ذكر ، فإن كان ولا بد من المنع ، فليمنع من الوقوع لا الإمكان .
ثم إنّه قد وقع النّزاع بينهم في مسائل خاصة في كونها حقائق عرفية .
منها : نسبة الأحكام إلى الذوات ، كقوله تعالى (( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ )) فقد ادّعي كونها حقائق في نسبتها إلى أظهر أوصاف تلك الذوات ، كالوطء في المثال المذكور ، وكالأكل في قوله تعالى (( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ )) .
وتظهر الثمرة بين القولين عند تجردها عن قرينة المراد ، فعلى القول بكونها حقائق عرفية فيما ذكر ، فمحمولة عليه ، فلا إجمال في أمثال تلك الخطابات ، وعلى القول الآخر ـ اعني عدم ثبوت كونها حقائق عرفية ـ فيأتي فيها ما يأتي في المجاز المشهور ، لأنها منه ، حيث إنّ استعمالها في نسبتها إلى أظهر الأوصاف ، وهو الفعل المناسب للذات شائع ، بحيث صارت من المجازات المشهورة ، فهي حينئذ مجملة على المشهور ، ومحمولة على هذا المعنى المجازي الشائع على قول أبي يونس ، وأما على قول أبي حنيفة ، فلا ريب أنّه لا بد من الحكم بالاجمال في خصوص تلك الأمثلة ، حيث إن حملها على حقيقتها ، وهو نسبتها إلى نفس الذوات متعذر لعدم صلاحيتها بنفسها لتلك الاحكام .
وكيف كان ، فثمرة القولين ظاهرة على قول المشهور ، وعلى قول أبي حنيفة ، وأما على قول أبي يونس ، فلا ، حيث أنه موافق في النتيجة مع القول بكون تلك الأمثلة حقائق عرفية فيما ذكر .
ثم الأظهر عدم ثبوت كونها حقائق عرفية فيما ذكر ، والظاهر حينئذ أيضاً عدم دخولها في مسألة المجاز المشهور ، حيث ما عرفت في محله أنّ النزاع فيها فيما إذا دار الأمر بين حمل اللفظ على حقيقته ، وبين حمله على معناه المجازي المشهور ، ولا ريب أن الأمر فيما نحن فيه ليس كذلك ، لأن عدم إرادة المعنى الحقيقي هنا معلوم ، وهو حملها على نفس الذوات ، وإنما الدوران بين نفس المجازات ، فالأمر دائر فيها بين حملها على أظهر الأوصاف ، وبين حملها على جميع الأوصاف ، والأفعال المتعلقة بالذوات ، كما في حديث الرفع .
فعلى عدم كونها حقائق عرفية ، فالحق أنّ الكلام فيها هو الكلام في حديث الرفع ، وأنّها من هذا الباب ، وضابط هذا الباب قيام القرينة على عدم إرادة الحقيقة ، وحصول الدوران بين المجازات .
ولا يخفى أن الحكم حينئذ الحمل على
أقربها ، لو كان أحدها أقرب ، فحينئذ