لا يكون وجوب قبله أصلا ، فإنّه ممّا لا يعقل النزاع في إمكانه ، بل في وقوع نظيره ، بل مثله في الشريعة ، كما يظهر للمتتبّع في أبواب الفقه ، فإنّ كفّارات الحج وإفطار صوم رمضان من هذا القبيل هذا غاية ما يتخيّل مانعا في المقام.
لكنّ الّذي يقتضيه دقيق النّظر اختصاص المنع بما إذا كان الأمران المتعلقان بالضدّين أو الأمر والنهي المتعلّقين بشيء واحد في مرتبة واحد ، [ لا ](١) مع اختلاف مرتبتي الأمر والنهي مع كون كليهما نفسيّين ، وأمّا إذا كان الأمران المتعلّقان بالضدّين في مرتبتين ـ بأن يكون أحدهما معلّقا على عصيان الآخر سواء كانا غيريّين أو نفسيّين أو مختلفين أو كان أحد من الأمر والنهي غيريّا ، مع اختلاف مرتبتهما على الوجه المذكور ، مع كون المعلّق منهما هو النفسيّ ـ فلا.
وتوضيح ذلك يقتضي التكلّم في موضعين :
أحدهما : في تحقيق الحال في الأمر بالضدّين.
وثانيهما : في تعلّق الأمر والنهي بشيء واحد.
فنقول : أمّا الأوّل منهما فتوضيح المقال فيه أنّ الممنوع منه الملازم للمحاذير المتقدّمة إنّما هو الأمر بالضدّين على الإطلاق بأن يقول افعله وافعل ضدّه ـ على نحو الإطلاق ، وأمّا إذا علّق أحدهما على عصيان الآخر ـ بأن يقول : افعله وافعل ضدّه إذا عزمت على ترك ذلك ، ولو خالفت ذلك الضدّ وتركته مع تركك للأوّل وعصيانه أعاقبك عليه أيضا ، ولست معذورا في مخالفته على تقدير عصيانك الأوّل ـ فلا.
أمّا أوّلا ـ فلما نشاهد في طريقة العقلاء من أنّه لو أمر مولى عبده على هذا الوجه لم يقدم أحد على تقبيحه ، بل يجوّزون منه ذلك ، ويجوّزون منه مؤاخذة العبد على عصيان ذلك الضدّ المأمور به على وجه المعلّق إذا عصاه مع عصيانه
__________________
(١) وفي الأصل : إذ ..