رسائل آل طوق القطيفي - ج ٤

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٩

يؤسّس حكماً ولا يمهّد قاعدة.

رجع

ولو تنزلنا وسلمنا صحة نصب آله على أنه مفعول معه ، لم يصح إلّا على مذهب الأخفش ، وأبي علي ؛ لأنهما يقيسان باب المفعول معه (١). وأما على مذهب من يقصره على السماع وهو قول الأكثرين فلا نزاع في عدم صحّته عندهم إلّا بعد ثبوت نصب آله بالرواية ، ولم يروه أحد.

بطلان القول بنصب «آله» بفعل متعدّ

وأما الثالث وهو نصب آله بإضمار فعل متعدّ مناسب للموجود ففاسد أيضاً :

أمّا أوّلاً ، فلأن الحذف خلاف الأصل.

وأمّا ثانياً ، فلأنه حذف لركني الإسناد بلا دليل يدلّ عليه ويعين المسند ، وهو ممنوع.

ما يفتقر إليه الحذف

قال التفتازاني : (الحذف يفتقر إلى أمرين :

أحدهما : قابليّة المقام ، وهو أن يكون السامع عارفاً به لوجود القرائن.

والثاني : الداعي الموجب للحذف) (٢) ، انتهى.

وكلا الأمرين مفقود في مسألتنا ، فإن ادّعيت أن الفعل الموجود أعني صلّى هو القرينة الدالّة على المحذوف ، وسلمنا لك تلك الدعوى ؛ فإمّا أن تفرض المحذوف مغايراً للموجود ، فتقع في المحذور أعني : عدم دخول الآل معه في الصلاة عليه وإمّا أن تفرضه مرادفاً له ، فتخرج عن الأصل بلا دليل ، ولا داعٍ ؛ إذ الأصل عدم الاشتراك ، لأدائه إلى الإلباس ، حتّى إن جماعة نفوه أصلاً. ثمّ المثبتون له يقولون : متى عارضه غيره ممّا يخالف الأصل كالمجاز قُدّم عليه ، فكيف إذا

__________________

(١) شرح الرضيّ على الكافية ١ : ٥٢٦.

(٢) المطوّل : ٦٧.

١٦١

عارضته الحقيقة؟

ولنا مندوحة في التخلّص من هذه الشبهات بوجه عربيّ مسموع شائع ، فإذا ثبت عدم صحّة نصب آله على أنه مفعول معه ، أو بالعطف على موضع الضمير البعيد ، أو بإضمار فعل متعدّ ، ثبت وجوب جرّه بالعطف على موضع الضمير القريب ، أو إضمار حرف جرّ كما يراه البصريّون ، على ما تقدّم من نقل الرضيّ رحمه‌الله عنهم.

هذا ولو تنزّلنا وأرخينا العنان ، وكسرنا السنان ، وسلمنا صحّة دعوى وجوب الإعادة ، وصحّة نصبه على أحد الوجوه الثلاثة ، وقلّدنا ابن جنّيّ بلا دليل ، لكفى حجة قاطعة على وجوب جرّ آله بعد ما مضى كلّه ما قاله السيد الجليل نعمة الله الجزائري في شرح (السجادية) عند قول الإمام زين العابدين صلوات الله وسلامه عليه ـ والحمد لله الّذي منّ علينا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله دون الأُمم الماضية (١) قال رحمه‌الله تعالى ـ : (في قوله عليه‌السلام وآله بالجرّ دليل قاطع على ما ذهب إليه الكوفيّون من جواز العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجارّ في سعة الكلام ، وقراءة حمزة وَالأرْحَام بالجرّ وقول بعض العرب : فاذهب فما بك والأيّامِ من عجب وغيرهما دليل عليه. ومنعه البصريّون اختياراً ؛ لأن فيه العطف على جزء الكلمة ، ولا يسمع هذا بعد الورود.

نقل كلام الفاضل الداماد

وقال الفاضل الداماد : (صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بالجر على ما قد بلغنا بالضبط على النسخ المعوّل على صحّتها جميعا ، ورويناه بالنقل المتواتر في سائر الأعصار إلى عصرنا هذا.

وما في حواشي (الجنة الواقية) للشيخ الكفعمي : (إن الصواب (صلى الله عليه

__________________

(١) الصحيفة الكاملة السجاديّة : ٣٩.

١٦٢

وعلى آله) ، لا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلّا على تقدير أن يكون الآل منصوباً بالعطف على موضع الهاء من عليه) (١) ففاسد ، وأفسد منه جعل (الواو) عاطفة كما لا يخفى) (١) ، انتهى.

وعلى تقدير تصحيح مذهب البصريّين يمكن أن يقال : النكتة في ترك الجار هاهنا توافق الاتّصال اللفظي مع الاتّصال المعنويّ ، حتّى كأن الفاصل اللفظي لا ينبغي أن يكون) ، إلى هنا كلام السيد نعمة الله قدس‌سره.

وكذلك ضبطه السيّد علي خان (٢) بالجرّ.

فبعد أن يروي هؤلاء الأئمّة جرّ آله خلفاً عن سلف لا يجوز العدول إلى غيره وإن صحّ في صناعة العربيّة إلّا بدليل قاطع يعارض هذه الرواية. كيف ، وهو غير صحيح فيها؟ وإثبات الدليل على خلاف الجرّ محال.

__________________

(١) المصباح : ١٠٧ / الهامش : ٥ ، وفيه : (قال الشيخ الكراجكي قدّس الله سرّه في الجزء الثاني من كتابه (كنز الفوائد) : إني رأيت جماعة يُنكرون على من يفرّق بين اسم النبيّ وآله عليهم‌السلام ب (على) ، ويزعمون أنهم يأثرون في النهي عن ذلك خبراً ، ولم أسمع خبراً يجب التعويل عليه في هذا المعنى. والذي صحّ عندي في ذلك هو ما دلّ عليه علم اللغة العربيّة من أن الاسم المضمر إذا كان مجروراً لم يحسن أن يعطف عليه بدون إعادة الحرف الجارّ ، تقول : مررت بك وبزيد [ونزلت] (٣) عليك وعلى عمرو ؛ لأن ترك ذلك [لحن] (٤).

فالصّواب أن يقال : صلّى الله عليه وعلى آله ، إلّا على تقدير أن يكون ال «آل» منصوباً بعطف على موضع الهاء من (عليه) ؛ لأن موضعها نصب بوقوع الفعل وإن كانت مجرورة ب (على).).

(٢) شرح الصحيفة الكاملة السجاديّة : ٩٤ ٩٥ ، وفيه : (وأما الرواية المشهورة في ذلك فيما يدور على الألسن ، فقد سمعناها مذاكرة من الشيوخ ولم يبلغنا بها إسناد معتبر في شي‌ء من أُصول أصحابنا ومصنّفاتهم. وما في حواشي (جنة الأمان) للشيخ الكفعمي عن شيخنا الكراجكي قدس‌سره في الجزء الثاني من كتابه (كنز الفوائد) ..). ثم ساق نصّ العبارة المنقولة في الهامش : ١ من هذه الصفحة ، إلى قوله : (وإن كانت مجرورة ب (على) ..) ، ثم قال : (فليس من طوار الصحّة بمولج فإن الكوفيين يسوّغون الترك في حالتي الضرورة والسعة من غير تمحّل أصلاً).

(٣) رياض السالكين في شرح صحيفة سيّد الساجدين عليه‌السلام ١ : ٤٢٦.

__________________

(١) من شرح الداماد ، وفي (المصباح) الذي بين أيدينا : (رأيت).

(٢) من شرح الداماد ، وفي (المصباح) الذي بين أيدينا : (حسن).

١٦٣

ووجه قول الفاضل : (فاسد ، وأفسد منه ..) (١) ظاهر ممّا تقدّم من روايته.

وأيضا تتبّعت كثيراً من كتب الدعوات المأثورة عن الهداة ، فما مر بي لفظ صلى‌الله‌عليه‌وآله أو (عليك وآلك) ، ولفظ آل ، مضبوطاً في الخطّ إلّا [وكان ضبطه] بالجرّ ، ومن البعيد جدّاً أن يكون كلّه غلطاً قد اتّفقت عليه النسخ المضبوطة وغيرها.

فإن قلت : إذا ثبتت الرواية عنه عليه‌السلام بجرّة ، فما وجه تطبيقه على مذهب البصريّين لأنهم فضلاء ، بل أكثرهم قدوة في فنه ، فمراعاة مذهبهم مطلوبة البتة.

قلت : البصريون لا ينكرون ورود مثله في كلام العرب إلّا إنهم يقدّرون فيما ورد من ذلك حرف الجرّ ولا يقيسونه ، بل ما نقله الرضيّ فيما تقدّم أعمّ من ذلك فراجعه. فجر مثلِ مثالنا مجمع على صحّته ، وأمّا نصبه فكما ترى ، فلا أقلّ من أن تسلك طريق الاحتياط ، والله المرشد للصواب ، وإليه المرجع والمآب. فانظر بعين البصيرة والإنصاف ، وتأمّل بقلب راضٍ وفكر صافٍ ، واصفح صفحاً جميلاً.

__________________

(١) يلاحظ أنه لم ترد هذه العبارة في كلام الفاضل الداماد عن الكفعميّ في نسخة (شرح الصحيفة) الموجودة عندنا ، وما نقله الكفعميّ رحمه‌الله ليس منه بل هو عن الكراجكيّ. وبهذا لا تتمّ الإشارة إلى القائل ب (الفاضل).

١٦٤

خاتمة

في معنى الصلاة لغة

الصلاة في أصل اللغة العربية معناها الدعاء (مطلقاً) كما هو المشهور (١) ، أو (بخير) كما قيده خالد في ([شرح] التصريح) (٢).

وقال ابن هشام في (مغني اللبيب) : (الصلاة لغة بمعنى العطف ، ثمّ العطف بالنسبة إلى الله تعالى الرحمة ، وإلى الملائكة الاستغفار ، وإلى الآدميّين دعاء بعضهم لبعض) (٣) ، انتهى.

وقد رَدّ على المشهور بأنه لو قيل مكان صلى عليه : دعا عليه انعكس المعنى ، [بقوله] : و (حق المترادفين صحّة حلول كلّ منهما محل الآخر) (٤).

وفي (الصافي) : عن (ثواب الأعمال) (٥) عن الكاظم عليه‌السلام أنه سئل : ما معنى صلاة الله ، وصلاة ملائكته ، وصلاة المؤمن في قوله تعالى (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٦)؟ قال عليه‌السلام صلاة الله رحمة من

__________________

(١) لسان العرب ٧ : ٣٩٨ صلا.

(٢) شرح التصريح على التوضيح ١ : ١٠ ١١.

(٣) مغني اللبيب : ٧٩١.

(٤) مغني اللبيب : ٧٩٢.

(٥) ثواب الأعمال : ١٨٧ / ١.

(٦) الأحزاب : ٥٦.

١٦٥

الله ، وصلاة الملائكة تزكية منهم له ، وصلاة المؤمنين دعاء منهم له (١).

فهي في الأوّلين مجاز وفي الأخير حقيقة على ما هو المشهور الظاهري. وبالنظر الرفيع : الأوّل هو الحقيقة ، والباقيان مجاز أقربهما لها صلاة خلّص المؤمنين ، ثمّ الملائكة ، ثمّ سائر البشر.

وفيه عن (المعاني) (٢) عن الصادق عليه‌السلام أنه سئل عن هذه الآية ، فقال الصلاة من الله تعالى الرحمة ، ومن الملائكة تزكية ، ومن الناس دعاء. وأما قوله عزوجل (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ، يعني التسليم فيما ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله. قيل : فكيف نصلّي على محمّد؟ قال تقولون : صلوات الله ، وصلوات ملائكته ، وأنبيائه ، ورسله وجميع خلقه على محمّد وآل محمّد ، والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته. قيل : فما ثواب من صلّى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه الصلاة؟ قال الخروج من الذنوب والله كهيئته يوم ولدته امه (٣). وهذا الحديث كالأوّل في معنى الصلاة.

قال القمّيّ : (صلاة الله عليه تزكية له وثناء عليه ، وصلاة الملائكة مدحهم له ، وصلاة الناس دعاؤهم له والتصديق والإقرار بفضله) (٤).

وفي (المحاسن) عن الصادق عليه‌السلام أنه سئل عن هذه الآية ، فقال أثنوا عليه وسلموا له (٥).

وفي (العيون) عن الرضا عليه‌السلام في مجلسه مع المأمون قال وقد علم المعاندُون منهم أنه لما نزلت هذه الآية قيل : يا رسول الله ، قد عرفنا التسليم عليك ، فكيف الصلاة عليك؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : تقولون اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد (٦).

__________________

(١) التفسير الصافي ٤ : ٢٠١.

(٢) معاني الأخبار : ٣٦٧ ٣٦٨.

(٣) التفسير الصافي ٤ : ٢٠١ ، وفيه : «كهيئة» بدل : «كهيئته».

(٤) تفسير القمّيّ ٢ : ١٩٦.

(٥) المحاسن ٢ : ٥٣ / ١١٥٦.

(٦) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٣٦ ، وليست فيه : «وقد علم المعاندون».

١٦٦

وعن الرضا عليه‌السلام فيما كتبه من شرائع الدين والصلاة على النبي واجبة في كلّ موطن ، وعند العطاس ، والذبح وغير ذلك.

وفي (الخصال) مثله عن الصادق عليه‌السلام (١).

وفي (الكافي) (٢) و (الفقيه) (٣) عن الباقر عليه‌السلام وصلّ على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان وغيره ..) (٤).

وروى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال مَنْ ذُكرت عنده فلم يصلّ عليّ فدخل النار ، فأبعده الله (٥).

وروى عن النبي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عن قول الله تعالى (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٦) ، فقال هذا من العلم المكنون ، ولو لا أنكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به ، إن الله تعالى وكلّ بي ملكين ، فلا أذكر عند مسلم فيصلّي عليّ إلّا قال له ذانك الملكان : غفر الله لك ، وقال الله وملائكته : آمين ، ولا اذكر عند مسلم فلا يصلّي عليّ إلّا قال له ذانك الملكان : لا غفر الله لك ، وقال الله وملائكته : آمين (٧).

تمت والحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله وسلم تسليماً كثيراً ، لعشرٍ بقين من شهر رمضان المعظّم سنة (١٢٠٧) (٨) السابعة والمائتين والألف ، ملتمساً من الواقف على هذه الرسالة ، من العلماء الأعلام ، والسادة الكرام أن يمنّ علي بالنظر لها بعين الرضا ، مجتهداً في تصحيح وإصلاح ما فيها من خطأ أو سهو يغضب به الرحمن ، ويخفّ به الميزان ، وأن يسأل الكريم المنّان لي ولوالديّ العفو والرضوان ، والعتق من النيران ، والخلود في الجنان ، وجميع المؤمنين والمؤمنات.

__________________

(١) الخصال ٢ : ٦٠٧ / ٩ ، أبواب المائة فما فوقه.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٣ / ٧ ، باختلاف يسير.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٤ ١٨٥ / ٨٧٥ ، باختلاف يسير.

(٤) التفسير الصافي ٤ : ٢٠١ ٢٠٢.

(٥) بحار الأنوار ٨٢ : ٢٧٩ ، المعجم الكبير ١٩ : ٢٩١ ٢٩٢ / ٦٤٩.

(٦) الأحزاب : ٥٦.

(٧) الكشاف ٣ : ٥٥٧.

(٨) في المخطوط : (١٠٢٧).

١٦٧

كملت كتابتها بعون الله تعالى ومنّه ليلة السبت الثانية والعشرين من شهر شعبان من سنة (١٢٤١) الحادية والأربعين والمائتين والألف بقلم مكّي بن علي بن هاشم الموسوي الخطي (١).

__________________

(١) وردت هذه العبارة في أول الرسالة : هذه رسالة مختصرة وجيزة في مسألة إعراب «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وكشف الغطاء عن نقابها لذوي الفن ، من طلابها. تأليف العالم العامل ، الحبر المدقق المحقّق الفاضل ، شيخنا ومقتدانا أحمد ابن الشيخ صالح آل طوق ، دامت سعوده.

١٦٨

الرسالة الحادية والعشرون

إعراب «وآله» من «صلى‌الله‌عليه‌وآله»

١٦٩
١٧٠

بسم الله الرحمن الرحيم

ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ، وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين ، والحمد لله ربّ العالمين.

تقرير المسألة

مسألة : من الصيغ الواردة عن أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين في الصلاة على محمّد وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، بدون إعادة الجارّ ، كما هو في كلامهم أشهر من الشمس في رابعة النهار ، فما إعراب لفظ آله في هذه الصيغة؟

__________________

(١) الصحيفة الكاملة السجاديّة : ٣٩.

١٧١
١٧٢

طرق الاستدلال على وجوب الجر

فنقول : الذي يظهر لي من قواعد العربيّة ومن الاعتبار ، ومن تتبّع ما ورد عن أهل البيت في لفظ هذه الصيغة وجوب الجرّ ، وأن النصب لا يجوز بوجه أصلاً ، والدليل عليه من طرق ثلاثة :

الدليل النقلي

أحدها : أنّا تتبّعنا كتب الدعاء والأخبار والخطب فما وجدنا هذه الصيغة في الكتب المصحّحة المضبوطة التي مرّت عليها أبصار العلماء المطّلعين والحفّاظ الضابطين إلّا معربة بالجرّ ، وقد اعترف بذلك غير واحد من الأئمة الفطنين الضابطين. قال السيّد نعمة الله في (شرح الصحيفة الكريمة السجّاديّة) عند شرح قوله عليه سلام الله ـ والحمد لله الذي مَنّ علينا بمحمّد نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ـ : (وفي قوله وآله بالجرّ كما هو المتّفق عليه في النسخة دليل قاطع على ما ذهب إليه الكوفيّون (٢) من جواز العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجارّ في سعة

__________________

(١) الصحيفة الكاملة السجاديّة : ٣٩.

(٢) الإنصاف في مسائل الخلاف ٢ : ٤٦٣ ، شرح الرضيّ على الكافية ٢ : ٣٣٦ ، شرح ابن عقيل ٣ : ٢٣٩ ، همع الهوامع ٢ : ١٣٩ ، حاشية الصبّان على شرح الأشمونيّ (المتن) ٣ : ١١٤.

١٧٣

الكلام ، وقراءة حمزة وَالأرْحَامِ (١) بالجرّ (٢) ، وقوله :

……… ..

فاذهب فما بك والأيام من عجب (٣)

وغيرهما دليل عليه.

ومنعه البصريّون (٤) اختياراً ؛ لأنّ فيه العطف على جزء الكلمة. ولا يُسمع هذا بعد الورود. قال الفاضل الداماد : (صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بالجرّ على ما قد بلغنا بالضبط على النسخ المعوّل على صحّتها جميعاً ، ورويناه بالنقل المتواتر في سائر العصور إلى عصرنا هذا) (٥) ..) ، انتهى (٦).

وقال المجلسي في شرحه على (السجّاديّة) المعظّمة في شرح هذه الفقرة : (اعلم أن المضبوط في النسخ المصحّحة من الصحيفة وغيرها في أمثال هذه الصلاة وآله بالجرّ ، وهو عطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجارّ. ولا خلاف في جوازه في الاضطرار ، وأمّا في الاختيار فذهب البصريّون إلى امتناعه ، والكوفيّون إلى جوازه مستدلّين بقراءة حمزة في قوله تعالى (تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) بالجرّ.

وأجاب بعض المانعين بأنّ حرف الجرّ مقدّر.

وأُجيب بأنّ حرف الجرّ لا يعمل مقدّراً إلّا في نحو : (اللهِ لأفعلنّ) (٧).

__________________

(١) النساء : ١.

(٢) مجمع البيان ٣ : ٥ ، غرائب القرآن ورغائب الفرقان ٢ : ٣٣٨ ، النشر في القراءات العشر ٢ : ٢٤٧ ، شرح الرضيّ على الكافية ٢ : ٣٣٦ ، الإنصاف في مسائل الخلاف ٢ : ٤٦٣.

(٣) البيت من شواهد سيبويه الّتي لم تعز لقائل معيّن. انظر : الإنصاف في مسائل الخلاف ٢ : ٤٦٤ ، شرح الرضيّ على الكافية ٢ : ٣٣٦ ، شرح ابن عقيل ٣ : ٢٤٠ ، همع الهوامع ٢ : ١٣٩ ، حاشية الصبّان على شرح الأشمونيّ (المتن) ٣ : ١١٥ ، خزانة الأدب ٢ : ٣٣٨. وقد نصّ البغداديّ على أنه من شواهد سيبويه الخمسين التي لم يعرف لها قائل. خزانة الأدب ٢ : ٣٤٠.

(٤) الإنصاف في مسائل الخلاف ٢ : ٤٦٣ ، شرح الرضيّ على الكافية ٢ : ٣٣٦ ، همع الهوامع ٢ : ١٣٩.

(٥) شرح الصحيفة الكاملة السجادية (الداماد) : ٩٤ ، ولم يرد فيه لفظة : (جميعاً).

(٦) أي كلام السيّد نعمة الله الجزائري.

(٧) شرح الرضيّ على الكافية ٢ : ٣٣٦.

١٧٤

وأجاب آخرون بحمل الواو على القسم.

وضُعّف بأنه يكون إذن قسَمَ السؤال ؛ لأنّ قبله (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ) ، وقسم السؤال لا يكون إلّا مع الباء (١).

واستدلّوا أيضاً بقول الشاعر :

فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا

فاذهب فما بك والأيّام من عجب

بجرّ الأيام ، وبغيره من الأشعار. وحملها البصريّون على الاضطرار.

نقل كلام الفاضل الداماد

قال سيّد المحقّقين : (صلى‌الله‌عليه‌وآله بالجرّ على ما بلغنا بالضبط في النسخ المعوّل على صحّتها جميعاً. ورويناه بالنقل المتواتر في سائر العصور إلى عصرنا هذا ، [بإسقاط (٢)] إعادة الجارّ مع العطف على الضمير المجرور عن حريم اللهجة لا عن ساحة الطيّة ، للتنبيه على شدّة ارتباطهم واتّصالهم به ، وكمال دنوّهم وقربهم منه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بحيث لا يصحّ أن يتخلّل هناك فاصل أصلاً ، كما في التنزيل الحكيم في قوله سبحانه (تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) على الجرّ في قراءة حمزة ، وفي قول الشاعر على ما نقله في (الكشاف) (٣) :

..............

فاذهب فما بك والأيّامِ من عجب)

إلى أن قال : (وما في حواشي (جنة الأمان) للشيخ الكفعميّ نقلاً عن الكراجكيّ في الجزء الثاني (٤) من (كنز الفوائد) ـ : (والصحيح عندي في ذلك ، هو ما دلت عليه العربيّة ، من أن الاسم المضمر إذا كان مجروراً لم يحسن أن يعطف عليه إلّا بإعادة

__________________

(١) شرح الرضيّ على الكافية ٢ : ٣٣٦.

(٢) في المخطوط : (وإسقاط).

(٣) الكشّاف ١ : ٤٦٢.

(٤) ورد في هامش الشرح على (الصحيفة) للداماد أن في بعض نسخه أنه الجزء الثالث.

١٧٥

الجارّ ، تقول : مررت بك وبزيد ، ونزلت عليك وعلى عمرو ؛ لأنّ ترك ذلك لحن. فالصواب أن يقال : صلى الله عليه وعلى آله ، لا صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، إلّا على تقدير أن يكون الآل منصوباً بالعطف على موضع الهاء من عليه ؛ لأنّ موضعها نصب لوقوع الفعل ، وإنْ كانت مجرورة بـ (على) ..) (٢).

فليس من طوار الصحّة بمولج ، فإنّ الكوفيّين يسوّغون الترك في [حالتي] (٣) الضرورة والسعة من غير تمحّل أصلاً ، وأمّا البصريّون فإنّهم يُخِصّون التسويغ بحالة الضرورة ؛ مراعاة لحقّ البلاغة ، وتنبيهاً على ما في المقام من الفائدة ، كما قد تلوناه عليك.

وأيضاً إنّما كلام الفريقين في المحذوف لا في المنويّ المسقط من اللفظ لا عن النية ، فلا تكوننّ من الغافلين) (٤) ، انتهى كلام الداماد.

ثمّ قال بعده المجلسيّ : (أقول : ومنهم من وجّه النصب بكون الواو للمعيّة ، والحقّ جواز القراءة بالجر ، كما ذكره السيد رحمه‌الله لموافقته لمذاهب كثير من أهل العربيّة ، ولضبط النسخ عن العلماء الأعلام ، وكلهم كانوا فصحاء من أهل اللسان ، فإما أن يكونوا جوّزوا ذلك برأيهم ، أو وصل إليهم بالنقل المستفيض عن المعصوم كذلك ، والأخير أظهر) ، إلى هنا كلام المجلسي رحمه‌الله.

وقال من انتهت إليه رئاسة زمانه الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائيّ في (شرح الزيارة الجامعة الكبيرة) : (اعلم أنّك إذا قلت صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّ بعض أهل العربيّة ينصبون ال ـ (آل) ؛ لأنّ العطف على الضمير بدون إعادة الجارّ قبيح ، بل ربّما منعه بعضهم. والأكثر على جواز الجرّ ، وقد قرأ حمزة (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) ، بجرّ الأرحَام.

__________________

(١) قوله : (لا «صلى‌الله‌عليه‌وآله») ليس في المصدر.

(٢) المصباح : ١٠٧ / الهامش : ٥.

(٣) من المصدر ، وفي المخطوط : (حال).

(٤) شرح الصحيفة الكاملة السجّاديّة : ٩٤ ٩٥.

١٧٦

هذا ما يعرفه أهل اللغة ، وأمّا الموجود في كتب الأدعية المرويّة عنهم عليهم‌السلام المصحّحة المعربة فكلّها بجر آله ، لا يكاد يوجد في جميع أحاديثهم موضع بالنصب بحسب ما ورد عنهم عليهم‌السلام ، إلّا ما كان في بعضها من وضع الفتح بالأحمر ، وهو من إعراب الرواة والنقلة ؛ التفاتاً إلى أصل العربيّة.

ولقد رأيت مسائل للشيخ ناصر الجبيليّ الأحسائيّ سأل بها الشيخ حسين بن محمّد بن جعفر الماحوزيّ رحمهما‌الله تعالى وكان من مسائله هذه المسألة ، فأجاب الشيخ حسين المذكور بما معناه : أن الأكثر في أدعيتهم عليهم‌السلام الجر ، وفي كثير منها بالفتح ، وذكر أصل القاعدة. وهو رحمه‌الله نظر في جوابه إلى ما قرّروه في النحو ، وإلّا فالوارد عنهم عليهم‌السلام بالجر.

نعم ، ربما كتب بعض النسّاخ الفتح ، نظراً إلى اللغة ، وأنه أرجح من الجرّ فكتب نسخة بالفتح.

وهذا وإنْ كان مرجوحاً بالنسبة إلى المشهور عند النحويّين ، إلّا إنه لغة صحيحة ، وكانت اللغة تتبدّل وتتعدّد باختلاف القرون ، فربما يشتهر بعض الألفاظ أو الإعراب في هذا القرن وتنعكس الشهرة في القرن الّذي يكون بعده ، ويسمّون المشتهر الأوّل شاذّاً نادراً ، وليس إلّا لقلّة استعماله في زمانهم.

ولهذا كان القرآن الّذي نزل على أعلى درجات الفصاحة والبلاغة مشتملاً على اللغات الشاذة ، وليست شاذّة وإنّما كان استعمالها في زمن نزول القرآن قليلاً ، فكانت بقلّة استعمالها شاذّة كما في (كُبّاراً) (١) و (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) (٢) ، والأصل أن القرآن محيط باللغات في جميع القرون ، فإذا كان قرن لا يعرف لغة مَن قبله ، أو كانت قليلة الاستعمال كانت عنده شاذّة أو نادرة.

وما نحن فيه الّذي تقتضيه اللغة الصحيحة الأصليّة هو الجرّ في لفظة آله

__________________

(١) نوح : ٢٢.

(٢) طه : ٦٣.

١٧٧

خاصّة ، وأن الفتح مرجوح أو لا ينبغي ، والفرق بينه وبين (تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) (١) من جهة المعنى (٢)) (٣) ، انتهى.

فهذه عبارات هؤلاء الأكابر معلنة على سبيل الجزم الحاصل من استفراغ الوسع في التتبّع ، بأنه لم ترد هذه الصورة عن أهل البيت عليهم‌السلام إلّا مضبوطة بجرّ آل ، وهي عبادة ، والعبادات كيفيّات متلقّاة من الشارع لا يجوز تجاوز الكيفيّة الواردة [بها] إلّا بدليل ، ولا دليل على ورود آل في هذه الصيغة منصوباً عن أهل البيت الّذين أمر الله بالصلاة عليهم بهذه الصيغة.

وأما كلام هؤلاء الأفاضل في جواز الفتح وعدمه أو راجحيّته أو مرجوحيّته فبالنسبة إلى أصل العربيّة ، وأمّا بالنسبة إلى جواز العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار ، فقد أوضحنا جوازه اختياراً بالدلائل العربيّة من كلام البلغاء نظماً ونثراً ، وأنه مذهب قاطبة الكوفيين (٤) ، وجمع من أئمّة البصريين كيونس (٥) ، والأخفش (٦) ، وقطرب (٧) ، وعمرو الشلوبين (٨) ، وأبي عبيدة ، وكافّة محقّقي المتأخّرين في رسالتنا المعمولة في هذه المسألة (٩) ، وأبنّا فيها إجماع النحويين إلّا من شذّ ـ

__________________

(١) النساء : ١.

(٢) لمعرفة هذا الفرق وبيانه انظر خاتمة الرسالة.

(٣) شرح الزيارة الجامعة الكبيرة ٤ : ٢٨١ ٢٨٢.

(٤) الإنصاف في مسائل الخلاف ٢ : ٤٦٣ ، شرح الرضيّ على الكافية ٢ : ٣٣٦ ، شرح ابن عقيل ٣ : ٢٣٩ ، همع الهوامع ٢ : ١٣٩ ، حاشية الصبّان على شرح الأشمونيّ (المتن) ٣ : ١١٤ ، ١١٥ ، خزانة الأدب ٢ : ٣٣٨.

(٥) أوضح المسالك ٣ : ٦١ ، همع الهوامع شرح جمع الجوامع ٢ : ١٣٩ ، حاشية الصبان على شرح الأشموني (المتن) ٣ : ١١٤ خزانة الأدب ٢ : ٣٣٨.

(٦) أوضح المسالك ٣ : ٦١ ، همع الهوامع شرح جمع الجوامع ٢ : ١٣٩ ، حاشية الصبان على شرح الأشموني (المتن) ٣ : ١١٤ خزانة الأدب ٢ : ٣٣٨.

(٧) حاشية الصبان على شرح الأشموني (المتن) ٣ : ١١٥.

(٨) شرح الشواهد (العيني) المطبوع ضمن حاشية الصبان على شرح الأشموني ٣ : ١١٥ ، خزانة الأدب ٢ : ٣٣٨.

(٩) هي الرسالة العشرون من هذه المجموعة ، وهي في إعراب (صلى‌الله‌عليه‌وآله).

١٧٨

على وجوب الجرّ في هذه الصيغة ، فراجعها.

وأما في الضرورة ، فقد استفاض نقل الأئمّة المطّلعين المتتبّعين وغيرهم الاتّفاق على جوازه استفاضة تقرب من التواتر ، فالظاهر أنه إجماع ، ولا تُخصّ الضرورة بالشعريّة ، بل تعمّ حتّى مراعاة البلاغة ، والمناسبات المعنويّة ، والمطابقات الطبيعيّة كما يظهر من كلام الداماد ، وجملة من الحذّاق ، ومِنْ إطلاق كافّة من نقل جوازه في الضرورة. وفي الصيغة المبحوث عنها قد اقتضت ضرورة مراعاة بلاغة الصيغة ومطابقة اللفظ للواقع الوجوديّ والطبيعيّ حذف الجارّ ، فجواز حذفه هنا اتفاقيّ.

دليل الحصر العقلي

الطريق الثاني (١) : أنه بعد تحقّق ورود هذه الصورة صلى‌الله‌عليه‌وآله بحذف حرف الجرّ بالنصّ والإجماع ، فإمّا أن يكون إعراب لفظ آله رفعاً أو نصباً أو جرّاً ؛ لانحصار وجوه الإعراب في الثلاثة إجماعاً. أمّا الرفع فممتنع إجماعاً لعدم مقتضيه وعامله ، وتقدير خبر بلا ما يدلّ عليه في اللفظ ممنوع مع أنه خلاف الأصل. وعلى فرضه يخرج الكلام عن مقصود الشريعة ، مع أنه لم يُنقل عن أحد أصلاً ، ولا ضبطت عليه نسخة.

وأمّا النصب فإمّا أن يكون بالعطف على المحل أو على المعيّة ، وكلاهما غير جائز ؛ لمنافاتهما لقواعد العربيّة المتّفق عليها بين النحاة إلّا من شذّ وندر.

بطلان القول بنصب «آله» عطفاً على المحل وشروط العطف عليه

أمّا الأوّل ، فله اعتباران :

أحدهما : اعتبار المحلّ للجارّ والمجرور معاً بفرضهما بمنزلة مفعول تسلّط العامل

__________________

(١) من الطرق الثلاثة في الاستدلال على وجوب جر «آل» ، الواردة في أوّل الرسالة.

١٧٩

على لفظه ، وهذا ممنوع من وجهين (١) : أحدهما : أنه يقتضي أن للحرف محلّاً من الإعراب ، وأن العامل وقع عليه ، وهما باطلان عقلاً وإجماعاً ؛ لاقتضائهما دخول حرف الجرّ في المصلّى عليه من الله ، وأنه من جملة المقصود بالصلاة ، وهو ظاهر البطلان. ومع هذا فقواعد العربيّة تأباه ، فإنّه حينئذٍ يكون الجارّ والمجرور بمنزلة مفعول عطف على لفظه. وقد شرط أهل العربيّة (٢) في صحّةِ العطف على اللفظ صحّةَ توجّه العامل إلى المعطوف ، وعمله فيه بنفسه.

قال ابن هشام في (المغني) : (فلا يجوز في نحو (ما جاءني من امرأة ولا زيد) ، إلّا الرفع عطفاً على الموضع ؛ لأنّ (من) الزائدة لا تعمل في المعارف) (٣) ، انتهى.

وتسلّط العامل في هذه المسألة على المعطوف بنفسه ممتنع عقلاً ولغة.

والاعتبار الثاني : مراعاة المحلّ للضمير المجرور بدون الجارّ ، وهذا في المسألة المبحوث عنها ممتنع عقلاً ولغة عند المحقّقين من البصريّين والكوفيّين وأئمّة المتأخّرين ؛ وذلك لأنّهم شرطوا لصحّة العطف على المحلّ ثلاثة شروط :

أحدها : إمكان ظهور ذلك المحلّ في فصيح الكلام. ولم ينقل فيها خلاف إلّا عن ابن جنّيّ ، وهو شاذّ نادر.

ولعلّ السرّ فيه أن العامل إذا امتنع ظهور أثره وعمله النصبَ في لفظ المعطوف عليه امتنع الحكم بأنّ هناك نصباً منع من ظهوره مانع لفظي لولاه لظهر ؛ لتصحّ مراعاته ويصحّ العطف عليه ، أمّا لو لم يمكن ظهور ذلك المحلّ بوجه ، فمن أين يعرف أن هناك نصباً عمل فيه العامل حتّى تصحّ مراعاته والعطف عليه بعد ظهور تعذّر عمل ذلك العامل النصب؟

__________________

(١) لم يشر المصنّف رحمه‌الله إلى ثاني وجهي المنع ، ويحتمل أن يكون ذلك قوله الذي ذكره بعد قول ابن هشام : (وتسلط العامل في هذه المسألة ..).

(٢) همع الهوامع ٢ : ١٤١ ، حاشية الصبّان على شرح الأشمونيّ ٣ : ٨٩.

(٣) مغني اللبيب ٢ : ٦١٥.

١٨٠