الرابع من الأدلّة : ما استند إليه بعضهم (١) ، من أنّها لو لم تجب لجاز التصريح بجواز تركها ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.
أمّا الملازمة ، فلأنّ انتفاء الوجوب إمّا بانتفاء فصله أو جنسه أيضا ، وعلى التقديرين يجوز الترك ، لأنّ جواز الترك يعمّ الأحكام الأربعة (٢).
وأمّا القول بالجواز عقلا لا شرعا ـ بعد تسليم التفكيك بين الحكمين ـ ممّا لا يجدي ، لما عرفت : من أنّ المقدّمة شرعا لا بدّ من أن تكون محكومة بأحد الأحكام الخمسة ، إذ لا وجه لأن يكون مثل أفعال البهائم والمجانين ممّا لا حكم له.
وأمّا بطلان التالي ، فلأنّه لا يستريب أحد في قبحه من الحكيم.
والجواب عنه : أنّ التصريح بجواز الترك يقع على وجهين : فتارة يكون على وجه يناقض التصريح بوجوب ذي المقدّمة ، واخرى على وجه لا يعدّ مناقضا للخطاب الدالّ على وجوب ذي المقدّمة ، فالتالي في الشرطيّة المذكورة بطلانه مسلّم على الوجه الأوّل ، لكن لا يستلزم الوجوب ، لأوله إلى عدم جواز التصريح بعدم وجوب الفعل بعد التصريح بوجوبه ، لاستلزام ذلك القبح على الحكيم ، وذلك أمر ضروري لا ينكر. ولا نسلّم (٣) بطلانه على الوجه الثاني بعد قطع النظر عمّا قدّمنا لك من حكم الوجدان الصحيح بوجوب المقدّمة. وإن أراد المستدلّ بذلك ما قلنا من حكم الوجدان فهو في محلّه ولا غبار عليه.
الخامس : ما تمسّك به المحقّق السبزواري ـ في رسالته المعمولة في خصوص المسألة ـ وهو : أنّها لو لم تكن واجبة بإيجابه يلزم أن لا يكون تارك الواجب المطلق عاصيا مستحقّا للعقاب أصلا ، لكن التالي باطل ، فالمقدّم مثله.
__________________
(١) وهو أبو الحسن الأشعري ، انظر ضوابط الاصول : ٨٩.
(٢) أي ما عدا الحرام من الأحكام الخمسة التكليفيّة.
(٣) في ( ع ) و ( م ) : ونسلّم.