فعل المقدّمات التي لا خفاء في كونها من المشقّة أجر وثواب ، وهذا يقتضي الرجحان ، لأنّ ما لا رجحان فيه لا معنى لترتّب الثواب على فعله ؛ ولذا ترى منكري الوجوب لا يقولون باستحقاق الثواب على فعلها. وإذ قد ثبت بهذه المقدّمة وجود الرجحان فثبت الوجوب بمقدّمة اخرى يمكن تحصيلها بأدنى تأمّل (١) ، انتهى ما لخّصناه من دليله المنقول.
والظاهر أنّ المقدّمة الّتي بها أراد إثبات الوجوب هي ملاحظة عدم معقوليّة القول بالاستحباب ، إذ لا يعقل أن يكون الرجحان الناشئ من المطلوبيّة المتعلّقة بذيها مرتبة اخرى من مراتب الرجحان ، لما هو المقرّر من أنّ الأثر من مقولة المؤثّر. مضافا إلى أنّ القول بالاستحباب لم ينقل عنهم أيضا.
وفيه أوّلا : أنّه إن اريد من الإلزام المأخوذ في الدليل على وجه التسليم اللابديّة العقليّة التي إليها يرجع معنى المقدّميّة ، فلا نسلّم أنّه يستتبع أجرا وثوابا على فرض ترتّب الثواب على الواجب الغيري ، مع أنّك قد عرفت تحقيق القول فيه بما لا مزيد عليه. وإن اريد به الإلزام التكليفي ، فبعد أنّه مصادرة قطعا ، لا يحتاج في إتمام المطلوب إلى ضمّ باقي المقدّمات ، كما هو ظاهر.
وثانيا : أنّ المقدّمة المذكورة في مقام إثبات التكليف وإن ذكرها بعض العدليّة ، ولكنّها غير خالية عن منع ، وإنّما يسلّم بشرط أن لا يعود النفع الحاصل من الفعل إلى المكلّف. وعلى تقدير وصول نفعه إلى المكلّف لا دليل عقلا ولا نقلا على قبح التكليف به ، والإلزام بالمقدّمة غير محتاج إلى نفع أزيد ممّا يترتب على ذيها ، بل يكفي في الإلزام بها ملاحظة ما يترتّب على نفس الفعل ، وهو الوصول إلى الواجب.
__________________
(١) رسالة مقدمة الواجب المطبوعة ضمن « الرسائل » : ٥٥ ، وانظر الصفحة : ١١٦ ـ ١١٧ ، أيضا.