الكعبة لا عينها ، ولا يخفى أن هذا التعبير لم يرد في شيء من النصوص ، وإنما التزم بها من التزم وعدل عن جعل الكعبة بعينها قبلة على الإطلاق الذي هو مقتضى ظواهر النصوص لوجهين :
الأول : بطلان صلاة المأموم إذا كان البعد بينه وبين الإمام أكثر من طول الكعبة البالغ عشرين ذراعاً تقريباً ، فاذا كان الفصل بينهما ثلاثين ذراعاً مثلاً فالمأموم يعلم حينئذ ببطلان صلاته تفصيلاً ، إما لانحرافه عن الكعبة بنفسه أو لانحراف الإمام ، وهذا بخلاف الاكتفاء بالجهة ، فإن الصف حينئذ مهما طال والجماعة مهما اتسعت فالكل متوجهون إلى الكعبة ومستقبلون سمتها.
الثاني : ما ذكره المحقق الأردبيلي (١) فيما حكي عنه ، قال ما لفظه : عدم اعتبار التدقيق في أمر القبلة وأنه أوسع من ذلك ، وما حاله إلا كأمر السيد عبده باستقبال بلد من البلدان النائية ، الذي لا ريب في امتثاله بمجرد التوجه إلى جهة تلك البلد من غير حاجة إلى رصد وعلامات وغيرها مما يختص بمعرفته أهل الهيئة المستبعد أو الممتنع تكليف عامة الناس من النساء والرجال خصوصاً السواد منهم بما عند أهل الهيئة الذي لا يعرفه إلا الأوحدي منهم ، واختلاف هذه العلامات التي نصبوها وخلوّ النصوص عن التصريح بشيء من ذلك سؤالاً وجواباً عدا ما ستعرفه مما ورد في الجدي من الأمر تارة بجعله بين الكتفين وأُخرى بجعله على اليمين مما هو مع اختلافه وضعف سنده وإرساله خاص بالعراقي ، مع شدة الحاجة لمعرفة القبلة في أُمور كثيرة خصوصاً في مثل الصلاة التي هي عمود الأعمال ، وتركها كفر ، ولعل فسادها ولو بترك الاستقبال كذلك أيضاً ، وتوجّه أهل مسجد قبا في أثناء الصلاة لما بلغهم انحراف النبي صلىاللهعليهوآله وغير ذلك مما لا يخفى على العارف بأحكام هذه الملّة السهلة السمحة أكبر شاهد على شدّة التوسعة في أمر القبلة وعدم وجوب شيء مما ذكره هؤلاء المدققون.
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٥٨. ( نقل بالمضمون ).