وكون « من » بمعنى الباء ، يكون المتحصّل : أنّه إذا أمرتكم بشيء فاتوا به ما دمتم مستطيعين له ، ويكون الحديث أجنبياً عن البحث ، وهو أنّه عند تعذّر بعض الأجزاء هل يجب الباقي. ولكن هل فيه دلالة على لزوم تكرار المأمور به ما دام المكلّف مستطيعاً ، أو لا دلالة له على ذلك ، لا يبعد القول الثاني ، إذ لا دلالة فيه على أزيد من لزوم الاتيان بالمأمور به عند الاستطاعة ، فيكون وزانه وزان قولك : ائت بالمأمور به إن كنت مستطيعاً.
ولو منعنا من ذلك وقلنا بأنّ التقييد بالظرفية المصدرية يعطي التكرار بخلاف التقييد بلفظ إن الشرطية ، فلا محيص من حمله على المعنى المستفاد من التقييد بإن الشرطية ، ولو من جهة الإجماع على عدم وجوب التكرار ، بل على عدم استحبابه إلاّفي بعض الموارد مثل الحجّ ، على أنّه لم يثبت أنّ المتكرّر هو الحجّ الأصلي ، أعني حجّة الإسلام ، نعم لو حملت لفظة « من » على التبعيض كانت دالّة على لزوم التكرار مدّة الاستطاعة.
وعلى كلّ حال ، أنّ ذلك بحث آخر هو خارج عمّا نحن بصدده ، ولا يفرق في هذا الذي ذكرناه بين كون الاستطاعة هي القدرة أو معنى آخر ممّا تقدّم ذكره.
هذا كلّه لو حملنا لفظ « ما » على الظرفية المصدرية ، ولو حملناها على الموصول وعلى كون « من » بيانية ، فهذه الجملة في حدّ نفسها وإن كانت صالحة للأفراد كما أنّها صالحة للأجزاء ، بأن يكون المراد بالموصول هو الأفراد المستطاعة ، أو المراد به هو الأجزاء المستطاعة ، لكن المورد موافق للأوّل ، وحينئذ فلا يمكن إرادة الثاني ـ أعني الأجزاء ـ إلاّبجعل المراد بالشيء هو الأعمّ من الكلّي والكل ، وجعل المراد من الموصول هو الأعمّ من الأفراد والأجزاء ، والظاهر أنّه لا مانع منه ، إذ لا يلزم من ذلك استعمال لفظ « من » في معنيين ، بل