الوسائط بين ما يتكلّم به وبين الغرض الأصلي من التكلم.
وبهذا يظهر لك مواقع النّظر في كلام الجدّ الأعظم ـ قدّس سرّه ـ حيث قال في أثناء كلام له ، وهذا لفظه :
« هذا إذا كان المقصود إسناد تلك المحمولات إلى موضوعاتها على سبيل الحقيقة ، وأما إذا لم يكن إسنادها إلى موضوعاتها مقصودا في ذلك المقام ، بل كان المقصود بيان ما يلزم ذلك من التخضّع ونحوه كقولك : أنا عبدك وأنا مملوكك. فلا ريب إذن في الخروج عن مقتضى الوضع إذ ليس المقصود في المقام بيان ما تعطيه [ من ] (١) معاني المفردات بحسب أوضاعها ، فحينئذ يمكن التزام التجوّز في المفردات كأن يراد بعبدك أو مملوكك لازمه ، أو في المركّب بأن يراد من الحكم بثبوت النسبة المذكورة لازمها ، وعلى كل حال فالتجوّز حاصل هناك » (٢) انتهى.
وقد عرفت الفرق بين المقصود من التكلّم ، وبين المقصود من الكلام ، وبين الاستعمال وبين الداعي إليه ، والتخضّع هو الداعي إلى أن يقول لمن يريد الخضوع له : أنا عبدك ، لا أنه معنى للكلام ، ويقوله هذا كما يقوله المملوك واقعا من غير فرق من جهة الاستعمال أصلا.
ومثله الجمل التي تستعمل في مقام التخويف والتهديد والمدح والدعاء وغير ذلك ممّا لا يدع وضوح الأمر فيها سبيلا إلى تعداد الأمثلة لها.
ومن هذا القبيل الجمل الخبرية التي تورد في مقام الطلب فهي مستعملة في معانيها ، لكن لا بداعي الاعلام بل بداعي البعث بنحو آكد كما بيّنه الأستاذ في الكفاية (٣) وأحسن ما شاء ، بل وكذلك جميع الجمل الخبرية التي لا يراد منها
__________________
(١) الزيادة من المصدر.
(٢) هداية المسترشدين : ٣٥.
(٣) كفاية الأصول : ٧٠ ـ ٧١.