كلّ من الأمور الثلاثة للطلاق ، ولا يخطر ببال أحد من أهل اللسان المفهوم فضلا عن معارضته مع المنطوق ، فخفاء الجدران والأذان سببان للتقصير والإفطار على نحو ما سمعت.
وهنا نكتة طريفة وهي : أنّ السفر لمّا كان لا يتحقق مفهومه إلاّ بقصد مسافة بعيدة وبالبعد عن المكان الّذي سافر عنه جعل الشارع حدّا للمسافة المقصودة وهو الأربعة وجعل حدّا للبعد عن المحلّ أو لصدق الخروج ، ولم يجعله بالكمّ لاختلاف البلدان والأمكنة في صدق البعد ، كما يظهر إن قايست بين مدينة عظيمة ذات توابع ، وبين قرية مقفرة (١) مسوّرة ، بل جعل معرفته بحاسّتي السمع والبصر الّذين هما المعتبران عرفا في المقام وأمثاله.
والحاجة شديدة إلى جعلهما معا ، ويكاد لا يغني أحدهما عن الآخر ، إذ السفر كثيرا ما يكون في غير وقت الأذان ، أو عن بلد لا يؤذّن فيه ، وكذلك قد يكون حاجز يمنع عن مشاهدة الجدران كالأكم (٢) المعترضة في الطريق.
وأيضا قد يكون المسافر أصمّ فلا يجديه حدّ الأذان ، أو أكمه (٣) فلا ينفعه حدّ خفاء الجدران ، ولازم ذلك كفاية كلّ من الأمرين على حذو حصول أحد الحدّين للكرّ ، وإحدى العلامات للبلوغ.
ومن الغريب عدول جماعة عن هذا الحق الأبلج (٤) إلى تكلّف احتمالات بعيدة لظنّهم أنّ التحديد بأمرين مختلفين غير معقول ، وصرّح بعضهم بأنّ مآله إلى اجتماع النقيضين.
مع أنهم يرون تحديد الكرّ بالأمرين من الوزن والمساحة ، بل الإشكال
__________________
(١) التخفير : التسوير. لسان العرب ٤ : ٢٥٣ ( خفر ).
(٢) أكم جمع ، مفردها : أكمة ـ محرّكة ـ : تلّ صغير. مجمع البحرين ٦ : ٨ ( أكم ).
(٣) الأكمه : الّذي يولد أعمى. الصحاح ٦ : ٢٢٤٧ ( كمه ).
(٤) يقال : الحقّ أبلج إذا اتّضح. الصحاح ١ : ٣٠٠ ( بلج ).