وعليه فقد كان النص الشرعي واضحا في معناه وفهمه ودلالته وقطعية صدوره ، وفي جملة الملابسات والظروف التي أحاطت به.
وضمن هذه الظروف لم تواجه الشريعة فراغا أو فجوات تفرضها حوادث طارئة متكثرة ، ولم يكن المكلف يعاني من أزمة في النص أو في تحديد التكليف الشرعي ، ولم يكن الممارس للعمل الفقهي يعاني مشقة كبيرة في استحصال الحكم الشرعي لمحدودية أدوات الاستنباط المترسخة في الذهن.
ولكن هذه الحالة لم تستمر طويلا ، إذ بانتهاء عصر النص والتشريع ـ أي سنة ٣٢٩ ه وهي ابتداء الغيبة الكبرى للإمام المهدي عليه السلام وكلما زاد البعد عنه ، بدأ وضوح النص يخفت تدريجيا ، ويواجه إشكالات عديدة تطال أكثر الاجزاء المكونة له ، أي معناه وقاطعية صدوره ... إلخ.
وبدأ الفاصل الزمني يفعل فعله القاهر كحاجز كبير بين النص ومكوناته ، وبين الفقيه وممارسته الفقهية.
فقد أصبحت الحاجة ملحة لأن تقعّد هذه النصوص ويوضع نظام عام لها مضبوط ومحكوم بأصول وقواعد مشتركة تستخلص من جملة هذه النصوص لتنضوي تحتها العديد من العناوين الفقهية القديمة أو المستجدة.
وهذا ما بدأ يمارسه الفقهاء مستندين بذلك على البيان الشرعي ـ الكتاب الكريم والسنة ـ إذ كان الأئمة عليهم السلام باعتبارهم أمناء الرسالة يعون أبعاد الثغرة التي ستحدث ، لذا كانوا يغرسون بذرة التفكير الأصولي في أذهان أصحابهم ، ويوضحون لهم بعض القواعد الأساسية العامة لتكون هي المستند الكاشف عن الحكم الشرعي « كل شيء طاهر حتى تعلم انه نجس » وكجملة من الروايات الواردة في التوفيق بين النصوص المتعارضة وحجية خبر الثقة ... إلخ.
ومستندين أيضا على الإدراك العقلي القائم على أساس الحس والتجربة