المتراءى من ظواهر الأدلة ، حيث إن المستفاد منها أن القبلة مهما كانت فهي شيء معين مشخص ثابت مستقر كما لا يخفى.
على أنّ الالتزام بهذا المبنى لا يكاد يجدي في ترتب تلك الثمرة ، أعني تحقق الاستقبال لو كان المصلي في مكان أرفع من البيت أو أخفض ، فإنهم ذكروا أنّ الاتجاه إلى القبلة يتحقق حينئذ من جميع النقاط ، بحيث لو فرض خط موهوم متصل من جبهة المصلي فهو لدى الاستقبال ينتهي لا محالة إلى الكعبة إما بنفسها أو ما فوقها أو ما تحتها من تخوم الأرض إلى عنان السماء ، بخلاف ما لو كانت القبلة مختصة بالفضاء المشغول بالبيت ، فان الاتصال حينئذ لا يكاد يتحقق إلا بالنسبة إلى الأمكنة المساوية سطحها مع سطح البيت دون العالية أو المنخفضة.
وفيه : أن هذا لا يتم على إطلاقه ، بل يختص بالأمكنة التي يكون بعدها عن الكعبة أقل من تسعين درجة ، وأما الواقعة على رأس التسعين فضلاً عما زاد فلا يكاد يتحقق فيها الاتصال.
وبيانه : أنّه بعد البناء على كرؤية الأرض كما هو المحقق في محله فاذا فرضنا وقوع الكعبة في قطب الجنوب من الكرة الأرضية وفرضنا اتساع القبلة بخط عمودي مركزه الكعبة ممتد من تخوم الأرض إلى عنان السماء ، فالبلدان النائية الواقعة فيما بينها وبين نقطتي المشرق والمغرب أعني خط الاستواء التي يقل بعدها عن تسعين درجة لا محالة بما أنها منحنية نحو القطب على ما تقتضيه كرؤية الأرض ، فالخط الممتد من مقاديم من يصلي فيها بعد توجهه نحو البيت ينتهي ويتصل بالأخرة إلى الخط العمودي الموهوم المفروض نصبه من الكعبة إلى عنان السماء ولو بَعُد مئات الفراسخ ، لكون الخط المزبور منحنياً ومائلاً نحو القطب بحسب الطبع كما عرفت ، فيتحقق الاتصال بينه وبين ذاك الخط العمودي لا محالة ولو بفصل مسافة بعيدة ومدة مديدة ، ويحصل بذلك الاستقبال كما ذكر.
وأما البلدان الواقعة في نفس نقطتي المشرق والمغرب أي على رأس