تعالى ( قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ ) (١) فإن التعبير بالخير يناسب الاستحباب والندب ، وإلا فلو أُريد الوجوب كان الأنسب التحذير عن الترك بالوعيد والعذاب الأليم ، نعم لا نضايق من استعمال هذه الكلمة في موارد الوجوب في القرآن الكريم كقوله تعالى ( وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) (٢) ونحو ذلك ، لكن الوجوب في أمثالها قد ثبت من الخارج بدليل مفقود في المقام ، وإلا فهذه الكلمة في حدّ نفسها الظاهرة في المفاضلة والترجيح لا تقتضي إلا الندب والرجحان كما هو المتبادر منها ومن مرادفها من سائر اللغات في الاستعمالات الدارجة في عصرنا ، فانّ المراد بالخير لا سيما إذا كان متعدياً بـ ( من ) كما في الآية الثانية ، ليس ما يقابل الشر ، بل ما يكون أحسن من غيره ، فكأنه تعالى أشار إلى أنّ الصلاة لمكان اشتمالها على المنافع الأُخروية ، فالإقدام إليها أفضل وأرجح من الاشتغال بالتجارة التي غايتها الربح الدنيوي الزائل ، وقد وقع نظير ذلك في القرآن كثيراً كما في قوله تعالى ( وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى ) (٣) إذ ليس المراد ما يقابل الشر قطعاً ، ونحوها غيرها كما لا يخفى على الملاحظ.
ومما ذكرنا يعلم أنّ الأمر في الآية المباركة محمول على الاستحباب ، حتى لو أُريد بالذكر الصلاة دون الخطبة ، لمكان التذييل بتلك القرينة الظاهرة في الندب.
فالإنصاف أنّ الاستدلال بهذه الآية للوجوب التعييني ضعيف.
وأضعف منه الاستدلال بقوله تعالى ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ) (٤) بتقريب أن المراد بالصلاة الوسطى هي صلاة الظهر في غير يوم
__________________
(١) الجمعة ٦٢ : ١١.
(٢) البقرة ٢ : ١٨٤.
(٣) الضحى ٩٣ : ٤.
(٤) البقرة ٢ : ٢٣٨.