لأنّا نقول : هنا يأتي ما أفاده الأُستاذ قدسسره من أنّ القدرة العقلية الموجبة لسقوط الخطاب لم تكن معتبرة في كلّ واحد من الأجزاء كلّ على حدة ، إذ ليست هي مأخوذة فيه في لسان الدليل ، وإنّما هي ناشئة عن حكم العقل بقبح خطاب العاجز ، وحيث إنّ العجز عن الجزء عين العجز عن الكل ، كان العجز عن الجزء موجباً لسقوط الخطاب بالكل.
والأولى أن يقال : إنّ الاتيان بالباقي إنّما يلزم لو كان لدليل أصل الوجوب إطلاق يشمل حال العجز عن بعض الأجزاء ، وبعد تقييد ذلك الاطلاق بما دلّ على وجوب الجزء ضمنياً ، يسقط ذلك الاطلاق. نعم لو كان الدالّ على تقييد ذلك الاطلاق مقيّداً شرعاً بخصوص حالة القدرة على الجزء ، لكان إطلاق الأمر بالباقي بعد تعذّر ذلك الجزء باقياً بحاله ، وتكون النتيجة حينئذ هي التنويع السالف الذكر.
أمّا إذا لم يكن في البين إلاّ التقييد المطلق ، يعني غير المقيّد شرعاً بحالة القدرة على القيد ، كان ذلك الاطلاق الأصلي ساقطاً بالمرّة ، وكان الواجب هو المجموع المركّب ، فإذا تعذّر ولو لتعذّر بعض أجزائه ، كان العقل حاكماً بسقوط الخطاب به من رأسه ، لا أنّه يحكم بسقوط خصوص الخطاب الضمني مع بقاء الخطاب بالباقي بحاله ، فتأمّل. وسيأتي إن شاء الله تعالى في قاعدة الميسور تفصيل البحث عن مقتضى إطلاق أصل الأمر وإطلاق دليل الجزئية أو الشرطية (١).
والغرض هنا مجرّد بيان أنّه ليس المراد من إطلاق الجزئية هو إطلاق منشأ انتزاعها الذي هو الأمر الضمني المتعلّق بالجزء إطلاقاً خطابياً ، على وجه يكون
__________________
(١) راجع الحاشية الآتية في الصفحة ٤٥٥ ، وكذا الحاشية المفصّلة في الصفحة : ٤١١ وما بعدها.