الاشتراك والتخصيص في المثال المذكور ، لكن يشكل التمسك ـ حينئذ ـ بغلبة التخصيص على تقديمه على الاشتراك ، فإنّه مسبب عن النقل ، ولا ريب أنّ الاشتراك أكثر من النقل ، فيقدّم على النقل ، فلا بدّ من البناء على عدم التخصيص ، لانتفاء سببه ، وكيف كان ، فغلبة الاشتراك في المثال حاكمة على غلبة التخصيص .
لكن يمكن دفعه : بأنّ الغالب من الاشتراك غير مثل هذا الاشتراك ، فإنّ الغالب في مثل المقام النقل ، وهجر اللفظ عن معناه الأصلي ، بل عرفت ـ في مسألة النقل ـ امتناع بقاء وضع اللفظ للمعنى الأوّل ، مع وصوله إلى حد الحقيقة في المعنى الثاني ، إذا كان سبب الاختصاص غلبة الاستعمال .
ومن هنا يظهر أنه لو كان النكاح حقيقةً في العقد بالوضع التعيني الحاصل بغلبة الاستعمال ، لا معنى لاحتمال الاشتراك ، والظاهر أنّ النكاح من هذا القبيل ، فيتّجه قول السيد ( قدّس سرّه ) . وأمّا الثاني فلقيام القرينة العقليّة على إرادة الخصوص منه ، لاستحالة جمع جميع صاغة جميع البلدان ، فتنتفي الثمرة بين الاحتمالين ، وإن كان الدوران حاصلاً بينهما .
ثم إنّ الدوران بين الاحتمالين ـ أعنى الاشتراك والتخصيص ـ قد يكون في لفظ واحد ، وقد يكون في لفظين ، مثال الأوّل : ما تقدّم من قوله تعالى ( وَلَا تَنكِحُوا ) (١) الآية ، ومثال الثاني : قول السيّد لعبده مثلاً ( أكرم العلماء ، ولا تكرم زيداً ) على أن يكون زيد مردّداً بين كونه علماً للعالم الفلاني خاصّة ، وبين كونه مشتركاً بينه وبين الشخص الآخر غير العالم ، فعلى الأوّل يجب تخصيص العلماء بغير زيد العالم ، وعلى الثاني محمول على عمومه ، ويحمل زيد على الشخص غير العالم ، بناء على ما اخترناه في محلّه ، من أنّ المجمل في أحد الخطابين مبيّن بخطاب آخر مبيّن ، ويحمل على ما لا ينافي العموم .
ثمّ التحقيق في القسم الأوّل ، ـ أمّا بمقتضى الاصول ـ التوقف ؛ لأنّ التخصيص والاشتراك كلاهما مخالفان للأصل ، فأصالة عدم كلّ منهما يعارض أصالة عدم الآخر .
اللّهم إلّا أنّ يرجّح أصالة عدم التخصيص ، نظراً إلى أنّه قسم من المجاز ، ولا
___________________________
(١) النساء : ٢٢ .