الله (ص) مع الملائكة لم أنكر منه شيئا ، فبقيت والله متعجبا أنظر في وجهه ، فلما أطلت النظر إليه فعض الأنامل بالأسنان وقال لي : يا فلان بن فلان! ( أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً ) (١) ، قال : فسقطت مغشيا على الأرض ، فلما أفقت قال لي : هل رأيته وسمعت كلامه؟. قلت : نعم. قال : انظر إلى النبي (ص) ، فنظرت فإذا لا عين ولا أثر ولا خبر من الرسول صلىاللهعليهوآله ولا من تلك الخيول. فقال لي : يا مسكين فأحدث توبة من ساعتك هذه. فاستقر عندي في ذلك اليوم أنه أسحر أهل الأرض ، وبالله لقد خفته في ذلك اليوم وهالني أمره ، ولو لا أني وقفت ـ يا سلمان ـ على أنك تفارقه ما أخبرتك ، فاكتم هذا وكن معنا لتكون منا وإلينا حتى أوليك المدائن وفارس ، فصر إليهما ولا تخبر ابن أبي طالب (ع) بشيء مما جرى بيننا ، فإني (٢) لا آمنه أن يفعل لي من كيده شيئا. قال : فضحكت وقلت : إنك لتخافه؟.
قال : إي والله خوفا لا أخاف شيئا مثله. قال سلمان : فنشطت متجاهلا بما حدثني وقلت : يا عبد الله! أخبرني عن غيره فو الله إنك أخبرتني عن أعجوبة؟.
قال : إذا أخبرك بأعجب من هذا مما عاينته أنا بعيني. قلت : فأخبرني.
قال : نعم ، إنه أتاني يوما مغضبا وفي يده قوسه فقال لي : يا فلان! عليك بشيعتك الطغاة ولا تتعرض لشيعتي ، فإني خليق أن أنكل بك. فغضبت أنا أيضا ـ ولم أكن وقفت على سحره قبل ذلك ـ ، فقلت : يا ابن أبي طالب! مه ، ما هذا الغضب والسلطنة؟. أتعرفني حق المعرفة؟. قال : نعم ، فو الله لأعرفن قدرك ، ثم رمى بقوسه الأرض ، وقال : خذيه ، فصارت ثعبانا عظيما مثل ثعبان موسى بن عمران ففغر فاه (٣) فأقبل نحوي ليبلعني ، فلما رأيت ذلك طار روحي فرقا وخوفا
__________________
(١) الكهف : ٣٧.
(٢) في (س) : فانه.
(٣) جاء في حاشية ( ك ) : فغر فاه .. أي فتحه. صحاح.
انظر : صحاح اللغة : ٢ ـ ٧٨٢.