الجواز ، فهي مقيدة للأدلة المتقدِّمة الدالّة على حرمة النظر إلى عورة الغير على تقدير كونها مطلقة ، هذا.
على أنّا لو أغمضنا عن رواية الجواز ، أيضاً لا يمكننا الحكم بحرمة النظر إلى عورة الكافر ، وذلك لقصور المقتضي في نفسه حيث لا إطلاق فيما دلّ على حرمة النظر إلى عورة الغير حتى يشمل الكفار ، لأن الأخبار الواردة في ذلك مقيدة بالمؤمن أو المسلم أو الأخ ، وأما الآية المباركة ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) (١) فهي أيضاً لا دلالة لها على المدعى وذلك :
أمّا أوّلاً : فلأن الظاهر من الآية المباركة أنها ناظرة إلى الجامعة الإسلامية وتكفلت ببيان وظيفة بعضهم بالإضافة إلى بعض آخر ، فلا إطلاق لها حتى تشمل غير المسلمين.
وأمّا ثانياً : فلأنها على تقدير إطلاقها وشمولها لغير المسلمين ، لا بدّ من تقييدها برواية حريز وما تقدم عن حنان بن سدير وغيرهما من الأخبار المشتملة على الأخ المؤمن أو المسلم ، والسر في ذلك أن تقييد موضوع الحكم بوصف أو بغيره من القيود يدل على أن الحكم في القضية لم يترتب على الطبيعة بإطلاقها وأينما سَرَت ، وإنما ترتب على الحصة المتصفة بذلك الوصف أو القيد ، لأنه لولا ذلك لكان تقييد الموضوع بأحدهما لغواً ظاهراً ، وقد تقدم في مبحث المفاهيم أن ذلك متوسط بين القول بمفهوم الوصف وإنكاره (٢) حيث لا نلتزم بالمفهوم في الأوصاف بأن ننفي الحكم عن غير المتصف ولو بسبب آخر ، ولا ننكر مدخليته في ثبوت الحكم رأساً ، بل ندعي أن للقيد دخالة في ترتب الحكم على موضوعه ، إلاّ أنه لا يدل على عدم مدخلية غيره من القيود فيه ، مثلاً تقييد الرجل بالعلم في قولنا : أكرم الرجل العالم يدل على أن له دخلاً في الحكم بوجوب إكرام الرجل ، ولا يدل على أن العدالة مثلاً ليست كذلك لأنه يحتمل أن تكون العدالة أيضاً كالعلم علة للحكم.
__________________
(١) المتقدِّمة في ص ٣١٦.
(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٣٣.