رسائل آل طوق القطيفي - ج ٤

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٩

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين ، الّذي لا ينفكّ شي‌ء من نعمة أبداً ، والصلاة والسلام على محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وآله أسعد السعداء.

وبعد :

فيقول أقلّ الورى عملاً وأكثرهم زللاً ، أحمد بن صالح بن طوق : إن مسألة صلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا التبست على بعض الأفهام ، وكثر فيها الخوض والكلام. وهي أحد صور الصلاة على نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله أجمعين وسلم الواجبة عند كثير من علماء الأُمّة الأعلام ، وبها يستجاب الدعاء ، وتتمّ الصلاة المفروضة وتقبل ، وتنوّر الكلام.

تصوير الخلاف في المسألة

وذلك أن علماء العصر اختلفوا في إعراب الآل من هذه الصورة ، فبعضهم يقول : الحقّ ما ذهب إليه البصريّون في المنع من العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار (١) ، فيجب عندهم نصب آله ، فبعضهم بالعطف على محل الضمير البعيد ،

__________________

(١) انظر شرح الرضيّ على الكافية ٢ : ٣٣٦ ، الإنصاف في مسائل الخلاف ٢ : ٤٦٣ ، شرح ابن عقيل ٣ : ٢٣٩.

١٤١

وبعضهم على المعيّة (١).

وأكثرهم يقول : الحقّ ما ذهب إليه الكوفيّون من عدم وجوب إعادة الخافض فيجوّزون فيه مع النصب على أحد الوجهين السابقين الجر بالعطف على محلّ الضمير القريب. هذا حاصل كلامهم ، أمدّ الله في أيّامهم.

__________________

(١) انظر حاشية الصبّان على شرح الأشموني ٢ : ١٤٠.

١٤٢

الأدلة على جواز

العطف بدون إعادة الجار

وقد ظهر لي في هذه المسألة وجوب الجر في لفظ الآل ، ولنقدّم كلاماً في أصل مسألة العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار ، فنقول : ما ذهب إليه الكوفيون ، ويونس ، والأخفش ، وقطرب ، وعمر الشلوبين ، وأبو عبيدة ، ومحقّقو المتأخّرين كابن مالك (١) وغيره ، من عدم وجوب إعادة الجارّ (٢) ؛ وذلك لكثرة العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجارّ في كلام العرب.

قال أبو حيان : (والذي اختاره جواز ذلك ؛ لوروده في كلام العرب كثيراً نظماً ونثراً ، ولسنا متعبدين باتّباع جمهور البصريين ، بل نتّبع الدليل) ، انتهى.

وممّا ورد من ذلك قوله :

فاذهبْ فَمَا بِكَ والأيامِ مِنْ عَجَبِ (٣)

بجرّ (الأيّام) ، أنشده سيبويه (٤). وأنشد الفراء :

__________________

(١) شرح ابن عقيل (المتن) ٣ : ٢٣٩.

(٢) حاشية الصبّان على شرح الأشموني ٣ : ١١٥.

(٣) لم ينسب لقائل معيّن ، وأوّله : (فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا). الإنصاف في مسائل الخلاف ٢ : ٤٦٤ / ٢٩٢ ، شرح ابن عقيل ٣ : ٢٤٠ ، حاشية الصبّان على شرح الأشموني (المتن) ٣ : ١١٥ / ٦٥٧.

(٤) كتاب سيبويه ٢ : ٣٨٣ / ٣٩٢ وهو من شواهده الخمسين التي لم يعزُها لقائل معيّن.

١٤٣

تُعلّقُ في مثلِ السواري سيوفُنا

وما بينها والكفّ غوط نفانف (١)

بجر (الكفّ). وقال الآخر :

فقد خاب من يُصلى بها وسعيرها (٢)

وقال الآخر :

بنا أبَداً لا غيرِنا يُدرك المنى

وتكشفُ غمّاءُ الخطوبِ الفوادحِ (٣)

وقال الآخر :

أكرّ على الكتيبةِ لا أُبالي

أحتفي كان منها أو سواها (٤)

فـ (سواها) معطوف على الهاء في (منها) ، أورده الفارضي قال : (وأنشد الفراء :

هلا سألت [بذي (٥)] الجماجم عنهُمُ

وأبي نعيم ذي اللواء المحرق (٦)

أي عنهم وعن أبي [نعيم]) ، انتهى.

ومثل ذلك قراءة حمزة (تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) (٧) بجر الأرحام (٨) وهي

__________________

(١) البيت لمسكين الدارمي. الحيوان ٦ : ٤٩٤ ، وذكر في : الإنصاف في مسائل الخلاف ٢ : ٤٦٥ ، شرح ألفيّة ابن مالك (ابن الناظم) : ٥٤٥.

(٢) لم ينسب لقائل معيّن ، وأوّله : (إذا أوقدوا ناراً لحرب عدوّهم). شرح ألفيّة ابن مالك (ابن الناظم) : ٥٤٥.

(٣) لم ينسب لقائل معيّن. شرح ألفيّة ابن مالك (ابن الناظم) : ٥٤٦.

(٤) لم ينسب لقائل معيّن. الإنصاف في مسائل الخلاف ٢ : ٤٦٤.

(٥) من المصدر ، وفي المخطوط : (عن). وذو جماجم : من مياه العُمَق على مسيرة يوم منه. معجم البلدان ٢ : ١٥٩ الجماجم.

والعُمَق : علم مرتجل على جادّة الطريق إلى مكّة بين معدن بني سُليم وذات عرق. معجم البلدان ٤ : ١٥٦ عُمَق.

(٦) لم ينسب لقائل معيّن. الإنصاف في مسائل الخلاف ٢ : ٤٦٦ ، خزانة الأدب ٥ : ١٢٥.

(٧) النساء : ١.

(٨) عنه في الإنصاف في مسائل الخلاف ٢ : ٤٦٣.

١٤٤

قراءة ابن عبّاس ، والحسن ، ومجاهد ، والنخعيّ ، وقتادة (١) ، والأعمش ، ويحيى بن وثّاب (٢) ، وأبي ردين.

ومثله ما حكاه قطرب (٣) من قول بعض العرب : (ما فيها غيره وفرسه) ، بجرّ (فرسه).

قال بدر الدين بن مالك : (وممّا يجب أن يحمل على ذلك قوله تعالى (وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (٤) ؛ لأن جر المسجد الحرام بالعطف على ال ـ سبيل (٥) ممتنع مثله باتفاق ؛ لاستلزام الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي ، فلم يبقَ سوى جرّه بالعطف على الضمير المجرور بالباء) ، انتهى (٦).

قال محمّد الفارضي : (ومن العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار قوله تعالى (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ) (٧) ، فـ ما معطوف على الضمير المجرور ، على أحد الأعاريب.

ومنه أيضا (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) فالمسجد معطوف على الضمير في به ، ولا يحسن عطفه على ال ـ السبيل الّذي هو معمول المصدر أعني : ال ـ الصدّ ؛ لأنه يلزم عليه الفصل بالأجنبي بين المصدر ومعموله ؛ فإن وكفر أجنبيّ عن المصدر الذي هو (الصدّ).

ويلزم عليه أيضاً العطف على المصدر قبل أن يستكمل معمولاته ؛ فإن وكفر معطوف على أصله) ، انتهى.

فإن قدرت له مصدراً محذوفاً لزمك إعمال المصدر محذوفاً ، وهو غير جائز على المشهور ، أو حرف جر لزم إعماله محذوفاً مع ضعفه حينئذٍ.

وعدم جواز إعمال حرف الجرّ مقدّراً في الاختيار إجماعاً إلّا في نحو : (اللهِ لأفعلنّ).

__________________

(١) عنهم في شرح ألفيّة ابن مالك (ابن الناظم) : ٥٤٤.

(٢) عنهما في هؤلاء الإنصاف في مسائل الخلاف : ٤٦٣.

(٣) عنه في شرح شذور الذهب : ٤٤٩.

(٤) البقرة : ٢١٧.

(٥) الوارد في الآية نفسها في قوله تعالى «قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ».

(٦) شرح ألفيّة ابن مالك : ٥٤٦ ، باختلاف.

(٧) النساء : ١٢٧.

١٤٥

وقال فخر المحقّقين في أجوبة مسائل مهنّا بن سنان لمّا سأله : هل يجوز أن يقال عند ذكر سيدنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بدون إعادة حرف [الخفض (١)] ، أم يجب إعادته؟ ونقل له أن قوماً يمنعون من إعادته ـ : (لا وجه لهذا القول ، ولو لا اتّباع النقل لما جاز إلا بإعادة حرف الخفض) (٢) ، انتهى.

وشواهد المسألة من كلامهم نثراً ونظماً أكثر من أن تحيط بها هذه الرسالة. ولنا غير ما مرّ من الشواهد أنه يلزمهم وجوب إعادة الجارّ مع عدم قيام القرينة على إرادتك في مثل قولك : جاءني غلامك وزيد ، إذا أردت غلاماً مشتركاً أو غلامين.

فإن قلت : اللبس أيضا حاصل في مثل هذا المثال فيما هو متّفق عليه من وجوب إعادة الخافض عند عطف الضمير على المجرور مطلقاً فإنك إذا قلت : جاءني غلام زيد وغلامك ، التبس الأمر وخفي القصد ، فليُغتفر اللبس هناك كما اغتفر هنا ، ويحال المراد على ما تعيّنه القرينة والمقام.

قلت : اللبس هنا ليس لنا عنه مفرّ ، وليس له دافع ، وهو داء لا علاج له إلّا اغتفاره ؛ وذلك لأن الضمير المجرور لا يكون إلّا متّصلا بعامله ، فوجب إعادة صورة لفظه لغرض اللبس على القرينة مهما أمكنت ، فنقصر مسألة عطف الضمير على المجرور على حال وجود القرينة.

وأمّا في مسألتنا ، فعلاج اللبس هيّن ، وهو ترك الإعادة ، فيجب المصير إليه ؛ إذ ليس بمستغرب عند ذوي اللسان كما قد سمعت ، ولا يؤخذ البريّ بذنب الشقيّ ، وتجنب اللبس واجب مهما أمكن.

وأيضا إن قالوا : إن العامل في المعطوف هو المعاد ، وإن له معنًى كالأوّل ، واللاحقان معاً [معطوفان (٣)] على السابقين لزم أن يكون في مثل : (المال بيني وبين زيد) بينان بين بالنسبة إلى المضمر وآخر بالنسبة إلى المظهر ، وفساده ظاهر.

__________________

(١) في المخطوط : (العطف).

(٢) أجوبة المسائل المهنائيّة : ١٧٢ / المسألة : ٢٣.

(٣) في المخطوط : (معطوفا).

١٤٦

وأن (١) يتعدّى فعل واحد بحرفي جرّ متّفقين في اللفظ والمعنى ، وجنس المعمول في مثل (مررت بك وبزيد) ، وقد صرّح المحقّق الرضيّ (٢) بمنعه.

وأن يكون المعاد حينئذٍ عاملاً خارجاً من حدّ العوامل ؛ إذ العامل ما به يتقوّم المعنى المقتضي للإعراب ، وهو متحقّق في الأوّل دون الثاني.

وأنه يخرج المعطوف أيضاً من حدّ التابع ؛ إذ هو كلّ ثانٍ بإعراب سابقه من جهة واحدة شخصيّة ، أو كلّ ثانٍ بإعراب سابقه لأجله ، أي إعراب الثاني لأجل إعراب الأوّل ، كما قاله الرضيّ (٣).

وعلى هذا التقدير لا يكون إعراب الثاني من جهة إعراب الأوّل ، شخصاً. بل نوعاً ، ولا لأجله وهو واضح.

وأنه يخرج من حدّ المعطوف أيضاً ؛ إذ هو كما قال ابن الحاجب : (تابع مقصود بالنسبة مع متبوعه) (٤). وعلى هذا التقدير يختلف القصد بالنسبة قطعاً ؛ لتحقّق النسبتين حينئذٍ ، وابن الحاجب من الموجبين.

ويرد أيضاً حينئذٍ أن سيبويه وهو إمام البصرية ورئيسهم قائل بأن العامل في المعطوف هو العامل في المعطوف عليه بواسطة حرف العطف (٥). وعلى هذا التقدير تبطل وساطة الحرف ، فيبطل عمل عامل المعطوف عليه فيه ، أو تجتمع علّتان على معلول واحد.

وأن أبا علي الفارسي (٦) ، وابن جني (٧) وهما من كبارهم ورؤسائهم قائلان بأن العامل في المعطوف مقدّر بعد العاطف.

وعلى ذلك التقدير يلزم إما إبطال هذا العامل المقدّر في خصوص هذه المسألة

__________________

(١) أي ولزم أن ، وكذا في الموارد التي بعدها.

(٢) شرح الرضيّ على الكافية ٢ : ٣٣٥.

(٣) شرح الرضيّ على الكافية ٢ : ٢٧٧ ، ٢٧٨.

(٤) شرح الرضيّ على الكافية (المتن) ٢ : ٣٣١.

(٥) عنه في شرح الرضي على الكافية ٢ : ٢٨١ ، وفيه : (هو الأوّل) بدل : (هو العامل في المعطوف عليه).

(٦) المصدر نفسه.

(٧) المصدر نفسه.

١٤٧

والإطلاق لا يقتضيه أو ترادف علّتين على معلول واحد.

وأن بعضهم قائل بأن العامل في المعطوف حرف العطف بالنيابة (١). وعليه على ذلك التقدير يجتمع المؤثّران على أثر واحد ، وهو جلي.

ولا رابع في المسألة.

فإن قلت : فما تقول إذن في مثل قوله تعالى (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ) (٢) ، ونحو اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، ومثله كثير في كلام العرب ، فإن ما أوردته وارد في الظاهر عليه ، وهو وراد عليك؟

قلت : لا نسلّم أن هذا وما أشبهه ممّا نحن فيه ، بل هو من عطف الجمل (٣) ، ولا بحث فيه ، وإنّما الكلام في المفردات.

وإن قالوا : إن المجرور وحده عطف على الضمير المجرور ، وإن المعاد لا معنى له ولا عمل غير تصحيح العبارة ، لزم أن يهمل عامل متأصّل في عمله ليس أقلّ من الحرف الزائد ، بلا سبب داعٍ ، ولا نظير له ، وأن يكون الاسم زائداً أيضاً ، وهم لا يجيزون زيادته.

والرضيّ قدس‌سره (٤) اختار هذا الوجه الأخير ، ولكنه أحال العمل على المُعاد ، وهو لا ينجيه من لزوم زيادة الاسم وممّا مرّ أيضا كما ترى.

وأيضا يلزمهم على هذا الوجه الأخير حيلولة المعاد الّذي لا معنى له ولا عمل غير تصحيح اللفظ بين العاطف والمعطوف ، والجارّ والمجرور ، وكلاهما باطل لا نظير له في مثل هذا المقام.

فإن قلت : فما تصنع فيما إذا عطفت الضمير على المجرور ، فإن الإعادة لازمة كما تقرر؟

__________________

(١) انظر المصدر نفسه.

(٢) فصّلت : ١١.

(٣) وممّا يدلّ على أن العطف في الآية من باب عطف الجمل ، وأن المتعلّق متعدّد وجوبُ تقدّم السبب والعلّة على المسبب والمعلول وترتبهما ، وهيهات أن يخاطبا معاً بدون ترتب ، فالقول للأرض بعد القول للسماء ؛ لأنها الواسطة لها. (هامش المخطوط).

(٤) شرح الرضيّ على الكافية ٢ : ٣٣٥.

١٤٨

قلت : نختار فيه هذا الوجه الأخير ، ونحيل العمل على الأوّل. ولا نسلم عدم جواز زيادة الاسم خصوصاً في مثل هذه الضرورة ؛ إذ لا محيد عن الإعادة ، وفي الضرورة يُستباح ما لا يُستباح في غيرها.

فنقول : لمّا لم يتأتّ الإتيان بالضمير المتّصل بدون عامله ؛ لوجوب اتّصاله به وتعذّر اتّصاله به هنا كما سمعت روضي بإعادة صورة لفظه ، ليمكن الإتيان به ، كما روضيت الناقة الّتي فقدت فصيلها بالبوّ (١) ؛ ليُتمكّن من أخذ لبنها. وليس للضمير المجرور ضمير منفصل فيؤتى به بدل المتصل ، وليس الغرض من هذا اللفظ المعاد إلّا أمراً لفظيّاً خاصّة ، وقد وفى له به.

والفرق بينه وبين الحرف الزائد أن الحرف الزائد له تعلق بالمعنى في الجملة بخلاف هذا. بل ادّعى السيد المرتضى قدس‌سره في (الدرر والغرر) أن لا بدّ للحرف الزائد من معنى غير التوكيد.

وقد اضطرب الزمخشري في هذه المسألة ، ففي تفسير (تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) وافق البصريّ ، ونسب قراءة حمزة إلى عدم السداد متعلّلاً ببائر التعليلات (٢) ، وفي تفسير قوله تعالى (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) (٣) وافق الكوفيّ ، فقال : (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) في موضع جرّ عطفاً على ما أُضيف إليه الذكر في قوله تعالى (كَذِكْرِكُمْ) (٤).

واحتجّ المانعون بأن الضمير المجرور شديد الاتّصال بجارّه ، فلا يجوز انفصال

__________________

(١) البوّ : جلد الحُوار وهو صغير الناقة يحشى لتعطف عليه الناقة إذا مات حُوارها ؛ كي يدر لبنها. لسان العرب ١ : ٥٤٤ بوّ. والناقة في هذا الحال تسمّى العلوق ، قال أفنون (أبو عمرو بن الأنباري ، وقيل : صريم بن معشر بن ذهل التغلبي) :

أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به

رئمان أنف إذا ما ضنّ باللبن

انظر : مغني اللبيب : ٦٧ ، خزانة الأدب ٤ : ٤٥٥ ٤٦٠.

(٢) الكشاف ١ : ٤٦٢.

(٣) البقرة : ٢٠٠.

(٤) الكشاف ١ : ٢٤٧.

١٤٩

المجرور من جاره ظاهراً كان أو ضميراً ، فهما كالشي‌ء الواحد ذي الأجزاء ، فيشبه العطف على الضمير المجرور العطف على بعض حروف الكلمة ، وبأن الضمير المجرور شبيه بالتنوين ، لمعاقبته له ، وكونه على حرف واحد مثله ، فلا يجوز العطف عليه ، كما لم يجُز العطف على التنوين.

قال صاحب (العباب) : (والجامع عدم استقلال كلّ واحد منهما).

وأقول : لو كان هذا مانعاً ، لمنع من العطف على المجرور مطلقاً ؛ إذ لا فرق في ذلك كلّه بين الضمير والظاهر.

فإن قلت : الفرق بينهما أن الاسم الظاهر ليس فيه سوى شدّة اتّصاله بجارّه ، والضمير فيه ما فيه (١) ، وكونه متّصلاً ، والضمير المتّصل كالجزء من الفعل حتّى إنه يسكّن به آخر الثلاثيّ في نحو (قمت) ، و (ضربت) ، وكونه على حرف واحد.

قلت : لو كانت هذه الأوصاف مانعة من العطف عليه دون الظاهر ، لامتنع العطف عليه مرفوعاً ؛ لتحقّق الأوصاف فيه ، والتأكيد والفصل لا يخرجانه عن اتّصافه بتلك الصفات ، ولامتنع توكيده والإبدال منه ، والمنع ممنوع باتّفاق ، والفرق بينهما وبين العطف بعدم كونهما أجنبيين منفصلين عن متبوعهما لا يجدي نفعاً ؛ إذ هو لا يخرج الضمير عن شدة الاتّصال وشبه التنوين بزعمهم.

وفرق بدر الدين بن مالك بين التوكيد والعطف بـ (أن التوكيد مقصود به تكميل متبوعه ، فينزّل منه منزلة الجزء ، وذلك يقتضي أمرين :

الأوّل : أن شبه الضمير بالتنوين حال توكيده أقلّ من شبهه به حال العطف عليه ، لطلبه حال التوكيد ما لا يطلبه التنوين وهو التكميل بما بعده فلا يلزم أن يؤثّر شبه التنوين في التوكيد ما أثّره في العطف ، لاحتمال ترتّب الحكم على أقوى الشبهين.

الثاني : أن شبه الضمير المجرور ببعض الكلمة وإن منع من العطف لا يمتنع عليه

__________________

(١) أي ما في الاسم الظاهر.

١٥٠

تكميله ببقيّة أجزائه ، فكذا لا يمتنع على ما أشبه بعض الكلمة بما بعده).

قال : (وأما البدل فالفرق بينه وبين العطف أن البدل في نيّة [تكرار (١)] العامل ، فإتباعه الضمير المجرور في الحقيقة إتباع له وللجار جميعاً ، لأن البدل في قوّة المصرح معه بالعامل ، وليس كذلك المعطوف) ، انتهى (٢).

وهو لا يجدي نفعاً أيضاً ، لأنا لا نسلّم أن التوكيد ينزل من الضمير المجرور منزلة الجزء ، وأن شبه الضمير المجرور بزعمه للتنوين حال توكيده أقلّ من شبهه له حال العطف ؛ لأن جهة الشبه على ما زعم وهي معاقبته للتنوين ، وكونه على حرف واحد ، وشدة اتّصاله باقية لم تتغيّر ولم تنقص.

واحتمال ترتّب الحكم على أقوى الشبهين مع تسليمه ضعيف جدّاً ؛ لأنه تأسيس حكم وتمهيد قاعدة باحتمال ، وهو كما ترى ، ولأنا لا نسلّم أنه إذا لم يمتنع تكميل بعض الكلمة ببقيّة أجزائه لم يمتنع تكميل ما أشبه بعضها بما بعده خصوصاً إذا كان ما بعده مستقلا بدلالته ، لأنه قياس مع الفارق.

وأيضاً لم نجد كلمة كمل بعضها دون بعض.

وأيضاً لا نعرف ما معنى تكميل بعض أجزاء الكلمة ببعض.

وأما فرقه بين العطف والبدل بـ (أن البدل في نيّة [تكرار (٣)] العامل) ، ففاسد ؛ لأنا لا نسلّم أن البدل في نيّة تكرير العامل ، فلا يلزمنا.

ولئن سلّمناه ، فجوابه أنه حينئذٍ خارج عن فرض المسألة رأساً ؛ لأنه يصير من جملة أُخرى ، والفرض كونهما من جملة واحدة. مع أن سيبويه وهو إمام البصرية ، ومن تبعه كالمبرد ، والسيرافي ، والزمخشري ، وابن الحاجب ، والمحقّق الرضيّ (٤) ، وغيرهم قائلون بأن العامل في البدل هو العامل في المبدل منه.

__________________

(١) من المصدر ، وفي المخطوط : (تكرير).

(٢) شرح ألفيّة ابن مالك : ٥٤٧.

(٣) من المصدر ، وفي المخطوط : (تكرير).

(٤) انظر المفصّل في علم العربيّة : ١٢١ ، شرح الرضيّ على الكافية ٢ : ٢٧٩ ٢٨٠ ،.

١٥١

هذا ، ونحن لا نسلّم مشابهة الضمير المجرور للتنوين ؛ لأن معاقبته له ممنوعة : أما إذا كان العامل فيه حرفاً ، فواضح ؛ إذ التنوين لا يدخل الحرف.

وأما إذا كان اسماً ، فلأن عمل المضاف في المضاف إليه إنّما هو لنيابته عن الحرف ، وقيل : للحرف (١) ، ولأن المضاف إليه من شأنه معاقبة تنوين المضاف ظاهراً كان أو ضميراً ، فلو كانت المعاقبة تُشابهُ بينهما فتمنع من العطف عليه لكان الظاهر مشابهاً للتنوين ؛ لأنه يعاقبه وشديد الاتّصال بجارّه ؛ فيمتنع العطف عليه إذن.

وأما كونه على حرف مثله ، فلو كان يُشابه بينهما ، فيمنع من العطف عليه ، لشابه بينهما حال كون الضمير مرفوعاً ، فمنع من العطف عليه ولو أكّد أو فصل ؛ إذ فصله وتوكيده لا يخرجانه عن كونه على حرف واحد.

وأمّا شدّة الاتّصال بالعامل فالمُظهَر والمضمر فيه شرع سواء ، بل كلّ ضمير متّصل شديد الاتصال بعامله لا يجوز فصله منه ؛ مرفوعاً كان ، أو منصوباً ، أو مجروراً.

فإن قلت : قولهم : (الكوفيّون يجوّزون العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار) يقتضي صحّة الإعادة عندهم ، ومقتضى كلامك إفسادُها رأساً.

قلت : ليس هو كما ذهبت ، بل معناه أنه يجوز لك أن تجعله من عطف الجمل ومن عطف المفردات ، فحيث أعدت الخافض كان من عطف الجمل ، فافهم.

وأجاب المانعون عما ورد من ذلك ، قال بدر الدين بن مالك : ([و (٢)] ما ورد منه في السماع محمول على شذوذ إضمار الجار ، كما في نحو (ما كلّ بيضاء شحمة ، ولا سوداء تمرة) (٣) ، ونحو : امرر ببني فلان إلا صالح فطالح) (٤) ، انتهى.

__________________

(١) أي أن العامل في المضاف إليه هو نيابة المضاف إليه عن الحرف الخافض ، أو هو الحرف المقدّر على القول بأن الإضافة إما أن تكون ظرفيّة أو بيانيّة أو تمليكيّة تحقيقاً أو تنزيلاً.

(٢) من المصدر ، وفي المخطوط : (إن من).

(٣) هذا مثل يضرب في مواضع التهمة. ويراد به : أن هذا الشي‌ء وإن أشبه ذاك في الظاهر ، لكنه في الحقيقة والباطن خلافه. انظر : مجمع الأمثال ٣ : ٢٧٥ / ٣٨٦٨ ، جمهرة الأمثال ٢ : ٢٢٩ / ١٢٢٧.

(٤) شرح ألفيّة ابن مالك : ٥٤٦.

١٥٢

وقال المحقّق الرضيّ : (أجاز الكوفيّون ترك الإعادة في حال السعة مستدلّين بالأشعار ، ولا دليل فيها ؛ إذ الضرورة حاكمة عليه ، ولا كلام فيها ، وبقوله تعالى (تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) (١) بالجر في قراءة حمزة.

وأُجيب بأن الباء مقدّرة ، والجرّ بها (٢) ، وهو ضعيف ، لأن حرف الجرّ لا يعمل مقدراً في الاختيار إلّا في نحو (اللهِ لأفعلن).

وأيضاً لو ظهر الجارّ فالعمل للأوّل ، ولا يجوز أن تكون (الواو) في (وَالْأَرْحامَ) للقسم ، لأنه يكون إذن قسم السؤال ، لأن قبله (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) ، وقسم السؤال لا يكون إلّا مع الباء. والظاهر أن حمزة جوّز ذلك بناءً على مذهب الكوفيّين ؛ لأنه كوفي ، ولا نسلّم تواتر القراءات السبع) (٣) ، انتهى كلام الرضيّ.

وأقول : أما الحمل على الشاذّ فشاذّ مخالف للقياس ، والاستعمال مع ما سمعت من ردّه في عبارة الرضيّ بعد الاحتجاج بالأشعار على قراءة حمزة ، ففيما تلونا عليك من نثر غيرها كفاية.

وأمّا حمل الأشعار على الضرورة ، فما ورد منه في النثر يشهد له بعدم كونه كذلك.

ولو سلّمنا أن الواو في (وَالْأَرْحامَ) للقَسَم ، فلا يتأتى لهم حمل (الواو) في كلّ موضع على القسم.

وأما قول المحقّق الرضيّ رحمه‌الله : إن حمزة إنّما جوز ذلك بناء على مذهبه وأصحابه ، فكلام عجيب غريب من مثله ؛ لأنه لم ينفرد بهذه القراءة حمزة وحده ، بل نقلت عن جماعة من السلف [الّذين (٤)] يؤمن منهم القول برأي كوفيّ أو بصريّ ، ولأن القراءة بالرواية لا بالرأي ؛ إجماعاً خصوصاً السبعة ، وإلّا فما بال إمام الكوفية الكسائي لم يقرأ بقراءة حمزة ، وكذا غيره من قرّاء الكوفة؟

__________________

(١) النساء : ١.

(٢) أي والجرّ حاصل بها.

(٣) شرح الرضيّ على الكافية ٢ : ٣٣٦.

(٤) في المخطوط : (الذي).

١٥٣

قال الفاضل النظام النيسابوري في تفسير سورة (النساء) عند الكلام على (تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) ـ : (من قرأ والأرحام بالجرّ فللعطف على الضمير المجرور في به ، وهذا وإن كان مستنكراً عند النحاة بدون إعادة الخافض لأن الضمير المتّصل من تتمّة ما قبله ولا سيما المجرور ، فأشبه العطف على بعض الكلمة إلّا إن قراءة حمزة ممّا ثبت بالتواتر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يجوز الطعن فيها لقياسات نحويّة واهية كبيت العنكبوت) (١) ، انتهى.

وقال الشيخ أبو علي الطبرسيّ في (مجمع البيان) : (واعلم أن عدد أهل الكوفة أصحّ الأعداد وأعلاها إسناداً ؛ لأنه مأخوذ عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه من الصلاة أفضلها وتعضده الرواية الواردة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال فاتحة الكتاب سبع آيات إحداهن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

إلى أن قال قدس‌سره الشريف ـ : (وأما حمزة فقرأ على جعفر بن محمّد الصادق صلوات الله وسلامه عليهما وقرأ أيضاً على الأعمش سليمان بن مهران ، وهو قرأ على يحيى بن وثاب ، وهو قرأ على علقمة ومسروق والأسود بن يزيد ، وهم قرؤوا على عبد الله بن مسعود. وقرأ حمزة على حمران بن أعين ، أيضاً ، وهو قرأ على أبي الأسود الدؤلي ، وهو قرأ على علي بن أبي طالب ، عليه سلام الله) (٢).

وبالجملة ، فأخذ حمزة قراءته بالرواية عن أهل البيت عليهم‌السلام ، وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا لم نعثر فيه على خلاف ، وذكر من صرّح به ونصّ عليه لا يسعه مجلد ، فأين هذا من قوله : (بمقتضى رأي الكوفية) مع أن الرضيّ نفسه قال في باب المفعول معه : (والبصريون يجوّزونه يعني العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار للضرورة وأمّا في حال (٣) السعة ، فيجوزونه بتكلّف ، وذلك بإضمار حرف الجر ، [مع أنه (٤)] لا يعمل مقدّراً لضعفه).

__________________

(١) غرائب القرآن ورغائب الفرقان ٢ : ٣٤١.

(٢) مجمع البيان ١ : ٨ ١٠.

(٣) ليست في المصدر.

(٤) من المصدر ، وفي المخطوط : (بأنه).

١٥٤

ثمّ قال : (والأولى جواز العطف ؛ لوروده في القرآن الشريف ، كقوله تعالى (تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) بالجر في قراءة حمزة) (١).

فانظر أيّ القولين منه أصوب ، وهذا منه مع إمامته في فنّه سهو ، فسبحان عاصم أوليائه.

هذا مع أن هذه كلّها تعليلات في مقابلة الورود ، والتعليل مع صحّته لا يقبل إلّا في تقرير الوارد وتوجيهه ، فكيف مع الفساد ومقابلة الوارد به.

رجعنا إلى ما هو المقصود من تقرير وجوب جر الآل من صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنقول : أما جره فواضح ممّا قررناه ، وأما نصبه فهو إما بالعطف على محلّ الضمير ، أو على المعية ، أو بإضمار فعل متعدّ ، والجميع باطل لا يصحّ.

بطلان القول بنصب «آله» عطفاً على المحل وشروط العطف عليه

أمّا الأوّل ، فلأنهم أجمعوا على أن للعطف على المحل ثلاثة شروط عدا ابن جني ، فإنه خالف في واحد فلم يلتزمه. قال ابن هشام في (مغني اللبيب) : وللعطف على المحل عند المحقّقين شروط :

أحدها : إمكان ظهور ذلك المحل في الفصيح ، ألا ترى أنه يجوز في نحو : ما زيد بقائم ولا قاعداً ، بالنصب أن تسقط الباء ، فتنصب (قائماً) ، وعلى هذا فلا يجوز مررت بزيد وعمراً ، بالنصب خلافاً لابن جنّيّ ؛ لأنه لا يجوّز مررت زيداً؟

ولا تختص مراعاة الموضع بأن يكون العامل في اللفظ زائداً ، كما مثلنا ؛ بدليل قوله :

فان لَمْ تجدْ مِنْ دونِ عدنانَ والداً

ودونَ معدّ فلتزعك العواذل (٢)

الثاني : أن يكون الموضع بحق الأصالة فلا يجوز : هذا ضارب زيداً وأخيه ؛ لأن

__________________

(١) شرح الرضيّ على الكافية ١ : ٥٢٢ ، وفيه : (وقال الأندلسيّ : يجوز العطف على ضعف إن لم يقصد النصّ على المصاحبة ، وهو أولى) بدل : (والأولى جواز العطف).

(٢) البيت للبيد بن ربيعة. ديوان لبيد بن ربيعة (ضمن ديوان الفروسيّة) : ٢٠٤.

١٥٥

الوصف المستوفي لشروط العمل الأصل إعماله لا إضافته ؛ لالتحاقه بالفعل.

الثالث : وجود المحرز ، أي الطالب لذلك المحل (١) ، انتهى ملخّصاً.

وإنّما اشترطوا الشرط الأوّل ؛ لأنهم اشترطوا لصحّة العطف على اللفظ إمكان توجّه العامل إلى المعطوف أو مرادفه ، فإذا لم يصحّ ظهور ذلك المحلّ في المعطوف عليه لم يصح توجّه العامل للمعطوف فافهم. ففي مسألتنا لا يجوز عطف آله على محلّ الضمير البعيد ؛ لأنه لا يصحّ أن تقول : (صلّاهُ الله) ولا (صلّى الله إيّاه) ؛ لعدم وروده. وصحة العطف على محله البعيد مشروطة بصحته ، وإذا بطل الشرط بطل المشروط.

فإن قلت : لم لا يجوز العطف على محل الضمير البعيد وهم يغتفرون في الثواني ما لا يغتفرون في الأوائل؟

قلت : ذلك أمر اضطرّوا له في تصحيح أمثلة وردت عن العرب ووجب قبولها ، وأما هنا فلا يصح الحمل عليه بعد تصريحهم بالمنع من خصوص المسألة. ولنا عن الحمل عليه مندوحة ولا ضرورة ملجئة إليه.

يؤيد ذلك ما قاله الدمامينيّ في (المنهل الصافي) عند قول الماتن : (امتنع الضارب زيد) ـ : يعني : بالإضافة. وضعّف

__________________

(١) مغني اللبيب : ٦١٦ ٦١٧ قال ابن هشام بعد ذكره الشرط الثالث ما ملخّصه : وابتنى على هذا امتناع جملة مسائل :

إحداها : ارتفاع (عمرو) في نحو (إن زيداً وعمراً قائمان) ؛ لأن الطالب لرفع زيد هو الابتداء الذي هو التجرّد ، وقد زال هذا التجرّد بدخول (إن) عليه.

الثانية : ارتفاع (عمرو) في نحو (إن زيداً قائمٌ وعمراً) إذا لم تقدّر (عمرو) مبتدأ بل قدّرته معطوفاً على المحلّ. والبصريّون منعوا هذا لمانع هو غير المحرز ؛ لأنهم لم يشترطوه ، والمانع عندهم هو توارد عاملين : (إن والابتداء).

الثالثة : ارتفاع (عمرو) وانتصابه في نحو (أعجبني ضربُ زيدٍ وعمروٍ) ؛ لأن الاسم المشبّه بالفعل من حيث عمله ، وهو هنا مصدر (الضرب) لا يعمل في اللفظ حتّى يكون محلّى بلام التعريف ، أو منوّناً أو مضافاً.

الرابعة : انتصاب (عمرو) في نحو (هذا ضارب زيدٍ وعمروٍ).

انظر مغني اللبيب : ٦١٧ ٦١٨.

١٥٦

الواهبُ المائةَ الهجانَ وعبدها

............ (١)

إذ الأوّل مباشر والثاني تابع. وعلى هذا التعليل جاز (الضارب الرجل وزيد) ، قال الشارح الدماميني ـ : (لأنه تابع لا مباشر ، وقد يحتمل في التابع ما لا يحتمل في المتبوع ؛ بدليل (ربّ رجل وغلامه) و (كلّ شاة وسخلتها) ، مع امتناع (رب غلامه) ، و (كلّ سخلتها).

قلت : وفيه نظر ؛ لأن التعليل بالتبعيّة إنّما هو توجيه لأمر يسمع على سبيل الندور والقلّة ولا يلزم اطّراده في كلّ محلّ. على أن سيبويه مذهبه في ذينك المثالين أن ضمير (غلامه) و (سخلتها) نكرة ، كما في (ربّه رجلاً) ؛ [وعلّله] أن الضمير الراجع إلى نكرة غير مختصّة بحكم من الأحكام نكرة) ، إلى هنا كلام الدماميني ، وهو صريح في المطلوب.

بلى يصحّ ذلك على مذهب ابن جنّيّ ، ومن تبعه كالقاضي في تفسيره ، ولكنه غير معلوم الصحّة ، والحقّ أحقّ أن يتّبع.

بطلان القول بنصب «آله» على المعيّة

وأمّا الثاني أعني نصبه على أنه مفعول معه ففاسد أيضاً ؛ وذلك أنّك إذا قصدت نصب آله على المعيّة صار معنى قولك صلى‌الله‌عليه‌وآله الصلاة عليه وحده في حال مصاحبته لآله ، ولا يقصد هذا ذو حجىً ممّن يريد براءة الذمّة ، لأن المفعول معه لا يجوز قصد تشريكه في حكم المصاحب ، ولو كان في الواقع مشاركاً له ، إلّا إن الشركة ليست مقصودة ولا مفهومة من موضوع الكلام. ولو قصد التشريك لوجب العطف وبطلت المعيّة ، أعني : قصد المصاحبة.

هذا هو الفرق بين معنى المعيّة والعطف ؛ لأن العطف لا يقصد فيه إلّا مجرّد التشريك

__________________

(١) البيت للأعشى الكبير (ميمون بن قيس) ، وتمامه : (عوذاً تزجّي خلفها أطفالها). ديوان الأعشى الكبير : ٢٩ / ٣ ، شرح الرضيّ على الكافية ٢ : ٢٣١ / ٢٨٥ ، ٢ : ٣٣٩ ، ولم ينسبه لأحد.

١٥٧

بين المتعاطفين ، وإن كان هناك في الواقع مصاحبة ، إلا إنها غير مقصودة ولا مفهومة من موضوع الواو العاطفة ، بل عمّم الأمر نجم الدين سعيد فحكم بأن كلّاً من واو العطف والمعيّة موضوع للمصاحبة. وإنّما الفرق بينهما أن العاطفة تفيد مع المصاحبة التشريك في الحكم ، بخلاف واو المفعول معه ؛ فإنها لا تدلّ إلّا على مطلق المصاحبة وإن كان في العاطفة ، مخالفاً لما هو المشهور بينهم من أن العاطفة لمطلق الجمع.

ولا يصح مثالنا ويقبله الله تعالى إلّا إذا قصد التشريك بين المُظهَر والكناية في الصلاة ، وهو مستحيل مع نصبه على أنه مفعول معه.

فإن قلت : كلام الرضيّ رحمه‌الله تعالى صريح في صحّة قصد التشريك في المفعول معه ؛ لأنه قال : (ونعني بالمصاحبة كونه يعني المفعول معه مشاركاً لذلك المعمول يعني المصاحب في ذلك الفعل في وقت واحد ، فـ (زيد) في (سرت وزيداً) مشارك للمتكلم في السير في وقت واحد أي وقع سيرهما معاً وفي قولك : (سرت أنا وزيد) بالعطف يشاركه في السير ، لكن لا يلزم كون السيرين في وقت واحد) (١) ، انتهى. وهو صريح لا يقبل التأويل.

قلت : هذا سهو لا يجوز المصير إليه ، ولا التعويل عليه ؛ لمخالفته لما صرّح به جلّ أرباب الصناعة ، ولعلّه نشأ من اشتراط الأخفش (٢) ، والخليل في نصب الاسم على أنه مفعول معه جواز عطفه من حيث المعنى على مصاحبه ؛ لأنه قرره وذلك بناءً على أن (الواو) أصلها العطف أي أن واو المصاحبة أصلها واو العطف بمعنى أن المفعول معه في الأصل معطوف عدل به إلى النصب ؛ لقصد التنصيص على المصاحبة مع بقاء مشاركته لما قبله ، كما هو صريح عبارة الرضيّ.

وفيه :

أمّا أولاً ، فلا نسلّم أنها واو العطف ، بل [هي (٣)] غيرها وضعاً ، كما هو ظاهر

__________________

(١) شرح الرضيّ على الكافية ١ : ٥١٥.

(٢) عنه في شرح الرضيّ على الكافية ١ : ٥١٩.

(٣) في المخطوط : (في).

١٥٨

من عبارات أئمّة الفن.

وأما ثانياً ، فلأن مقتضى هذا أن (واو) المعيّة (واو) العطف ، والمفعول معه معطوف عُدل به عمّا يقتضيه العطف لغرض. وفيه إخراج حرف العطف عن مقتضاه الوضعي بلا دليل ، وإبطال أثره مع بقاء الوضع ، وإلغاء للعامل بحسب الوضع على تقدير كونه عاملاً أو جزءَ عامل ، وإخراج للفعل السابق عن مقتضاه من العمل إن لم يكن ، أو اجتماع أثرين متنافيين من مؤثّرين في محلّ واحد هو المفعول معه ، أو صدور أثرين متنافيين دفعة من مؤثّر واحد على الخلاف في العامل في المعطوف والمفعول معه.

وأما ثالثاً ، فلأنه لا يبقى فرق ولا يتحقّق تنصيص حين كون المصاحب مفعولاً ولا يرد جواز الوجهين أعني : النصب والعطف في صورة واحدة إجماعاً ؛ لأنا لا نسلّم أن ذلك تركيب واحد ، بل هما تركيبان مختلفان بحسب الوضع.

قال البدر الدماميني بعد ما نقل كلام الرضيّ في (المنهل الصافي) ـ : (ويرد عليه نحو (سير والطريق) ؛ فإنه من صور المفعول معه ، فلا نزاع. وليس للطريق مشاركة للمخاطب في السير المأمور به.

وقد صرّح بعضهم بأن المراد بالمصاحبة هنا : المصاحبة المطلقة ، سواء لم يكن ثَمّ تشريك في الحكم ، كالمثال الذي أوردناه ، أو كان ثَمّ تشريك لكنه غير مقصود ، بل القصد إلى مطلق المصاحبة) ، إلى هنا كلام الدماميني.

وقال ابن مالك في ألفيّته :

يُنصب تألى الواو مفعولاً مَعَهْ

في نحو (سيري والطريقَ مسرعهْ) (١)

والتمثيل رمز وتكميل.

وقال ابنه بدر الدين عند كلامه على هذا البيت : (ينصب المفعول معه ، وهو الاسم المذكور بعد (واو) بمعنى (مع) أي دالّة على المصاحبة بلا تشريك في الحكم ـ

__________________

(١) شرح ألفيّة ابن مالك (ابن الناظم) : ٢٧٨ (المتن).

١٥٩

وقد شمل هذا التعريف لما كان من المفعول معه غير مشارك لما قبله في حكمه ، نحو (سيري والطريق) ، ولما كان منه مشاركاً لما قبله في حكمه ، ولكنه أعرض عن الدلالة على المشاركة ، وقصد إلى مجرّد الدلالة على المصاحبة نحو : (جئت وزيداً) (١) ، انتهى كلام بدر الدين.

وفي مختصر شرح الحريري على مُلحَته عند الكلام على قوله :

(وإن أقمتَ (الواوَ) في الكلامِ

مقامَ (معْ) فانصبْ بلا ملامِ

تقول جاء البرد والحبابا

واستوت المياه والأخشابا

وما صنعت يا فتى وسعدى

فقس على هذا تصادف رُشْدا

أي إذا دلت (الواو) على مجرّد المعية من غير مشاركة في الفعل فانصب ما بعد الواو ، ويسمى : المفعول معه) ، انتهى.

والعبارات الصريحة في هذا المعنى كعبارة نجم الدين سعيد في شرح الحاجبية ، والشارح الجامي (٢) ، وغيرهما (٣) كثير جدا.

قال نجم الدين سعيد : (هذه (الواو) واو المفعول معه موضوعة للمصاحبة المطلقة ، سواء لا يكون تشريك في الحكم على (سير والطريق) ، أو يكون شركة ، لكن لا تكون مقصودة ، بل القصد إلى مطلق المصاحبة ، نحو : جئت وزيداً) ، انتهى.

وقال قدوة المتأخّرين الشيخ ياسين البحراني في فوائده : (المفعول معه هو اسم ذكر بعد (واو) لمصاحبته بغير تشريك ، نحو (سرت والنيل) ، و (مالك وزيداً) ، فإن صحّ العطف بلا ضعف خرج عن المفعولية اختياراً ، ومعه يتعيّن لها كذلك (٤) ، ومطلقاً إن لم يصح العطف ، ويجب إن لم يصحّ لها ، فالأقسام أربعة) ، انتهى.

مع أن كثيراً من صور المفعول معه تخرج على تقدير مدّعى الرضيّ ، والتكلّف لا

__________________

(١) شرح ألفيّة ابن مالك : ٢٧٨.

(٢) الفوائد الضيائيّة ١ : ٣٧٨.

(٣) شرح ألفيّة ابن مالك (ابن الناظم) همع الهوامع ٢٨٦ ، همع الهوامع ١ : ٢١٩ ٢٢٠.

(٤) أي ومع العطف بضعف يتعيّن للمفعوليّة.

١٦٠