والحلية الغيرية (١) ، وأما إذا لم يتم شيء من تلك الأدلة وانحصر دليل صحة التقيّة والإجزاء بالسيرة كما هو الحق ، فالظاهر اختصاص الحكمين بخصوص التقيّة من العامّة ، لأنها التي تحققت فيها السيرة ولم يردع عنها الأئمة عليهمالسلام ولا علم لنا بتحقق السيرة في غيرها.
كما أنه بناء على ما ذكرناه لا يجرى الحكم بالصحة والإجزاء في التقيّة من جميع العامة ، بل يختص بالتقية من العامة المعروفين القائلين بخلافة الخلفاء الأربعة ، وأما التقيّة من الخوارج الملتزمين بخلافة الخليفتين الأولين فهي خارجة عن الحكم بالصحة والإجزاء ، وذلك لعدم كثرة الابتلاء بالتقية منهم في تلك الأزمنة حتى نستكشف من عدم ردعهم عليهمالسلام صحة العمل المأتي به تقيّة وإجزائه عن المأمور به الواقعي. هذا على أن التقيّة من النواصب داخلة في التقيّة من غير العامة من الكفّار ، لأن النواصب محكومة بالكفر.
ثم إن التقيّة مختصة بالأحكام ، وأما التقيّة من العامة المعروفين الذين هم محل الابتلاء كثيراً في الموضوعات الخارجية ، كما إذا اعتقد عامي أن ثوباً من الحرير وكانت الصلاة واجبة في الثوب الحرير في مذهبهم ، فإن التقيّة حينئذٍ في لبس الثوب الذي يعتقده العامي حريراً تقيّة في الموضوع الخارجي قد اشتبه أمره على العامي وغير راجعة إلى التقيّة في الأحكام ، ولم يتحقق في مثلها سيرة من المتدينين على التبعية حتى يحكم بصحة التقيّة وإجزائها.
نعم ، بناء على تمامية الأدلة اللفظية المتقدمة فمقتضى عمومها وإطلاقها عدم الفرق في صحة التقيّة وإجزائها بين التقيّة في الأحكام والتقيّة في الموضوعات.
والظاهر عدم التزام الفقهاء قدسسرهم بصحة التبعية في الموضوعات ، وهذا من أحد المفاسد المترتبة على القول بسقوط الجزئية والشرطية والمانعية في موارد التقيّة اعتماداً على الأدلة اللفظية المتقدمة.
__________________
(١) رسالة في التقيّة : ٣٢٣ السطر ١٥.