ولا يخفى أن ما طُلب من الإذن ، إنما هو لأجل الحصول على ترخيص نبوي بالقول المخالف للحق بغية الوصول إلى مصلحة إسلامية لا تتحقق إلّا من هذا الطريق ، فجاء الإذن الشريف بأن يقولوا ما يشاؤون بهدف الوصول إلى تلك المصلحة.
ومنه يعلم صحة ما مرّ سابقاً بأن التقيّة كما قد تكون بدافع الإكراه ، قد تكون أيضاً بغيره ، كما لو كان الدافع اليها غاية نبيلة ومصلحة عالية.
ونظير هذا الحديث بالضبط ما رواه أحمد في مسنده ، والطبري ، وعبدالرزاق ، وأبو يعلى ، والطبراني وغيرهم من حديث الصحابي الحجاج ابن علاط السلمي وقصته بعد فتح خيبر ، إذ استأذن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أن يذهب إلى مكة لجمع أمواله من مشركي قريش على أن يسمح له النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بأن يقول شيئاً يسرّ المشركين ، فأذن له النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وفعلاً قد ذهب إلى مكة ولما قَرُبَ منها رأى رجالاً من المشركين يتسمعون الأخبار ليعرفوا ما انتهى إليه مصير المسلمين في غزوتهم الجديدة (خيبر). فسألوا ابن علاط عن ذلك ولم يعلموا باسلامه فقال لهم : (وعندي من الخبر ما يسركم) !
قال : (فالتاطوا بِجَنْبَيْ ناقتي يقولون : إيه يا حجاج !
قال : قلت : هُزموا هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط ) !!
ثم أخذ يعدد لهم كيف أنّ اليهود تمكنوا من قتل المسلمين ، وتتبع فلولهم ، وأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقع أسيراً بأيديهم ، وأنهم أجمعوا على أن يبعثوه مقيداً بالحديد إلى قريش ليقتلوه بأيديهم وبين أظهرهم !!!
هذا مع علمه علم اليقين كيف قلع أمير
المؤمنين عليهالسلام
باب خيبر ، وكيف دُكّت حصون اليهود وولّوا الدُبر ، لكنه أراد بهذا أن يجمع أمواله من