وقد يقرب هذا المطلب على نحو آخر ، وهو أنّ الإتيان بالعمل باحتمال مطلوبيّته واقعاً إنّما هو انقياد ، والعقل مستقل بحسنه لأنّه والطاعة من باب واحد ، ولا يمكن أن تطرأ عليه الحرمة والقبح بوجه ، لأنّه نظير كون الإطاعة محرمة وهو ممّا لا معنى له.
وعليه فلم تبق ثمرة مترتبة على القول بالحرمة الذاتيّة ، فإنّ موضوع الحرمتين شيء واحد ، وهو ما إذا أتت بالعبادة بداعي أمرها الجزمي ، وذلك لأنّ المرأة إذا أتت بالعبادة بقصد أمرها الجزمي فهي محرمة قطعاً في حقّها للتشريع ، سواء أكانت محرمة عليها بالذات أيضاً أم لم تكن ، وإذا أتت بها بداعي الاحتمال فلا حرمة عليها مطلقاً قلنا بالحرمة الذاتيّة أم لم نقل.
ولكن الأمر ليس كذلك ، وذلك لأنّا إن قلنا بتماميّة ما استدلّ به على الحرمة الذاتيّة فمقتضى إطلاقها أن ما يؤتى به عبادة محرم بالذات سواء أكانت عباديّته من جهة قصد أمره الجزمي أم من جهة قصد أمره الاحتمالي ، فإنّ قوله عليهالسلام : فلتمسك عن الصّلاة يقتضي حرمة الصّلاة على الحائض أتت بها بداعي أمرها الجزمي أم بداعي احتمال الأمر.
وأمّا ما ادعي من أنّ المرأة حينئذ لم تأت بالعبادة إذا كانت حائضاً واقعاً ففيه خلط ظاهر بين الأُمور الاعتباريّة والأُمور الواقعيّة ، حيث إنّ الأُمور الاعتباريّة اختيارها بيد المعتبر ، فقد ينشئها المنشئ ويوجدها مطلقاً وقد ينشئها ويوجدها معلّقة على شيء فيقول : هي إن كانت زوجتي طالق ، أو بعتك هذا الكتاب إن كنت ابن عمّي ، أو أبحتك هذا المال إن كنت أخي ، فإنّ الطلاق والبيع والإباحة إنّما تتحقّق على تقدير تحقّق ما علّقت عليه بحيث لا طلاق ولا بيع ولا إباحة حقيقة على تقدير عدم تحقّق المعلّق عليه ، فإنّ التعليق إنّما هو في المُنشأ لا في الإنشاء. نعم قد يوجب التعليق بطلان المعاملة وقد لا يوجبه ، وهو أمر آخر تعرّضنا لتفصيله في محله.
وأمّا الأُمور الواقعيّة فأمرها مردّد بين الوجود والعدم ، فهي إمّا أن تكون موجودة وإمّا أن تكون معدومة ، ولا معنى فيها لكونها موجودة على تقدير كذا ، فلو ضرب أحداً على أنّه عدوه لا معنى لكون الضرب معلقاً على كونه عدوه بحيث لو كان