وأمّا إذا لم يكن هناك شيء من هذه الأُمور فلا بدّ في صحة الوضوء من إذن مالك الماء ورضاه ، وذلك لأن حرمة التصرف في مال الغير من دون إذنه قد أطبقت عليها الأديان والشرائع ومن الأُمور الضرورية عند العقلاء ، لبداهة أن التصرّف في ملك الغير من دون رضاه ظلم وعدوان كما أن الحرمة من ضروريات الدين وقد دلّت موثقة سماعة المتقدِّمة (١) على عدم جواز التصرّف في مال الغير إلاّ بطيبة نفسه.
ثم إن المالك قد يصرّح برضاه وإذنه في الوضوء ، كما إذا قال أبحت لك التصرّف في هذا الماء بالوضوء أو قوله انتفع به في الوضوء أو غير ذلك من العبارات.
وقد يستكشف رضاه بالفحوى وطريق الأولوية ، كما إذا أجاز له في إتلاف ماله لأنه يستلزم الإذن في الوضوء بطريق أولى ، حيث لا إتلاف معتدّ به في الوضوء أو لو كان فهو قليل.
وثالثة يستكشف الإذن من شاهد حال كما في الضيوف ولا سيما في المضائف العامة ، فإنه إذا أضاف أحد غيره يرضى بتصرفاته في مثل الماء الموجود في محل الضيافة بالاستنجاء أو بالتوضؤ أو بغيرهما مما لا يوجب الإضرار والإتلاف ، كما جرت عليه السيرة في الضيافات ، فان الضيف يتصرف في مال المضيف كتصرّفات نفسه. وقد قيد الماتن قدسسره شاهد الحال بالقطعي ويأتي عليه الكلام عن قريب إن شاء الله تعالى.
بقي هنا شيء : وهو أنك قد عرفت أن بناء العقلاء والمتشرعة على عدم جواز التصرف في مال الغير بغير إذنه ورضاه ، بل مرّ أن ذلك من ضروريات الدين ومما أطبقت عليه الأديان والشرائع. إذن حرمة التصرف في مال الغير من غير إذنه ورضاه مما لا إشكال فيه.
وإنما الكلام في أن موضوع الحرمة المذكورة هل هو عدم الرضا القلبي والطيب النفساني ، أو أن موضوعها عدم الاذن وعدم إبراز الرضا بحيث لو علمنا برضاه قلباً
__________________
(١) في ص ٣٢٣.