وقد ذكرنا في الأُصول (١) أنه لا عبرة بالقدرة حال الخطاب وزمان الإيجاب ، بل المدار في الاعتبار هو ظرف الامتثال ووقت الإتيان بالعمل خارجاً ، والمفروض حصول القدرة في هذه الحالة ، بل يمكن القول بحصولها حتى قبلها ، إذ المقدور مع الواسطة مقدور ، فهو قادر قبل النذر على الإتيان بصلاة جعفر يوم الجمعة عند الزوال وقبل الإتيان بفريضة الظهر ، بالقدرة على النذر المستوجب لانقلاب الموضوع حسبما عرفت.
والنتيجة : أنّ ما أفاده الماتن قدسسره من صحة النذر في مفروض المسألة هو الصحيح ، وإن كانت العبارة قاصرة ، حيث يوهم ظاهرها نشوء الرجحان من النذر ، وليس كذلك ، وإنما الناشئ منه هو القدرة شرعاً على العمل بالنذر حيث يزول به المانع الشرعي تكويناً ، فلو أُبدل الرجحان الواقع في كلامه بالقدرة وقال هكذا : ولا تعتبر في متعلق النذر القدرة عليه قبله ، لسلم عن الاشكال.
وقد استبان بما حققناه الفرق الواضح بين المقام وبين مثل نذر الصوم في السفر ، حيث إن موضوع هذا النذر وهو كون الصوم في السفر لا يرتفع بالنذر ، بل هو شيء واحد قبله وبعده ، فمن ثم احتاج نفوذ النذر إلى الدليل بعد أن كان متعلقه محرّماً في نفسه ، بخلاف المقام حيث إن العنوان المحرّم وهو التطوع قبل الفريضة يزول بنفس النذر تكويناً ويتبدل بالفريضة قبل مثلها ، ومن ثم كانت الصحة مطابقة للقاعدة من غير حاجة إلى التماس دليل خاص ، هذا.
ولمزيد توضيح المقام بما يزيل غشاوة الإبهام نقول : إن المأخوذ في لسان الروايات الناهية هو عنوان التطوع أو النافلة. والمحتمل بدواً في هذا الأخذ أن يكون على أحد أنحاء ثلاثة :
الأول : أن يكون على سبيل الطريقية ومحض المعرّفية من غير دخالة له في
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٣٥٤.