أمّا المرحلة الاولى : فالصحيح أنّ الأخبار المحدّدة لأقل الحيض بثلاثة أيّام كأكثره بعشرة أيّام تدل على اعتبار الاستمرار والتوالي في الأيّام الثلاثة ، واستفادة ذلك من الأخبار يتوقف على أُمور ، إذ لم يرد بهذا المضمون رواية.
الأمر الأوّل : أنّ الأخبار المحدّدة لأقل الحيض بثلاثة وأكثره بعشرة إنّما هي ناظرة إلى الحيضة الواحدة دون المتعدّدة ، لوضوح أنّه لا وجه لتحديد أكثر الحيضة المتعدّدة بعشرة أيّام ، فإنّ المرأة في عمرها لعلّها ترى الحيض أكثر من سنة ، فالروايات تحدّد أقل الحيضة الواحدة بثلاثة أيّام وتدل على أنّ الأقل من الثّلاثة ليس بحيض ، كما أنّ الأكثر من العشرة كذلك.
الأمر الثّاني : أنّ الحيض اسم لنفس الدم كما قدّمناه وقلنا إنّه اسم لنفسه أو لسيلانه ، وإطلاقه على المرأة بعد نَقائها مبني على المسامحة والعناية ، فهذه الرّوايات إنّما تدل على أنّ الدم المسمّى بالحيض لا يقصُر عن الثّلاثة ولا يزيد على العشرة ، وليس اسماً لحدث الحيض ، ويكشف عن ذلك تقابل الحيض بالطهر والنقاء من الدم في قوله تعالى : ( ... فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ... حَتّى يَطْهُرْنَ ... ) (١) فالطهارة أي انقطاع الدم والحيض متقابلان ، فلو كان الحيض بمعنى الحدث لم يكن وجه لتقابلهما ، لبقاء الحدث عند طهارتها أي نقائها من الدم ، وكذا ما ورد في الرّوايات من قولهم « إذا طهرت تغتسل » (٢) حيث جعل الطّهر في قبال الحيض ، ولا وجه له إلاّ إذا كان بمعنى نفس الدم ، وإلاّ فالحدث باق إلى أن تغتسل.
الأمر الثالث : أنّ الاتصال مساوق للوحدة ، فمع اتصال الدم في الثّلاثة فهو حيض واحد ، وأمّا إذا انقطع فرأته يومين فلا يصدق عليه الحيضة الواحدة للانفصال.
فهذه الأُمور تجعل الأخبار الواردة في تحديد الحيض ظاهرة في إرادة التوالي والاستمرار في الثّلاثة ، لأنّه مع الانقطاع يخرج الدم عن كونه واحداً ، فهما دمان كلّ
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٢٢.
(٢) الوسائل ٢ : ٣٠٩ / أبواب الحيض ب ١٧ ح ٢ ، ص ٣١٢ ب ٢١ ح ١ و ٣ ، ص ٣٢٥ ب ٢٧ ح ٤ و ٥ و ٦ ، وغيرها.