استحبابه وإن لم يمكن اتّصافه بالاستحباب المصطلح ، إلاّ أنّه لمّا كان مشتملا على مزيّة بالنسبة إلى سائر الأفراد فتلك المزيّة دعت إلى صدور طلب آخر غير إلزامي مماثل للوجوب التخييري الثابت له جنسا وفصلا بمعنى أنّه طلب منفصل بجواز الترك إلى بدل ، ولا منافاة بينه وبين الوجوب التخييري لعدم المضادّة بينهما بوجه ، بل [ هما ] متماثلان من جميع الوجوه.
لكنّه مدفوع : بأنّه كما يكون التضادّ مانعا من الاجتماع كذلك يكون التماثل مانعا منه أيضا ، ضرورة امتناع اجتماع المثلين في محلّ واحد لما حقّق في محلّه من أنّ المحلّ من مشخّصات العرض القائم به ، ويمتنع أن يكون الشيء الواحد مشخّصا لشيئين.
وربما يتخيّل اندفاع ما ذكرنا ـ من امتناع ثبوت الاستحباب المصطلح فيما نحن فيه من جهة التناقض بينه وبين موضوعه ـ بأنّ موضوعه إنّما هو اختيار ذلك الفرد على غيره ، لا نفس ذلك الفرد حتّى يلزم التناقض ، وعنوان الاختيار مما يجوز تركه على الإطلاق ، فإنّه لا يلزم منه ترك الواجب ، إذ غاية الأمر أن يفعل واحدا من الأفراد لا بعنوان اختياره على غيره وترجيحه عليه ولو كانت ذلك وهو الفرد الراجح ، بل بعنوان كونه أحد أفراد الواجب.
وإن شئت قلت : إنّ المتوجّه إلى ذلك الفرد طلبان : أحدهما وجوبي ملحوظ فيه البدليّة لمورده ، والآخر ندبي لم يلحظ فيه ذلك. وعدم جواز تركه على الإطلاق إنّما هو مقتضى الطلب الأوّل ، وإلاّ فمقتضى الثاني جواز تركه كذلك.
والحاصل : أنّه قد عرض له مانع عن العمل بما يقتضيه الاستحباب المصطلح ، وهو لا يستلزم انتفاءه.
هذا ، لكنّه مدفوع أيضا : بأنّ عنوان الاختيار وإن كان مغايرا لفعل ذلك الفرد بحسب المفهوم ، لكنّه متّحد معه في المصداق بحيث لا مصداق له سواه ، فيعود المحذور ، فافهم.