الدليل على أخذ القدرة على الجزء قيداً شرعياً في وجوب تقييد المأمور به بذلك الجزء.
وإن لم يكن لنا مثل ذلك الدليل ، وبقينا نحن والأمر المتعلّق بالكل المشتمل على ذلك الجزء ، فإن اتّفق لنا العجز عن بعض أجزائه ، لم يكن ذلك إلاّ من مجرّد عدم القدرة على ذلك المركّب ، لأنّ عدم القدرة على الجزء عين عدم القدرة على الكل ، وحيث إنّ العقل حاكم بقبح تكليف العاجز ، فلا محيص حينئذ من القول بسقوط ذلك الأمر المتعلّق بالكل ، وهذا هو المراد من إطلاق الجزئية المنتزعة عن الأمر الضمني المتعلّق بالجزء في ضمن تعلّقه بالكل ، فإنّ ذلك عبارة عن إطلاق ذلك الأمر الضمني ، الذي هو عبارة عن إطلاق الأمر بالكل وعدم تقييده شرعاً بالقدرة وإن كان مقيّداً عقلاً بها ، فإنّ التقييد العقلي الذي مرجعه إلى حكم العقل بسقوط التكليف عن العاجز ، لا ينافي الاطلاق الشرعي ، بمعنى عدم أخذ القدرة قيداً شرعياً في الوجوب ، وبذلك يصحّ لنا القول بأنّ الأمر الضمني الذي هو منشأ انتزاع الجزئية مطلق ، يعني أنّه غير مقيّد شرعاً بالقدرة ، في قبال النحو الأوّل الذي عرفت أنّ لازمه التنويع ، وأنّ المكلّف إن كان قادراً على الجزء وجب عليه تقييد الكل به ، وإن لم يكن قادراً على ذلك الجزء لم يجب عليه تقييده به ، بل لا يلزمه إلاّ الاتيان به مجرّداً عن القيد المزبور ، وهذا بخلاف النحو الثاني ، فإنّ مجرّد حكم العقل بسقوط الخطاب لا يلزمه التنويع المذكور.
لا يقال : إنّ حكم العقل بسقوط الخطاب عند عدم القدرة يكون مقصوراً على المقدار غير المقدور ، وليس غير المقدور إلاّ الجزء ، فلا يكون العقل حاكماً إلاّ بسقوط الخطاب المتعلّق به الذي هو منشأ انتزاع جزئيته ، دون الخطاب المتعلّق بأصل الواجب الذي هو ما عداه من الأجزاء.