والوجه في عدم استنادنا إلى ذلك هو أنّا لو سلّمنا جريان أصالة السّلامة في غير المعاملات وبنينا على ترتب الأحكام الشرعيّة عليها فهي إنّما تجري فيما إذا لم يكن العيب أصلاً ثانويّاً للشيء لكثرته ، وإلاّ فالمعيب كالسليم ولا مجرى للأصل فيه ، وهذا كما في الغلفة لأنّها عيب في العبيد ، وبها يثبت خيار العيب لا محالة إلاّ أنّها أي الغُلفة وعدم الختان ليست موجبة للخيار في العبيد المجلوبين من بلاد الكفر ، لأنّها الغالب في مثلهم ، فإنّ الغلفة أمر يقتضيه طبيعة الإنسان ولا يتولد الإنسان مختوناً إلاّ نادراً كما وقع حتّى في عصرنا إلاّ أنّه قليل غايته ، فلا تجري عليها أحكام العيب ولا تنفيها أصالة السّلامة.
والأمر في المقام كذلك ، لأنّ الاستحاضة وإن كانت عيباً وفي بعض الأخبار أنّ الدم إنّما يخرج من العرق العاذل ( عابر ) ، ( عائذ ) (١) لعلّة (٢) وأنّ دم الاستحاضة فاسد (٣) ، إلاّ أنّها كثيرة في نفسها وإن كانت أقلّ من الحيض ، والكثرة أوجبت أن تكون الاستحاضة أصلاً ثانوياً للنساء ، فلا تقتضي أصالة السلامة عدمها ، على أنّ ترتّب الأحكام الشرعيّة عليها قابل للمناقشة كما لا يخفى.
وعلى الجملة شيء من تلك الوجوه المتقدّمة غير صالح لأنّ يكون مدركاً للقاعدة والحكم بالحيضيّة عند دوران الأمر بين الحيض والاستحاضة لا لأجل الشبهة الحكمية ولا من جهة الشبهة الموضوعيّة لأجل الشكّ في تحقّق الشرائط.
النصوص المستدل بها على قاعدة الإمكان
الصحيح أن يستدلّ على القاعدة بالأخبار كما استدلّوا بها ، والكلام فيها يقع في مرحلتين :
أحدهما : في المقتضي وأنّ الرّوايات الواردة في المقام هل تدل على قاعدة الإمكان
__________________
(١) الوسائل ٢ : ٢٨١ / أبواب الحيض ب ٥ ح ١.
(٢) راجع الوسائل ٢ : ٢٩٩ / أبواب الحيض ب ١٢ ح ٢.
(٣) الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣ ح ٣.