ونصفا ، وجعل مدرسا للمدرسة النورية ببعلبك ، وقد صنّف هناك رسالة في عشرة فنون (١) ، وجال في البلاد الرومية ، واجتمع بالعلماء.
ثم توجه إلى العراق لزيارة المراقد الشريفة ، وعاد إلى بلاده ( سنة ٩٥٣ ه ) ، فأقام ببعلبك ، ودرّس فيها مدّة في المذاهب الخمسة وكثير من الفنون ، وأفتى كل فرقة بما يوافق مذهبها ، وأظهر براعة لما كان يتمتع به من علم غزير ، ونظر دقيق ، وعقلية منفتحة ، فانثال عليه العلماء ، وانقادت له النفوس.
وعاد الشهيد الثاني إلى جبع ، وعكف على التدريس والتأليف ، والحكم بين المتخاصمين ، واشتهرت فتاواه وآراؤه الفقهية.
قال ابن العودي الجزّيني في حق شيخه المترجم : بلغ من كل فنّ منتهاه ... وأمّا الفقه فكان قطب مداره وفلك شموسه وأقماره وكأنّه هوى نجم سعوده في داره ، وأما الحديث فقد مدّ فيه باعا طويلا ، وذلّل صعاب معانيه تذليلا ، أدأب نفسه في تصحيحه وإبرازه للناس حتى فشا ... وأما علوم القرآن العزيز وتفاسيره من البسيط والوجيز فقد حصل على فوائدها وعرف حقائقها ومجازها ، وعلم إطالتها وإيجازها.
وقال السيد مصطفى التفريشي : وجه من وجوه هذه الطائفة وثقاتها ، كثير الحفظ ، نقيّ الكلام ، له تلاميذ أجلاّء ، وله كتب نفيسة جيدة.
__________________
(١) ذكر الشهيد الثاني أنّه لما وصل إلى استانبول ، بقي (١٨) يوما لا يجتمع بأحد من الأعيان ، وكتب في هذه الأيام رسالة تشتمل على عشرة مباحث في الفنون العقلية والفقهية والتفسير وغيرها ، وأوصلها إلى قاضي العسكر محمد بن قطب بن محمد بن محمد بن قاضي زاده الرومي فوقعت منه موقعا حسنا وحصل له بسبب ذلك حظ عظيم. أعيان الشيعة.