (الأصيل : الوقت بعد العصر إلى المغرب ، وجمعه : أُصل وآصال) (٩).

و (الطفل بالتحريك ـ : بعد العصر إذا طفلت الشمس للغروب ، يقال : أتيته طفلاً) (١٠).

وفي بعض الكتب أن العرب قَسّموا كلّاً من الليل والنهار إلى اثنتي عشرة ساعة ، لكلّ ساعة اسم هكذا : (البكور ، والشروق ، والغدوّ ، والضحى ، والهاجرة ، والظهيرة ، والرواح ، والعصر ، والقصر ، والأصيل ، والعشيّ ، والغروب. وساعات الليل : الشفق ،

__________________

(١) القاموس المحيط ٣ : ٣٦٢ الشرق.

(٢) القاموس المحيط ٣ : ١١٨ متع.

(٣) القاموس المحيط ٣ : ٥٦٠ الرجل.

(٤) القاموس المحيط ٣ : ٤٣٩ الدك.

(٥) القاموس المحيط ٢ : ٢٢٢ ٢٢٣ الهجر.

(٦) القاموس المحيط ٢ : ١٧٢ الظهر.

(٧) مفردات ألفاظ القرآن : ٥٤١ ظهر.

(٨) مفردات ألفاظ القرآن : ٧٨ أصل.

(٩) الصحاح ٤ : ١٦٢٣ أصل.

(١٠) الصحاح ٥ : ١٧٥١ طفل.

٣٢

والغسق ، والعتمة ، والسدفة ، و [الفحمة (١)] والزلفة ، والبهرة ، والسحر ، والسحرة ، والفجر ، والصبح ، والصباح) (٢).

وبعضهم ذكر في ساعات النهار : (الذرور ، والبزوغ ، والضحى ، والغزالة ، والهاجرة ، والزوال ، والدلوك ، والعصر ، والأصيل ، والصبوب ، والحدود ، والغروب).

وبعضهم هكذا : (البكور ، والشروق ، والإشراق ، والراد ، والضحى ، والمتوع ، والهاجرة ، والأصيل ، والعصر ، والقصر ، والطفل ، والغروب).

وفي (القاموس) : (البُكْرَة بالضم ـ : الغدوة كالبكرة ، محركة واسمها : الإبكار) (٣).

وقال : (الغدوة بالضم ـ : البكرة ، أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس ، كالغداة والغدية ، والجمع : غدوات ، وغَدِيّات ، وغدوّ. ولا يقال : غدايا ، إلّا مع عشايا) (٤).

وقال : (الضحو والضحوة والضحيّة كعشيّة ـ : ارتفاع النهار ، والضحى فويقهُ ، والضحاء بالمدّ ـ : إذا قرب انتصاف النهار) (٥).

وقال : (الرواح : العشيّ ، أو من الزوال إلى الليل) (٦).

وقال : (العصر : العشيّ إلى احمرار الشمس) (٧).

وقال الجوهريّ : (قصر الظلام : اختلاطه ، ويقال : [أتيته (٨)] قصراً ، أي عشيّاً) (٩).

وقال الخليل : (العتمة : هو الثلث الأوّل من الليل بعد غيبوبة الشفق) (١٠).

و (الشفق : الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة) (١١).

__________________

(١) من المصدر ، وفي المخطوط : (الجهمة).

(٢) فقه اللغة وسرّ العربيّة : ٣١٥ ٣١٦ ، بتقديم (الشروق) على (البكور) فيه ، وكذا بإبدال (السحرة) من المخطوط بقوله : (الزلة).

(٣) القاموس المحيط ١ : ٧٠٤ البكرة.

(٤) القاموس المحيط ٤ : ٥٣٤ الغدوة.

(٥) القاموس المحيط ٤ : ٥١١ الضحوة.

(٦) القاموس المحيط ٤ : ٤٥٧ الرواح.

(٧) القاموس المحيط ٢ : ١٢٩ العصر.

(٨) من المصدر ، وفي المخطوط : (أملته).

(٩) الصحاح ٢ : ٧٩٢ قصر.

(١٠) العين ٢ : ٨٢ باب العين والتاء والميم معهما.

(١١) العين ٥ : ٤٥ باب القاف والشين ، والفاء معهما.

٣٣

و (عتمة الليل : ظلامه) (١).

وقال الأصمعي : (السّدفة والسّدفة في لغة نجد : الظلمة ، وفي لغة غيرهم (٢) : الضوء ، وهو ضد) (٣).

(وكذا السدفة ، بالتحريك) (٤).

وقال أبو عبيد : (بعضهم يجعل السدفة : اختلاط الضوء بالظلمة كوقت ما بين طلوع الفجر إلى الإسفار) (٥).

وللصبح عند العرب أسماء كثيرة : الفلق بالتحريك والصديع ، والسطيع ، والمعرب ، والصرام ، والصريم ، والشميط ، والسدف ، والشق ، والفتق.

ويقال للغداة والعشيّ : البردان ، والأبردان ، والعصران ، والصرعان ، والقرّتان ، والكرتان.

والهِيّة بكسر الهاء وتشديد الياء ـ : الساعة تبقى من السحر.

وللّيل والنهار عند العرب أسماء : الدائبان ، والصرفان ، والجديدان ، والأجدّان ، والحاديان ، والأصرمان ، والملوان ، والعصران ، والردفان ، والصرعان ، والأثرمان ، والمتباديان ، والفتيان ، والطريدان ، وابنا سبات ، وابنا حمير ، وابنا سمير.

__________________

(١) الصحاح ٥ : ١٩٧٩ عتم.

(٢) وهم بنو قيس. القاموس المحيط ٣ : ٢٢٠ السدف.

(٣) القاموس المحيط ٣ : ٢٢٠ السدف.

(٤) عنه في لسان العرب ٦ : ٢١٦ سدف.

(٥) المصدر نفسه.

٣٤

الفصل الأول

في ولادة سيّد الخلق

طرّاً محمّد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ووفاته

ميلاده المبارك

أمّا ميلاده الأعظم ، فقال المجلسيّ رحمه‌الله في (شرح أُصول الكافي) : (اعلم أن الإماميّة ، إلّا من شذّ منهم ، على أن ولادته صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت في سابع عشر ربيع الأوّل ، وذهب أكثر المخالفين إلى أنها كانت في الثاني عشر منه. واختاره المصنّف رحمه‌الله (١) يعني محمّد بن يعقوب في (الكافي) إمّا اختياراً ، أو تقيّة. والأخير أظهر ، لكن الدلائل الحسابيّة على الأوّل أدلّ.

أمّا يوم الولادة فالمشهور بين علمائنا أنه كان يوم الجمعة (٢) ، وبين المخالفين يوم الاثنين (٣) ، ثمّ المشهور بيننا (٤) وبينهم (٥) أنه ولد بعد طلوع الفجر. وقيل : عند الزوال (٦) ، وقيل : آخر النهار (٧).

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٣٩.

(٢) المقنعة ١٤ : ٤٥٦ / ١ ، تهذيب الأحكام ١ : ٤٣٩ / ١ ، العدد القويّة : ١١٠ / ٧ ، الدروس ٢ : ٥.

(٣) تاريخ الطبريّ ٢ : ٥ ، البداية والنهاية ٢ : ٣١٩.

(٤) الكافي ١ : ٤٣٩ / ١ ، وفيه : (عند طلوع الفجر) ، الدروس ٢ : ٦ ، مسارّ الشيعة ٧ : ٥٠ ، وفيه ما في الكافي.

(٥) تاريخ الخميس ١ : ١٩٧.

(٦) الكافي ١ : ٤٣٩ / ١ ، العدد القويّة : ١١٠ / ١٠.

(٧) الأمالي (الطوسيّ) : ١٤٥ / ٢٣٩ ، بحار الأنوار ١٥ : ٢٦٠ / ١٠.

٣٥

وقال صاحب (العدد القويّة) : (كانت بعد خمس وخمسين يوماً من هلاك أصحاب الفيل .. لسبع بقين من ملك أنوشيروان ، ويقال في ملك هرمز بن أنوشيروان.

وذكر الطبريّ أن مولده لاثنتين وأربعين سنة من ملك أنوشيروان (١). وهو الصحيح ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولدت في زمن الملك العادل أنوشيروان (٢)).

إلى أن قال (٣) : (واعلم أن الذي يدلّ على صحّة ما ذهب إليه الكلينيّ من تاريخ مولده ، هو أنه من أوّل ربيع الأوّل الّذي ولد فيه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أوّل ربيع الأوّل الذي هاجر فيه إلى المدينة ثلاث وخمسون سنة تامّة قمريّة ؛ لأنّ مدّة مكثه صلى‌الله‌عليه‌وآله بها بعد الهجرة كانت عشر سنين كما عرفت ، ومدّة حياته ثلاث وستّون سنة أو أقلّ منها بعشرين يوماً ، على رواية أنه ولد في السابع عشر من ربيع الأوّل ، وقبض في آخر صفر. ولا اختلاف بين الشيعة في ولادته باعتبار الشهر ، فمن أوّل المحرّم المقدّم على ميلاده الشريف الّذي هو رأس سنة عام الفيل إلى أوّل المحرّم المقدّم على هجرته الذي هو مبدأ التاريخ الهجريّ أيضاً ثلاث وثلاثون سنة تامة قمريّة. فلمّا ضربنا عدد السنين التامّة القمريّة المذكورة في ثلاثمائة وأربعة وخمسين عدد أيام سنة تامّة قمرية ، وحصّلنا الكبائِس وزدناها عليها على القانون المقرّر عندهم حصل ثمانية عشر ألف وسبعمائة وأحد وثمانون ، وكان أوّل محرّم سنة هجرته صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الخميس بالأمر الأوسط كما ذكروه في الزيجات ، وعليه مدار عملهم.

قال الرازيّ : وأوّلها وهو أوّل المحرم يوم الخميس بالأمر الأوسط. وقول أهل الحديث : يوم الجمعة بالرؤية وحساب الاجتماعات ، نعمل عليه ، وأُرّخ منها في مستأنف الزمان) (٤) ، انتهى.

فإذا طرحنا من المبلغ سبعة سبعة عدد أيّام الأُسبوع لم يبقَ شي‌ء. فظهر أن أوّل

__________________

(١) تاريخ الطبريّ ١ : ٤٥٣.

(٢) العدد القويّة : ١١١ / ١٢.

(٣) أي العلّامة المجلسيّ رحمه‌الله.

(٤) مرآة العقول ٥ : ١٧٥.

٣٦

المحرم عامَ الفيل الذي هو عام مولده صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً يوم الخميس بالأمر الأوسط ، فأوّل شهر صفر من هذا العام يوم السبت ، وأوّل ربيع الأوّل يوم الأحد بالأمر الأوسط. ولمّا كان أوّل الشهور يختلف بحسب الأمر الأوسط في الأكثر بيوم ، فأوّله بالرؤية يوم الاثنين ، واليوم الثاني عشر منه يوم الجمعة ، وأمّا اليوم السابع عشر فيوم الثلاثاء بالأمر الأوسط.

ولا يختلف أوّل الشهور بالأمر الأوسط ، والرؤية بأكثر من يومين ، لأنّ أكثر المتوالية من الشهور التامّة بالرؤية أربعة أشهر لا تزيد عليها ، وأكثر المتوالية من الناقصة ثلاثة أشهر لا غير. والشهور الوسطية شهر تام وشهر ناقص إلّا في السنة الكبيسة ، فإنّ شهرين فيها متواليين يكونان تامّين ، وهما : ذو الحجّة والمحرّم. فعلى تقدير تقدّم أوّل الشهر بالرؤية بيومين على الأمر الأوسط أو تأخّره كذلك عنه ، فالسابع عشر ؛ إمّا الخميس أو الأحد ، والجميع متّفقون على أن ولادته صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت في يوم الجمعة ، وهو يبطل كونها في السابع عشر ، ويثبت الثاني عشر. فالقول المشهور متهافت يناقض بعضه بعضاً ، وكونها يوم الجمعة ينافي كونها في السابع عشر.

وإذا تقرّر ذلك فلننظر في وقت وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإذ قد عرفت أن أوّل المحرّم سنة الهجرة يوم الخميس ، فأوّل صفر يوم السبت ، وأوّل ربيع الأوّل يوم الأحد. وإذ قد عرفت أن أوّل ربيع الأوّل الذي ولد فيه صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الأحد ، وما بين ربيع الأوّل الذي في خلال سنة هجرته صلى‌الله‌عليه‌وآله وبينه ثلاث وخمسون سنة تامّة قمريّة ، كما مرّ ، فإذا جعلت السنين أياماً وطرحت سبعة سبعة لم يبقَ شي‌ء.

فظهر أن أوّل ربيع الذي في خلال سنة هجريّة أيضاً يوم الأحد ، فنقول : ما بين أوّل ربيع الأوّل الذي في خلال سنة هجرية ، وأوّل الربيع الأوّل الذي قبض فيه عشر سنين تامّة قمرية ، فإذا ضربنا عدّة السنين في عدد السنين القمريّة وزدنا عليه الكبائس بلغ ثلاثة آلاف وخمسمائة وأربعاً وأربعين ، فإذا طرحنا من المبلغ سبعة

٣٧

سبعة يبقى اثنان ، [فإذا (١)] جمعناهما مع الأحد أوّل الربيع الأوّل الذي هاجر فيه صلى‌الله‌عليه‌وآله يظهر أن أوّل [ربيع الأوّل (٢)] الذي قبض فيه يوم الثلاثاء بالأمر الأوسط ، فالثاني عشر منه بالأمر الأوسط يوم السبت ، وبالرؤية يوم الاثنين.

وقد عرفت أنه قد يتقدّم أوّل الشهر بحسب الرؤية عليه ، ويتأخّر عنه بالأمر الأوسط بيومين. وإذا كان أوّل الربيع الأوّل بالأمر الأوسط يوم الثلاثاء يكون أوّل شهر صفر بالأمر الأوسط يوم الاثنين ، والسابع والعشرون يوم السبت ، فيمكن أن يكون الاختلاف لأجل اختلاف الرؤية ، والأمر الأوسط ، بأن يكون أوّل الشهر بالرؤية يوم الأربعاء فينطبق الثامن والعشرون من شهر صفر على يوم الاثنين ، فلا يظهر ترجيح من هذا الوجه لأحد القولين على الآخر.

وقد أوردنا في كتاب (بحار الأنوار) (٣) وجوهاً أُخر حسابيّة لتقوية ما اختاره ثقة الإسلام ، ومع ذلك كلّه يشكل ردّ الخبر المعتبر الدالّ على كون الولادة الشريفة في السابع عشر ، لابتناء تلك الوجوه على ما ظهر لأهل الهيئة من الأرصاد المختلفة في الكسور والكبائس ، ويظهر من اختلافها في الأزمنة المتطاولة اختلاف كثير. وأيضاً كون الولادة في يوم الجمعة ليس شهرتها بين الإمامية كشهرة السابع عشر ، فيمكن أن يكون الاشتباه في الأوّل دون الثاني ، مع أن ما ورد في الأخبار مبنيّ على الرؤية الشرعيّة ، فيمكن أن تكون الرؤية متأخّرة عن هذا الحساب في ذلك الشهر لغيم أو نحوه ، والله يعلم حقائق الأُمور) (٤) ، انتهى كلام المجلسيّ.

وأقول وبالله المستعان ـ : أمّا كون شهر الولادة العظمى التي عمّت بركتها الخلائق أجمع شهر ربيع الأوّل فلا شكّ في إجماع الفرقة الناجية عليه ، بل نقل الإجماع عليه مستفيض من عبائرهم ، فلم نظفر فيه بمخالف منهم ، بل هم مطبقون عليه فتوًى وعملاً في سائر الأزمان والأصقاع ، ورواياتهم به عن أهل العصمة مستفيضة.

__________________

(١) من المصدر ، وفي المخطوط : (فاذ).

(٢) من المصدر ، وفي المخطوط : (الربيع).

(٣) بحار الأنوار ٥٥ : ٣٦٤.

(٤) مرآة العقول ٥ : ١٧٠ ١٧٧ ، بتفاوت.

٣٨

وأمّا كون يوم الولادة المباركة يوم السابع عشر من ربيع الأوّل ، فلم نعلم بمخالف من علمائنا أبواب المعصوم ونوّابه إلّا الكليني رحمه‌الله تعالى والظاهر أن الإجماع سبقه ولحقه ، وقد صرّح السيّد عليّ بن طاوس في (الإقبال) (١) بإجماع أهل زمنه من الفرقة على ذلك. ولا يعني فهم دعوى الإجماع على ذلك من عبائر الأصحاب ، والروايات به عن أهل العصمة غير عزيزة الوجود.

وأيضاً عمل الفرقة على ذلك في عامّة الأصقاع والأزمان.

فإذن هو إجماع بلا شكّ ، ومخالفة محمّد بن يعقوب رحمه‌الله غير مضرّة به لمعلوميّة نسبه ، وما يوجد في بعض الروايات [من] أنه اليوم الثاني عشر منه فعامّيّة أو تقيّة ؛ لأنه مشهور العامّة ، ولهم فيه نحو من أحد عشر قولاً (٢).

ولعلّ بعض الحامل للقائل به أيضاً ما سمعته في عبارة المجلسيّ رحمه‌الله تعالى من اعتبار القانون الحسابيّ التقويميّ ، ولكنه مبنيّ على أرصاد قديمة تجتمع منها كسور جزئيّة يهملونها ، لينضبط بها حسابهم فيجتمع منها على تطاول السنين شي‌ء كثير فيختلف به القانون ؛ لأنّها ظنّيّة مبنيّة على اعتبار شهر تامّ وشهر ناقص.

وأيضاً يحتمل ابتناء المسألة على الأهلّة الشرعيّة ، وجاز فيها اختلاف الآفاق ، ولكلّ أُفق حكم يلزم أهله دون أهل الأُفق الآخر.

وأيضاً ابتناء الشهر الشرعيّ على الثبوت الشرعيّ ، فجاز اختلاف الحساب والظاهر ، فالشارع أخبر الناس بما يعلمون وما يلزمهم حكمه شرعاً في ظاهر الأمر.

وأيضاً جاز أن يكون الحساب مبنيّاً على الظاهر لأهله ، وفي نفس الأمر هو كما أخبر الشارع.

فظهر عدم التنافي بين كونه السابع عشر ، وأنه الجمعة ؛ بحمله على أحد هذه الوجوه. وأمّا كونه الجمعة فنقل الشهرة بين الفرقة الناجية عليها غير عزيز ، بل الظاهر أنه إجماع أيضاً.

__________________

(١) الإقبال بالأعمال الحسنة ٣ : ١٢١.

(٢) تاريخ الخميس ١ : ١٩٥ ١٩٨.

٣٩

وفي بالي أن بعض النصوص (١) تدلّ عليه ، ولا منافاة كما عرفت ، وقد صرّح به جلّ أكابر الفرقة أصحاب الأفئدة المؤيّدين ، فلا يعارض إجماعهم ما يدخله الاحتمال. فالإجماع قطعيّ الدلالة ولا يرفع اليقين بالشكّ بل بيقين مثله. بل عن المجلسيّ في (البحار) (٢) أنه إجماع وأن الروايات به كثيرة.

وأيضاً ما قاله هنا معارض بقاعدة حسابيّة ذكرها أهل التقاويم وبنوا عليها ضبط حسابهم ، وقد رواها ابن طاوس في (الإقبال) (٣) [عن (٤)] (الكافي) (٥) وغيره (٦) بعدة طرق عن أهل العصمة صلوات الله وسلامه عليهم هي أن الشهر العربيّ يدخل في السنة الثانية بخامس اليوم الذي دخل به في الاولى من الأُسبوع فإذا دخل شهر رمضان مثلاً بالخميس في عام دخل في الذي يليه بعده بالاثنين.

وقد صرّح جلّ الأكابر كالشيخين في جملة من كتبهما (٧) وغيرهما من المؤرّخين بل الظاهر أنه مشهور الفرقة أو هو مشهور المؤرّخين أن سنة هجرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله دخل ربيع الأول بالخميس. فعلى القول بأنّ مولده الكريم كان سابع عشره ، وأنه الجمعة ، يكون دخول شهر المولد العظيم يوم الأربعاء.

وإذا اعتبرت هذا القانون كانت سنة هجرته صلى‌الله‌عليه‌وآله يدخل ربيع الأول منها بالجمعة ؛ لأنّ بين مولده وهجرته صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثاً وخمسين سنة كما اشتهر بين الأُمّة ، وقد يتقدّم كما صرّح به المجلسيّ (٨) هنا بيوم أو بيومين ويتأخّر بمثلها عن الرؤية لبعض العلل. فصحّ المشهور بل المجمع عليه بلا تناقض ولا تهافت كما قال رحمه‌الله.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٦ : ٢ / ب ١ ، كشف الغمّة ١ : ١٤.

(٢) بحار الأنوار ١٥ : ٢٤٨ / ب ٣.

(٣) الإقبال بالأعمال الحسنة ١ : ٥٨.

(٤) في المخطوط : (من).

(٥) الكافي ٤ : ٨٠ ٨١ / ١ ، ٢ ، ٤.

(٦) تهذيب الأحكام ٤ : ١٧٩ / ٤٩٦ ، وانظر وسائل الشيعة ١٠ : ٢٨٣ ٢٨٤ ، أبواب أحكام شهر رمضان ، ب ١٠.

(٧) مسارّ الشيعة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) ٧ : ٤٨ ، تهذيب الأحكام ٤ : ١٧٩ / ٤٩٦.

(٨) مرآة العقول ٥ : ١٧٦.

٤٠