فيها إلى كون الاستعمال الابتدائي دليلا على الوضع وعدمه ، وهذا بعينه جار في الثانية ، غاية الأمر اَنّ إحراز ابتدائية الاستعمال في الاولى بالقطع ، وفي الثانية بأصالة عدم غير هذا الاستعمال المعلوم الآن في الازمنة السابقة . فالكلام فيها الكلام ثمة والجواب الجواب .
وأمّا الثالثة : فحكمها أيضاً كالاولىٰ فإن الاستعمال الابتدائي يحرز فيها أيضاً بالأصل فيجري فيها ما يجري ثمة فإنّا ـ وإن علمنا فيها باستعمال اللّفظ قبل هذا الاستعمال ـ لكن نقول : إنّ الأصل عدم معنى آخر لهذا اللفظ غير هذا المعنىٰ ، استعمل فيه اللفظ في هذا الاستعمال ، فاذا ثبت اتحاد المستعمل فيه فيها بالأصل ، فيثبت به ابتدائية الاستعمال أيضاً ، فانّ المراد بالاستعمال الابتدائي عدم سبق استعمال اللفظ في معنىٰ على استعماله في هذا المعنىٰ .
وحاصل الكلام في الصور الثلاث : أن مرجع النزاع في كلّها إلى أن الاستعمال الابتدائي دليل على وضع اللفظ لما استعمل فيه ابتداء اولا ، إلّا أنّ ابتدائية الاستعمال في بعضها تثبت بالقطع وفي بعضها بالأصل .
ومرجع أدلة المثبتين إلى وجوه : منها ، بناء العقلاء ، ومنها ، إجماع العلماء ، ومنها ، عدم جواز المجاز بلا حقيقة عقلا ، او لأنّ الغلبة على خلافها وهي تفيد الظن بالوضع .
والجواب عنها : عدم ثبوت بناء العقلاء ، ولا اجماع العلماء ، بل المعلوم خلافهم ، لما عرفت من تصريح الشيخ (١) قدس سره بالمنع ، وعدم قيام الدليل عقلاً على امتناع المجاز بلا حقيقة .
نعم الممتنع هو المجاز بلا حقيقة الأبدي بأن لم يستعمل اللفظ في الموضوع له أبداً ، لا قبل استعماله في المعنى المجازي ، ولا بعده ، لعدم الفائدة للوضع حينئذ فيكون لغوا .
أقول : في امتناع ذلك نظر ، لإمكان أن يضع الواضع لفظاً لمعنى ، ولم يستعمله في الموضوع له ، لكن كان غرضه من الوضع استعماله فيه ، ثم استعمل أهل اللسان اللفظ أبداً في المعنى المجازي ، لعدم احتياجهم الى تفهيم الموضوع له . نعم ذلك نادر جداً بحيث يحصل القطع بعدمه غالبا ، ومع احتماله فالظّاهر أنّ بناء العرف على عدمه لبعده .
وأمّا غلبة استعمال اللفظ في الموضوع له قبل استعماله في غيره فهي ممنوعة ، وعلى مدّعيها الإثبات ، وعلى فرض تسليم الصغرى ، فنطالب بدليل الكبرى .
___________________________
(١) عدة الأصول : ١٥ ، ١٦ ، ٦٤ ، ٦٦ ، ٦٩ .